كتاب احكام الوصية في الشرع والقانون

كتاب احكام الوصية في الشرع والقانون

مشاركة غير مقروءةبواسطة BAHRAIN LAW » الاثنين أكتوبر 06, 2008 10:58 am

الفصل التمهيدى
فى
مقدمات الوصية
تمهيد :
قدمنا أن الوصية خلافة اختيارية مؤجلة يقررها الشخص فى ماله بغير عوض، فهى من قبيل العطايا المضافة إلى ما بعد الموت، غير أنها – على التحقيق – أعم من ذلك.
وفى بياننا لمقدمات الوصية نعرف بها، ثم نعرض بإيجاز للتطور التاريخى لهذا التصرف، ثم نبين حكم الوصية وحكمه مشروعيتها، ثم نبرز أهم أوجه الافتراق بين الوصية والإرث.
وقد أبرزنا فيما سبق أوجه التمايز بين الوصية والهبة والوقف – وأخيرا نورد تعليقا موجزا على القانون المطبق على الوصية فى مصر.

المبحث الأول
التعريف بالوصية
1- الوصية فى اللغة :
الوصية اسم فعله وصى، والأصل فيه وصل شئ بشئ يقال وصيت الشئ وصلته، فكأن الموصى لما أوصى بها وصل ما بعد الموت ما قبله فى نفوذ التصرف.
وتطلق الوصية ويراد بها التقدم إلى الغير بما يعمل به مفترنا بوعظ وقد تطلق الوصية ويراد بها : الشئ الموصى به، كما فى قوله تعالى "من بعد وصية توصون بها أو دين"( ).
2- الوصية فى الاصطلاح الفقهى :
تتعدد تعريفات الفقهاء للوصية حتى أننا لنجد أصحاب المذهب الواحد يعرفونها بأكثر من تعريف.
فالإمام الكرخى من الحنفية يعرفها بأنها "ما أوجبه الموصى فى ماله تطوعا بعد موته، أو فى مرضه الذى مات فيه( ).
بينما يعرفها الكاسانى – وهو من الحنفية أيضا – بأنها "اسم لما أوجبه الموصى فى ماله بعد موته"( ).
وقال بعضهم : هى "تبرع مضاف إلى ما بعد الموت"( ).
وعلى هذا الأخير أكثر المذاهب الأخرى( ).
وقد انتقدت هذه التعريفات جميعها، لأنها تفتقد الشمول والضبط والدقة، ومن ذلك :
أن تعريف الكرخى يدخل تبرعات المريض مرض الموت فى الوصايا عند إنشائها، وهذا لا يتفق مع الوضع الفقهى لها، لأن الذى يقرره الفقهاء تبرعات المريض المنجزة فى حال مرضه تأخذ فى إنشائها حكم الهبات فيشترط لتكوينها ما يشترط فى الهبات ولكنها فى المآب تأخذ حكم الوصية إن استوفيت عند إنشائها شروط الهبة، بحيث إذا لم تستوف هذه الشروط عند الإنشاء تبطل، ولا يكون لها حكم الوصايا بعد الوفاة( ).
والشطر الأول من تعريف الكرخى، وتعريف الكاسانى، يرد عليهما أنهما لا يشملان الوصايا التى لا تنتقل فيها ملكية الشئ الموصى به إلى الموصى له، كالوصية بتأجيل الدين، أو إسقاطه عن المدين، والوصية بتقسيم التركة بين الورثة، وهذا النقد يرد على التعريفات الأخرى( ).
كما يرد على جميع التعريفات أنها لا تشمل الوصايا التى لا تبرع فيها، كالوصية بأداء واجبات ثبتت بإيجاب الشرع على الموصى، كالوصية بأداء الزكاة أو الحج عنه( ).
ولهذا القصور فى تعريفات السلف بارك المحدثون التعريف القانونى للوصية لما تميز به من شمول وضبط.
3- الوصية فى القانون :
عرفت المادة الأولى من قانون الوصية رقم 71/1946 الوصية بأنها "تصرف فى التركة مضاف إلى ما بعد الموت".
ولما كان التصرف فى العرف الشرعى يعنى "الكلام الملزم شرعا"( ) فإن هذا الاصطلاح يعم كافة التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت ولا يقصرها على التبرعات، أو التمليكات فحسب، وإنما يشمل صورا أخرى غيرها، كالإسقاطات المحضة، أو فى معنى التمليك( ) وكذا الوصية بحق، كالوصية بتأجيل الدين إلى أجل معين، والوصية بأداء حق من حقوق الله تعالى، والوصية بتقسيم التركة بين الورثة على وجه معين.
ولفظة "تركة" الواردة فى التعريف تفسر على حسب ما سيأتى فى المواريث، فهى المنافع والحقوق المالية بصفة عامة.
وعبارة "مضاف إلى ما بعد الموت" تعنى أن التصرفات المنجزة فى الصحة، كالهبة، ليست من قبيل الوصايا، كما تعنى أن تبرعات المريض مرض الموت المنجزة لا تأخذ حكم الوصايا، إلا فى المآب.
المبحث الثانى
التطور التاريخى لنظام الوصية
نظام الوصية أو الخلافة الاختيارية فى المال نظام قديم، وتشير الدراسات إلى أنه قبل أن تستقر أحكام المواريث كانت الوصية هى النظام المتبع فى تمليك الأموال بعد الوفاة.
فقد عرف هذا النظام عند المصرين القدماء، وكانت صورته الغالبة الوصية لأى شخص بكل المال أو جزئه بشرط أن تكون الوصية مكتوبة، وأن ينص فيها على أن الموصى قد أبرمها فى حياته، وفى حال صحته.
كما عرف الرومان هذا النظام، وصورته التى انتهى العمل إليها أن الحد الأقصى للوصية هو ثلاثة أرباع التركة، أما الربع الباقى فيتعين أن يكون للورثة الجعليين، وبمقتضى نظام الوصية يحل الموصى له محل الموصى ليس فقط بعد مماته، وإنما فى حياته أيضا، ويلزم لصحة الوصية أن يوقع على صحيفتها سبعة شهود( ).
كما عرف العرب قبل الإسلام نظام الوصية وكانت وصاياهم تصدر على نحو ما ألفوه من المباهاة والمفاخرة، ومن ثم فقد يوصى الشخص بكل ماله إلى بعيد لم تربطه به صلة من قرابة حقيقية تاركا أقرب الناس إليه فى فقر مدقع.
فلما جاء الإسلام عمد إصلاح هذا النظام البالغ الجيف على نحو تدريجى حتى تتقبله النفوس.
1- فدعاهم أولا إلى البر بالوالدين والإحسان إلى الأقارب بصفة عامة، قال تعالى" يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فالوالدين والأقربين"( ).
2- ثم أقر الإسلام مبدأ الوصية مقيدا هذا النظام بشرط واجب وهو أن تكون الوصية للوالدين والأقربين بالعدل، قال تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين( ) فأوجب الوصية للوالدين والأقربين مع حق الموصى فى الاجتهاد والنظر فى قدر ما يوصى به ما لم يكن فيه وكسولا شطط، فضلا عن حقه فى الوصية لغير هؤلاء من الأجانب والأصدقاء( ).
3- وبعد أن استقر فى النفوس حق الوالدين والأقربين فيما يتركه الميت نسخت الوصية المطلقة بالوصية المقيدة فى حدود الثلث، أما باقى التركة – وهو الثلثان – فقد جعله الإسلام حقا للورثة محددا إياهم بنصوص من الكتاب والسنة( ).
ومن هنا فإن نهاية المطاف فى تشريع الوصية أنها أصبحت جائزة – أو مندوبة – فى حدود ثلث التركة فقط، بعد أن تولى الله تشريعا وتقديرا على لسان نبيه ، قال  "إن الله قد أعطى كل ذى حقه فلا وصية لوارث"( ).
وقال لسعد بن مالك "الثلث والثلث كثير"( ) على ما سنعرف تفصيلا فيما سيأتى.
المبحث الثالث
حكم الوصية وحكمة مشروعيتها
أولا : ثبتت مشروعية الوصية بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، أما الكتاب فقوله تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية…"( ) وقوله "من بعد وصية يوصى بها أو دين.."( ).
والمعنى : إذا قرب حضور الموت – بظهور إمارته أو سببه – وكان للشخص خير – أى مال – فليوص، وتنفذ وصيته قبل توزيع ما ترك على ورثته.
ومن السنة : ما روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله  قال "ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"( ).
وما روى البخارى وغيره عن سعد بن أبى وقاص قال : جاءنى رسول الله  يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد به فقلت : يا رسول الله : قد بلغ بى من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة، أفاتصدق بثلثى مالى؟ قال: لا، قلت : فالبشطر – النصف – يا رسول الله؟ قال: لا، قلت: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"( ).
وعلى مشروعية الوصية أجمع العلماء فى جميع الأعصار والأمصار( ).
ثانيا : وما لم تكن الوصية بمعصية، أو بما يزيد على الثلث، أو لفاسق يخشى منه إنفاقها فى أوجه الفسق، فإن الوصية جائزة( ).
ويأخذ الجواز صفة الوجوب إذا كان عدم القيام بالوصية يؤدى إلى تفويت حق من حقوق الله تعالى المالية الواجبة، أو تفويت حق من حقوق العباد الواجبة.
فمن لم يؤد الزكاة يجب عليه أن يوصى بأدائها، وكذا من كان عليه دين، أو عنده وديعة ولم تكن هناك وسيلة إثبات شرعية على ذلك الدين أو هذه الوديعة، فليوص بالخروج منه، لأن الله تعالى فرض أداء الأمانات، وطريقة فى هذين الفرضين الوصية فتكون مفروضة عليه( ).
ثالثا : فإذا لم تكن الوصية بمعصية، أو بما يزيد على الثلث، ولم يكن فى عدم القيام بها تفويت حق – على ما رأينا – فإن العلماء مختلفون فى حكم مشروعيتها ونستعرضه على النحو التالى :
1- وصية من له مال وليس له ورثة محتاجون :
أ- يرى جمهور العلماء : أن مثل هذا تستحب له الوصية ولا تجب، وذلك لأن الله قال فى آية الوصية "حقا على المتقين" ولو كانت الوصية فرضا لكان على جميع المسلمين، فلما خص الله من يتقى، أى يخاف تقصيرا دل على أنه غير لازم"( ).
ولأن أكثر الصحابة – وهم كما نعلم خير القرون بشهادة النبى  - لم ينقل عنهم وصية، ولم ينقل على ذلك نكير، ولو كانت الوصية واجبة ما لاق بأكثرهم الترك"( ).
ولأن الوصية عطية والعطايا لا تجب فى الحياة فلا تجب بعد الموت.
ب- ويرى بعض العلماء : أن الوصية بجزء من المال واجبة مطلقا لقوله تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية"، قال الزهرى: جعل الله الوصية حقا – أى ثابتا واجبا – مما قل أو أكثر.
وقال آخرون : نسخت الوصية للوارثين وبقيت فيمن لا يرث من الأقربين.
ولما روى ابن عمر أن النبى  قال "ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".
وفى رواية "لا يحل لامرئ مسلم……الخ الحديث".
فهذا يدل على وجوب الوصية، لأن النهى عن الشئ أمر بضده( ).
ج- والصحيح : أن آية الوصية منسوخة بآيات المواريث، وعلى قول من يرى نسخ القرآن بالسنة فإن قول النبى  "إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث" ينسخها أيضا( ).
أما حديث ابن عمر فهو محمول على الوصية بالأمور الواجبة كالحقوق التى تفوت ما لم يوص بأدائها، أو يقال إن حديث ابن عمر "ما حق" يقتضى الحث والحث يشمل الواجب والمندوب، فتجب فيما يجب أداؤه وتندب فيما وراء ذلك( ).
2- وصية من له ورثة محتاجون :
ومثل هذا يرى أكثر العلماء : أن الوصية لا تستحب له. لقول النبى  لسعد "إنك إن تدعهم أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"، ولقوله  "ابدأ بنفسك ثم من تعول"( ).
وروى عن على – كرم الله وجهه – أنه قال لرجل أراد أن يوصى "إنك لن تدع طائلا، إنما تركت شيئا يسيرا فدعه لورثتك" ومثله يروى عن عروة بن الزبير رضى الله عنهما( ).
ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبى.
ويرى بعضهم : أن حكم الوصية لا يختلف بقلة المال وكثرته، فليوص – استحبابا – من القليل قليلا ومن الكثير كثيرا، لأن المقصود بالخير فى الآية المال، وهو يصدق على القليل والكثير( ).
وفى رأيى : أن الثانى أوجه لمصلحة الموصى وتدارك ما فاته من أعمال الخير والبر.
رابعا : الحكمة فى مشروعية الوصية :
على ما يظهر لى فإن الأصل فى الشريعة الغراء أن الشراع الحكيم هو الذى يتولى أمر الخلافة فى مال الميت وينظمها، وخروجا على هذا الأصل شرع الله الوصية فأجاز للشخص أن يستخلف من يرى فى القدر الذى حدده الشارع وفى حدود صفة الموصى له، مع مراعاة الباعث( ) على تلك الخلافة الاختيارية وطبقا للشروط المقترنة بهذا التصرف، وذلك لأسباب منها :-
1- تدارك الموصى لما فاته من أعمال الخير والبر، ومكافأة من عاونة وناصره من غير أقاربه فى الحياة الدنيا، على أن يكون فى ذلك غير متجانف لإثم، ولا قاصدا أمرا محرما، وإعانة للشخص على ذلك شرع الله له هذا الباب، فقال نبيه صلى الله عليه وسلم "إن الله تبارك وتعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم فى آخر أعماركم زيادة لكم فى حسناتكم فقدموه حيث شئتم"( ).
2- تقوية الصلات الاجتماعية دون ضرر يعود على الشخص فى حياته، فقد يرغب الإنسان فى مساعدة الأقرباء غير الورثة، والأحباب، ولكنه يخشى أن يحتاج إلى المال المتبرع به حال حياته، ولما كانت الوصية عقدا غير لازم يجوز للشخص الرجوع فيه متى شاء، وكانت لا تنتقل الملكية بها إلا بعد الموت، فإنها تحقق الرغبة، ولا تدخل الرهبة.
المبحث الرابع
الوصية والميراث
تشبه الوصية الميراث فى أن الموصى له لا يخلف الموصى إلا بعد موته وكذلك الوارث يخلف المورث بعد موته.
كما أن كلا من الوصية والميراث من الحقوق المتعلقة بالتركة.
ولكن الميراث والوصية يفترقان من نواح عدة :
1- الميراث حق شرعى يثبت للوارث بوفاة المورث، ويتعلق بالباقى من التركة بعد التجهيز وسداد الديون، وتنفيذ الوصايا ولا دخل للمورث فى تحديد المستحق، ولا قدر استحقاقه.
أما الوصية فتصرف إنشائى من الموصى نفسه حال حياته فى جزء من ماله، أن يخص به من يشاء، وبالقدر الذى يرى – فى الحدود المعتبرة شرعا – وله أن يعدل هذا المقدار بالزيادة والانتقاص، وتتعلق الوصية بالتركة قبل توزيعها على المستحقين بالإرث.
2- الإرث خلافة إجبارية لا يتوقف على إيجاب من المورث ولا قبول من الوارث، أما الوصية فخلافة اختيارية فى إنشائها وقبولها.
3- لا يملك الوارث رد الموروث، بل يدخل فى ملكه جبرا عنه أحب أم كره، أما الموصى له فيملك رد الوصية، فإن فعل بطلت.
4- اختلاف الدين يمنع الإرث، ولا يمنع الوصية.
5- الورثة محددون، ومحددة أنصبتهم، وهى فى الأصل أجزاء شائعة فى التركة كالنصف والربع………الخ.
أما الموصى له فلم يحدده الشارع، ولم يعين نصيبه فى القدر الذى تنفذ فيه الوصية، وهذا القدر قد يكون حصة شائعة فى التركة وقد يكون عينا معينة وكل ذلك حسب تقدير الموصى ومشيئته.
المبحث الخامس
القانون المطبق على الوصية فى مصر
قبل سنة 1946كانت أحكام الوصية تطبق وفق أرجح الأقوال فى مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه.
وقد جمع العلامة محمد قدرى باشا هذه الأحكام فى صورة مواد قانونية فصاغ منها نحو 29 تسع وعشرين مادة فى الوصية خاصة، وتحت عنوان فى تصرفات المريض أورد اثنتى عشرة مادة، وهى شديدة الصلة بأحكام الوصية، فيما خلا المادة الأولى منها والتى تنص على أن "التصرف الإنشائى المنجز الذى فيه معنى التبرع إن صدر من أهله فى حال صحة المتبرع ينفذ من جميع ماله".
وفى ديسمبر من سنة 1936شكلت لجنة قامت بوضع مشروعات قوانين الوقف والوصية والإرث، وفى 24يونية من سنة 1946صدر القانون رقم 71لسنة 1946 بإصدار قانون الوصية، ونشر بالجريدة الرسمية فى 1/7/1946، ونص فى المادة الثانية من قانون الإصدار على أن يعمل به بعد شهر من تاريخ نشره، ومن ثم فإن كافة المنازعات الحاصلة بدءا من أول أغسطس 1946 تخضع لأحكام هذا القانون، أما المنازعات السابقة على هذا التاريخ فيفصل فيها وفقا لأرجح الأقوال فى المذهب الحنفى.
ووفقا لنص المادة الأولى من قانون الإصدار فإن الأحكام التى قررها قانون الوصية تطبق على جميع المصريين أيا كانت ديانتهم؛ وهذا على خلاف ما كان يجرى عليه العمل قبل صدور هذا القانون، حيث كان غير المسلمين يخضعون لأحكام شريعتهم الخاصة، ما لم يكن أطراف الخصومة مختلفى الملة أو الطائفة فيطبق عليهم الراجح من مذهب أبى حنيفة.
وأخيرا فإن المذكرة الإيضاحية للقانون 71 لسنة1946 تصرح أنه نص فى هذا القانون يحكم المنازعة فإنه يجب الرجوع إلى أرجح الأقوال فى مذهب الإمام أبى حنيفة.

الباب الأول
أركان الوصية
تمهيد :
على حسب تعريف القانون الوصية بأنها "تصرف فى التركة مضاف إلى ما بعد الموت" فإن الوصية تعتبر من قبيل التصرفات، وعلى ما هو مفصل فى نظرية العقد فى الفقه الإسلامى فإن التصرف أعم من العقد، على أحد الإطلاقين لمقصود العقد فى الفقه الإسلامى؛ هذا الإطلاق الذى يقرر أن العقد هو "ربط بين كلامين ينشأ عنه حكم شرعى بالتزام لأحد الطرفين أو لكليهما"( ) وهو ما يتفق مع تعريف الفقه القانونى للعقد بأنه "توافق إراداتين أو أكثر على إحداث أثر قانونى من إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه"( ).
ولكن للفقهاء إطلاقا أخر للعقد أعم من الإطلاق السابق، إذ يطلقون العقد على "كل تصرف شرعى سواء أكان ينعقد بكلام طرف واحد أم لا ينعقد إلا بكلام طرفين "بل إن كل ما عقد الشخص العزم عليه فهو عقد( ).
فعلى أساس الإطلاق الأول للعقد فإن الوصية لا تعتبر عقدا لأنها – كما تنص المادة الثانية فقرة "1" من قانون الوصية – تنعقد بالعبارة أو بالكتابة، فإذا كان الموصى عاجزا عنهما انعقدت الوصية بإشارته المفهمة" حيث أناطت المادة المذكورة إنشاء الوصية بعبارة أو كتابة، أو إشارة الموصى وحده دون توقف على إرادة الموصى له، وعلى هذا التوجه فإن الوصية تنشأ بإرادة منفردة( ).
وعلى أساس الإطلاق الثانى فإن الوصية تعتبر عقدا لأنها تعنى "إلزام الموصى نفسه الوفاء بأمر فى المستقبل" والالتزام كما يقع باتفاق مع شخص آخر، فإنه يقع بإلزام الشخص نفسه، غاية الأمر أن القبول فى عقد الوصية مستثنى من اشتراط القبول فى مجلس العقد( ).
والحقيقة أن الفقهاء درجوا على أن الوصية من العقود، وهذا مصير منهم إلى اعتبار الإطلاق الثانى فى هذا الخصوص، وإن كان ذلك لا يغير من الأحكام كما سترى، إلا فيما يتصل بقبول الموصى له هل هو ركن أم شرط؟
وهذا الملحظ الأخير يجرنا إلى الخلاف الشهير فى أركان العقد، هل هى المتعاقدان والمعقود عليه والصيغة؟ فلابد منها جميعا لنشأته، حيث إن الركن هو ما لا يقوم الشئ إلا بوجوده، فلا تنشأ الوصية – مثلا – إلا بصيغة من موص لموصى له وبعين موصى بها، أم أن الوصية – كصيغة – فقط هى الركن، وما عداها فمقتضيات لها حيث لا يتصور وجود الصيغة إلا من طرفين، تتصرف إرادتهما أو إرادة أحدهما مع قبول الأخر إلى إحداث أثر فى محل هو المعقود عليه؟
وتحقيقا فإن هذا الخلاف نظرى، لا يترتب عليه أثر حقيقى، لأن الجميع متفقون على أنه لا يتصور وجود العقد عند فقد الصيغة، أو الموجب، أو القابل، أو المعقود عليه، فسواء أكانت الثلاثة الأخيرة أركانا مع الصيغة أو من مقتضياتها فالأثر واحد.
وفى حديثنا عن تكوين الوصية نتناول :-
الفصل الأول : الصيغة.
الفصل الثانى : الموصى.
الفصل الثالث : الموصى له.
الفصل الرابع : الموصى به.
محددين المقصود بكل منها، مبينين ما يجب توافره فى كل منها من شروط.

الفصل الأول
الصيغة
ويعبر عنها فى الفكر القانونى بــ"التعبير عن الإرادة"، وقد اتفق الفقهاء على أن الصيغة هى ركن العقد، وجانبه الأقوى الذى يعتمد عليه فبدونها لا يوجد ولا تقوم له قائمة( ).
وهذا أمر طبيعى لأن الصيغة إفصاح عن مكنون النفس الذى لا يعلم به إلا الله ثم صاحب النفس، ولا علم لبقية الناس به، فكان لابد من إقامة ما يدل على هذا المكنون أو الرضا القلبى من دلائل ظاهرة تحقيقا لاستقرار التعامل بين الناس( ).
وقد اصطلح فقهاء الشريعة على إطلاق لفظ الصيغة على الأقوال والأفعال التى تصدر عن المتعاقد، كما اتفقوا على أن الصيغة تتكون من شطرين هما الإيجاب والقبول، كمبدأ عام، واستثناء من هذا المبدأ فإن بعض التصرفات تنشأ بإيجاب فقط.
والصيغة قد تكون مطلقة، أو معلقة على شرط، أو مقترنة به، كما يثار التساؤل عن حكم إضافتها إلى الزمن، وفى ظل الأخذ بنظام الشهر العقارى يثار التساؤل عن مدى كفاية الرضا فى تمليك العقار، ولاحتمال الاختلاف فى الرجوع عن الوصية أو فى ردها يثار التساؤل عن شروط سماع الدعزى القضائية فى هذين الفرضين.
وفى هذا المبحث نعالج أحكام الصيغة فى عقد الوصية على النحو التالى.
المبحث الأول
صيغة الوصية
المطلب الأول
قوام صيغة الوصية هو الإيجاب
أشرنا إلى أن شطرى الصيغة هما الإيجاب والقبول، ولكن بعض التصرفات تنشأ بالإيجاب وحده، باعتباره الركن الجوهرى فيها، أو الركن الوحيد المنشئ لها، فهل تعتبر الوصية من التصرفات التى تندرج تحت المبدأ العام، أم أنها من المستثنيات؟
1- يرى جمهور الحنفية : أن الوصية عقد يفتقر إلى القبول( )، وقبل وجود القبول لا وجود للوصية، كسائر العقود الأخرى المفيدة له فى أنه لابد فيها من الإيجاب والقول.
وعلى ما ذهب إليه جمهور الحنفية فإن ركن الصيغة لا يتحقق إلا بالإيجاب والقبول، جاء فى البدائع "وأما ركن الصيغة فقد اختلف فيه، قال أصحابنا الثلاثة – رحمهم الله – هو الإيجاب والقبول، الإيجاب من الموصى، والقبول من الموصى له، فما لم يوجدا جميعا لا يتم الركن، وإن شئت قلت: ركن الوصية هو الإيجاب من الموصى، وعدم الرد من الموصى له، وهو أن يقع اليأس من رده، وهذا أسهل لتخريج المسائل على ما نذكر"( ).
وسند الجمهور فى اعتبار الإيجاب والقبول معا لتحقق الصيغة له من النقل والعقل :-
فمن النقل : قول الله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"( ).
فالآية تفيد أن الإنسان لا يكون له شئ بدون سعيه، فإذا ثبت للموصى له ملك الموصى به بدون قبوله لثبت سعيه، وهو ما لا تجيزه الآية.
ومن المعقول : أنه لا شئ يدخل فى ملك الإنسان جبرا عنه إلا الميراث بمقتضى نص الشارع الحكيم، فكان إدخال الموصى به دون قبول الموصى له زيادة على النص، والزيادة على النص لا تجوز.
ولأن من مصلحة الموصى له أن يعطى حق الرد دفعا لضرر المنة، أو لاحتمال أن تكون مؤنة الموصى به أكثر مما فيه من نفع أو تلزمه مؤنة دون نفع، كما لو أوصى بحيوان مريض مثلا فإنه يغرم نفقة علاجه دون نفع، أو جزاء نفع أقل من النفقة( ).
2- وعلى خلاف ما يرى جمهور الحنفية ذهب الإمام زفر بن الهذيل من الحنفية إلى عدم اعتبار القبول ركنا فى الوصية، وهو قول جمهور العلماء فى المذاهب الأخرى( ).
واستدل زفر ومن معه على هذا الرأى بالقياس على الإرث بجامع انتقال الملكية بالموت فى كل من الوصية والإرث، والإرث لا يتوقف على قبول من الوارث، فكذا الوصية لا تتوقف على قبول الموصى له.
والحق أن هذا قياس مع الفارق لأن الإرث خلافة إجبارية تثبت بحكم الشارع الحكيم؛ أما الوصية فاستخلاف اختيارى من الموصى، ومعلوم أن الشارع يملك الإلزام، أما الموصى فلا يملكه دفعا لما يمكن أن يلحق الموصى له من ضرر( ).
ومع هذا فإن ما يذهب إليه الإمام زفر ومن معه من القول بركنيه الإيجاب فقط فى الوصية لا يخلو من وجاهة لأن الوصية لا تخرج عن كونها تبرعا من التبرعات، والتبرعات يكفى فى وجودها شرعا ما يصدر من المتبرع وحده وهو الإيجاب، وليس بلازم أن يكون شرطا لثبوت الملك له( ).
موقف قانون الوصية : أخذ قانون الوصية بقول زفر ومن معه، حيث نص فى الفقرة الأولى من مادته الثانية على أن "تنعقد الوصية بالعبارة أو بالكتابة، فإذا كان الموصى عاجزا عنهما انعقدت الوصية بإشارته المفهمة".
فعلى هذا النص فالوصية تنشأ بإيجاب من الموصى، فيكون الإيجاب هو الركن، أما القبول فهو مجرد شرط فى لزوم الوصية كما تنص على ذلك المادة (20) من قانون الوصية التى تقضى بأنه "تلزم الوصية بقبولها من الموصى له صراحة أو دلالة بعد وفاة الموصى".
فالنص الأول يوضح أن الوصية توجد بما يصدر من الموصى وحده، ويوضح النص الثانى أن القبول يأتى بعد وجود الوصية، لأن اللزوم أمر زائد على أصل العقد ولو كان القبول ركنا للوصية لما وجدت قبل وجوده.
وبهذا قال الحسن وأبو قلابة والشافعى وأبو ثور وأصحاب الرأى، لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة بالإجماع فكهذا ههنا"( ).
بينما يرى الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد وهو قول بعض العلماء أن الكتابة تقوم مقام العبارة، إذا عرف أن الخط للموصى، وكان مشهور الخط( ).
وتمسك القائلون بذلك بقول النبى صلى الله عليه وسلم وفعله وما أثر عن الصحابة والتابعين مما يشهد لقولهم.
فمن قول النبى صلى الله عليه وسلم "ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"( ).
حيث لم يرد فيه ذكر لكتابتها بحضرة الشهود أو قراءتها عليهم.
كما أن النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء المهديين من بعده يبعثون إلى الولاة بالأحكام التى فيها الدماء والفروج والأموال( ) يبعثون بها مختومة لا يعلم حاملها ما فيها، ويمضيها( ) الولاة على وجوهها، فلو كانت القراءة أو الكتابة بحضرة الشهود لازمة ما صحت هذه الرسائل، ولكن المراد وقوعها دليل على صحتها( ).
كما أثر عن عاصم بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما أنه كان إذا أراد سفرا كتب وصيته، وختمها ثم دفعها إلى سالم بن عبد الله بن عمر، قال اشهدوا على ما فيها – دون أن يبينه – إن حدث بى حدث.
وفى رأيى : أن المذهب الثانى أصح للأدلة الشرعية التى تشهد له، فضلا عن أن الموصى قد يرغب فى ستر موضوع وصيته أو شخص الموصى له لمصلحة يقدرها، فإذا ألزمناه التلفظ بما أوصى وبشخص الموصى له فقد نضربه خاصة إذا كانت الوصية أو الموصى له محل رفض الورثة المحتملين.
2- وكما وقع الخلاف فى قيام الكتابة مقام العبارة حال القدرة على الثانية، وقع الخلاف فى قيام الإشارة مقام العبارة أو الكتابة أو كليهما مع القدرة على إحداهما أو كليهما.
فجمهور الفقهاء على أن شرط التعبير بالإشارة العجز عن النطق والكتابة معا، لأن الإشارة أضعف فى الدلالة من النطق والكتابة، ولا يعدل عن الأقوى إلى الأضعف من طرق الإفهام ما دام الإفهام ممكنا بالأقوى( ).
بينما سوى المالكية بين الإشارة والعبارة فى الوصية فأجازوا للقادر على النطق أن يعقد الوصية بالإشارة، لأن الوصية من قبيل التبرعات، والتبرعات ينبغى التوسع فيها( ).
وقريب من مذهب المالكية ما ذهب إليه الأحناف فى رواية الجامع الصغير من إقامة الإشارة مقام العبارة للعاجز عنها حتى وإن كان قادرا على الكتابة، لاستواء الكتابة والإشارة فى الترخيص بهما عند العجز عن اللفظ( ).
وفى رأيى : فإن ما يذهب إليه الجمهور هو الأقوى، لأن الإشارة بالغة فى الإفهام ما بلغت تظل محتملة، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، ولكن يصار إلى الأخذ بها للضرورة والضرورة تقدر بقدرها، حفظا للحقوق واستقرارا للمعاملات.
موقف قانون الوصية من الاتجاهات الفقهية السابقة : تنص المادة 2/1 من قانون الوصية على أن "تنعقد الوصية بالعبارة أو بالكتابة، فإن كان الموصى عاجزا عنهما انعقدت الوصية بإشارته المفهمة".
وواضح من النص أن القانون سوى بين العبارة "اللفظ" والكتابة فى انعقاد الوصية أخذا فى ذلك بما نقل عن الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقى من الحنابلة، وقد أشارت المذكرة الإيضاحية إلى هذا وإن كانت موفق فى التعبير عن مضمون مذهب الإمام أحمد – خاصة – فى هذا الخصوص( ).
كما أن منحى قانون الوصية فى هذا الأمر يتفق مع نص المادة 90/1 من القانون المدنى والتى تنص على أن "التعبير عن الإرادة يكون بالفظ وبالكتابة…..".
كما أخذ القانون بما ذهب إليه الجمهور من صحة التعبير بالإشارة بشرط العجز عن اللفظ والكتابة معا، مخالفا بذلك الحنفية على ثانى الروايتين، وكذا المالكية، كما خالف نص المادة 90/1 مدنى والتى تنص على أن "التعبير عن الإرادة باللفظ وبالكتابة، وبالإشارة المتداولة عرفا، كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا فى دلالته على حقيقة المقصود".
وأخيرا فإن المقصود بالكتابة الواردة بنص المادة 2/1 الكتابة المفهمة التى تدل على المعنى المراد من الوصية، بصورتها التى اعتاد الناس عليها، "فإذا كانت محكمة الاستئناف قد أقامت قضاءها بأن العقد المتنازع عليه يخفى وصية على ما استخلصته من أقوال شاهدى المطعون ضدها "البائعة"، وكان هذا الاستخلاص يتجافى مع مدلول هذه الأقوال، إذ أنها جاءت خلوا مما يفيد اتجاه قصد المتصرفة إلى التبرع، وإضافة التمليك إلى ما بعد موتها، وهو ما يشترط إثباته لاعتبار العقد ساترا لوصية، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبا بالفساد فى الاستدلال"( ).
وكما نرى فإن القانون قد اشترط فى الإشارة أن تكون مفهمة، إذ الإشارة غير المفهمة لا معنى لها.
المطلب الثالث
أثر الإيجاب الصحيح ومدى لزومه الموصى
عرفنا فيما سبق أن الراجح فقها هو أن ركن الوصية هو الإيجاب فمتى صدر الإيجاب صحيحا فإنه ينشئ الوصية، غير أنه لما كانت الوصية عقدا جائزا فى حق كلا طرفيه فإن للموجب أن يرجع عن إيجابه متى شاء قبل موته، لأن الوصية لا تلزم إلا بموت الموصى مصرا على وصيته فى قول الأكثرين أو بقبول الموصى له بعد موت الموصى مصرا على الوصية فى قول الجميع وهذا يعنى أنه مادام الموصى حيا فله أن يرجع فى إيجابه متى أحب، سواء أكان رجوعه صريحا أم دلالة( ).
ويأخذ قانون الوصية بهذا الحكم فى المادة الثامنة عشرة منه والتى تنص على أنه "يجوز رجوع الموصى عن الوصية كلها أو بعضها صراحة أو دلالة ويعتبر رجوعا عن الوصية كل فعل أو تصرف يدل بقرينة أو عرف على الرجوع عنها.
ومن الرجوع دلالة كل تصرف يزيل ملك الموصى عن الموصى به.
جحد الإيجاب والمنازعة فى صدوره أو فى الرجوع عنه : اختلف الفقهاء فى اعتبار الجحود رجوعا أولا.
فذهب جماعة : إلى القول بأن الجحود رجوع، بل هو أبلغ من الرجوع لأنه يدل على نفى الوصية فى الماضى والحاضر، أما الرجوع فإنه يدل على نفيها فى الحاضر فقط.
بينما أنكر فريق آخر اعتبار الجحود رجوعا، قياسا على جحود النكاح القائم فإنه لا يعد طلاقا، على أن الجحود إنكارا لصدور الوصية فى الماضى، وقد تقوم الأدلة على خلاف ذلك فيتضح أنه كاذب أو ناسى( ).
وبالمذهب الثانى أخذ قانون الوصية فى المادة التاسعة عشرة منه والتى تقرر أنه :
"لا يعتبر رجوعا عن الوصية جحدها ولا إزالة بناء للعين الموصى بها، ولا الفعل الذى يزيل اسم الموصى به أو يغير معظم صفاته، ولا الفعل الذى يوجب فيه زيادة لا يمكن تسليمه إلا بها إلا إذا دلت قرينة أو عرف على أن يقصد بذلك الرجوع عن الوصية".
وإذا نوزع فى صدور الإيجاب أو فى الرجوع عنه وذلك بأن يدعى الموصى له أن فلانا قد أوصى له بشئ وينكر ذلك الورثة، أو يوافقونه على الوصية لكنهم يدعون رجوعه عن وصيته بالقول، فإن المادة الثانية من قانون الوصية تفرق بين الوصايا الصادرة قبل سنة 1911 وتلك التى صدرت بعدها.
أما الأولى : فلا تسمع فيها الدعوى بالوصية أو بالرجوع القولى عنها، بعد وفاة الموصى، إلا إذا وجدت أوراق خالية من شبهة التصنع تدل على صحة الدعوى.
وأما الثانية : فلا تسمع فيها الدعوى، إنشاء أو رجوعا، إلا إذا كانت الوصية أو الرجوع عنها ثابتة – أو ثابتا – بورقة رسمية، أو بورقة عرفية كتبت جميعها بخط المتوفى، وعليها توقيعه، أو كانت الوصية أو الرجوع عنها مدونة بورقة عرفية مصدق على توقيع الموصى عليها، ولو لم تكن بخطه.
وهذا النص لا يغادر نص المادة 98 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 إلا فيما إضافة إلى نص المادة 98 من قوله "أو كانت ورقة الوصية أو الرجوع عنها مدونا بورقة عرفية مصدقا على توقيع الموصى عليها".
وكلا النصين وإن لم يكن لهما نظير فى كلام الفقهاء إلا أن له سندا فى قاعدة تخصيص القضاء من قبل ولى الأمر( ) والتى من بين تطبيقاتها منع القضاء من سماع بعض الدعاوى التى يغلب على الظن الكذب فيها، والأخذ بهذا القيد فى دعاوى الوصية والرجوع القولى عنها اتجاه محمود فى نظر الفقهاء المعاصرين لأنه يقطع الطريق على المزورين ويخلص الناس من فسادهم.
وإن كان لنا ملحظ على خطة المقنن المصرى حيث أغفل حالة الضرورة.
إذ يتصور أن يوصى الشخص الأمى الذى لا يعرف القراءة أو الكتابة لمثله حال سفرهما مثلا بشئ، ثم يموت الموصى قبل أن يدون وصيته فى ورقة عرفية تختم بخاتمة أو ببصمته، ومثل هذه الحالة قد استثناها الشارع الحكيم من قواعد الإثبات العادية، لا سيما وأن نصها ورد فى الوصية خاصة.
قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشرتى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين. فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين"( ).
ففى رأى الحنابلة وأهل الظاهر وبعض الصحابة وكثير من كبار التابعين وغيرهم ( ) أن قوله تعالى "أو آخران من غيركم" يراد بهما من غير المسلمين، بدليل الشرط الوارد فى الآية وهو قوله تعالى "إن أنتم ضربتم فى الأرض" أى كنتم مسافرين إذا لو كان المراد" المسلم من غير قبيلتكم "لما كان للشرط معنى لأن الاستشهاد بالمسلم جائز سفرا وحضرا( ).
وقد روى البخارى وأبو داود والترمذى والبيهقى وغيرهم ما يدل على أن المراد من الآية شهادة غير المسلم على المسلم فى السفر( ).
بل إن المفسرين يكادون يجمعون على أن الآية نزلت فى شأن قبيلتى تميم وعدى وهما يومئذ نصرانيان"( ).
ولا شك أيضا أن الأصل المقرر بقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" يؤيد هذا التفسير، حيت أن منع المسلم من الوصية فى السفر مع جهالة الكتابة وعدم الشاهد المسلم ليؤدى إلى التضييق عليه، وإيقاعه فى عسر شديد، فضلا عما فيه من تضييع للمصالح وإضرار بالآخرين( ).
فإذا عرفنا أن شرط قبول الهادة أن يكون الشاهد عدلا مرضى الهادة ولا يكون كذلك إلا إذا كان مسلما –متى كان المشهود له أو عليه مسلما – فإننا ندرك أن إثبات الوصية يحتمل الاستثناء من قواعد الإثبات العادية.
فضلا عما نلحظه فى النص القرآنى من التنبيه على إجراءات استثنائية "كالحبس من بعد الصلاة" "والحلف" و"قيام شاهدين من أولياء المشهود عليه فيشهدان بعد القسم بضد ما شهد به الأوليان".
كل ذلك يبرر أن إثبات الوصية مما يحتمل التوسعة لا التضييق.
لهذا كله فإننا وإن كنا نؤيد التوجه التشريعى فى المنع من سماع الدعوى بالوصية أو بالرجوع عنها ما لم يكن كتابى قفلا لباب التزوير، فإننا نهيب بالمقنن المصرى أن يعيد النظر فى تقدير الإيصاء فى حال الضرورة حيث يتعذر إفراغ الوصية فى قالب كتابى، خصوصا وأن لهذا الاستثناء سنجا من القرآن الكريم والسنة المطهرة فضلا عما يلقاه من قبول لدى كثير من أهل العلم حتى أن الإمام ابن القيم انتقد اعتراضات المعارضين لدلالة الآية على الاستثناء بقوله "إنا مخالفة لنص الآية، ومعارضة لها، فهى – أى الاعتراضات – من الرأى الباطل الذى حذر منه سلف الأمة"( ).
وقد أحسن المقنن السودانى – وهو فى أكثر ما يصدر من تقنينات ناقل عن القانون المصرى – إذ تدارك هذا النقص فى المادة 292من قانون الأحوال الشخصية للمسلمين الصادر برقم 43 لسنة1991 حيث نص على أنه :
1- لا تستمع عند الإنكار دعوى الوصية أو الرجوع عنها إلا بدليل مكتوب.
2- يجوز فى حال الضرورة إثبات الوصية بالشهادة.
المبحث الثانى
القبول
المطلب الأول
قيمة القبول
بدأ من حديث الفقهاء فى الإيجاب، أنه هو الركن الجوهرى للوصية باتفاق الفقهاء، بل إن البعض يرى – كما عرفنا – أن الإيجاب هو الركن الوحيد لها، أما القبول فلا يعدو أن يكون شرطا لنفاذ الوصية، وكما عرفنا أيضا فإن القانون المصرى يميل إلى الرأى الثانى حيث يعتبر الوصية منعقدة بمجرد الإيجاب الذى يصدر من الموصى، أما القبول فليس إلا شرطا لكى تكون الوصية لازمة للموصى له، وذلك حتى لا يدخل شئ فى ملك شخص رغم إرادته، لا سما وأن بعض الوصايا قد تكون محملة بالتزامات قد لا يقبلها الموصى له( ).
وخروجا على هذا الأصل العام فى اشتراط القبول للزوم الوصية أخذ القانون المصرى برأى الإمامين الشافعى وزفر( ) فى لزوم الوصية بدون قبول لأنها خلافة كالميراث – فلا يحتاج فيها إلى القبول، غير أن المادة20/2 قصرت هذا الاستثناء على حالة الوصية لجهات أو مؤسسات أو منشآت ليس لها من يمثلها، ونصها "ويكون القبول عن الجهات والمؤسسات والمنشآت ممن يمثلها قانونا، فإن لم يكن لها من يمثلها لزمت الوصية بدون توقف على قبول".
ويجد هذا الاستثناء سنده الفقهى فى قول الشافعى وزفر فضلا عن أكثر المالكية والحنابلة( ) فى الوصية لغير معين كالفقراء والمساكين، ومن لا يمكن حصرهم كبنى هاشم وتميم، أو على مصلحة كمسجد أو حج، ففى رأيهم لا تفتقر الوصية هنا إلى قبول، وتلزم بمجرد الموت، لأن "اعتبار القبول من جميعهم متعذر، فسقط اعتباره، ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقوله، ولأن الملك لا يثبت لهم بالقبول، بل يثبت لكل واحد منهم بالقبض فيقوم قبضة مقام قبوله"( ).
وعلى هذا تتنوع قيمة القبول على النحو الآتى :-
أولا : إذا كانت الوصية لمعين كخالد – مثلا – أو أولاده.
فلا تلزم الوصية بدون قبول دفعا لضرر المنة، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء( )، وبه أخذت المادة 20/1 من قانون الوصية.
ثانيا : كما لا تلزم الوصية قبول أيضا متى كانت لجهة معينة ككلية الحقوق أو مستشفى الهلال الأحمر بمدينة كذا، أو جمعية رعاية الأيتام ونحو ذلك، متى كان لهذه الجهة من يمثلها قانونا، كعميد الكلية أو مدير المستشفى، أو رئيس الجمعية.
وهذا الحكم مستمد من مذهب الشافعية والإمامية( )، فضلا عن اتساقه مع الأصول القانونية العامة التى تفرض أن الجهات والمؤسسات شخصيات معنوية لها ذمة صالحة للتعاقد، تثبت لها الحقوق وتجب عليها الواجبات لمالية، وتضمن ضمانا ماليا كل ما يترتب على أعمالها من مضار بالناس.
وينتقد العلامة الشيخ محمد أبو زهرة أخذ القانون بمذهب الشافعية والشيعة فى ضرورة قبول الممثل للجهة بحجة أن ذلك قد يدفع الممثل لها فى بعض الأحوال إن كان من ذوى الغايات غير المحمودة، وليسوا قليلا، إلى رد الوصية فى نظير مكافأة ينالها من الورثة، ولأن فرض الضرر فى قبول الوصايا فرض بعيد فيندر، بل لا يكاد يوجد مال موصى به من غير شروط توجب التزامات على الموصى له، مغارمه أكثر من مغانمه، وإن ذلك شاذ، والشاذ لا حكم له، وإن فرض وجوده فالتخلص منه سهل، ناهيك عن أن القانون نفسه اعترف بهذه الحقيقة الثابتة التى لا مجال للريب فيها، وهى أن الوصايا نافعة نفعا محضا بالنسبة للموصى له"( ).
وهذا فى رأيى اعتراض وجيه، لاسيما بالنظر إلى الجهات والمؤسسات التى تفوض رؤساء مجالس إدارتها فى اتخاذ القرارات التى تتعلق بقبول التبرعات والوصايا، وفى غير حالة التفويض قد لا يؤمن تواطؤ بعض الأعضاء أو جميعهم – خصوصا إذا كان العدد قليلا – على رد الوصية لمكاسب خاصة، لذا فإننا تفضل الأخذ برأى أكثر الحنابلة والمالكية فى اعتبار الوصية هنا كالوصية لغير معين، ما لم يكن قبول الممثل أو رده خاضعا لجهات رقابية يمكنها مؤاخذته عند الخطأ.
ثالثا : تلزم الوصية دون قبول متى كان الموصى لهم غير معينين( ) ومثالها الوصية لأفراد غير محصورين كالفقراء والمساكين بهذا قال جمهور الفقهاء، وبرأيهم أخذ القانون المصرى.
وخالف الشيعة الإمامية( ) فقالوا باشتراط القبول للزوم الوصية وإن كانت لغير محصورين، ويكون القبول من الولى أو الحاكم باعتباره ممثل الكافة.
المطلب الثانى
كيفية القبول
قلنا إن القبول شرط لزوم الوصية متى كان الموصى له معينا، والقبول كتعبير عن الإرادة يقع بالقول وبالكتابة المستبينة والإشارة المفهمة والرسول، ويقع أيضا بالفعل، ويعبر عنه باصطلاح "اتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا فى دلالته على المقصود"، وكل ذلك مما يمكن تسميته القبول الإيجابى، والذى يتحقق بكل قول أو ما يقوم مقامه من كل عمل إرادى يدل على الرضا بالوصية كالتصرف فى العين الموصى بها مثلا تصرف الملاك.
وثمة صورة أخرى للقبول قد يطلق عليها القبول السلبى حيث يقوم السكوت مقام القبول القولى أو الفعلى، فلو أن محمدا أوصى إلى على بقطعة أرض مثلا، ومات على وصيته تلك، ولم يصدر عن على رد صريح أو ما يقوم مقامه، فإننا عندئذ نكون أمام سكوت يتنازعه الرأى هل يعد قبولا أم لا؟
والسؤال : ما حقيقة القبول المطلوب فى الوصية؟ أهو القول الإيجابى، أم يكتفى بالقبول السلبى؟
اختلف الرأى فى ذلك :
1- فذهب الإمام أبو حنيفة وصاحباه إلى اعتبار السكوت ردا استحسانا، قال فى البدائع "ركن الوصية الإيجاب من الموصى، وعدم الرد من الموصى له، وهو أن يقع اليأس عن رده"( ).
ولأن الوصية تمت من ناحية الموصى، وقد مات وهو مصمم عليها، فيجب تنفيذها تحقيقا لغرضه بعد موته( ).
2- ويرى المالكية والشافعية وبعض الحنابلة وهو قياس مذهب الحنفية : أنه لابد من القبول بالقول أو ما يقوم مقامه، فلا يعتبر السكوت أو عدم الرد فيما نحن فيه قبولا فلا تلزم الوصية ولا يثبت الملك للموصى له، لعدم تحقق الشرط وهو القبول( ).
وتتحقق الصورة محل الخلاف إذا مات الموصى له بعد موت الموصى مصرا على وصيته ولم يقبل الموصى له – أو يرد.
ففى استحسان الحنفية تلزم الوصية بموته.
وفى قياس الحنفية، وقول بعض المالكية وبعض الحنابلة( ) – وهو قياس مذهبهم أيضا – أن الوصية تبطل.
لأن قبول الوصية من الخيارات( ) التى تتعلق بالمشيئة ولا يعتاض عنها، فبطل خيار قبولها بالموت كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة.
وفى قول جمهور الفقهاء : أن الوصية لا تبطل، ولكن ينتقل حق الموصى له فى القبول أو الرد إلى ورثته.
أما وجه عدم بطلانها فلأن الوصية تأكدت بالنسبة إلى الموصى بموته مصرا على وصيته فلا تبطل بموته، بل تتقرر من جانبه بالموت وإذا كان الموت لم يبطلها من جانب الموصى فلا يبطلها من جانب الموصى له( ).
وأما وجه انتقال الحق فى القبول أو الرد إلى الورثة، فلأنه حق ثبت للمورث "الموصى له" والورثة يخلفون مورثهم فيما تركة من أموال وحقوق مالية، وحقوق متعلقة بالمال وهذا الحق منها( ).
والراجح ما يذهب إليه الجمهور لأن حق القبول أو الرد متعلق بالشىء الموصى به، وهو مال، فيكون الحق المتعلق به حقا ماليا.
وبهذا الرأى الراجح أخذ قانون الوصية المصرى، إذ تنص المادة "21" منه على أنه "إذا مات الموصى له قبل القبول الوصية وردها قام ورثته مقامه فى ذلك".
وحاصل ذلك : أن القانون استوجب القبول أو الرد الإيجابى، ولم يكتف بالسكوت ولا اليأس من الرد، سائرا فى ذلك على القاعدة العامة فى التعبير عن الإرادة، والتى تقررها المادة 90/1 من القانون المجنى، متجاهلا بذلك الاستثناء الذى تقرره المادة 98/2 بقولها "ويعتبر السكوت عن الرد قبولا…إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه".
المطلب الثالث
زمن القبول وصاحب الحق فيه وأثر التعدد فى القبول
نبه فقهاء الشافعية على هذا الأمر فقالوا "ملك الموصى به موقوف على قبول الموصى له ورده، وحقه فى القبول باق ما لم يعلم فإذا علم فإن كان عند إنفاذ الوصايا وقسمة التركة فقبوله على الفور، فإن قبل، وإلا بطل حقه فى الوصية فأما بعد علمه وقبل إنفاذ الوصايا وقسمة التركة فمذهب الشافعى وقول جمهور أصحابه: أن القبول فيه على التراخى لا على الفور، فيكون ممتدا ما لم يصرح بالرد، حتى تنفذ الوصايا، وتقسم التركة، لأنه لما لم يعتبر القبول مع الوصية اعتبر عند إنفاذ الوصية.
وحكمى عن بعض الشافعية: أن القبول بعد علمه على الفور، لأن الوصية عطية كالهبات( ).
والحق أن تحديد زمن للقبول هو العدل بعينه، لأن تراخى القبول إلى مالا نهاية قد يحدث ضررا بالموصى به فضلا عن إضراره بالورثة، حيث يعوق تقسيم التركة، وقد تكون العين الموصى بها ما يحتاج إلى رعاية، وهى مع التراخى معلقة لا يدرى أتدخل فى ملك الورثة فيعنون بها، أم تدخل فى ملك الموصى له فيتركونها له، ولا ك أن تراخى الموصى له أو ورثته فى إعلان موقفهم من القبول أو الرد يجعلهم معطلين، والمعطل مضار فيعامل بنقيض مقصوده حسما للأمور وحفظا للمصالح.
وقد نحا قانون الوصية منحى الشافعية فى هذا الصدد غير أنه لم يحد القبول أو الرد بزمان إنفاذ الوصية كما قال جمهور الشافعية، ولكنه أخذ بقول بعضهم( ) فى حق ورثة الموصى مطالبة الموصى له أو ورثته بالقبول أو الرد، فإن رفض الإفصاح حكم عليه الحاكم بالرد، فجعل للموصى له أو ورثته الحق فى القبول أو الرد فى مدة معلومة حددها – القانون – بثلاثين يوما كاملة، إن لم يقبل فيها اعتبر رادا، ما لم يكن له عذر مقبول.
وفى ذلك تقول المادة 22 من قانون الوصية :-
"لا يشترط فى القبول ولا فى الرد أن يكون فور الموت، ومع ذلك تبطل الوصية إذا أبلغ الوارث أو من له تنفيذ الوصية الموصى له بإعلان رسمى مشتمل على بيان كاف عن الوصية وطلب منه قبولها أو ردها، ومضى على علمه بذلك ثلاثون يوما كاملة، خلاف مواعيد المسافة القانونية، ولم يجب بالقبول أو الرد كتابة، دون أن يكون له عذر مقبول"( ).
ثانيا : من له الحق فى القبول وأثر التعدد فى ذلك :
قلنا فيما سبق إن الموصى له إما أن يكون معينا شخصا أو جهة أو غير معين، فإن كان جهة معينة فإن ممثلها هو الذى يقبل أو يرد عنها، فإن لم يكن لها ممثل أو كان الموصى له عددا لا يحصى من الأفراد فإن الوصية تلزم بموت الموصى دون توقف على قبول، وقد فصلنا الكلام فى الوصية للجهة بما لا يحتاج إلى إعادة.
قبول الموصى له المعين : الموصى له المعين إما أن يكون فردا واحدا أو أفرادا.
فإن كان فردا فإما أن يكون كامل الأهلية أو ناقصها أو عديمها.
وإن تعدد الموصى لهم فإما أن يقبلوا جميعا أو يردوا جميعا، أو يقبل البعض ويرد البعض.
1- الموصى له معينا فردا: وفى هذه الحالة ننظر :
فإن كان كامل الأهلية فلا خلاف فى أن القبول أو الرد من حقه هو لأنه يتمتع بالولاية الكاملة على نفسه ولا سلطان لأحد عليه.
وإن كان الموصى له ناقص الأهلية كالصبى المميز :
فالحنفية فيقولون بحقه فى القبول دون الرد، لأن الوصية من التصرفات النافعة نفعا محضا فيملك ناقص الأهلية قبولها، ولكن ليس له أن يرد، لأن الرد تصرف ضار، وهو لا يملك إبرام التصرفات الضارة( ).
وعند الشافعية والحنابلة قبول الوصية أو ردها فى هذا الفرض لولى القاصر، بشرط أن يكون ما يختاره الولى أصلح الأمرين بالنسبة للمولى عليه، فإن لم يراع الأصلح لغا قبوله أو رده فلا يعتد به( ).
وإن كان الموصى له عديم الأهلية كالمجنون والصبى غير المميز فلا خلاف فى أن القبول أو الرد إلى وليه، لأن التصرف بالقبول أو الرد تصرف قولى، وعبارة عديم الأهلية غير معتبرة.
ويبقى فرض أن يكون الموصى له جنينا فى بطن أمه، فمن حيث الحكم العام فإن الوصية للحمل جائزة باتفاق، لأنه يرث وهى فى معنى الإرث من جهة الانتقال عن الميت مجانا( ).
ولكن هل تتم الوصية للحمل دون قبول، أم يقبل عنه من سيكون وليا عليه بعد ولادته؟
يرى الحنفية أن الوصية للحمل تتم دون قبول، لأن الجنين ليس من أهل القبول، و"الوصية تشبه الميراث وتشبه الهبة، فلشبهها بالهبة يشترط القبول إذا حصلت لمن يتصور القبول منه، ولشبهها بالإرث لا يشترط القبول إذا حصلت لمن لا يتصور منه القبول عملا بالشبهين"( ).
أما جمهور الفقهاء فاشترطوا قبول الوصية عن الجنين، ويقبلها عنه من سيكون وليا عليه بعد ولادته، فإذا لم يقبل لم تتم الوصية( ).
وواضح أن مذهب الجمهور متمش مع قولهم باشتراط القبول للزوم الوصية.
ويأخذ القانون المصرى بمذهب الجمهور فى هذه الفروض محل الخلاف، كما تفصح عن ذلك المادة"20" بقولها "تلزم الوصية بقبولها من الموصى له صراحة أو دلالة بعد وفاة الموصى، فإذا كان جنينا أو قاصرا أو محجورا عليه يكون قبول الوصية أو ردها ممن له الولاية على ماله بعد إذن المجلس الحسبى".
وقبل أن ننقل عن هذا الموضوع فإن لنا بعض الملاحظات على تصرف المقنن الذى تبرزه المادة (20) من قانون الوصية.
أولا : أن المقنن سوى فى الحكم بين عديم الأهلية وناقصها فى التصرف النافع ممثلا فى القبول، والتصرف الضار ممثلا فى الرد فجعل حكم الاثنين فى الأمرين سواء.
وهذا الحكم يخالف ما تقرره القاعدة العامة فى الأهلية، والتى ينظمها القانون المدنى، حيث فرق بين الصبى المميز والصبى غير المميز من جانب، وفرق بين تصرفات الصبى المميز النافعة له نفعا محضا والتصرفات الضارة؟، فصحح تصرفات الصبى المميز النافعة نفعا محضا دون توقف على إجازة أحد، وذاك كما هو واضح يتمشى مع مذهب الحنفية فى حق القاصر فى قبول الوصية دون ردها( ).
وفى رأينا فإن نص المادة (111/1 والمادة 115) مدنى ينسخ التسوية المقررة بالمادة 20من قانون الوصية وذلك فى حق القاصر والمحجور عليه باعتبار أن اللاحق ينسخ السابق، وقد صدر القانون المدنى بعد قانون الوصية بما يربو على العامين( ) ولا يجافى ذلك أن يكون الحكم المقرر بالقانون المدنى عاما، وحكم قانون الوصية خاص، لأن العموم لاحق( ).
ثانيا : أن تعليق قبول الوصية ممن له الولاية على إذن المحكمة فى جميع الأحوال مخالف لنص المادة (12) من المرسوم بقانون 119/1952م بأحكام الولاية على المال، حيث تقصر هذه المادة الوجوب على قبول الهبات والوصايا المحملة بالتزامات معينة، ونصها "لا يجوز للولى أن يقبل هبة أو وصية للصغير محملة بالتزامات معينة إلا بإذن المحكمة".
ونظرا لأن قانون الولاية على المال تال لقانون الوصية فإننا نرى أن نص المادة (12) ناسخ للعموم المقرر بنص المادة "20" من قانون الوصية اشتراط إذن المحكمة، ولو كانت الوصية مطلقة، لاسيما وأن موضوع النصين واحد، ناهيك عن أن نص المادة (12) ينزل من نص المادة (20) منزلة الخاص من العام.
ثالثا : أن المادة (20) سوت فى ضرورة الإذن بين كافة الأولياء بما فى ذلك الأب، وهذا التسوية تتجافى وما جاء به قانون الولاية على المال من تمييز الأب الأمين حسن الرأى والتدبير على غيره من الأولياء، فالمادة (7) من القانون المذكور أجازت له التصرف فى عقار القاصر أو محله التجارى أو أوراقه المالية إذا لم تزد قيمتها على ثلاثمائة جنيه بدون إذن المحكمة، مع ما فى ذلك من تعريض مال القاصر للخطر أو الغبن.
والمادة (13) استثنت ما يؤول إلى القاصر من مال بطريق التبرع من أبيه، صريحا كان التبرع أو مستترا، ولا يلزم الأب بتقديم حساب عن هذا المال.
والمادة (14) أجازت للأب أن يتعاقد مع نفسه باسم القاصر أصلا أو وكيلا ما لم ينص القانون على غير ذلك.
والمادة (24) تنفى مسئولية الأب إلا عن خطئه الجسيم أما الجد فيسأل مسئولية الوصى.
وأخيرا فإن المادة (25) تنفى محاسبة الأب عن ما تصرف فيه من ريع مال القاصر ما لم يكن هذا المال قد وهب للقاصر لغرض معين.
فإذا جاز للأب كل ما جاء بالمواد 7،13،14، وانتفى عنه ما جاء بالمادتين 24،25 من قانون الولاية على المال أفلا يجوز له من باب أولى أن يقبل الوصايا مع ما فيها من نفع محض دون تعليق ذلك على إذن المحكمة؟ إن القول بغير ذلك لمفارقة غريبة، وإن إعمال نص المادة (20) من قانون الوصية بمعزل عما يقرره قانون الولاية على المال "ليوقع منافرة بين قوانين الدولة لا تستساغ فى نظر قانونى مستقيم النظر"( ).
وبناء على ما تقدم فإن نص المادة (20) ينبغى أن يتقرر على النحو التالى :
"تلزم الوصية بقبولها من الموصى له صراحة أو دلالة بعد وفاة الموصى على أنه متى كان الموصى له مميزا أو ما فى حكمه اعتبر قبوله الوصية دون الرد، وإذا كان الموصى له جنينا أو عديم الأهلية فإن قبول الوصية يكون ممن له الولاية على ماله، وله الرد بعد إذن المحكمة ما لم يكن أبا للمولى عليه.
فإن كانت الوصية محملة بالتزامات فيقبل الولى أو يرد بعد إذن المحكمة.
2- الموصى لهم متعددون أو آلت الوصية إلى متعددين :
يفترض التعدد الأصلى إذا أوصى شخص إلى اثنين فأكثر، أما التعدد العارض فيكون متى أوصى إلى شخص فمات دون أن يقبل أو يرد، انتقل حقه فى القبول أو الرد إلى ورثته.
وفى هاتين الحالتين : إن كان الموصى لهم جميعا، أو الورثة، أهلا للقبول أو الرد اعتبر ذلك، وإن كان بعضهم جنينا أو قاصرا أو محجورا عليه كان القبول أو الرد من وليه بعد إذن المحكمة كما فصلنا آنفا.
ولكن تثور المشكلة متى قبل البعض ورد البعض الآخر كما لو أوصى رجل لرجلين بثلث ماله فرد أحدهما الوصية بعد موت الموصى وقبل الآخر، أو مات الموصى له دون قبول أو رد، ثم قبل أحد ورثته ورد الآخر، فإن كان الموصى به مما يقبل القسمة فإن حصة القابل من الوصية تثبت، وتبطل الوصية فى حق من رد، فإن كان الموصى به مثلا عشرة أفدنة – هى ثلث التركة – والموصى لهما اثنان صحت الوصية بخمسة أفدنة، وبطلت فى الخمسة الأخرى.
وهذا الحكم لا خلاف فيه بين الفقهاء لأن الشيوع لا يمنع صحة الوصية فإن القسمة فيها لتمام القبض، والقبض ليس بشرط لوقوع الملك فى الوصية( ).
أما إذا كان الموصى به لا يقبل القسمة، أو كان الموصى قد قرن الوصية بشرطه، أو كان كلامه يفيد التقييد بشرطه، أو كان موضوع الوصية يجعل اشتراط الاجتماع مفهوما ولو بطريق الظن الراجح، فلا بد لصحة الوصية فى هذه الحالات من قبول الجميع( ).
واحتمال القبول والرد معا يتصور من الموصى له الفرد كما يتصور من الجماعة، بمعنى أن الموصى له قد يقبل بعض الوصية ويرد البعض الأخر والحكم فيه كالحكم فى الجماعة سواء بسواء.
ويصطلح على هذه المعانى باعتبارها من قبيل تجزئة القبول( ) وحاصلها أن "مطابقة القبول للإيجاب ليست شرطا فى لزوم الوصية فقبول الموصى له بعض الوصية ورد الباقى، وقبول بعض الموصى لهم فى عقد واحد، ورد الباقين معتبر وتلزم الوصية فيما قبل، وتبطل فيما رد"( ).
وهذا ما نصت عليه المادة 23 من قانون الوصية بقولها "إذا قبل الموصى له بعض الوصية ورد البعض الآخر لزمت الوصية فيما قبل وبطلت فيما ورد، وإذا قبلها بعض الموصى لهم وردها الباقون لزمت بالنسبة لمن قبلوا، بطلت بالنسبة لمن ردوا".
المطلب الرابع
وقت القبول وأثر ذلك فى حكم الرد
رأينا أن جمهور الفقهاء على أن الوصية تلزم بالقبول، وان القبول المعتبر فى رأى الجمهور هو القبول الإيجابى، فلا يقع قبولا اليأس من رد الموصى له، ولو كان مرجع ذلك موته.
كما رأينا أن القانون أخذ برأى جمهور الفقهاء انه لا تلزم الفورية فى القبول، ولكن إذا طلب من الموصى له الإفصاح عن موقفه بإعلان رسمى من الورثة فلم يجب كتابة خلال ثلاثين يوما كاملة عدا مواعيد المسافة اعتبر رادا، ما لم يكن له عذر مقبول.
ولكن قد يحدث أن يفصح الموصى له عن رغبته فى حياة الموصى فهل لإفصاحه هذا من قيمة؟ وبفرض أنه رد الوصية فى حياة الموصى ثم قبلها بعد موته فيما المعتبر من قبوله ورده؟ وإذا رد الموصى له الوصية بعد موت الموصى فهل له بعد الرد أن يقبل؟ وبفرض أنه قبل ثم بدأ له أن يرد فهل يصح رده؟
أولا : قبول أورد الوصية فى حياة الموصى :
يرى جمهور الفقهاء أنه لا يصح قبول ولا رد فى حياة الموصى لأن الوصية إيجاب الملك بعد الموت، والقبول أو الرد يعتبر بعد الإيجاب، لأنه جواب، والجواب لا يكون إلا بعد تقدم السؤال( ).
أو يقال "لأن الوصية لم تقع بعد فلا تكون محلا للقبول، كما لا تكون محلا للرد، قياسا على رد المبيع قبل إيجاب البيع"( ).
وروى عن الإمام زفر صاحب أبى حنيفة( ) أن للموصى له أن يرد فى حياة الموصى، فإذا رد بطلت الوصية، وذلك لأن الرد أبطل الصيغة المنشئة، وجعلها غير مفيدة لمؤداها، فلا ملكية تثبت بمقتضاها، ولا يحييها قبول جديد.
وعلى هذا : فلمن رد فى حياة الموصى أن يقبل بعد وفاته – فى رأى الجمهور – لأن رده وقع لغوا، وليس له فى رأى زفر أن يقبل بعد الموت لسقوط إيجاب الموصى بالرد، ما لم يوجب الموصى إيجابا جديدا.
ولا شك أن مذهب الجمهور هو الأنسب إلى معنى الوصية باعتبارها تصرفا مضافا إلى ما بعد الموت، وبه أخذ القانون فى المادة 24/1 فنص على أنه "لا تبطل الوصية بردها قبل موت الموصى" وفى المادة 20 "تلزم الوصية بقبولها من الموصى له صراحة أو دلالة بعد وفاة الموصى".
فقيد القبول بما بعد الموت، كما أهدر الرد قبله( ).
ثانيا : رد الوصية بعد موت الموصى ثم قبولها بعد ذلك :
إذا كانت الوصية هى إيجاب الملك بعد الموت فهل لمن رد الوصية – بعد موت الموصى – أن يراجع نفسه فيقبل بعد ذلك؟
يؤكد الإمام ابن قدامة أن الرد صحيح وتبطل الوصية باتفاق العلماء "لأن الموصى له أسقط حقه فى حال يملك قبوله وأخذه فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع"( ).
وذكر بعض أساتذتنا( ) أن يعض فقهاء الزيدية ذهبوا إلى خلاف ذلك، فقالوا إن الرد – ولو بعد الموت – لا يبطل الوصية، بل يجوز لموصى له ان يقبل الوصية بعد ردها.

والحق أننى تتبعت هذا القول فى مظانه من مصنفات الزيدية فلم أقف عليه، بل إن متن الأزهار – الذى هو العمدة فى فقه الزيدية – قطع بخلاف ذلك، قال "وتبطل برد الموصى له"، ولم أجد فى شرح الأزهار ولا فى السيل الجرار ما يشير إلى أى خلاف،( ) ولعل الراوى وقف على ما لم أقف عليه.
وبما روى ابن قدامة اخذ القانون المصرى فى المادة "24" والتى تنص على انه "فإذا رد الموصى له الوصية كلها أو بعضها بعد الموت وقبل القبول بطلت فيما رد".
ثالثا : رد الوصية بعد قبولها :
صورة الفرض الذى معنا رجل أوصى لآخر بوصية ومات مصرا عليها، ثم بعد موته قبل الموصى له الوصية ثم ردها، فهل يصح رده أم لا؟
قبل أن نورد إجابة الفقه والقانون على هذا التساؤل ينبغى أن نأخذ فى الاعتبار الأمرين الآتيين :-
1- أن الوصية من العقود الجائزة، أى غير اللازمة، والأصل فى هذه العقود أنها تقبل الفسخ من جانب كلا المتعاقدين، غير انه لا يفوتنا أن الموجب وهو الموصى قد مات، وإيجاب الملك – فى الوصية – بالموت كما عرفنا، وقد كان بوسع الموصى له ألا يقبل، فإن قبل فقد ملك، ولما كانت الوصية منعقدة بالتراضى فكذلك يجب أن تفسخ بالتراضى "وإلا استلزم هذا الرجوع عن الرضا هو المعتبر فى جميع المعاملات"( ).
2- أن الوصية شبها بالميراث وشبها بالهبة، فهى تشبه الميراث باعتبارها خلافة، وتشبه الهبة باعتبارها تملك بتمليك الغير( ) وجمهور الفقهاء على أن قبض الموهوب شرط لصحة الهبة( ) أما الميراث فهو يملك بالخلافة من غير قبض، ومعنى هذا أن تغليب أى الشبهين يوجب حكما خلاف ما يوجبه الآخر، فباعتبار الإرث، يثبت الملك بالقبول دون حاجة إلى قبض "أى حيازة" وباعتبار الهبة لا يثبت الملك إلا بالقبض.
ومراعاة لهذين الأمرين اختلفت الفقهاء فى حكم الرد بعد القبول على أقوال :
1- فذهب الحنفية ووجه عند الشافعية إلى القول بأن صحة الرد متوقفة على قبول الورثة أو أحدهم، فإذا قبلوا جميعا صح الرد وفسخت الوصية، وإن قبل أحدهم أو بعضهم فالقياس ألا يصح الرد لأن هذا تمليك لمن ردها عليه، ولكنهم جوزوه استحسانا تنزيلا للواحد – أو البعض – من الورثة بمنزلة الكل فكان الرد على أحدهم بمنزل الرد على جماعتهم، ويصير الموصى له كأنه رد قبل أن يقبل، وبعبارة أخرى أن الرد على الورثة فسخ للوصية، ولما كان بول الوصية بالتراضى فكذلك فسخها دفعا للضرر عن الورثة( ).
وقول الشافعية فى الأصح وأكثر الحنابلة كقول الحنفية فى جواز الرد استحسانا، غير أنهم بنوا رأيهم على أن رد الموصى له بعد قبوله هبة لورثة الموصى، ومن ثم فإنها تفتقر إلى شروط الهبة( ).
أما الحنفية فقد علمت أنهم أقاموا ورثة الموصى أو بعضهم مقام مورثهم – الموصى – فى قبول الفسخ.
وحاصل ذلك : أن جمهور الفقهاء على أن الوصية تملك بالقبول، وإن لم يقبضها الموصى له، ومن ثم فإن ردها نوع من الإقالة( ).
فمن كيف الإقالة على أنها فسخ أنزل الورثة منزلة الموصى فى قبول الفسخ، ومن اعتبرها عقدا جديدا( ) قال إن رد الموصى له – بعد قبوله – يعتبر هبة، والموهوب لهم – ورثة الموصى – بالخيار بين أن يقبلوا أو يردوا.
2- ويرى بعض الشافعية وبعض الحنابلة( ) التفرقة بين الرد قبل القبض وبعده.
فإن كان بعد القبض لا يصح الرد إلا أن يرضى الورثة كما قلنا، وإن كان قبله صح الرد – تغليبا لشبه الهبة كما ذكرنا أول المسألة – ولأن ملك الموصى له لا يستقر على الموصى به قبل قبضه، فالقبض يقرر الملكية ويثبتها، وعليه فالرد قبل القبض كالرد قبل القبول.
3- ويرى بعض الحنابلة صحة الرد قبل القبض إن كان الموصى به مثليا لأنه يتعين تعيينا كاملا بالقبض، أما إن كان الموصى به قيميا فلا يصح، وإن لم يقبضه، لأن "القيمى معين بنفسه من غير حاجة إلى قبض أو إشارة تعينه، فتثبت الملكية فيه مقررة فلا يحتاج إلى قبض فلا يسوغ رده"( ).
هذه آراء الفقهاء، وقد أخذ القانون المصرى منها برأى الحنفية، كما نصت على ذلك المذكرة الإيضاحية، وكما يفصح عنه نص المادة "24" والتى تقرر إذا رد الموصى له الوصية – كلها أو بعضها – بعد الموت والقبول، وقبل منه ذلك أحد الورثة انفسخت الوصية، وإذا لم يقبل منه ذلك أحد بطل رده".
وكما هو واضح من النص فإن القانون اعتبر الرد فسخا، وأنزل أحد الورثة منزلة جميعهم…أخذا برأى الحنفية.
ويلقى هذا المسلك القانونى معارضة بعض مشايخنا "لأنه يتنافى مع المنطق الفقهى للمذهب الحنفى نفسه، وللقانون أيضا، إذ كلاهما يقرر أن الملكية تثبت بالقبول، فلا تخرج إلا بتمليك مبتدأ، ونظرية الفسخ مخالفة للقياس الفقهى، وفوق هذا قد يؤدى إلى أمور لا تتفق مع نظم التعامل اليوم، فقد يوصى لشخص فيقبل الوصية بعد موت الموصى وبعد عشرات السنين يرد فرارا له من دائنيه"( ).
وفى رأينا فإن بعض هذا الملحظ سليم إذا حمل النص على ظاهرة، لأن الفسخ خلاف الأصل فقها وقانونا، ففى فقه الشرع يقول القرافى "أعلم أن الأصل فى العقد اللزوم، لأن العقد إنما شرع لتحصيل المقصود من المعقود به أو المعقود عليه، ودفع الحاجات، فناسب الحاجات فناسب ذلك اللزوم دفعا للحاجة وتحصيلا للمقصود"( )، والوصية – كما عرفنا – تلزم بالقبول.
وفى الفكر القانونى فإن الفسخ مقرر كجزاء يتقرر لكل من المتعاقدين إذا أخل العاقد الآخر بالالتزامات التى يفرضها العقد عليه( )، والأصل فيه أن يتقرر قضاء، وللقضاء فى تقريره سلطة رحبة( )، واستثناء من الأصل أجاز القانون المدنى (مادة158) ما يعف بالفسخ القانونى أو الفسخ الاتفاقى "والذى يبين من استقراء أحكام القضاء المصرى أنه يتشدد غاية التشدد فى القول بوجوده الشرط الفاسخ الصريح، وهو اتجاه – كما يقرر الفقه القانونى – منه سديد، لما يتسم به هذا الشرط من خطورة بالغة، بالنسبة إلى أثره فى إزالة العقد بقوة القانون، وبمجرد الإخلال بالالتزام وفى رفع السلطة التقديرية عن قاضى الموضوع"( ).
أما انتقاد النص باعتبار ما قد يؤدى إليه من الإضرار بالدائنين فهو فى رأينا محل نظر، لأن حماية الغير حسن النية مكفولة قانونا بدعاوى الصورية (م244) مدنى، وقاعدة الحيازة فى المنقول (م976) وحماية الدائن حسن النية (م1034)، ووفقا لنص المادة (17) من قانون الشهر العقارى فإنه لا يترتب على شهر دعوى الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع حق على الغير الذى كسب حقه بحس ن نية، قبل التأشير أو التسجيل المشار إليهما.
وفى رأينا فإن نص المادة (24) يناله النقد من زوايا أخر.
أولها : أنه سار على نص عبارة السرخسى فاعتبر الفسخ فى الوصية، وهذا خروج منه :
1- عن مجال الفسخ قانونا، فمجاله كما يقرر الفقه، وكما تقتضيه طبيعته، العقود، أما التصرفات الصادرة من جانب واحد كالوصية فلا مجال له فيها( ).
2- عن أن الفسخ جزاء لإخلال أحد المتعاقدين بالعقد، وهذا يعنى أن ثمة التزامات متقابلة على عاتق الطرفين، وقطعا ليست الوصية كذلك.
ثانيها : لا يتصور أن يراد بعبارة "انفسخت الوصية" انفساخ العقد بالمفهوم القانونى، فكما تفهم المادة (159) مدنى فإن الانفساخ يجىء نتيجة كون التزام أحد العاقدين قد أصبح مستحيلا لسبب أجنبى عنه، لا يد له فيه( ) ولنا أن نسأل هل من التزام يقع على عاتق الموصى له؟
ثالثها : أن ما تفهمه عبارة السرخسى انه أراد بالفسخ الإقالة( ) بدليل اشتراط التراضى، وعدم الإشارة إلى أى إخلال وقع من ورثة الموصى فى تنفيذ الوصية، والراجح فى الفقه الإسلامى أن الإقالة فسخ فى حق المتقابلين( ) لهذا عبر السرخسى بالفسخ كأثر للإقالة.
وكان أحرى بواضع قانون الوصية أن ينسج على منوالة فى صياغة أحكام الرجوع فى الهبة وبخاصة قوله "مادة 503/1 مدنى" يترتب على الرجوع فى الهبة بالتراضى، أو بالتقاضى أن تعتبر الهبة كأن لم تكن لاسيما وأن هذه الأحكام مأخوذة عن الفقه الإسلامى.
وخلاصة القول : أن ما يؤخذ على نص المادة (24) هو سوء الصياغة الذى أوجد اللبس بالفسخ أو الانفساخ، لأن ما رمى إليه النص هو "رفع العقد أو التقابل منه باتفاق لاحق"( ) وليس ذلك فسخا ولا انفساخا قانونا، بل هو تفاسخ أو تقايل( ).
فإذا صح تفسيرنا لمذهب الحنفية، ومن ثم مسلك القانون، فإنه لا يخشى على الغير من رجوع الموصى له فى الوصية بعد قبوله، لأن تصرفه إقالة، وقد حمى جمهور الفقهاء الغير من الإقالة باعتبارها عقدا جديدا فى حقه، وهو ما يترتب حكما هاما فى حماية الغير( ).
المطلب الخامس
وقت انتقال الملكية إلى الموصى له
من المكلات العملية التى تتعلق بالقبول توقيت انتقال ملكية الشئ الموصى به إلى الموصى له، ومرجع تلك المشكلة أن الوصية تفيد – كما ذكرنا مرارا – إيجاب الملك بالموت أو بعد الموت، ولكنها لا تلزم إلا بالقبول – كما هو الراجح فقها والمعمول به قانونا – ولما كان الواقع عملا أن التركات لا تصفى فور وفاة الموصى، كما أن احتمال ألا يفصح الموصى له عن قبوله أو رده فور الوفاة احتمال وارد، فإن مضى زمن بين الوفاة وتنفيذ الوصية واقع لا محالة، فإن كان الموصى به مما يزيد – أو ينقص – بمضى الزمن، فهل تدخل الزيادة – أو يحتسب النقصان – فى ملك الموصى له، أم تدخل فى ملك الورثة؟
وكمثال عملى إذا أوصى رجل لآخر ببستان أو مزرعة كانت قيمته عند وفاة الموصى تقدر بمليون جنيه مثلا، وكانت هذه القيمة تساوى ثلث التركة، وتأخر قبول الموصى له بعذر مقبول سنة – مثلا – وعند قبوله أثمرت المزرعة فبلغت قيمتها مليونا ونصف المليون من الجنيهات، فجاوز الموصى به عندئذ ثلث التركة، فهل تنفذ الوصية فى المزرعة دون ثمارها؟ أم تنفذ فيهما معا؟
والمثال العكسى إذا أوصى لرجل بدار قيمتها عند الموت ثلث التركة فتهدمت بعد الوفاة وقبل القبول فنقصت قيمتها عن الثلث، فهل للموصى له أن يطالب بقيمة ما نقص؟
لا شك أن التعويل على سبب ما لملك الوصية ليحسم هذا الأمر، ولكن ما هو السبب، أهو الموت، أم القبول؟
للإجابة على هذا التساؤل يفرق العلماء بين فروض ثلاثة( ) :-
الفرض الأول : أن يكون الموصى له غير موجود عند وفاة الموصى، كما لو أوصى لأول ولد يولد لخالد، فولد بعد وفاة الموصى، فعندئذ تنتقل الملكية من وقت الولادة لا من وقت الوفاة( ).
الفرض الثانى : أن يكون الموصى له موجودا وقت الوفاة، غير أن الموصى قد حدد زمنا لثبوت الملكية للموصى له، كأن يقول أوصيت بهذه الحديقة لعلى بعد وفاتى بخمس سنوات، ففى هذا الفرض لا تثبت الملكية للموصى له إلا من ذلك الميعاد "لأن شروط الموصى محترمة مادامت لا تخالف مقصدا من مقاصد الشرع"( ).
الفرض الثالث : أن يكون الموصى له موجودا وقت الوفاة، ولم يكن الموصى قد حدد وقتا لانتقال الملك بالوصية فعندئذ :-
1- إن قبل الموصى له فور وفاة الموصى انتقل الملك إليه ولا مشكلة.
2- أما إن تأخر قبوله حتى تغير حال الموصى به فعندئذ تكون المشكلة – محل النظر – وفى حكمها اختلف الفقهاء.
ويمكن حصر هذا الخلاف فى نقطتين :-
الأولى : الخلاف فى سبب ثبوت الملك، هل هو موت الموصى أم قبول الموصى له؟
الثانية : علة ثبوت الملك فى الزوائد أو الثمار، هل هى باعتبارها نماء ملك وثمرته، أم باعتبارها تبعا للموصى به؟
أولا : سبب ثبوت الملك فى الوصية :
السبب فى اللغة( ) : يطلق على كل شئ يتوصل به إلى أمر من الأمور.
وفى الاصطلاح: يطلق على وجوه( ) منها : ما كان مفضيا إلى الحكم وطريقا إليه من غير تأثير، يل لابد للحكم من علة مؤثرة فيه موضوعة له تضاف إلى السبب.
والملك فى الوصية يثبت بالوصية باعتبارها علة، أما سببه : فإما أن يكون الموت لأنه هو الذى يوجب الملك، أو القبول لنه من تمام السبب للملكية.
اختلف الفقهاء :
1- فذهب الحنفية وبعض المالكية والأصح عند الشافعية وهو قول بعض الحنابلة( ) إلى أن موت الموصى هو سبب ثبوت الملك الموصى له، فإذا قبل الموصى له الوصية ثبت الملك من وقت الموت، لوجود السبب فى ذلك الوقت.
ووجه ذلك القول : إن الملك بالوصية مضاف إلى الموت، فتنفيذ هذا التصرف يكون عند الموت، والقبول قد ورد على التصرف وهو بحالته تلك حتى يثبت ملكية متفقة مع الإيجاب، وهى الملكية المعقبة للموت فورا، وقياسه العقد الموقوف، والبيع المقترن بشرط الخيار، فإجازتهما تكون تنفيذا للعقد من وقت إنشائه لا من وقت الإجازة.
ولهم وجه آخر : أن الملك فى الموصى به لا يثبت للموصى، لأن ذمته خربت بالموت، ولا يدخل فى ملك الوارث لأن الله حدد الموروث بما يبقى بعد الوصية والدين، فلم يبق إلا أن يكون موقوفا على قبول الموصى له ورده، والقبول إجازة، والإجازة تكون تنفيذا للعقد من وقت إنشائه لا من وقت إجازته( ).
2- والمشهور عند المالكية والصحيح وهو قول بعض الحنفية وبعض الشافعية أن سبب ثبوت الملك فى الموصى به هو قبول الموصى له( ).
ووجه هذا الرأى : أن الوصية – متى كانت لمعين – تفتقر إلى القبول فلا يعقل أن يسبق الامتلاك القبول كسائر العقود التى تحتاج إلى القبول، ولأن القبول لا يخلو من أن يكون شرطا أو جزءا من السبب، ولا يتحقق موجب الشرط بدونه، ولا المسبب بدون السبب( ).
فعلى الرأى الأول فإن زوائد الموصى به ونماؤه تكون للموصى له، فمتى كانت الوصية فى حدود القدر الجائز الإيصاء به، وذلك عند موت الموصى، فإنها تستحق للموصى له، ولو زادت بعد ذلك زيادة ملحوظة فإن الأصل والزيادة كليهما من حق الموصى له.
وعلى القول الثانى فإن ما يحدث من نماء أو زيادة فى الموصى به لا ينتقل إلى الموصى له، وإنما يبقى على حكم ملك الموصى، ويكون للورثة( ).
وقد أخذ القانون المصرى بالقول الأول، حيث نص فى المادة (25) من قانون الوصية أنه "إذا كان الموصى له موجودا عند موت الموصى، استحق الموصى به من حين الموت، ما لم يفد نص الوصية ثبوت الاستحقاق من وقت معين بعد الموت…..".
ثانيا : علة ثبوت الملك فى الزوائد والنماء :
إذا رجحنا ما أخذ به قانون الوصية فى المادة "25" من أن استحقاق الوصية يثبت مضافا إلى الموت بناء على ما للوصية من شبه بالميراث بجامع كونهما خلافة عن الميت، فهل يثبت الملك فى الزوائد أو النماء باعتباره تبعا للموصى به، أم باعتباره نماء ملك وثمرته؟
قبل أن نجيب على التساؤل نبادر بالقول بأن الأثر المترتب على ذلك غاية فى الأهمية.
إذ باعتبار النماء تبعا للموصى به فإنه يعتبر وصية، ومن ثم يستحق الموصى له منه ما لا يجاوز به مع الأصل القدر الجائز فى الوصية، فإن كان النماء مع الأصل فى حدود ثلث التركة استحقهما الموصى له، وإن جاوز الثلث فللموصى له الأصل وما يكمل الثلث من النماء، أو يأخذ ثلث كل منهما على قول آخر( ).
أما باعتبار النماء ثمرة للملك، فإن النماء يدخل فى ملك الموصى له وإن جاوز به ثلث التركة، لأن المعتبر فى قدر الوصية الجائز هو قدرها حين الموت( ).
إذا وضح لك ذلك فأعلم أن :
1- الحنفية مالوا إلى الاعتبار الأول، ومن ثم فإن كانت الزيادة مع الأصل لا تزيد عن ثلث التركة نفذت الوصية من غير حاجة إلى إجازة الورثة( )، وإن جاوز الأصل والزيادة الثلث، نفذت الوصية فى الثلث، وتوقف نفاذها فى الزائد على إجازة الورثة، فإن أجازوها جازت وإلا بطلت فى القدر الزائد.
2- أما الشافعية فمالوا إلى الاعتبار الثانى، ومن ثم فإن الزيادة تستحق للموصى له بالغة مع الأصل ما بلغت دون توقف على إجازة أحد.
وبرأى الشافعية فى تقدير النماء أخذ القانون المصرى، فنص فى المادة (25) من قانون الوصية على أنه "……………..وعلى أن تكون زوائد الموصى به من حين الملك إلى القبول للموصى له، ولا تعتبر وصية…….." ومن الطبيعى وقد اختار القانون أن يستحق الموصى له – الموجود عند موت الموصى – الموصى به من حين الموت، ما لم يفد نص الوصية خلاف ذلك، وعلى أن تكون الزوائد للموصى أيضا باعتبارها ثمرة ملكه ونمائه، من الطبيعى والحال كذلك أن يكون "على الموصى له نفقة الموصى به فى تلك المدة"( ) أى من حين الموت إلى حين القبول، وهذا ما ختمت به المادة (25) من قانون الوصية.
المبحث الثالث
تعليق الوصية على الشرط واقترانها به
وإضافتها إلى الزمن
المطلب الأول
تعليق الوصية على الشرط
التعليق فى اللغة مصدر من الفعل الرباعى علق – بتشديد اللام – ومعناه النشوب والاستمساك، يقال تعلق به أى نشب به واستمسك وارتبط، ومنه سمى الحمل فى ثانى أطواره علقة، إذ فى هذا الطور يبتدئ تعلق النطفة بجدار الرحم وتشبثها به، بعد أن كانت حرة الحركة فى فراغ الرحم( ).
أما الشرط : فهو الأمر الخارج عن الشئ، المتوقف عليه ذلك الشئ غير المؤثر فى وجوده أصلا( ).
فالشىء يوجد بركنه الداخل فى ماهيته لا الخارج عنه، كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة، لكن وجود الصلاة متوقف على وجود الوضوء، فلا صلاة بغير وضوء.
وتنقسم الشروط إلى شروط شرعية، وشروط جعلية أو تعليقية( ).
أما الشرعى فما يتوقف عليه وجود الشئ فى الواقع بحكم الشرع، كالشهود للنكاح، والعقل والبلوغ لصحة الوصية، وهكذا، وسيأتى حديثنا مفصلا فى الشروط الشرعية للوصية.
أما شروط التعليق : فهو عبارة عن أمر يعتبره المكلف ويعلق عليه تصرفا من تصرفاته بكلمة الشرط – إذا، من، متى، إن……..الخ – أو بدلالتها( ).
إذن فتعليق الوصية على شرط معناه: أن يعلق الموصى عبارة الوصية وسبيتها على وجود شرط معدوم قد يوجد فتحقق لوجوده سبيتها، ويترتب عليه آثارها، وقد لا يوجد فلا تنعقد عبارتها عند ذلك( ).
فإذا كانت العبارة تفيد أن عبارة الموصى قد ارتبطت بأمر مستقبل زائد عن أصل الوصية، معدوم على خطر الوجود – أى محتمل الحدوث – فإننا نكون بصدد وصية معلقة على شرط.
ومثالها : أن يقول إذا اشتريت عقارا بمدينة كذا فقد جعلته بيتا للمغتربين بعد وفاتى، أو يقول سيارتى التى سوف اشتريها بعد عودتى من السفر وصية لكلية الحقوق.
فإن كان الشرط كما وصفنا، ولم يكن منافيا لحكم التصرف كان صحيحا والوصية المعلقة عليه صحيحة باتفاق الفقهاء( ).
وبهذا جاءت المادة الرابعة من قانون الوصية تقول "وتصح الوصية المضافة، أو المعلقة على شرط أو المقترنة به".
المطلب الثانى
اقتران الوصية بالشرط
معناه : التزام أمر لم يوجد – الشرط – فى أمر وجد – الوصية – بصيغة مخصوصة( ).
وبعبارة أخرى : أن يزاد على عقد الوصية شرط فيه فائدة لأحد العاقدين أو لغيرهما، أو فيه تقييد له فوق ما يقتضيه العقد بحسب وضعه الشرعى.
ومن أمثلته : أن يقول الموصى أوصيت لخالد بهذه الأرض على أن يزرعها بنفسه، أو أوصيت لكلية الحقوق بهذه المكتبة على أن لا تسمح بالإعارة الخارجية، أو أوصيت لها بهذه العمارة على أن تخصص لسكنى المغتربات عن محافظة بنى سويف……..وهكذا( ).
والفرق بينه وبين شرط التعليق :
أن التعليق لا عمل له فى آثار العقد وأحكامه، فبتحقق الشرط الذى علق عليه العقد يصبح العقد كأن لم يكن به شرط، وينتج جميع آثاره وأحكامه، وذلك على عكس الشرط المقترن بالعقد المقيد له، فإن عمله يكون فى آثار التصرف وأحكامه، فعمل الشرط المقيد يكون فى المرحلة التى تلى تمام العقد( ).
حكم اقتران التصرف بالشرط :
أ- للفقهاء فى حكم الاقتران ذاته، وحكم العقد المقترن بالشرط كلام طويل لا يتسع لاستعراضه، فنجتزئ منه ما يفى بالغرض.
1- أضيق أخذ بالشروط هو مذهب أهل الظاهر، فالشرط الجائز عندهم هو ما ورد به الشرع، وما عداه فباطل، فإن كان الشرط قد قارن العقد حال التعاقد، كان العقد باطلا مفسوخا، وإن سبق الشرط العقد أو تلاه بطل الشرط وصح العقد( ).
2- وأكثر المذاهب أخذا بالشروط مذهب الحنابلة فقد اعتبر أن الأصل فى الشروط الجواز والصحة ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمه وإبطاله نص أو قياس( ).
والفارق بين مذهب الحنابلة وغيره من المذاهب الأخرى أنه بينما يعتبر مذهب الحنابلة أن الأصل فى الشروط الصحة وغير الصحيح هو المستثنى، تعتبر المذاهب الأخرى أن الأصل فى الشروط الفساد والصحيح هو المستثنى( ).
3- أنه على الرغم من اتفاق الحنفية والمالكية والشافعية على أن الأصل فى الشروط الفساد إلا أنهم يختلفون فيما بينهم فى تقدير بعض الشروط تمسكا بنص أو اعتبارا لعرف، لذا فقد يصح فى نظر بعضهم ما يراه البعض الآخر باطلا( ).
4- لا شك أن الشرط تصرف إرادى مقصود، والقاعدة المتفق عليها بين الجميع أنه يجب "أن يكون قصد المكلف فى العمل، موافقا لقصد الله فى التشريع"( ) إذ "الأمور بمقاصدها"( ) ولكن رغم الاتفاق على هذا فإن المواد من مقاصد الشريعة أو دائرة هذه المقاصد لم تكن محل اتفاق( ) ولهذا أثره الهام فى اعتبرا أو إبطال بعض الشروط.
ب- مراعاة لهذه الأسس انتهت كلمة الفقهاء فى تقدير الشروط إلى :
1- اتفقوا على صحة كل شرط فيه مصلحة العقد، وعلى لزوم الوفاء به، وإجبار المشروط عليه على ذلك.
2- كما اتفقوا على بطلان كل شرط يناقض مقتضى العقد ويخالف مقاصد الشرع.
3- أما إذا كان الشرط يخالف مقتضى العقد غير أنه يحقق مصلحة مشروعة لأحد المتعاقدين أو لأجنبى فقد اختلف فى حكمه.
مذاهب الفقهاء فى الشروط المقترنة بالوصية :
وضح مما اقتبسناه من كلام الفقهاء فى نظرية الشرط أنه فيما خلا أهل الظاهر الذين لا يجيزون إلا شروطا صحت بها النصوص فإن الفقهاء يقسمون الشروط إلى صحيحة وغير صحيحة( ).
أما الشرط الصحيح فالمتفق عليه منه هو ما لا ينافى مقتضى العقد ولم يخالف حكم الشرع.
ومثاله : أن يوصى إلى رجل بدار على أن يسكن – الموصى له – زوجته معه، فهذا الشرط صحيح باتفاق لأن مقتضى الوصية بدار للسكنى أن يسكنها الموصى له، ومن حكم الشرع أن الزوجة تقر حيث يقر زوجها – قال تعالى "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم"( ) فإن شرط الموصى شرطا كهذا فلاشك فى صحته باتفاق.
والمتفق عليه من الشرط غير الصحيح ما ناقص مقتضى العقد دون أن يرد به نص أو يجرى عليه عرف، وكذا ما خالف حكم الشرع.
مثال الأول : أن يوصى إليه بقطعة أرض على أن لا يزرعها ولا يبنيها، فهذا شرط مناقض لمقتضى الوصية فى حق الموصى له فى الانتفاع.
ومثال الثانى : أن يوصى له بمبلغ من المال على أن ينفقه فى دور الرذيلة والمواخير، فشرط كذلك فيه دعوة إلى الفسق والفجور الذى ينهى عنه الشرع.
فإذا لم يكن الشرط على ما وصفنا، فقد اختلف فى حكمه الفقهاء، واشتهر فى ذلك طريقتان :( )
الطريقة الأولى : للحنفية ومعهم بعض الفقهاء :
وبمقتضى هذه الطريقة تقسم الشروط ثلاثة أقسام :
1- الشرط الصحيح وهو كل شرط وافق مقتضى العقد أو ورد بجواز اشتراطه نص أو جرى عليه عرف..ويعتبر شرطا صحيحا فى رأيهم الشرط الذى يقيد من حرية الموصى مادام لا يخالف الشرع، ومن ذلك إذا أوصى على ألا يتزوج من فلانة أو على أن يقيم بأحد الأحياء الشعبية مثلا.
وقد خص الحنفية الوصية والوقف بكثير من الشروط التى ردوها فى عقود المعاوضات، ويرجع الإمام الشيخ أبو زهرة هذه التوسعة فى قبول الشروط التى يشترطها الواقفون والموصون إلى أن "الوصية تصرف فى الملك جاء على خلاف القواعد الفقهية التى كانت لسائر العقود لتوسعة على المالك لكى يتدارك ما فاته من واجبات ونذور، وليصل ببعض ماله من يرى مصلحة له فى صلته….وكل ذلك يقتضى أن يطلق له الحق فى الشروط….ولذلك كان كل شرط فى الوقف والوصية مقبولا إلا إذا كان الشرط منهيا عنه، أو كان فى تنفيذه ضرر بالوقف، أو بمصلحة الموصى لهم من غير نفع مقصود لغيرهم"( ).
وواضح من استقراء شيخنا لمذهب الحنفية أنه فى خصوص الاشتراط فى الوصية قد خرج على أصوله فى مبدأ الاشتراط عموما.
2- الشرط الفاسد : وهو كل شرط مخالف لمقتضى العقد ولم يرد بجواز اشتراطه شرع ولا عرف، ولكن يترتب على اشتراطه نفع لأحد المتعاقدين أو لغيرهما.
ومثاله : إذا أوصى بداره لحسن على أن تؤول بعد موته لحسان مثلا :
فهذا الشرط مخالف لمقتضى عقد الوصية الذى يوجب أن تكون الدار الموصى بها ملكا تاما لحسن – الموصى له – ولم يرد بالشرط نص شرعى ولم يجر به عرف معتبر.
3- الشرط الباطل : وهو كل شرط مخالف لمقتضى العقد، ولم يرد بجواز اشتراطه نص، ولا جرى به عرف، وليس فيه نفع لأحد العاقدين ولا لغيرهما، ومثاله الشهير أن يوصى لشخص بدار على ألا يسكنها ولا يؤاجرها.
فإذا كان الشرط صحيحا جازا اشتراطه وجب الوفاء به، أما إن كان فاسدا أو باطلا فإنه يلغى وتظل الوصية صحيحة وكذلك الوقف.
إذن لا أثر للشرط الباطل أو الفاسد فى رأى الحنفية على صحة الوصية أو الوقف( ).
الطريقة الثانية : طريقة ابن تيمية وابن القيم :
ابن تيمية وابن القيم من متأخرى الحنابلة غير أنهما يعتبران من مجتهدى هذا المذهب، بل إن لهما اجتهادات يبلغان بها منزلة المجتهد المطلق، ولا نغالى إذا قلنا إنهما رائدا مبدأ سلطان الإرادة فى الفقه الإسلامى( ).
ومع ريادتهما تلك فإنهما وسعا من مفهوم المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، توسعة يعز أن نجدها عند غيرهم، ومن ذلك مثلا :
1- اعتبار حرية المال من مقاصد الشرع لقول الله تعالى "كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم"( ) وعليه فمن شرط فى وصيته أن يكون التصرف فيها على وجه احتكارى بين الأغنياء فقط فهذا شرط باطل( ).
2- مقصود المال أن ينفق فيما فيه نفع دينى أو دنيوى بقدر ما يحقق المصلحة فقد نهى الله عن التبذير والإسراف، ونهى عن إيتاء السفهاء أموالهم، فإذا أوصى شخص بثلث ماله لسفيه على أن تكون له حرية التصرف وعدم الحجر عليه فقد اشترط شرطا باطلا( ).
3- إلزام الناس بما ليس بواجب ولا يستحب فيما ليس للملزم فيه منفعة مخالف لمقاصد الشرع، لأن الحلال ما أحل الشرع والحرام ما حرمه، وليس لأحد أن يشرع على خلاف شرع الله.
فإذا أوصى شخص لآخر بثلث ماله على أن يتزوج بفلانة فشرطه باطل، لما فيه من إلزام بما ليس بواجب.
4- النكاح سنة، والترهب والعزوبية مضادة لشرع الله تعالى "لأن الله تعالى فتح للأمة باب النكاح بكل طريق وسد عنهم باب السفاح بكل طريق…ثم إن لوازم البشرية تتقاضاها – تطلبها – الطباع أتم تقاضيه، فإذا سد عنها مشروعها فتحت له ممنوعها ولابد"( ).
فإذا أوصى شخص لآخر بمال على ألا يتزوج فشرطه باطل، لما فيه من سد باب المباح، وفتح باب المعصية.
5- وإجمالا "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش – الدنيا – والمعاد – الآخرة – وهى عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل"( ).
وكلما اتسعت دائرة المقاصد الشرعية كلما ضاقت دائرة الشروط الجايزة، وهذا على خلاف مذهب الحنابلة عموما، ومنهج ابن تيمية وابن القيم خصوصا فى مبدأ الاشتراط بعمومه( ).
وحسب تحليل الإمام أبى زهرة فإن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم "قد ضيقا من الشروط فى الوصايا والأوقاف سدا لباب حسبوه شرا، لأن من الشروط ما رأيا – مع غيرهم – أن فيه فتحا لباب الفساد…..فوسعوا معنى المخالفة حتى تشمل كل ما يؤدى إلى فساد، أو ما يكون ضد المصلحة الاجتماعية"( ).
وحاصل ذلك :
1- أن الشروط فى رأى شيخ الإسلام وتلميذه قسمان :
أ) صحيح : وهو الشرط الذى لم يخالف مقتضى العقد، ولم يرد نص من الشارع بالنهى عنه، ولم يخالف مقصدا من مقاصد الشريعة العامة. وهذا الشرط يجب الوفاء به.
ب) باطل : وهو ما خالف مقتضى العقد، أو ورد نص من الشارع بالنهى عنه، أو خالف مقصدا من مقاصد الشرع العامة، وما كان كذلك لا يجب الوفاء به ولا تنفيذه.
2- أثر الشرط الباطل فى الوصية( ) :
يفرق الإمامان ابن تيمية وابن القيم فى أثر الشرط الباطل فى الوصية بين نوعين من الشروط.
أ) شروط يمكن معها صرف الموصى به إلى غير المعصية :
وضابطها : أن لا يحدد الموصى الوجوه التى يصرف فيها المال الموصى به.
ومثالها : أن يوصى لأحد بحديقة على أن يتزوج واحدة بعينها، أو يوصى لأرملة بمال على ألا تتزوج، والحكم فى هذا الشرط أن يبطل ويلغى وتصح الوصية.
ب) شروط لا يمكن معها تحويل الشئ الموصى به إلى غير المعصية :
وضابطها : أن يحدد الموصى وجه الصرف، كما لو أوصى إلى مدمن بشرط أن يستمر فى التعاطى، أو يوصى بأرض على أن تتخذ ناديا للقمار، أو بيتا للدعارة. ومثل هذه الشروط تؤثر فى الوصية حيث تجعلها تتمخض للمعصية، ولا يمكن تحويل الموصى به إلى غير ذلك، لذا فإن الشرط يبطل وتبطل الوصية كذلك.
موقف القانون المصرى :
كان العمل قبل صدور قانون الوصية يجرى على وفق مذهب الحنفية وهو كما علمت شديد التوسعة للاشتراط فى الوصية والوقف، فكل شرط لا ينافى مقتضى العقد أو يخالف نصا خاصا فى الشرع فهو صحيح، كما يصح الشرط المنافى لمقتضى العقد إذا جرى به عرف، ومغالاة فى التوسعة كانوا يقولون "شرط الواقف كنص الشارع" والوصية كالوقف فى الحكم.
وكان من أثر ذلك أن أفرط كثيرون من الواقفين والموصين فى الشروط التى لا يدعو إليها دين ولا عرف سليم، ولا باعث من مروءة أو خلق وكن طبيعيا والحال هذه أن يجأر الناس بالشكوى من ذلك، وحسنا فعل واضع قانون الوصية إذ عدل عن مذهب الحنفية وأخذ بمذهب ابن تيمية وابن القيم فى التضييق من دائرة الشروط الصحيحة، وتوسيع نطاق الشروط الباطلة.
وهذا ما تقتضى به المادة الرابعة والتى تقرر :
"مع مراعاة أحكام المادة الثالثة تصح الوصية المضافة أو المعلقة بالشروط أو المقترنة به، وإن كان الشرط صحيحا وجبت مراعاته، مادامت المصلحة فيه قائمة، ولا يراعى الشرط إن كان غير صحيح أو زالت المصلحة المقصودة منه، والشرط الصحيح هو ما كان فيه مصلحة للموصى أو الموصى له أو لغيرهما ولم يكن منهيا عنه، ولا منافيا لمقاصد الشريعة".
أما المادة الثالثة فتنص على أنه "يشترط فى صحة الوصية ألا تكون بمعصية، وألا يكون الباعث عليها غير مشروع".
وجماع ما تفيده المادتان أن :-
1- الشرط الصحيح يجب الوفاء به متى توافرت فيه شروط ثلاثة :-
أولها : أن يقصد به تحقيق مصلحة قائمة للموصى له أو لغيرهما.
الثانى : ألا يكون منهيا عنه.
الثالث : ألا يكون منافيا لمقاصد الشارع.
2- الشرط الباطل لا يجب تنفيذه، ويكون الشرط كذلك متى خلا عن المصلحة القائمة، أو كان منهيا عنه بنص خاص، أو كان منافيا لمقاصد الشارع.
3- والقاعدة أن الشرط الباطل لا يراعى، بمعنى أنه يبطل وتصح الوصية، ولكن بمراعاة نص المادة الثالثة فإن الوصية تبطل أيضا متى أثر الشرط فيها وصرفها إلى المعصية تماما، كالوصية لأندية القمار، والمراقص ونحوها.
المطلب الثالث
إضافة الوصية إلى الزمن
الوصية – كما عرفنا – عقد، والعقود تنقسم بحسب الصيغة المنشئة لها( ) إلى عقود منجزة، أى تدل صيغتها على إنشائها وترتيب آثارها فى الحال وعقود معلقة على أمر مستقبل محتمل الوقوع، وهذه لا تنشأ أو لا تترتب آثارها إلا بتحقيق الأمر المعلق عليه، وعقود مضافة إلى المستقبل، أى تدل صيغتها على إنشاء العقد فى الحال، ولكن تؤخر أحكامه إلى زمن مستقبل، ومن ذلك أن يتعاقد اثنان على أن يؤجر أحدهما إلى الأخر شقة ابتداء من العام القادم، فالإجارة تنعقد فى الحال، ولكن يتأخر تنفيذ العقد إلى ابتداء الزمن المذكور.
والأصل فى العقود أن يكون حكمها منجزا( )، أى تنشأ وتترتب عليها آثارها فى الحال، إلا عقدى الوصية والإيصاء، فإنهما لا يكونان إلا مضافين إلى الموت، فالوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت( ) والإيصاء : أن يختار الشخص وصيا يشرف على أولاده بعد وفاته( ) فالشأن فى هذين العقدين أن يكونا مضافين إلى ما بعد الموت، أما غيرهما من العقود فيصح أن يكون منجزا من غير استثناء.
ولأن الوصية مضافة بطبيعتها إلى بعد موت الموصى، فإن إضافتها زمن أبعد من الموت لا يخرجها عن طبيعتها.
فلو أن شخصا أوصى إلى آخر بدار تؤول إليه بعد خمس سنوات من وفاة الموصى، فالوصية صحيحة.
وخالف فى ذلك الإمام ابن حزم الظاهرى، إذ لا تجوز – فى رأيه – الوصية بما لا ينفذ لمن أوصى له بها، أو فيما أوصى به ساعة موت الموصى( ).
ووجه ذلك أن إضافة الوصية إلى زمان يتراخى عن وفاة الموصى، يعنى الوصية بما فى ملك الغير، لأن ما يقع عليه فى ملك الورثة هو ما فضل عن الدين والوصية، فإذا تراخت الوصية، ثبت الملك للورثة، وما ملكه الورثة فقد سقط عنه ملك الميت؛ وإذ لا ملك له عليه فوصاياه فيه باطلة( ).
وبما ذهب إليه الجمهور أخذ القانون فى لمادة الرابعة والتى صدرت بعبارة :
"مع مراعاة أحكام الماجة الثالثة تصح الوصية المضافة……" كما اعتبره فى نص المادة الخامسة والعشرين بقوله "إذا كان الموصى له موجودا عند موت الموصى استحق الموصى به من حين الموت، ما لم يفد نص الوصية ثبوت الاستحقاق فى وقت معين بعد الموت"( ).
إذا مقصود المادة الرابعة بالإضافة، الإضافة إلى وقت معين بعد الموت( )، وليس الإضافة إلى زمن يتراخى عن وقت إنشائها، لأن هذا مقرر بحسب طبيعة الوصية التى لا تقع منجزة بحال، ومن هنا عاب بعض مشايخنا( ) على المقنن تعبيره بلفظة "تصح" لما توهمه من أن الوصية تصح منجزة.
BAHRAIN LAW
مدير الموقع
مدير الموقع
 
مشاركات: 758
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 17, 2008 5:36 pm
الجنس: ذكر

Re: كتاب احكام الوصية في الشرع والقانون

مشاركة غير مقروءةبواسطة BAHRAIN LAW » الاثنين أكتوبر 06, 2008 11:04 am

الفصل الثانى
الموصى
تمهيد :
الموصى هو الشخص الذى أوجب الوصية، أو أنشأها.
وقد رأينا فى تعريفات الفقهاء الوصية أنها تبرع أو تمليك مجانا، وهذا يعنى أن الوصية – باعتبار هذا المعنى – تصرف مفقر، لأنها تخرج من ملك الموصى بلا عوض.
والتصرف الذى من هذا النوع يحتاج إلى أهلية خاصة لإنشائه لما فيه من ضرر محض بالشخص أو دائنيه.
غير أنه لا يخفى أن الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، مما يعنى أن الضرر المعتبر من الوصية لن يلحق الموصى، وإنما يلحق ورثته من بعده.
ومن جانب ثالث فإن للوصية شبها بالميراث، لانتقال الملك فيها بالوفاة، فهل يلزم فى الوصية ما يلزم فى الميراث من اتحاد الدين بين السلف والخلف؟
وهل يلزم اتحاد الجنسية بينهما؟( )
فى ضوء هذه المعانى نعالج الشروط المتعلقة بالموصى وما يتعلق بها من أحكام.
المبحث الأول
العقل كشرط لإنشاء الوصية وبقائها
المطلب الأول
العقل شرط لإنشاء الوصية
الوصية عقد أو تصرف قولى، أو كلام ملزم شرعا، ولكى يكون القول أو الكلام سببا صالحا لإنشاء التصرف فلابد أن يقصده قائله، وأن يفهم المراد منه فى عرف الناس، ويقدر الأثر الشرعى له فى الجملة.
وتطبيقا لذلك اشترط الفقهاء فى الموصى أن يكون عاقلا فإذا كان دون السابعة من عمره، أو جاوزها غير أنه مجنون أو معتوه، فوصيته باطلة( ) لأن عابرة الصغير وفاقد العقل لا اعتبار لها فى نظر الشارع، فلا ينعقد بها عقد، ولا ينشأ بها تصرف أو التزام لانعدام القصد فى عبارتهم فتكون ملغاة، ولا تصلح سببا شرعيا لإنشاء الحقوق.
وكما تبطل وصية غير المميز لصغره أو لفقد عقله، تبطل وصية وليه، أو وصيه، لأن كلا من الولى والوصى لا يملك إنشاء التصرفات الضارة بغير المميز، والوصية ضارة، حيث لا نفع يعود على فاقد التمييز فى الحال أو لمال لعدم تكليفه بشئ من الطاعات، فلا ثواب ولا عقاب( ).
المطلب الثانى
العقل كشرط لبقاء الوصية
إذا أوصى شخص عاقل بوصية ثم طرأ عليه الجنون فما حكم وصيته؟ هل تبطل باعتبار العارض؟ أم تصح بالنظر إلى النشأة؟
اختلف الفقهاء فى هذا الشأن :-
1- فذهب الشافعية فى الأصح وهو مقتضى مذهب أهل الظاهر إلى القول ببطلان الوصية بعارض الجنون، لأن الوصية عقد جائز، والقاعدة أنه يبطل بالجنون كل عقد جائز( ).
2- وذهب المالكية والحنابلة والزيدية إلى القول بصحة الوصية اعتبارا لحال النشأة، لأن العبرة بصدور الوصية صحيحة ممن هو أهل لها، فإن "أوصى فى حال عقله صحت وصيته، لأن بمنزلة العقلاء فى شهادته، ووجوب العبادة عليه، فكذلك فى وصيته وتصرفاته"( ).
3- ويفرق الحنفية والشافعية فى وجه( ) بين الجنون المطبق أو الممتد، وبين الجنون غير المطبق، فيبطلون الوصية فى الحال الأولى، ويصححونها فى الثانية.
قال البدائع "وتبطل بجنون الموصى جنونا مطبقا لأن الوصية عقد جائز كالوكالة، فيكون لبقائه حكم الإنشاء كالوكالة، فتعتبر أهلية العقد إلى وقت الموت، كما تعتبر أهلية الأمر فى باب الوكالة.
والجنون المطبق هو أن يمتد شهرا عند أبى يوسف وعند محمد سنة"( ).
وجه قول محمد : أن السنة أو الحول أقصى مدة للعبادة – الزكاة – فاعتبرت، لنه بمضيها تسقط العبادات كلها فى السنة، فيكون ذلك دليل سقوط التكليف تماما.
ووجه قول أبى يوسف : أن الشهر هو أدنى ما تسقط به عبادة الصوم فكان التقدير به أولى( ).
ولا يغير من الحكم شيئا – عند الحنفية – أن يتصل الجنون المطبق بالموت أو لا يتصل، فمتى منع إرادة الإبقاء المستمرة طبق أثره( ).
وفى رأيى : فإن التوسط الذى أخذ به الحنفية هو أرجح هذه الأقوال لأن إطلاق القول بالبطلان حتى مع الجنون القصير أو غير الممتد إسراف فى إهدار الأهلية، لاسيما وأن قصور مدته وسرعة إفاقته تجعه عفوا كالنوم، ولم يقل أحد ببطلان الوصية بالنوم.
كما أن إطلاق القول بصحة الوصية حتى مع الجنون المطبق لا يقبل لما فيه من قطع حظ الموصى فى الرجوع عن الوصية، وقياسه على البيع ونحوه قياس مع الفارق، لأن البيع عقد لازم، والأصل فيه التنجيز أما الوصية فعقد جائز لا يصح إلا مضافا.
موقف القانون : اعتبر القانون العقل لإنشاء الوصية، فنص فى المادة الخامسة من قانون الوصية أنه "يشترط فى الموصى أن يكون أهلا للتبرع قانونا……" ولما كانت أهلية التبرع لا تثبت إلا لمن بلغ إحدى وعشرين سنة كاملة( ) فمسلك القانون يكون على غرار مسلك الفقهاء وزيادة.
أما اعتبار العقل لبقاء الوصية فقد أخذ فيه القانون بخليط من مذهب الحنفية ومذهب المالكية ومن وافقهم فاعتبر الجنون المطبق مؤثرا فى بطلان الوصية بشرط أن يتصل به الموت، فإذا لم يتصل به الموت فلا يؤثر فى صحة الوصية لما فى هذه الحال من فرصة للموصى فى الرجوع عن وصيته إا أراد، فإن لم يرجع فقد أصر، وبذلك وردت المادة 14/1 بنصها "تبطل الوصية بجنون الموصى جنونا مطبقا إذا اتصل بالموت".
وكما هو واضح من عبارة النص، فإن المقنن قد مال نحو مذهب الحنفية فى اعتبار الجنون المطبق أو الممتد دون الجنون المتقطع الذى تلحقه إفاقة.
ومال إلى مذهب المالكية فى اشتراط اتصال الجنون المطبق بالموت وكأنه قصد بذلك أن يستبين نية الموصى فى الرجوع أو الإصرار تصحيحا للعبارة المنشئة بقدر الإمكان.
المبحث الثانى
البلوغ
البلوغ علامة على كمال العقل، أما ما قبل البلوغ إلى السن الأدنى لوجود أصل التمييز وهو سبع سنوات، فعلامة على وجود أصل العقل.
والصغير متى بلغ السابعة غير مجنون اعتبر مميزا، وقد اتفق الفقهاء على اعتبار التمييز شرطا لصحة الوصية، وما دونه لا تصح وصيته باتفاق، لأن عبارة غير المميز ليست محل اعتبار فى نظر الشارع، فلا ينشأ بها عقد، ولا يتم بها التزام، ولا يبرم بها تصرف.
ويطلق الفقهاء على من بلغ سن التمييز ولم يلحق البلوغ المميز أو الصبى، فإن أوصى الصبى – غير فاقد العقل – فما حكم وصيته؟ وبعابرة أخرى ما مدى اعتبار الفقهاء لشرط البلوغ فى صحة الوصية؟
اختلف الفقهاء فى صحة هذه الوصية :
1- فذهب المالكية وثانى القولين عند الشافعية وأقوى الروايتين عند الحنابلة وبعض التابعين والفقهاء إلى القول بعدم اشتراط البلوغ لصحة الوصية( ).
2- وذهب الحنفية والشافعية فى قول وبعض الحنابلة والظاهرية والزيدية وبعض التابعين إلى القول باشتراط البلوغ لصحة الوصية( ).
الأدلة :
أ- يستدل القائلون بعدم اشتراط البلوغ لصحة الوصية بالآتى :-
أولا : ما رواه مالك فى موطئه بسنده إلى عمرو بن سليم أنه قيل لعمر بن الخطاب رضى الله عنه أن ههنا غلاما يفاعا( ) لم يحتلم وورثته بالشام، وهو ذو مال، وليس له ههنا إلا ابنة عم له؟ فقال عمر: فليوص لها، فأوصى لها بمال يقال له بئر جشم. قالوا وكان الغلام ابن عشر أو اثنتا عشرة سنة( ).
ثانيا : ومن المعقول: أن المعنى الذى لأجله منعت عقوده هو المعنى الذى لأجله أمضيت وصيته، لأن الحظ له فى منع العقود؛ لأنه لا يتعجل بها نفعا، ولا يقدر على استدراكها إذا بلغ، والحظ له فى إمضاء الوصية، لأنه إن مات فله ثوابها، وذلك أحظ له فى من تركه على ورثته، وإن عاش وبلغ قدر على استدراكها، والرجوع فيها( ).
ب- واستدل القائلون باشتراط البلوغ بما يلى : -
أولا : ما صح عن النبى  أنه قال "رفع القلم عن ثلاث – منها : عن الصبى حتى يبلغ( ).
والوجه فيه : أن الصبى غير مخاطب بشئ من الشرائع، ولا داخل فى الخطاب، لكن الله تفضل عليه بقبول أعماله التى هى من أعمال البر ببدنه دون أن يلزمه ذلك، فيكون الحظ المرتجى من وصيته لا محل له، أو لأن الوصايا شرعت على سبيل الاستثناء ليتدارك المكلف ما عساه يكون قد فات فى حياته، وليبر من وصله، ولا يتحقق ذلك فى الصبى، إذ هو يستقبل الحياة ولا يستدبرها، فلا معنى للوصية منه( ).
ثانيا : ومن المعقول : أن الوصية عقد تبرع، يسرى عليها ما يسرى على سائر التبرعات، وهو أهلية الأداء الكاملة، وهذه لا تحصل إلا بالبلوغ( ).
وفى رأيى أن القول باشتراط البلوغ هو الأقرب إلى قواعد الشريعة وأدلتها التى تشترط التكليف( ).
فقد قال الله تعالى "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم"( ).
فقد أناطت الآية اعتبار التصرفات ونفاذها بالبلوغ وإيناس الرشد( ).
كما ثبت أن النبى  أناط المسألة بالإنبات – أى ظهور العانة – فى بنى قريظة( ) كما أجاز من بلغ خمس عشرة سنة لقتال( )، وهذا السن هو السن الغالب للبلوغ( ).
أما المروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقد اعترضه جماعة بالضعف( ).
كما عورض بما روى عن ابن عباس قال "لا تجوز وصية الغلام حتى يحتلم"( ) والأدلة إذا تعارضت تساقطت.
على أن فى فتوى القائلين بعدم اشتراط البلوغ ملحظا لا ينبغى إغفاله وهى إضافة قيد "إذا وافق الحق" روى ذلك عن ابن مسعود، وحفيده عبد الله بن عتبة، والشعبى، وشريح، وإبراهيم النخعى، ونص عليه المالكية وبعض الحنابلة( ).
وقد فسر ابن قدامة هذا القيد بمعنى "إذا وصى بوصية يصح مثلها من البالغ صحت منه، وإلا فلا"( ).
وفى هذا إشارة إلى أن وصية غير البالغ تحتاج إلى إجازة القاضى، لأن أكثر من روى عنهم هذا القيد قضاة، وروى عنهم بلفظ من أصاب الحق أجزنا وصيته.
موقف القانون : أخذ قانون الوصية والقانون المدنى بمذهب الحنفية ومن معهم حيث اشترط فى المادة الخامسة من قانون الوصية أن يكون الموصى أهلا للتبرع قانونا، وأهلية التبرع كما تفيدها المادة (111) مدنى لا تثبت أصلا للمميز، لأن التبرعات من التصرفات الضارة ضررا محضا، وهذه تقع – من المميز – باطلة.
واستثناء من هذا العموم استأنس المقنن بمذهب المالكية ومن معهم بقيده فى إجازة وصية القاصر إذا بلغ من العمر ثمانى عشرة سنة شمسية بشرط إذن المحكمة الحسبية.
فاعتبر أقصى سن البلوغ، وهو رواية عن أبى حنيفة، واستلزم الإذن وهو نزوع نحو مذهب المالكية والحنابلة.
المبحث الثالث
الرشد
الرشد فى اللغة : الصلاح وإصابة الصواب وضده: السفه بمعنى نقص العقل والخفة( ).
وفى الاصطلاح : يعرف الرشد أنه حسن التصرف فى المال، والقدرة على استثماره واستغلاله استغلالا حسنا( ).
أما السفه : فهو خفة تعترى الإنسان فتحمله على العمل بخلاف موجب العقل والشرع مع قيام العقل حقيقة.
ولكنه غلب فى اصطلاح العلماء على تبذير المال وإتلافه فيما لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضا صحيحا( ).
والرشد : تطور حياتى يمون مع البلوغ أو بعده غالبا، ولا يلزم أن يصاحبه لقول الله تعالى "وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم".
فالابتلاء يعنى الاختبار المتكرر الذى يحصل معه العلم بنجابة الشخص ومعرفته السعى فى مصالحه، وضبط ماله أو الإهمال لذلك.
وقوله تعالى "فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا" جملة شرطية ربطت بين دفع المال والعلم بالرشد بعد البلوغ، ولا شك أن هذا يستغرق زمنا.
وغير الرشيد لا يعتبر كامل الأهلية لأن كمال الأهلية بالبلوغ والعقل والرشد.
وكما يمنع من الرشد الصغر، يمنع منه السفه والغفلة، وتعنى – الأخيرة – عدم الاهتداء إلى التصرفات الرابحة بسبب البساطة وسلامة القلب مما يؤدى إلى غبن صاحبها فى المعاملات المالية( ).
فمن جاوز البلوغ ولم يؤنس منه رشد فهو ناقص الأهلية يرى أكثر العلماء الحجر عليه وإن من بلغ من السن ما بلغ( ).
وقال أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعشرين سنه فك عنه الحجر( ).
وقال ابن حزم : السفه هو الجنون فمن بلغ غير مجنون فلا حجر عليه( ).
والحق أن ما يذهب إليه أكثر العلماء هو الأقرب إلى الأدلة الشرعية من القرآن وسنة.
ولا شك أن الحجر على غير الرشيد أوجبه الشرع لمصلحة نفسه( ) حتى لا يضيع ماله، ويكون كلا على الناس، والوصية كما عرفنا تصرف فى التركة مضاف إلى ما بعد الموت، فهل تصح الوصية من غير الرشيد باعتبارها لن تضر بماله فى حياته؟ أم لا تصح باعتبارها تبرعا، وغير الرشيد لا يصح تبرعه لكونه تصرفا ضارا ضررا محضا؟
اختلف العلماء فى ذلك :
فذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط الرشد لصحة الوصية، ومن ثم فإن وصية السفيه وذى الغفلة صحيحة( ).
ودليلهم على ذلك : أن الوصية وإن كانت تبرعا وهما ممنوعان منه، إلا أن الحكمة التى من أجلها منعا من التبرع، وهى المحافظة على أموالهما فى حياتهم، غير موجودة فى الوصية، إذ نفاذها بعد الموت واستغناء الموصى عن ماله، فلا يكون فى وصية غير الرشيد ضرر به، بل يتحقق بها انتفاعه بثواب الآخرة.
كما أنه ليس فى وصيته ضرر بورثته لأن حقهم فيما عدا الثلث محفوظ لا ينال منه إلا بإجازتهم( ).
ويرى بعض الشافعية وبعض الحنابلة وصاحبا أبى حنيفة – فى الوصية فى غير القرب – أن الرشد شرط لصحة الوصية، فإن أوصى السفيه وذو الغفلة بطلت وصيته( ).
ودليلهم : أن الوصية من التبرعات وغير الرشيد ممنوع منها بسبب الحجر عليه محافظة على ماله.
وفى رأيى : فإن حكمة الحجر لا تنافى الوصية لا سيما مع اشتراط مشروعية الباعث، وألا تكون بمعصية، فمع طبيعة الوصية، وشرط مشروعيتها والباعث عليها، لا يخشى على الموصى ولا على ماله من طيش أو ضعف لأن ما يقع منه لن يفوت( ).
موقف القانون : أخذ القانون المصرى بشرط الرشد كقاعدة عامة لصحة التبرعات ومن بينها الوصية، واستثناء من هذا الحكم العام، أجاز القانون لغير الرشيد أن يوصى وأن يوقف بعد إذن المحكمة.
وقد اضطرد النص على ذلك فى أكثر من قانون.
فنص عليه فى المادة (5) من قانون الوصية – ونصها "يشترط فى الموصى أن يكون أهلا للتبرع قانونا، على أنه إذا كان محجورا عليه لسفه أو غفلة أو بلغ من العمر ثمانى عشرة سنه شمسية جازت وصيته بإذن المجلس الحسبى".
كما نص عليه فى قانون المجالس الحسبية رقم99 لسنة1947 حيث تنص المادة43 على أنه "يجوز للمحجور عليه للسفه أو للغفلة أن يقف أمواله أو يوصى بها متى آذنته المحكمة بذلك……"( ).
وأخيرا فإن القانون المدنى ينص فى المادة (116) على أن يكون تصرف المحجور عليه لسفه أو غفلة بالوقف أو بالوصية صحيحا متى آذنته المحكمة فى ذلك".
وعلى حسب رواية بعض الباحثين فإن الفقه والقضاء كانا يسيران – قبل النص على وصية غير الرشيد – على صحة الوقف والوصية من المحجور عليه للسفه أو الغفلة( )، وبالنص على صحتها أقر المشروع هذا المسلك، ولكنه اشترط أن تأذن المحكمة بذلك زيادة فى الحيطة ورعاية لمصلحة المحجور عليه.
ويلاحظ أن نص قانون الوصية – وهو الأسبق القوانين الثلاثة فى الإصدار – قد أجاز وصية المميز البالغ من العمر ثمانى عشرة سنة بإذن المحكمة، بينما خلا قانون المجالس الحسبية، والقانون المدنى من النص على ذلك، فهل يعنى هذا أن وصية القاصر لا تصلح وإن بلغ ثمانى عشرة سنة وآذنته المحكمة فى ذلك؟
يرى بعض أساتذتنا من فقها القانون ذلك( )، ويبدو أنهم توقفوا عند نص القانون المدنى أو اعتبروه لاغيا لنص قانون الوصية بحسبانه لاحقا له واللاحق ينسخ السابق.
وهذا فى رأينا محل نظر للآتى :
1- أن القانون المدنى نفسه قيد إلغاء النص السابق بنص لاحق بالنص صراحة على هذا الإلغاء، أو يتعارض معه، أو ينظم من جديد موضوع النص السابق( ) وكل ذلك لا يلحظ فى نصى القانون المدنى وقانون المجالس الحسبية.
2- أن القانون المدنى اعتبر كلا من المميز والسفيه وذى الغفلة بمنزلة واحدة، فيسرى على تصرفات المحجور عليه للسفه والغفلة ما يسرى على تصرفات المميز من أحكام( ) بل الذى يبدو لى أن القانون اتخذ من تصرفات المميز أصلا ترد إليه تصرفات السفيه وذى الغفلة، ولا يعقل أن يكون للفرع أكثر مما للأصل.
3- أن نص قانون الوصية خاص فلا يلغى إلا بمثله.
ولأن القانون استوجب إذن المحكمة للقاصر أو للمحجور عليه للسفه أو لغفلة لصحة وصيته، مخالفا بذلك ما كان يجرى عليه العمل قضاء قبل صدوره، لذلك وقف منه بعض مشايخنا موقف المعارض، بحجة أن تقييد صحة الوصية هنا بإذن المحكمة، لا يتفق وطبيعة الوصية من ناحتين :-
الأولى : أن الوصية فى كثير من الحالات تكون لتدارك ما فات الموصى القيام به من واجبات دينية، وتكاليف شرعية، كالزكاة مثلا، ولاشك أن كلا من القاصر البالغ والسفيه وذى الغفلة مخاطبون بجميع التكاليف الشرعية كالرشيد تماما بتمام، ومن ثم فلا يستساغ شرعا ولا عقلا ألا يمكنوا من القيام بأداء الواجبات الدينية ومن تدارك ما فاتهم من ذلك إلا بإذن المحكمة.
والثانية : أن الوصية قد تكون فى وقت لا مجال فيه للاستئذان كأن يكون المرء على مشارف الموت، وتقييد وصيته بالإذن يحرمه ثواب الآخرة، ويصيب المحتاجين أو الفقراء بالضرر( ).
وفى رأيى : أن هذا الانتقاد سليم، لاسيما وأن قانون الوصية قد قيد صحتها بمشروعيتها ذاتها ومشروعية الباعث عليها، ومتى انتفت الوصية بمعصية، ولباعث غير مشروع لم يبق إلا الإيصاء فى أوجه القربة أو للتراحم والتضامن الاجتماعى، وقد قررت محكمة النقض المصرية أن "التصرفات التى قوامها التراحم والتضامن الاجتماعى مما يخص عليه التشريع الإسلامى، لا تنطوى على خفة ولا تفيد السفه"( ).
فإذا صح أن مثل هذه الأعمال لا توجب الحجر رغم أنها تصرفات ناجزة يحتمل أن تصيب أموال فاعلها بالنفاذ، فكيف يقبل أن يعلق الإيصاء الآجل على إذن سابق من المحكمة ؟!
المبحث الرابع
الرضا أو الاختيار
قدمنا أن الوصية تصرف ينشأ بإيجاب من الموصى ويلزم بقبول من الموصى له أو ورثته.
والإيجاب هو مجرد تعبير يكشف عن الكلام النفسى للعاقد والذى هو المنشئ للعقد، وليس غيره إلا وسيلة له ومترجما عنه، ولله در القائل :-
إن الكلام لفى الفؤاد وإنما …. جعل اللسان على الفؤاد دليلا.
وقد رأينا أنه لكى ينشأ الإيجاب معتبرا لابد وأن يكون الموجب أهلا له غير أن الأهلية من سلامة عقل وبلوغ سن لا تخرج عن أن تكون شاهد حال، أما الحال ذاته فمكنون نفسى تنقصه أمور أخرى للدلالة عليه، أو الشهادة لسلامته.
وقد اصطلح فقهاء الشريعة والقانون على إطلاق مصطلح "الرضا" على الدال على المكنون النفسى والشاهد لسلامته.
ويعرف الرضا شرعا بأنه القصد إلى تحقيق أثر فى المعقود عليه أى إرادة التعبير، وإرادة الأثر والرغبة فى الحكم( ).
فلابد وأن يكون الموجب – مثلا – مريدا للتعبير، مريدا للأثر، راغبا فى الحكم، ولا يكون كذلك إلا إذا كان واعيا، جادا، مختارا، مصيبا.
فإذا فقد الوعى بسكر أو غيبوبة، أو صدر التعبير عن هازل لا جد فى كلامه، أو عن مكره انتفى اختياره، أو عن مخطئ لم يقصد ما صدر عنه، فلا رضا…..فهل يبطل ذلك الوصية؟
هذا ما نفصله فى المطالب التالية :-
المطلب الأول
وصية السكران
السكران فاقد للوعى، فإذا أوصى حال سكره سكرا غير محرم أى شرب المسكر للتداوى، أو كان سكره إثر تخديره لجراحة مثلا فإن ما يصدر من تصرفات والحال هذه باطل اتفاقا( ).
أما إذا سكر سكرا حراما كأن شرب خمرا بإرادته لا للتداوى فقد اختلف الفقهاء فى حكمه.
1- ذهب أكثر الحنفية والشافعية والحنابلة إلى القول : بصحة وصية من سكر اختيار زجرا له وتنكيلا به.
ووجه هذا القول : أن السكر لا يزيل العقل، ولكن يعرض له فوات فهم الخطاب، وإذا فات الخطاب بمعصية من جانبه جعل التكليف باقيا عقوبة له، وزجرا لأمثاله عن ارتكاب المحرمات( ).
2- ويرى المالكية وأهل الظاهر، والشيعة وبعض من الحنفية والشافعية والحنابلة : أن السكر وإن اختيارا إلا أنه ينافى استقامة القصد، وصحة الإرادة، والعمل إذا تعلق به القصد تعلقت به الأحكام التكليفية، وإذا عرى عن القصد لم يتعلق به شئ منها، وتصرف السكران عار عن القصد فلا يصح( ).
والراجح : هو ما ذهب إليه الجمهور، لأن الشارع الحكيم لم يعتبر أقوال السكران مطلقا كما فى قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"( ) فهادة الشارع ذاته – جل علاه – تنفى عن السكران العلم بما يقول، فكيف يلزم شيئا من الأحكام والتصرفات.
ولا يصح أن يكون إنفاذ التصرفات عقابا وزجرا( ) وإلا كان أولى بها السفيه المكابر المندفع، وهذا ما لم يقل به أحد.
ويقول الجمهور يأخذ القانون المصرى فيبطل تصرفات السكران وإن يكر اختيارا، لعدم إرادته.
المطلب الثانى
وصية الهازل
الهزل من الكلام هو "ما لا يراد به معنى أصلا"( )، وإنما هو عبث من القول، لا يقصد قائله أن تترتب على كلامه آثاره وأحكامه الشرعية، والهزل وإن كان لا ينافى الرضا بمباشرة السبب واختياره، ولكنه ينافى اختيار الحكم والرضا به، وحسب عبارة كمال الدين بن الهمام فإن "الهازل مريد لمعنى اللفظ غير مريد لحكمه"( ).
وقد اختلف العلماء فى حكم تصرفات الهازل تبعا لاختلافهم فى اعتبار أى الإرادتين – الظاهرة أو الباطنة – متى تعارضتا( ).
ويعرف التعارض بقيام القرائن الدالة على أن المتصرف لا يقصد بالتصرف الوصول إلى أثره المترتب عليه شرعا، وإنما يقصد به مجرد الهزل أو التظاهر أو التفاخر( ).
فجمهور الفقهاء على أن العبرة بالإرادة الباطنة إلا فى النكاح والطلاق والرجعة، والعتاق واليمين لاستثناء الشارع لها.
ويرى بعض الفقهاء :
أن العبرة بالإرادة الباطنة فى كل شئ متى قام الدليل على عدم إرادة الحكم، لأن ترتب الحكم رهن باجتماع لقصد والدلالة القولية، فإذا لم يجتمعا، فإن ما صدر يكون مجرد لفظ لا أثر له( ).
ويرى الشافعية :
أن النوايا والمقاصد علمها عند اله فلا يؤاخذ عليها فى الدنيا لقول الله تعالى "ولا تقف ما ليس لك به علم"( ) ولكن يعول على الظواهر لقول النبى  "إنما أقضى بنحو ما أسمع"( ) وعليه فمتى صدر اللفظ من أهله مضافا إلى محله ثبت الحكم، وإن كان القائل هازلا به( ).
وفى ضوء هذا – اختلف العلماء فى حكم وصية الهازل :
1- فذهب الجمهور إلى : القول ببطلانها متى قام على الهزل دليل يطمئن إليه القاضى، لأن أساس التعاقد فى الحقيقة هى الإرادة، وقد انعدمت فالعبارة تكون لغوا، لأنها جعلت لتدل على الإرادة، والقرينة قامت على انعدامها.
2- ويرى الشافعية : على الصحيح عندهم أن عقود الهازل صحيحة بلا فرق بين عقد وآخر، ومن ثم فإن وصيته صحيحة، لأنه قصد العبارة وهو أهل للاختيار، فيؤخذ بما تدل عليه عبارته( ).
والراجح : ما ذهب إليه الجمهور لأن الشارع سبحانه وتعالى لم يحل أكل المال إلا بالتراضى فقال "إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"( ) وقال نبيه  "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه"( ) ولا رضا إلا بإرادة التعبير وإرادة الأثر والرغبة فى الحكم، والهازل وإن أراد التعبير إلا أنه لم يرد الحكم.
وعلى الرأى الراجح يجرى العمل فى الفكر القانونى المعاصر، فقد أوجب القانون أن يكون الموصى أهلا للتبرع قانونا والأهلية تستوجب الإرادة الجادة، "فلا عبرة بإرادة الهازل"( ).
المطلب الثالث
وصية المكره
لا خلاف بين الفقهاء أن الإكراه عارض يفوت الرضا فمتى وجد الإكراه بشروطه المعتبرة شرعا، بطل التصرف فى رأى جمهور العلماء، وفسد فى رأى الحنفية( ).
والفرق بين البطلان والفساد – وهو تقسيم الحنفية كما علمت – أن البطلان بعدم التصرف، أما الفساد فلا يعدم التصرف، فيوجد التصرف مستحقا للفسخ ديانة، ويتوقف على الإجازة حال السعة والاختيار فإن أجازه المتصرف عندئذ جاز( ).
وعلى هذا اختلف العلماء فى حكم وصية المكره :
فذهب الجمهور إلى : بطلانها مطلقا، لأن الإكراه يعدم الرضا والاختيار، وقد صح عن النبى  أنه قال "رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"( ).
ويرى الحنفية : أن وصية المكره تنعقد موقوفة على إجازته فإن أجازها فى حال السعة والاختيار جازت، وإلا بطلت( ).
والراجح الأول :
إذ فضلا عن النصوص التى تشهد له، فإن إهدار عبارة الهازل يستوجب من باب أولى إهدار عبارة المكره، لأن الهازل عابث فيناسبه التشديد فى جانبه بإمضاء التصرفات متى صدرت ألفاظها منه، لئلا يعبث فى موضوع الجد مرة أخرى، أما المكره فهو شخص فى محنة وليس له قصد ولا اختيار صحيح، ولا يقال أنه اختار أهون الضررين، لأنه ما اختار إلا دفع الأذى عن نفسه، فالمناسب له التخفيف بإلغاء عبارته تماما وعدم ترتيب أى أثر عليها( ).
موقف القانون اعتبر القانون الإكراه عيبا من عيوب الإرادة يدمغ العقد بالقابلية للإبطال لمصلحة من جاء رضاؤه متعيبا، وقد عبرت عن ذلك المادة 127مدنى بنصها "يجوز إبطال العقد للإكراه، إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر فى نفسه دون حق، وكانت قائمة على أساس".
وهذا المسلك أقرب ما يكون إلى مذهب الحنفية حسب تفسير الإمام ابن عابدين حيث اعتبر أن عقد المكره فاسد موقوف، قال "وقالوا إنه ينعقد فاسدا لعدم الرضا الذى هو شرط فى النفاذ، وأنه بالإجازة يصح، ويزول الفساد، وعلى هذا يكون الموقوف: منه فاسد كبيع المكره، ومنه صحيح كبيع الصبى"( ).
وحسب تحليل المرحوم الدكتور السنهورى فإن العقد الموقوف يناظر( ) العقد القابل للإبطال، وإن كان صورة عكسية منه، فالموقوف باطل حتى ينفذ بالإجازة، والقابل للإبطال نافذ حتى يبطل بعدم الإجازة، وكلا الأمرين يعبر عن حقيقة العقد الذى يتردد بين مرتبى البطلان والصحة( ).
فإذا صح ما رأينا فى تقدير المسلك القانونى، فإننا لا نرتضى ما يطلقه عامة أساتذتنا من القول بأن القانون أخذ فى وصية المكره بقول الجمهور( )، اعتمادا على تعليق المذكرة الإيضاحية على نص المادة الخامسة والذى جاء فيه "ويشترط فى الموصى أن يكون أهلا للتبرع، بأن يكون عاقلا بالغا راضيا، فلا تصح وصية الصبى والمجنون والمعتوه، ومن ذهب عقله بسكر أو غيره، ولا وصية المكره والمخطئ والهازل لفوات شرط الرضا".
وذلك للأسباب الآتية :-
1- أن المذكرة لم تفصح عن وجهة المقنن فى تقدير الإكراه، ولا ينبغى التعويل على قولها "فلا تصح…..وصية المكره لفوات الرضا" لأن العبارة من صياغة الإمام الكاسانى الحنفى فى البدائع( ) ومعلوم أن نفى الصحة لا يستوجب البطلان عند الحنفية، وإنما قد يستوجب الفساد( ) وهذا ما فسر به الإمام الخبازى الحنفى تفويت الرضا بالإكراه حيث قال "وأثر الكره إذا أثر فى تفويت الرضا، فيفسد ما يحتمل الفسخ، ويتوقف على الرضا………."( ).
2- أن منهج فقهاء القانون التحرز فى تفسير النصوص بالرجوع إلى المذكرات الإيضاحية بحسبانها – فى الغالب – إلا عن رأى مقترح التشريع، عند تقديم المشروع، ولا تراعى فى الغالب ما طرأ على صياغة المشروع من تعديلات عند إصداره( ) وهذا ما يدرك بأدنى تأمل فى نص المذكرة، فهى لم تشر مثلا إلى شرط الرشد بيد أنه شرط أهلية التبرع الذى لا توجد بدونه إلا استثناء.
3- لا يختلف الرأى قانونا أن الأعمال التحضيرية ليس لها قيمة التفسير التشريعى( ). ومن ثم فإن تقدير أثر الإكراه على الوصية على أساس النص الصريح المقرر بالمادة 127 مدنى ينبغى أن يقدم لاسيما وأن القانون المدنى هو الأساس فى ضبط أحكام الأهلية ومتعلقاتها، وأى خروج على هذه القواعد عادة ما يقرر بنص صريح.
4- ولا يعترض علينا أن المادة 127مدنى محلها العقد، وقد اعتبر القانون الوصية تصرفا انفراديا، إذ على فرض التسليم بذلك فإن "أحكام نظرية العقد التى تضمنها القانون المدنى لا تسرى كأصل عام على العقد وحده، وإنما تسرى أيضا على التصرف الصادر بالإرادة المنفردة، مع استثناء ما يتعارض من تلك الأحكام مع طبيعة هذا التصرف الأخير، من حيث أنه يقوم على إرادة واحدة، وهكذا فالتصرف الصادر بالإرادة المنفردة،….تسرى عليه بوجه عام الأحكام المتعلقة بالأهلية وعيوب الرضا"( ).
5- وأخيرا فإن القانون بمسلكه هذا لم يهدر ما هدف إليه جمهور الفقهاء، لأن الوصية بطبيعتها مضافة إلى ما بعد الموت، ومن ثم ففى وسع الموصى أن يرجع فيها متى شاء قبل موته، وبالتالى فإن له الحق فى طلب الإبطال وإن سقط بالتقادم( ) فإن هذا السقوط لا يرتب فائدة علمية.
وإن عاجل الموصى الموت قبل زوال الإكراه فإن الحق فى طلب إبطال الوصية للإكراه ينتقل إلى الوارث "بوصفه خلفا عما، يحل محل سلفه فى كل ماله وما عليه….وإذا كان موضوع طلب الإبطال تصرفا ماليا، فإنه بهذا الوصف لا يكون حقا شخصيا محضا متعلقا بشخص المتصرف بحيث يمتنع على الخلف العام مباشرته"( ).
المطلب الرابع
وصية المخطئ
الخطأ فى اللغة ضد الصواب، وفى الاصطلاح: ما وقع من فاعله من غير قصد ولا إرادة( ).
وفى القرآن الكريم "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ"( ) أى ما كان لمؤمن أن يفوت نفس مؤمن بكسبه، إلا أن يكون بغير قصد إلى وصفه( ) وفيه أيضا "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به"( ) أى لا تحاسبون عليه.
فإذا صدرت العبارة – الإيجاب – من غير قصد ولا إرادة، ولكن بسبق لسان فإن مصدرها يكون مخطئا، ( ) فهل تنعقد الوصية بهذه العبارة أم لا؟
يرى جمهور الفقهاء : أن عبارة المخطئ غير ملزمة، ومن ثم فإن وصيته لا تنعقد( ) لانعدام القصد والرضا، ولقول الله تعالى "ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم"( ).
ولقول النبى صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
والوجه فى الآية والحديث :
أن الله تعالى إنما رتب الأحكام على الألفاظ لدلالتها على قصد المتكلم بها وإرادته، فإذا تيقنا أنه قد سبقه لسانه فلم يقصد اللفظ ولا معناه فإن الشارع لا يلزمه بما لم يقصده، بل رفع المؤاخذة عنه، لأن اللفظ دليل على القصد، فاعتبر لدلالته عليه، فإذا علمنا يقينا خلاف المدلول لم يجز أن نجعله دليلا على ما تيقنا خلافه( ).
ويرى الحنفية – فى قياس قولهم – أن عبارة المخطئ صحيحة، اعتمادا على الإرادة الظاهرة، إذ الحقيقة يعلمها الله، ونحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر، ولأن الخطأ أمر باطنى لا دليل عليه فى لخارج ولا قرينة، وعليه فمتى صدر الكلام من أهله مضافا إلى محله ثبت الحكم( ).
والذى يفهم من هذا التعديل انه متى وجدت قرينة على سبق اللسان فالحنفية مع الجمهور فى الحكم بعدم صحة الوصية( )، وهذا ما يفسر قول الكاسانى فى البدائع "لا تصح وصية الخاطئ"( ) أى متى قامت قرينة على الخطأ.
وفى الفكر القانونى : فإنه لابد لانعقاد التصرف من إرادة حقه، تعى أمر التعاقد، وتنتهى إلى قصده، وإحداث أثر قانونى على أساسه، ومن ثم فإذا أخطأ الشخص بالمعنى الذى أفاده حديث الفقهاء، أى سبقه لسانه، فإن الوصية لا تنعقد أصلا لعدم وجود الإرادة، حتى ولو كان مبعث الخطأ مجرد التمشى مع مقتضيات الهامة والمجاملة وحسن الأخلاق( ).
وعلى غرار ما ذهب الفقهاء فإن الفكر القانونى – فيما عدا ما نص عليه قانونا من انعدام الأهلية – يقرر أن الأصل هو افتراض توافر الإرادة وعلى من يدعى عدم توافرها أن يقيم الدليل على ذلك( ) كما أن قاضى الموضوع هو الذى يستقل بتقدير المسألة، بغير معقب عليه فى ذلك من محكمة النقض باعتبار أن توافر الإرادة من عدمه مسألة من مسائل الواقع( ).
المبحث الخامس
هل يشترط اتحاد الديانة والجنسية بين
الموصى والموصى له؟( )
مظاهر عناية الشرع الحنيف بالعلاقات بين المسلمين وغيرهم من مواطنى دار الإسلام أو الأجانب عنها كثيرة ومتعددة، بل إن الفقه الإسلامى الحنيف عنى عناية فائقة بأمر العلاقات الخاصة بين غير المسلمين سواء كانوا مواطنين أم أجانب منظما هذه العلاقات بقواعد موضوعية فى الغالب من الحالات، وبالإحالة على قوانينهم الخاصة فى حالات أخرى، ومن بين ما عنى به الشرع أثرا وفكرا الوصايا بين المسلمين وغير المسلمين.
وقبل الخوض فى غمار الحكام ينبغى أن نعلم أن :-
1- أن غير المسلمين من المنظور الإسلامى أصناف خمسة :-
أ- ذمى: ويراد به المواطن غير المسلم( )، وهذا له من الحقوق مثل ما للمسلمة تماما، وعليه ما عليه فيما عدا ما يناط من الحقوق أو الواجبات بالديانة.
ب- معاهد : وهو غير المسلم الذى ينتمى لدولة بينها وبين دولة الإسلام وعلاقات ودية.
ج- حربى : وهو من ينتمى لدولة بينها وبين دولة الإسلام عداء وحروب.
د- مستأمن : وهو الحربى الذى يدخل دار الإسلام على غير نية الإقامة والاستقرار أو التجنس.
هـ- مرتد : وهو الذى كان على دين الإسلام وارتد عنه والعياذ بالله.
2- أن المسلمين وإن اختلفت جنسياتهم وتباعدت أقطارهم فهم أمة واحدة، وينبغى أن يكونوا جميعا تحت لواء دولة واحة.
3- أن مبدأ المعاملة بالمثل فى العلاقات الخاصة الدولية مبدأ مقرر إسلاميا فى غير ما نهى الله عنه، وقد روى أبو يوسف القاضى فى خراجه قال "كتب أبو موسى الأشعرى إلى عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – "أن تجارا من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب فيأخذون منهم العشر، فكتب إليه عمر: خذ منهم كما يأخذون من تجار المسلمين"( ).
وفى ضوء هذه الأصول كان حديث الفقهاء فى الوصايا بين المسلمين وغيرهم، وبين غير المسلمين فيما بينهم، ونجتزئ منه ما يلى :
المطلب الأول
وصية غير المسلم
اتفق الفقهاء على أن عدم الإسلام لا ينافى الإيصاء، فكما يصح بيع غير المسلم وهبته تصح( ).
غير أن هذا الإجماع مخصوص بالمرتد، فقد اختلفوا فى حكمه( ).
1- فذهب بعض الشافعية وأحمد وصاحبا أبى حنيفة إلى القول بصحة وصيته ونفاذها رجلا كان ذلك المرتد أو امرأة.
ونقل عن الإمام أبى حنيفة قولان :
أصحهما : أن وصية المرتدة صحيحة نافذة لأنها لا تقتل بالردة وإنما تحبس حتى تحدث توبة، أما المرتد فوصيته موقوفة فإن مات على ردته بطلت الوصية، وإن عاد إلى الإسلام نفذت.
وثانى القولين : عن أبى حنيفة وهو قول المالكية والأصح عند الشافعية والحنابلة أن وصية المرتد والمرتدة فى الحكم سواء فهى موقوفة بالنسبة لكليهما، فإن مات على الردة بطلت، وإن عاد إلى الإسلام صحت.
وسبب هذا الخلاف : أن الردة توجب القتل حدا، فإن هرب المرتد ولم يقتل : فهل تخرق ذمته كالميت أم تظل صحيحة حتى يتبين حاله؟ خلاف بين الفقهاء( ) من آثاره ما رأينا فى الوصية.
وقد اتفق الفقهاء أيضا على صحة وصية غير المسلم للمسلم وكذا صحة وصية غير المسلم المواطن – الذمى – لمثله( ).
والراجح – كما سنرى – صحة وصيته للأجنبى "المستأمن والمعاهد والحربى" ما لم تكن وصية لما يتقوى به أهل الحرب علينا كالسلاح مثلا( ) غير أن ثمة قيدا آخر فى وصية غير المسلم الوطنى لغير المسلم – الأجنبى – لم أقف عليه فى حديث الفقهاء، ولكنه يستفاد تخريجا على الواجب فى التعشير – الجمارك – ألا وهو شرط المعاملة بالمثل، فتقيد الوصايا للأجانب بشرط أن يكون قانون الموصى له يسمح بالوصية الصادرة من مواطنى دولته، لمثل الموصى( ).
المطلب الثانى
وصية المسلم لغير المسلم
1- إذا أوصى مسلم لغير مسام من مواطنى دار الإسلام، فالوصية جائزة اتفاقا، حكمى ذلك ابن حزم فى المحلى وابن قدامة فى المغنى( ).
ومن الأدلة على ذلك :
قول الله تعالى "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا"( ) قال المفسرون معنى قوله إلا أن تفعلوا …الخ أى الوصية لليهودى والنصرانى( ).
ومن السنة : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "فى كل كبد رطبة أجر"( ) وقد سبق الحديث فى إطعام الكائنات غير الآدمية وسقيها، فلأن جاز العطاء لغير الآدمى فالآدمى أولى مهما كانت ديانته.
ومن المعقول : أن الوصية بر، ولم ينهنا الله عن بر من لم يقاتلونا فى الدين ولم يخرجونا من ديارنا( ).
وقد وعى الصحابة ذلك فأوصوا لأقاربهم الذين لا يرثون منهم لاختلافهم معهم فى الدين.
فعن أم المؤمنين زوج النبى  صفية بنت حيى بن أخطب – وكانت يهودية قبل أن تسلم ويتزوجها النبى صلى الله عليه وسلم – أنه كان لها أخ يهودى عرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى، وكان لها مائة ألف درهم، فأوصت له بثلث المائة ألف( ).
2- وإذا كان الموصى له من غير دار السلام – حربى - .
فجمهور الفقهاء على صحة وصية المسلم له، لأن الله نهى عن مولاة الحربيين، ولم ينه عن برهم والإحسان إليهم( )
وفى السنة : عن أسماء بنت أبى بكر قالت "أتتنى أمى وهى راغبة – مشتركة – فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفأصلها؟ قال: نعم"( ).
ومن السنة أيضا : أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى عمر بن الخطاب حلة من حرير – والحرير حرام على رجال المسلمين – وقال له: لم أعطكها لتلبسها، فكساها عمر أخا مشركا له بمكة( ).
فهذان حديثان فى غاية الصحة فى صلة غير المسلمين وإن كانوا من الحربيين – الأعداء -.
ومن هنا فقد ضعف ما ذهب إليه المالكية ورواية عن أبى حنيفة من القول بعدم جواز الوصية للحربى لما فى ذلك من الإعانة والتقوية( ) ضعفوه لأنه اجتهاد مع النص فلا يجوز.
وسترى عند حديثنا فى الوصية الواجبة أنها نوع من الحيلة المشروعة( ) أوجبها من أوجبها حتى لا يحرم القريب غير المسلم من تركة قريبة المتوفى المسلم.
وقطعا إذا جازت وصية المسلم للحربى جازت وصية الذمى للحربى من باب أولى.
المطلب الثالث
وصية الأجنبى للأجنبى( )
إذا أوصى أجنبى لأجنبى صحت وصيته بلا خالف يذكر بين الفقهاء ولكن ما تثيره المسألة مما يستحق التدبر هو سلطة القضاء والقانون الواجب التطبيق على هذه الوصية، وبعبارة أخرى إذا وقع نزاع يتصل بوصية كتلك ورفع إلى القاضى المسلم فهل يقضى؟ وبم يقضى؟
1- ولاية القاضى المسلم على وصايا الأجانب :
أما عن تصديه للقضاء وسماعه الدعوى، فهو رهن بثبوت ولاية القضاء له فى المنازعة ذات العنصر الأجنبى، وبالتعبير الدارج – وإن كان محل نظر – حسب سلطته فى الاختصاص القضائى الدولى.
ومن المتفق عليه أن القضاء من حق الناس على الحاكم، فمن حق كل إنسان أن يطلب النصفه لنفسه باللجوء إلى قاضيه الطبيعى( ).
ولكن الدولة – أى الدولة – وهى ترسم ولاية محاكمها لا تنسى أنها عضو فى مجتمع يضم دولا أخرى، وحتى لا تفتات على حقوق الآخرين فإنها لا تجيز لقضائها أن يسمع من الدعاوى إلا ما يتصل بها بصلة، قد تكون أشخاص المتنازعين أو بعضهم، أو موقع المال، أو محل نشأة التصرف، أو القبول الاختيارى وما إلى ذلك مما ينظمه قانون المرافعات.
ولا يكاد الفقه الإسلامى يخرج عن هذا، فهو يقرر أن القاضى المسلم هو صاحب الولاية متى وقعت المعاملة – الوصية مثلا – فى دار السلام( ) وكذلك صاحب الولاية إذا كانت الوصية بمال كائن بدار الإسلام( )، ولكن إن وقعت المعاملة – نشأ التصرف – فى الدار الأجنبية، فظاهرة عبارة الفقهاء أن التصرف نشأ غير موجب لولاية( ) لمعنيين :-
أولهما : أن الأجنبى – فى دولته – غير ملتزم لأحكام الإسلام، فلا تلزمه الولاية.
الثانى : إن الولاية تعتمد القدرة على التنفيذ، فإذا انتفت القدرة انتفت الولاية.
والحقيقة أن هذه النظرة يكتنفها الإيمان بخضوع الدول الأجنبية لقانون الغاب، وسيطرة العداء فى العلاقات بين الدول الإسلامية والدول الأخرى، وهذه وقائع لو صدقت فى القرون الماضية فإنها لا ملح لها اليوم، فالغالب على عامة قوانين العالم الرقى والعدالة، والعلاقات بين الدول الإسلامية وغيرها الآن عكس ما كانت عليه فى الماضى تماما، ونفى الولاية لعدم القدرة على التنفيذ يغلب أن لا يكون له محل، خاصة بعد شيوع اتفاقات التعاون القضائى.
ولأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإننا نرى الأخذ برأى كثير من الفقهاء أن ولاية القاضى المسلم فى الحكم فى وصايا الأجانب صحيحة حتى وإن نشأت الوصية فى الدولة الأجنبية، ولو كانت هذه الدار محل التنفيذ المزمع لها( )، بشرط واحد هو إمكانية تنفيذ حكم القاضى المسلم، لأن الفقه الإسلامى فقه عملى، يأبى على قضائه أن يتصدى لدعوى لا يجد الحكم فيها طريقة إلى النفاذ( )( ).
ونخلص من ذلك إلى أن أحكام الولاية القضائية فى المنازعات ذات العنصر الأجنبى والتى ينظمها قانون المرافعات المصرى فى المواد 28-35 يغلب عليها الطابع الإسلامى، وإن لم يكن الفقه الإسلامى مصدرها.
2- القانون الواجب التطبيق على وصايا الأجانب :-
يجرى العمل فى القوانين المعاصرة على السماح لبعض القوانين الأجنبية لتجد مجالها للتطبيق فى غير الدول التى أصدرتها، فى إطار ما تشير به قواعد قانونية فى قانون القاضى اصطلح على تسميتها بقواعد الإسناد.
فإذا أشارت قاعدة الإسناد تلك إلى قانون ما فإن القاضى يلتزم بتطبيق أحكامه على المنازعة ما لم يستبعد هذا القانون لتصادمه مع النظام العام فى دولة القاضى.
وقد شاع أن الفقه الإسلامى يرفض هذا النظام أساسا باعتبار أن الشريعة الإسلامية إقليمية التطبيق، أخذا بقول الله تعالى "وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك"( )، وبقوله "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله"( ) "فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم"( ) وغيرها من الآيات التى تحض على الحكم بالعدل والقسط والحق.
ويرى القائلون بذلك "أن الفقه الإسلامى لم يكن قد وصل بعد فى استنباطه القواعد التى يجب أن تكون أساسا لتحكم فى قضايا الأجانب، إلى حد التفريق بين سلطته فى نظر الدعوى، والقانون الواجب التطبيق( ).
والحقيقة أن هذا الحكم على إجماله يبخس فقهاء الشرع حقهم لأننا نتحسس – وإن لم يكن لدينا الدليل القاطع – أن نظرية الأحوال والتى هى بذرة نظام تنازع القوانين ترجع بالنظر إلى مضامينها وظروف نشأنها إلى الفقه الإسلامى( ).
كما أننا نرى أن الفقه الإسلامى – على اختلاف مذاهبه، وتعدد آراء علمائه – لا يمنع من تطبيق القوانين الأجنبية فى إطار مراعاة النظام العام الإسلامى، وشواهدنا على ذلك :-
1- أن الفقهاء نصوا على أن "غير المسلمين التزموا المجمع عليه فى ديننا، ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات"( ).
2- أن العرف معتد به شرعا، فهو دليل من أدلة الشرع، والغالب فى كثير من القوانين أنها أعراف قننت فى صورة نصوص تشريعية، والمقنن كما يقولون "أداة الجماعة فى التعبير عن القواعد القانونية التى ترتضيها"( ).
3- أننا وقفنا على عبارات فقهية ضاربة فى القدم تنص على احترام أعراف غير المسلمين – التى لا تخالف المجمع عليه شرعا – ومراعاتها فى الحكم والقضاء، ولله در ابن تيمية إذ يقول "كل ما عده الناس نكاحا فهو نكاح، ومثله كل عقد"( ).
وعلى ذلك فإننا نقول فى يقين إن نص المادة السابعة عشرة من القانون المدنى والتى تقرر انه "يسرى على الميراث والوصية وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت قانون المورث أو الموصى، أو من صدر منه التصرف وقت موته. ومع ذلك يسرى على شكل الوصية قانون الموصى وقت الإيصاء، أو قانون البلد الذى تمت فيه الوصية، وكذلك الحكم فى سائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت "نقرر بخصوص هذا النص – وأمثاله – أنه لا يخالف الشريعة الإسلامية خاصة وأن إعماله مقيد بما تنص عليه المادة الثامنة والعشرين من عدم مخالفة أحكامه للنظام العام أو للآداب فى مصر.
وقد فسرت محكمة النقض المصرية النظام العام بما يعنى "الأسس الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الخلقية فى الدولة مما يتعلق بالمصالح الجوهرية للمجتمع"( ).
والحقيقة أن محكمتنا العليا، يشايعها بعض الشراح يتشددون مع القوانين الأجنبية فى بعض ما تقرره من أحكام فى الوصايا والمواريث، فمحكمة النقض تقرر أن "أحكام المواريث الأساسية التى تستند إلى نصوص قاطعة فى الشريعة تعتبر فى حق المسلمين من النظام العام فى مصر، إذ هى وثيقة الصلة بالنظام القانونى والاجتماعى الذى استقر فى ضمير الجماعة بحي يتأذى الشعور العام عند عدم الاعتداد بها، وتغليب قانون أجنبى عليها"( ).
كما قضت محكمة استئناف إسكندرية "باستبعاد القانون الأجنبى الذى يجير استحقاق الموصى له للوصية، ولو كان هو قاتل الموصى"( ).
ولكن محكمة النقض قضت بعدم استبعاد القانون الأجنبى الذى يجيز الوصية بأكثر من الثلث، على أساسه أنه لا يدخل فى نطاق النظام العام فى مصر( )، وهو الأمر الذى ينتقده بعض الشراح( )، ولكننا إعمالا لقاعدة "أن غير المسلمين التزموا المجمع عليه فى ديننا، ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات"( ) لا نرى أن الحكم قد جاوز الصواب لأن المسألة محل خلاف.
ويتفق الشراح على أن قاعدة "لا تركة إلا بعد سداد الديون" واجبة التطبيق ولو كان المورث أجنبيا( ).
ولا يتصور أن تقضى المحاكم المصرية بصحة وصية بمعصية فى الديانات السماوية جميعا، لأن شرط ألا تكون الوصية بمعصية مجمع عليه( ).
بينما يتصور أن تقضى بصحة وصية صدرت فى شكل مخالف لما هو منصوص عليه فى قانون الوصية لأن مسألة الشكل محل خلاف، كما يتصور ان تقضى بصحة وصية المميز وإن لم يكن رشيدا لأن شرط الرشد مختلف فيه، أو أن تقضى بصحة وصية صبى مميز لم يصل سن البلوغ لاختلاف الفقهاء فى ذلك.
وإجمالا فإن القانون الأجنبى إن لم يخالف حكما مجمعا عليه جاز تطبيقه شرعا.
وخلاصة هذا الموضوع أن :
1- اتحاد الدين والملة ليس شرطا لصحة الوصية مطلقا.
2- اتحاد الدارين ليس شرطا لصحة بين المسلمين.
3- إذا كان الموصى تابعا لبلد إسلامى والموصى له غير مسلم تابع لبلد غير إسلامى فشرط صحة ألا يمنع قانون البلد غير الإسلامى الوصية لمثل الموصى.
وهذا ما تضمنته المادة التاسعة من قانون الوصية.
4- ولم تنص المادة التاسعة على القانون الأجنبى المعول عليه فى إجازة الوصية لمثل الموصى متى اختلفت جنسية الموصى له الأجنبى فى مرحلتى إنشاء الوصية ووقت وفاة الموصى، ويرى المرحوم الإمام محمد أبو زهرة أن المعتبرة هو قانون الموصى له وقت وفاة الموصى تشبيها بالميراث، وإعمالا لمصدر قانون الوصية الفقهى( ).
ونحن نرى أنه كذلك ولكن على أساس المادة 17مدنى، فقد اعتبرت وقت الموت فى تحديد القانون الواجب التطبيق على الشروط الموضوعية للوصية، واعتبار قانون جنسية الموصى وقت موته يبرر اعتبار قانون جنسية الموصى له وقت موت الموصى أيضا لاتحاد المعنى، لأن عدم المنع من الوصية لمثل الموصى شرط موضوعى فيعتبر فيه مثل ما يعتبر فى بقية الشروط الموضوعية.
5- وأخيرا فإن وصايا الأجانب تخضع لولاية القضاء المصرى متى توافر ضابط من ضوابط الولاية المنصوص عليها فى قانون المرافعات، ويسرى على شكلها قانون الموصى وقت الإيصاء أو قانون البلد الذى تمت فيه الوصية ما لم يكن هذا القانون أو ذاك مخالفا للنظام العام فى مصر، فإنه يستبعد ويطبق القانون المصرى.
المبحث السادس
أثر الدين فى صحة الوصية ونفاذها
وردت الوصية فى القرآن الكريم مقدمة فى الذكر على الدين، حيث قال الله تعالى "من بعد وصية يوصى بها أو دين" وقال من بعد وصية يوصين بها أو دين" وقال "من بعد وصية توصون بها أو دين" فقدمت فى المواضع الثلاثة عليه، ولكن هذا تقديم فى الذكر فحسب، أما فى الأداء فالدين مقدم على الوصية، وقد ورد من طرق متعددة أن رسول الله  "قضى بالدين قبل الوصية"( ).
وقد تلمس العلماء الحكمة فى تقديم الوصية – فى الذكر – على الدين ومما ذكروا فى ذلك :- ( )
1- أن الله سبحانه قدم الوصية لأن تسببها من قبل الموصى، والدين ثابت مؤدى، ذكره أم لم يذكره.
2- أن وجود الوصية أكثر من وجود الدين، فقدم فى الذكر ما يقع غالبا فى الوجود.
3- أنه ذكر الوصية لأنه أمر مشكل، هل يقصد الموصى ذلك، ويلزم امتثاله أم لا؟ أما الدين فواضح ومهور أنه لابد منه، فقدم المشكل لأنه أهم فى البيان.
4- أن الوصية كانت مشروعة ثم نسخت فى بعض الصور، فلما ضعفها النسخ قويت بتقديم الذكر.
إذا فالوصية مقدمة فى الذكر فحسب، فضلا عن كونها مخصصة ببعض المال لا تجاوزه البتة فى رأى جماعة، أو تجاوزه إذا أجاز ذلك الورثة فى رأى آخرين.
أما الدين فهو أمر ينشئه الشخص بمقاصد صحيحة فى الصحة والمرض، بينة المناحى فى كل حال، يعم تعلقها بالمال كله، فقد يتعلق الدين بكل التركة، أما الوصية فلا تتعلق أصلا إلا بالثلث.
ومادام الأمر كذلك، وأن الدين مقدم فى الأداء من التركة على الوصية، بحيث إذا لم يبق من التركة شئ لا تنفذ الوصية، فإنه لا يخشى من الوصية على الدين.
وعلى هذا الأساس أجاز الفقهاء للمدين، ولو بدين مستغرق لتركته، يعم كل ماله أن يوصى( )، غير أن وصيته لا تنفذ إلا بعد براءة الميت الموصى من الدين، بالوفاء أو بالإبراء فإن برئت ذمته نفذت وإلا فلا.
فإن كان الموصى مدينا بدين مستغرق.
فإن أبرأ الدائنون ذمة المدين من كل الدين نفذت الوصية كلها فى حدود ثلث التركة من غير إجازة أحد، وفيما جاوز الثلث بإجازته الورثة. وإن أبرءوه من بعض الدين، نفذت الوصية فى ثلث الباقى من غير إجازة، وفيما جاوزه بإجازة الورثة.
وإن كان الموصى مدينا بدين غير مستغرق فإننا نفرق بين حالتين :-
الحالة الأولى : أن تكون الوصية بمقدار شائع فى التركة.
وصورتها (أن يوصى شخص لآخر بثلث ماله مثلا، فهذا الثلث شائع غير محدد بعين بذاتها) والحكم عندئذ أن الوصية نافذة، إذا كانت فى حدود ثلث القدر الخالى من الدين، فإن زادت على ذلك فلا تنعقد فى القدر الزائد على الثلث غلا بإجازة الورثة.
فمثلا إذا أوصى أحمد المدين لكل من مصطفى بمبلغ2000 ألقى جنيه، ومحمد بمبلغ مماثل، أوصى لعلى بمبلغ 500جنيه، وعند موته ترك أمه وزوجته وسيارة بمبلغ 6000جنيه انفق منها على تجهيزه وتكفينه مبلغ 500، فما حكم وصية على؟
الجواب :-
الوصية نافذة لأن الباقى بعد حاجة الميت وسداد ديونه مبلغ 1500جنيه وثلث هذا القدر يساوى 1500× 1= 500
3
فإذا افترضنا أن الوصية كانت بمبلغ 600جنيه، فإنها لا تنفذ فى المائة الزائدة إلا بإجازة الورثة.
الحالة الثانية : أن تكون الوصية بعين معينة تعلق بها حق لأحد الدائنين كأن يوصى له بمنزل محمل برهن لصالح أحد الدائنين.
ففى هذه الحالة يقدم حق الدائن فى استيفاء دينه من ثمن المنزل على حق الموصى له، فيستوفى الدائن حقه من الثمن، أما الموصى له فينتقل حقه إلى باقى التركة فيستوفى منها مقدار الدين الذى استوفاه الدائن من ثمن العين الموصى بها، بشرط ألا يزيد ما يأخذه الموصى له على ثلث التركة بعد سداد الديون.
مثال :
اقترض علاء من حسام مبلغ 50000 خمسين ألف جنيه لتمويل صفقة حبوب يشتريها فى الموسم على أن يرد له المبلغ بعد توريدها إلى تجار التجزئة، وفى أثناء تخزين الحبوب فى مخزنه شب حريق فأتى عليها، وطالبه حسام بحقه أو بتوثيقه برهن فرهن له منزله الكائن بشارع صلاح سالم، وبعد سنتين من قيد الرهن، أوصى علاء لصديقه حسن بالمنزل المرهون، بوصية صحيحة ومسجلة، ثم مات علاء عن ابنه وأمه وزوجته وترك مخزنا وشقة تمليك، والمنزل المرهون.
استصدر حسام حكما بالتنفيذ على المنزل فبيع بمبلغ (150) مائة وخمسين ألف جنيه، وقدر المخزن والشقة بمبلغ 350 ألفا أخرى فكم يأخذ حسن من الباقى بعد سداد الدين؟
الحل :
ثمن العقار الموصى به 150 ألف جنيه استوفى منه للدين مبلغ 50 ألف جنيه، والباقى 100 مائة ألف يستحقها حسن ثم يرجع بمبلغ الـــ150 ألف جنيه على بقية التركة فيستوفيها قبل تقسيم التركة على الورثة لأن الموصى به لا يزيد على ثلث التركة بعد سداد الديون 450×1 = 150
3
وبهذه الأحكام جاء قانون الوصية :
فنص فى المادة 38على أن "تصح وصية المدين المستغرق ماله للدين، ولا تنفذ إلا ببراءة ذمته، فإن برئت ذمته من بعضه أو كان غير مستغرق، نفذت الوصية فى الباقى بعد وفاء الدين".
كما نص فى المادة39 على أنه "إذا كان الدين غير مستغرق واستوفى كله أو بعضه من الموصى به، كان للموصى له أن يراجع بقدر الدين الذى استوفى فى ثلث الباقى بعد وفاء الدين".

الفصل الثالث
الموصى له
الموصى له : هو ثانى طرفى الوصية المستفيد منها، أى الذى الوصية لمصلحته وقصد الموصى البر به والإحسان إليه.
وكما أن الموصى لابد فيه من شروط لصحة وصيته فكذلك الموصى له يجب أن تتوافر فيه جملة من الشروط، غير أن بعض هذه الشروط لازم لصحة الوصية ابتداء، والبعض الآخر لازم لنفاذها، أو لبقائها صحيحة.
وفى هذا الفصل نتناول فى ثلاثة مباحث شروط الموصى له.
المبحث الأول : الشروط الواجب توافرها فى الموصى له لصحة الوصية ابتداء.
المبحث الثانى : شرط استحقاق الموصى له الوصية.
المبحث الثالث : الوصية لوارث.

المبحث الأول
الشروط الواجب توافرها فى الموصى له
لصحة الوصية ابتداء
اشترط الفقهاء فى الموصى له لصحة الوصية شروطا أربعة وهى :
1- أن يكون موجودا. 2- أن يكون معلوما. 3- ألا يكون جهة معصية.
4- وفى رأى بعض الفقهاء ألا يكون حربيا.
وقد عالجنا الشرط الأخير فى ثنايا كلامنا عن مدى اشتراط اتحاد الديانة والجنسية بين الموصى والموصى له، فلا داعى لإعادة الكلام فيه ونفصل القول فى الشروط الثلاثة الأول.
المطلب الأول
وجود الموصى له
يقصد بالوجود أن يكون الموصى له ذا حياة حقيقية أو مقدرة عند إنشاء الوصية، هذا إذا كان أدميا، أما إذا كان جهة فيعنى أن تكون لها كينونة معتبرة وقت الإيصاء.
وفى بحث شرط الوجود يقسم العلماء الموصى له إلى معين، وغير معين( )، أما المعين فهو ما تحدد بالذات تسمية أو إشارة، كأن يقول الموصى أوصيت لعلى أو لحقوق بنى سويف، أو يقول أوصيت لهذا الطالب، أولئك المستشفى.
وغير المعين هو من تحدد بالوصف لا بالذات كأن يقول أوصيت للمتفوقين من طلاب الحقوق بكذا، أو أوصيت للفائز ببطولة الرماية بكذا.
أولا : الوصية للمعين :
إذا كان الموصى له معينا بالذات تسمية أو إشارة فجمهور الفقهاء على اشتراط وجوده وقت إنشاء الوصية، فإن بان معدوما فى ذلك الوقت لم تصح الوصية، وإن وجد بعد ذلك( ).
مثال ذلك : أن يوصى لابن بنته فلان الضابط العامل بصفوف القوات المصرية فى البوسنة، وذلك بتاريخ 1/4/95 ثم يتبين أن الموصى له لقى ربه شهيدا برصاصات الغدر الصربية فى 25/3/95.
أو أن يبلغ أحد الأباء أن ابنته فلانة التى لم يسبق لها حمل أجرت تحليلا فكانت العينة إيجابية، وفى غمار الفرحة يقول أوصيت لحفيدى المستكن فى بطن ابنتى فلانة بفدان من الأرض، ثم يظهر أن التحليل لم يكن دقيقا، وأن الابنة لم تكن حاملا فى هذا الوقت ولكنها حملت فى الشهر التالى.
ودليل الجمهور على ذلك : أن الوصية تفيد التمليك فوجب أن يكون الموصى له موجودا لأن المعدوم لا يملك، أو لأن الوصية عقد يفتقر إلى القبول ولا يتصور القبول من المعدوم( ).
ويرى المالكية( ) أن الوصية من قبيل التبرعات، والتبرعات يتوسع فيها، أو لأن الغرض من الوصية نفعه بها وذلك ممكن بسداد ديونه وتنفيذ وصاياه.
وعلى ذلك فالوصية للمعدوم وقت إنشاء الوصية صحيحة فى رأى المالكية لما ذكرت.
ثانيا : الوصية لغير المعين :
فلنا إن الوصية لغير المعين تعنى الوصية لمن تحدد وصفا لا ذاتا، كالمتفوقين من طلاب الحقوق، أو الفائزين من المتبارين فهؤلاء وأمثالهم لا يشترط الفقهاء أن يكونوا موجودين حال نشأة الوصية.
أما شرط وجودهم وقت وفاة الموصى فهو المختلف فيه( ).
فجمهور الفقهاء على اشتراط وجود الموصى له وقت وفاة الموصى لأن الوصية تمليك، وتمليك المعدوم غير مكن، ولأن الوصية أخت الميراث والميراث لا يثبت إلا لمن كان موجودا من الورثة وقت وفاة المورث، فكلك الوصية لا يستحقها الموصى له إذا لم يكن موجودا عند وفاة الموصى.
ويرى المالكية وبعض الشافعية( ) صحة الاستحقاق من الوصية لمن كانت معدوما وقت الموصى، بل تصح الوصية للمعدوم فى هذا الوقت، قياسا على الوقت ولأن الوصية من التبرعات، والتبرعات يتوسع فيها ما لا يتوسع غيرها من عقود التمليك، من باب التيسير على الناس، وفتح سبل الخير والبر أمامهم.
الوصية للجهات( )
يرى جمهور الفقهاء : أنه يجب أن تكون الجهة الموصى لها موجودة وقت الوصية، لأن الوصية تمليك والمعدوم لا يملك.
بينما يرى المالكية والحنابلة : أنه لا يشترط وجود الجهة وقت الوصية، لأن الوصية تبرع والتبرعات يتوسع فيها ما لا يتوسع فى غيرها.
وعلى ذلك فمن أوصى بسيارته لمحطة إذاعة بنى سويف – وهى غير موجودة الآن – بطلت وصيته فى رأى الجمهور وصحت فى رأى المالكية والحنابلة.
موقف القانون : أخذ القانون برأى الجمهور فى اشتراط وجود الموصى له الشخص الطبيعى المعين عند الوصية، وأخذ برأى المالكية فى بقية الصور وبهذا جاءت المادتان 6،8 من القانون.
فنصت المادة (6) على انه : يشترط فى الموصى له أن يكون موجودا عند الوصية إن كان معينا، فإن لم يكن معينا لا يشترط أن يكون موجودا عند الوصية ولا وقت موت الموصى، وذلك مع مراعاة ما نص عليه فى المادة(20).
والمادة(20) هى التى تتناول شرط قبول الوصية وأصحاب الحق فيه – وقد فصلناه وفيما سبق( ).
وتنص المادة (8) أخذا بمذهب المالكية أيضا على انه (تصح الوصية لجهة معينة من جهات البر ستوجد مستقبلا، فإن تعذر وجودها بطلت الوصية".
والذى يفيده هذا النص أنه :
أولا : تصح الوصية لما سيوجد مستقبلا من جهات البر والنفع العام.
والوجود – كما نعلم من أحكام الشخصية الاعتبارية – يمر بمرحلتين :
المرحلة الأولى : وجود فعلى. المرحلة الثانية : وجود قانونى.
أما الوجود الفعلى فيكون فى مرحلة التكوين وقبل تمامه بالنسبة للجهات التى تنشأ بالاعتراف العام (أى بمجرد توافر شروط معينة تكتسب بتوافرها الشخصية المعنوية بقوة القانون)، أما الجهات التى لا تنشأ إلا بإذن خاص فتوجد وجودا فعليا حتى يصدر لها إذن أو تراخيص من السلطة المختصة فتكتسب بذلك الشخصية المعنوية( ).
فإذا ما أوصى شخص لجهة لم توجد بعد وكانت عند موته موجودة وجودا قانونيا صحت الوصية ولزمت بقبول الممثل لهذه الجهة لها، كما تصح وتلزم وإن كانت موجودة عند الموت وجودا فعليا فقط، إعمالا لنص المادة (20) حيث تلزم الوصية عندئذ دون قبول.
ثانيا : أما إذا كانت الجهة الموصى لها غير موجودة قانونا وفعلا وقت وفاة الموصى، فربما يكون ذلك – وهو الغالب – لأن الوصية هى المنشئة لها، فطبقا للقانون 384 لسنة1956 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة والمستبدل بالقانون رقم32 لسنة 1964م( ) "يكون إنشاء المؤسسة الخاصة بسند رسمى أو بوصية" (م70/1).
ولأن الوصية لا تلزم إلا بالموت فإن المؤسسة الموصى بها إذن لا توجد إلا بموت منشئها مصرا عليها.
ولكن هذا الإنشاء محاط بجملة من الأحكام التى قد تعرقل حدوثه – ومن ذلك.
1- لدائنى الموصى ولورثته الاعتراض على إنشاء الجهة الموصى بها، وذلك بمباشرة الدعاوى التى يقررها القانون بالنسبة إلى الوصايا، متى كان الإيصاء بإنشاء الجهة إضرارا بحقوقهم (م71).
2- "لمجلس المحافظة بعد أخذ رأى الاتحاد المختص الاعتراض على إنشاء المؤسسات إذا تبين أنها تسعى لأغراض لا تدخل فى نطاق أوجه النشاط الأكثر حاجة إلى الرعاية بالنسبة إلى منطقة علمها، أو لا تدخل فى نطاق ميادين الخدمة الوارد بيانها بهذه اللائحة"(م35/1) من اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة).
فإن اعترض مجلس المحافظة على الإنشاء جاز الطعن فى قراره أمام جهات القضاء الإدارى( ).
فإذا افترضنا أن دائنى الموصى قد حكم لهم بأحقيتهم فى المبلغ الموصى به للجهة فإن إنشاءها يتعذر، كما قد يتعذر إذا كان الموصى به أكثر من ثلث التركة واعترض الورثة على ذلك، أو اعترضوا لأن الموصى قد قصد الإضرار بهم وحكم لهم بذلك.
كما قد يتعذر الإنشاء باعتراض الجهة الإدارية عليه وتحصن قرارها ضد الطعن، أو الحكم فى الطعن لصالحها.
ونخلص من ذلك إلى أن تعذر الوجود قد يرجع أولا إلى أن الوصية هى المنشئة للجهة فلا تنشأ بسبب من قبل الورثة أو الدائنين أو الجهة الإدارية.
وقد يكون السبب شيئا آخر كما لو أوصى بقطعة أرض لتكون مكتبة لصالح جمعية الثقافة التقدمية والتى هى تحت الإنشاء، ومات الموصى ولم تنشأ الجمعية وبعد موته رفضت الجهة الإدارية شهر الجمعية لدواعى الأمن وتأيد قرارها قضائيا.
وقد يوصى بقطعة أرض معينة لتكون مسجدا، ثم يتبين أن البناء عليها يخالف قرارات التنظيم( ) وهكذا.
المطلب الثانى
العلم بالموصى له
الوصية كما يغلب فى إطلاق الفقهاء تمليك مضاف إلى ما بعد الموت وبدهى انه لا يتصور التمليك إلا ممن كان معلوما، علما رافعا للجهالة ومانعا للنزاع.
فلا يصح أن يوصى رجل إلى أحد من الناس أو جهة من الجهات دون تعيين. ويكون التعيين كما رأينا فى المطلب السابق بالاسم، أو الإشارة أو الوصف، فلو قال أوصيت لفقراء بنى سويف مثلا صحت وصيته.
ورغم اتفاق الفقهاء على شرط أن يكون الموصى له معلوما إلا أنهم اختلفوا فى تطبيقه على بعض الجزئيات ومن ذلك :
1- إذا قال الموصى أوصيت بقطعة الأرض هذه لأحد هذين الرجلين، فالرجلان وإن كانا معلومين إلا أن الموصى له منهما مجهول، فهل هذه جهالة يمكن إزالتها بإقامة الوارث مقام الموصى فى تعيين أحد الرجلين؟ أو يمكن إزالتها باعتبار الموصى به شائعا فى حقيهما فيقسم عليهما؟ أو لا يمكن إزالتها لأن العبرة بالتعيين عند الموت وليس بعده؟
تعددت آراء الفقهاء فى هذا الفرض تبعا لموقف كل منهم من قابلية الجهالة للإزالة، وطريق إزالتها( ).
فقال أبو حنيفة والشافعية : لا تصح الوصية لعدم تعيين المقصود بها.
وقال أبو يوسف : الوصية تصح وتقسم قطعة الأرض بينهما.
وقال محمد : تصح الوصية ويعين الورثة أحد الرجلين ويعطى الموصى به كله.
2- إذا كان الموصى له معينا بالوصف كطلاب كلية الحقوق مثلا فهل يشترط فى صيغة الوصية أن تشمل على ما يدل على حاجة الموصى له؟( )
يرى الحنفية ذلك لأن الوصية على غير المحصور صدقة لا تمليك، والصدقة لا تكون إلا على أصحاب الحاجات كالفقراء والمحتاجين.
بينما لا يرى الجمهور ذلك، لأن الشأن فى الوصايا أن تكون للإعانة على الخير، ودفع الحاجة ولو لم يذكر الموصى ذلك.
وقد أخذ القانون بما اتفق عليه الفقهاء ولم يتعرض للتفصيلات، فنص فى المادة (6) على أنه "يشترط فى الموصى له أن يكون معلوما" فإن كان الموصى له معينا ذاتا أو وصفا فيها وإن لم يكن معينا ولكن أمكن تعيينه فالوصية لا تبطل.
وسندنا فى ذلك أن القانون تسامح فى الوصية بالمجهول، فأجاز فى المادة (14) الوصية بنصيب وارث غير معين من ورثة الموصى، فجعل له نصيب أحدهم زائدا على الفرضية إن كان الورثة متساوين فى الميراث، وقدر نصيب أقلهم ميراثا زائدا على الفريضة إن كانوا متفاضلين، وهذا معناه أنه متى أمكن التعيين زالت الجهالة وصحت الوصية.
كما أن القانون المدنى قد أجاز الاشتراط لمصلحة الغير وإن لم يكن معها وقت العقد، مادام تعيينه مستطاعا وقت أن ينتج العقد أثره (م156)، والشبه بين المستفيد فى الاشتراط والموصى له لا يخفى، فكلاهما تستهدف منفعته.
فإذا صح هذا فالعلم بالموصى له يفسر على ألا يكون الموصى له مجهولا جهالة لا يمكن إزالتها.
ولكن ما هى الطريق إلى إزالة الجهالة؟
نقل عن العلماء فى ذلك أربع طريق :
أولها : أن يعطى المحتاج دون غيره، وقد أخذ القانون بذلك فى الوصية لمن لا يحصون (م30).
ثانيها : أن يترك أمر التعيين إلى الورثة، وقد قارب القانون ذلك فى توزيع الوصية لمن لا يحصون، وإن جعله لاجتهاد من له أمر تنفيذ الوصية من وصى أو مصف (م30/2، م898 مدنى).
ثالثها : أن ينزل المشرع نفسه منزلة الورثة لإزالة الجهالة كما هو مذهب أبى يوسف، وقد سلك القانون نهجه حال جهالة الموصى به (المواد 40،41،42).
رابعها : أن الاستحقاق فى غير المعين يكون بالاقتراع، فمن خرجت قرعته استحق، وهو مذهب بعض الحنابلة( ).
وفى رأيى : أن عدم التعيين يوجب شكا، والشك يفسر فى مصلحة من يضره عدم التعيين، قياسا على الشرط الغامض فى العقد( ) (م251/1 مدنى).
والمضرور من عدم التعيين فئات ثلاث :
1- الموصى لحرمانه من ثواب الوصية أو الصلة.
2- والموصى له لحرمانه من الفائدة.
3- والورثة لتأثر أنصبتهم بالوصية، غير أن الورثة هم الأقل تضررا لأن حقهم فى الثلثين، وحق الموصى فى الاختيار فى الثلث شرعا، وليس من مصلحة الموصى أن يعطى أحد غير المعينين دون الآخر لما فى إعطائهما من زيادة الثواب، وتعدد الصلة.
فلم يبق سوى غير المعين، ولذا فإننى أرى الأخذ بمذهب أبى يوسف فى تشريك بين غير المعينين فى الموصى به، لاسيما وأن موت الموصى دون تعيين يشبه أن يكون نوع قرينة على إرادة التعدد.
المطلب الثالث
أن لا يكون الموصى له جهة معصية
قدمنا فى حكمة مشروعية الوصية أنها شرعت بقصد التقرب إلى الله تداركا لما فات الإنسان من أعمال الخير والبر، أو بقصد تقوية أواصر المودة والمحبة بين الناس.
فهذه المعانى ينبغى ملاحظتها فى الوصية، فإن لم تلاحظ كانت الوصية مخالفة لما شرعت من أجله، فتبطل.
لكن تشريع الوصية أجازها من المسلم وغير المسلم، ولاشك أن الأديان السماوية والتكاليف، مصداق ذلك قول الله تعالى "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"( ) ومن ثم فإن بعض ما يعتبر قربة فى الشرائع الأخرى غير الإسلام قد يعتبر معصية فى الإسلام.
وصية المسلم :
لأن المسلم مخاطب بأحكام الشرع جملة وتفصيلا، فلابد وأن تكون الجهة التى أوصى لها جهة بر فى الإسلام باتفاق الفقهاء، فتصح وصيته للمسجد والمدرسة والمستشفى ونحوها، ولكن لا تصح بحال وصية المسلم للكنائس والبيع وغيرها من دور عبادات غير المسلمين( )، لأن هذه الدور وإن كانت جهة طاعة عند غير المسلمين فإنها جهة معصية بالنسبة للمسلم لأن بعض ما يقر فيها يخالف تماما عقيدة المسلمين كالاعتقاد فى الصلب والتثليث وألوهية المسيح أو كونه ابن الله وغير ذلك لا ينافى ذلك أن يؤمر المسلم بألا يتعرض لهذه الدور بأذى.
لأننا أمرنا بتركهم وما يدينون، فلهم كامل الحرية فى اعتقاداتهم( )،غير أن الكف وعدم الاعتراض أمر سلبى ومجرد امتناع، والإيصاء تصرف إيجابى يعين على ما اعتبره الشرع معصية، فافترقا.
كما لا يتعارض ذلك وصحة الوصية من المسلم لغير المسلم لأن اختلاف الدين لا يمنع من صحة الوصية بين الأشخاص، لأن إعانة الآدمى مطلوبة فى كل الأحوال.
وبدهى أنه متى نهى المسلم عن الوصية لما يعتبر جهة معصية فى دينه فحسب فمن الأولى أن ينهى عن الوصية لما يعد جهة معصية فى جميع الديانات السماوية، فلا تصح بحال الوصية لدور اللهو والفسوق وأندية القمار والجهات المعنية بنشر كتب الإلحاد والزندقة ونحوها( ).
وصية غير المسلم :
كل ما يصح الإيصاء له من المسلم صح من غير المسلم، ولكن بعض مالا تصح الوصية له من المسلم يعتبر قربة متى صدر من غيره، مثال ذلك وصية النصرانى للكنسية، واليهودى للمعبد وهكذا، كما أن بعض ما يعتبر قربة عند المسلمين لا يعتبر كذلك عند غيرهم كوصية غير المسلم ببناء مسجد مثلا، إذ لا يمكن أن يكون قربة عند أهل التثليث مثلا لتنافى رسالته القائمة على التوحيد مع عقيدتهم القائمة على التثليث فما حكم وصايا غير المسلمين لهذه الجهات؟
1- وصية غير المسلم لما هو قربة فى دينه :
اختلف الفقهاء فى حكم الوصية :
فذهب الإمام أبو حنيفة ورواية ضعيفة عن الإمام أحمد إلى القول بصحة ذلك، لأن قربة دياناتهم، وقد أمرنا من جهة الشارع بأن نتركهم وما يدينون( ).
ويرى جمهور الفقهاء أن العبرة فى تقدير القربات والمعاصى بما هو مقرر فى الشرع الإسلامى وليس الشرائع الأخرى، وبالتالى فما اعتبر معصية فى حق المسلم يعتبر كذلك فى حق غير المسلم وإن كان قربة فى دينه( ).
والحقيقة أن ما يراه أبو حنيفة أصح، لأننا أمرنا بتركهم وما يدينون ومقتضى هذا الأمر أن تظل دور عباداتهم معدة لأداء الشعائر، ومادامت الدولة لا تنفق عليها، فلا سبيل لعمارتها إلا بالإنفاق عليها من تبرعات ووصايا وأوقاف أتباعها.
2- وصية غير المسلم لما هو قربة فى دين الإسلام :
إذا أوصى يهودى أو نصرانى ببناء مسجد، أو كساء الكعبة أو تيسير سبل الحج ونحوها فالحنفية يقولون ببطلان وصيته اعتبارا لاعتقاده، لأنه لا يتقرب إلى الإله بمثل ذلك، فكان مستهزئا فى وصيته، والوصية يبطلها الهزل( ).
ويرى جمهور الفقهاء صحة الوصية بذلك لأنها قربات، والمعمول عليه فى التقدير نظر الشرع( ).
وخلاصة القول :
أن الوصية لما هو محرم فى الشرائع السماوية جميعها باطلة فى حق المسلم وغير المسلم على السواء.
أما الوصية لما هو قربة فى الإسلام دون غيره فتصح من المسلم وفى صحتها من غير المسلم خلاف.
وكذا الوصية لما هو معصية فى الإسلام قربة فى الشرائع الأخرى، فلا تصح من المسلم وفى صحتها من غير المسلم خلاف.
وقد أخذ القانون بما اتفق عليه الفقهاء فى حق المسلم، وفى حقه وحق غيره، أماما اختلفوا فيه فقد أخذ فيه برأى أبى حنيفة فأجاز وصية غير المسلم لما هو قربة فى دينه، وأخذ برأى الجمهور فى وصية غير المسلم لما هو قربة فى الشرع الإسلامى.
وهذا ما تضمنته المادة الثالثة ونصها :
"يشترط فى صحة الوصية ألا تكون بمعصية…….وإذا كان الموصى غير مسلم صحت الوصية إلا إذا كانت محرمة فى شريعته، وفى الشريعة الإسلامية".
المبحث الثانى
شرط استحقاق الموصى له الوصية
"ألا يكون قاتلا للموصى"
قد ينشأ التصرف صحيحا، ولكن يعرض ما يمنع البقاء على أصل الصحة ومن ذلك القتل، فإذا قتل الموصى له الموصى فهل يمنع ذلك من استحقاقه الوصية؟ وبفرض أن رجلا أصاب آخر فى مقتل، وقبل أن تزهق روحه أوصى القتيل للقاتل بشئ فهل تصح هذه الوصية؟
وإذا قلنا إن القتل يمنع الاستحقاق، فهل كل قتل يمنع من ذلك؟
فى الإجابة على هذه التساؤلات اختلفت كلمة الفقهاء :
أولا : الاختلاف حول أثر القتل فى الوصية :
يختلف الفقهاء فى هذا الصدد على ثلاثة أقوال :-
1- فذهب الشافعية فى الأظهر( ) عندهم( ) إلى أن القتل لا يمنع من الوصية، كما لا يمنع اختلاف الدين منها، لأن الصد عن دين الإسلام كفر، وكفر أشنع الذنوب وأكبر الكبائر، فإذا لم يمنع الأكبر لا يمنع الأقل من باب أولى. ولأن الوصية تمليك يراعى فيه القبول، فلا يمنع منه القتل كالبيع.
2- ويرى الحنفية والشافعية فى القول الثانى( ) أن القتل مطلقا – أى كان قبل الوصية أو بعدها – يمنع من صحة الوصية لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "ليس لقاتل شئ"( ).
ولأن للوصية شبها بالميراث بجامع كونهما خلافة عن الميت، فلما منع القتل من الميراث وهو أقوى التمليكات لأنه خلافة تثبت بحكمالشارع سبحانه وتعالى كان أولى أن يمنع من الوصية( ).
ومن جانب ثالث : فإن القتل بغير حق جناية بالغة تستلزم أشد ألوان الزجر، والوصية نفع ومكافأة فلا تناسب القتل.
3- وتوسط المالكية فقالوا ببطلان الوصية لمن قتل الموصى بعد انعقادها وبصحتها لمن قتل قبل انعقادها( ) – كما لو جرح رجلا جراحة مزهقة للروح، وقبل الموت أوصى للقاتل بشئ.
ففى الحالة الأولى تبطل الوصية إعمالا لقاعدة "من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه"( ) حيث أن قتل الموصى له قرينة على الاستعجال فيعامل بنقيض مقصوده.
وفى الحالة الثانية لا تبطل احتراما لإرادة الموصى الذى أراد تأكيد روح التسامح إلى من أساء إليه، وهو معنى كريم تحض عليه الشرائع والأديان، فضلا عن فوات القرينة على الاستعجال.
ولبعض المالكية اتجاه ثان( ) مفاده التفرقة بين حالتى علم الموصى بالقاتل، وعدم علمه به، فإن لم يعلم بطلت الوصية سواء أكان انعقادها قبل سبب القتل أو بعده.
وإن علم المقتول بالقاتل صحت الوصية إن لم يرجع عنها، لأن عدم رجوعه قرينة على إرادة الوصية للقاتل فتحترم إرادته.
وللحنابلة ثلاثة أقوال فى المسألة على غرار الاتجاهات الفقهية الثلاثة :
قال فى المغنى "واختلف أصحابنا فى الوصية للقاتل على ثلاثة أوجه :-
أ- فقال ابن حامد : تجوز الوصية له. ب- وقال أبو بكر : لا تجوز الوصية له.
ج- وقال أبو الخطاب إن وصى له بعد جرحه صح، وإن وصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها.
ويستحسن الإمام ابن قدامة هذا الأخير فيقول "وهذا قول حسن لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها فى محلها، ولم يطرأ عليها، ما يبطلها، بخلاف ما إذا تقدمت فإن القتل طرأ عليها فأبطلها، لأنه يبطل ما هو أكد منها، ويحققه أن القتل إنما منع الميراث لكونه بالقتل استعجل الميراث الذى انعقد سببه – يعنى القرابة – فعورض بنقيض قصده، وهو منع الميراث دفعا لمفسدة قتل المورثين، وهذا المعنى متحقق فى القتل الطارئ على الوصية، فإنه ربما استعجلها بقتله، وفارق القتل قبل الوصية، فإنه لم يقصد به استعجال مال، لعدم انعقاد سببه، والموصى راض بالوصية له بعد صدور ما صدر منه فى حقه( ).
وفى رأيى فإن الوصية للقاتل بعد وجود سبب القتل غالبا ما يكتفها التسلط على الموصى الذى يغلب أن يكون فى حالة من ضعف الإرادة لا تتوافر معها – بالمعنى الدقيق – صحة الرضا بالتصرفات( ) بل قد يكون باعثه على الوصية فى ذلك رغبته فى التخلص من خطر محدق يهدد أمله فى البرء من الجراحة، ومثل هذه الضغوط يشق إثباتها، فيكون من الملائم الاحتياط لها تشريعيا، ولذا فإننى أرجح أخذ القانون بمذهب الحنفية ومن معهم فى هذه المسألة.
ثانيا : القتل المانع من صحة الوصية :
يقسم فقهاء المسلمين القتل أقساما متعددة بحسب النظرة إلى سبب التقسيم وفى تأثير هذه الأقسام على الوصية من عدمه يقع الخلاف( ).
فيرى الحنابلة أن كل قتل يستوجب عقوبة بدنية أو مالية تستوفى لحق الولى أو لحق الشرع يمنع من صحة الوصية، وعلى هذا الرأى فكل قتل أيا كان نوعه يمنع من الصحة.
ويرى الحنفية أن القتل المؤثر هو ما استوجب قصاصا أو كفارة، ويجب القصاص بالقتل العمد العدوان، أما الكفارة فتجب بالقتل شبه العمد – الضارب المفضى إلى موت – والقتل الخطأ وشبه الخطأ.
أما القتل بسبب – كمن يحفر بئرا فيتردى فيها الموصى – فلا يجب قصاصا ولا كفارة فلا يمنع من صحة الوصية.
ويرى المالكية أن القتل المؤثر هو القتل العمد العدوان أيا كانت وسيلته – أى بالمباشرة أو بالتسبب – أما القتل بحق أو القتل الخطأ فلا يمنع.
فعلى رأى المالكية :
يمنع من الوصية قتل الموصى له مباشرة كذبحة أو إطلاق النار عليه، وتسببا كأن يشهد عليه زورا فيحكم عليه بالإعدام بشهادة الموصى له، أو يحرض على قتله، أو يحفر بئرا فى طريقه وهو يعلم أنه سيرتدى فيها ونحو ذلك.
أما لو قتله خطأ، أو قتله بحق استيفاء لقصاص أو لحد فلا يمنع هذا القتل من الوصية.
موقف القانون : أخذ قانون الوصية بمذهب الحنفية ومن معهم فى اعتبار القتل استحقاق الوصية أى من بقاؤها صحيحة، وأخذ بمذهب المالكية فى نوع القتل المانع من صحة الوصية، وضمن كل ذلك المادة (17) ونصها :
"يمنع من استحقاق الوصية – الاختيارية أو الواجبة – قتل الموصى أو المورث عمدا، سواء كان القاتل فاعلا أصليا، أم شريكا، أم كان شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام على الموصى، وتنفيذه، وذلك إذا كان القتل بلا حق ولا عذر، وكان القاتل عاقلا بالغا من العمر خمس عشرة سنة، وبعد من الأعذار تجاوز حق الدفاع الشرعى".
وعلى أساس هذا النص فإنه يشترط للمنع من الوصية بسبب القتل :
1- أن يكون القاتل عاقلا بالغا من العمر خمس عشرة سنة ميلادية.
2- أن يكون القتل عمدا أيا كانت وسيلته.
3- أن يكون القتل عدوانا بغير حق.
4- أن يكون القتل بلا عذر، فإن كان يعذر كقتل الموصى له الموصى دفاعا عن النفس ولو تجاوزه، أو كانت الموصية زوجة الموصى له ففاجأها حال كونها متلبسة بالزنا فقلتها فمثل هذا القتل لا يمنع من استحقاق الوصية لأنه بعذر.
المبحث الثالث
الوصية لوارث
الموصى له أما أن يكون قريبا للموصى أو أجنبيا عنه، فإن كان قريبا فإما أن يكون وارثا أم غير وارث، والوارث كما نعلم هو من قام به سبب الإرث، وانتفت عنه موانعه، وتوافرت فيه شروطه.
غير أن قيام السبب وتوافر الشرط وانتفاء المانع لا يحقق إلا توارث الزوجين والأبوين والأنباء والبنات المباشرين، أما من عدا هؤلاء فقد يحجب من الإرث حجبا كاملا لوجود من هو أقرب منه.
ولهذا فإن المعول عليه فى تحديد صفة القريب هو حاله عند موت المورث، فيقال عندئذ هذا وارث فعلا، أو غير وارث لانتفاء السبب: كما لو كانت القرابة بسبب الزواج ثم انتهت بالطلاق وانقضاء العدة قبل موت المورث أو لقيام المانع: كما لو كان قريبان على دين واحد ثم ارتد أحدهما واعتنق دينا آخر، أو لوجود القريب الأقرب الذى يحجب من الميراث.
وعلى هذا فإننا قبل أن نبحث حكم الوصية لقريب وليكن الأخ مثلا فإننا ننظر فى موقفه من حيث المنع من الإرث والحجب التام.
1- فإن كان ممنوعا لاختلاف الدين مثلا أو لحجبه بالأصل أو لفرع الوارثين الذكرين، فعندئذ نبحث حقه فى الوصية، فإن توافرت بقية شروط الصحة والنفاذ حكمنا له بالوصية باعتباره غير وارث، فمثلا لو مات رجل وترك زوجة، ابن، أخ وأوصى لأخيه بثلث ماله فالوصية صحيحة متى استوفت بقية شروطها وكذا تصح الوصية لو مات وترك زوجة، أبا، أخا موصى له أو مات وترك: زوجة، بنتا، أخا مخالفا فى الدين.
2- وإن تبين أن الأخ – فى مثالنا – وارث ولو قدرا ضئيلا فإننا نكون بصدد وصية لوارث – كما لو مات وترك: زوجة، أما، بنتا، أخا – موصى له بسدس المال.
فعلى الرغم من أن للأخ 1 من التركة إلا أنه وارث ومن ثم فالوصية له
24
تعتبر وصية لوارث.
فإذا وضح معنا ذلك أمكننا أن نعى كلام الفقهاء ومسلك القانون على وجهه الصحيح.
أولا مذاهب الفقهاء فى الوصية لوارث :
من المسائل التى اشتد فيها الخلاف بين الفقهاء مسألة الوصية لوارث، بل إن الشيعة إجازتها على الإطلاق لباعث سياسى هدفه تثبيت القول بإيصاء النبى  بالخلافة من بعده للإمام على كرم الله وجهه، وإيصاء الإمام على لأنبائه من بعده، وإيصاء كل منهم للذى يليه.
وقد كان من أثر ذلك – كما هو معروف فى تاريخ التشريع – أن انقسم المسلمون إلى فرق، وغالى بعض الشيعة فأبطل ولايات أبى بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم باعتبارهم غاصبين للولاية من الموصى له بها وهو الإمام على كرم الله وجهه، ولنترك الخلاف السياسى إلى الخلاف العلمى، وإن كنا قد نوهنا به لندرك حجم السقطة التى وقع فيها المقنن المصرى.
وقد اختلف الفقهاء فى الوصية لوارث على ثلاثة مذاهب.
1- يرى أكثر المالكية والشافعى – فى أحد القولين – وبعض الشافعية وبعض الحنابلة وأهل الظاهر( ) أن الوصية لوارث باطلة أجازها الورثة أم لم يجيزوها.
ودليلهم على ذلك :
أ- ما روى أبو أمامة الباهلى – رضى الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه، فلا وصية لوارث( ).
والوجه فيه : أن النبى  قد رد الوصية للوارث، ورسول الله  "ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى"( ) فإذا قد منع الله من ذلك فالوصية لا تصح، وليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله( ).
ب- كما أن النبى  منع من عطية بعض الأولاد وتفضيل بعضهم على بعض فى حال الصحة قوة الملك ومكنة دفع الظلم بإعطاء من لم يعطه، وبالتالى فالمنع فى حال الموت أو المرض أو ضعف الملك، وتعلق الحقوق به وتعذر تلافى العدل بين الورثة أولى وأخرى( ).
ج- ولأن الوصية لوارث دون آخر من شانها أن تثير الحقد والضغينة فى نفوس بقية الورثة، وأن تبعث على المشاحنة والبغضاء فيما بينهم.
2- ويرى الحنفية وبعض المالكية والشافعى فى الأظهر، وظاهر مذهب أحمد، وجمهور العلماء( ) أن الوصية للوارث صحيحة فى نفسها ولكنها لا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة، فإن أجازوها جازت، وإن ردوها بطلت.
ومن أدلتهم على ذلك :
ما أخرج الدار قطنى عن عبد الله بن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة"، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى  قال "لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة"( ).
والوجه فى ذلك : أن قوله "إلا أن يشاء" أو "إلا أن يجيز" استثناء والاستثناء من النفى إثبات فيكون المعنى لا وصية نافذة أو لازمة لوارث من غير إجازة الورثة.
ويترتب على هذا التأويل أن الوصية للوارث تقع صحيحة لأن الباطل عدم فلا يصح، غير أنها لا تنفذ إلا بإجازة الورثة( ).
ولهم من المعقول : أن المنع من الوصية لوارث كالمنع من الوصية بأكثر من الثلث فكلاهما معلل بحق الورثة كما جاء فى الحديث "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس "فإذا كان المنع لحق الورثة، فالوصية لوارث موقوفة على إجازة الورثة، فإن أجازوها جازت، حيث تدل إجازتهم على الرضا وانتقاء الضغينة،لإسقاطهم الحق برضاهم( ).
3- ويرى أكثر الشيعة الجعفرية والزيدية أن الوصية للوارث صحيحة نافذة، بدون توقف على إجازة باقى الورثة( ).
ودليلهم على ذلك :
1- قول الله تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين".
والوجه فى الآية :- أنها صريحة فى وجوب الوصية للوالدين والأقربين، وقد رفع منها حكم المشروعية – أى الطريق إلى الاستيفاء – بالمواريث، وبقيت فيما وراء ذلك( )، أو يقال نسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز( ).
2- أما قوله  "إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث" فهو منع من التصرف فيما هو حق مستحق للورثة وليس ذلك إلا الثلثين، فأما الثلث فلا حق لهم فيه، بل هو حق للمورث يتصرف فيه كيف يشاء ولمن يشاء.
ويوضح ذلك أن المحتاج لإجازة الورثة هو التصرف بالإيصاء فيما يستحقونه، وليس ذلك إلا الثلثين، سواء أوصى لوارث أو لغيره، لأنها إذا توقفت صحة الوصية للوارث من الثلثين على إجازة الورثة توقفت لغير الوارث على إجازتهم بالأولى، فأما الثلث فلا يستحقونه فلا يحتاج إلى إجازتهم( ).
وهذا الدليل الخير من خالص تصرف الزيدية، أما الجعفرية فهم يرفضون حديث "لا وصية لوارث" البتة، مع أنه فى بعض طرقه من مرويات الإمام على كرم الله وجهه، لأنه كما أسلفنا يبطل نظريتهم فى الإمامة( ).
يؤكد ذلك أن الحديث روى عن طريق الإمام جعفر الصادق، وروايته ورأيه هو الحجة الأولى فى فتياهم( ) ومع هذا ردوه، ولا يظن انه رد لمقال حقيقى فى سنده فقد قال الشافعى "وجدنا أهبل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازى من قريش وغيرهم لا يختلفون فى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح "لا وصية لوارث"، ويأثرونه عمن حفظوه فيه ممن لقوه من أهل العلم، فكان نقل كافة، فهو أقوى من نقل واحد"( ).
ويؤكد من باب ثان أن كثيرا مما خالف فيه الجعفرية أهل السنة من أحكام المواريث يشم فيه ريح السياسة( ) ومن ذلك اعتبار "قرابة الأنثى فى الفروع، وفى كل نواحى القرابة كقرابة الذكر من حيث الاتصال بالمتوفى( ) وعليه فابن البنت يحجب كل الأخوة والأخوات فضلا عما بعد من القرابة كابن الابن تماما بتمام، وهذه نظرة ضرورية ليستقيم الرأى فى حق أولاد فاطمة رضوان اله عليهم أجمعين فى إرث جدهم النبى صلى الله عليه وسلم وأحقيتهم دون غيرهم – من أولاد على الآخرين – فى الإمامة.
وكذلك فإن البنت كالابن إذا انفردت ترث كل التركة بسبب القرابة وليس على أساس الرد فيما زاد على النصف( )، وغرض نفع السيدة فاطمة لا يغادره.
وأيضا فإنهم ردوا الحديث الصحيح "نحن الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة" لشدة تعارضه مع الحق فى وراثة العهد( ).
وأخيرا فإن لهم قاعدة غاية فى الشذوذ تقرر أن ابن العم الشقيق يحجب العم لأب، وهى قاعدة سياسية خالصة، لأنه يترتب عليها أن يكون ابن العم الشقيق على بن أبى طالب كرم وجهه أولى بخلافة النبى صلى الله عليه وسلم من عمه العباس بن عبد المطلب لأنه أخ غير شقيق لعبد الله بن عبد المطلب والد النبى صلى الله عليه وسلم( ).
وكما ترى فإن هذه التصريفات وإن تضاربت فيما بينها – متى حللناها – فإنها ترمى إلى غرض لا يمكن إنكاره، وهو إثبات حق الإمام على وأولاده من السيدة فاطمة فى الإمامة بعد النبى صلى الله عليه وسلم.
أما ما استدل به الزيدية من تأويل الحديث على أن مراده "لا وصية لوارث فى الثلثين إلا بإجازة الورثة" فهو تأويل بعيد جدا لأن أحاديث الوصية تجمع على نفع الورثة بأكبر قدر، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "الثلث والثلث كثير" فلا يكون الحق متعينا فى الثلثين دون غيرهم.
وإذا كان الشارع قد منح الشخص حقا فى ثلث ماله فذلك لزيادة الفائدة، وتوسعة دائرة الصلة، فلا ينبغى أن يكون سببا فى قطع الصلات، وإشاعة البغضاء، والحقد والضغينة.
الرأى الراجح :
يرى بعض أساتذتنا الأخذ بالمذهب الأول باعتباره أقوى دليلا، وأبعد عن إثارة الأحقاد والضغائن( ).
وأرى مع البعض( ) إعمالا لقاعدة "إعمال كل الأدلة خير من إهمال بعضها" إرانى أكثر ميلا للرأى الثانى لما يلى :
1- أن زيادة "إلا أن ياء الورثة" ثبتت من طرق معتبرة فى رأى أئمة التخريج وعلماء الحديث فوجب العمل بها( ).
2- أنها لا تعارض الرواية المطلقة ولا تنافيها فينبغى حمل المطلقة عليها( ).
3- أن أقوى ما يعتبر علة فى المنع من الوصية الزائدة أو لوارث هو مراعاة حق الورثة التى أشير إليها فى قول النبى صلى الله عليه وسلم "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" فتكون الزيادة مناسبة لعلة المنع( ).
4- أن إغلاق باب الوصية لوارث كفتحة على مصراعيه كلاهما يؤدى إلى ضرر، إذ يتصور مثلا أن يكون لرجل عدد من الأبناء يتنفع كبار هم فى حياة أبيهم أعظم الانتفاع فيتعلمون ويتزوجون بنفقة من أبيهم، ثم متى مات الأب كان لهم حظ الميراث كحظ الصغار الضعاف عن الكسب، المحتاجين إلى نفقة المأكل والملبس والمسكن والتعليم وخلافه، أفلا يحسن أن يخص هؤلاء بشئ يعضوهم عما فاتهم بموت الأب( )، خصوصا وأن هذا الاختصاص موقوف على إجازة الباقين.
5- والتخوف من أن الإجازة قد يعرض لها ما قد يجعلها صادرة عن غير رضا صحيح، كالتخوف من تعنت القادرين، ومن الضن بالإجازة لمصلحة الضعفاء، على أن عيوب الرضا يمكن تداركها قضاء، أما آفة الشح فلا ينجو منها إلا من رحم الله، لذا فحرى بنا أن نعنى بما ييسر سبل الإجازة، لا بما يضعفها.
ثانيا : الوصية لوارث فى التقنينات العربية :
قبل صدور القانون71 لسنة1946 كانت المحاكم الشرعية تقضى بمذهب الإمام أبى حنيفة فى الوصية لوارث فلا تجيز منها إلا ما أجازوه الورثة وإن كان أقل من الثلث.
ولم تكن النظم العربية خارجة عن ذلك، وإن خرجت فإلى مذهب المنع المطلق فيما خلا البلاد التى ينتشر فيها مذهب الشيعة كالعراق مثلا، حيث يسوده المذهب الجعفرى والذى يرى أنه "تجوز الوصية للوارث وللأجنبى بالثلث"( ).
وبصدور القانون71 لسنة1946 أخذ بمذهب الجعفرية والزيدية فجاءت المادة(37) تنص على أنه "تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره وتنفذ من غير إجازة الورثة….".
وتأثر بهذا التحول المقنن السودانى، فأخذ به المنشورات السودانية المعمول بها فى المحاكم الشرعية( )، فضلا عن المقنن العراقى الذى ضمنها المادة(108) من التقنين المدنى، وبنص عبارة المقنن المصرى تقريبا، بينما نجا المقنن السورى من الرضوخ لإغراء المذهب الجعفرى فأبقى على العمل بمذهب الحنفية وجمهور العلماء كما تقضى بذلك المادة 238/2 من قانون الأحوال الشخصية السورى الصادر فى 17/9/1953م، بيد أن المقنن السودانى راجع نفسه وهداه الله إلى الصواب فعدل من موقفه فى قانون الأحوال الشخصية للمسلمين رقم43 لسنة 1991م حيث نص فى المادة 297/1 على أنه "لا تجوز الوصية لوارث إلا إذا أجازها الورثة الباقون" وهى استجابة لنداء طالما صدع رجال الشريعة فى مصر به، منذ أن يكون قانون الوصية مجرد مشروع وإلى اليوم، لأن استهدف – فى الغالب والأعم من تطبيقاته – إلغاء وإهمال الميراث الذى قرره الله للأخوة وسائر العصبات، ولا حول ولا قوة إلا بالله( ).

الفصل الرابع
الموصى به
الموصى به هو محل الوصية الذى يثبت فيه الملك للموصى له، وهذا المحل قد يكون عينا كالأرض والسيارة، وقد يكون منفعة كزراعة الأرض، وسكنى الدار، وقد يكون حقا ماليا فى الذمة كالدين، أو على عين كحق المرور والشرب ونحوهما.
والموصى به كالموصى له لابد وان تتوافر فيه جملة من الشروط بعضها لصحة الوصية، والبعض الآخر لنفاذها ونظرا لأن الموصى به قد يكون عينا أو منفعة أو حقا ماليا آخر فمن الطبيعى أن تتنوع أحكامه باختلاف نوعه.
وفى هذا الفصل نتناول شروط الموصى به وأحكام كل نوع من أنواعه.
المبحث الأول
شروط الموصى به
أولا : أن يكون الموصى به مما يجرى فيه الإرث، أو يصلح أن يكون محلا للملك حال الحياة.
ورد النص على هذا الشرط بلفظة فى المادة 10/1 من قانون الوصية المصرى. وواضح أنه يوجب فى الموصى به أحد أمرين :
أولهما : أن يكون الموصى به مما يجرى فيه الإرث.
والثانى : أن يصلح أن يكون محلا للتعاقد حال حياة الموصى.
وبيان ما يجرى فيه الإرث سيرد عند كلامنا فى التركة، وإن كنا نعجل بالقول "إن كل ما صلح أن يكون تركة يصلح أن يكون موصى به"( ) وأن الفصل فى مالية الأشياء وعدمها مما أخرجه المقنن المصرى من مسائل الأحوال الشخصية، باعتباره من صميم المعاملات التى يعنى بالفصل فيها القانون المدنى، وحسب المادة (81) من هذا الأخير فإن نزعة المقنن المدنى التوسع فى إسباغ صفة المالية على الأشياء ما يناسب منحى جمهور الفقهاء – فى الجملة – ويبعد عن مذهب الحنفية( ).
والمدققون من علمائنا المعاصرين يسوغون هذا النهج التشريعى لما فيه من مرونة واتساع، وما يحققه من التناسق القانونى فى أحكام الأموال بردها إلى "القانون الذى يقرر الحقوق ويثبتها، وحكم النقل وطريقة"( ).
ومن هنا فإننى لأعجب من واضع قانون الوصية أن أغفل حكم النقض الصادر فى8/6/1939 مؤكدا الميل إلى مذهب الجمهور فى خصوص المالية وانتقال الحقوق الإرث، وهو ما رجحه علماء الفقه المعاصرين، بل يغفل أنه نفسه قد أخذ المادة الحادية عشرة من قانون الوصية ، مذهب الإمام مالك( ) وغيره، والتى تنص على أنه "تصح الوصية بالخلو، وبالحقوق التى تنتقل بالإرث، ومنها حق المنفعة بالعين المستأجرة بعد وفاة المستأجر" غفل المقنن ذلك وأخذ المادة العاشرة من المذهب الحنفى مما دعاه أن يضيف إلى "ما يجرى فيه الإرث" "ما يصلح أن يكون محلا للتعاقد حال الحياة" وهذا فى رأيى تزيد فى العبارة لا يتسق والتوجه القضائى ثم القانون المدنى، بل كانت تغنى عنه المادة الحادية عشرة.
والمثال الأشهر لهذا الأخير المنافع، فإنها – وفقا للمذهب الحنفى – لا تورث، ولكنها تصلح أن تكون محلا للتعاقد حال الحياة، جاء فى البدائع "الموصى لما ملك أن يملك حال حياته بعقدى الإجازة والإعارة – وهما عقدان على المنفعة – فلأن يملك بعقد الوصية أولى، لأنه أوسع العقود، ألا ترى أن الوصية تحتمل ما لا يحتمله سائر العقود، من عدم المحل، والحظر والجهالة، ثم لما جاز تمليك المنفعة ببعض العقود فلأن يجوز بهذا العقد أولى"( ).
وعلى كل حال فإنه وفقا للمادتين 10/1،11 فإن الوصية تجوز بما يلى( ) :
1- الأعيان المالية مثلية أو قيمية عقارات أو منقولات ويستوى أن تكون موجودة فعلا بيد الموصى أوفى حيازته عند وفاته؛ أم كانت فى حيازة غيره ممن يقوم مقامه وينوب عنه كالمستأجر والمستعير والوديع والمرتهن والوكيل وغيرهم من أصحاب اليد العارضة ممن لا يثبت ملكهم على العين.
2- الحقوق العينية أى المتعلقة بالأعيان المالية كحقوق الارتفاق.
3- الحقوق المالية الثابتة فى الذمة كديون الموصى فى ذمة الغير بأى سبب كان.
4- المنافع كزراعة الأرض وسكنى الدار والانتقال بالسيارة ونحو ذلك من المنافع المباحة.
ثانيا : أن يكون الموصى به متقوما عند الموصى إن كان مالا.
ليس كل مال صالحا للانتفاع يباح اقتناؤه واستعماله واستغلاله، قمن الأموال مالا يباح الانتفاع به شرعا، وقد يبيح الشرع الانتفاع بالشىء ولكن على وجه الشركة العامة بين الناس جميعا، كالماء والعشب ونحوهما، وهذه المباحات ما لم تحز لا تسمى مالا متقوما وعلى ذلك فالمال يكون متقوما متى حيز بالفعل، وجاز الانتفاع به شرعا فى حال السعة والاختيار( ) وإذا انتفى أحد الأمرين كأن يكون الشئ غير محوز فعلا كالطير فى الهواء، والسمك فى الماء الجارى، أو أن يكون غير ذى قيمة بين الناس كحبة القمح الواحدة، أو المباحات العامة قبل أن يسبق إليها وتحاز أو أن يكون الشئ مما نهى الشارع عن الانتفاع به شرعا كالخمر والخنزير وغيرها من المواد المحرمة، فكل ذلك لا يكون مالا متقوما، ومن ثم لا يجوز الإيصاء به.
فإن كان الموصى به مالا متقوما عند الموصى والموصى له فالوصية به صحيحة بلا خلاف، وإن كان العكس عند كليهما فالحكم البطلان بلا خلاف، وإن كان الموصى به مالا متقوما عند الموصى ولكنه غير متقوم عند الموصى له فالوصية لا تجوز لا على أساس عدم المالية ولكن على أساس الوصية بمعصية فلا يجوز مثلا أن يوصى غير المسلم – ممن يستحلون الخمر والخنزير – لمسلم بشئ منهما.
أما إن أوصى بها لمثله جازت فى قول الحنفية والمالكية( ) ويرى الشافعية والحنابلة( ) بطلانها لعدم التقوم ولأنها معصية، والوصية بالمعصية لا تجوز.
ففى البدائع "أن يكون المال متقوما، فلا تصح الوصية بمال غير متقوم فى حق المسلم كالخمر، فلا تجوز الوصية من المسلم وله بالخمر، ويجوز ذلك من الذمى، لأنها مال متقوم فى حقهم كالخل( ) وفى حاشية الدسوقى" وتصح الوصية غلا بالخمر أو خنزير لمسلم، فإن أوصى غير المسلم بذلك لمثله صحت الوصية لصحة تملكه لذلك، وثمرة الصحة الحكم بإنفاذها إذا ترافعوا إلينا( )" وفى المغنى "هذه وصايا باطلة وأفعال محرمة( )".
والحقيقة أن المقنن نزع إلى قول الحنفية والمالكية تصحيحا لوصايا غير المسلمين ما أمكن، ولم يكن ليضيرنا ذلك لو كان لما اشتهر من تقوم الخمر والخنزير عند غير المسلمين أساس معتبر، لكنها فى الحقيقة دعوى شاعت على التصرفات العادة وألبست ثوب العبادة فأجيزت تحت شعار "أمرنا بتركهم وما يدينون" كما انه لا يضيرنا أن يقتصر تطبيق مثل ذلك على الأجانب فقط تطبيقا للمادة (17) مدنى وإعمالا لقاعدة أن "غير المسلمين التزموا المجمع عليه فى ديننا، ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات".
أما أن يطبق هذا الحكم على غير المسلمين من الوطنيين فهذا ما نرده، بل إن من إخواننا الأقباط من يتأذون من شيوع هذه الدعوى( ) أشد التأذى.
وحتى لا يكون استنكارنا بلا دليل نحقق فيما يلى هذه المسألة.
الخمر والخنزير فى حق غير المسلم.
أ- يستدل القائلون بحل الخمر والخنزير لغير المسلم بأدلة أشهرها.
1- ما روى عن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال "أمرنا بتركهم وما يدينون".
والوجه فيه كما قالوا "مثل على لا يكذب، وقد دل قوله على ترك أهل الذمة وما يدينون، وقد دانوا شرب الخمر وأكل الخنزير، فلزمنا ترك التعرض لهم فى ذلك( )".
2- ما روى أن أحد عمال – موظفى – عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إليه "أن أهل الذمة يمرون بالعاشر – موظف الجمارك – ومعهم الخمور" فكتب إليه عمر "ولو هم بيعها وخذوا منهم عشر ثمنها( )" فاعتبرها حتى ألزمهم العشر عنها.
3- ما روى أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه كتب إلى الحسن البصرى "ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم – كان المجوس يفعلون ذلك – واقتناء الخمور والخنازير؟ فكتب إليه الحسن إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون وإنما أنت متبع ولست بمبتدع( )"والأثر واضح الدلالة على المقصود.
4- ويقولون أيضا: إن المسلمين لا يستضرون بذلك ماداموا لا يظهرون خمورهن وخنازيرهم، ولأن الله سبحانه وتعالى قد علل تحريم الخمر فى حقنا بإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، والصد لا يوجد مع عدم الإسلام، والعداوة سبب المنازعة والمنازعة سبب الهلاك، وهذا يوجب الحل – فى حقهم – لا الحرمة( ).
ب- بينما يرى فريق من العلماء أن الخمر والخنزير لا تحل لمسلم ولا لغير المسلم.
أما غير المسلم فلأن غير المسلمين مخاطبون بفروع الشريعة – أى يسرى عليهم القانون الإسلامى – فى غير الأمور التعبدية، مصداقا لقول الله تعالى "حتى يعطوا الجزية عن يدو هم صاغرون( )".
والصغار معناه : خضوعهم لأحكام الإسلام وجريانها عليهم، ومن أحكام الإسلام حرمة الخمر والخنزير وعدم ماليتها( ).
كما أنه ورد فى عهد عمر بن الخطاب لنصارى الشام أنهم "لا يبيعوا الخمور، وأن لا يجاورونا بخنزير، فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم"( ).
ج- وواضح أن الفريق الثانى معنا فى رأينا وإن بناه على أسس من أحكام الشرع الإسلامى.
والحكم كذلك أيضا على أسس من الكتاب المقدس عند غير المسلمين، ومن مبادئ الشرع العامة.
أما الكتاب المقدس فمنه :
1- جاء فى العهد القديم فى "نبوة أشعيا" "ويل للمبكرين صباحا، يتبعون المسكر، للمتأخرين فى القمة، تلهيهم الخمر وصار العود والرباب، والدف والناى والخمر ولائمهم، وإلى فعل الرب لا ينظرون، وعمل يديه لا يرون لذلك سبى شعبى لعدم المعرفة، وتصير شرفاؤه رجال جوع، وعامته يابسين من العطش، لذلك وسعت الهاوية نفسها، وفعزت فاها بلا حد"( ).
ويقول "ويل لإكليل فخر سكارى أفرايم، وللزهر الذابل جمال بهائه الذى على رأس وادى سمائن المضروبين بالخمر….ولكن هؤلاء ضلوا بالخمر وتاهوا بالمسكر، الكاهن والنبى ترنحا بالمسكر، وابتلعتهما بالخمر، تاها من المسكر، ضلا فى الرؤية : (أشعيا 1:28).
وفى العهد الجديد قال بولس فى رسالته إلى أفسس (18:5) ولا تسكروا بالخمر الذى فيه الخلاعة "كما نهى عن مخالطة السكير (أكو 11:5) وجزم بأن السكيرين لا يرثون ملكوت السماوات (غلا5:21)، و(أكو 9:6،1)( ).
فإذا كان المعول عليه فى اعتقاد الحل شرائع غير المسلمين، فهذه بين أيدينا تقطع بالتحريم.
وإن كان المعول عليه العادات والأهواء – وهذا فى رأيى هو الواقع – فقد ردها الله وحذر منها، فقال "وأن أحكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك"( ).
أما الآثار فإن ثبتت فإنها معارضة بما هو أقوى منها دلالة، ومن ذلك :
1- أن عتبة بن فرقد بعث إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، بأربعين ألف درهم صدقة الخمر فكتب إليه عمر : بعثت إلى بصدقة الخمر وأنت أحق بها من المهاجرين، وأخبر بذلك الناس، وقال: واله لا استعملك – أوظفك – على شئ بعدها( )".
2- كما روى عن عمر بن عبد العزيز رضى اله عنه انه كتب إلى عدى بن أرطأة أن ابعث إلى بتفصيل الأموال التى قبلك من أين دخلت؟
فكتبت إليه وصنفه، وكان فيما كتب إليه "ومن عشر الخمر أربعة ألف درهم" قال الراوى: فلبثنا ما شاء الله ثم جاء جواب كتاب عدى، وفيه "إنك كتبت إلى تذكر من عشور الخمر أربعة آلاف درهم وأن الخمر لا يشتريها مسلم ولا يعشرها، ولا يبيعها، فإذا أتاك كتابى هذا فأطلب الرجل فارددها عليه فهو أولى لما كان فيها"، فمن ثم طلب الرجل فردت عليه.
قال أبو عبيد : فهذا عندى الذى عليه العمل( ).
ثم إن المروى عن سيدنا عمر "ولوهم بيعها" يستدعى وقفة مضمونها السؤال الآتى: لمن يبيعوها، وأين يبيعونها؟
فإن قيل: يبيعونها لأهل الذمة، فهذا إظهار للخمر والخنزير فى دار الإسلام وفيه إشاعة الفاحشة، وقد اتفق على أنهم يمنعون من إظهار الفسق فى دار الإسلام، ولا يتصور بحال إخفاؤها فلابد وأن يمروا بها على الثغور والمرابط – نقاد الحدود – فالظهور حاصل لا محالة.
وإن يبيعونها من أهل دار الكفر، سألنا أين مصدرها.
وإن قيل دار الإسلام فقد وقع المحظور، إذ كيف يجوز شرعا أن تكون دار الشرع مصدرا لما حرم الله؟!!
وإن قيل دار الكفر، قلنا فما بلد الاتجار؟
لا يصح أن تكون دار الإسلام.
وإن قيل دار الكفر، قلنا فما صلة المسلمين بها؟
إن كان كدولة مرور – ترانزيت – فهذا إظهار للخمر( ).
وأخيرا يقولون لن تضرنا خمورهم لأن علة التحريم فى حقنا إيقاع العداوة والبغضاء…الخ، ومن صالحنا أن يكون بينهم ذلك.
ومع رفضنا أن يكون ما ذكروا علة التحريم( )، فإن ما انتهوا إليه إن صلح مع الأعداء فلا يصلح بحال أن يكون مع مواطنينا، لأن من شرعنا أنهم متى "قبلوا الجزية فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم".
ومما للمسلمين بيقين أن يشيع بينهم الود والوئام، وعليهم أن يجتنبوا كل أسباب البغضاء والكراهية، ولو كان ما زعموا حقا لما أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين غير المسلمين، لأن القضاء للتناصف ورفع الظلم وقطع أسباب العداء.
وبقيت كلمة وهى أن من يدقق فى التعليل العقلى يدرك أن الصراعات القديمة التى تورط فيها بعض أهل الذمة ألقت بظلالها فى الإفتاء فى بعض الأحكام، ومسألتنا من بينها.
كما أن الظاهر من التعبيرات الفقهية، ومسميات بعض المناطق أن أهل الذمة كانوا يستقلون بمناطق لا يجاورهم فيها المسلمون، وربما كان من عادتهم – خاصة اليهود – شرب الخمر وأكل الخنزير، ونظرا لعدم المخالطة، وانقطاع الحوار الثقافى، ظن أن العادة ديانة وعقيدة فأفتى على أساس ذلك.
فإذا صح ذلك فإننا نهيب بالمقنن أن يعيد النظر فى المادة 10/2 من قانون الوصية فينزع منها عبارة "عند الموصى" لأن التقوم لا يختلف باختلاف الدين، أما وصايا الجانب فخاضعة لقانون الموصى ومن ثم فلن تتأثر بالتعديل، والله الهادى إلى سواء السبيل.
المبحث الثانى
وجود الموصى به
هل يجب أن يكون الموصى به موجودا فى ملك الموصى عند الوصية؟
الموصى به أما أن يكون معينا بالذات ومثاله أن يقول أوصيت لفلان بغنمى أو بشاة منها، أو بشقة من منزلى، أو سيارة من سياراتى.
والشائع فى المال كأن يقول أوصيت له بخمس مالى أو بسدسه وهكذا.
فإذا أوصى بشائع فى كل المال صحت الوصية وإن لم يكن له مال عند إنشائها، لأن الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيستدعى وجود الموصى به عند الموت، لا وقت إنشاء الوصية.
وإن أوصى بمعين بالنوع أو بجزء شائع منه كأن يقول أوصيت لفلان بشاة من غنمى أو سيارة من سياراتى، ولم يكن له عند إنشاء الوصية غنم أو سيارات، فإنه يفرق بين حالتين :-
1- إن مات الموصى ولا غنم له ولا سيارات إطلاقا فالوصية باطلة اتفاقا( ).
2- وأن اكتسب بعد إنشاء الوصية وقبل الموت شيئا من الغنم أو من السيارات، فالفقهاء فى حكم الوصية على قولين :-
أحدهما : أن الوصية تبطل لأن عدم وجود الموصى به وقت الوصية صير كلامه كالهذيان فتبطل الوصية( ).
والثانى : تصح الوصية لأن إيجاب الملك بعد الموت، فيستدعى وجود الموصى به عند الموت لا وقت كلام الوصية.
وإن أوصى بمعين بالذات، أو بجزء شائع من عين معينة كأن يقول أوصيت بهذه الدار، أو بثلث هذه الدار فالشرط أن تكون الدار موجودة فى ملكه عند إنشاء الوصية.
فإن لم تكن فى ملكه وقت الإنشاء بطلت وصيته، وإن ملكها بعد ذلك، لأن الوصية بملك الغير لا تصح( ).
ووجه ذلك : أن الوصية تصرف، وليس للإنسان أن يتصرف فى ملك غيره على أنه مالكه، وإن تصرف على هذا الأساس كان تصرفه باطلا( ).
ولا يخالج الأذهان أن مثل هذه الوصية يمكن أن تصح إذا أجازها المالك الأصلى، لأن موجب الوصية تصرف على أنه يوصى بملكه، وليس بملك غيره، فلا يعتبر فضوليا( ) كما أن الإجازة من المالك الأصلى تعتبر هبة منه لا تتم إلا بالقبض( ).
وكما أن الوجود فى ملك الموصى شرط لصحة الوصية بالمعين بالذات، فإنه أيضا شرط لبقائها صحيحة، فإذا أوصى بهذه الدار فهلكت أو بهذه السيارة فاستحقت( ) بطلت الوصية.
موقف القانون : أخذ قانون الوصية بما اتفق عليه من اشتراط وجود الموصى به المعين بالذات فى ملك الموصى عند إنشاء الوصية، ونص على ذلك صراحة فى المادة 10/3.
واقتصار النص على المعين بالذات يعنى أن المقنن قد غض الطرف عن الرأى القائل بشرط وجود المعين بالنوع فى ملك الموصى عند إنشاء الوصية، وأخذ بالرأى الآخر، مصححا الوصية متى وجد الموصى به المعين بالنوع قبل موت الموصى.
كما نص القانون على أن بقاء الموصى به المعين بالذات شرط لصحة الوصية، فصريح نص المادة(15) أنه "تبطل الوصية إذا كان الموصى به معينا، وهلك قبل قبول الموصى له".
ولكن خلو النص من قيد "بالذات" يعنى انصراف حكمه إلى المعين بالذات والمعين بالنوع، ما يعنى أن شرط الوجود وإن لم يلزم لصحة الوصية بالمعين بالنوع، فإنه يلزم لبقائها صحيحة، وذلك بشرط أن يكون النوع موجودا فى ملك الموصى وقت الإيصاء به أو بجزء شائع منه( ).
فمثلا : إذا قال أوصيت له فإحدى سياراتى ولم يعين واحدة وكانت له سيارات عند الوصية، تعلقت الوصية بهذا النوع، ويصير كالمعين بالذات، فيعتبر الموجود منها وقت الإيجاب.
فإذا هلكت هذه السيارة، أو استحقت بطلت الوصية، كما لو هلكت العين المعينة بالذات أو استحقت، ففى الحالتين – هلاك أو استحقاق المعين بالذات أو المعين بالنوع – تبطل الوصية.
وهذا فيما لو هلكت أو استحقت العين الموصى بها كلها، أو كل النوع، أما لو هلك أو استحق بعض النوع أو بعض العين فهذا أمر آخر نفصله فيما بعد.
المبحث الثالث
شرط نفاذ الوصية
أن يكون الموصى به فى حدود ثلث التركة
وهذا الشرط لنفاذ الوصية وليس لصحتها، باتفاق الفقهاء، فمن أوصى بأكثر من الثلث صحت وصيته فى الثلث اتفاقا.
أما ما جاوز الثلث :
1- فباطل، فى رأى أهل الظاهر وجمهور المالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة، أجازه الورثة أو لم يجيزوه، كان له وارث أو لم يكن، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "الثلث والثلث كثير" فنهاه عن الزيادة، والنهى يقتضى البطلان.
ولأن الزيادة على الثلث إما أن تكون من حق الموصى أو من حق الورثة، فإن كانت من حق الموصى فينبغى أن تنفذ دون أجازه، وإن كانت من حق الورثة كانت الوصية بها وصية بملك الغير فلا تحل للموصى ابتداء( ).
2- ويرى الحنفية وبعض المالكية، وأكثر الشافعية وأكثر الحنابلة والشيعة( ) أن الوصية فى الزائد تتوقف على إجازة الورثة، فإن أجازوها جازت وإن ردوها بطلت( ).
وحجتهم فى ذلك : أن النهى عن الزيادة معلل بحق الورثة فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم "الثلث والثلث كثير لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".
فقوله صلى الله عليه وسلم "لأن تدع…" تعليل للمنع من الزيادة لحق المذكورين فيتوقف على إجازتهم( ).
ولأن الوصية بالمال إيجاب الملك عند الموت، وعند الموت حق الورثة متعلق بماله إلا فى قدر الثلث، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم…فضعوه حيث شئتم" وما زاد عن الثلث يتضمن إبطال حقهم وذلك لا يجوز إلا بإجازتهم( ).
وقد وقعت بين الفريقين مناقشات أهمها :
1- اعترض أهل الظاهر ومن معهم على الحنفية ومن وافقوهم بأن قول النبى  "لأن تدع ورثتك…..الخ" كلام مستأنف وقضية مبتدأه فلا يبنى عليها حكم، وإلا فهو علة فاسدة، لأن مقتضاها أن من له وارث واحد واسع الثراء يوصى بكل ماله أو بنصفه دون توقف على إجازة الوارث، وهذا ما لا تقولونه( ).
والجواب على ذلك : أن الكلام يحمل على ظاهرة، وقد وقع كلام النبى  تعليلا فيبقى على ظاهرة حتى يقوم دليل على المنع( ).
2- واعترض الحنفية على قوله "إن النهى يقتضى البطلان" بأن النهى فى الحديث قد جاء لأمر خارج عن المنهى عنه، وهو المحافظة على حق الورثة ولذا فإنه لا يستلزم البطلان فى القدر الزائد عن الثلث( ).
والراجح : ما ذهب إليه الحنفية ومن معهم، لأن ظاهر النص معهم، وبه أخذ قانون الوصية فنص فى المادة 37/1 على أنه "تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ من غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد عن الثلث، ولا تنفذ فى الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى، وكانوا عالمين بما يجيزونه".
وصية من لا ورثة له :
هذا الحكم المتقدم متى كان للموصى ورثة، فإن لم يكن له من يرثه :
فأبو حنيفة وأحمد فى أحد قوليه : على صحة وصيته دون إجازة من أحد حتى وإن أوصى بكل ماله.
ويرى جمهور الفقهاء – حتى من وافقوا الحنفية على صحة الوصية بالزائد ممن له ورثة – أن الوصية بالزائد هنا لا تصح وإن أجازها ولى الأمر لما يترتب على الإجازة من إلحاق الضرر ببيت المال( ).
وقد أخذ قانون الوصية بقول الحنفية والإمام أحمد، فأجاز وصية من لا وارث ولو بكل ماله دون توقف على إجازة من أحد، سائرا فى ذلك على المنهج الذى ارتضاه المقنن فى توزيع التركات، والذى ضمنه المادة الرابعة من قانون المواريث، حيث لم يعتبر الخزانة العامة وارثا، وإنما تؤول التركة أو ما بقى منها إلى الخزانة العامة إذا لم يوجد مستحق لها – بالإرث، أو بالإقرار، أو بوصية زائدة – باعتبارها مالا ضائعا لا يعرف له مالك.
وفى ذلك تقول المادة 37/2 من قانون الوصية :
"وتنفذ وصية من لا دين عليه ولا وارث بلك ماله أو ببعضه من غير توقف على إجازة الخزانة العامة".
شرط استحقاق الوصية بالزائد على الثلث :
وشرط استحقاق الوصية بالزائد على الثلث متى لم يكن للموصى ورثة ألا يكون الموصى قد أقر لأحد الناس بالنسب على غيره، كأن يقر أن فلانا أخوة أو عمه أو حفيده، فإن كان قد فعل فالموصى له لا يستحق من الزيادة على الثلث شيئا، لأن المقر له بالنسب على الغير مقدم فى الاستحقاق على الموصى له بزائد عن الثلث.
فإذا فرضنا أن (أ) أوصى لـــ(ب) بمبلغ 4000، ومات عن تركة مقدارها 4000 ومدينا بمبلغ 500جنيه لــــ(ج) وكان قد أقر فى حياته بأخوة (د) له، فإن تركته تستحق على الوجه الآتى :
1- يستخرج منها ما يكفى حاجة الميت، ولنفرض أنه 500جنيه.
2- يسدد ما عليه من دين وهو 500جنيه.
3- تستخرج الوصية لــــ(ب) فى حدود الثلث وهو 1000جنيه.
4- يستحق (د) كل الباقى (2000)، وليس لـــ(ب) منها شئ على فرض صحة إقرار المتوفى بالنسب على الغير.
أما أن بطل هذا الإقرار فالتركة تستحق على النحو التالى :
1- 500جنيه لحاجة الميت الموصى.
2- 500جنيه وفاء الدين.
3- 1000 وصية فى حدود الثلث + 2000 للموصى له أيضا لعدم المستحق غيره.
وقت اعتبار الثلث :
قلنا إن الوصية تنفذ فى الثلث دون إجازة وفيما زاد بإجازة الورثة، ولكن متى يعتبر الثلث؟
لبيان ذلك نفرض أن فلانا أوصى لآخر بثلث ماله، وكان له عند الوصية وديعة بنكية بمبلغ 3000جنيه، ومواشى قيمتها 3000جنيه أخرى، وعند موته كانت الوديعة قد استحقت عائدا قدره 1000جنيه، وتناسلت المواشى فزادت قيمتها إلى 5000جنيه.
وعند تنفيذ الوصية زاد عائد الوديعة 1000جنيه أخرى وارتفعت إثمان المواشى فبلغت 7000جنيه.
فهل يستحق الموصى له 2000جنيه اعتبارا بزمن الإنشاء، أم 3000 اعتبارا بحين الوفاة، أم 4000جنيه اعتبارا بموعد التنفيذ؟
وقد يحدث أن يوصى هذا الرجل بمبلغ 4000جنيه، فإذا قلنا المعتبر هو زمن الإنشاء، فهذه الوصية تنفذ فى 2000جنيه فقط ولا تنفذ فى الباقى إلا بإجازة الورثة، وإن قلنا المعتبر وقت الوفاة نفذت الوصية فى 3000جنيه وفى الباقى تتوقف على الإجازة، وإن قلنا المعتبر وقت التنفيذ نفذت الوصية فى 4000جنيه دون توقف على إجازة أحد.
وفرض الثالث أن يوصى له بعين قيمتها عند الوصية 5000جنيه وقدر ماله عندئذ 15000جنيه، وعند موته لم يترك إلا هذه العين وقيمتها عند الوفاة 600جنيه، وقومت عند التنفيذ فبلغت 9000جنيه، فإذا امتنع الورثة عن الإجازة، فهل يستحق الموصى له العين بالغة ما بلغت باعتبارها كانت تخرج من الثلث عند الإيصاء، أم يستحق 2000جنيه باعتبار الثلث عند الوفاة، أو 3000جنيه باعتبار الثلث عند القسمة والتنفيذ؟
لاشك أن هذه الفروض تكشف عما لزمن التقدير من أهمية، سواء فى قدر المستحق، أو بالنظر إلى اشتراط الإجازة، ولذا فقد أولى الفقهاء هذا الأمر عنايتهم، وكانت لهم فيه أقوال.
ولقول الأول لبعض الشافعية( ) ويرى أن المعتبر هو وقت صدور الإيجاب من الموصى، فإذا كانت الوصية فى ذلك الوقت فى حدود الثلث نفذت دون حاجة إلى إجازة الورثة، ولا عبرة لما يطرأ عليها من زيادة وقت الوفاة أو التنفيذ.
ودليلهم فى ذلك القياس على النذر فالمعتبر فيه وقت إنشائه.
ونوقض ذلك بأنه قياس مع الفارق لأن النذر لازم بإنشائه والوصية لا تلزم إلا بالوفاة.
القول الثانى : وهو المشهور عند الشافعية( ) وهو قول الحنفية والحنابلة( ) أن المعتبر فى تقدير التركة هو وقت وفاة الموصى، لأنه وقت لزوم الوصية وفيه يثبت الملك للموصى له، غير أنه يتوقف على قبوله، ولو تأخر قبول الموصى له عن وقت الموت، فإن الملك يثبت بالقبول منسحبا إلى وقت الموت.
جاء فى المغنى "الاعتبار فى قيمة الموصى به وخروجها من الثلث أو عدم خروجها بحالة الموت، لأنها حال لزوم الوصية فتعتبر قيمة المال فيها……فينظر فإن كان الموصى به وقت الموت ثلث التركة أو دونه نفذت الوصية واستحقه الموصى له كله، فإن زادت قيمته حتى صار معادلا لسائر المال أو أكثر منه أو هلك المال كله سواه فهو للموصى له لا شئ للورثة فيه، وإن كان حين الموت زائدا عن الثلث فللموصى له منه قدر ثلث المال، فإن نقص بعد ذلك أو زاد أو نقص سائر المال أو زاد فليس للموصى له سوى ما كان له حين الموت"( ).
لقول الثالث : المالكية( ) ويرون أن المعتبر فى تقدير التركة لمعرفة ما إذا كانت الوصية فى حدود الثلث أو زائدة عنه، هو وقت تنفيذ الوصية أى قسمتها بين المستحقين.
وعليه فما يحدث من نماء أو يقع من هلاك أو نقصان ينال الورثة والموصى له.
موقف القانون : لم ينص القانون على وقت اعتبار الثلث قصدا، ولكن يفهم من نص المادة (25) أن المعتبر هو وقت الوفاة، فقد ذكرت المادة أنه "إذا كان الموصى له موجودا عند موت الموصى استحق الموصى به من حين الموت".
ولكن هذا الفهم يخالف ما تفيده المادة الرابعة من قانون المواريث والتى تقضى بأن :
يؤدى من التركة بحسب الترتيب الأتى :
أولا : ما يكفى لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن.
ثانيا : ديون الميت.
ثالثا : ما أوصى به من الحد الذى تنفذ فيه الوصية.
ويوزع ما بقى بعد ذلك على الورثة.
فالذى تفيده هذه المادة أن الثلث المعتبر هو مما يكون تركة خالصة من كل دين، ولاشك أن الوفاء بحاجة الميت ومن تلزمه نفقته، وقضاء ديونه يستغرق زمنا، قل أو كثر، كما أن الواضح من المادة أنها قدمت حاجة الميت ومن تلزمه نفقته وحقوق الدائنين على حق الموصى له، ولو قلنا بالتقدير مستندا إلى وقت الموت لزاحم الموصى له الميت والدائنين وهذا ما لم يقل الشرع به ولا القانون.
ولا خلاف فى أن الماجة الرابعة من قانون المواريث تمثل الشريعة العامة فى توزيع التركات، وما أفادته من حكم فى استخراج الوصية من التركة أفادته بعبارة النص، أما المادة (25) من قانون الوصية، فقد أفادت ما فهم منها بطريق الاقتضاء( ).
ومن هنا فإننا نرجح أخذ القانون بمسلك المالكية( ) وإن لم يسر فيه لمنتهاه، حيث أخذ بالرأى الثانى فى الوصية بمعين متى خرج من الثلث، حفظا لحق الموصى له فى زوائد الموصى به من حين الموت إلى القبول، وإلزامه بنفقته خلال نفس المدة، باعتبار أن حقه متعلق به، فإن لم يهلك أو يستحق فله نماؤه وعليه نفقته.
نفاذ الوصية فى الزائد على الثلث :
ذكرنا أن الوصية بالثلث تنفذ من غير إجازة الورثة، أما ما زاد فلا ينفذ إلا بإجازته.
فإن أجازه كل الورثة نفذ فى حقهم جميعا، وإن رده جميعهم نفذت الوصية فى الثلث فقط، وبطلت فى الجزء الزائد، وإن إجازة البعض ورده البعض الآخر نفذت الوصية بالزائد فى حق من أجاز، وبطلت – فى القدر الزائد – فى حق من رد.
وعلى ذلك فإننا فى كل مسالة ظهر أن الموصى به فيها يزيد عن ثلث التركة ننظر إلى موقف الورثة.
فإن كانوا قد رفضوا جميعا أعطى الموصى له ثلث التركة فقط، وتحل المسألة حلا واحدا.
وإن كانوا قد أجازوا جميعا أعطى الموصى له القدر الموصى به ووزع الباقى على الورثة وتحل المسألة حلا واحدا أيضا.
وإن كان بعض الورثة قد أجاز، والبعض الآخر رد فإن الوصية تستخرج بحلين مرة على أساس إجازة الجميع، والأخرى على أساس رفض الجميع، ويخصم الفرق بين الإجازة والرفض من حق من أجاز ويعطى للموصى له بالإضافة إلى الثلث، وسنعرض فيما سيأتى أمثلة تطبيقية لذلك.
شروط الإجازة فيما زاد عن الثلث :
ذكر الفقهاء لصحة الإجازة شروطا بعضها متفق عليه، والبعض الآخر مختلف فيه، وقد أخذ القانون من هذه الشروط بالآتى :
أولا : أن تكون الإجازة صادرة من خص يتمتع بأهلية التبرع :
وقد عرفت مما سبق أن أهلية التبرع لا تثبت إلا للبالغ العاقل الرشيد، فلو كان المجيز صبيا أو مجنونا، أو محجورا عليه لسفه أو غفلة فلا يكون أهلا لتبرع، وبالتالى فلا تصح إجازته الوصية.
وكما لا تصح إجازة غير الرشيد لا تصح إجازة وليه – ولو كان هو الأب – عنه، لأن الإجازة تبرع، والتبرع يعد ضررا محضا فلا يملكه الولى فى الأصل الفقهى( ).
ولكن قانون الولاية على المال خرج على هذا الأصل فأجاز فى مادته الخامسة للولى أن يتبرع بمال القاصر لأداء واجب إنسانى أو عائلى بعد إذن المحكمة.
وكمثال على ذلك يجوز التبرع بناء على إذن المحكمة لمساعدة الأقارب ومواساتهم، أو لإنقاذ ضحايا ومنكوبى الأوبئة والحرائق والزلازل.
ولاشك أن المحكمة وهى تصدر الإذن بالتبرع تقدر حالة الصغير المالية والغرض المراد التبرع من أجله، وتحدد فى قرارها ما يصرح للولى التبرع به.
كما ينبغى أن يعرف أن الإجازة لكى تنفذ مطلقة يجب أن تكون صادرة من صحيح، فإن صدرت من مريض فى مرض موته فإنها تخضع لأحكام تصرفات المريض مرض الموت، فلا تنفذ إلا فى حدود ثلث تركة المجيز، فإن جاوزت الثلث فلا تنفذ – فى القدر الزائد – إلا بإجازة ورثته هو( ).
وكمثال على ذلك. أوصى على لابن أخته حسان بثلثى تركته وعند موته لم يترك إلا ابنه حسن المريض مرض الموت، وليس له مال وليأسه من الحياة أجاز وصية أبيه لحسان.
والحكم فى هذه الإجازة أنه لا ينفذ منها إلا ثلث حق حسن فى التركة أم الباقى فيتوقف على إجازة ورثة حسن هذا.
فإذا فرضنا أن التركة تسعة قراريط فإن حق حسن فيها يكون ستة قراريط وهو الباقى بعد الثلث، ولأنه أجاز الوصية بالثلثين أى ستة قراريط فكأنه أسقط نصف ماله فى التركة.
فتنفذ أجازته فى ثلث حقه فقط 6× 1 = 2قيراط، ويتوقف نفاذ الوصية
3
فى القيراط الزائد على إجازة ورثته بعد موته.
ثانيا : أن تكون الإجازة بعد وفاة الموصى :
وهو قول الحنفية والشافعية وأكثر الحنابلة ( ) وبه أخذ القانون، ووجه ذلك أن حق الورثة فى المال الموصى به بعد الوفاة لا قبلها فإذا أجازوا قبل الوفاة فقد اسقطوا حقهم فيما لم يملكوه فلا يلزمهم كما أن حق الموصى له لا يثبت إلا بموت من أصدر الوصية، والإجازة قبل الموت إجازة لحق قبل ثبوته فتقع ملغاة لا أثر لها.
وعليه فمن أجاز فى حال الحياة له أن يرد بعدها، لأن إجازته الأولى إجازة ساقطة.
ثالثا : أن يكون المجيز عالما بما أوصى به الموصى :
لأن الإجازة تصرف، ويجب أن يكون المتصرف على معرفة تامة بحقيقة التصرف الذى يصدره.
فيجب أن يكون المجيز عالما بحقيقة الوصايا التى أصدرها الموصى، فإن أجاز عن جهل، فأجازته لا تقيده، وإنما له حق الاعتراض على الوصية متى ظهر له أن تنفيذها يعود عليه بضرر كبير.
ويعتبر المجيز عالما بما أجاز حتى يقيم الدليل على العكس، وعلى ما تفصح عنه عبارة صاحب المغنى، فإن الجهل بالوصية مسألة واقع يختص بتقديرها قاضى الموضوع قال "فإن كان للموصى له بينة تشهد باعترافه بمعرفة قدر المال، أو كان المال ظاهرا لا يخفى على المجيز لم يقبل قوله…وإن لم تشهد بينه باعترافه بذلك فالقول قوله مع يمينه…..وإن أوصى بمعين كعبد أو فرس يزيد على الثلث فأجاز – الوارث – الوصية بها، ثم قال ظننت المال كثيرا فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم أعلمه لم تبطل الوصية، لأن العبد معلوم لا جهالة فيه"( ).
تطبيقات عملية على الوصية بأكثر من الثلث :
أولا : يجب قبل استخراج الوصية أن نقف على مقدارها لمعرفة ما إذا كانت حدود الثلث أو أقل أو أكثر، وذلك باتباع الطريق الآتى :
1- يخصم من جملة التركة ما يلزم لحق الميت، وما عليه من ديون.
2- يقسم المبلغ الباقى على (3) ثلاثة.
3- يقارن بين نتائج القسمة ومبلغ الوصية المذكور، فإن زاد ناتج القسمة فالوصية بأقل من الثلث، وإن تعادلا فالوصية بالثلث، وإن قل ناتج القسمة عن مبلغ الوصية فالوصية بأكثر من الثلث.
ثانيا : إذا ظهر أن الوصية بالثلث أو أقل فإننا نعطى للموصى له الموصى به ونقسم الباقى على الورثة كل حسب نصيبه.
ثالثا : وإذا ظهر أن الوصية بأكثر من الثلث نظرنا :
1- إذا رد كل الورثة الوصية فى الزائد تحل المسألة على أن حق الموصى له الثلث فقط.
فمن مات وترك أم ، أب، زوجة وأوصى لأخيه بمبلغ (7500) وقدر التركة 15000جنيه، واعترض الورثة جميعا على الوصية للأخ.
فإن :
أ- اعتراض الورثة نافذ فيما زاد عن الثلث، باطل فى الثلث.
ب- ثلث التركة = 15000= 5000 أقل من مبلغ الوصية.
3
ج- مع الاعتراض لا تنفذ التركة إلا فى الثلث5000، وتبطل فى الباقى 2500.
إذن الوصية الجائزة = 15000 = 5000
3
الباقى للورثة = 15000 – 5000= 10000 تقسم بينهم حسب الميراث الشرعى.
2- إذا أجاز كل الورثة الوصية فإنما تنفذ فى الثلث والزائد كله.
مثال : ماتت وتركت زوج، أب، أم، أخت شقيقة أوصت لها بمبلغ 20000 عشرين ألف جنيه، والتركة 30000 ثلاثون ألف جنيه وأجاز كل الورثة الوصية بحالها.
الحل :
أ- الأخت تستحق الوصية ابتداء لأنها غير وارثة، فتحل لها الوصية شرعا وتجوز قانونا.
ب- قيمة الثلث = 30000 = 10000 إذن الوصية بأكثر من الثلث.
3
ج- أجاز الورثة جميعا فتنفذ الوصية من الثلث الزائد.
د- الباقى بعد الوصية = 30000 – 20000= 10000 تقسم بين الورثة حسب الميراث الشرعى.
3- إذا أجاز بعض الورثة الوصية واعترض البعض الآخر فكمبدأ هام لا قيمة للاعتراض على الثلث، ما لم تبطل الوصية لسبب آخر.
- تقسم التركة مرتين، مرة على أساس الإجازة من الجميع، والمرة الثانية على أساس الرفض من الجميع.
- ثم يعامل كل واحد من الورثة على حسب موقفه من الإجازة أو الرفض.
- يضاف الفارق بين حق المجيز فى حالة الرفض وحقه فى حالة الإجازة إلى ثلث التركة (مقدار الوصية فى حالة الرفض العام) فينتج المقدار النهائى للوصية.
وإليك الصور الآتية :
1- أجازت وارث واحد ورفض باقى الورثة :
أوصى شخص لعمه بنصف ماله ثم مات عن :-
زوجة. أم . أب. ابن وترك 7200.
أجازت الزوجة الوصية ورفض الباقون.
الحل
1- تقسم التركة أولا على أساس إجازة الجميع ومن ثم يستبعد نصفها للوصية.
مقدار الوصية = 7200 = 3600
2
2- يقسم الباقى بعد الوصية على الورثة كل حسب ميراثه.
زوجة أم أب ابن أصل المسألة
1
8 1
6 1
6 الباقى
13 24
عدد السهام = 3+ 4+ 4+ 13
قيمة السهم الواحد = 3600 =150
24
الأنصبة 150×3 150×4 150×4 150×13
450 600 600 1950
3- تقسيم التركة ثانيا على أساس رفض الجميع.
مقدار الوصية 7200 = 2400
3
4- يقسم الباقى على كل حسب ميراثه = 7200- 2400= 4800
عدد السهام 24
قيمة السهم 4800 = 200
24
الزوجة الأم الأب الابن
200×3 200×4 200×4 200×13
600 800 800 2600
5- يستخرج الفرق بين نصيبى من أجاز وهو فى مثالنا الزوجة.
600- 450 = 150.
6- يضاف إلى مبلغ الوصية على أساس رفض الجميع.
مقدار الوصية 2400+ 150= 2550 يأخذ العم.
ويمكن أن يسلك بالحل صورة أخرى كما تلحظ فى المثال الآتى :-
مات شخص عن ابنين وبيتين وترك 360 فدانا وكان قد أوصى منها ب 144فدانا لجامعة القاهرة، وبعد وفاته أجاز ابن وبنت الوصية، وردها الآخران.
الحل
أولا : لا أثر للرد على الثلث.
ثانيا : نسبة الوصية = 360 = 120 : 144 أى أكثر من الثلث.
3
ثالثا : نظرا لإجازة البعض ورد البعض تقسم التركة مرتين.
أ) التركة على أساس إجازة الجميع .
الباقى من التركة بعد الوصية = 360- 144= 216 فدان.
الورثة ابنان بيتان أصل المسألة
السهام 2+2 1+1 = 6
قيمة السهم = 216÷ 6= 36.
نصيب كل ابن = 36× 2= 72.
نصيب كل بنت = 36×1= 36.
ب) تقسيم التركة على أساس رفض الجميع.
الوصية : 360 × 1 = 120 ثلث التركة
3
الباقى من التركة بعد الوصية = 360 – 120= 240 فدانا.
الورثة : ابنان بنتان أصل المسألة
السهام : 2+2 1+1 6
قيمة السهم 240÷ 6= 40.
نصيب كل ابن 40× 2= 80.
نصيب كل بينت 40× 1= 40.
يعطى من أجاز على أساس الإجازة ومن رفض على أساس الرفض.
الابن المجيز : 72 فدانا.
البنت المجيزة : 36 فدانا.
الابن الراد : 80 فدانا.
البنت الراده : 40 فدانا.
مجموع الأنصبة = 288 فدانا.
إذن مقدار الوصية = 360- 288= 132 فدانا.
مثال آخر وطريقة حل أخرى :
توفى شخص عن : زوجة. ابن. أم. أب وترك 14400جنيها.
أوصى بنصفها لجمعية رعاية الأيتام ببنى سويف.
أجاز الأب والأم الوصية ولم تجزها الزوجة والابن.
الحل
1- رفض الإجازة لا يلحق إلا الزائد على الثلث.
2- واضح من المثال أن الوصية أكثر من الثلث.
3- تحل المسألة مرة على أساس إجازة الجميع وأخرى على أساس رفض الجميع.
أولا : توزيع التركة على أساس إجازة الجميع :
الباقى بعد الوصية = 14400÷ 2= 7200
الورثة : زوجة أم أب ابن أصل المسألة
الفروض : 1
8 1
6 1
6 الباقى 24
السهام : 3 4 4 13
قيمة السهم 7200÷ 24= 300
الأنصبة 300×3 300×4 300×4 300×13
900 1200 1200 3900
توزيع التركة على أساس رفض الجميع :
الباقى من التركة بعد الوصية = 14400 × 2= 9600
3
الورثة : زوجة أم أب ابن أصل المسألة
الفروض : 1
8 1
6 1
6 الباقى 24
السهام : 3 4 4 13
قيمة السهم= 9600÷ 24= 400.
الأنصبة 400×3 400×4 400×4 400×13
1200 1600 1600 5200
ثالثا : النصيب الذى يأخذه كل وارث بحسب موقفه :
الزوجة لم تجز فنصيبها = 1200.
الابن لم يجز الزيادة فنصيبه = 5200.
الأم أجازت الزيادة فنصيبها = 1200.
الأب أجاز الزيادة فنصيبه = 1200.
مجموع أنصبة الورثة = 1200+ 5200+ 1200+ 1200= 8800.
إذن مقدار الوصية = 14400- 8800= 5600.
تستحقها جمعية رعاية الأيتام ببنى سويف.
BAHRAIN LAW
مدير الموقع
مدير الموقع
 
مشاركات: 758
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 17, 2008 5:36 pm
الجنس: ذكر

Re: كتاب احكام الوصية في الشرع والقانون

مشاركة غير مقروءةبواسطة BAHRAIN LAW » الاثنين أكتوبر 06, 2008 11:07 am

الباب الثانى
أنواع الوصايا وما يتعلق بها من أحكام
تمهيد وتقسيم :
تنقسم الوصايا إلى أنواع متعددة بتعدد الاعتبارات، فهى بالنظر إلى الموصى له تنقسم إلى: وصية للمعدوم، وللحمل وللجهات، ولمحصورين وغير المحصورين، ووصية مشتركة.
وبالنظر إلى الموصى به تنقسم إلى وصية بالأعيان المالية، ووصية المنافع وبالحقوق، وبالمرتبات، وبقسمة أعيان التركة.
وبالنظر إلى حكم الوصية ذاتها تنقسم إلى وصية اختيارية ووصية واجبة.
ولكل مما تقدم أحكامه التى أفتى بها الفقهاء أو نص عليها القانون.
وفى هذا الباب نعالج الأحكام المتعلقة بأنواع الوصايا المختلفة مقتصرين ما استطعنا على أخذ به قانون الوصية، وذلك فى فصول ثلاثة :
الفصل الأول : الأحكام المتعلقة بأنواع الوصايا بالنظر إلى الموصى له.
الفصل الثانى : الأحكام المتعلقة بأنواع الوصايا بالنظر إلى الموصى به.
الفصل الثالث : الوصية الواجبة.
الفصل الأول
الأحكام المتعلقة بأنواع الوصايا
بالنظر إلى الموصى له
فى حديثنا فى الفصل الثالث من الباب الأول تعرضنا لشروط الموصى له، ومما ذكرنا أنه يجب الموصى له موجودا، ومعلوما، وألا يكون جهة معصية.
وقد ألمحنا فى حديثنا إلى الوصية للحمل باعتباره موجودا وجودا تقديريا، بينما فصلنا الكلام فى الوصية للجهات، وأوجزناه فى الكلام عن الموصى له غير المعين، وغير المحصور، ولم نتعرض بأى قدر للوصية المشتركة.
وتفاديا للتكرار فإننا نغض الطرف عما بسطنا الكلام ونعالج هنا غيره مما لم نتناوله عرضا، وذلك فى المباحث التالية :
المبحث الأول : الوصية للمعدوم.
المبحث الثانى : الوصية للحمل.
المبحث الثالث : الوصية المشتركة.

المبحث الأول
الوصية للمعدوم
إحالة :
ذكرنا أن من شروط الموصى له أن يكون موجودا وقت الوصية إذا كان معينا، وأنه استثناء من ذلك تصح الوصية لجهة معينة ستوجد مستقبلا، فإن تعذر وجودها بطلت( ).
فإن كان الموصى له غير معين لا يشترط أن يكون موجودا عند الوصية ولا وقت موت الموصى، وبدهى أن كلامنا هنا ينصرف إلى هذا الأخير، لأن المعين – ما لم يكن جهة – تبطل الوصية له بعدم وجوده وقت إنشائها.
وقد اصطلح على إطلاق لفظ المعدوم على الموصى له غير الموجود وقت إنشاء الوصية، سواء وجد وقت وفاة الموصى أم لم يوجد.
حكم الوصية للمعدوم :
المثال لأشهر للوصية للمعدوم فى حديث الفقهاء الوصية لمن سيولد لفلان أو من أولاد فلان.
وقد اختلفت الفقهاء فى حكم هذه الصورة وأمثالها.
فذهب جمهورهم( ) إلى أن الوصية للمعدوم باطلة، لأن الوصية تمليك فلا تصح للمعدوم، كما أن الوصية تجرى مجرى الميراث ولو مات إنسان لم يرثه من الحمل إلا ما كان موجودا، فكذلك الوصية.
ويرى الحنفية على ظاهر الرواية أن الوصية لا تجوز للمعدوم وقت وفاة الموصى قياسا على الميراث( ).
ويرى المالكية( ) وبعض الشافعية( ) صحة الوصية للمعدوم وقت إنشاء الوصية، ووقت الوفاة، فلو قال أوصيت لمن سيولد لعلى، ولم يكن له أولاد وقتئذ ولا عند الوفاة صحت وصيته وتظل صحيحة حتى يقع اليأس من وجود أولاد له.
ومستندهم فى ذلك : أن الوصية من قبيل التبرعات، والتبرعات يجب التوسع فيها، ولأن الوقف على من سيوجد من ولد الواقف أو ولد غيره جائز، فتجوز الوصية على من سيوجد من باب أولى، لأن الوصية تصح – بالموصى به – المعدوم والمجهور بخلاف الوقف.
وعلى أساس ذلك .
فإن أوصى (أ) إلى من سيكون من أولاد فلان ولم تكن زوجته حاملا وقت إنشاء الوصية.
فوصيته باطلة فى المعتمد من رأى الشافعية ورأى الحنابلة والطحاوى من الحنفية.
وفى رأى الحنفية تصح الوصية للموجود وجودا حقيقيا، أو تقديريا عند موت الموصى، فإن لم يكن موجودا على الفرضين فالوصية له باطلة.
وفى رأى المالكية تصح الوصية حتى يقع اليأس من وجود أولاد لفلان هذا، كأن يموت فلان هذا دون أن ينجب، أو أن تكون الوصية للمتفوقين من طلاب كلية البترول ببنى سويف، فتصح الوصية وتظل صحيحة حتى يقع اليأس من إنشاء كلية للبترول ببنى سويف كأن يصدر قرار جمهورى مثلا بقصر الالتحاق بمعاهد البترول على الكائن منها بالمناطق الساحلية مثلا.
موقف القانون : أخذ القانون بمذهب المالكية فى الوصية للمعدوم، ونص على الحكم العام فى ذلك، ثم فصل الأحكام المتعلقة بالوصية للمعدوم.
أما الحكم العام فنص عليه فى المادة 6/2 بقوله :
"فإن لم يكن – الموصى له – معينا لا يشترط أن يكون موجودا عند الوصية، ولا وقت موت الموصى، وذلك مع مراعاة ما نص عليه فى المادة(70)" وهى متعلقة بالوصية بالمرتبات لغير الموجودين.
وعالج القانون الأحكام التفصيلية فى الوصايا للمعدومين فى المواد 26-29، والمادة70 ( ).
وتناولت هذه المواد الآتى :
أولا : أن الوصية للمعدوم تصح له وحده، كما تصح له ولموجودين محصورين كالوصية لأول الطلبة بكلية السياحة والفنادق ببنى سويف، فهذه وصية لمعدوم حيث لا كلية للسياحة ببنى سويف حتى يكون هناك أول، وكالوصية لأولاد حسن المتزوج ولا يعول حاليا سوى ولدين، فهذه وصية لمن سيكون لحسن من أولاد مستقبلا فضلا عن الموجودين المحصورين حاليا.
ثانيا : أن الوصية للمعدوم وحده أو مع موجودين محصورين تصح بالأعيان والمنافع، ولكل حكم.
ثالثا : فى حالة الوصية بالمنافع أو بالمرتبات للطبقات "أى أولاد فلان وأحفاده، وأحفاد أولاده وهكذا" لا تصح الوصية إلا للطبقتين الأوليين فقط.
رابعا : فى حالة الوصية بالأعيان (منزل – مزرعة – سيارة……الخ).
يفرق بين الحالات الآتية :
1- إذا وجد أحد من الموصى لهم وقت الموصى أخذ العين وتكون له غلتها "الريع أو الأجرة ونحو ذلك" إلى أن يوجد معه غيره فيشترك معه فى الغلة، وكل من يوجد من الموصى لهم يشترك فيها مع من يكون موجودا وقت ظهور الغلة.
ويستمر هذا الوضع إلى حين اليأس من وجود مستحق آخر وعندئذ تكون العين والغلة للموصى لهم جميعا – أى للحى منهم ومن مات – فتقسم رقبة العين عليهم، ويوزع نصيب من مات على ورثته قسمة الميراث.
مثال
أوصى حسن بقطعة أرض زراعية لمن سيولد لحسان، ثم مات حسن ولم يكن لحسان سوى ولد واحد هو أحمد، فإن أحمد هذا يستحق ريع هذه الأرض فتزرع لحسابه، ومتى يولد لحسان ولد آخر وليكن عليا فإنه يشارك أحمد فى الريع، وهكذا الولد الثالث والرابع كلهم يستحقون الريع ولا يمتلكون الرقة ملكا تاما إلا بعد أن ينقطع الرجاء فى إنجاب حسان أولادا آخرين، عندئذ تنتقل ملكية الرقبة إلى أولاد حسان جميعا وتقسم عليهم بالسوية، ومن مات منهم يوزع نصيبه على ورثته ويقسم عليهم قسمة الميراث.
2- إذا لم يوجد أحد من الموصى لهم وقت موت الموصى فإن غلة العين تكون لورثة الموصى، حتى يوجد أحد من الموصى لهم، فإن وجد نفذنا ما ذكرناه فى الحالة الأولى، وإن لم يوجد أحد حتى انقطع الرجاء فى ذلك تماما كان يكون قد أوصى لأولاد بكر، ومات بكر دون أن تكون العين الموصى بها لورثة الموصى.
خامسا : فى حالة الوصية بالمنافع "سكنى، زراعة وغيرها من صور الاستعمال".
فإنه طبقا للوصية لا يستحق الموصى لهم شيئا من رقبة العين، ولكن لهم الانتفاع بها فقط، وتبقى العين ملكا لورثة الموصى.
أما الموصى لهم فينتفع الموجود منهم عند الوفاة أو بعدها، ويشاركه كل من يوجد بعده من الموصى لهم إلى حين انقراضهم، وعندئذ تكون المنفعة لورثة الموصى، ونظرا لأن الانتفاع بالعين لا يكون إلا بحيازة عينها "الانتفاع بالسكنى لا يكون إلا بحيازة الشقة مثلا" فإنه متى وقع اليأس من وجود الموصى لهم البتة أو من وجود غيرهم، إذا كان قد وجد البعض وانقراض، فإن العين ترد إلى الورثة يتقاسمونها قسمة الميراث.
الوصية بالمنفعة للطبقات :
وقد يحدث فى حالة الوصية بالمنفعة أن يوصى بالمنفعة للأولاد والأحفاد وأحفاد الأولاد وهكذا، وتسمى هذه الصورة الوصية للطبقات، وقد أجازها القانون للأولاد والأحفاد فقط، وأبطلها لأحفاد الأولاد، فلأولاد هم الطبقة الأولى، والأحفاد هم الطبقة الثانية، وأحفاد الأولاد هم الطبقة الثالثة، وبدهى أنه إذا لم توجد الطبقة الأولى أصلا فلن توجد ثانية ولا ثالثة، وبالتالى فإنه فى حالة الوصية بالمنفعة للطبقات، إن حصل اليأس من وجود أحد من الطبقة الولى كانت العين لورثة الموصى، أما إن وجد فالانتفاع يكون له، ثم يشاركه من سيوجد بعده من طبقته، أما المستحقون من الطبقة الثانية فانتفاعهم يكون حسب نوع الوصية من حيث ترتيب الطبقات وعدم ترتيبها، فإذا قال أوصيت لأولاد خالد وأولادهم فإن المنفعة تقسم على الموجودين من أفراد الطبقتين على عدد رءوسهم ما لم ينص الموصى على خلاف ذلك وإن قال أوصيت لأولاد خالد ثم لأولادهم فليس للأحفاد شئ حتى ينقرض الأولاد تماما وينقطع الرجاء فى وجود أحد منهم ويسرى على الوصية بالمرتبات إلى الطبقات ما يسرى على الوصية بالمنفعة.
سادسا : إذا لم يوجد من الموصى لهم إلا واحد فقط : نظرنا فى عبارة الموصى
1- فإن كانت لا تدل على أنه أراد التعدد، ولم توجد قرينة على أنه قصد ذلك، انفرد الموجود من الموصى لهم بالغلة فى حالة الوصية بالمنفعة، أو بالعين فى حالة الوصية بالأعيان.
2- وإن دلت العبارة أو قامت قرينة على التعدد، ولم يوجد من الموصى لهم غير الواحد ففى هذه الحالة يصرف له نصيبه حسب دلالة اللفظ أو القرينة ويعطى الباقى لورثة الموصى، حتى يقع اليأس من وجود مستحق آخر. وعندئذ فغن كان الموصى به عينا فإنها تقسم بين الموصى له وورثة الموصى، وإن كان منفعة استمر هذا الوضع المذكور حتى يموت الموصى له وتعود العين خالصة لورثة الموصى فيقتسموها قسمة الميراث.
وأخيرا فإن ما أخذ به القانون من حكم الوصية للمعدوم، وما سلكه من منهج فى استحقاق هذه الوصية، محل تقدير علماء الشريعة، لاتفاقه مع مقاصد الشرع فى التوسعة على الناس فى أعمال البر والمعروف كما أن هذا النوع من الوصايا فى ظل إجازة الوصية لوارث بعد تعويضا عن نظام الوقف الذرى الذى ألغى.
وقد قصر الاستحقاق فى الوصية للطبقات على الطبقتين الأولى والثانية يعمل على سلامة الأعيان الموصى بمنفعتها، وعدم تفتيتها، ويقلل من أسباب النزاع( ).
المبحث الثانى
الوصية للحمل
ألمحنا فيما سبق إلى أن الوصية للحمل صحيحة، ولم يعلم عن الفقهاء خلاف فى ذلك، لأن الوصية أخت الميراث، والحمل يصلح أن يكون خليفة للميت فى الإرث، فيصلح كذلك أن يكون خليفته فى الوصية( ).
وحيث جازت الوصية للحمل فإنها تجوز بالأعيان أو بالمنافع وذلك متى تحققت الشروط الآتية :
شروط الوصية للحمل :
اشترط الفقهاء لصحة ونفاذ الوصية للحمل الشروط الآتية :-
أولا : أن يثبت وجود الحمل الموصى له عند إنشاء الوصية( ) :
وذلك – كما قلنا – لأن الحمل يأخذ حكم الموصى له المعين، وشرط هذا الأخير أن يكون موجودا عند إنشاء الوصية، فإذا ثبت عدم الحمل وقت الإنشاء بطلت الوصية.
ثانيا : أن يولد الحمل حيا حياة مستقرة فى رأى جمهور العلماء( ) :
والحياة المستقرة تثبت بوجود الأعراض الظاهرة الدالة عليها أو بشهادة أهل الخبرة.
ثالثا : أن يوجد الحمل على الصفة التى عينها الموصى( ) :
فإذا عين الموصى الحمل بأن نسبة إلى شخص معين، كما لو قال أوصيت لحمل حسناء من وائل، فإنه يجب لكى يستحق الحمل الموصى له الوصية أن يثبت نسبة من وائل هذا فإن انتفى هذا النسب بطلت الوصية.
كيفية تقدير وجود الحمل عند إنشاء الوصية :-
كما نعلم فإن العملاء متفقون على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، أما أكثرهم فلهم فيها أقوال لا يخلو بعضها من مبالغة وطرافة، وقفلا لباب الفساد فقد هجرت هذه الأقوال ابتداء من تاريخ العمل بالقانون25 لسنة1929، وأخذ بما رآه الطب الشرعى من أن الحمل لا يمكث فى بطن الأم أكثر من 365يوما، وهو قريب من رأى الأمام محمد بن عبد الحكم المالكى( ).
ثم اضطرد العمل بهذا الحكم فنص عليه فى قانون المواريث كما نص عليه فى قانون الوصية.
وقد حدد هذا الأخير فى المادة (35) منه وجود الحمل على النحو الآتى:-
1- إذا كان الموصى مقرا بوجود الحمل وقت إنشاء الوصية فإن الحمل يعتبر موجودا إذا ولد خلال سنة شمسية تقدر بخمسة وستين وثلثمائة يوم من وقت الوصية.
ولاشك أن هذا إقرار، والمقر يؤاخذ بإقراره إلا إذا ثبت يقينا كذبه فى هذا الإقرار، ويكون كذلك إذا ولد الحمل لأكثر من 365يوما من حين الوصية لأنه تبين أنه مجرد وهم، لا يقوم على أساس ويستوى مع الإقرار أن يكون الحمل منسوبا إلى زوجة أو معتدة أو غير ذلك، قال الماوردى "وإن كانت غير ذات زوج أو سيد بطأ – فى النكاح بملك اليمين – فالوصية جائزة، لأن الظاهر تقدمه والحمل يجرى عليه حكم الظاهر فى اللحوق فكذلك فى الوصية"( ).
2- إن لم يقر الموصى بوجود الحمل وقت إنشاء الوصية، وفى هذه الحال فرق القانون بين فرضين :-
الفرض الأول : أن تكون الحامل زوجة، أو معتدة من طلاق رجعى، أو خالية من الزواج وعدتهم.
عندئذ يثبت وجود الحمل فى بطن أمه عند إنشاء الوصية إذا جاءت به فى خلال 270يوما من وقت الإنشاء، وتحسب المدة بالأيام لأن الشهور التسعة الميلادية تزيد على ذلك، وقد تنقص الأشهر الهجرية عن ذلك، فكان الحساب بالأيام أضبط، فإذا جاء الحمل لمدة أكثر من 270يوما من وقت الإنشاء بطلت الوصية للشك فى حصوله بعد إنشائها.
وإثبات الوجود عند الإنشاء إذا ولد الحمل فى خلال السبعين يوما ومائتين – أى تسعة أشهر تقريبا – خرج فيه القانون على إجماع الأئمة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فمن جاءت من ذوت الأزواج أو معتدة من طلاق رجعى بولد لمدة أكثر من ذلك، فعلى هذا الرأى – إجماع الأئمة – لا يستحق الوصية، للشك فى وجوده بعد الإنشاء، والشك يبطل الوصية( ).
وأخذ القانون فى هذا الخروج على رأى الأئمة بما أشار إليه الإمام ابن تيمية فى اختياراته حيث قال "وتصح الوصية للحمل، وقياس المنصوص فى الطلاق أنها إذا وضعته لتسعة أشهر، استحق الوصية وإن كانت ذات زوج أو سيد بطأ…..وهو الصواب"( ).
ثم إن العادة الغالبة أن تلد المرأة لتسعة اسهر، ومن النادر جدا وضع الحمل فى ستة أشهر، والقاعدة أن النادر لا يبنى عليه حكم عام( ).
الفرض الثانى : أن تكون الحامل معتدة من طلاق بائن أو من وفاة ويثبت الحمل فى هذا الفرض إذا ولد فى مدة أقصاها 365يوما من وقت الموت أو الفرقة.
وقد أخذ هنا بأقصى مدة الحمل احتياطا حتى يشمل الحالات النادرة( ). فإذا ولد لمدة اكثر من ذلك بطلت الوصية للشك فى وجوده بعد إنشائها.
تعدد الحمل :
إذا أوصى شخص لحمل امرأة فجاءت بولدين فأكثر فى وقت واحد، أو فى وقتين بينهما أقل من ستة أشهر كانت الوصية بينهم بالتساوى، إلا إذا نصت الوصية على خلاف ذلك.
وإذا انفصل أحد الولدين حيا، والآخر غير حى استحق الحى منهما الوصية، وبطل حق الميت.
إرث الوصية عن الحمل :
إذا ولد الحمل حيا حياة مستقرة ثبت حقه فى الموصى به، وقد عرفت فيما سبق أنه فى حال الوصية بالأعيان يثبت الحق فى الرقبة، وفى حال الوصية بالمنفعة يثبت الحق فى المنفعة فقط، وعلى ذلك فإن مات هذا المولود بعد ولادته حيا، انتقل حقه فى الموصى به إلى ورثته إن كان عينا، وإن كان منفعة سقط الحق بموته وردت العين إلى ورثة الموصى( ).
المبحث الثالث
الوصية المشتركة
الوصايا نوعان :
(1) وصية منفردة :
وهى التى يكون الموصى له فيها معينا، أو جماعة محصورة، أو جماعة غير محصورة، أو جهة عامة، فمتى أوصى لواحد من الأربعة المسماة كانت الوصية منفردة أى لنوع واحد.
2- وصية مشتركة :
وهى التى يوصى فيها لأكثر من نوع واحد، كأن يوصى لمعين وجهة عامة، أو جماعة محصورة وجماعة غير محصورة، أو بعين وإحدى الجماعتين، المهم أن يكون الموصى لهم مجموعة من الأنواع المذكورة، ولذا سميت مشتركة، لأن الموصى به مشترك بين أكثر من نوع واحد.
وقد بحثنا فيما سبق أحكام الوصية المنفردة، وعرفنا كيف يقسم الموصى به فيها، وفى هذا المبحث نعالج أحكام الوصية المشتركة، وبخاصة من حيث طريقة تقسيم الموصى به فيها، لأن حكم الوصايا المجتمعة – من حيث الجواز وعدمه – لا يختلف عن حكم الوصية الواحة.
أما عن طريقة التقسيم فقد أخذ القانون( ). بطريقة اشتهرت أبى حنيفة وأبى يوسف، وهو المشهور عن الحنابلة( ). وقوام هذه الطريقة.
أولا : إذا عين الموصى طريقة ما لتقسيم الموصى به على أنواع الموصى لهم، فإنه يجب العمل بهذه الطريقة التى عينها.
الثانى : إذا لم يعين الموصى طريقة خاصة للتقسيم وجب اتباع الآتى :-
1- إعطاء المعين أو المعينين – بالاسم أو بالإشارة – سهاما بعدد رءوسهم، وتعطى الجماعة المحصورة سهاما بعدد الرءوس كذلك.
2- أما الجهة والجماعة غير المحصورة فيعطى كل منهما سهما واحدا والفرق أن المعينين والجماعة المحصورة يمكن حصرها ما فيها من رءوس بخلاف الجماعة غير المحصورة، أما الجهة فإنها بمثابة الفرد الواحد.
وفيما يلى بعض الأمثلة لتوضيح طريقة تقسيم الوصية المشتركة بين المستحقين لها، وفقا لما تقضى به المادة (32) من قانون الوصية.
مثال (1) :
أوصى فلان بثلث تركته لحسن، ومحمد، وفقراء بلده، ومقدار الوصية 600 ستة آلاف جنيه.
فى هذه الحالة تقسم الوصية إلى ثلاثة أسهم، سهم لحسن وسهم لمحمد، والسهم الثالث لفقراء بلد الموصى، فيعطى حسن 2000 ألفين، ومثلها لمحمد، والألفان الأخرى تعطى للفقراء.
مثال (2) :
أوصى لفتحى، وفتحية، وأولاد عبد الفتاح الخمسة، وكلية الحقوق ومقدار الوصية 8000 ثمانية آلاف من الجنيهات.
الحل
1- فتحى وفتحية معينان، فيعطى لكل منهما سهم.
2- أولاد عبد الفتاح الخمسة جماعة محصورة فتعطى بحسب رءوس الجماعة، وهم خمسة فيعطون أسهم.
3- كلية الحقوق جهة فتعتبر بمثابة فرد وتعطى سهما واحدا.
إذن
عدد السهام 8 قيمة السهم الواحد 8000 = 1000
8
الأنصبة: فتحى 1000، فتحية 1000، أولاد عبد الفتاح 5000، كلية الحقوق 1000.
مثال (3) :
أوصى لأولاد جاره سعيد وكانوا ثلاثة أبناء، ولطلاب كلية الحقوق، ولمكتبة الكلية والوصية 5000.
الحل
1- أولاد الجار جماعة محصورون فيراعى عدد الرؤوس.
2- طلاب كلية الحقوق جماعة غير محصورين فتعطى سهما واحد.
3- مكتبة الكلية جهة فتعطى سهما.
إذن : عدد السهام (5) قيمة السهم 5000 = 1000
5
الأنصبة 3000 للأولاد لكل 1000، 1000 لطلاب كلية الحقوق، 1000 لمكتبة الكلية.
مثال (4) :
أوصى لطلاب الدراسات العليا بدبلوم القانون الخاص بكلية حقوق ببنى سويف المقيدين فى العام الجامعى 97/98 وكانوا تسعة وتسعين طالبا، ولكلية آداب بنى سويف وفقراء مدينة ببا. والوصية (101) واحد ومائة ألف من الجنيهات.
الحل
1- عدد طلاب الدراسات العليا (99) وما يجرى عليه العمل فى المحاكم أن الجماعة المحصورة هى ما بلغت مائة فأقل، فإن جاوزت المائة فجماعة غير محصورة، وعليه فطلاب الدراسات هنا جماعة محصورة فتستحق بعد رؤوس أعضائها.
2- كلية الآداب جهة فتستحق سهما.
3- فقراء مدينة ببا جماعة غير محصورة تستحق سهما.
إذن
عدد السهام 101. قيمة السهم = 101000 = 1000
101
نصيب الطلاب 99.000 لكل سهم. نصيب الآداب 1000، نصيب الفقراء 1000.
والأحكام السابقة هى التى نصت عليها المادة (32).
وبقى حكم لم تنص عليه م (32) وأوضحته المذكرة الإيضاحية، وهو إذا ما أوصى شخص لجماعة محصورة، وجد بعضها والبعض الآخر لم يوجد – وقد عرفت أن الوصية للمعدوم جائزة قانونا استنادا إلى مذهب المالكية – كما لو أوصى لأولاد على وكان الموجود منهم اثنين فقط بينما على قادر على الإنجاب ومتزوج بأربع نسوة كلهن دون سن اليأس مما يعنى أن وجود أولاد آخرين احتمال كبير.
لمعالجة تلك الحالة نصت المذكرة على الآتى :
"ولو كان الموجود حين موت الموصى بعض من يحصون، ويحتمل وجود غيرهم، اتبع فى ذلك ما نص عليه فى المواد 26، 27، 28، 29، كما إذا أوصى لزيد، وولد عبد الله، ومستشفى، فكان الموجود عند موت الموصى: زيدا وثلاثة من أولاد عبد الله، والمستشفى.
فإن الغلة تقسم على خمسة :-
لزيد سهم. ولأولاد عبد الله لكل واحد سهم. وللمستشفى سهم.
وكل من يوجد بعد ذلك من ولد عبد الله يشترك مع من يكون موجودا، وقد سبق أن هذا الحكم مأخوذ من مذهب المالكية.

الفصل الثانى
أحكام الوصية باعتبار الموصى به
عرفنا فيما سبق أن من شروط الموصى به أن يكون مما يجرى فيه الإرث، أو يصح أن يكون محلا للتعاقد حال الحياة، كما أننا استهللنا حديثنا فى الوصية بتعريفها، وقلنا إن المختار من التعاريف هو ما أورده قانون الوصية من أنها "تصرف فى التركة مضاف لما بعد الموت" لما يتضمنه من إدخال وصايا لا تحتملها تعاريف الفقهاء، كالوصية بقسمة أعيان التركة، أو بالتصرف فى عين من أعيانها، أو بإقراض أحد الأصدقاء شيئا منها.
والذى يجرى فيه الإرث، أو يصلح أن يكون محلا للتعاقد حال الحياة قد يكون عينا، أو منفعة، أو حقا ماليا.
فإذا جمعت هذه الأمور إلى بعضها ظهر أن عندنا أنواعا متعددة من الوصية بالنظر إلى الموصى به.
وفى هذا الفصل نعالج الأحكام المتعلقة بهذه الأنواع فى ضوء ما يجرى عليه العمل قانونا، وفى إيجاز غير مخل، وذلك فى المباحث الآتية :-
المبحث الأول : الوصية بالأعيان.
المبحث الثانى : الوصية بالمنافع.
المبحث الثالث : الوصايا الأخرى.

المبحث الأول
الوصية بالأعيان
تمهيد :
الأعيان جمع عين، وقد اصطلح على إطلاقها على نفس المال أو ما تملك رقبته، مقابلة بالمنافع التى تحدث شيئا فشيئا، ولا يملك الموصى له رقبة الشئ، بل يجنى غلته فقط، وعليه فكلما كانت الوصية بتمليك الشئ الموصى به كانت الوصية بعين، سواء أكانت معينة، أو شيئا شائعا فى تركة الموصى.
فإن كانت معينة فقد تكون معينة بالذات، أو بالنوع، وفى كلتا الحالتين يتصور أن يوصى الشخص لآخر بكل العين أو بجزء شائع فيها، أو بكل النوع أو بجزء شائع فيه، فهل تصح الوصية فى هذه الحالات مع عدم وجود هذه العين، أو هذا النوع فى الملك عند إنشاء الوصية، أم لا؟ وبفرض انه عرض للعين أو النوع هلاك كلى أو جزئى فما أثر ذلك على الوصية؟
ثم إذا كانت الوصية بسهم شائع فى التركة فهل يشترط أن يكون معلوما، أى مقدرا كالثلث والربع الخ؟ أم أنه يصح أن يكون مجهولا كالوصية بنصيب وارث معين، أو بنصيب أحد الورثة؟
وأخيرا فقد علمنا أن الوصايا تقدم على الإرث، ومعنى ذلك أن يستوفى الموصى له كامل حقه – فى القدر المشروع – قبل تقسيم التركة، ولكن ما العمل إذا كان فى التركة دين على الغير أو مال غائب، ولم يتفق الموصى له والورثة على طريقة معينة للاستيفاء؟ هل يأخذ الموصى له حقه، ويدع الورثة وقدرهم مع الدين والمال الغائب، أم يأخذ حظا من المال الحاضر، وكلما حضر شئ من الدين والمال الغائب استكمل منه؟
للإجابة على هذه التساؤلات نعرض للمطالب الآتية :-
المطلب الأول
هلاك الموصى به أو استحقاقه وتأثير ذلك على الوصية
قلنا فيما سبق( ) إن الموصى به قد يكون معينا بالذات أو بالنوع أو سهما شائعا فى التركة، وذكرنا أنه إذا كان معينا بالذات فمن شرطه أن يكون موجودا فى ملك الموصى وقت إنشاء الوصية، كما أن من شرطه أن يظل فى ملكه حتى تستوفى الوصية، فإن هلم هلاكا كليا أو استحق كله بطلت الوصية، ولا يلزم لصحة الوصية أن يكون الموصى به المعين بالنوع فى ملك الموصى وقت الإنشاء، ولكن بقاء النوع فى ملك الموصى حتى تستوفى الوصية شرط لبقائها صحيحة، فإذا هلك أو استحق كليا بطلت الوصية، ومتى بطلت الوصية سقط حق الموصى له.
وقد عالجنا هذا سابقا فلا حاجة لذكره هنا.
ويبقى أن نتعرض لأثر الهلاك أو الاستحقاق الجزئى العارض على الموصى به فى الوصية.
كما ينبغى أن نتعرض لأثر الهلاك أو الاستحقاق فى حالة الوصية بجزء شائع، فى جميع مال الموصى، على الوصية.
أولا : أثر الهلاك أو الاستحقاق الجزئى فى الوصية بعين معينة( ).
إذا هلك بعض العين الموصى بها أو استحق، بطلت الوصية فى الجزء الهالك أو المستحق، ونفذت فيما بقى من العين، إن كان يخرج من الثلث.
ثانيا : أثر الهلاك أو الاستحقاق الجزئى إذا كانت الوصية بجزء شائع فى عين معينة( ).
ومثاله أن يوصى له بثلث هذا المنزل، أو ربع هذه الأرض مثلا فالوصية فى هذين المثالين تتعلق بثلث غير معين، أو ربع غير معين، فى عين معينة بالذات.
وفى هذه الحالة إذا هلك بعض المنزل، أو بعض الأرض، أو استحقا فإن الوصية لا تبطل، لأن محلها لم يتعين فى جزء خاص، فتبقى فى الجزء الباقى، لأنها مقدمة على الميراث.
وعندئذ تخرج وصية الموصى له من باقى العين إن وسعها فإن لم يسعها أخذ الباقى كله، وبطل من وصيته بمقدار ما نقص الباقى عن الوصية، وبشرط عام ألا تزيد الوصية بعد الهلاك أو الاستحقاق الجزئيين على ثلث التركة.
مثال
أوصى على لعبد الله بثلث أرضه بزمام مركز ناصر المجاورة الثالثة قطعة نمرة 1، ثم مات عن أب، أم، ابن، ابنة، وترك قطعة الأرض الموصى فيها وقدرها 6 ستة قراريط، وقطعة أخرى بالمجاورة الثانية مساحتها (12) اثنا عشر قيراطا وقبل قبول عبد الله الوصية حكمت محكمة بنى سويف الابتدائية بحق حسن أخى على فى نصف القطعة نمرة 1 إرثا عن أخته بهية. والسؤال ما أثر ذلك على حق الموصى له فى القطعة إذا قبل الوصية؟
والجواب
1- أن القطعة المذكورة استحقت جزئيا فلا تبطل الوصية لعبد الله.
2- أن ما يستحقه عبد الله من العين هو الثلث وهو يساوى 6× 1 =2
3
قيراطين.
3- مجموع التركة بعد الجزء المستحق 12+ 3= 15،ثلثها 15×1 =
3
5ق.
4- الموصى به قيراطان أى أقل من ثلث التركة فتنفذ الوصية فى بعض الباقى.
فإذا فرضنا أن الموصى كان قد أوصى بثلثى العين 6× 2 =4
3
قراريط.
والمستحق كما رأينا نصف القطعة 6× 1 = 3
2
أى أن الباقى أقل من الموصى به، والموصى به أيضا أقل من ثلث التركة 15 قيراط × 1 = 5 قراريط (قدر ثلث).
3
ففى هذه الحالة يأخذ الموصى له الباقى بعد الاستحقاق وهو "3" قراريط، وتبطل الوصية فى القيراط المستحق.
وإن فرضنا أن مساحة قطعة المجاورة الثانية ثلاثة فقط، وبقية الفروض على حالها، (استحق 3قراريط، والوصية بثلثى العين أى أربعة قراريط).
فإن الوصية فى هذا الفرض تبطل أولا فى القيراط المستحق، كما أنها لا تنفذ إلا فى ثلث التركة الباقى بعد الاستحقاق.
6+ 3- 3= 6 قراريط.
الثلث 6 × 1= 2 قيراطا فتنفذ فى قيراطين فقط، ويتوقف نفاذها فى
3
القيراط الثالث على إجازة الورثة.
ثالثا : أثر الهلاك والاستحقاق الجزئى فى حالة الوصية بنوع من المال.
ومثاله كما سبق أن يوصى بسياراته، أو عقاراته المبينة ونحو ذلك، فإن هلكت أو استحقت جزئيا نفذت الوصية فى الباقى إذا لم يتجاوز ثلث التركة، فإن تجاوز الباقى ثلث التركة، أخذ الموصى له مقدار الثلث فقط.
رابعا : أثر الهلاك أو الاستحقاق الجزئى فى حالة الوصية بجزء شائع فى نوع من المال.
ومثاله أن يوصى له بثلث سياراته أو عقاراته، فإذا هلكت بعض السيارات أو بعض العقارات أو استحقت، فله ثلث الباقى إذا لم يجاوز – بعد الهلاك أو الاستحقاق – ثلث التركة.
خامسا : الوصية بعدد محدد فى نوع من المال :
إذا أوصى شخص إلى آخر بثلاث شقق من عقاراته المعدة للإسكان، فهذه وصية بعدد محدد فى نوع من المال.
فإذا هلكت كافة العقارات أو استحقت جميعها بطلت الوصية لفوات محلها.
أما إذا هلكت أو استحقت جزئيا فقد اختلف العلماء فى أثر ذلك على الوصية، وأخذ القانون من آرائهم بقول الإمام ابن الماجشون المالكى، وفحواه أن الموصى له لا يأخذ من الباقى بعد الهلاك أو الاستحقاق إلا مقدار سهمه فيه.
مثال
أوصى له بثلاث شقق من جملة ثلاثين شقة كانت فى ملك الموصى عند إنشاء الوصية، موزعة بالتساوى على عماراته الثلاث، انهارت أو استحقت عمارتان وبقيت واحدة بها عشر شقق.
فهل الموصى له العدد (3) أم يأخذ مقدار السهم (1) أى : 3: 30= 1
10
يقول ابن الماجشون لا يأخذ إلا العشر فقط، أى شقة واحدة.
وقد أثبتت المذكرة الإيضاحية على رأى ابن الماجشون( ) باعتباره ميسورا وعادلا، لأنه يوزع الخسائر على الموصى له والورثة.
بينما يرى الإمام أبو زهرة أن هذه شاردة من شوارد القانون "انحرف بها عن منطقة وقواعده، واعتمد على قواعد أخرى، فبدأ بناؤه غير متجانس فى مظهره وأسسه وجاءت أحكامه نثيرا غير محكم الربط لا تجمعه قاعدة، ولا توحده فكرة، وفيه تلفيق غير متناسق لغير مصلحة راجحة يخشى فواتها"( ).
يقصد إمامنا أنه دام القانون لم يبطل الوصية فى حالة الوصية بجزء شائع فى معين بالذات، هلك أو استحق جزئيا، وإنما قال بنفاذها فى الباقى من العين المعينة دون اكتراث بالورثة، فبيد أن هذه الطريقة غير سليمة إلا أن القانون أخذ بها فكان ينبغى طردها فى الحالات المماثلة ومنها حالة الوصية بعدد محدد فى نوع من المال.
كما أنه خرج عن قواعد ثانية عندما قدر الموصى به باعتبار حال إنشاء الوصية (أوصى بثلاث شقق من ثلاثين فسهم الموصى له العشر) بينما نصوصه الأخرى تشير إلى تقدير الموصى به عند الموت أو عند التنفيذ على اختلاف استخلاص الشراح لمسك القانون فى وقت اعتبار الثلث.
وهو انتقاد نراه فى محله تماما.
سادسا : الوصية بجزء شائع فى جميع المال.
إذا كانت الوصية بجزء شائع فى جميع المال فإنه لا يشترط وجوده عند إنشاء الوصية، ولا يشترط بقاء الموجود منه لصحتها، كل ما يشترط أن يكون للموصى مال عند وفاته.
فإن هلك ماله أو استحق جميعه بطلت الوصية، وإن هلك أو استحق بعضه وبقى بعضه تعلقت الوصية بالباقى عند الوفاة ونفذت فى حدود ثلثه، ولا تنفذ فى الباقى إلا بإجازة الورثة( ).
المطلب الثانى
الوصية بالمجهول
الموصى به أو ملح العقد هو المعقود عليه، والعقود عليه هو لب التصرف، لأنه معقد الرغبات، ومشبع الحاجات، والغاية من الإقدام على العقد، ومقصده البين، ولأهميته تلك تنوعت باختلافه العقود، وسميت بأسماء مختلفة.
ومن البدهى أن يحظى لب التصرف الأعظم بعناية الشارع وتنظيمه، تنظيما يجعله صالحا لتحقيق مقصود الشارع من شرعية التصرفات لتبادل المنافع بين الناس، والتوصل إلى ما يحتاجون إليه فى حياتهم ومعايشهم على أتم نظام وأكمله.
ولا يتصور أن يتحقق النظام التام الكامل مع جهالة تفضى إلى التنازع والمشاحنة، والبغضاء بين الناس، لذا توافرت النصوص التى تنهى عن التعامل على محال مشتملة على غرر وجهالة فى ذاتها أو أوصافها التى يختلف الجنس باختلافها، ومنها اعتبر أن الأصل فى العقود أن تفسد بجهالة محالها( ).
ولكن هذا التخوف إذا صح فى عقود المعوضات التى تقوم على المماكسة وتستهدف الربح، فإنه يضعف جدا فى التبرعات وقد شرعت للتزود والتقوى، والمساهمة فى فعل الخير.
وتحقيقا لتشوف الشارع إلى البر جازت الوصية بالمجهور توسعة على الموصى، وتحقيقا لنفع الموصى له ما أمكن، وإمضاء للتصرف كلما أمكن رفع الجهالة ولو فى المستقبل، ولو بطريق غير المتصرف، كالورثة، أو ولى الأمر بما له من "ولاية عامة تجعله ذا صلة بكل إنسان"( ).
ومن صور الجهالة فى الوصية أن يقول :-
1- أوصيت لفلان بجزء من مالى أو بشئ منه، فإن الوصية تنعقد ويطلب الموصى أن يعين، فإن لم يفعل قام ورثته مقامه، ويسوغ لهم أن يذكروا أى قدر من المال بشرط أن يكون مفيدا.
2- أو أن يقول أوصيت لفلان بسهم من مالى، فإن لم يعين فللورثة أن يعينوا، وقيل يعطى السدس، وقيل يعطى بمثل أقل نصيب يستحقه أحد الورثة، فلو كان له بنت، وبنت ابن وأم وزوجة، وأوصى لشخص بسهم، أعطى الموصى له الثمن، مثل سهم الزوجة الذى هو أقل نصيب يستحقه وارث.
وأشهر صور الوصية بالمجهول الوصية بمثل نصيب وارث، وبنصيب أحد الورثة.
والقانون وإن لم يصرح بجواز الوصية للمجهول إلا أنه ذكر صورا من الوصية بالمجهول، كما سكت عن شرط العلم بالموصى به، مما يفيد اتجاهه إلى الأخذ بالوصية بالمجهول، فإذا أوصى شخص لآخر بمجهول صحت وصيته قانونا، واستحق الموصى له القدر الذى عينه القانون إن كان منصوصا عليه فيه، فإن لم يكن منصوصا عليه قانونا استحق الموصى له على أساس أرجح الأقوال فى المذهب الحنفى.
وفيما يلى نستعرض أشهر صور الوصية بالمجهول وكيفية استخراجها.
أولا : الوصية بنصيب وارث معين :
مثال لوصية بنصيب وارث معين أن يقول الموصى أوصيت لفلان بنصيب ابنى، أو بمثل نصيب ابنى.
فإن قال بمثل نصيب ابنى، وقد مات وترك فعلا ابنا، فإن الوصية صحيحة باتفاق، لأنها ليست بشئ مملوك للغير حتى تمنع.
أما أن قال أوصيت لفلان بنصيب ابنى فقد اختلف الفقهاء فى صحة هذه الوصية :
1- فذهب أبو حنيفة وصاحباه وبعض الحنابلة إلى القول بعدم صحة هذه الوصية، لأن نصيب الابن هو ما يحصل عليه بعد موت الموصى، فتكون الوصية به وصية بشئ مملوك للغير فلا تصح.
2- ويرى الإمام زفر – من الحنفية – وجمهور الفقهاء أن الوصية صحيحة لإمكان حمل اللفظ على مجازة، فيحمل كلام الموصى على أنه أراد تحديد المقدار الموصى به، لا الوصية بنفس هذا المقدار، فكأنه قال أوصيت بمثل نصيب ابنى.
والراجح هو قول الجمهور تصحيحا لكلام العاقل.
وقد نص القانون على الوصية بمثل نصيب وارث معين، والوصية نصيب الوارث المعين وأن لم ينص عليها القانون إلا أن المذكرة الإيضاحية أشارت إليها، وسوف بينها وبين الوصية بمثل نصيب الوارث المعين فى الحكم، مما يفيد الأخذ بمذهب الجمهور فى ذلك.
وتستخرج الوصية بنصيب وارث معين أو بمثل نصيبه بالطريقة الآتية:-
(1) تقسم التركة بين الورثة الموجودين بالسهام بصرف النظر عن الوصية.
(2) يزاد على مجموع سهام الورثة جميعا عدد من السهام للموصى له يساوى نصيب الوارث، أو مثل نصيبه.
(3) تقسم التركة على هذه السهام كلها لتحديد قيمة السهم.
(4) نضرب عدد سهام الموصى له فى قيمة السهم، فيكون الناتج هو مقدار الوصية.
(5) ولكى تخرج الوصية من القدر الجائز الإيصاء به تنسب سهام الموصى له إلى مجموع السهام كلها، فإن كانت سهام الموصى له فى حدوث ثلث السهام كلها نفذت الوصية من غير إجازة أحد من الورثة، وإن كانت أكثر توقف نفاذها فى الزائد على إجازة الورثة، فإن أجازوها نفذت، وإن لم يجيزوها أعطى الموصى له الثلث فقط، وقسم الثلثان على الورثة طبقا لقواعد الميراث.
وإليك الأمثلة التطبيقية على ذلك :
(1) أوصى شخص لآخر بمثل نصيب ابنه، ثم مات الموصى عن أربعة أبناء وترك 5000 خمسة آلاف جنيه.
الحل
الورثة عدد السهام النصيب الموصى به
4 4 لكل ابن سهم سهم واحد "نصيب ابن"
إذن عدد السهام جميعا (5) خمسة أسهم.
قيمة السهم 5000 = 1000جنية للسهم الواحد
5
قيمة الوصية 1× 1000= 1000جنيه.
نسبة سهام الموصى له إلى السهام جميعا: 1 : 5= 1 أى أقل من الثلث
5
فتنفذ دون توقف على إجازة أحد.
(ب) أوصى لجمعية رعاية الأيتام بمثل نصيب ابنته، ومات عن: بنت. بنت. ابن. أخ ش، وترك 39 فدانا.
الحل
الورثة : بنت بنت ابن أخ شقيق
الفروض : 1
2 1
6 الباقى
السهام والأصل : 3 1 2 = 6
يزاد الموصى له مثل سهام البنت 6+ 3= 9.
قيمة السهم 39÷ 9= 3 3 = 1 3
9 3
نظرا للكسر تحول الأفدنة إلى قراريط 39 × 24= 936= 104قيراطا
9
للسهم الواحد.
نسبة الموصى له إلى جملة السهام 3 : 9 = 1 : 3 = 1
3
فتنفذ الوصية دون توقف على إجازة أحد.
مقدار الوصية = 104 × 3 = 312 قيراطا.
نصيب النبت = 104 × 3 = 312 قيراطا.
نصيب بنت الابن = 104 × 1 = 104 قيراطا.
نصيب الأخ = 104 × 2 = 108 قيراطا.
إجمالى الأنصبة والوصية = 936.
* أوصت إلى جمعية الرفق بالحيوان بنصيب ابنها وماتت عن ابن وأم وأب وتركت 15 فدانا، أجاز الابن والأم الوصية ورفضها الأب.
الورثة أم أب ابن
الفروض والأصل 1
2 1
6 الباقى والأصل 6
السهام 1 1 4
مجموع السهام للورثة والموصى له 6+ 4= 10.
قيمة السهم 15 فدانا × 24 قيراطا ÷ 10= 36 قيراطا.
نسبة سهام الموصى له إلى مجموع السهام = 4 : 10 وهى أكثر من الثلث، لأن الثلث = 10 × 1 = 3.333 تقريبا.
3
ونظرا لأن بعض الورثة أجاز والبعض الآخر رفض فإن المسألة مرتين.
أولا : على أساس إجازة جميع الورثة :
قيمة السهم : التركة = 360 قيراطا = 36 قيراطا.
عدد السهام 10
مقدار الوصية = 36 × 4 = 144.
نصيب الابن = 36 × 4 = 144.
نصيب الأب = 36 × 1= 36.
نصيب الأم = 36 × 1 = 36.
ثانيا : على أساس رفض الجميع.
مقدار الوصية = 360 × 1 = 120 قيراطا.
3
الباقى بعد الوصية = 360 – 120 = 240.
تقسم على الورثة.
السهام والأصل 1 + 1+ 4 = 6.
قيمة السهم: 240 = 40 قيراطا.
6
نصيب الابن 40 × 4 = 160.
نصيب الأب 40 × 1 = 40.
نصيب الأم 40 × 1 = 40.
ويعامل كل وارث على حسب موقفه من الإجازة والرفض.
فيعطى الابن 144. وتعطى الأم 36. ويعطى الأب 40. المجموع 220.
إذن مقدار الوصية = 360 – 220 = 140 قيراطا.
ثانيا : الوصية بنصيب وارث غير معين أو بمثل نصيبه :
وهذه الوصية جائزة فى رأى جمهور الفقهاء لإمكان تعيين النصيب، ولكن يفرق فى استخراجها بين فرضين.
الفرض الأول :
أن يكون ورثة الموصى جميعا متساوين فى السهام، وذلك كما لو أوصى له بنصيب وارث وترك ثلاثة أبناء فقط، حيث إن أنصبة الأبناء فى الإرث متساوية.
وفى هذه الحالة يفرض للموصى له مثل سهام أحدهم ويزاد على أصل الفريضة، وتحدد قيمة السهم عن طريق قسمة التركة على عدد السهام جميعا.
ويحدد مقدار الوصية على أساس ضرب قيمة السهم الواحد فى عدد سهام الموصى له.
فإن كان الناتج الثلث فما دون فالوصية نافذة، وإن كان أكثر توقف النفاذ فى الزائد على إجازة الورثة.
أمثلة
(أ) أوصى لعلاء بنصيب وارث ومات عن خمسة أبناء وترك 6000جنيه.
الحل
عدد الورثة وسهامهم الموصى له وسهمه المجموع
5 1 6
قيمة السهم = 6000 = 1000 جنيه.
6
قيمة الوصية 1000 × 1 = 1000 جنيه.
نسبة الموصى به إلى مجموع السهام = 1 : 6 أى السدس فتنفذ دون توقف على إجازة.
الفرض الثانى : أن يكون ورثة الموصى متفاوتين فى السهام ومثاله أن يوصى بمثل نصيب وارث غير معين ويموت عن :
زوجة أم أخ ش بنت ابن
1
8 1
6 الباقى 1
2
وكما هو واضح فإن سهام الورثة متفاوتة نظرا لتفاوت الفروض.
وتحل المسألة على أساس أن يعطى الموصى له سهاما مثل سهام أقل الورثة. كما يبين لك من الأمثلة الآتية :
(أ) أوصى لخالته بمثل نصيب وارث غير معين ومات عن :
زوجة أم بنت ابن أخ ش وتركة 9 أفدنة
الحل
زوجة أم بنت ابن أخ ش موصى له بمثل نصيب وارث
1
8 1
6 1
2 الباقى ع
أصل المسألة 24
3 4 12 5 3
عدد السهام جميعها = 3 + 4 + 12 + 5 + 3 = 27 سهما.
قيمة السهم = 9 × 24 = 216 = 8 قراريط.
27
قيمة الوصية = 8 قراريط × 3 = 24 قيراطا.
نسبة الموصى به إلى مجموع السهام = 3 : 27 = 1 : 9 أى التسع فلا يحتاج نفاذها إلى إجازة أحد.
(ب) أوصى لجمعية المحافظة على القرآن الكريم بمثل نصيب وارث غير معين من تركته البالغة 250 ألف جنيه، ومات عن :
زوجة بنت بنت ابن أم أخ ش موصى له بمثل نصيب وارث
1
8 1
2 1
6 1
6 الباقى
أصل المسألة 24
3 12 4 4 1 1
مجموع السهام كلها = 3 + 12 + 4 + 4 + 1 + 1 = 25 سهما.
قمة السهم = 250 ألف = 10.000 عشرة آلاف جنيه.
25
قيمة الوصية = 10.000 × 1 = 10.000 جنيها.
نسبة الموصى به إلى مجموع السهام 1 : 25 وهو دون الثلث بكثير.
وهكذا نلاحظ أننا نقوم أولا باستخراج سهام الورثة، ثم يعطى الموصى له مثل أقل نصيب موجود، ثم تجمع سهام الورثة الموصى له وتعتبر أصلا جديدا للمسألة تستخرج على أساسه قيمة السهم.
ويعرف مقدار الوصية بضرب قيمة السهم الواحد فى عدد سهام الموصى له.
ثالثا : الوصية بنصيب وارث وبسهم شائع فى التركة :
وهذه صورة من صور تزاحم الوصايا، ومثالها: أن يوصى لعلى مثلا بربع تركته، ويوصى لعثمان بنصيب وراث.
وقبل الخوض فى كيفية استخراج هذه الوصايا يجب أن نتبه إلى أن عبارة "بنصيب وارث" تفيد بظاهرها "وارث غير معين" فنصرف المقصود إليها، إذ لو أريد نصيب وارث معين لنص عليه، وبالتالى فإننا يجب أن ننتبه لألفاظ الوصية، لأن نصيب الوارث المعين قد يكون أكبر أنصبة التركة، بينما فى حالة الوصية بنصيب وارث غير معين يعطى الموصى له أقل نصيب لوارث.
أما عن طريقة استخراج الوصايا فى هذه الحالة فتتبع الطريقة الآتية :
1- توزع التركة بين الورثة والموصى له بنصيب الوارث أو بمثله كأنه لا وصية غيرها مع ملاحظة أن الوارث قد يكون معينا أو غير معين.
2- يعطى لكل وارث ما يخصه من السهام، ثم يعطى الموصى له ما يخصه من السهام بحسب النصيب الموصى به، على أساس التعيين وعدمه.
3- تجمع سهام الورثة، وسهام الموصى له ثم تنسب سهام الموصى له بنصيب وراث – معين أو غير معين – إلى مجموع السهام.
4- تجمع الوصيتان "الوصية بنصيب وارث والوصية بسهم شائع"، فإن كانت الوصيتان فى حدود الثلث نفذتا دون حاجة إلى إجازة الورثة، وإن كانتا قد تجاوزتا الثلث نفذت الوصيتان فى حدود الثلث، وتوقف النفاذ فى القدر الزائد على الثلث على إجازة الورثة فإن أجازوها نفذت، وإن رفضوا قسم الثلث بين الوصيتين بنسبة كل منهما.
وإليك الأمثلة التوضيحية :
(أ) أوصى شخص لابن خالته بربع تركته ولكلية الحقوق بمثل نصيب ابنه ومات عن ابنين وترك 8400 جنيه.
الحل
الورثة ابنان الموصى له بنصيب الابن
السهام 1 + 1 1
مجموع السهام = 1 +1 + 1= 3.
قيمة السهم = 8400 ÷ 3= 2800.
مقدار الوصية = 2800× 1= 2800.
نسبة الوصية إلى مجموع السهام 1 : 3 أى الثلث.
مجموع الوصيتين = 1 + 1 = 3 + 4 = 7 أى أكثر من الثلث.
3 4 12 12
لأن الثلث = 12 × 1 = 4.
3
لذا فإن نفاذ الوصيتين معا يتوقف على إجازة الورثة، فإن أجازوها قسمت التركة على النحو الآتى :-
نصيب الموصى له بربع التركة "ابن الخالة" :-
8400 × 1 = 2100 جنيها
4
نصيب الموصى له بمثل نصيب الابن "كلية الحقوق" :-
8400 × 1 = 2800 جنيها
3
مجموع الوصيتين = 2100 + 2800 = 4900جنيها.
الباقى من التركة = 8400 – 4900 = 3500جنيها.
تقسم بين الابنين = 3500 = 1750 لكل ابن.
2
وإن رفض الورثة الوصيتين فى القدر الزائد وزعت التركة على النحو الآتى :
مقدار الوصيتين معا 8400 × 1 = 2800 جنيها
3
يقسم بين الوصيتين بنسبة كل منهما أى 3 : 4 "1 + 1 "
3 4
وتستخرج هكذا :
1 + 1 = 4 + 3 حيث إن 12 هى المقام الذى يقبل القسمة على
3 4 12 12
الكسرين دون باق، والمجموع = 7
12
للكلية 4 : 7 ولابن الخالة 3 : 7
نصيب الكلية = 2800 × 4 = 1600جنيه.
7
نصيب ابن الخالة = 2800 ×3 = 1200جنيه.
7
الباقى بعد الوصيتين :
8400 – 2800 = 5600 يوزع على الابنين بالتساوى.
مثال (2)
أوصى لمكتبة كلية الحقوق بربع تركته ولكلية الآداب بنصيب وارث غير معين، ومات عن : أم ، أب، بنت صلبية، زوجة وترك 18 فدانا.
الورثة : أم أب بنت صلبية زوجة موصى له بمثل نصيب وارث
الفروض : 1
6 1
6
(والباقى) 1
2 1
8
أصل المسألة 24
4 5 12 3 3
مجموع السهام = 24 + 3= 27.
قيمة السهم = 108 ÷ 27 = 4 أفدنة.
مقدار الوصية بنصيب وارث = 4 × 3= 12 فدان.
نسبة الوصية بنصيب وارث = 3 : 27 أى التسع.
مجموع الوصيتين معا = 1 + 1 = 4 + 9 = 13 وهذا المقدار يزيد
9 4 36 36 36
على الثلث لأن الثلث = 36 × 1 = 12.
3
وبالتالى فإن نفاذ الوصيتين بمقداريهما يتوقف على إجازة الورثة فإن أجازوهما نفذت الزيادة وقسمت التركة على النحو التالى :
نصيب الموصى له بربع التركة "كلية الحقوق".
108 × 1 = 27 فدانا.
4
مجموع الوصيتين معا = 27 + 12= 39 فدانا.
الباقى من التركة: 108- 39= 69 فدانا.
تقسم على النحو التالى :
قيمة السهم = 69 وهى لا تقبل دون كسر لذا فإننا نحول الأفدنة إلى
24
قراريط = 69 ×24 = 1656 قيراطا = 69 قيراطا للسهم الواحد.
24 سهما
نصيب الأم 69 × 4 = 276 قيراطا.
نصيب الأب 69× 5 = 345 قيراطا.
نصيب البنت 69× 12 = 828 قيراطا.
نصيب الزوجة 69 × 3= 207 قيراطا.
وإن لم يجز الورثة الزيادة وزعت التركة على النحو التالى :
مقدار الوصيتين معا 108 × 1 = 36 فدانا.
3
تقام بنسبة 4 : 9
فيعطى الموصى له بنصيب وارث غير معين 36× 4 =
13
11.076تقريبا.
ويعطى للموصى له بالربع 36 × 9 = 24.924 تقريبا.
13
والباقى من التركة 108 – 36= 72 فدانا تقسم على الورثة.
قيمة السهم = 72 = 3 أفدنة.
24
نصيب الأم = 3 × 4 = 12 فدانا.
نصيب الأب = 3 × 5 = 15 فدانا.
نصيب البنت = 3 × 12 = 36 فدانا.
نصيب الزوجة = 3 × 3 = 9 فدان.
رابعا : الوصية بنصيب وارث وبعين من التركة :
ومثالها : أن يقول أوصيت لعثمان بمثل نصيب ابنى، وبهذا المصنع، أو يقول : أوصيت لحسام بنصيب وارث ولعلاء بهذا العقار.
ولاستخراج الوصية فى هذه الوصية يجب أولا أن تقدر العين المعينة بالقيمة، ثم تنسب هذه القيمة إلى التركة كلها لتحديدها بالثلث أو الربع ونحو ذلك، ومتى ذلك كانت الوصية بعين معينة كأنها وصية بسهم شائع فى التركة كالثلث والربع ونحو ذلك، وتحل بمثل طريقة الحل السابقة.
فمثلا
إذا أوصى شخص لآخر بقطعة أرض زراعية معينة، وكانت قيمتها عند وفاته تقدر بستة آلاف جنيه، وأوصى لشخص آخر بمثل نصيب ابنه ومات عن ولدين وترك ما تقدر قيمته بست وثلاثين ألف جنيه.
الحل
أولا : تنسب قيمة العين "القطعة الزراعية" إلى التركة كلها لتحديد نسبتها من التركة = 6000 : 36000 = 6 : 36 = 1 : 6 = سدس التركة.
ثانيا : الوصية بنصيب ابن = ابنان = موصى له بنصيب ابن
1+1 1
إذن مجموع السهام = 2 +1= 3 أى أن الوصية هنا بالثلث.
مجموع الوصيتين 1 + 1- 2+ 1 = 3 = 1 التركة.
3 6 6 6 2
وقطعا هذا المقدار يزيد على ثلث التركة فيتوقف نفاذه على إجازة الورثة فى الزائد على الثلث، فإن أجازوها نفذت فى الثلث والزائد، وإن لم يجيزوها نفذت فى الثلث فقط، ويقسم الثلث بين الموصى له بقطعة الأرض الزراعية والموصى بمثل نصيب الابن بالمحاصة أى بنسبة سهام كل منهم.
ثلث التركة = 36000 × 1 = 12000
3
نصيب الموصى له بنصيب وارث = 12000 × 2 = 8000 جنيه.
3
نصيب الموصى له بالقطعة الزراعية = 12000 × 1 = 4000جنيه.
3
ويقسم الباقى بين الابنين قسمة ميراث عادية.
خامسا : الوصية بنصيب وارث، وبقدر محدد من النقود :
وصورتها أن يوصى لشخص بنصيب وارث معين أو غير معين، ويوصى لآخر بقدر محدد من النقود، وتستخرج الوصية فى هذه الصورة أن تقدر التركة كلها ثم تنسب إليها النقود لتصبح بعد ذلك كالوصية بسهم شائع فى التركة ويسلك فى استخراج الوصية نفس الطريقة التى اتبعناها فى الصورة الثالثة.
المطلب الثالث
الوصية المتعلقة بتركة فيها دين
على الغير أو مال غائب
كما يرد أن يموت الشخص مدينا لأحد الناس يتصور أن يموت دائنا لواحد أو أكثر، والغالب أن تكون التركة كلها حاضرة أى موجودة بمحل افتتاح التركة، غير أن هذا غير محتم، فقد تكون بعض أعيان التركة غائبة، ومثالها الشهير اليوم أن تكون التركة أو بعضها بضاعة على ظهر سفينة محتجزة بأحد الموانى لسداد، ما عليها من رسوم، أو ودائع ببعض البنوك صدر قرار سياسى بعدم التصرف فيها، أو قرار قضائى بالتحفظ على جملة الودائع – والتركة من بينها – لاستكمال إجراءات التحقيق، ونحو ذلك.
فإن مات الموصى وهو دائن لبعض الناس – وعلى ما سيأتى فإن أجال الديون لا تحل بموت الدائن على الراجح فقها، والمعمول به قانونا – أو كانت تركته بعضها غائبة فما أثر ذلك على تنفيذ الوصية؟
بداهة أن التركة إن كانت كلها ديونا أو أموالا غائبة، أو مجموعا منهما فإن تنفيذ التركة يؤخر إلى اقتضاء الديون أو حضور الأموال، أو حصول الأمرين معا، فإن حضرت بعض الأموال أو استوفيت بعض الديون، فإنه يجب تقسيمها بين الورثة والموصى له بنسبة أنصبائهم.
أما أن كان بعض التركة مالا حاضرا، والبعض الآخر غائبا أو يدونا، أو كانت خليطا من الثلاثة، نظرنا :-
فإن كان هناك اتفاق بين الورثة والموصى له على طريقة استيفاء الوصية عمل بمقتضاه.
وإن لم يكن هناك اتفاق وجب اتباع الآتى :
أولا : إذا فرضنا أن فى التركة دينا على وارث :
فإن كان الدين مؤجلا فالموصى له لا يحق له أن يأخذ أكثر من نصيبه من الأموال الحاضرة فقط فى نطاق الثلث، وإن نقص عن مقدار ما يستحقه، فلا يكمل له مقدار الوصية إلا بعد حلول موعد الوفاء بالدين.
وإن كان الدين حالا نظرنا :
أ- فإن كان الدين مساويا لنصيب الوارث المدين فى المال الحاضر أو أقل منه :
فللموصى فى هذه الحالة أن يأخذ وصيته كلها إن كانت لا تزيد على ثلث المال الحاضر فعلا، مضافا إليه ما على الوارث من دين، ولا يؤجل منها حينئذ شئ، مع مراعاة أن الدين إن كان من جنس الأموال الحاضرة من التركة فإن المقاصة تقع بينه وبين نصيب الوارث المدين، وإن كان الدين المستحق الأداء على الوارث من غير جنس المال الحاضر فلا تقع المقاصة، وإنما يعتبر نصيب الوارث المدين بمثابة الرهن عند الموصى له والورثة الآخرين فى الدين الذى عليه، فإن وفاهم وإلا طلبوا من القاضى أن يبيع منه المقدار اللازم للوفاء بالدين.
مثال
أوصى شخص لآخر بثلث ماله ومات عن ولدين، أحدهما مدين لأبيه بمائتى جنيه، وترك فضلا عن الدين عقارا قيمته أربعمائة جنيه مثلا.
الحل
ثلث التركة = 600× 1 = 200، أى أن التركة تقسم بينهم أثلاثا.
3
المال الحاضر قيمته 400جنيه، والدين ليس من جنس المال الحاضر، ولذلك فإن العقار يعتبر رهنا لدى الموصى له والابن الآخر غير المدين، قبل وفاهما المدين ثلثى ما عليه من الدين استرد ثلثه فى العقار، وإن لم يوف طلب الموصى له والابن الآخر إلى المحكمة بيع نصيب المدين ويستوفيان حقيهما منه.
وإن كان ما ترك الميت غير الدين مبلغا نقديا يبلغ 400جينه تقاص الموصى له والمدين، لأن نصيب المدين من التركة 200جنيه، وما عليه من دين 200جنيه أيضا، فيستحق الموصى له الثلث 200، وللابن الآخر 200، ولا شئ للمدين لأنه استوفى حقه بطريق المقاصة.
ب- وإن كان الدين الذى على الوارث أكثر من نصيبه فى المال الحاضر:
فإنه يعتبر منه مالا حاضرا مقدار ما يساوى نصيب هذا الوارث فى المال الحاضر، وما زاد على ذلك يعطى حكم الدين على الأجنبى.
وعلى ذلك فإن الموصى له يأخذ وصيته من الأموال الحاضرة فعلا مضافا إليها من دين الوارث ما يساوى مقدار حصته فى الأموال الحاضرة فقط. فإن خرجت الوصية من هذا المقدار فبها، وإلا أخذ نصيبه من الحاضر، واستوفى الباقى من الدين بعد استيفائه.
مثال
أوصى لخص بربع تركته، ومات الموصى عن ابنين أحدهما مدين لأبيه بألف جنيه، وترك الميت غير الدين ألفا أخرى.
أصل المسألة (4) للابنين (3) وللموصى له (1)
والثلاثة لا تقسم على (2) عدد رؤوس الأبناء دون كسر فتصحح المسألة بضربها فى 2 = 4 ×2 = 8.
للموصى له 2، ولكل ابن 3.
تسقط الابن المدين من أصل المسألة، فيصبح الأصل (5) 8- 3=5 تعتبر أصلا تقسم على أساسه الألف الحاضرة 1000 = 200 مقدار السهم.
5
نصيب الموصى له فى المال الحاضر = 200× 2= 400 جنيه.
نصيب الابن غير المدين = 200× 3= 600 جنيه.
وعلى أساس نصيب الابن الخالى يقدر نصيب الابن المدين لتساويهما فى الاستحقاق، يعنى كأنه استوفى 600جينه أيضا.
وعلى ذلك تكون التركة الحاضرة 600 + 600+ 400= 1600.
وقد نفذت الوصية فى ربعها 400 : 1600 = 1 : 4 = 1
4
أما باقى الدين وهو = 2000 – 600 = 400 فيعد مالا غائبا.
للموصى له منه "100" حتى يستكمل حقه فى الربع 2000 = 500
4
فكلما حضر منه شئ تقاضى ربعه حتى يستوفى حقه.
ثانيا : إذا كان فى التركة دين على أجنبى "أى غير وارث" أو مالا غائبا.
يفرق العلماء فى هذه الصورة بين أربعة فروض، بعضها محل اتفاق فى كيفية الاستخراج، والبعض الآخر محل خلاف بين الفقهاء، وسنكتفى بالبيان على أساس ما أخذ به القانون.
الفرض الأول : إذا كان فى التركة ما ذكرنا وكانت الوصية بمقادر معلوم من النقود.
ومثالها : أن يوصى لشخص بمبلغ معين من النقود، ومن بين عناصر التركة مال غائب أو دين على أجنبى غير وارث.
ففى هذه الحالة ننظر :-
فإن أمكن خروج النقود الموصى بها من ثلث المال الحاضر أخذها الموصى له كلها، وإن لم يكن الحاضر أموالا سائلة يباع من أعيان التركة يقدر ما يفى للموصى له بحقه.
وإن لم يمكن خروجها من ثلث المال الحاضر، أخذ الموصى له من هذا المال بقدر ثلث هذا المال، ثم يستوفى باقى حقه مما يحضر بعد ذلك من المال الغائب أو يستوفى من الدين، بشرط ألا يزيد على ثلث ما يحضر أو يستوفى.
مثال
أوصى شخص لآخر بخمسمائة جنيه، وكانت الأموال الحاضرة من التركة تقدر بألف وخمسمائة.
والحل
أن الموصى له يستوفى كامل حقه 500جنيه لأنه يخرج من ثلث المال الحاضر 1500× 1 = 500جنيه.
3
"وإذا كان المثال بحاله غير أن الأموال الحاضرة تقدر بستمائة جنيه وفى التركة أموال غائبة وديون تقدر بتسعمائة جنيه.
فالحل
أن الموصى له يستحق ثلث المال الحاضر 600 = 200جنيه، وكلما
3
حضر شئ من المال الغائب أو استوفى شئ من الدين أخذ الموصى له ثلثه فقط حتى يستوفى كامل حقه500، أو يضيع باقى الحق بضياع المال الغائب أو عدم وفاء الديون.
وبعبارة موجزة يستوفى الموصى له من المال بما لا يضر بالورثة، بل يشاركهم فى الغرم والغنم.
الفرض الثانى : إذا كن فى التركة ما ذكرنا والوصية بعين معينة:
وصورتها : أن يوصى لشخص بهذه الدار، أو بوديعته فى بنك كذا تحت رقم كذا، أو بهذه السيارة، ثم يموت دائنا لفلان بمبلغ "كذا" أو قبل أن يفرج عن البضائع المحتجزة بميناء "كذا".
وطريقة استيفاء الوصية من هذه التركة – بناء على مذهب الإمام أبى الوليد الباجى المالكى، والتى أخذ بها قانون الوصية – تتم على النحو الآتى :-
أولا : ننظر فى نسبة قيمة العين معينة الموصى بها إلى بقية المال الحاضر.
ثانيا : إذا كانت قيمة العين لا تزيد على ثلث المال الحاضر، فإن الموصى له يستحق العين كلها.
ثالثا : وإذا كانت قيمة العين تزيد على ثلث المال الحاضر استحق الموصى له من قيمة هذه العين ما يساوى الثلث فقط، أما باقى العين فيدخل فى ملك الورثة، وكلما حضر من المال الغائب شئ، أو استوفى من الدين استحق الموصى له ثلثه وهكذا حتى يستوفى الموصى له قيمة المقدار الذى ملكه الورثة فى العين.
ومعنى ذلك أن الموصى له بالعين يستوفى بعض وصيته بنفس العين الموصى بها، وبعضها بقيمتها.
مثال
أوصى لمركز شباب أهناسيا بقطعة أرض معينة لإعداد ملعب للكرة الطائرة، قيمتها تقدر بخمسة آلاف جنيه، ثم مات عن تركة تقدر بثلاثين ألف جنيه، الحاضر منها عشرة آلاف وقطعة الأرض، والغائب منها دين على أحد الناس قدره عشرة آلاف جنيه، وبضاعة محتجزة بميناء السويس لظروف الشحن بمبلغ خمسة آلاف جنيه.
الحل
فى الصورة التى أمامنا قطعة الأرض لا تزيد على ثلث المال الحاضر.
لأن قيمة العين خمسة آلاف ومجموع المال الحاضر يساوى خمسة عشر ألفا، وعلى أساس ذلك يستحق الموصى له العين كلها.
ولكن
إذا افترضنا أن المال الحاضر كان تسعة آلاف جنيه فقط، قيمة العين الموصى بها من هذا المال تساوى خمسة آلاف جنيه، فإن الموصى له يستحق من العين ما يعادل ثلاثة آلاف جنيه فقط، قدر ثلث المال الحاضر، وباقى العين يستحقه الورثة.
وكلما حضر من المال الغائب – أو استوفى من الدين – شئ أخذ الموصى له ثلثه حتى يستوفى باقى الوصية وهو قيمة 2 العين التى استولى عليها
5
الورثة، والذى يقدر بألفى جنيه.
وحاصل ذلك :
أنه فى حالة الوصية بقدر محدد من النقود، أو بعين معينة فإننا نستخرج القدر الموصى به إن كان يخرج من ثلث المال الحاضر، وإن كان لا يخرج منه فإن الموصى له يأخذ من النقود المحددة أو العين المعينة ما يعادل ثلث المال الحاضر، وكلما حضر من المال الغائب، أو استوفى من الدين شئ أخذ الموصى له منه قدر الثلث حتى يستوفى كامل حقه.
فإن لم يحضر أو يستوف شئ فليس للموصى له غير ما أخذ.
وبذلك نصت المادة 43 من القانون بقولها.
"إذا كانت الوصية بقدر محدد من النقود أو بعين وكان فى التركة دين أو مال غائب فإن خرج الموصى به من ثلث الحاضر من التركة استحقه الموصى له، وإلا استحق منه بقدر هذا الثلث وكان الباقى للورثة، وكلما حضر شئ استحق الموصى له ثلثه حتى يستوفى حقه".
الفرض الثالث : إذا كانت التركة على وصفنا وأوصى بسهم شائع فى التركة كلها :
ومثالها : أن يوصى بثلث ماله أو ربعه أو خمسه وهكذا.
ونظرا لأن الموصى له يعتبر شريكا فى التركة كلها لشيوع حقه فيها فإنه يستحق من المال الحاضر بنسبة سهمه فقط، وكلما حضر أو استوفى شئ أخذ الموصى له منه بنسبة سهمه فقط أيضا، وإن تلف المال الغائب أو توى الدين كان الموصى له كالورثة فى تحمل الضرر.
مثال
أوصى لعلى بربع ماله، ومات عن مال حاضر قدره أربعة آلاف جنيه، ودين فى ذمة حسان قدره أربعة أخرى – وترك بنت، بنت ابن، أب.
فالموصى له يستحق من المال الحاضر ألف جنيه فقط، ويستحق الورثة الباقى، وكلما حضر من الدين شئ استحق الموصى له فيه بنسبة سهمه حتى يستكمل ألفى جنيه، قدر الوصية، فمثلا إذا استوفى من الدين 1000جنيه استحق الموصى له منها 250 جنيه.
وعلى ذلك نصت المادة 44 بقولها :
"إذا كانت الوصية بسهم فى التركة، وكان فيها دين أو مال غائب، استحق الموصى له سهمه فى الحاضر منها، وكلها حضر شئ استحق سهمه فيه".
الفرض الرابع : إذا كان فى التركة دين أو مال غائب، وقد أوصى الميت بسهم شائع فى نوع معين من أنواع التركة :
ومثالها : أن يوصى بنصف أرضه الزراعية، أو بثلث عقاراته أو بربع أسهمه فى شركة تجارية معينة.
فلاستخراج الوصية فى هذه الحال يفرق بين حالتين :-
الحالة الأولى : أن يكون النوع بسهم فيه حاضرا كله، فإن كان كذلك أخذ الموصى له سهمه فيه بشرط ألا يزيد ما يأخذه على ثلث الأموال الحاضرة من التركة، فإن زاد على ذلك أخذ الموصى له الثلث فقط وأخذ الورثة الباقى، فإذا حضر شئ من المال الغائب أو الدين أخذ الموصى له من هذا النوع بمقدار ثلث المال الذى حضر، وهكذا إلى أن يستوفى وصيته.
وكمثال على ذلك :
أوصى لشخص بنصفه أرضه الزراعية، ثم مات وترك ستة أفدنة وديونا، أو أموالا غائبة تقدر بقيمة الأرض، فنظرا إلى أن نصب الأرض الزراعية لا يخرج من ثلث المال الحاضر فإن الموصى له لا يأخذ إلا الثلث فقط "فدائنين" وكلما حضر من المال الغائب أو استوفى من الدين شئ أخذ الموصى له بمقدار ثلث ما حضر من قطعة الأرض التى تحت أيدى الورثة حتى يستوفى نصف الأرض الموصى له به.
فمثلا إذا قدرنا أن ثمن فدان الأرض 24ألف جنيه، والمال الغائب 24×6 = 144ألف جنيه، فإذا حضر من هذا المال 24ألف جنيه، كان للموصى له الحق فى ثلثها، وهو ثمانية آلاف جنيه أى ثمن ثلث فدان أرض، فيأخذ من تحت أيدى الورثة ثلث فدان، وإذا حضر مثلها أخذ ثلثا آخر، وهكذا حتى يستوفى حقه وهو ثلاثة أفدنة مقدار الوصية.
الحالة الثانية : أن يكون النوع الموصى بسهم فيه غائبا كله، أو أن يكون بعضه غائبا، وبعضه حاضرا :
ففى هذه الحالة لا يأخذ الموصى له إلا مقدار سهمه فى الجزء الحاضر، وكلما حضر شئ من الأموال الغائبة أخذ سهمه منه، وهكذا حتى يستوفى وصيته كاملة، أما باقى الحاضر وباقى ما يحضر فيكون للورثة.
وواضح أن طريقة الاستخراج هنا كطريقته فى الوصية بسهم شائع كما فى الفرض الثالث.
وتنظم المادة "45" أحكام الفرض الرابع بنصها على أنه "إذا كانت الوصية بسهم شائع فى نوع من التركة وكان فيها دين أو مال غائب استحق الموصى له سهمه فى الحاضر من هذا النوع إن كان هذا السهم يخرج من ثلث لحاضر من التركة، وإلا استحق الموصى له من سهمه بقدر هذا الثلث، ويكون الباقى للورثة، وكلما حضر شئ استحق الموصى له بقدر ثلثه من النوع الموصى بسهم فيه، على ألا يضر ذلك بالورثة، فإن كان يضر بهم أخذ الموصى له قيمة ما بقى من سهمه فى النوع الموصى به من ثلث ما يحضر حتى يستوفى حقه".
المبحث الثانى
أحكام الوصية
تعريف وتقسيم :
المنفعة مأخوذة من النفع، وهو فى اللغة( ) الخير – أى ضد الضر – وهو ما يتوصل به الإنسان إلى مطلوبة.
أما فى الاصطلاح الفقهى فقد اختلف فى حدها.
فقيل : هى الفائدة العرضية التى تنال من الأعيان بطريق استعمالها، كسكنى الدار وركوب الدابة، ولبس الثياب ونحو ذلك( ) وواضح أنه معنى ضيق للمنفعة.
وقيل : إن منفعة الشئ تعم فائدته الحسية والعرضية، ( )وبعبارة أخرى تطلق المنفعة على ثمرات الأعيان، سواء أمكن تحصيلها باستهلاكها كثمار الأشجار ونتاج الحيوان، أو باستعمالها كركوب السيارة، وسكنى الدار ونحوها.
وواضح أن الإطلاق الثانى أوسع، لذا فقد أخذ به القانون على ما تفصح عنه المذكرة الإيضاحية بقولها "والمراد بالمنافع ما يشمل المنافع المحضة للعين كسكنى الدار، وزرع الأرض، أو بدلها كأجرة الأرض والدار، أو ما يخرج نها كثمرة البستان والشجر".
وفى هذا المبحث نعالج فى مطلب ستة أحكام الوصية بالمنفعة من حيث مشروعيتها، وأنواعها، وكيفية تقدير المنفعة، وملكية العين الموصى بمنفعتها والتصرف فيها، وطريقة استيفاء المنفعة، وأخيرا انتهاء الوصية بالمنافع.
المطلب الأول
مشروعية الوصية
اختلف العلماء فى جواز الوصية بالمنفعة على قولين :-
فذهب جمهور العلماء إلى القول بجواز الوصية بالمنفعة ( ).
واستدلوا على ذلك بأن :-
1- الوصية بالأعيان والمنافع معا جائزة، فتجوز الوصية بالمنافع منفردة، لأن من ملك الكل يملك الجزء.
2- ولأن الوصية من التبرعات فيتوسع ما لا يتوسع به فى غيرها.
3- ولأن المنافع يجوز التصرف فيها فى أثناء الحياة بعوض وبدونه، فيجوز التصرف فيها بعد الممات قياسا على الأعيان.
ويرى أهل الظاهر وابن أبى ليلى وابن شبرمة أن الوصية بالمنفعة لا تجوز( ).
ودليلهم على ذلك :
أن الموصى يملك الموصى له بإيجابه، وذلك لا يصح منه فيما ليس بمملوك له، والمنفعة والغلة التى تحدث بعد موت الموصى ليست بمملوكة له، يعنون أن المنافع تتبع الأعيان وتلازمها، لا تنفصل ملكيتها عنها، مما يعنى أن مالك العين لمنافعها لا محالة، وبالتالى لا تملك من غيره، إلا بتمليكه هو، وليس بتمليك غيره، ولما كانت العين الموصى بمنفعتها مملوكة للوارث، فإنه ليس للموصى أن يملك المنفعة للغير، وإلا كان متصرفا فى ملك الغير والتصرف فى ملك الغير لا يجوز.
والراجح الأول : لأن دعوى التلازم بين العين والمنفعة لا تسلم بدليل صحة الإجارة مع بقاء العين على ملك المالك، كما أن دعوى تمليك الموصى للموصى له ملك الغير لا تسلم أيضا لأن الورثة ما ملكوا إلا الرقبة فقط، وفى الوصية بالمنفعة دون الرقبة نفع لهم، لأن العين ستؤول إليهم فى الانتهاء.
وبالراجح أخذ القانون فأجاز الوصية بالمنافع، وتوسع فى الحكم بصحة الكثير من صورها.
المطلب الثانى
أنواع الوصية بالمنافع من حيث المدة
يتصور أن تكون الوصية بالمنفعة مقيدة بوقت معلوم، أو تكون خالية عن التقييد، والخالية عن التقييد بالوقت قد تكون مطلقة أو ينص فيها على التأبيد.
وعلى ذلك فالوصية باعتبار المدة تنقسم إلى مطلقة ومقيدة غير أن الغالب فى الإيصاء التقييد.
أولا : الوصية بالمنفعة المقيدة بوقت معلوم :
تتحدد الوصية بذكر مدتها، وذلك قد يكون بتحديد ابتدائها وانتهائها، وقد يكون بذكر مدتها دون تحديد ابتدائها وانتهائها.
(أ) الوصية المحددة بمدة معلومة الابتداء والانتهاء.
صورة هذه الوصية أن يوصى لمغتربات عن مدينة بنى سويف بسكنى بيته خلال الفترة التى تبدأ من أول سبتمبر 2002 وتنتهى فى آخر يونيو 2005.
وحكم نفاذ هذه الوصية :
أنه إذا مات الموصى قبل ابتدائها فإن الموصى لهن يستحقن المنفعة فى المدة المذكورة.
لكن إذا مضت المدة المسماة قبل وفاة الموصى فإن الوصية تبطل، لأن مضى المدة المحددة فى الوصية بالمنافع يعد بمثابة تلف العين الموصى بها فى الوصية بالأعيان، وكما تبطل الوصية بالأعيان بتلفها تبطل الوصية بالمنافع بمضى المدة المحددة للانتفاع.
وإذا مضى بعض المادة قبل وفاة الموصى، فإن الموصى لهن ينتفعن فى القدر الباقى من المدة قياسا على الهلاك الجزئى للأعيان.
وأخيرا فأنه إذا حددت المدة على أساس المستقبل البعيد كأن يقول أوصيت بدارى لسكنى الطلاب خمس سنوات ابتداء من أول سبتمبر 2040 حتى أخر أغسطس 2045، فإن القانون نص على صحة هذه الوصية متى استحقت قبل مضى ثلاث وثلاثين سنة( )، فإن كان ابتداؤها بعد مضى ثلاث وثلاثين سنة بطلت، وتحسب المدة المذكورة من وقت وفاة الموصى، ففى المثال الذى معنا إذا مات الموصى فى أول سبتمبر 2007 فإن الوصية لا تصح لأن الاستحقاق يبدأ بعد ثلاث وثلاثين سنة، وإن مات بعد هذا التاريخ لا تبطل.
(ب) الوصية بمدة غير معلومة البداية والنهاية.
وصورتها أن يوصى للمتفوقين باستخدام سياراته المعينة فى رحلاتهم العلمية والترفيهية سنة كاملة، دون أن يبين ابتداء هذه السنة أو انتهائها.
وتنفذ – على الرأى الذى أخذ به القانون – من وقت وفاة الموصى، لأنه وقت الذى تنتج فيه الوصية أثرها.
وعلى كل ذلك نصت المادة 50من قانون الوصية بقولها :
"إذا كانت الوصية بالمنفعة لمعين مدة معلومة المبدأ والنهاية استحق الموصى له المنفعة فى هذه المدة، فإذا انقضت المدة قبل وفاة الموصى اعتبرت الوصية كأن لم تكن، وإذا انقضى بعضها استحق الموصى له المنفعة فى باقيها، وإذا كانت المدة معينة القدر غير معلومة المبدأ بدأت من وقت وفاة الموصى".
وإذا فاتت المدة المحددة للانتفاع دون أن ينتفع الموصى له فإننا ننظر فى سبب عدم الانتفاع.
فإن كلن من الموصى له دون عذر، فلا حق له فى شئ لأنه هو الذى فوت المنفعة على نفسه.
وإن كان سبب عدم الانتفاع من الموصى له لكن بعذر كأن يكون مسجونا أو أسيرا أو مريضا، كان للموصى له حق الانتفاع بالعين الموصى بمنفعتها مدة مساوية للمدة التى فاتته بسبب ذلك بعد زوال العذر.
وإن كان سبب عدم الانتفاع منع بعض الورثة أو جميعهم الموصى له من الانتفاع خلال المدة المسماة كان للموصى له الحق فى الخيرة بين أمرين :-
الأول : أن ينتفع بالعين مدة أخرى.
الثانى : أن يأخذ تعويضا عن المنفعة التى فاتت فى تلك المدة.
وعلى ذلك تنص المادة (51) وعبارتها :
"إذا منع أحد الورثة الموصى له من الانتفاع بالعين كل المدة أو بعضها ضمن له بدل المنفعة، ما لم يرض الورثة كلهم أن يعوضوه بالانتفاع مدة أخرى.
وإذا كان المنع من جميع الورثة كان الموصى له بالخيار بين الانتفاع بالعين مدة أخرى وتضمينهم بدل المنفعة.
وإذا كان المنع من الانتفاع من جهة الموصى أو لعذر حال بين الموصى له والانتفاع وجبت له مدة أخرى من وقت زوال المانع".
ثانيا : الوصية المطلقة :
وصورتها أن يقول أوصيت لحسن بهذه الدار أبدا، أو لمدة حياته، أو يقول : أوصيت لحسن بهذه الدار دون ذكر للتأبيد أو للمدة غير المحددة – كمدة حياته فى المثال الذى ضربناه –
وحسب ما أخذ به قانون الوصية فإن الحكم فى هذه الوصية يختلف باختلاف الموصى له، ويأخذ ذلك صورا أربع.
الصورة الأولى : إذا كان الموصى له معينا :
فإنه يستحق الوصية مدة حياته، وبعد وفاته تعود المنفعة لورثة الموصى، أو لمن ملكه الموصى العين بعد وفاته، بصرف النظر عن كون الموصى له واحدا أو متعددا، وبصرف النظر أيضا عن كون الوصية مؤبدة، أو مطلقة، أو مقيدة بمدة حياة الموصى له، ولكن مع مراعاة شرط واحد وهو أن ينشأ استحقاق الموصى له للمنفعة فى مدة ثلاث ثلاثين سنة تبدأ من وقت وفاة الموصى، فإن تأخر الاستحقاق أكثر من ذلك فلا تصح الوصية.
وعلى ذلك نصت المادة (61) من القانون بقولها :
"إذا كانت الوصية بالمنفعة لمعين مؤبدة أو لمدة حياته أو مطلقة استحق الموصى له المنفعة مدة حياته، بشرط أن ينشأ استحقاقه فى مدى ثلاث وثلاثين سنة من وفاة الموصى".
الصورة الثانية : أن يكون الموصى لهم قوما محصورين :
كأن يوصى بالمنفعة لأولاد فلان، أو لطلاب العلم من عائلة كذا، فإن المنفعة تستحق للموجود منهم وقت الوفاة، ثم يشاركهم فيها من يوجد بعد ذلك، وكلما وجد واحد استحق المنفعة حتى ينقرضوا، وإن لم يوجد أحد، أو وجد وانقرضوا عادت المنفعة إلى ورثة الموصى على نحو ما بيناه سابقا فى الوصية للمعدوم.
وتأخذ حكم هذه الصورة الوصية لغير محصورين يظن انقطاعهم.
الصورة الثالثة : أن يكون الموصى لهم قوما غير محصورين :
فإن كان يظن انقطاعهم فالحكم كما ذكرنا، وإن كان لا يظن انقطاعهم كالفقراء، وطلاب العلم أو المسجد أو المستشفى، فالمنفعة الموصى بها تكون فى حكم الموقوفة، فلا يصح لأحد أن يمتلكها بعدهم.
وعلى ذلك نصت المادة (52) بقولها :
"إذا كانت الوصية بالمنفعة لقوم غير محصورين لا يظن انقطاعهم، أو لجهة من جهات البر، أو كانت مؤبدة أو مطلقة استحق الموصى لهم المنفعة على وجه التأبيد.
فإذا كانت الوصية مؤبدة أو مطلقة لقوم غير محصورين يظن انقطاعهم استحق الموصى لهم المنفعة إلى انقراضهم.
ويجب مراعاة أحكام المادتين السابقتين إذا كانت الوصية بمدة معلومة المبدأ والنهاية، أو بمدة معينة القدر غير معلومة المبدأ والنهاية".
وتشير الفقرة الأخيرة من المادة (52) إلى المادتين (50،51) وقد سبق بيان ما اشتملا عليه من أحكام.
الصورة الرابعة : أن تكون الوصية أولا لمعين، أو لقوم محصورين مدة معينة، ثم من بعدهم لقوم غير محصورين لا يظن انقطاعهم أو لجهة بر عامة :
ومثالها : أن يقول أوصيت بسكنى هذا العقار لأولاد حسان مدة عشر سنوات، ثم من بعدهم لأطفال ملجأ الأيتام.
ففى هذه الصورة يستحق أولاد حسان السكنى أو لا على أن يبدأ استحقاقهم قبلا مضى ثلاث وثلاثين سنة من وقت وفاة الموصى وبشرط أن يكون المعين، أو لقوم المحصورون موجودين، وقت ابتداء الاستحقاق، فإن لم يوجد، أو لم يوجد منهم أحد، أو مات المعين، أو انقرض المحصورون كانت المنفعة خلال المدة المذكورة "العشر سنوات" لأعم جهات الخير والبر نفعا.
وبعد انتهاء المدة المذكور تنتقل المنفعة إلى الموصى لهم ثانيا.
وذلك ما تبينه المادة (53) بنصها على أنه :
"إذا كانت الوصية بالمنفعة لمدة معينة ولقوم محصورين ثم من بعدهم لمن لا يظن انقطاعهم، أو لجهة من جهات البر، ولم يوجد أحد من المحصورين فى خلال ثلاث وثلاثين سنة من وقت وفاة الموصى أو فى خلال المدة المعينة للمنفعة، أو وجد فى خلال هذه المدة وانقرض قبل نهايتها، كانت المنفعة فى المدة كلها أو بعضها على حسب الأحوال لما هو أعم نفعا من جهات البر".

المطلب الثالث
تقدير المنفعة
أهمية تقدير المنفعة :
سترى من خلال عرضنا لمشتملات التركة أن بعض العلماء يقصرها على الأموال والحقوق المالية اللصيقة بها، ولا يسمى المنافع أموالا لأنها لا تحاز وتقبض، بينما يرى الجمهور أن المنافع أموال، بل إن مالية الأعيان تقدر بحسب المنافع التى تجنى منها، فغرفة فى بناء عامر خير من قصر منيف تسكنه الأشباح، أو تتهدده الأخطار.
ومن هنا تظهر قيمة المنافع، بل لعل الذين منعوا الوصية بها قدروا أن عينا بلا نفع يجنى لا تساوى شيئا، وإلا – على حد قول الإمام ابن حزم – "فما الفرق بين الاستهلاك بالأكل، وبين الاستهلاك بالبيع أو بالهبة؟"( ) كأنه يقول من ملك المنفعة ينبغى أن يملك كل شئ.
كما أن القائلين بجواز الوصية بالمنفعة أنفسهم لا ينكرون هذا المعنى بل يؤكدون انه كلما كان أمد الوصية بالمنفعة طويلا، كلما قل أمل الورثة فى العين الموصى بها( )، فقد تضعف منفعتها أو تنعدم، ولهذا كان من الضرورى تقدير المنفعة لحساب قيمتها من القدر الجائز الإيصاء به.
كيفية تقدير المنفعة :
لما كانت المنفعة على هذا النحو من الأهمية كان من المنطقى أن تكون محل بحث الفقهاء وعنايتهم، ونظرا لعدم وجود نص فى الموضوع، فقد اختلفت كلمة الفقهاء فى كيفية التقدير، وقد أخذ القانون من أقوالهم بما يلى :-
أولا : إذا كانت الوصية بالمنفعة لمدة عشر سنوات فأقل فإن قيمتها تقدر بأجرة العين فى هذه المدة :
فإذا أوصى بمنفعة أرضة الزراعية لفلان لمدة تسع سنوات مثلا، ثم مات وترك فدانا من الأرض الزراعية فإن قيمة المنفعة الموصى بها من الفدان تقدر بإيجاره خلال هذه المدة، فإن كانت الأجرة السنوية مثلا ألف جنيه فإن المنفعة الموصى بها قدرها 9 × ألف= تسعة آلاف.
وكما عرفنا فإن هذه القيمة إن خرجت من الثلث نفذت الوصية دون توقف على إجازة أحد، وإن جاوزته نفذت فى الثلث وتوقف نفاذها فى الزائد على إجازة الورثة.
ثانيا : وإن كانت الوصية بالمنفعة لمدة تزيد على عشر سنوات أو لمدة حياة الموصى له، أو مؤبدة، أو مطلقة :
قدرت قيمة المنفعة بقيمة العين نفسها، وعلة ذلك كما عبر الأمام الكاسانى "لأن الموصى بوصيته بالمنافع منع العين عن الوارث، وحبسها عنه لفوات المقصود من العين، وهو الانتفاع بها، فصارت ممنوعة عى الوارث، محبوسة عنه، والموصى لا يملك منع ما زاد عن الثلث على الوارث، فاعتبر خروج العين من ثلث المال"( ).
وكمثال على ذلك :
أوصى بمنفعة هذا العقار لجمعية الوفاء والأمل أبدا ثم مات عن تركة قدرت بمائتين وأربعين ألف جنيه، منها مائة ألف جنيه قيمة العقار الموصى به، وقد اعترض الورثة على الوصية.
والحل
أن الجمعية تستحق من منفعة العقار ما يعادل ثمانين ألف جنيه فقط لأن ذلك هو حد الثلث، فتستحق الجمعية الانتفاع بأربعة أخماس العقار، وللورثة الخمس الباقى.
ثالثا : تقدير الوصية بالحقوق :
الوصية بالحقوق كأن يوصى لآخر بحق المرور فى أرضه،
أو بحق المجرى، أو بحق المسيل، ونحو ذلك.
وتقدر قيمة الوصية بأحد هذه الحقوق بما يكون من فرق بين قيمة العين محملة بالحق الموصى به، وقيمتها مجردة من هذا الحق.
فمثلا
إذا أوصى لصاحب أرض زراعية محبوسة بحق المرور فى أرضه فإن هذا الحق يقدر بالفرق بين قيمة الأرض التى تقرر عليها حق المرور – أرض الموصى – وقيمتها وهى خالية من هذا الحق، فإذا فرضنا أن قيمتها مع الحق تساوى خمسين ألفا وقيمتها بدونه تساوى سبعين ألفا، فقدر الوصية بالحق عشرون ألف.
وعلى ذلك كله نصت المادتان 62، 63 من قانون الوصية.
مادة (62) : إذا كانت الوصية بكل منافع أو ببعضها وكانت مؤبدة أو مطلقة أو لمدة حياة الموصى له أو لمدة تزيد على عشر سنين قدرت بقيمة العين الموصى بكل منافعها أى ببعضها.
فإذا كانت الوصية لمدة لا تزيد على عشر سنوات قدرت بقيمة المنفعة الموصى بها فى هذه المدة.
مادة (63) : إذا كانت الوصية بحق من الحقوق قدرت بالفرق بين قيمة العين محملة بالحق الموصى به وقيمتها بدونه.
المطلب الرابع
ملكية العين الموصى بمنفعتها والتصرف فيها
أولا ملكية العين :
فى غير حالتى الوصية بالمنفعة لجهة بر دائمة كالمساجد، والوصية لغير محصورين لا يظن انقطاعهم كالفقراء فإن العين الموصى بمنفعتها تكون مملوكة لورثة الموصى، أو لمن أوصى له بها فى حالة الوصية بالمنفعة لشخص، وبالعين الموصى بمنفعتها لشخص آخر.
أما العين الموصى بمنفعتها لجهة بر دائمة، أو لغير محصورين لا يظن انقطاعهم، فإنها لا تكون ملكا لأحد أو يملكها الموصى له غير أنه لا يملك التصرف فيها، فهى كالوقوف تماما بتمام.
ولأن العين لا تبقى صالحة للانتفاع إلا بالنفقة عليها فإنه إعمالا لقاعدة "الغرم بالغنم" تكون نفقة العين على الموصى له، وكذلك ما يفرض عليها من ضرائب بشرط أن تكون العين صالحة للانتفاع الموصى به، فإن لم يتكن صالحة فنفقاتها وما يفرض عليها من ضرائب على الورثة لأنهم المالكون لها.
وعلى ذلك نصت المادة (85) بقولها "إذا كانت الوصية لمعين بالمنفعة ولآخر بالرقبة فإن ما يفرض على العين من الضرائب وما يلزم لاستيفاء منفعتها يكون على الموصى له بالمنفعة.
ثانيا : التصرف فى العين الموصى بها :
على ما أخذ به القانون فإنه يجوز للورثة التصرف فى العين الموصى بها للموصى له ولغيره دون توقف على إجازة من الموصى له، ولكن يلاحظ أن هذا الحكم قصر على العين الموصى بمنفعتها لمعين أو لمحصورين أو غير محصورين يظن انقطاعهم، أما الأعيان الموصى بمنافعها لجهات البر الدائمة، أو لمن لا يظن انقطاعهم فقد قلنا إنها تأخذ حكم الوقف فلا يجوز التصرف فيها.
وبذلك جاءت المادة (60) تنص على أنه "يجوز لورثة الموصى بيع نصيبهم فى العين الموصى بمنفعتها بغير حاجة إلى إجازة الموصى له".
المطلب الخامس
طريقة استيفاء المنفعة
يختلف الحكم فى طريقة استيفاء المنفعة بين الوصية الانفرادية والوصية المشتركة.
أولا : أما الوصية الانفرادية كالوصية لأحد الناس مثلا بزراعة أرضه سنة، أو بالانتفاع بسيارته، فإن أطلقت، أى لم يحدد له الموصى طريقا للانتفاع، وإنما أباح له أن يستوفى المنفعة بالوجه الذى يريد، فله أن ينتفع بأى وجه شاء.
وإن قيده بوجه ما :
فيعض الفقهاء : يرى وجوب تقيده بهذا الوجه لا يغادره.
ويرى البعض الآخر : أن له أن ينتفع بما يدخل تحت جنس الانتفاع المحدد، كما لو أوصى له بشقة على أن يستغلها ويحصل أجرتها، فإن له على هذا الرأى أن يسكنها، لأن من ملك أن يملك غيره كان له أن يملك نفسه.
ويرى أكثر العلماء : أن للموصى له أن ينتفع بكل وجه وإن عين الموصى له وجها، لأنه ملك المنفعة والمالك يحل له الانتفاع بأى وجه شاء( ).
ولاشك أن هذا الأخير هو الأنسب للمصلحة، والأرفق لمقتضى الوصية.
وقد أخذ به القانون غير أنه قيده بشرط واحد وهو ألا يكون الوجه الذى اختاره الموصى له ضارا بالعين الموصى بها.
وهذا ما أوضحته المادة (54) بنصها على انه :
"إذا كانت العين الموصى بمنفعتها تحتمل الانتفاع أو الاستغلال على وجه غير الذى أوصى به جاز للموصى له أن ينتفع بها أو يستغلها على الوجه الذى يراه، بشرط عدم الإضرار بالعين الموصى بمنفعتها".
ثانيا : وأما الوصية المشتركة كأن يوصى لأكثر من واحد بزراعة أرضه مثلا فاستيفاؤها يكون أولا على حسب ما يتفق عليه الشركاء.
فإن اختلفوا يتم استيفاء المنفعة باتباع إحدى الطريق الآتية :-
1- اقتسام غلة العين الموصى بمنفعتها بين الشركاء بنسبة ما يخص كلا منهم.
2- اقتسام العين نفسها بنسبة حصة كل منهم فى المنفعة متى كانت العين تقبل القسمة، وبشرط ألا يترتب على قسمتها ضرر للورثة.
3- إذا لم تكن العين الموصى بمنفعتها تقبل القسمة العينية، أو كان فى قسمتها ضرر بالورثة، فإنها تقسم قسمة مهايأة مكانية، كأن يعطى كل منهم جزءا منها لينتفع به مدة معينة، ثم يتبادل مع الآخرين الأجزاء الأخرى، ليحصل لكل منهم الانتفاع العادل، أو يقتسموها قسمة زمانية وذلك بأن يعطى كل منهم العين لينتفع بها زمنا معينا يتفق مع مقدار حصته فى الانتفاع.
وهذا ما تضمنته المادة (57) من القانون حيث تنص على انه "تستوفى المنفعة بقسمة الغلة أو الثمرة بين الموصى له وورثة الموصى بنسبة ما يخص كل فريق أو بالتهايؤ زمانا ومكانا أو بقسمة العين إذا كانت تحتمل القسمة من غير ضرر".
4- وإذا كان الموصى به حقا من الحقوق يتنازع الانتفاع به عدد من الموصى لهم، أو الموصى لهم والورثة، فقد أناطت المذكرة الإيضاحية للقانون بالقاضى أن يجتهد فى تقدير مدى استعمال هذا الحق معتمدا على القواعد العامة للشريعة.
ثالثا : الوصية بالغلات والثمار :
أخذ القانون فى استيفاء الوصية بالغلات أو الثمار برأى الشافعية ومبناه أن الموصى له يستحق الموجود من الثمار وقت وفاة الموصى، والذى يحدث منها بعد وفاته فى المستقبل، وبصرف النظر عن مدة الوصية.
ومع هذا فإن القانون أخذ من مذهب الحنفية قيدا كانوا قد بنوا عليه رأيهم فى التفرقة بين الثمار الموجودة والثمار المستجدة وهو قيام قرينة على خلاف الحكم العام.
وبذلك جاءت المادة (55) تنص على أنه "إذا كانت الوصية بالغلة أو الثمرة فللموصى له الغلة أو الثمرة القائمة وقت وفاة الموصى، وما يستجد منها مستقبلا ما لم تدل قرينة على خلاف ذلك".
المطلب السادس
انتهاء الوصية بالمنفعة
كقاعدة عامة يتوقف انتهاء الوصية بالمنفعة وعدم انتهائها على الموصى له.
1- فإن كان جهة من جهات البر، أو كانت الوصية لمن لا يحصون ولا يظن انقطاعهم فالوصية لا تنتهى، وإنما يظل الانتفاع أبدا كالوقف.
2- وإن كانت الوصية لمحصورين يظن انقطاعهم انتهت الوصية بانقراض الموصى له، وقد سبق أن عرضنا لنماذج تطبيقية لذلك.
3- وإن كانت الوصية لعدة طبقات كأولاد على وأحفاده وأحفادهم فالوصية تنتهى بانقراض الطبقة الثانية.
4- وإن كان الموصى له معينا فالوصية تنتهى بانتهاء مدتها، إذا كانت محددة المدة، وإن كانت الوصية له مادام حيا فالوصية تنتهى بموته.

المبحث الثالث
وصايا أخرى نص عليها القانون
نص القانون على صحة الوصية بمنافع أو أغراض أخرى غير الوصية بالأعيان والمنافع التى عرضنا لها تفصيلا.
ونظرا لضيق الوقت فإننا نكتفى بعرض النصوص القانونية المنظمة لهذه الوصايا، وهى – فى الحقيقة واضحة – لا تحتاج إلى إجهاد ذهن.
1- الوصية بالحقوق :
وقد تعرضنا له فى الصفحات السابقة، وتنص عليه المادة (11) من قانون الوصية بقولها :
"تصح الوصية بالخلو وبالحقوق التى تنتقل بالإرث ومنها حق المنفعة بالعين المستأجرة بعد وفاة المستأجر".
2- الوصية بالإقراض :
ومعناها أن يوصى شخص بإقراض آخر مبلغ كذا من تركته فإذا مات الموصى مصرا على وصيته كان للموصى له الحق فى الحصول على هذا القرض من تركة الموصى.
كما يلتزم الورثة بعدم مطالبة المقترض بالرد قبل مضى المدة التى عينها الموصى إذا كان قد عين لذلك مدة.
وتنص المادة 012) على الوصية بالإقراض بقولها "تصح الوصية بإقراض الموصى له قدرا معلوما من المال ولا تنفذ فيما زاد من هذا المقدار على ثلث التركة إلا بإجازة الورثة".
3- الوصية بقسمة أعيان التركة :
ومعناها أن يعين الموصى لكل وارث، أو ليعض الورثة قدر نصببه فى التركة، وهى وصية لازمة فى رأى بعض الفقهاء بشرط أن تكون عادلة لأجور فيها على أحد من الورثة، ومرجع الجواز أن حق الوارث فى القدر لا فى العين( ).
ويرى الشافعية : فى الأصح أن الوصية بتقسيم التركة تفتقر إلى إجازة الورثة لاختلاف الأغراض بالأعيان ومنافعها( ).
بينما يرى الجمهور : عدم صحة هذه الوصية لما قد تؤدى إليه من غرس بذور الشقاق والكراهية بين الأهل( ).
وفى رأبى :
فإن الأصح من قول الشافعى هو الوسط من هذه الآراء، لأن الموصى قد يريد بذلك قطع أسباب التشاحن بين ورثته فيكون احترام غرضه تصرفا حكيما، وقد يبغى من ذلك المحاباة فيكون توقف نفاذ تصرفه على الإجازة من قبيل دفع الضرر، فتحقيقا للتوازن بين المصالح ينبغى الأخذ برأى الشافعى.
ولعل القارئ الكريم يشاركنى الرأى أنه عادة ما يلجأ الأشخاص إلى الإيصاء بقسمة أموالهم على نحو معين خصوصا فى الأرياف، والطبقات ذات الثراء، بغية حرمان النساء من تملك الأراضى حتى لا تخرج من ملك أسرة المتوفى إلى أسرة زوج الوارثة، وإن اعترضت الأنثى على ذلك هددها الرجال بقطع صلتهم بها، وإيصاد كل أبواب المشاركة الاجتماعية أمامها، ولا خيار لها إلا أن تقبل كارهة ظلم الأب وجور الأخ، أو أن تركن إلى زوجها لا يطرق بيتها طارق فى السراء.
وكنا نود لو ينصف القانون المرأة، ويغلق هذا الباب، أو يأخذ برأى الشافعية فيوقف نفاذ الوصية بتقسيم التركة على إجازتها وأمثالها ولكنه ضم إلى مصيبة الوصية لوارث مصيبة أخرى نص عليها فى المادة (13) بقولها "تصح الوصية بقسمة أعيان التركة علاى ورثة الموصى بحيث يعين لكل وارث أو لبعض الورثة قدر نصيبه وتكون لازمة بوفاة الموصى فإن زادت قيمة ما عين لأحدهم عن استحقاقه فى التركة كانت الزيادة وصية.
4- الوصية بالتصرف فى عين معينة :
نص كثير من الفقهاء على صحة الوصية بالتصرف فى عين معينة من أعيان التركة لما قد يكون للموصى فى ذلك من غرض، وحيث إنه لا ضرر على الورثة من ذلك، لأن ما يخرج من التركة يخرج بعوض( ).
وتنظم المادة (56) من القانون هذا النوع من الوصايا بقولها :
"إذا كانت الوصية ببيع العين للموصى له بثمن معين أو بتأجيرها له لمدة معينة مسماة وكان الثمن أو الأجرة أقل من المثل بغبن فاح يخرج من الثلث أو بغبن يسير نفذت الوصية.
وإن كان الغبن الفاحش لا يخرج من الثلث ولم يجز الورثة الزيادة فلا تنفذ الوصية، إلا إذا قبل الموصى له دفع هذه الزيادة.
5- الوصية بالمرتبات :
وتعنى الوصية بمبلغ من المال يعطى بصفة دورية للموصى له، كأن يوصى لفقراء مدينة الواسطى بخمسة آلاف جنيه كل سنة.
وقد أجاز جمهور الفقهاء هذا النوع من الوصية( ) إذا كانت فى حدود الثلث، فإن جاوزته توقف نفاذها فى الزائد على إجازة الورثة.
ثم إن الوصية بالمرتبات إذا كانت من رأس مال التركة كانت من قبيل الوصية بالأعيان، وإن كانت من العلة كانت من قبيل الوصية بالمنافع.
ونظرا لشيوع هذا النوع من الوصايا وتنوع أحكامه خصه القانون بالفصل الرابع من الباب الثانى والذى يتضمن المواد 64-70 والتى تنص على لأنه :
مادة (64) : "تصح الوصية بالمرتبات من رأس المال لمدة معينة، ويوقف من مال الموصى ما يضمن تنفيذ الوصية على وجه لا يضر بالورثة.
فإذا زاد ما وقف لضمان تنفيذ الوصية على ثلث التركة ولم يجز الورثة الزيادة يوقف منه بقدر الثلث وتنفذ الوصية فيه وفى غلته إلى أن يستوفى الموصى له قيمة ثلث التركة حين الوفاة أو إلى أن تنتهى المدة أو يموت الموصى له".
مادة (65) : "إذا كانت الوصية بمرتب من غلة التركة أو من غلة عين منها لمدة معينة، تقوم التركة أو العين محملة بالمرتب الموصى به وغير محملة به، ويكون الفرق بين القيمتين هو القدر الموصى به، فإن خرج من ثلث المال نفذت الوصية وإن زاد عليه ولم يجز الورثة الزيادة نفذ منها بقدر الثلث، وكان الزائد من المرتب وما يقابله من التركة أو العين لورثة الموصى".
مادة (66) : "إذا كانت الوصية لمعين بمرتب من رأس المال أو الغلة مطلقة أو مؤبدة أو مدة حياة الموصى له يقدر الأطباء حياته، ويوقف من مال الموصى ما يضمن تنفيذ الوصية على الوجه المبين فى المادة 64 إن كانت الوصية بمرتب رأس المال، ويوقف ما يغل المرتب الموصى به على الوجه المبين فى المادة 65 إن كانت الوصية بمرتب من الغلة.
فإذا مات الموصى له قبل المدة التى قدرها الأطباء كان الباقى من الوصية لمن يستحقه من الورثة أو من أوصى له بعده، وإذا نفذ المال الموقوف لتنفيذ الوصية أو عاش الموصى له أكثر من المدة التى قدرها الأطباء فليس له الرجوع على الورثة".
مادة (67) : "إذا لم تف غلة الموقوف من التركة لتنفيذ الوصية بمرتب من رأس المال بيع منه ما يفى بالمرتب، وإذا زادت الغلة عن المرتب ردت الزيادة إلى ورثة الموصى.
ويوقف ما يزيد من الغلة عن المرتب الموصى به فى الغلة حتى تنتهى مدة الانتفاع، فإذا لم يغل الموقوف من التركة ما يكفى لتنفيذ الوصية فى إحدى السنوات استوفى الموصى له ما نقصه من الغلة الزائدة.
فإذا كانت الوصية تنص على أن المرتب يستوفى سنة فسنة أو قامت قرينة على ذلك ردت الزيادة السنوية لورثة الموصى".
مادة (68) : "إذا كانت الوصية بالمرتبات لجهة لها صفة الدوام مطلقة أو مؤبدة يوقف من مال الموصى ما تضمن غلته تنفيذ الوصية، ولا يوقف ما يزيد على الثلث إلا بإجازة الورثة.
وإذا أغل الموقوف أكثر من المرتب الموصى به استحقته لجهة الموصى لها، وإذا نقصت الغلة عن المرتب فليس لها الرجوع على ورثة الموصى.
مادة (69) : "فى الأحوال المبينة فى المواد 64 إلى 67 يجوز لورثة الموصى الاستيلاء على الموقوف لتنفيذ الوصية بالمرتب أو التصرف فيه، بشرط أن يودعوا فى جهة يرضاها الموصى له أو يعينها القاضى جميع المرتبات نقدا ويخصص المبلغ المودع لتنفيذ الوصية، فإذا مات الموصى له قبل نفاذ المبلغ المودع رد الباقى لورثة الموصى.
ويزول كل حق للموصى له فى التركة بالإيداع والتخصيص".
مادة (70) : "لا تصح الوصية بالمرتبات من رأس المال أو من الغلة لغير الموجودين من الطبقتين الأوليين من الموصى لهم وقت موت الموصى، ويقدر الأطباء حياة الموجودين، وتنفذ الوصايا بمراعاة الحكام المبينة فى الوصايا للمعينين".
الفصل الثالث
الوصية الواجبة
المبحث الأول
مشروعية الوصية الواجبة والعلاقة بينها وبين الإرث
المطلب الأول
مشروعية الوصية الواجبة
مر بنا من أطوار تشريع الإرث فى الإسلام أن أقر الإسلام أول المر بعض نظم الخلافة فى المال التى كانت معروفة فى الجاهلية، ومن ذلك الوصية غير أنه أدخل عليها بعض القيود التى جعلت منها نظاما عادلا، لا حيف فيه ولا وكس، وكان أول ما أدخله الإسلام على هذا النظام وجوب الوصية على صاحب المال للوالدين والأقربين دون الأجانب.
وذلك ما تقرر بقول الله تعالى "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين. فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم. فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم"( ).
فمقتضى هذه الآيات بما تضمنته من فريضة الإيصاء وتقرير الإثم على المبدلين، ووجوب مبادرة جميع المسلمين إلى السعى فى الإصلاح بين الموصى وقرابته إذا خيف منه ميل فى الوصية وعدول عن الحق، ووقوع فى الإثم بمقتضى ذلك وجبت الوصية للوالدين والأقربين.
ثم تلا هذا الحكم نزول آيات المواريث( ) التى تقرر الخلافة الإجبارية لبعض الأقارب فى مال الميت، دون توقف على وصيته الاختيارية أو قبولهم.
كما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم جملة من الأحاديث التى روينا مما يقيد حق صاحب المال فى التصرف فيه تصرفا مضافا إلى ما بعد موته، أى الوصية به.
ولكن هل نسخت آيات المواريث والأحاديث الواردة فى هذا الخصوص آية الوصية التى تلونا، وهل كان النسخ عاما فنفى الوجوب والوصية لوارث؟ أم أنه نفى الوصية لوارث، وبقى الوجوب فى حق من لا يرث من الأقارب؟
يقول الإمام ابن العربى (قد اختلف الناس فى ذلك اختلافا كثيرا، لبابه – جوهره – ما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الاثنتين، وجعل للوالدين لكل واحد منها السدس، وفرض للزوج وللزوجة فرضيهما، وهذا نص لا معدل لأحد عنه، فمن كان من القرابة وارثا دخل مدخل الأبوين، ومن لم يكن وارثا قبل له : إن قطعك من الميراث الواجب إخراج لك عن الوصية الواجبة، ويبقى الاستجاب لسائر القرابة)( ).
ومعنى كلام ابن عباس أن من كانت تجب لهم الوصية غدوا بحكم الإرث واجبا لهم الميراث، ومن حجب عن الميراث الواجب، لا تجب له وصية، وإنما تستحب، إذ نسخت آيات المواريث حكم الوجوب عن الوصايا قاطبة، ما لم يكن عدم الوصية إتلافا لحق، أو تضييعا لدين.
وبقول ابن عباس رضى الله عنهما أخذ جمهور العلماء ومنهم أصحاب المذهب الأربعة الشهيرة، بل إن الإمام ابن عبد البر قال : إن العلماء أجمعوا على أن الوصية غير واجبة إلا على من عليه حقوق بغير بينة، وأمانة بغير إشهاد، إلا طائفة شذت فأوجبتها( ).
بينما ذهب جماعة من العلماء إلى القول بأن الوصية واجبة للأقارب الذين لا يرثون قال ذلك أبو بكر عبد العزيز، وداود الظاهرى، وحكى ذلك عن مسروق، وطاوس وإلياس وقتادة وابن جرير الطبرى( ).
وقد انتصر العلامة ابن حزم الظاهرى لهذا الرأى الأخير بقوة وفند أدلة معارضيه، وخلص إلى أن :-
1- الوصية فرض على كل من ترك مالا.
2- من مات ولم يوص ففرض أن يتصدق عنه بما تيسر ولابد.
3- فرض على كل مسلم أن يوصى لقرابته الذين لا يرثون، إما للرق، وإما لكفر، وإما لأن هناك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون، فيوصى لهم بما طابت به نفسه، لا حد فى ذلك، فإن لم يفعل أعطوا ولابد ما رآه الورثة أو الوصى( ).
ودليل ابن حزم ومن معه على قولهم آية الوصية حيث خرج منها الولدان والأقربون الوارثون، وبقى من لا يرث منهم على حكم الوجوب( ).
وقد كان العمل قبل صدور القانون رقم71 لسنة1946 يجرى على وفق الراجح من مذهب الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه، وقد علمت أن رأى أبى حنيفة فى حكم الوصية كرأى الجمهور أنها مستحبة، سواء أكان الموصى له قريبا أم أجنبيا، وأنه إذا مات الشخص ولم يوص، فلا وصية تتعلق بتركته.
ولكنه لوحظ وبحق أنه فى أحوال غير قليلة يتوفى شخص فى حياة والديه تاركا أطفالا ضعافا، ولا يبعد أن يكون هذا الشخص المتوفى قد كح مع أبيه حتى صارت للأب ثروة عظيمة، ثم مات الأب أو الأم ورثة أخوة المتوفى، دون أطفال هذا الذى قد مات فى حياة والديه، إذ طبقا لقواعد الميراث فإن الأقرب (أولاد الشخص) يحجب الأبعد (لأحفاد الشخص)، فيصير الأولاد فى غنى وعز، أما الأحفاد فيعيشون فى فقر مدقع، يجتمع لهم مع فقد العائل، الذى لا يبعج، كما ذكرنا، أن يكون له دور فى الثروة التى تقاسمها أخوته وحرم منها أنباؤه( ).
وبفرض أن الثروة من خالص كد الأب أو الأم، فإن حرمان أولاد من توفى فى حياة أبيه أو أمه مما يخل بميزان العدالة فى الأسرة الواحدة، وقد يورث الضغينة والحقد.
إزاء ذلك حمل بعض المصلحين لواء المطالبة بتعديل هذا الوضع المختل، وحماية الأحفاد من أن يجتمع لهم مع فقد عائلهم حرمانهم مما قد يفوتهم من تركة جدهم أو جدتهم.
ووجد هؤلاء المصلحون ضالتهم فى مذهب أهل الظاهر ومن وافقهم، واستجابت الهيئة التشريعية فضمنت قانون الوصية رقم 71 لسنة1946 جملة من الأحكام التى انتظمتها المواد 76-78 هذا نصها :
المادة (76) : إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات فى حياته أو مات معه ولو حكما بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا فى تركته لو كان حيا عند موته، وجبت للفرع فى التركة وصية بقدر هذا النصيب فى حدود الثلث بشرط أن يكون غير وارث، وألا يكون الميت قد أعطاه بغير عوض من طريق تصرف آخر قدر ما يجب له.
وإن كان ما أعطاه أقل منه وجبت له وصية بقدر ما يكلمه.
وتكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات، ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وأن نزلوا، على أن يحجب كل اصل فرعه دون فرع غيره، وأن يقسم نصيب كل أصل على فرعه قسمة الميراث، كما لو كان اصله أو أصوله الذين يدلى بهم إلى الميت ماتوا بعده، وكان موتهم مرتبا كترتيب الطبقات.
المادة (77) : إذا أوصى الميت لمن وجبت له الوصية بأكثر من نصيبه كانت الزيادة وصية اختيارية، وإن أوصى بأقل من نصيبه، وجب له ما يكمله وأن أوصى لبعض من وجبت لهم الوصية دون البعض الأخر وجب لمن لم يوص له قدر نصيبه، ويؤخذ نصيب من لم يوصى له، ويوفى نصيب من أوصى له بأقل مما وجب من باقى الثلث، فإن ضاق عن ذلك فمنه، وما هو مشغول بالوصية الاختيارية.
المادة (78) : الوصية والواجبة مقدمة على غيرها من الوصايا، فإن لم يوص الميت لمن وجبت لهم الوصية قدر نصيبه من باقى ثلث التركة إن وفى، وإلا فمنه ومما أوصى به لغيرهم( ).
وفى ضوء هذه النصوص نعالج أحكام الوصية الواجبة :

المطلب الثانى
العلاقة بين الوصية الواجبة والإرث
أولا : اوجه الشبه :
1- الوصية الواجبة كالميراث لا تحتاج إلى صيغة من المورث، بل تنفذ بقوة القانون، حتى ولو نص المورث على حرمان أحفاده فكما تنص المادة (76) (إذا لم يوص الميت لفرع ولده….وجبت للفرع فى التركة وصية).
2- الملكية فى الوصية الواجبة تتقرر بطريق الخلافة الإجبارية تماما كما فى الميراث، ومن ثم فهى غير متوقفة على قبول، كما أنها لا تقبل الرد.
3- تقسم الوصية الواجبة بين مستحقيها قسمة الميراث للذكر ضعف الأنثى( ) كما أن كل أصل ممن وجبت لهم الوصية الواجبة – يحجب فرعه وهذه فى الجملة قاعدة ميراثية.
ثانيا : وتفترق الوصية الواجبة عن الميراث من نواح هى :-
1- الوصية الواجبة تثبت لمستحقيها عوضا عما فاتهم من ميراث أصلهم. بعكس الإرث فإنه يثبت ابتداء دون توقف على أى اعتبار.
2- الأصل فى الوصية الواجبة يحجب فرعه دون فرع غيره، أما فى الإرث فإن الأصل الذى له قوة الحجب يحجب الفرع مطلقا سواء كان فرعه أم فرع غيره إعمالا لقاعدة الأقرب يحجب الأبعد.
3- الإرث يثبت لأصحاب الفروض والعصبات وذوى الأرحام مهما بعدت درجاتهم، أما الوصية الواجبة فلا تثبت إلا الأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات، ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا( ).
4- يغنى عن الوصية الواجبة ما يعطيه الجد لحفيده تبرعا، ولا يغنى ذلك عن الميراث.
5- تقدم الوصية الاختيارية على الميراث، بينما تقدم الوصية الواجبة على الوصية الاختيارية، بل إذا ضاق الثلث عن الوصية الواجبة والاختيارية قدمت الأولى على الخيرة، وما بقى من الثلث يقسم بين الوصايا الاختيارية بالمحاصة.
6- أن المستحق للإرث يأخذ نصيبه بالغا ما بلغ، بينما المستحق للوصية يأخذ الأقل من نصيب أصله الذى مات فى حياة المورث، أو ثلث التركة، فإن كان نصيب الأصل هو الأقل قدرت الوصية به، وإن الثلث هو الأقل قدرت به.
وحاصل ذلك أنه وإن وجد شبه كبير بين الوصية الواجبة والميراث فإنه لا يؤدى إلى إخراجها عن كونها وصية، لها أحكامها الخاصة.
المبحث الثانى
المستحقون للوصية الواجبة وشروط الاستحقاق
أولا : المستحقون للوصية الواجبة :
تجب الوصية الواجبة فى تركة المتوفى لكل من :-
1- فرع ولد المتوفى "ذكرا أو أنثى" الذى مات فى حياة المتوفى موتا حقيقيا.
2- فرع ولد المتوفى الذى مات فى حياة المتوفى موتا حكميا كالمفقود الذى حكم بموته فى حياة المتوفى.
3- فرع ولد المتوفى الذى مات مع المتوفى فى حادث واحد ولا يدرى أيهما مات أولا، كالغرقى والحرقى والمتردين فى حفرة لأن الولد لا يرث – فى هذه الحالة – من أصله، لعدم التحقق من حياته وقت موت المورث، ومن ثم تجب الوصية لذرية ذلك الولد.
ثانيا : شروط استحقاق الوصية الواجبة :
اشترط القانون لإيجاب الوصية شروطا هى :-
الأول : أن يكون الفرع الذى مات أصله فى حياة المورث غير وارث من صاحب التركة، فإن كان وارثا – ولو مقدارا ضئيلا – لا يستحق وصية واجبة، لأنها وجبت عوضا عن الميراث.
فلو مات شخص عن: أم. بنت، بنت ابن، أخ، فإن بنت الابن لا تستحق وصية واجبة، لأنها وارثة السدس فرضا مع البنت الصلبية تكملة للثلثين.
وأيضا لو مات عن : زوجة، أم، بنتين صلبتين، بنت ابن وابن ابن مات أبوهما فى حياة المورث. فإن هذه البنت وهذا الولد لا يستحق وصية حيث إنهما وارثان الباقى بالتعصيب بعد نصيب الزوجة 1، والأم 1، والبنتين 2، ولا يمنع
8 6 3
من ذلك أن يكون الباقى ضئيلا "1".
24
بنما لو زاد الورثة فى المثال السابق "أبا" فإن ابن الابن وبنت الابن يستحقان وصية واجبة، حيث استغرقت الفروض كل التركة، بل إنها عالت من 24 إلى 27.
الثانى : ألا يكون المتوفى قد أعطى ذلك الفرع بغير عوض ما يساوى مقدار الوصية الواجبة، أيا كان التصرف الذى صدر من المتوفى.
فغن كان المتوفى قد وهب إلى الفرع بدون عوض، أو باعه بيعا صوريا بلا ثمن، فإن هذا الفرع لا يستحق وصية واجبة.
ولكن شرط عدم الاستحقاق أن يكون ما أعطى الفرع موازيا لقدر ما يستحق بالوصية الواجبة، فإن ما أعطى أقل مما يستحق بالوصية الواجبة، وجبت له الوصية بما يكمل المقدار الواجب فى الوصية.
وإذا كان المورث قد وهب لبعض المستحقين دون البعض الآخر وجبت الوصية لغير الموهوب لهم بمقدار أنصبتهم فى الوصية قانونا.
ثالثا : أن يكون الفرع من أولاد الظهور، أو من الطبقة الأولى من أولاد البطون.
فأولاد الأبناء يستحقون الوصية الواجبة وإن نزلوا، أما أولاد البنات فلا يستحق وصية واجبة منهم إلا الطبقة الأولى فقط (ابن بنت، أو بنت بنت).
رابعا : أن يكون الفرع موجودا عند موت من تجب الوصية فى تركته فإن مات الفرع قبل موت من تجب الوصية فى تركته، ولم يخلف أهلا لها فإن الوصية لا تجب.
أما إذا خلف أهلا لها فإنها تثبت لهذا الخلف، وبدهى أن الشرط فيه أن يكون من أبناء الظهور.
خامسا : ألا يكون الفرع قاتلا لمن تقع الوصية الواجبة فى تركته قتلا عمدا عدوانا، إعمالا لنص المادة (17) من قانون الوصية سواء أكان القاتل فاعلا اصليا أم شريكا، أم كان شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام على الموصى وتنفيذه.
وقد زاد بعض الباحثين شرطا سادسا وهو :-
أن يكون كل من الأصل الذى مات فى حياة المورث، وفرع هذا الأصل الذى نبحث استحقاقه الوصية الواجبة كل منهما غير ممنوع من إرث أصله( ).
فلو كان الأصل – الواسطة بين المورث والحفيد – ممنوعا من الإرث لمخالفته المورث فى الدين، أو كان الحفيد ممنوعا من إرث اصله لمخالفته له فى الدين، أو كان قاتلا له، فإنه لا تجب لهذا الحفيد وصية.
مثال ذلك : لو مات ابراهام اليهودى الديانة فى حياة أبيه حسان المسلم الديانة، تاركا ولده ديفيد الذى اسلم وأصبح يحمل اسم حسن مثلا – فإن حسن هذا لا يستحق وصية واجبة فى تركة حسان، رغم اتحادهما فى الدين، لأن ما يستحقه حسن "الحفيد" عوض عما كان يستحق أبوه "ابراهام" لو لم يمت فى حياة حسان "المورث" أما وأن "ابراهام" لم يكن ليستحق شيئا لو كان حيا عند موت "حسان" لمخالفته له فى الدين، فغن فرعه لا يستحق وصية واجبة.
وكذلك الأمر لا تستحق الوصية الواجبة لو كان فرع الواسطة ممنوعا من ميراث هذا الواسطة لقتله له أو مخالفته له فى الدين.
وهذان الحكمان يفيدهما نص المادة "76" الذى يقرر "إذا لم يوص الميت لفرع ولده الذى مات فى حياته، أو مات معه، ولو حكما، بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا فى تركته لو كان حيان عند موته وجبت للفرع فى التركة وصية بقدر هذا النصيب فى حدود الثلث…..".
ومعنى هذا القانون انزل الفرع المستحق للوصية الواجبة منزلة الوارث مرتين :
المرة الأولى : بالنظر إلى منزلة الأصل فى ميراث الجد.
والثانية : بالنظر إلى منزلة هذا الفرع فى ميراث أصله فحرمه الوصية فى الحال الولى لحرمان أصله من الميراث فى تركة الجد، كما حرمه الوصية فى الحال الثانية لحرمانه من ميراث أصله.
وهذا فى رأيى محل نظر من وجوه :
أولها : أن شبه الوصية الواجبة للميراث لا يخرجها عن كونها وصية لا فى نظر الأصل الذى استقيت منه هذه الوصية، ولا فى منطوق النصوص المنظمة للوصية( ).
أما الأصل فصريح قول ابن حزم حامل لواء الوصية الواجبة من الفقهاء أنه "فرض على كل مسلم أن يوصى لقرابته الذين لا يرثون، إما لرق، وإما لكفر، وإما لأن هناك من يحجبهم عن الميراث، أو لأنهم لا يرثون فيوصى لهم بما طابت به نفسه، لا حد فى ذلك، فغن لم يفعل أعطوا ولابد ما رآه الورثة أو الموصى.
فإن كان والده أو أحدهما على الكفر، أو مملوكا ففرض عليه أيضا أن يوصى لهما أو لأحدهما إن لم يكن الآخر كذلك، فإن لم يفعل أعطى أو أعطيا من المال ولابد( ).
فعبارة الأصل التى استقى منها الوصية الواجبة صريحة فى أن شرط استحقاقها عدم الإرث، ولو كان ذلك بسبب اختلاف الدين، ولا يغير من الأمر أن يفرض أن ما يتلقاه الموصى له "الفرع" يثبت له بالتلقى عن أصله الذى مات فى حياة المورث الذى وجبت الوصية فى تركته، لأن مصدر القانون صريح فى أنه لا يمنع من استحقاق الوصية مخالفة هذا الأصل – الواسطة – للمورث فى الدين أو الحرية، بل أن هذه المخالفة هى بعض السبب الموجب للوصية عوضا عن الإرث.
كما أن قانون الوصية ذاته يجيز الوصية مع اختلاف الدين والملة، بصريح نص المادة التاسعة، وهو قول جماعة العلماء، بل قال الإمام ابن قدامة "ولا نعلم عن غير القائلين به خلافهم" فأشبه أن يكون إجماعا( ).
الثانى : أننا لو قلنا مع بعض مشايخنا إن النصوص التى تقرر الوصية الواجبة تثبت جملة من الأحكام تنحو فى غايتها ومرماها والغرض منها والسبب الباعث عليها نحو الميراث، حتى يصح منا القول إن هذه الوصية كالميراث، أو هى ميراث قانونى، وإن لم يكن شرعيا( ).
فإن هذا القول لا يصحح الشرط بأن يكون الواسطة وارثا لأصله – المتوفى – بفرض حياته؛ وأن يكون الفرع مستحقا للإرث من الواسطة.
بيان ذلك :
1- أن المعتبر فى استحقاق الإرث هو صلاحية الوارث فى ذاته لخلافة المورث فى ماله، دون نظر إلى الواسطة بين الوارث والمورث فلو أن مسلما مات عن ابن ابن مسلم فغن هذا الأخير يستحق الإرث من جده، ولو كان ابوه كافرا، فالمعتبر هو اتحاد ديانة الجد والحفيد بصرف النظر عن ديانة الأب، وهذا ما نصت عليه المادة "6" من قانون المواريث "لا توارث بين مسلم وغير مسلم".
2- أن قانون المواريث رفض الأخذ بطريقة أهل التنزيل فى ميراث ذوى الأرحام، لما يلزم على هذه الطريقة من حرمان الشخص من الميراث لمعنى فى غيره، وهو الأمر الذى تأباه قواعد الميراث، فعلى هذه الطريقة إذا أنزلنا ذا الرحم منزلة المدلى به، فإنه يرث بإرثه، ويحرم بحرمانه، فلو كان المدلى به رقيقا أو كافرا فإن ذا الرحم يحرم من الميراث، لا لمعنى فيه، وإنما لمعنى فى غيره( ).
ولهذا الأمر الفاحش رفض المقنن الأخذ بهذه الطريقة وأخذ بطريقة أهل القرابة كما تفيد المواد 31-37 من قانون المواريث، وحاصل ذلك أننا إذا اعتبرنا الوصية الواجبة ميراثا أو كالميراث، فإنه ينبغى أن يمنع منها ما يمنع من الإرث، وهو كما رأينا معنى فى الشخص ملاحظ بالنسبة إلى طرفى الإرث دون غيرهما، فيكون الحكم كذلك فى الوصية.
وعلى هذا فإننى أرى أن تفسر عبارة "بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا فى تركته لو كان حيا عند موته" تفسيرا ضيقا يتوقف عند حد تقدير النصيب المستحق، دون تعويل على صلاحية هذا الولد للإرث من هذه التركة، ودون نظر لأهلية الحفيد فى إرث والده.
ويصوب هذا التفسير فى نظرى أن تتمه عبارة النص تقول "وجبت للفرع فى التركة وصية بقدر هذا النصيب فى حدود الثلث بشرط أن يكون غير وارث"، حيث انصب الشرط على الفرع دون أصله وكل ما عول عليه بالنسبة للأصل هو قدر نصيبه متى لم يزد على ثلث التركة.

المبحث الثالث
مقدار الوصية الواجبة والحجب فيها وطريقة استخراجها
أولا مقدار الوصية الواجبة :
حدد القانون مقدار هذه الوصية بما كان يستحقه أصل الأحفاد ميراثا لو أنه تأخر موته عن موت الجد، بشرط أن يكون فى حدود ثلث التركة، فإذا زاد عنه اعتبر الثلث فقط.
فلو مات شخص عن "بنت" و"بنت بنت" ماتت أمها فى حياة هذا الشخص وأم وترك 60 فدانا.
فللبنت 1 التركة 30 فدانا.
2
وللأم 1 التركة 10 أفدنة.
6
ولبنت البنت 1 التركة وصية واجبة 20 فدانا ويلاحظ أن ما ستحقه
3
البنت أقل مما كانت تستحقه أمها بفرض حياتها، فعلى هذا الفرض كانت التركة توزع على النحو الآتى :
للبنتين "الثلثان" وللأم "السدس".
ومجموع هذه السهام "5" أى أقل من اصل المسألة، فيرد الباقى على البنتين والأم بنسبة هذه السهام 60 فدانا ÷ 5 سهام = 12 فدانا للسهم الواحد للأم سهم (12) فدانا، ولكل واحدة من البنتين 24 فدانا ونظرا لن ما يستحقه "الأصل" – أم البنت – أكثر من ثلث التركة فغن بنت البنت تعطى الثلث فقط.
ولكن لو كان ما يستحقه اصل الفرع بفرض حياته أقل من الثلث، فإن الفرع لا يستحق إلا هذا النصيب.
فلو مات شخص عن ابنين، وبنت، وبنت بنت ماتت أمها فى حياة هذا الشخص. فغن لبنت البنت سدس التركة فقط، وهو قدر ما كانت تستحقه أمها لو كانت حية وقت موت أبيها.
بيان ذلك أن التركة تقسم على 3 وهى عدد الرءوس، لكل ابن سهم وللبنتين سهم، ولأنه لا ينقسم عليهما قسمة صحيحة تصح المسألة بضرب أصلها "3" فى عدد رؤوس البنات "2" فيصبح الأصل الجديد "6" لكل ابن سهمان، ولكل بنت سهم واحد فقط وهو يعادل 1 التركة فقط.
6
فإذا كان الفرع واحدا فالحكم كما تقدم.
وإذا تعدد الفروع المستحقون وكانوا من اصل واحد، فإن الأقل من النصيب المستحق للأصل أو الثلث يقسم بينهم قسمة الميراث، للذكر مثل حظ الأنثين.
فلو مات شخص عن ابنين، وثلاثة بنات بنت ماتت فى حياة أبيها، فإن لهؤلاء البنات الثلاثة نصيب أمهم "البنت" يقسم بينهم بالسوية، وإن كان أولاد البنت المتوفاة ابنا وبنتين يقسم نصيب أمهم "البنت" بينهم للذكر مثل حظ الأنثين.
فلو كانت التركة 60 فجانا فلكل واحد من الابنين 24 فدانا، ولأولاد البنت 12 فدانا وصية واجبة، فإن كانوا بنات فلكل منهم 3 أفدنة، وإن كانوا بنتين وولدا، فللولد النصف 6 أفدنة وللبنتين "6" أفدنة لكل منهما ثلاثة أفدنة.
وإن تعددت الفروع وكانوا من أصول مختلفة فإن الوصية تقسم أولا – تقسيم الميراث – بين تلك الأصول، ثم بعد ذلك يقسم نصيب كل أصل على من يوجد من فروعه، قيمة الميراث.
فلو مات شخص عن :
أم، ابن، بنت ابن مات أبوها فى حياة المورث، وابن ابن آخر مات أبوه أيضا فى حياة المورث.
فإن لكل من ابن الابن وبنت الابن وصية واجبة، كل بقدر نصيب أبيه، وبشرط ألا يزيد الجميع عن ثلث التركة.
فللأم 1 التركة، والباقى يقسم بين الأبناء لكل ثلثه ولأن الباقى "5" لا ينقسم على الأبناء الثلاثة قسمة صحيحة، فيجب أن تصحح التركة بضرب أصلها 6× 3= عدد الرؤوس فيصبح الأصل الجديد 18.
للأم 18 × 1 = 3.
6
ولكل واحد من الأبناء 15 = 5 سهام.
3
للحى منهم 5، وللمتوفين 5 ×2 = 10.
ولأن "10" تزيد على ثلث التركة فإنها تنقص إلى الثلث 18× 1 = 6.
3
فيستخرج من التركة قيمة ستة أسهم وصية واجبة تقسم على الأصلين (أب، الابن، وأب البنت) فيكون لكل منهما ثلاثة تعطى لفرعه.
وعلى هذا يكون حل المسألة على النحو الآتى. وبفرض أن التركة 180 فدانا.
أولا : تقسم التركة قسمة الميراث وبفرض الأصول أحياء.
أم ثلاثة أبناء
1
6 الباقى وأصل المسألة 6
ولأنها لا تقسم على الأبناء دون كسر فإنها كسر لأنها تصحح 6×3=18.
وتصبح الـ"18" هى الأصل الجديد.
للأم 3 وللأبناء "15" لكل منهم "5".
ونظرا لأن مجموع ما يستحق بالوصية 5×2= 10 أى أكثر من ثلث فإنه ينقص إلى الثلث.
ثلث التركة 18 × 1 = 6 وهو ما يستحق وصية واجبة.
3
قيمة السهم = 180 ÷8 = 10 أفدنة.
نستخرج الوصية الواجبة فى حدود الثلث 180 × 1 = 60 فدانا.
3
والباقى 120 يقسم مرة أخرى بين الأم، والابن الحى.
للأم السدس 120 × 1 = 20 فدانا.
6
وللابن الباقى 120 – 20 = 100 فدانا.
ثم تقسم الوصية على الأصول 60 = 30 لكل منهما يستحقها فرعه.
2
فإن كان فرع كل منهما متعددا قسم هذا النصيب بينهم قسمة الميراث.
ثانيا : الحجب فى الوصية الواجبة :
لقاعدة الحجب فى الوصية الواجبة مجال، ولكنه ليس كمجالها فى المواريث، وذلك لأنها فى الإرث تطبق بشقيها وهما :
1- الأقرب يحجب الأبعد.
2- كل من يدلى إلى الميت بشخص لا يرث مع وجود هذا الشخص.
بينما لا تطبق فى الوصية الواجبة إلا على أساس الشق الثانى فقط، فكل أصل من أولاد الأبناء يحجب فرعه فقط دون فرع غيره.
فلو أن زيدا كان له ابن مات فى حياته، وترك بكرا وخالدا ثم انجب بكر محمد ثم مات زيد عن ورثة، وعن بكر وابنه محمد وعن خالد، قال محمدا بن بكر لا يستحق وصية واجبة لأنه محجوب ببكر أبيه أو أصله.
بينما لو أن بكرا كان قد مات فى حياة زيد، ثم مات زيد عن ورثة محمد بن بكر، وعمه الذى هو خالد فإن الوصية الواجبة تثبت لكليهما معا ولا يحجب محمد بخالد، لأن خالدا ليس أصله.
وهكذا فالضابط للاستحقاق أن "كل من يدلى إلى الميت بشخص لا يستحق مع وجود هذا الأصل".
ثالثا : طريقة استخراج الوصية الواجبة :
لم يبين القانون طريقة استخراج الوصية الواجبة بالطرق الحسابية، بل بين القاعدة، والأصول التى تبنى عليها المسائل، وترك للمطبقين له طريقة الاستخراج بالطرق الحسابية، وهذا لا يعيب القانون إذ ليست هذه الأرقام حكما يجب بيانه، ولكنها حساب يلاحظ فى استخراج الأرقام فيه أن تكون مطابقة تماما المطابقة لألفاظ القانون وقواعده، ومقاصده.
وقد قيد القانون من يستخرج حساب الوصية الواجبة بقيود ثلاثة هى :
أولها : ألا تزيد الوصية الواجبة على الثلث، لأن المقدار الذى خصصه الله سبحانه للوصية عامة هو الثلث فلا تتجاوزه الوصية.
ثانيها : أن تنفذ على أساس أنها وصية لا ميراث، والوصايا تنفذ من كل التركة ومن رأسها بحيث تنال نصيب كل وارث من الورثة بالنقص، فلا يختص بالنقص فريق دون فريق.
ثالثها : أن تكون بمقدار نصيب الأصل المتوفى فى حياة من تقع الوصية فى تركته فلا تتجاوزه، لأن الغرض العام من القانون أن يأخذ الفرع نصيب أصله الذى توفى فى حياة أحد أبويه، لا أن يأخذ أكثر منه، لأن المادة 76 تنص على أن يأخذ مثل ما كان يـأخذ أصله لو كان حيا، فهو يفرض حيا، ويعطيه ما كان يأخذه على ذلك الفرض، وليس من المعقول أن نعطى الفرع أكثر مما كان يأخذ أصله، وهو ما أخذ إلا عن طريقة وباسمه.
واستخراج الوصية الواجبة فى إطار تلك القيود الثلاثة :
هى الطريقة التى ارتضاها جمهرة شراح قانون الوصية الواجبة، بينما اعتبر البعض أن طريقة استخراج هذه الوصية مما سكت عنه القانون ومن ثم يرجع فى بيانها إلى الراجح فى مذهب الحنفية، باعتباره الأصل الذى يرجع إليه عند عدم النص، وأقرب الأحكام المنصوص عليها فى مذهب الحنفية إلى الوصية الواجبة هى مسألة الوصية بمثل نصيب وارث.
وقد انتقد هذا الرأى على أساس :-
1- أن الوصية الواجبة لم تؤخذ من مذهب الحنفية، بل لا أساس لها فى هذا المذهب ولا فى غيره من المذاهب الأربعة المعروفة، ومن ثم فلا محل للإحالة على الراجح من المذهب الحنفى.
2- أن القانون صريح فى أنه لا يجوز أن يزيد المستحق بالوصية عما كان يستحقه الأصل، وقد أظهرت الحلول التطبيقية على أساس مثل نصيب وارث أن الفرع قد يأخذ – فى بعض الأحوال – أكثر مما كان يستحق أصله لو كان حيا، وفى هذا مخالفة لنص القانون وغرض المقنن.
وعلى أساس الطريقة الأولى المرتضاة فإن استخراج الوصية الواجبة يتم على النحو الآتى :-
أولا : نفترض أن الأصل الذى مات فى حياة المورث موجودا، ثم نقوم بتقسيم التركة بين الورثة جميعا وفيهم هذا الأصل لمعرفة نصيبه.
ثانيا : ننظر فى نصيب الأصل – المفترض حيا – فإن كان فى حدود ثلث التركة فذاك هو مقدار الوصية الواجبة، وإن كان أكثر من ذلك كانت الوصية هى الثلث فقط.
ثالثا : نقوم بطرح مقدار الوصية من أصل التركة، ونعطيه لصاحبها، ويصبح الباقى بعد طرح مقدار الوصية تركة جديدة توزع على الورثة الموجودين عند وفاة المورث.
رابعا : يوزع الباقى بعد الوصية الواجبة على الورثة الموجودين بتوزيع جديد، من غير نظر إلى الولد – أصل الفرع – الذى فرض حيا.
مثال
لو مات شخص عن أم، ابنين، وابن بنت ماتت فى حياة أبيها، وترك 6048جنيه.
فإننا
1- نقسم التركة على أساس حياة البنت.
أم ابنين وبنت أصل المسألة
1
6 الباقى 6
1 5 (2+2+1) السهام
2- نصيب البنت "الأصل المفترض حيا هو 1 التركة وهو قطعا أقل من
6
الثلث الحد الأقصى للوصية.
3- قيمة السهم 6048 ÷ 6 = 1008جنيه وهى قدر الوصية هنا.
4- الباقى بعد الوصية 6048 –1008= 5040.
5- الورثة بعد استخراج الوصية هما
أم ابنان
والتركة بعد استخراجها هى 5040 جنيه.
تقسم قسمة جديدة للم 1، وللابنين الباقى، ولنه لا ينقسم عليهما قسمة
6
صحيحة تصحح المسألة بضرب أصلها 6 فى عدد الرؤوس 2 فيكون الأصل الجديد 12 للأم سهمان وللابنين عشرة أسهم.
قيمة السهم = 5040 ÷ 12 = 420.
نصيب الأم = 420 × 2 = 840.
نصيب كل ابن = 420 × 5 = 2100.
أمثلة أخرى :
مثال 1 :
توفى شخص عن : زوجة، وبنت ابن، وبنت بنت توفيت أمها فى حياة المتوفى، وأخ لأب، والتركة 48 فدانا من الأراضى الزراعية فكيف توزعها؟
الحل :
بنت البنت هنا تستحق وصية واجبة، ومقدارها نصيب أمها على فرض حياتها فى حدود الثلث، وعلى ذلك توزع التركة أولا على فرض حياة البنت لمعرفة نصيبها، ثم يعطى هذا النصيب بنتها إن كان مقداره الثلث أو أقل، فإن كان أكثر من الثلث يقتصر منه على الثلث فقط، ويوزع باقى التركة على الورثة الفعلين، بعد استبعاد مقدار الوصية الواجبة.
وفيما يلى خطوات الحل :
أولا : توزيع التركة على فرض حياة البنت لمعرفة مقدار الوصية الواجبة :
الورثة الفروض الأصل والأسهم التعليل
24
زوجة 1
8 3 لوجود الفرع الوارث.
بنت (المتوفاة) 1
2 12 لانفرادها وعدم وجود من يعصيها.
بنت ابن 1
6 4 لوجود بنت صلبية واحدة.
أخ لأب الباقى تعصيبا 5 لأنه عاصب بنفسه.
مقدار السهم = 48 ÷ 24 = 2 فدان.
نصيب البنت المتوفاة = 2 ×12 = 24 فدانا.
نسبة نصيبها إلى التركة = 24 = 1 أى نصف التركة.
48 2
ولما كان نصيب البنت المتوفاة أكثر من الثلث، فإنه يقتصر منه على الثلث وهو = 48 ÷ 3 = 16 فدانا فيعطى لبنتها كوصية واجبة.
ثانيا : الباقى من التركة بعد استخراج الوصية الواجبة :
= 48 – 16 = 32 فدانا.
ثالثا : توزيع باقى التركة على الورثة الفعلين :
الورثة الفروض الأصل والأسهم التعليل
8
زوجة 1
8 1 لوجود الفرع الوارث.
بنت ابن 1
2 4 لانفرادها وعدم وجود من يعصبها ولا بنت صلبية
أخ لأب الباقى تعصيبا 3 لأنه عاصب بنفسه.
مقدار السهم = 32 ÷ 8 = 4 أفدنة.
نصيب الزوجة = 4 × 1 = 4 أفدنة.
نصيب بنت الابن = 4 × 4 = 16 فدانا.
نصيب الأخ = 4 × 3 = 12 فدانا.
مثال 2 :
توفى شخص عن : زوجة، وأب، وابن، وابن ابن توفى والده فى حياة المتوفى والتركة 96 فدانا من الأراضى الزراعية. فكيف توزعها؟
الحل :
ابن الابن هنا يستحق وصية واجبة ومقدارها نصيب أبيه على فرض حياته فى حدود ثلث التركة، وعلى ذلك فتوزع التركة أولا على فرض حياة الابن الآخر لمعرفة نصيبه، ثم يعطى هذا النصيب لابنه إن كان مقداره الثلث أو أقل. فإن كان أكثر من الثلث يقتصر منه على الثلث فقط، ويوزع باقى التركة على الورثة الفعليين، بعد استبعاد مقدار الوصية الواجبة.
وفيما يلى خطوات الحل :
أولا : توزيع التركة على فرض حياة الابن الآخر لمعرفة مقدار الوصية الواجبة.
الورثة الفروض الأصل والأسهم التصحيح والأسهم التعليل
24 48
زوجة 1
8 3 6 لوجود الفرع الوارث.
أب 1
6 4 8 لوجود الفرع الوارث المذكر
ابن الباقى تعصيبا 17 17 34 لأنهما عصبة بالنفس.
ابن (المتوفى) 17
مقدار السهم = 96 ÷ 48 = 2 فدان.
نصيب الابن المتوفى = 2 × 17 = 34 فدانا.
نسبة نصيبه إلى التركة = 34 أى أكثر من الثلث لأن الثلث = 32
96 96
ولما كان نصيب الابن المتوفى أكثر من الثلث، فإنه يقتصر منه على الثلث وهو = 96÷ 3 = 32 فدانا، فيعطى لابنه كوصية واجبة.
ثانيا : الباقى من التركة بعد استخراج الوصية الواجبة.
= 96 – 32 = 64.
ثالثا : توزيع باقى التركة على الورثة الفعليين :
الورثة الفروض الأصل والأسهم التعليل
24
زوجة 1
8 3 لوجود الفرع الوارث.
أب 1
6 4 لوجود الفرع الوارث المذكر.
ابن الباقى تعصيبا 17 لأنه عاصب بنفسه.
مقدار السهم = 64 ÷ 24 = 2 2 فدان.
3
نصيب الزوجة = 2 2× 3 = 8 أفدنة.
3
نصيب الأب = 2 2× 4 = 1 10 فدان.
3 3
نصيب الابن = 2 2× 3 = 1 45 فدان.
3 3
مثال 3 :
توفى شخص عن : زوجة، وأب، وابن، وبنت، وابن وبنت ابن توفى أبوهما فى حياة المتوفى، والتركة 25920 جنيه، فكيف توزعها؟
الحل :
ابن وبنت الابن يستحقان وصية واجبة، ومقدارها نصيب أبيهما على فرض حياته فى حدود ثلث التركة يقسم بينهما للذكر ضعف نصيب الأنثى، وعلى ذلك تتوزع التركة أولا على فرض حياة أبيهما لمعرفة نصيبه، ثم يعطى هذا النصيب لولديه إن كان مقداره الثلث أو أقل. فإن كان اكثر من الثلث يقتصر منه على الثلث فقط، ويوزع باقى التركة على الورثة الفعليين، بعد استبعاد مقدار الوصية الواجبة.
وفيما يلى خطوات الحل :
أولا : توزيع التركة على فرض حياة الابن الآخر لمعرفة مقدار الوصية الواجبة .
الورثة الفروض الأصل والأسهم التصحيح والأسهم التعليل
24 120
زوجة 1
8 3 15 لوجود الفرع الوارث.
أب 1
6 4 20 لوجود الفرع الوارث المذكر
ابن الباقى تعصيبا 17 34 85 لأنهم عصبة.
ابن (المتوفى) 34
بنت 17
مقدار السهم = 25920 ÷ 120 = 216 جنيه.
نصيب الابن المتوفى = 216 × 34 = 7344 جنيه.
نسبة نصيبه إلى التركة = 7344 = أقل من الثلث لأن الثلث = 8640
25920 25920
ولما كان نصيب الابن المتوفى أقل من الثلث، فإنه يعطى لولديه كوصية واجبة يقسم بينهما للذكر ضعف نصيب الأنثى، فيكون للابن 4896 جنيها ولبنت 2448 جنيها.
ثانيا : الباقى من التركة بعد استخراج الوصية الواجبة.
= 25920 – 7344 = 18576 جنيها.
ثالثا : توزيع باقى التركة على الورثة الفعليين :
الورثة الفروض الأصل والأسهم التصحيح والأسهم التعليل
24 48
زوجة 1
8 3 9 لوجود الفرع الوارث.
أب 1
6 4 12 لوجود الفرع الوارث المذكر
ابن الباقى تعصيبا 17 34 51 لأنهم عصبة
بنت 17
مقدار السهم = 18576 ÷ 72 = 258 جنيها.
نصيب الزوجة = 258 × 9 = 2322 جنيها.
نصيب الأب = 258 × 12 = 3096 جنيها.
نصيب الابن = 258 × 34 = 8772 جنيها.
نصيب البنت = 258 × 17 = 4386 جنيها.
الباب الثالث
تزاحم الوصايا ومبطلاتها
تمهيد وتقسيم :
إذا استوفت الوصية أركانها وشروطها ولزمت بقبول الموصى له أو أوجبت بحكم القانون، وجب فى الأصل نفاذها فى القدر الجائز الإيصاء به، غير أن هذا الأصل قد يشق الوصول إليه، لعدم وجود مال للموصى تنفذ فيه، أو لفنائه بالديون، وقد يكون هناك مال غير أن الموصى أنشأ عدة وصايا لا يحتملها الثلث، أو أنشأ وصية أو أكثر، وأوجب القانون وصايا أخرى زاحمت ما أنشأ، فعندئذ كيف السبيل إلى دفع هذا التزاحم؟
وقد يحدث أن تنشأ الوصية صحيحة ثم يعرض لها ما ينفى بقاءها على أصل الصحة، فتبطل وذلك لأسباب متعددة عرض لها القانون فى أكثر من عشر مواضع. فما هى مبطلات الوصية؟
وفى هذا الباب نعالج فى إيجاز تزاحم الوصايا ومبطلاتها فى فصلين :
الفصل الأول : تزاحم الوصايا.
الفصل الثانى : مبطلان الوصايا.

الفصل الأول
تزاحم الوصايا
يقصد بتزاحم الوصايا : تعددها وعدم اتساع الثلث لها كلها، إن لم يجز الورثة، أو أجازوا وكانت التركة لا تتسع لها جميعها.
فإن اتسع الثلث لكافة الوصايا، أو كانت تنفذ فى الزائد وأجاز الورثة واتسعت التركة فإننا لا نكون أمام تزاحم الوصايا.
فإن تزاحمت الوصايا وجب مراعاة الآتى :
أولا : إذا كان من بين الوصايا المتزاحمة وصية واجبة :
فإنه يجب تنفيذ الوصية الواجبة أولا، وإن استغرق ذلك الثلث كله، فإن نفذت الوصية الواجبة وبقى من التركة شئ نفذت فيه الوصية الاختيارية، وإن لم يبق شئ بطلت الوصية الاختيارية.
مثال
توفى شخص عن ابنين وابن ابن توفى أبوه فى حياة المتوفى، وكان المتوفى قد أوصى بثلث ماله لشخص، وبالسدس لشخص آخر.
الحل
1- القاعدة أنه عند التزاحم يقدم حق أصحاب الواجبة سواء أكان المتوفى قد أوصى لهم فعلا بحقهم، أو لم يوص واستحقوها بحكم القانون.
2- يستحق الحفيد مثل ما كان يستحقه أصله لو لم يمت فى حياة المورث.
3- يجرى تقسيم التركة فى الوصية الواجبة على افتراض أن الأصل حى، فإن كان ما يستحقه هو الثلث فأقل، استحقه الحفيد دون توقف على إجازة أحد.
4- ولما كان ما يستحقه الأصل من التركة هو الثلث، فإن الوصية الواجبة تكون بالثلث، وتنفذ دون إجازة أحد.
ولأنها استغرقت الثلث كله فإن الوصايا الاختيارية تبطل.
وإذا كانت الوصية الواجبة لا تستغرق الثلث كله فإنها تنفذ فيما تستغرقه، وتنفذ الوصايا الاختيارية فى الباقى من الثلث.
مثال
مات شخص عن أربعة أبناء وابن ابن توفى أصله فى حياة المورث وكان قد أوصى لمستشفى بلده بـــ1 من تركته ولمسجدها بثلث تركته؛ وترك
12
300 فدان.
الحل
قواعد الحل :
1- عند تزاحم بين الوصايا يقدم حق أصحاب الوصية الواجبة.
2- تستخرج الوصية الواجبة من التركة بعد استخراج الوصايا الاختيارية، ولكنها تحسب من الثلث على أساس التركة كلها.
3- إذا لم تستغرق الوصية الواجبة الثلث يقسم الباقى على الوصايا الاختيارية بنسبة حصة كل منها فى التركة.
وعلى أساس ذلك :
أولا : تستخرج الوصية الواجبة وهى الخمس :
مات عن خمسة أبناء فالتركة تقسم أخماسا لكل ابن خمس ولأن الحفيد يستحق ما كان يستحقه أصله بفرض حياته بشرط ألا يزيد على الثلث. فالحفيد يستحق الخمس وصية واجبة.
ثانيا : يستخرج ما تنفذ فيه الوصايا وهو الثلث.
300 فدان × 1 = 100 فدان.
3
ثالثا : يستخرج ما يستحقه الحفيد من الباقى بعد الثلث.
200 × 1 = 40 فدان.
5
رابعا : تخصم الوصية الواجبة من الثلث.
100- 40= 60 فدانا.
ثانيا : التزاحم بين الوصايا الاختيارية :-
الوصايا الاختيارية هى التى ينشئها الموصى بإرادته، ولم يكن القانون موجبا لها.
وهذا النوع من الوصايا قد يكون الباعث عليه صلات اجتماعية وتلك هى الوصايا للعباد، أو أفراد الناس، وقد يكون الباعث عليها غرضا دينيا كالوصية بالواجبات والنوافل، وتسمى وصايا القربات – جمع قربة – أى ما يتقرب به إلى الله تعالى.
والتزاحم بين الوصايا الاختيارية قد يكون بين أفراد نوع واحد من هذين النوعين، وقد يكون بين خليط منهما معا.
وعلى ذلك فالتزاحم بين الوصايا الاختيارية يأخذ صورا ثلاث :
أ- أن يكون التزاحم بين وصايا العباد.
ب- أن يكون التزاحم بين وصايا القربات.
جـ- أن يكون التزاحم بين وصايا القربات والعباد.
1- التزاحم بين وصايا العباد :
إذا تزاحمت وصايا العباد قسم القدر التى تنفذ فيه الوصايا بنسبة كل منها.
فمثلا
أوصى لحسام بثلث تركته ولصفاء بنصفها، ولخالد بسدسها ورفض الورثة نفاذ التركة فى الزائد على الثلث، وكان الميت قد ترك 21 فدانا.
والحل
1- تنفذ الوصايا الثلاث فى الثلث ويستحق كل موصى له بنسبة وصيته.
2- النسب 1 : 1 : 1
2 3 6
نوحد المقامات على أساس مقام واحد يقبل القسمة على الجميع.
6 : 4 : 2 = 6 : 4 : 2
12 12 12
3- ثلث التركة = 21 × 1 = 7 أفدنة تقسم على الموصى لهم بالنسبة.
3
4- ولأن قدر الثلث لا يقبل القسمة على الوصايا دون كسر فإن نحول الأفدنة إلى قراريط 7× 24= 168 قيراطا.
حصة السهم الواحد = 168 ÷ 12= 14 قيراطا.
ما يستحقه الموصى له بالنصف = 14 ×6 = 84 قيراطا.
ما يستحقه الموصى له بالثلث = 14 ×4= 56 قيراطا.
ما يستحقه الموصى له بالربع = 14 ×2 = 28 قيراطا.
2- التزاحم بين الوصايا القربات :
إذا تزاحم وصايا القربات فإنها إما أن تكون متحدة الدرجة أو متفاوتة الدرجة.
وتتحد درجتها متى كانت كلها بالفرائض، كالوصية بما عليه من حج وزكاة، أم كانت كلها واجبات كالوصية بما عليها من صدقة الفطر والنذور، أو كلها نوافل كالوصية بالصدقة على الفقراء.
وإن كان بعضها فرائض كالوصية بالحج، والبعض الآخر واجبات كالصدقة، والبعض الثالث بالنوافل، فهذه الوصايا متفاوتة الدرجة.
وفى تنفيذ هذه الوصايا :
أ- إن وسعها القدر الذى تنفذ فيه أصلا، أو على أساس الأصل والإجازة نفذت جميعها.
ب- وإن لم يسعها يفرق بين فرضين :
الفرض الأول : أن يبين الموصى لكل وصية سهاما خاصة، فإن قسم القدر الذى تنفذ فيه الوصية بين الوصايا بالمحاصة.
فمثلا
لو أوصى بثلث ماله للزكاة، وربعه للحج، وسدسه للفقراء.
قسم الثلث – مثلا – بنسبة 1 : 1 : 1 أى 4 : 3 : 2
3 4 6
فيقسم الثلث على "9" مجموع السهام للزكاة أربعة سهام وللحج ثلاثة وللفقراء سهمان.
الفرض الثانى : ألا يبين الموصى لكل وصية سهاما خاصة.
فحينئذ يقسم القدر الذى تنفذ فيه الوصية على النحو الآتى :
1- إذا اتحدت درجة القربات كأن كانت كلها فرائض فإن الوصية تقسم بينها بالتساوى.
فمثلا
إذا أوصى بثلث ماله للحج والزكاة والكفارة قسم الثلث أثلاثا بين الثلاث.
وعلى ما تذكر المذكرة الإيضاحية فإن هذا هو رأى زفر من الحنفية، أما أبو حنيفة والصاحبان فقد نقل عنهم روايتان : ( )
أرجحها : أنه عند التزاحم بين القربات المتحدة الدرجة يقدم الأسبق فى الذكر، فإن وسعه الثلث كان له وبطلت الوصية فى المتأخر فى الذكر.
والثانى : يقدم الأقوى عبادة وقربة وثبوتا. فمثلا يقدم الحج لأنه عبادة بدينه ومالية على الزكاة لأنها عبادة بدينة فقط، وقد تقدم الزكاة لأنها ثالثة الأركان والحج خامسها.
ومع أخذ القانون برأى زفر، فإن الرأيين الآخرين لا تنتفى الحاجة إليهما، إذ يتصور مثلا أن يوصى أن يحج عنه ويؤدى عنه زكاة ماله ولا يفى الموصى به لأداء الاثنين معا، أو لا تفى نسبة الحج بأدائه ولم ينص القانون على شئ من ذلك وأرى أنه احتراما لغرض الموصى ينبغى – عند عدم وفاء النسبة بالغرض – الأخذ بأحد الرأيين الآخرين ويترك التعيين للقاضى.
2- إذا اختلفت درجة القربات قدم الأقوى منها فإن أوصى بحج ونذر وصدقة قدم الحج، وإن أوصى بنذر فى طاعة وصدقة قدم النذر.
وسبب ذلك أن الفرائض والواجبات المالية تعتبر كالديون فتكون مقدمة على سائر الوصايا لما فيها من معنى الدين( ).
3- التزاحم بين وصايا العباد ووصايا القربات :
إذا وقع ذلك فى نظرنا :
فإذا كان الموصى قد عين سهاما لكل وصية قسم المال المخصص لتنفيذها بالمحاصة بنسبة السهام، وما يخص وصايا القربات من ذلك يتبع فيه ما ذكرناه فى الصورة الثانية.
وإن لم يعني سهاما قسم الموصى به بين الوصايا المختلفة بالتساوى.
وعلى ما تقدم نصت المواد 80، 81، 82 بقولها :
المادة (80) - إذا زادت الوصايا على ثلث التركة وأجازها الورثة وكانت التركة لا تفى بالوصايا، أو لم يجيزها وكان الثلث لا يفى بها، قسمت التركة أو الثلث على حسب الأحوال بين الوصايا بالمحاصة، وذلك مع مراعاة ألا يستوفى الموصى له بعين نصيبه إلا من هذه العين.
مادة (81) – إذا كانت الوصية- بالقربات ولم يف بها ما تنفذ فيه الوصية فإن كانت متحدة الدرجات كانت متساوية فى الاستحقاق، وإن اختلفت درجاتها قدمت الفرائض على الواجبات على النوافل.
مادة (82) – إذا تزاحمت الوصايا بالمرتبات ومات بعض الموصى لهم أو انقطعت جهة من الجهات الموصى لها بالمرتب كان نصيبها لورثة الموصى.

الفصل الثانى
مبطلات الوصية
سبق أن ذكرنا أن القانون عرض لمبطلات الوصية فى عشر من مواده، وأكثر أسباب البطلان التى ذكرها القانون أشرنا إليها فى ثنايا كلامنا فى الأبواب السابقة، ومن ثم فإننا نقتصر هنا فقط على جميع ما فرقناه.
أولا : تبطل الوصية بأسباب ترجع إلى الوصى وهى :
1- رجوع الموصى عن الوصية. 2- زوال أهليته.
ثانيا : وتبطل الوصية بأسباب ترجع إلى الموصى له وهى :
1- موت الموصى له المعين قبل موت الموصى سواء علم الموصى بموته أم لا. كما تبطل الوصية بالمنفعة إذا مات الموصى له قبل ابتداء مدة الانتفاع، وبداهة فإن ذلك يقع بعد موت الموصى.
2- رد الموصى له الوصية.
3- قتل الموصى له الموصى عمدا وعدوانا وكان القاتل بالغا من العمر خمس عشرة سنة.
4- تعذر وجود الجهة الموصى لها فى حالة الوصية لجهة غير موجودة عند إنشاء الوصية، وكذلك تحقق اليأس من وجود الموصى له فى الوصية للمعدوم، وذلك بعد وفاة الموصى.
ثالثا : وتبطل الوصية بأسباب ترجع إلى الموصى به وهى :
1- هلاك الموصى به إذا كان معينا بالذات أو بالنوع.
2- استحقاق الموصى به لغير الموصى سواء كان ذلك قبل موت الموصى أو بعده، بل لا يمنع قبض الوصية من بطلانها بالاستحقاق.
فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
الفصل التمهيدى
المبحث الأول : التعريف بالوصية.
المبحث الثانى : التطور التاريخى لنظام الوصية.
المبحث الثالث : حكم الوصية وحكمة مشروعيتها.
المبحث الرابع : الوصية والميراث.
المبحث الخامس : القانون المطبق على الوصية فى مصر.
الباب الأول : أركان الوصية.
تمهيد.
الفصل الأول : الصيغة
المبحث الأول : صيغة الوصية.
المطلب الأول : قوامة صيغة الوصية هو الإيجاب.
المطلب الثانى : تحقق الإيجاب.
المطلب الثالث : أثر الإيجاب الصحيح ومدى لزومه للموصى.
المبحث الثانى : القبول.
المطلب الأول : قيمة القبول.
المطلب الثانى : كيفية القبول.
المطلب الثالث : زمن القبول وصاحب الحق فيه وأثر التعدد فى القبول.
المطلب الرابع : وقت القبول وأثر ذلك فى حكم الرد.
المطلب الخامس : وقت انتقال الملكية إلى الموصى له.
المبحث الثالث : تعليق الوصية على الشرط، واقترانها به وإضافتها إلى الزمن.
المطلب الأول : تعليق الوصية على الشرط.
المطلب الثانى : اقتران الوصية بالشرط.
المطلب الثالث : إضافة الوصية إلى الزمن.
الفصل الثانى : الموصى.
المبحث الأول : العقل كشرط لإنشاء الوصية وبقائها.
المطلب الأول : العقل شرط لإنشاء الوصية.
المطلب الثانى : العقل كشرط لبقاء الوصية.
المبحث الثانى : البلوغ.
- وصية الصبى.
المبحث الثالث : الرشد.
1- اختلاف العلماء فى وصية غير الرشيد.
2- موقف القانون من شرط الرشد.
3- رأى فى وصية القاصر ونقده.
المبحث الرابع : الرضا أو الاختيار.
المطلب الأول : وصية السكران.
المطلب الثانى : وصية الهازل.
المطلب الثالث : وصية المكره.
المطلب الرابع : وصية المخطئ.
المبحث الخامس : هل يشترط اتحاد الديانة والجنسية بين الموصى والموصى له.
المطلب الأول : وصية غير المسلم.
المطلب الثانى : وصية المسلم لغير المسلم.
المطلب الثالث : وصية الأجنبى للأجنبى.
1- ولاية القاضى المسلم على وصايا الأجانب.
2- القانون الواجب التطبيق على وصايا الأجانب.
المبحث السادس : أثر الدين فى صحة الوصية ونفاذها.
الفصل الثالث : الموصى له.
المبحث الأول : الشروط الواجب توافرها فى الموصى له لصحة الوصية ابتداء.
المطلب الأول : وجود الموصى له.
أولا : الوصية للمعين.
ثانيا : الوصية لغير المعين.
ثالثا : الوصية للجهات.
المطلب الثانى : العلم بالموصى له.
المطلب الثالث : ألا يكون الموصى له جهة معصية.
المبحث الثانى : شرط استحقاق الموصى له الوصية (ألا يكون قاتلا للموصى).
أولا : اختلاف العلماء حول أثر القتل فى الوصية.
ثانيا : القتل المانع من صحة الوصية.
المبحث الثالث : الوصية لوارث.
أولا : مذاهب الفقهاء فى الوصية لوارث.
تعليق هام على مذهب الشيعة فى الوصية لواجب.
الرأى الراجح فى الوصية لوارث.
ثانيا : الوصية لوارث فى التقنينات العربية.
الفصل الرابع : الموصى به.
المبحث الأول : شروط الموصى به.
أولا : أن يكون الموصى به مما يجرى فيه الإرث أو يصلح محلا للتعاقد حال الحياة.
ثانيا : أن يكون الموصى به متقوما عند الموصى .
إن كان مالا.
الخمر والخنزير فى حق غير المسلم.
(دعوى وتمحيصها).
المبحث الثانى : وجود الموصى به.
المبحث الثالث : شرط نفاذ الوصية.
(أن كون الموصى به فى حدود ثلث التركة).
- الخلاف الفقهى.
- وصية من لا ورثة له.
- شرط استحقاق الوصية بالزائد على الثلث.
- وقت اعتبار الثلث.
- موقف القانون من وقت اعتبار الثلث.
- نفاذ الوصية فى الزائد على الثلث.
- شروط الإجازة فيما زاد على الثلث.
- تطبيقات عملية على الوصية بأكثر من الثلث.
الباب الثانى : أنواع الوصايا وما يتعلق بها من أحكام.
الفصل الأول : الأحكام المتعلقة بأنواع الوصايا بالنظر إلى الموصصى به.
المبحث الأول : الوصية للمعدوم.
المبحث الثانى : الوصية للحمل.
المبحث الثالث : الوصية المشتركة.
الفصل الثانى : أحكام الوصية باعتبار الموصى به.
المبحث الأول : الوصية بالأعيان.
المطلب الأول : هلاك الموصى به أو استحقاقه وأثر ذلك على الوصية.
المطلب الثانى : الوصية بالمجهول.
أولا : الوصية بنصيب وارث معين.
ثانيا : الوصية بنصيب وارث غير معين أو بمثل نصيبه.
ثالثا : الوصية بنصيب وارث وبسهم شائع فى التركة.
رابعا : الوصية بنصيب وارث وبعين من التركة.
خامسا : الوصية بنصيب وارث وبقدر محدد من النقود.
المطلب الثالث : الوصية المتعلقة بتركة فيها دين على الغير أو مال غائب.
المبحث الثانى : أحكام الوصية بالمنفعة.
المطلب الأول : مشروعية الوصية بالمنفعة.
المطلب الثانى : أنواع الوصية بالمنافع من حيث المدة.
المطلب الثالث : تقدير المنفعة.
المطلب الرابع : ملكية العين الموصى بمنفعتها والتصرف فيها.
المطلب الخامس : طريقة استيفاء المنفعة.
المطلب السادس : انتهاء الوصية بالمنفعة.
المبحث الثالث : وصايا أخرى نص عليها القانون.
1- الوصية بالحقوق.
2- الوصية بالإقراض.
3- الوصية بقسمة أعيان التركة.
4- الوصية بالتصرف فى عين معينة.
5- الوصية بالمرتبات.
الفصل الثالث : الوصية الواجبة.
المبحث الأول : مشروعية الوصية الواجبة والعلاقة بينها وبين الإرث.
المطلب الأول : مشروعية الوصية الواجبة.
- الوصية الواجبة فى التقنينات العربية.
المطلب الثانى : العلاقة بين الوصية الواجبة والإرث.
المبحث الثانى : المستحقون للوصية الواجبة وشروط استحقاقها.
المبحث الثالث : مقدار الوصية الواجبة والحجب فيها وطريقة استخراجها.
أولا : مقدار الوصية الواجبة.
ثانيا : الحجب فى الوصية الواجبة.
ثالثا : طريقة استخراج الوصية الواجبة.
الباب الثالث : تزاحم الوصايا ومبطلاتها.
الفصل الأول : تزاحم الوصايا.
الفصل الثانى : مبطلات الوصية.
فهرس الموضوعات.
BAHRAIN LAW
مدير الموقع
مدير الموقع
 
مشاركات: 758
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 17, 2008 5:36 pm
الجنس: ذكر


العودة إلى مسائل الاحوال الشخصية

 


  • { RELATED_TOPICS }
    ردود
    مشاهدات
    آخر مشاركة

الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 32 زائر/زوار