[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/bbcode.php on line 483: preg_replace(): The /e modifier is no longer supported, use preg_replace_callback instead
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/session.php on line 1038: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at [ROOT]/includes/functions.php:3876)
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/functions.php on line 4764: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at [ROOT]/includes/functions.php:3876)
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/functions.php on line 4766: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at [ROOT]/includes/functions.php:3876)
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/functions.php on line 4767: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at [ROOT]/includes/functions.php:3876)
[phpBB Debug] PHP Warning: in file [ROOT]/includes/functions.php on line 4768: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at [ROOT]/includes/functions.php:3876)
عقد البحث العلمي : القانون المدني

عقد البحث العلمي

عقد البحث العلمي

مشاركة غير مقروءةبواسطة BAHRAIN LAW » الأحد أكتوبر 05, 2008 6:44 pm







بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام على رسول الله محمد (ص) وآله الطيبين الطاهرين
م/ ملخص الدراسة

• لعل موضوع حماية الملكية الفكرية من الموضوعات الحيوية الهامة التي تطرح نفسها وبقوة على الساحة القانونية والسياسية والاقتصادية. فمنذ اشتعلت الثورة الصناعية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر بدأ الفكر يتجه إلى ضرورة حماية الابتكار والتقدم العلمي والتكنولوجي من خلال حماية الملكية الفكرية بوجه عام ، وكان كل يوم يمر بعد ذلك يؤكد ضرورة هذه الحماية ، حتى أتي عصرنا الحالي والذي يمكن أن نسميه عصر المعلوماتية ، فقد أصبحت المعلومات أموالاً ترد عليها الحقوق ، وتُعقد بشأنها العقود ، وبدأ الابتكار يتسع ويزداد في هذا المجال ، مما ضاعف من الشعور العام بضرورة حماية الملكية الفكرية على كافة الأصعدة الداخلية والدولية .
• وذلك في ظل سعي مختلف المؤسسات إلى الحصول على المعلومات ونتائجها من اجل توجيه ودعم عملية اتخاذ القرار في تلك المؤسسات.
• ومن اجل تأمين تحقيق انتشار المعلومات بمنأى عن المسؤولية القانونية فقد ظهر عقد البحث العلمي كأحد أهم الآليات القانونية لتحقيق هذه الغاية . إذ إنه يحقق التقاء مصالح كل من طرفيه ، والتي ربما تعجز العقود التقليدية عن تحقيقها ، فقد وجدت فيه مراكز الأبحاث والمؤسسات التعليمية والمشروعات الكبرى اسلوباً مناسباً لاستغلال المعلومات والمعرفة العلمية من دون الاعتداء على الحقوق التي تحميها التشريعات الخاصة بحماية حق المؤلف.
• ويُثير موضوع عقد البحث العلمي العديد من التساؤلات ، منها ما يتعلق بأشخاصه ، واقترابه من مفاهيم قانونية أخرى كعقود نقل التكنولوجيا وعقد المشورة ، ومنها ما يخص تحديد طبيعته القانونية وهل إن خصوصية هذا العقد ستجعله يأبى الخضوع لأية صورة من صور العقد المقررة في القانون المدني وخصوصاً بعد اختلاف الآراء في هذا الأمر اختلافاً بينها ، ومنها ما يخص تحديد آثار العقد والتي تتميز بكونها خليط من التزامات تقليدية وأخرى غير تقليدية والتي تتوزع على طرفي عقد البحث ، ولعل أهمها ما ينصب حول تحديد طبيعة التزام الباحث من حيث مدى إمكانية تطبيق نفس القواعد التقليدية بهذا الشأن على هذه الطبيعة ، كما أن تحديد القواعد التي تنظم مسؤولية الباحث المدنية تصح أن تكون مثاراً للعديد من التساؤلات .
• وتتجلى أهمية البحث بما تناولنا ، من موضوع حديث نسبياً على الصعيد القانوني ، لم يأخذ ما يستحقه من الدراسة القانونية الكافية وبخاصة بين المؤلفات العربية ، إذ كانت اغلب الدراسات القانونية في هذا المجال تنصب على موضوع الحماية القانونية للملكية الفكرية ، على الرغم من الأهمية البالغة لعقود البحث العلمي ، ولاسيما مع ازدياد مراكز الأبحاث في العراق منذ مطلع عام 2004 .
• عليه فان هدف هذا البحث هو إبراز مدى المتغيرات القانونية التي يمكن أن تؤثر على حرية تداول المعلومات من خلال عقد البحث العلمي والوقوف على كيفية التعامل معها بصورة قانونية سواء من خلال تطبيق أحكام القواعد العامة أو بحكم قوانين حماية الملكية الفكرية . وتحليلها بالصورة التي تؤمن تنفيذها وتطبيقها بما يتفق مع عوامل التطور العلمي من دون الحد منه .
• وتوخياً لتحقيق هذا الهدف اشتملت الأطروحة بالإضافة إلى مقدمتها على ثلاثة فصول وخاتمة :-
• إذا تضمن الفصل الأول بيان مفهوم عقد البحث العلمي ، والذي تناولناه على مدى ثلاثة مباحث فأستعرضنا في المبحث الأول منه عناصر عقد البحث العلمي ، أما المبحث الثاني فيدور حول خصائص عقد البحث العلمي ، أما المبحث الثالث فخصصناه لبيان تمييز عقد البحث العلمي عما يشتبه به من أوضاع قانونية .
• أما الفصل الثاني فعقدناه لبيان التنظيم القانوني لعقد البحث العلمي ، وذلك بتحديد الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي من خلال محاولة تكييفه في مبحث أول ، والتعريف بالحقوق المقررة للباحث على البحث العلمي في مبحث ثان.
• أما الفصل الثالث فيدور حول وضع عقد البحث العلمي موضع التطبيق ، والذي تعرفنا من خلاله على آثار عقد البحث العلمي والمتمثلة بالتزامات طرفي العقد في مبحث أول ، وعلى بيان مسؤولية الباحث عن الأضرار الناجمة عن تطبيق عقد البحث العلمي في مبحث ثان.
• أما في الخاتمة فقد بينا أن عقد البحث العلمي يعد أداة مهمة من أدوات حماية المعرفة العلمية وذلك عند تداول هذه المعرفة ، وبينا أن الركيزة الأساسية لعقد البحث العلمي هي المعرفة العلمية التي تنتقل إلى المستفيد في العقد سواء أكان هدفه من ذلك تملكها والاستئثار بها ، أو الاقتصار على استغلالها .
• ولكي يتمتع الباحث بالحماية القانونية المقررة في قانون حماية حق المؤلف ، يشترط أن يكون بحثه مبتكراً .
• وان عقد البحث العلمي باعتماده على المعرفة العلمية يختلف في ذاته ومداه عن عقود نقل التكنولوجيا التي تعتمد على المعرفة التكنولوجية . وكذلك يختلف عن التزام المستشار بتقديم الاستشارة في عقد المشورة من حيث الأساس والوقت والمدى .
• ويأخذ عقد البحث العلمي وصف عقد المقاولة ، فكل خصائص عقد المقاولة متوافرة في عقد البحث العلمي . ولنا في هذا القول حججً أوردناها في البحث .
• ويعد التزام الباحث بتقديم البحث العلمي التزاماً بتحقيق نتيجة ، إذ ينظر إليه من منظور الشخص الممتهن الخبير .
• أما عن الطبيعة القانونية لالتزام الباحث ، والتي من خلالها يمكن تحديد مسؤولية الباحث في ضرورة مطابقة البحث لرغبات المستفيد أو للمواصفات المتفق عليها والتي يتطلع المستفيد لتحققها . فانه يمكن الاعتماد على معيار الاحتمالية ومدى دور أطراف العقد في تحقيق النتيجة المطلوبة .
• كما ينبغي أن نعترف أننا بصدد كعقد حديث نسبياً فرضه التطور العلمي ، وان أثار هذا العقد تستلزم في الواقع أن تكون محلاً لتنظيم قانوني سواء على المستوى الإقليمي الداخلي أو على المستوى الدولي . مع ترك حرية اكبر للباحث في الإبداع والابتكار ، واستبعاد الخضوع الحتمي لشروط المستفيد .
• ويتحمل الباحث عثرات عمله بصدر رحب وتواضع جم ولا يدعي الاحاطة في العلم قياساً لأساتذته الأجلاء ، وخير ما نستجير به قوله تعالى ( ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطئنا ) .
• وفي الختام أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى أستاذي المشرف لما أحاطني به من أخلاق كريمة ورعاية أخوية صادقة وما أبداه من توجيه ونصح .
• كما أتقدم بالامتنان والتقدير إلى السيد رئيس لجنة المناقشة والسادة أعضاء لجنة المناقشة لقبولهم مناقشة أطروحتي وما بذلوه من جهد وعناء في قراءتها وتقويمها.




Scientific Research Contract
The form of traditional contract do not compared with styles of conceptions dealing that always developed. So the knowledge society directs towards new and organized frameworks in order to organize its action and to give its research relationships legal frameworks to achieve research objectives, response to its requests and open the domain for any development in it.
The method of scientific research contract is response to new stage of development of scientific research that is built on scientific knowledge. Scientific research acts in many areas of scientific knowledge and adapts to special requests of researchers in scientific knowledge because it represents method to transform information from specialist into researcher in order to help him to achieve his objectives.
Scientific research contract appears as an important legal method to organize the transformation scientific knowledge and diffusing information. Scientific research contract conserves interests of its limbs that can not be conserved by traditional contracts. Institutions education, research centers and scientific projects regard Scientific research contract as appropriate method to benefit from scientific information and knowledge without encroach on rights that protected by legislations of protect the author contract specially after the increased relationship between scientific development and watermelon of society and society use the scientific research.
This research study the scientific research contract because of the appearance of this new method of contract requests, new approaches in legal studies to formalize contract bases and to solve the problems that create among these bases. All these points and other will study in research in three parts as following:

Part 1: Concept of scientific research contract. It contains three chapters as following:
Chapter 1: Elements of scientific research contract.
Chapter 2: characteristics of Scientific research contract.
Chapter 3: Deference between scientific research contract and similitude legal situations.

Part 2: Legal organization of scientific research contract. It contains two chapters as following:
Chapter 1: Legal adaptation of scientific research contract.
Chapter 2: Decided rights of researcher in scientific research.

Part 3: Scientific research contract in apply situation. It contains
two chapters as following :
Chapter 1: Effects of scientific research contract.
Chapter 2: Researcher responsibility of disadvantage because of applying scientific research contract.

المحتويات
المقدمة
الفصل الأول : مفهوم عقد البحث العلمي
المبحث الأول: عناصر عقد البحث العلمي
المطلب الأول : طرفي العقد
الفرع الأول : الباحث
الفرع الثاني: المستفيد
المطلب الثاني: المحل
الفرع الأول: البحث
أولاً: تعريف البحث العلمي، وأهميته
ثانيا: محاولة تقسيم البحث العلمي
ثالثا: التنازل عن مصنف مستقبلي
الفرع الثاني: المقابل المالي
المبحث الثاني : خصائص عقد البحث العلمي
المطلب الأول : الخصائص العامة لعقد البحث العلمي
أولاً: عقد البحث العلمي عقد رضائي
ثانيا: عقد البحث العلمي عقد ملزم للجانبين
ثالثا: عقد البحث العلمي من العقود المحددة بالأصل
رابعا: عقد البحث العلمي عقد فوري التنفيذ في الأصل
خامسا: عقد البحث العلمي من عقود المعاوضة
سادسا: عقد البحث العلمي عقد مدني
المطلب الثاني: سمات عقد البحث العلمي
أولاً: عقد البحث العلمي من عقود الاعتبار الشخصي
ثانيا: عقد البحث العلمي منشئ لالتزامات ذات طبيعة خاصة
ثالثا: عقد البحث العلمي يقتصر على المعرفة العلمية
المبحث الثالث: تمييز عقد البحث العلمي عما يشتبه به من أوضاع قانونية
المطلب الأول : تمييز عقد البحث العلمي عن عقود التكنولوجيا
المطلب الثاني: التمييز بين عقد البحث العلمي وعقد المشورة

الفصل الثاني: التنظيم القانوني لعقد البحث العلمي
المبحث الأول: التكييف القانوني لعقد البحث العلمي
المطلب الأول : عقد البحث العلمي عقد بيع معلومات
الفرع الأول : عرض فكرة بيع المعلومات
الفرع الثاني: تقويم فكرة بيع المعلومات
المطلب الثاني: عقد البحث العلمي عقد وكالة
الفرع الأول : عرض فكرة عقد الوكالة
الفرع الثاني: تقويم فكرة عقد الوكالة
المطلب الثالث: عقد البحث العلمي عقد عمل
الفرع الأول: عرض فكرة عقد العمل
الفرع الثاني: تقويم فكرة عقد العمل
المطلب الرابع: عقد البحث العلمي عقد مقاولة
الفرع الأول: عرض فكرة عقد المقاولة
الفرع الثاني: تقويم فكرة عقد المقاولة

المبحث الثاني: الحقوق المقررة للباحث على البحث العلمي
المطلب الأول: الحق الأدبي
الفرع الأول: خصائص الحق الأدبي
أولاً: الحق الأدبي، حق لصيق بشخص المؤلف
ثانيا: الحق الأدبي، حق مطلق
ثالثا: الحق الأدبي غير قابل للتصرف أو الحجز
رابعا: الحق الأدبي، حق دائم لا يتقادم
خامسا: عدم قابلية الحق الأدبي للانتقال للورثة
الفرع الثاني: مضمون الحق الأدبي
أولاً: الحق في تقرير نشر البحث
ثانيا: الحق في نسبة البحث لمؤلفه
ثالثا: الحق في احترام كيان البحث
رابعا: الحق في سحب البحث من التداول
المطلب الثاني: الحق المالي
الفرع الأول: خصائص الحق المالي
أولاً: قابلية التصرف بالحق المالي
ثانيا: عدم قابلية الحق المالي للحجز
ثالثا: قابلية انتقال الحق المالي للورثة
رابعا: توقيت الحق المالي للمؤلف
الفرع الثاني : مضمون الحق المالي
أولاً: نشر (أو استنساخ) البحث العلمي
ثانيا : الحق باستخدام البحث العلمي
ثالثا: الحق بالعرض العلني للبحث العلمي أو النقل المباشر إلى الجمهور
رابعا: الحق بتحوير البحث العلمي

الفصل الثالث: وضع عقد البحث العلمي موضع التطبيق
المبحث الأول : آثار عقد البحث العلمي
المطلب الأول : التزامات الباحث
الفرع الأول : الالتزام بتقديم البحث العلمي
أولاً: مضمون الالتزام بتقديم البحث العلمي
ثانيا: طبيعة التزام الباحث بتقديم البحث العلمي
ثالثا: مكان وزمان تسليم البحث العلمي
الفرع الثاني : الالتزام بالسرية
المطلب الثاني: التزامات المستفيد
الفرع الأول: الالتزام بدفع المقابل
الفرع الثاني: الالتزام بالتعاون
أولاً: مضمون الالتزام بالتعاون
ثانيا: طبيعة الالتزام بالتعاون
ثالثا: جزاء الإخلال بالالتزام بالتعاون
الفرع الثالث : التزام المستفيد بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف
أولاً : مضمون الالتزام بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف
ثانيا: الجزاءات التي تترتب على الاعتداء على حقوق المؤلف

المبحث الثاني: مسؤولية الباحث عن الاضرار الناجمة عن تطبيق عقد البحث العلمي
المطلب الأول: مسؤولية الباحث التعاقدية
الفرع الأول: أركان مسؤولية الباحث التعاقدية
أولاً: ضرر يلحق بالمستفيد
ثانيا : خطأ صادر من الباحث
ثالثا: علاقة السببية
الفرع الثاني: آثار المسؤولية التعاقدية للباحث
أولاً: فسخ عقد البحث العلمي
ثانيا: التعويض
المطلب الثاني: مسؤولية الباحث التقصيرية
المطلب الثالث : تعديل المسؤولية
الفرع الأول: إعفاء الباحث من المسؤولية
الفرع الثاني: تخفيف مسؤولية الباحث
الفرع الثالث: تشديد مسؤولية الباحث
الخاتمة
المراجع
ملحق رقم (1) (عقد التأليف النموذجي الصادر عن بيت الحكمة – بغداد)


إقرار المشرف

أشهد بأن إعداد هذه الأطروحة الموسومة ب( عقد البحث العلمي ) قد جرى تحت أشرافي في جامعة بغداد- كلية القانون/ قسم القانون الخاص، و هي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص .
التوقيع / الأستاذ المساعد الدكتور أياد عبد الجبار ملوكي : الاثنين 4 /4/2005م.

إقرار المقوم اللغوي

راجعت أطروحة طالب الدكتوراه المنسوب إلى جامعتكم الموقرة السيد ( نصير صبار لفته –لأطروحته المعنونة ب (عقد البحث العلمي )- من الناحية اللغوية و النحوية و الصرفية فأصبحت خالية من الأخطاء و تتسم بالأسلوب اللغوي الفصيح و لأجله وقعت .
التوقيع / الدكتور هاتف بريهي شياع الثويني : رئيس مركز القادسية / الكلية التربوية المفتوحة الأحد 17 / 4/2005م.
بناءاً على التعليمات و التوصيات المقدمة أرشح هذه الأطروحة للمناقشة .
التوقيع / الأستاذ المساعد الدكتور عزيز جواد الخفاجي: رئيس قسم القانون الخاص/كلية القانون _ جامعة بغداد // الخميس 19 / 5 /2005

قرار لجنة المناقشة
نشهد بأننا أعضاء لجنة المناقشة، قد أطلعنا على الأطروحة الموسومة ب( عقد البحث العلمي )،وقد ناقشنا الطالب ( نصير صبار لفته ) في محتوياتها، وفيما له علاقة بها، ونرى أنها جديرة للقبول بتقدير ( جيد جداً ) لنيل درجة دكتوراه فلسفة في القانون الخاص، في كلية القانون / جامعة بغداد ؛ في يوم الخميس المصادف 17 /11/2005 .


التوقيع: التوقيع:
الاسم:أ.د.عصمت عبد المجيد بكر الاسم:أ.م.د.علي كاظم الرفيعي
مستشار في مجلس شورى الدولة عميد كلية القانون / جامعة بغداد
عضو عضو


التوقيع: التوقيع:
الاسم:أ.م.د.عزيز جواد الخفاجي الاسم:أ.م.د.عباس علي الحسيني
رئيس قسم القانون الخاص/ بغداد رئيس قسم القانون الخاص/ بابل
عضو عضو


التوقيع: التوقيع:
الاسم:أ.م.د.أياد عبد الجبار ملوكي الاسم:أ.د.عدنان محمد صالح العابد
عضو و مشرف رئيس قسم القانون العام/جامعة النهرين
رئيس لجنة المناقشة
المقدمة

تعد مواضيع حقوق الملكية الفكرية وما يرتبط بها من اهم المسائل التي احتاجت الى معالجة، في ظل التغيرات والتحولات التي شهدتها وتشهدها الحياة الانسانية في مختلف الصعد. لذلك فأن المشرع وفي مختلف الدول شرّع العديد من القوانين التي تتناول تلك المسائل، فصدرت بناءً على ذلك القوانين الخاصة بتنظيم حقوق الملكية الفكرية والحقوق الصناعية من خلال قوانين حماية حق المؤلف وبراءة الاختراع. فظهرت الى جانب العقود التقليدية عقود جديدة تتسم بطابعها المميز، لم يكن التعامل القانوني قد ألفها سابقاً، تنصب بصورة اساسية على حقوق الملكية الفكرية.
ونظراً لأهمية نقل المعرفة العلمية في تحقيق انتشار المعلومات فقد ظهر عقد البحث العلمي كأحد اهم الآليات القانونية لتحقيق هذه الغاية، اذ انه يحقق التقاء مصالح كل من طرفيه، والتي ربما تعجز العقود التقليدية عن تحقيقها، فقد وجدت فيه مراكز الابحاث والمؤسسات التعليمية والمشروعات الكبرى اسلوباً مناسباً لأستغلال المعلومات والمعرفة العلمية من دون الاعتداء على الحقوق التي تحميها التشريعات الخاصة بحماية حق المؤلف. وخاصة بعد أن اصبح تقدم ورقي المجتمع من الناحية العلمية مقترناً بأستخدام افراده واعتمادهم على البحث العلمي.
ولعل الدافع وراء اختيارنا لـ(عقد البحث العلمي ) موضوعاً لدراستنا يكمن في أن ظهور هذا الشكل الجديد من العقود يلقي بأعباء جديدة في مجال الدراسات القانونية توجب وضع قواعد هذا العقد وتسهل حسم ما يثار بشأنها من منازعات، خصوصاً وأن القانون المدني العراقي لم يورد ضمن نصوصه ما يحكم هذا العقد وينظمه بشكل خاص. كذلك فأن خصوصية هذا العقد تجعل من الصعوبة بمكان تطبيق القواعد العامة للعقود عليه كالقواعد المتعلقة بضمان العيوب الخفية وغيرها من القواعد العامة. ومن هنا وقع اختيارنا على دراسة (عقد البحث العلمي) ، ولا سيما ان المكتبة القانونية العربية تفتقر لمثل هذا الموضوع الذي سنقدمه من خلال النقاط الاتية:

1- مدار البحث:-
يدور موضوع بحثنا حول الاحكام العامة التي يخضع لها العقد الوارد على البحث العلمي، ويتصف هذا العقد بجملة من الخصوصيات تنصب بالدرجة الاساس على محل هذا العقد، اذ يتكون البحث العلمي من مجموعة من المعلومات والمعارف العلمية والتي تلتمس جانب من الخصوصية للتعامل بها، مما يجعل من الاحكام التي يخضع لها عقد البحث العلمي تختلف عن تلك التي تنظم العقود الواردة على الاشياء المادية الاخرى. اذ تخضع هذه المعلومات والمعارف العلمية في تنظيمها لأحكام القوانين الخاصة، واقرب هذه القوانين ملاءمة للبحث العلمي هما قانون حماية حق المؤلف وقانون براءة الاختراع، مما سيترتب عليه ان تكون ثمة حقوق ادبية للباحث غير قابلة للتصرف فيها ولا تدخل في نطاق التعامل، واخرى مالية من الجائز التصرف فيها. وهذه الخاصية تفرض ضرورة مراعاة احكام القوانين الخاصة ولا سيما قانون حماية حق المؤلف.
وما يثيره ايضاً عقد البحث العلمي من خصوصيات، يتجلى بعدم التكافؤ العلمي الذي يغلب على اطراف العلاقة العقدية، ففي حين يتمتع الباحث بخبرة عالية وتخصص دقيق في مجال تخصصه العلمي، فأن المتعاقد الاخر (المستفيد) يجهل غالباً هذه الخبرة او الاختصاص، مما يفرض على المتعاقد (الباحث) ضرورة الاستعلام من المتعاقد المتخصص (المستفيد) عن احتياجاته وتوجيه اختياره نحو ما يتناسب وهذه الاحتياجات والرغبات، وبالمقابل يتطلب ان يفصح المستفيد عن حاجته وغرضه من البحث العلمي مما يساعد الباحث على الوصول الى ما يرمي اليه، في مقابل التزام هذا الاخير بالمحافظة على سرية المعلومات حتى بعد انتهاء العقد.
وفضلاً عما سبق فأن عقد البحث العلمي يطرح من جانبه مسألة تحديد اطراف العلاقة العقدية اذ ينسب البحث العلمي -محل العقد- الى شخص الباحث، الذي يتنازل بدوره عن حقوق استغلاله للمستفيد. وبذلك فأن هذا العقد سيرتب اثاره على طرفي محل العقد، ولما كانت اثار العقود تختلف فيما بينها بأختلاف طبيعتها، فأن من الواجب استعراض اهم الألتزامات الناشئة عن عقد البحث العلمي بعد بيان الطبيعة القانونية لهذا العقد. كما لا تفوتنا محاولة تمييزه عما يشتبه به من مراكز قانونية اخرى ترد على معلومات متخصصة يملكها احد طرفي العقد من دون الآخر -كعقود نقل التكنولوجيا وعقد المشورة-، بعد تحديد اهم سمات هذا العقد.

2- اهمية البحث:-
على الرغم من الاهمية النظرية والعملية لعقد البحث العلمي كوسيلة لنقل المعرفة العلمية، كونه اسلوباً مبتكراً للتعاقد وبتميزه بطابعه الفريد فإنه لم يحظ بدراسة علمية في الفقه القانوني تسلط الضوء على جوانبه المختلفة، ولم ياخذ ما يستحقه من الدراسة القانونية الكافية وبخاصة في المؤلفات العربية التي اقتصر بعضها على تعريفه فقط. فمن الناحية النظرية بدأ الفقه المقارن يتناول ظاهرة الانتشار الواسع لعقود نقل المعلومات والتكنولوجيا والمعرفة الفنية في كثير من البلدان من النواحي الاقتصادية والقانونية والمالية وبدأت الدراسات تتوالى في هذا المجال.
اما من الناحية العملية فأن انتشاره كأسلوب جديد لأستغلال ونقل المعرفة العلمية للبشرية كافة يحتم ضرورة الاهتمام به، فحداثة الموضوع وطابعه المميز المتسم بقدر غير قليل من التعقيد دفعنا الى سبر غور جوانبه المختلفة وما يثيره من مشاكل متعددة، ولا سيما مع ازدياد مراكز الابحاث في العراق منذ مطلع
عام 2004.

3- صعوبات البحث:-
لقد واجهتنا العديد من الصعوبات في اعداد هذه الاطروحة من بينها قبل واثناء اعدادها، قلة المراجع والبحوث القانونية المتخصصة في الجانب العقدي للبحث العلمي. وكذلك من حيث مفردات الموضوع، فهي شائكة ومتداخلة ومتنوعة الى حد كان من الصعوبة الألمام بجميع جوانبها وفق خطة علمية متوازنة، لذا كان تقسيم خطة البحث عرضة للتعديل والاضافة بصورة مستمرة.


4- نطاق البحث:-
سيقتصر نطاق هذا البحث على الجانب العقدي للبحث العلمي وفي اطار احكام القواعد العامة لنظرية العقد في القانون المدني، واحكام قانون حماية حق المؤلف، وفي الحدود التي تستدعي البحث. حيث ثمة احكام عامة، وان كانت تتصل بهذا العقد، الاانه لا يوجد فيها ما يتطلب البحث، مما سيجعل من استعراضها تكراراً قليل الجدوى. ونذكر من بينها احكام الاهلية وركن السبب فيما يتعلق بأركان العقد، واحكام التنفيذ الجبري والتنفيذ بمقابل والفسخ من حيث آثار العقد. وما يخرج كذلك عن نطاق البحث: احكام القانون واجب التطبيق واحكام الاثبات.

5- منهج البحث:-
ان دراسة عقد البحث العلمي تحتم النظر اليه من زاويتين: الاولى كعلاقة عقدية بين طرفين هما الباحث والمستفيد، وينظم العقد شروط والتزامات اطرافه. والثانية، هي النظر الى الامتياز الذي توفره التشريعات الخاصة بحماية حق المؤلف للحقوق المترتبة على البحث العلمي -محل العقد-. اذ أن كل من وجهتي النظر هذه تكمل احدهما الاخرى، حيث لابد من تجانس التزامات الباحث مع التزامات المستفيد. مما يثير تساؤلات حول حدود التبعية والاستقلال في علاقة الباحث بالمستفيد ومدى مسؤولية كل منهما تجاه الاخر وتجاه الغير.
وسنتبع في دراستنا هذه منهجاً علمياً تحليلياً في البحث وذلك بتفكيك الجوانب التي تحظى بخصوصية في عقد البحث العلمي والتي تمثل في النهاية جوهره وحقيقته القانونية بغية تركيب الصورة الكلية للعقد. وبالاعتماد على مراجع سيتم توثيقها وبصورة منظمة. وتتضمن الدراسة بالاضافة الى المقدمة خاتمة لأهم النتائج والمقترحات. وبذلك تنطوي الاطروحة على موضوع جديد بالنسبة للفقه القانوني مع اجتهاد واضح هو ثمرة ما ورد فيها من تحليل الافكار وتعميق الحلول في اطار الواقع العملي.

6- خطة البحث:-
سنتناول موضوع البحث من خلال تقسيمه على ثلاثة فصول:
اذ يتضمن الفصل الاول بيان مفهوم عقد البحث العلمي؛ والذي سنتناوله على مدى ثلاثة مباحث نستعرض في المبحث الاول منه عناصر عقد البحث العلمي، اما المبحث الثاني فيدور حول خصائص عقد البحث العلمي، اما المبحث الثالث فسنخصصه لبيان تمييز عقد البحث العلمي عما يشتبه به من اوضاع قانونية.
اما الفصل الثاني فسنعقده لبيان التنظيم القانوني لعقد البحث العلمي؛ وذلك بتحديد الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي من خلال محاولة تكييفه في مبحث اول، والتعريف بالحقوق المقررة للباحث على البحث العلمي في مبحث ثانٍ.
اما الفصل الثالث فيدور حول وضع عقد البحث العلمي موضع التطبيق؛ والذي سنتعرف من خلاله على آثار عقد البحث العلمي والمتمثلة بالتزامات طرفي العقد في مبحث اول، وعلى بيان مسؤولية الباحث عن الاضرار الناجمة عن تطبيق عقد البحث العلمي في مبحث ثانٍ.

وبعد..
نرى انه مهما بذلنا من جهد في عرض الموضوع وفي المقارنة بين النتائج وتبني ما نراه صواباً، فأنه يبقى بحثنا جهداً انسانياً يحتمل الخطأ والنسيان وهذا من طبيعة البشر والكمال للّه وحده.
ولكن نأمل ان تشفع لنا صعوبة البحث. وخير ما نستجير به قوله تعالى: ((ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو اخطأنا)).


الفصل الأول
مفهوم عقد البحث العلمي

ان صيغ التعاقد التقليدية لم تعد تتماشى مع انماط التعامل الفكري المتطور دائماً، لذا فأن مجتمع المعرفة بدأ يتجه الى هياكل جديدة ومنظمة من اجل تنظيم نشاطه واعطاء علاقاته البحثية اطراً قانونية لتحقيق اهداف هذه الابحاث وتستجيب لمتطلباته وتفسح المجال، في الوقت عينه، أمام أي تقدم يطرأ فيها مع الاستعداد الدائم والمستمر للتكيّف مع متطلبات كل مرحلة.
ومن هنا كان التعاقد والعمل بأسلوب عقد البحث
العلمي (Le Contrat De Recherche Scientifique) يمثل استجابة لمرحلة جديدة من مراحل تطور البحث العلمي القائم على المعرفة العلمية. فهو ينشط في كثير من ميادين المعرفة العلمية، فضلاً عن قابليته للتكيّف مع الحاجات الخاصة لطالبي المعرفة العلمية. بأعتباره صورة من صور نقل المعلومات من الشخص صاحب التخصص الى الشخص المستعلم عن هذه المعلومات لغاية يبغيها من وراء هذه المعلومات.
ومن هنا لم يستقر الفقه القانوني على وضع تعريف جامع مانع لهذا العقد، هذا بالأضافة الى الصعوبة التي تكتنف تعريف هذا العقد من الناحية النظرية، هذه الصعوبة مردها الى ان عقد البحث العلمي يعتمد بالدرجة الاساس على التزام حديث يتصف بالمرونة والتجديد ألا وهو الالتزام بتقديم المعلومات الذي يتميز بتعدد صوره وتباين اشكاله واختلاف أنماطه. لذا نرى أن الفقه القانوني بات يؤكد على محورية هذا الالتزام وكونه الفلك الذي ينبغي أن يدور حوله تعريف عقد البحث العلمي.
ومن هذا المنطلق يذهب جانب من الفقه الفرنسي، عند تصديه لتعريف عقد البحث العلمي، الى التركيز على الهدف من ابرام هذا العقد، الذي يتمثل في الحصول على المعلومات التي من شأنها انجاح الاهداف التي يسعى اليها الطرفان( ).
اذ يذهب الاستاذ سافاتيه "Savatier” الى القول: ان عقد البحث العلمي ما هو الا عقد يلتزم فيه المهني تجاه شخص غير متخصص بأن يزوده -لقاء أجر- بمعلومات في جانب من جوانب العلوم المتخصصة( ).
ويرتكز عقد البحث العلمي على التزام الباحث بتقديم معلومات معينة معتمداً في ذلك على مجرد تفوقه وخبرته الفنية في مجال عمله المتميز( ).
ويرى الاستاذ " Bernard Grelon” ان عقد البحث العلمي هو العقد الذي يعتمد بالدرجة الاساس على العقل والفكر. والباحث فيه ارقى من ان يكون مجرد عامل او مشغل فني معتمد على نظريات سابقة، وانما هو متخصص مبتكر يستمد ابداعه من عقله وخبرته العلمية و الفنية( ).
اما الاستاذ "Jves Robxoul” فيرى ان عقد البحث العلمي اتفاق يلتزم بمقتضاه الباحث بأن يقدم للمستفيد كل الوسائل التي تضمن تحقيق الاهداف التي يبتغيها من العقد، وان من يقوم بالبحث لا يمكن ان يكون التزامه الا التزاماً ببذل عناية( ).
ولم يحد الفقه العربي عند ايضاحه للمقصود بعقد البحث العلمي عن التوجهات التي أتجه اليها الفقه الفرنسي، اذ يرى جانب منه ان عقد البحث العلمي هو ذلك العقد الذي يعتمد على اداء معين للباحث المتخصص الذي يضع المستفيد ثقته فيه بقصد الحصول على معلومات تعكس خبرة الباحث وتخصصه بما يكفل تحقيق نتائج تتفق والغاية التي يبحث عنها المستفيد من وراء ابرامه لهذا العقد( ).
وأخيراً يعرفه جانب آخر من الفقه بأنه ((اتفاق بموجبه يتعهد المدين بالقيام بدراسات ذات طبيعة عقلية واجراء تجارب عملية ذات صلة بمهارة المدين في عقد البحث ومقابل اجر، بهدف الوصول الى معارف جديدة غير موجودة في مجال العلم والتكنولوجيا))( ).
ومع ذلك فلابد من التوقف عند الفقه الذي استقر على ان عقد البحث العلمي له ثلاثة عناصر احدهما طرفي العقد، والاخر المحل، والثالث هو السبب. ثم توضيح خصائص هذا العقد، سواء اكانت تلك الخصائص عامة يلتقي فيها هذا العقد مع غيره من العقود أم كانت تلك الخصائص متميزة ينفرد بها عقد البحث العلمي عن غيره من العقود، واخيراً بيان الحدود الفاصلة بين عقد البحث العلمي وبين عقود اخرى قد تلتبس به في بعض الفروض.
وعلى هذا فأننا سنتناول هذه المحاور الثلاثة في هذا الفصل جاعلين لكل محور مبحثاً، نتناول في المبحث الاول بيان عناصر عقد البحث العلمي، وفي المبحث الثاني نبين خصائص عقد البحث العلمي، ونخصص المبحث الثالث لبيان تمييز عقد البحث العلمي عما يشتبه به من اوضاع قانونية. وذلك كالآتي:-

المبحث الأول
عناصر عقد البحث العلمي

يستلزم بحث عناصر عقد البحث العلمي أن نقسم الموضوع على مطلبين:- نتناول في الاول، طرفي العقد. وفي المطلب الثاني المحل، اما السبب في عقد البحث العلمي فلا يختلف بمعناه التقليدي عن العقود الاخرى( )، الا ان مفهومه بمعنى الباعث الدافع يعطيه اهمية بالغة في عقد البحث العلمي، اذ يعد هو غاية المتعاقد الرئيسية من ابرام العقد( ). وخصوصاً تلك التي تبرم بين الباحث ومراكز الابحاث. اذ تسعى مراكز الابحاث الى الوصول الى نتائج او معرفة غير موجودة او مطلوب الكشف عنها، من اجل اشباع حاجة المركز او المؤسسات العلمية من المعرفة عن طريق توضيح غموض يحيط بظاهرة ما او نقل معرفة علمية( ).
وطبقاً للقواعد العامة لابد ان يكون سبب العقد موجوداً، ومشروعاً بمعنى ان لا يكون ممنوعاً قانوناً او مخالف للنظام العام والاداب( ).
ونكتفي بهذا القدر من الاشارة الى السبب في عقد البحث العلمي بغية عدم الخروج عن بحث جوهر عناصر هذا العقد ، المتمثلة في طرفي العقد، والمحل. وهذا ما سوف نبحثه في المطلبين الاتيين كالأتي:-

المطلب الاول
طرفي العقد
كأي عقد أخر فإن عقد البحث العلمي يمثل علاقة بين شخصين احدهما هو "الباحث" والاخر هو "المستفيد". وهذا ما نبينه في الفرعين الاتيين:-

الفرع الاول
الباحث*
تطلق هذه التسمية على الشخص الطبيعي او المعنوي الذي يقوم بتجميع عدة معلومات وتحليلها بهدف وضع فكرة او دراسة تسمى "البحث" ويكون هذا الاخير هو الوسيلة التي تساعد المستفيد في الوصول الى المعارف الجديدة.
ان الباحث وفقاً للمفهوم المتميز لعقد البحث العلمي، يتمثل في الشخص صاحب المهنة المتخصص في جانب، من جوانب المعرفة العلمية. أذ يعتمد بالدرجة الاساس على نتاج ذهن وقريحة الانسان، فالباحث لا يهدف في عمله الى مجرد تشغيل آلة او الاقتباس من نظريات قيلت سابقاً مقتصراً دوره على ترديدها فحسب، بل أن دور الباحث يرقى الى مرتبة الابداع والابتكار وايجاد حلول مرنة( ).
لذا فأنه يلزم ان يكون الباحث العلمي مؤهلاً متدرباً متمرناً على اساليب البحث العلمي. ذا تخصص متميز يتيح له تقديم بحث علمي بناءً على ما يمتلكه من معلومات وتقنيات تؤهله لأعداد بحث علمي يدل على تميزه وتفوقه في مجال مهنته( ).
وقد يتعدد الباحثون لبحث واحد، كأن يشترك في أعداد البحث شخصان او اكثر او يشترك في اعداده جماعة بتوجيه من شخص طبيعي او معنوي ويندمج عمل المشتركين في الفكرة العامة للبحث. ونتناول البحوث المشتركة اولاً ثم البحوث الجماعية ثانياً، وعلى الشكل الآتي( ):-

اولاً:- البحوث المشتركة:-

يعد البحث مشتركاً اذا تعاون على اعداده واشترك في ابتكاره اكثر من شخص واحد( )، فقد يقتصر جهد شخص واحد عن الاحاطة بجميع المعارف التي يتضمنها البحث، وخاصة البحوث المطولة وكذلك استخدام طرق فنية لأكتشاف اشياء مادية كالنفط والمعادن، ففي هذه البحوث لابد من اشتراك اكثر من باحث في اعدادها، والاشتراك يتطلب توفر ارادة الاطراف المشاركة ومن ثم يقع باطلاً كل اتفاق على اعتبار شخص ما شريكاً في البحث على الرغم من انه لم يساهم في اعداد البحث في ظل فكرة مشتركة وتبادل للآراء والافكار( ). والبحوث المشتركة قد تكون بشكل غير قابل للفصل بين اجزاء البحث المشترك او يمكن الفصل بين هذه الاجزاء ونبحثهما تباعاً:-

1- البحث المشترك غير القابل للفصل بين اجزائه:-
في هذا النمط من البحث المشترك يتعذر الفصل بين اجزائه وتحديد نصيب كل من ساهم فيه، كأن يشترك باحثان او اكثر في كتابة بحث مطول او اكتشاف دواء او معدن معين، ففي هذه الحالات يعتبرون جميعاً اصحاب البحث او الاكتشاف بالتساوي مالم يوجد اتفاق على غير ذلك، أي ان يتفق على تحديد نصيب او حصة كل مشترك في البحث، فأذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق فلا يجوز ممارسة حقوق الباحث الا بأتفاقهم جميعاً واذا حصل خلاف بينهم فإن حسمه يكون من اختصاص القضاء، ولا يمنع ذلك من حق أي واحد منهم في اللجوء الى القضاء عند وقوع اعتداء على حقوق الباحث، فهذه وسيلة لحماية الحق المشترك ويجوز لأي منهم أن ينفرد بأتخاذها( ).

2- البحث المشترك القابل للفصل بين اجزائه:-
في هذا النمط من البحث المشترك توجد امكانية لتحديد نصيب كل مساهم في البحث بحيث يمكن فصل نصيب أي واحد منهم وتمييزه عن نصيب الاخرين، كأن يشترك مجموعة من العلماء في وضع بحث علمي يضم موضوعات علمية عدة، ويقوم كل واحد منهم بكتابة موضوع في اختصاصه، ويجوز ان يكون نصيب كل مشارك متميز عن نصيب الاخرين، ويمكن فصله عنه مع اندراج كل الانصبة تحت لون واحد من العلم( ). واذا نكل أحد الشركاء عن اتمام نصيبه في البحث المشترك فيمكن لبقية الشركاء طلب فسخ العقد بناءُ على القواعد العامة للفسخ لعدم التنفيذ كما يمكن لهؤلاء الشركاء أن يطالبوا شريكهم الممتنع بتعويض لأمتناعه عن التنفيذ، ولا يمكن لهذا الشريك طلب اعفائه من التعويض إلا اذا دفع الدعوى بالقوة القاهرة او فعل الغير( ).

ثانياً:- البحوث الجماعية:-

يتطلب البحث الجماعي ان يشترك شخصان او اكثر بوضع البحث بتوجيه واشراف من شخص طبيعي او معنوي، بحيث يوضع البحث لحسابه ويقوم بنشره على نفقته وبأسمه وان يكون من المتعذر فصل نصيب كل من المشتركين في العمل وتمييزه على حدة( ). كالمعاجم ودائرة المعارف والموسوعات، فهذه مؤلفات طويلة وتحتاج الى مهارات عديدة وعدد من الاشخاص المؤهلين بأعدادها، فيتم تجميع وتوحيد هذه القابليات والمواهب ووضعها تحت ادارة شخص واحد يتولى وضع خطة العمل والاشراف على تنفيذها، لذلك يعد هو مؤلف البحث الجماعي( ) وكذلك من امثلة البحث الجماعي، الكتب الادبية او العلمية التي تصدرها الوزارات في مختلف المجالات الاقتصادية او القانونية او الاحصائية( ). وكتلك التي تصدر عن بيت الحكمة ودار الشؤون الثقافية العامة.
والمسألة التي تثار في هذا المجال هي في مدى اعتبار الشخص الطبيعي او المعنوي الذي لم يساهم في البحث او التأليف، صاحب حق مؤلف على البحث الجماعي في الوقت الذي يعد فيه نتاج وقريحة مجموعة من المساهمين في اعداد البحث ؟
فقد ذهب راي الى ان الباحثين تنازلوا عن حقهم للشخص الطبيعي او المعنوي، هذا التحليل، وأن كان صحيحاً بالنسبة للحقوق المالية ولكنه لا يصح بالنسبة للحقوق الادبية للباحث اللصيقة بشخصية الباحث ومن ثم فهي غير قابلة للتصرف فيها( ).
وهناك اتجاه في بعض التشريعات يعترف بجواز ملكية حق المؤلف ابتداءً لشخص معنوي (وزارة، جامعة مثلاً) لا بل وهناك بعض التشريعات تعترف للشخص المعنوي بحق المؤلف على البحوث التي ينتجها موظفوه اثناء قيامهم بعملهم كما يعترف بعضها الاخر ايضاً للشخص المعنوي، بحقوق المؤلف على البحوث الجماعية التي يتعدد فيها الباحثون( ).
ويذهب الراي الراجح الى ان، اعطاء حق المؤلف للشخص المعنوي دون مؤلفي البحث، يعد خروجاً على الواقع ومخالفة لطبيعة وتكوين الشخص المعنوي وللاوضاع القانونية السليمة ويجافي روح قانون حماية حق المؤلف وغايته ويتعارض مع المعيار الذي بنيت عليه الحماية وهو الابداع الفكري الذي تبرز فيه الصلة الروحية بين شخصية المؤلف ونتاجه الذهني فهي صلة غير موجودة بين الشخص المعنوي والبحث، الذي انتج لحسابه، فالمؤلف الحقيقي هو الذي اشترك فعلاً في وضع البحث ولهذا كان ينبغي الاعتراف للمشاركين في التأليف بحقوق المؤلف الادبية والمالية على البحث ومع ذلك فقد يقال بأن موقف المشرع من ذلك تبرره الاعتبارات العملية( ). لذلك منحت التشريعات العربية صفة المؤلف للشخص الطبيعي او المعنوي الذي وجه ابتكار البحث الجماعي، اذ اعتبرت هذه التشريعات الشخص الطبيعي او المعنوي، الذي وجه ونظم ابتكار البحث الجماعي مؤلفاً ويكون له وحده الحق في مباشرة حقوق المؤلف( ).
اما الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف فقد نصت المادة (4/ب) منها على انه:- (اذا ابتكر المصنف لحساب شخص طبيعي او معنوي خاص او عام، فإن حقوق التأليف تثبت للمؤلف، ويجوز للتشريع الوطني ان ينص على ان الشخص المعنوي هو صاحب الحق الاصلي الا اذا نص الاتفاق على ما يخالف ذلك كتابة)( ).

الفرع الثاني
المستفيد

لما كان الهدف من اعداد البحث العلمي يتجلى باستخدام هذا البحث من اجل الحصول على معلومات معينة( )، وهو ما يتطلع الكثير من الاشخاص لتحقيقه، فأن نهاية سلسلة المفاوضات التي تسبق مرحلة الاتفاق، تتمثل بالعقد الذي يبرمه الشخص الراغب في استخدام البحث وصاحب المعلومات، اذ يسمى الاول المستفيد والثاني الباحث.
ومن الممكن تعريف المستفيد بأنه الشخص الطبيعي او المعنوي المتعاقد مع الباحث بهدف الحصول على البحث العلمي الذي يساعده في الوصول الى المعلومات المطلوبة.
وقد عرفته المواد (2،3) من مشروع قانون تنظيم نقل التكنولوجيا المصري، بأنه ((كل شخص طبيعي او اعتباري من اشخاص القانون العام او الخاص، فرداً كان او جماعية او شركة، يستغل او يحصل على تكنولوجيا او أي حقوق متصلة بها وذلك بمقتضى عقد ترخيص او شراء او اية وسيلة أخرى))( ).
ويسمى في حالة طرح البحث المعد سلفاً على الجمهور بالمستفيد العام ((شخص من الجمهور من دون تعيين))، وفي حالة اعداد البحث خصيصاً له وبناءً على طلبه، يسمى بالمستفيد الخاص.
وهذا المستفيد العام او الخاص، اذا كانت وسيلة حصوله على البحث واستخدامه له قد تمت بصورة مشروعة، فأنه يسمى بالمستفيد القانوني. الذي يشمل الشخص المرخص له بأستخدام البحث من قبل الباحث او من ينيبه( )، وكذلك المجاز له قانوناً بأستخدام البحث، مثل استخدام البحث للأغراض العلمية غير الربحية( )، والاستخدام الشخصي او الخاص( ).
وبخلاف ذلك يعد المستفيد منتهكاً لحقوق الباحث، على انه في حالة انقضاء مدة سريان الحماية القانونية يصبح استخدام البحث واستغلاله امراً مباحاً للكافة( ).
ويذهب رأي الى تسمية المستفيد من البحث العلمي بالمستخدم النهائي، على اعتبار ان الاخير هو المستفيد النهائي من المعلومات مهما تعدد الباحثون او العملاء، اذ قد يستفيد كل باحث على حدة من المعلومات المستخلصة من باحث اخر يشترك معه في نفس الفكرة العامة في البحث الجماعي. هذا بالاضافة الى ان دور العميل يكون في مساعدة الباحث في كل او بعض العمليات المؤدية الى تقديم المعلومات الى المستفيد النهائي( ).
وتتعدد صفة المستفيد النهائي فيما بين الشخص الطبيعي العادي الذي يستخدم البحث لتلبية حاجاته الخاصة والمستفيد من البحث لغايات مهنته وعمله كالمؤسسات العامة الحكومية وغير الحكومية والجمعيات والاندية، وكذلك الشركات التجارية ودور النشر ومراكز الابحاث، وبمعنى اخر الشخص الاخير الذي يتعاقد للحصول على نسخة من البحث او كم من المعلومات لغاية الاستخدام من دون ان يكون له الحق بالتصرف بالبحث للغير. وهو بذلك يقترب من وصف المستهلك النهائي في نطاق السلع والمنتجات. ولكن هل من الممكن اعتبار المستفيد النهائي مستهلكاً، وبالتالي يتمتع بالحماية القانونية للمستهلك ؟
يذهب رأي( ) الى ان مفهوم المستهلك ينصرف -بالمعنى الواسع- الى كل شخص يتعاقد بهدف الاستهلاك، أي بمعنى استعمال او استخدام مال او خدمة، في حين يقصد بالمستهلك -وفقاً للمفهوم الضيق- كل شخص يتعاقد بقصد اشباع حاجاته الشخصية او العائلية، وبذلك يخرج عن هذا المفهوم من يتعاقد لأغراض مهنته او مشروعه.
وبموجب المفهوم الواسع -سالف الذكر- للمستهلك، فأنه يمكن اعتبار المستفيد -العام او الخاص- مستهلكاً بأعتباره يسعى من وراء العقد الى استخدام مال -وهو المعلومات في حالة عقود البحث العلمي أما اذا اخذنا بالمفهوم الضيق: فأن اعتبار المستفيد مستهلكاً، يتطلب ان يكون هذا المستفيد قد تعاقد على الحصول على المعلومات من اجل اشباع حاجاته الشخصية، وبذلك ينبغي ان تكون المعلومات من قبيل الحاجات الضرورية للشخص. وبخلافه تنتفي الحكمة من وراء اضفاء الحماية للمستفيد، بناءً على الرأي سالف الذكر.
وبالمقابل نجد المشرع الفرنسي في اطار قانون حماية المستهلك، يضع المتعاقد غير الممتهن او غير المتخصص في موضوع العقد جنباً الى جنب مع المستهلك اذ يمتد نطاق احكام هذا القانون الى العقود المبرمة فيما بين ((المهنيين وغير المهنيين او المستهلكين))( )، مما دعا الى القول بأن المستهلك هو الشخص غير الممتهن او غير المتخصص في موضوع العقد، ووفقاً لهذا التصور فأن مفهوم المستهلك ينسحب غالباً على المستفيدين من البحث الذين عادة ما يجهلون الطبيعة العلمية او التقنية لهذه البحوث، ولكن ثمة شرط اخر لسريان قانون حماية المستهلك، او ما اصبح يطلق عليه عقود الاستهلاك في فرنسا، والذي يتمثل بضرورة ان يرد العقد على المنتجات او الخدمات الاستهلاكية، فهل ينطبق هذا الشرط على عقد البحث العلمي ؟ بمعنى هل يمكن اعتبار المعلومات منتجات او خدمات استهلاكية ؟
يعرف البعض المنتج بأنه كل منقول مادي قابل للتداول وفقاً لسوق العرض والطلب، ويشمل السلع الاستهلاكية كالأغذية ومستحضرات التجميل وغيرها من الاموال القابلة للهلاك بأستعمالها، كما يشمل الاموال والسلع المعمرة كالسيارات والاجهزة الكهربائية المنزلية، في حين ينصرف مفهوم الخدمة الى كل اداء او عمل يمكن ان يقوم بمقابل من غير الاموال المادية( ).
ويأتي رأي الاستاذ كاتلا (Catala) في مقدمة الآراء التي اعطيت للمعلومة وصفاً ذا قيمة اقتصادية. اذ يعتبر هذا الاستاذ، المعلومة مستقلة عن دعامتها المادية (أي الشيء الذي يحتويها- البحث مثلاً-)، وبكونها قيمة قابلة للاستحواذ (Un bien Susceptible d’appropriation). ويوضح من اجل هذا الوصف بأن المعلومة تقوم وفقاً لسعر السوق، متى كانت غير محظورة تجارياً، وانها منتج، بصرف النظر عن دعامتها المادية وعمل من قدمها وانها بالاضافة الى ذلك ترتبط بمؤلفها عن طريق علاقة قانونية تتمثل بعلاقة المالك بالشيء الذي يملكه. وهي، بهذا الوصف تخص مؤلفها بسبب علاقة التبني التي تجمع بينهما( ).
ومن هنا فأن الاستاذ كاتلا (Catala) يبني تصوره، في اضفاء وصف المنتج على المعلومة على حجتين، الاولى؛ قيمة المعلومة الاقتصادية. والثانية: علاقة التبني التي تجمع بينها وبين مؤلفها، بمعنى ان المؤلف مالك للمعلومة قبل ان يتنازل عنها للمستفيد بموجب العقد.
وتماشياً مع هذا الرأي يدلل الاستاذ فيفانت (Vivant) على هذا الاتجاه، بأن للمعلومة قيمة بسبب اهميتها الاقتصادية (Sa valeur economique) وبذلك يمكن ان تكون محلاً لعقد البيع ويمكن كذلك تحويل ونقل منفعتها واستغلالها( ).
على ضوء ما تقدم نجد ان البحث في مدى انطباق وصف المستهلك على المستفيد من البحث العلمي من عدمه، له اهميته في نطاق القوانين التي تقرر حماية خاصة للمستهلكين، مثل قانون حماية المستهلك الفرنسي، ولا يوجد ما يمنع من اعتبار المستفيد في عقد البحث العلمي خاضع لهذا القانون، في الاحوال التي يكون فيها احد المتعاقدين غير متخصص في ميدان البحث العلمي.
ومما تجدر الاشارة اليه، ان صفة المستفيد لا تنتفي عن المتعاقد مع الباحث حتى لو ادعى هذا المستفيد ان نوع المعلومات لم تعد عليه بالنفع، وذلك لأن الاستفادة هنا تتمثل بالحصول على المعلومات سواء استخدم هذا البحث ام لم يستخدم من قبل المتعاقد مع الباحث( ).


المطلب الثاني
المحل

الموضوع الذي ينصب عليه اتفاق الطرفين في عقد البحث العلمي هو محله، وهو ما يتعهد احدهما ان ينقله او يسلمه الى الآخر.
ومحل العقد في العقود بصفة عامة، هو احد اركانه، ويتعين ان تتوافر فيه شروط معينة، وهي ان يكون معيناً او قابلاً للتعيين، موجوداً او بالامكان وجوده، ممكناً غير مستحيل، كما يشترط ان يكون مشروعاً لا يخالف النظام العام والاداب. ويترتب على تخلف احد هذه الشروط بطلان العقد( ).
وفي نطاق عقد البحث العلمي، فأن المحل في هذا العقد يتمثل في البحث من جهة، والمقابل المالي -اذا ما كان من عقود المعاوضة وهو الغالب- من جهة أخرى، وسنتناول ذلك بالبحث تباعاً على النحو الأتي:-

الفرع الأول
البحث

يعد البحث موضوع عقد البحث العلمي وهدفه، إذ يضم المعلومات التي تقدم من الباحث للمستفيد من خلال الاعتماد على المعرفة العلمية كقاعدة اساسية في الاستغلال والاستكشاف السليم( ).
لذا لابد من معرفة معنى البحث العلمي واهميته، مع دراسة تقسيم بعض الكتاب البحوث العلمية الى اساسية وتطبيقية، ومن ثم بيان حكم التنازل عن البحث لكونه يعد مصنفاً مستقبلياً. وهذا مانبينه على النحو الآتي:-

اولاً- تعريف البحث العلمي، وأهميته:-
يعود البحث لغةً في اصله الى الفعل (بحثَ). وبحث عن الخير وبحثه بحثاً: سأل، وكذلك استبحثه، واستبحث عنه. استبحثتُ وابتحثتُ عن الشيء، بمعنى واحد أي فتشت عنه( ). فالبحث طلب الحقيقة وتقصيها واذاعتها بين الناس( ).
كما تشمل لفظة البحث على معنيين: المعنى المادي، وهو طلب الشيء والتفتيش عنه. والمعنى المعنوي، وهو السؤال عن الشيء( ). وبذلك يمثل البحث وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول الى حل لمشكلة محددة عن طريق التقصي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والادلة التي يمكن التحقق منها( ).
ولم يستقر الفقه على تحديد معنى البحث العلمي تحديداً دقيقاً. فذهب رأيٌ الى القول، بأنه يعنى في المقام الرئيسي بكشف القوانين الكونية أي القوانين المنظمة للظواهر الكونية المختلفة، وتمثل الاكتشافات بالمفهوم المتقدم هدفاً للبحث العلمي، والتي تنتج بدورها المعرفة العلمية( ).
ويعرفه آخر بأنه: دراسة ومعرفة الحقائق المتصلة بأي جانب من جوانب المعرفة، بطرق ووسائل علمية مناسبة عن طريق اعتماد قواعد وانظمة واجراءات تسهل الوصول الى تلك الحقائق( ).


كما عرفه آخر بأنه: أي تقصي نظامي لأي جانب من جوانب المعرفة، تتم مباشرته طبقاً للقواعد العلمية المقبولة بصفة عامة والتي يكون الغرض الاساس منها هو اكتساب المعرفة( ).
في حين ذهب رأيٌ رابع الى تعريف البحث العلمي بأنه: عملية فحص دقيقة محايدة، غير متحيزة لمشكلة، وتقوم هذه العملية على تقصي البيانات وتحريها بدقة وتبويبها وتحليلها والوصول الى نتائج، ونتيجة هذا التحليل قد تؤدي الى اظهار حقيقة المشكلة واسبابها ومايناسبها من حلول( ).
وذهب رأي خامس الى تعريفه بأنه: عمل عقلي هدفه تحقيق نتيجة فنية بها يمكن اشباع حاجات انسانية مفتقدة، بمعنى تقديم شيء جديد للمجتمع او ايجاد شيء لم يكن موجوداً من قبل قوامه أو مميزه ان يكون ثمرة فكرة ابتكارية او نشاطاً ابتكارياً تتجاوز الفن الموجود( ).
وبدورنا نرجح التعريف الاخير، حيث طبقاً لهذا المعنى للبحث العلمي فان النتائج التي يتم التوصل اليها والتي تكون وليدة الصدفة والتخيل فإنها ليست بحوثاً علمية، لأن تلك النتائج ليست سوى بداية نشاط عقلي يؤدي بعد مرحلة من التفكير الى مجهودات خارقة تسمح ببيان العلاقة بين السبب والنتيجة المحققة. فاكتشاف (وات) مثلاً، في امكانية استخدام البخار في تسيير الآلات إنما كان نتيجة لملاحظته لتحرك غطاء ابريق الشاي عند بدء الماء في الغليان ولم يكن ذلك نتيجة لمجهودات منظمة ومرتبة حتى يمكن ان تبين مهارته الابتكارية في البحث العلمي. ولذلك فإنه على الرغم من أن هذا الاختراع قد أحدث ثورة في عالم الصناعة إلاّ انه لايعد من قبيل البحث العلمي، على اعتبار انه لم يكن ثمرة فكرة ابتكارية اتبع بها الباحث خطوات البحث العلمي، ابتداءً من تحديد المشكلة ومن ثم جمع المعلومات ووضع الفروض ومن ثم الوصول الى النتيجة.
ومما تجدر الاشارة اليه، إن البحث العلمي كأي عمل علمي، يخضع الى تقويم لقيمته العلمية والعملية. وذلك من قبل اساتذة ومختصين وخبراء، لكتابة تقرير في صلاحية هذا البحث من عدمه مع الملاحظات( ). ويتم تقويم البحث العلمي في ضوء مراعاة الباحث للنواحي الموضوعية، والشكلية في البحث العلمي( ). وهذا مانلاحظه –على سبيل المثال- من نص الفقرة (4) من عقد التأليف النموذجي لبيت الحكمة، إذ تنص على إنه: يقوم الطرف الاول –بيت الحكمة- بتقويم مخطوط الكتاب المقدم اليه من قبل خبراء في الاختصاصات( ).
ويرمي البحث العلمي الى زيادة المعرفة العلمية والمنفعة البشرية، تحقيقاً للاغراض السلمية. من خلال الدراسات التي تجري لمنفعة الجنس البشري، عدا مايتعلق بالاستثمار الصناعي وغيرها من النشاطات الاخرى التي تهدف الى الاستثمار المباشر للموارد( ). وبذلك يشمل البحث العلمي كل دراسة او عمل تجريبي موجه الى زيادة معرفة الانسان، وتكون نتائجه ملكاً للبشرية. وعليه ستكون زيادة المعرفة العلمية هي أضخم فوائد البحث العلمي، وبعبارة أخرى أضخم من الفوائد المالية الناتجة عن استغلال البحث العلمي( ). ولذلك لابد من الاستخدام المعقول لمعلومات البحث العلمي لتحقيق مستوى افضل من الفهم الصحيح لتطوير وزيادة المعرفة العلمية والمنفعة البشرية.


ثانياً- محاولة تقسيم البحث العلمي:

اذا كان المفهوم العلمي للبحث، يمثل الاسلوب العلمي للتحليل المنهجي للمعلومات والتقنيات وخصائصهما، من خلال الدراسة والبحث الدقيقين في مجالات متنوعة للعلم. فإن هذا المفهوم دعا بعض الاراء الى تقسيم البحث العلمي الى قسمين اساسيين، هما:
* البحوث العلمية الأساسية.
** البحوث العلمية التطبيقية.
إذ يعرفون البحث العلمي الأساسي، بأنه: ((مجموعة المعارف المرتبة منهجياً على شكل ما، والتي جمعت بدقة بواسطة المشاهدة او القيام بالتجربة العلمية، بحيث تصاغ النتائج في قوانين ومبادئ عامة يمكن من خلالها التنبؤ والاستنتاج، من أجل اشباع حاجة الباحث للمعرفة أو من اجل توضيح غموض يحيط بظاهرة ما( ). ويتمثل بالدراسات والمنشورات في المجلات والمطبوعات العلمية وهو عنصر من عناصر التكنولوجيا))( ).
ويعرفون البحث العلمي التطبيقي، بأنه: ((الدراسة العلمية التي يقوم بها الباحث بهدف ايجاد حل لمشكلة قائمة او التوصل الى علاج لموقف معين))( ).
وقد أكد البعض تبني التقسيم اعلاه من خلال تعريفهم للبحث العلمي، إذ عرفه رأيٌ بأنه: ((أية دراسة سواء كانت اساسية أو تطبيقية مقصود منها زيادة المعرفة وتتضمن كل الانشطة العلمية ذات العلاقة بموضوع البحث))( ).
كما عرفه رأيٌ آخر بأنه: ((أي بحث اساسي أو تطبيقي أو عمل خبره يتعلق به، تقوم به الدول واشخاصها القانونيون والطبيعيون وكذلك المنظمات الدولية التي تهدف بصورة مباشرة الى الاستثمار الصناعي، لاستحصال معرفة كل جوانب العمليات الطبيعية، والظواهر الحاصلة))( ).
وقد عرفه رأيٌ ثالث بأنه: ((أي تحري نظامي، سواء كان اساسياً أو تطبيقياً أو عمل خبره يتعلق به يكون غرضه الاول زيادة المعرفة للاغراض السلمية))( ).
ولذلك يرى اصحاب هذا الاتجاه ضرورة ايجاد نظامين مختلفين يحكم احدهما البحوث الاساسية ويحكم الآخر البحوث التطبيقية( ).
بينما يرى اتجاه آخر، صعوبة التمييز بين البحوث العلمية الاساسية والبحوث العلمية التطبيقية لكثرة استخدام الاولى لأغراض الثانية( )، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يعتبر التمييز غير علمي ومصطنع، حيث ان ذلك يعني حرمان اصحاب البحوث التطبيقية من المشاركة في هذه البحوث التي توصف بانها أساسية. في حين ان عدم التمييز بين انواع البحوث سوف يعطي للباحثين الحق بالمشاركة في البحوث والحصول على البيانات والمعلومات وفرض الشروط المناسبة( ).
كما يؤكد رأيٌ آخر، على أن صعوبة التمييز تكمن في تشابه فعاليات كلا النوعين، لهذا فإن التمييز بين انواع البحوث مستحيل من الناحية العملية، فيكون من الصعوبة ايجاد اساس قانوني للتمييز بين البحث العلمي الاساسي والبحث العلمي التطبيقي، والادعاء خلاف ذلك لايمكن تحقيقه إلاّ من الناحية النظرية فقط( ).
وهنا تدخل رأيٌ آخر قائلاً: انه لايمكن قبول فكرة التمييز بين أنواع البحوث الى اساسية وتطبيقية وان من يدعو الى هذا التمييز هم العلماء التقليديون، حيث ان التطور العلمي والتكنولوجي مكن من الاستفادة من جميع البحوث للأغراض الاستثمارية ولافرق بين بحث وآخر من حيث الجوهر لوجود الارتباط الكامل بين كافة أنواع البحوث ولايوجد في الوقت الحاضر معايير علمية يمكن الاستناد اليها لتبرير هذا التمييز. كما إن البحوث الاساسية هي القاعدة التي يستند اليها البحث التطبيقي( ). وهذا مادفع البعض الى القول: إن مثل هذا التمييز كذب لاأساس له من الصحة( ).
وبدورنا نتفق مع الاتجاه الأخير، الذي ذهب الى عدم التمييز بين أنواع البحوث، إذ تخضع جميع انواع البحث العلمي الى نظام قانوني واحد. وذلك لصعوبة التمييز بين أنواع البحوث من الناحية العلمية لكثرة استخدامات البحث العلمي الاساسي في البحث العلمي التطبيقي، كما أن التمييز ظاهر من الناحية النظرية فقط، ولايستند الى اسس علمية دقيقة تمكن الباحثين القانونيين من ايجاد معيار قانوني سليم أو اساس قانوني للتفريق. واذا كان لابد من التمييز بين انواع البحوث. فإنه يمكن أن نميز بين نوعين من البحوث، وفقاً للآراء المطروحة سابقاً. وهما:-
البحث العلمي الاساسي: ويقصد به الدراسات العلمية التي تهدف الى زيادة مجمل المعرفة حول العالم بصرف النظر عن تطبيقها.
البحث العملي (أو التطبيقي): وهو ترجمة الظواهر الطبيعية والنظريات العلمية الى نتائج اقتصادية مفيدة. كما هو الحال في عمليات البحث الجيولوجي والجيوفيزيائي الذي يسبق استخراج النفط وكذلك البحوث التي تتعلق بالتقنية النووية والذرية( ). ويسمى هذا النمط من البحث (بالبحث التكنولوجي)( ).

ثالثاً- التنازل عن مصنف مستقبلي:

يشترط في البحث بوصفه محل عقد البحث العلمي –استناداً لما تقرره القواعد العامة في العقود- أن يكون ممكناً أو معيناً أو قابلاً للتعيين ومشروعاً.
فالبحث ينبغي أن يكون ممكناً لأنه لا التزام بمستحيل والا كان العقد باطلاً( )، كمن يطلب أو يعد بحثاً علمياً بشأن اجراء تجارب محظورة على جسم الانسان. وينبغي كذلك ان يكون البحث معيناً أو قابلاً للتعيين، ويكون البحث معيناً اذا ذكرت أوصافه، واذا لم يكن معيناً فينبغي على الاقل أن يكون قابلاً للتعيين( ). واخيراً ينبغي أن يكون البحث مشروعاً، فإن كان غير مشروع بأن كان مخالفاً للقانون أو النظام العام أو الآداب كان العقد باطلاً( ).
كما تقضي القواعد العامة لنظرية العقد في القانون المدني بانه يجوز التعامل بالاموال المستقبلية شريطة أن تحدد تحديداً نافياً للجهالة والغرر، فقد نصت الفقرة الاولى من المادة (129) من القانون المدني العراقي( )، على انه: ((يجوز أن يكون محل الالتزام معدوماً وقت التعاقد اذا كان ممكن الحصول في المستقبل وعين تعييناً نافياً للجهالة والغرر)).
وفي مقابل ذلك فأن التشريعات الخاصة بحماية حق المؤلف تحرم التعامل بالانتاج الفكري المستقبلي للمؤلف، فقد نصت المادة (39) من قانون حماية حق المؤلف العراقي على أنه: ((يعتبر باطلاً تصرف المؤلف في مجموع انتاجه الفكري المستقبل))( ).
ويرجع سبب التحريم هذا الى منع سلب حرية المؤلف الفكرية، فتعاقده على انتاج مصنف في المستقبل يعد ضرباً من التقييد الفكري له، فقد لايتمكن من انجازه او قد ينتج شيئاً غير ما اتفق عليه عند التعاقد أو انه لم يعد مقتنعاً بموضوع المصنف المتفق عليه مسبقاً( ).
كما إن تحريم التعامل بمصنف لم ينجز بعد يلحق ضرراً بمصالح متعددة يفرضها الواقع العملي. فالمنتج لفلم سينمائي أعد له مبلغاً كبيراً قد يكون ضحية امتناع كاتب القصة او السيناريو عن انجاز المصنف الذي اتفق عليه مسبقاً( ). وقد يتعذر على المستفيد –في عقد البحث العلمي- الاستفادة مما ينتجه الباحث من انتاج فكري في المستقبل على الرغم من التزام الباحث بذلك بموجب عقد البحث العلمي.
وأمام هذا التعارض في المصالح حاول الفقه الفرنسي وضع حلول مناسبة لتفسير النص التشريعي، وذلك عن طريق الابتعاد عن التفسير الحرفي للنص. ويمكن ان نحصر الاراء المختلفة في الفقه الفرنسي مع موقف القضاء بشأن بطلان التصرف الوارد على انتاج فكري مستقبلي في فقرتين: نرى في الفقرة الاولى، الاتجاه الرافض لبطلان التصرف. وفي الثانية، الاتجاه المؤيد لبطلانه، ثم نطرح في فقرة ثالثة مااقترح من حل مناسب في القوانين العربية الخاصة بحماية حق المؤلف.


1- الاتجاه الرافض لبطلان التصرف:-
يرى انصار هذا الاتجاه، انه اذا فسرنا النص (الفرنسي)( ) حرفياً فإنه سوف يؤدي الى استحالة تطبيق النص الا في حدود ضيقة جداً.
لهذا يرى الفقيه (Destois) ان هذه المادة تعتبر التصرف باطلاً اذا لم يذكر عنوان المصنف في التصرف على الاقل( ).
ويرى الفقيه (Strcholm) انه ينبغي ان ننظر الى النص نظرة مرنة، فإذا كان موضوع التصرف مجموعة من المصنفات المستقبلية يتنازل المؤلف عن كل حقوقه منها فإنه يمكن ان نعتبر التصرف باطلاً لأن فيه ضرراً جسيماً للمؤلف، أما إذا كان الاتفاق يرد على مصنف مستقبلي واحد او اجراء تعديل على مصنف موجود اثناء انعقاد التصرف فلايمكن الحكم بالبطلان لأنه لايوجد ضرر يلحق بالمؤلف طالما انه قد حدد فيه مدة انجاز المصنف وعنوانه( ). ويضيف الفقيه (Colombet)، في معرض تأييده للاتجاه السابق، أن قصد المشرع من هذا النص هو منع تنازل المؤلف عن مصنف مستقبلي لم يدرك أهميته والاثار التي تترتب عليه، من دون قصد منع تنازله عن مصنفاته المستقبلية بصورة عامة، لهذا لايمنع من تنازل المؤلف عن حقوقه المالية الناشئة عن مصنفه المستقبلي شريطة ان يكون المؤلف قد حدد موضوعه وعنوانه اثناء ابرام العقد، لأنه اذا توصل الى ذلك فيعتمد ذلك انه قد أدرك اهميته والاثار التي سوف تترتب على انتاجه له في المستقبل( ).
وقد تبنت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه منذ اوائل السبعينات، مع وضع معايير دقيقة لتفسير النص، فقد جاء في قرار لها: ((ان التنازل عن مصنف مستقبلي مشروع اذا حدد في التصرف الفترة التي يجب انجازه فيها شريطة ان لايمس التنازل حقوق المؤلف الادبية))( ). ويراد بعدم المساس بالحقوق الادبية للمؤلف انه لايجوز فرض التزام على المؤلف يتنازل به عن أحد هذه الحقوق، مثل فرض التزام عليه باختيار الاسلوب التعبيري للموضوع أو حريته في اختيار الطريقة المعينة لمعالجة الموضوع، لأن المساس بمثل هذه الحقوق يؤثر في الروح الابداعية للمؤلف، فأي التزام يرغمه عليها لايعترف به وينبغي تعويض المؤلف عن أي ضرر ناشئ عن المساس بها حتى لو لم يتم تنفيذ التصرف موضوع المصنف المستقبلي( ).
ويرى الدكتور نوري حمد خاطر( ): ان الاتجاه السابق ليس الا تأكيداً للقواعد العامة في القانون المدني الخاصة بالتعامل بالاموال المستقبلية شريطة ان تحدد هذه الاموال في العقد تحديداً نافياً للجهالة الفاحشة والا حكم عليها بالبطلان( )، فلكي يصح التصرف الوارد على مصنف مستقبلي ينبغي تحديد عنوانه وموضوعه اضافة الى تحديد المدة. وهذا ما دعا القضاء الفرنسي الى أن يتجنب تطبيق نص المادة ( 131 - 1) الخاصة ببطلان التصرف الوارد على مصنف مستقبلي على الرغم من صراحتها. أما بشأن الحقوق المعنوية (الادبية) فأمر منطقي ان يكون التصرف الذي يرد عليها باطلاً سواء كانت تتعلق بمصنفات منجزة اثناء ابرام التصرف او تتعلق بمصنفات مستقبلية لأنها من النظام العام( ).

2- الاتجاه المؤيد للبطلان:-
لم يؤيد انصار هذا الاتجاه، الاتجاه السابق الذي دعا الى رفض بطلان التصرف الوارد على انتاج فكري مستقبلي. ودعا الى احترام نص
المادة ( 131 - 1 ) من قانون الملكية الفكرية الفرنسية –المشار اليها سابقاً-، وايجاد مخرج لهذا النص افضل من اهماله خاصة وانه صريح للغاية، بعدم جواز التعامل بالانتاج الفكري المستقبلي.
إذ ذهب الفقيه (Lucas) الى القول بأنه: ينبغي الحكم على التصرف بالبطلان ولكن البطلان النسبي. إذ يرى أن نص المادة (131 - 1) تقضي ببطلان التصرف الذي يرد على مصنف مستقبلي، وهذا مايعارض نص المادة (1130) من القانون المدني الفرنسي الخاصة بجواز التعامل في الاموال المستقبلية، وحسب اعتقاده فإن هذا النص في مصلحة المؤلف ولكن لايبدو واضحاً بما فيه الكفاية، إذ يرى ان هذا النص يتعلق بالتنازل عن حقوقه بالنسبة لمصنف يوجد في المستقبل من دون ان يتعلق بمصنف مطلوب ومحدد أو مصنف يكلف العامل باعداده في المستقبل تحت إشراف وتوجيه رب العمل. ولايمكن تفسير النص بانه لاينطبق الا على التنازل الكلي عن الحقوق المالية لمصنف مستقبلي بل التنازل عن أي حق من هذه الحقوق( ).
ويستند هذا الفقيه في ذلك الى قرار حديث لمحكمة النقض الفرنسية الذي ابطل تصرفاً يرد على تنازل المؤلف عن حقه في تحوير مصنفه الذي لم يعد بعد( )، وطالما ان البطلان جاء لحماية المؤلف فينبغي ان يكون بطلاناً نسبياً، أي ان العقد الذي يرد على مصنف مستقبلي يصبح قابلاً للإبطال اذا لم يجزه المؤلف، وذلك حسب نص المادة (1304) من القانون المدني الفرنسي الخاصة بالبطلان النسبي. ولكن اذا انجز المصنف انقلب العقد لازماً لان الغاية من الابطال قد انتفت. أما اذا اختار المؤلف الابطال قبل انجاز مصنفه فله حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به لحرمانه من فرصة استغلال مصنفه بشكل صحيح( ).

3- الحل المختار في القوانين العربية:-

على الرغم من الغموض الذي يشوب رأي الفقيه (Lucas) -المذكور آنفاً- فإنه يمكن اعتماده في تفسير النصوص الواردة في قوانين الدول العربية الخاصة بحماية حق المؤلف، ولكن بتخريج اكثر ملائمة.
إذ يرى الدكتور نوري حمد خاطر( )، إن النص الخاص ببطلان التصرف الوارد على مصنف مستقبلي جاء لحماية الحقوق المعنوية (الادبية)، لأن تنازل المؤلف عن مصنفه المستقبلي سوف يتبعه التنازل عن حقه في تقرير نشر مصنفه وهو حق من الحقوق الادبية، اضافة الى تقييد حريته في اختيار موضوع المصنف والاسلوب التعبيري فيه. ولكن هذه الامور قد حسمتها تشريعات الدول العربية الخاصة بحماية حق المؤلف ابتداءً، إذ نصت على بطلان أي تصرف يتعلق بالتنازل عن حقوق المؤلف المعنوية (الادبية) لأنها حقوق أبدية ولصيقة بشخص المؤلف( ).
ويؤكد هذا الاستاذ، انه اذا كانت هناك خشية من الاضرار التي قد تلحق بالمؤلف مقابل تنازله عن حق من حقوقه المتعلقة بمصنف مستقبلي، فإنه يمكن معالجة ذلك بتطبيق نظرية العقد غير اللازم، التي تقضي بأن العقد ينعقد صحيحاً ونافذاً ولكن يحق للمتعاقدين أو احدهما فسخ العقد بإرادته المنفردة. وفي نطاق التصرفات الواردة على مصنف مستقبلي، يرى هذا الاستاذ، ان يعطى للمؤلف حق خيار الفسخ اذا وجد انه لم يتمكن من انجاز مصنفه او أن الشروط التي نص عليها التصرف قبل اعداد المصنف كانت تعسفية بحقه، أو انها تمس حريته في الابداع او لأي سبب يراه المؤلف موجباً لفسخ العقد، ولاتقع عليه المسؤولية عن ذلك الا اذا كان سيء النية أي انه مارس حقه في الفسخ بقصد الاضرار بالمتعاقد الآخر( ). ومن ثم لابد ان تعاد صياغة النص في تشريعات الدول العربية الخاصة بحماية حق المؤلف بالشكل التالي:
((يثبت حق خيار الفسخ للمؤلف في التصرف الوارد على مصنف مستقبلي))( ).
ومن خلال ماتقدم، وبناءً على الفكرة الراجحة التي طرحها الرأي الاخير، فإنه لكي ينعقد عقد البحث العلمي طبقاً للقواعد العامة، لابد أن تحدد العناصر الجوهرية فيه وهي عنوان البحث العلمي، وموضوعه، وتحديد المدة التي ينبغي على الباحث أن يتم انجازه للبحث -محل العقد- خلالها. وعدم تحديد ذلك يجعل من العقد باطلاً للجهالة الفاحشة( ). وهذا مع عدم تجاوز مانصت عليه المادة (39) من قانون حماية حق المؤلف العراقي، والمتعلقة ببطلان التصرف الوارد على مجموع الانتاج الفكري للمؤلف في المستقبل و الذي جاء لحماية الحقوق الادبية للمؤلف.
وهذا ما يمكن ملاحظته -على سبيل المثال- من خلال الالتزامات المترتبة على المؤلف في عقد التأليف النموذجي لبيت الحكمة، إذ يحدد هذا العقد، عنوان الكتاب المطلوب تاليفه، ومن ثم يلزم المؤلف في الفقرة (2) منه بتسليم مخطوط الكتاب خلال مدة معينة -يتفق عليها الطرفان-( ).


الفرع الثاني
المقابل المالي*

يشكل المقابل المالي عنصرا اساسيا في كل عقود المعاوضة ومنها عقد البحث العلمي. وهو الغاية التي يسعى الباحث من ابرام العقد ليسترد ما أنفقه من اموال في سبيل الحصول على المعلومات وتعويض كفاحه الطويل في اعداد بحثه. فالمقابل هو ثمن لالتزام الباحث بتسليم البحث ونقل الحق في استغلاله الى المستفيد.
وتختلف وضعية المقابل المالي باختلاف نوع العقد. ففي نطاق عقد البيع يسمى المقابل المالي بالثمن، وفي عقدي المقاولة والايجار يسمى بالأجرة. ويعتبر الثمن من اركان العقد الذي يستوجب الاتفاق عليه، او على كيفية تحديده، والا كان العقد باطلاً( ).
أما الاجر او الاجرة في عقدي المقاولة والايجار "كذلك الحال في عقد البحث العلمي"، فإنه من الجائز عدم الاتفاق على مقداره ابتداءً، أي ينشأ عقد المقاولة او الايجار صحيحاً بتوفر اركانه من دون الحاجة الى اتفاق المتعاقدين على مقدار الاجرة، إذ يتم تحديدها في المقاولة بالنظر الى قيمة العمل ونفقات المقاول، اذا تبين من الظروف ان العمل ماكان ليؤدى من دون مقابل( ). وفي الايجار يتم تحديد الاجرة في حالة عدم الاتفاق على مقدارها او على كيفية تقديرها أو إذا تعذر اثباتها، على اساس اجر المثل( ).
بيد انه اذا كان التصرف الوارد على البحث، لقاء مقابل مالي، فإنه ينبغي تحديد هذا المقابل، وهو ماتقتضيه القواعد العامة في القانون المدني( ). كما إن لهذا المقابل في التشريعات المتعلقة بحق المؤلف نوع من الخصوصية، إذا كان التصرف الوارد على البحث صادراً من المؤلف. إذ تشترط بعض التشريعات المتعلقة بحق المؤلف، ومن اجل تأمين الحماية القانونية للمؤلف، أن يكون المقابل المالي الذي يستحقه هذا المؤلف لقاء تصرفه بحقوق استغلال مصنفه، محدداً على اساس نسبة مئوية أو جزء من الايراد أو الربح الناتج الذي يجنيه المتنازل له، عن استغلال المصنف وبذلك يتجنب المؤلف الغبن في تصرفه بحقوقه، والذي يمكن حصوله في حالة ما إذا كان المقابل المالي قد حدد بشكل جزافي أو مبلغ مقطوع. إذ ينص قانون حماية حق المؤلف الاردني في المادة (28) منه على أنه: ((للمؤلف التصرف في أي من حقوقه في المصنف على اساس المشاركة مع الغير بنسبة من الايراد او الربح الناتج عن الاستغلال المالي للمصنف من قبل ذلك الغير. ويشترط في ذلك ان يكون له الحق في الحصول على جزء اضافي من ذلك الايراد او الريع اذا تبين ان الاتفاق على استغلال مصنفه لم يكن عادلاً بحقه، أو أصبح كذلك لظروف واسباب كانت خافية وقت التعاقد أو طرأت بعد ذلك))( ).
كذلك ماينص عليه القانون الجزائري لحق المؤلف من اشتراط ان يكون للمؤلف نسبة مئوية من ثمن بيع كل نسخة من الانتاج لاتقل عن (15%)، كما حدد هذا القانون الحالات التي يجوز فيها اعتماد المقابل الجزافي، والتي تتجلى بتعذر التحديد الدقيق للمقابل النسبي، وكذلك عندما يعد المصنف بموجب عقد عمل أو مقاولة( ).
وفي نطاق قانون الملكية الفكرية الفرنسي، فإن الاصل عدم جواز اعتماد المقابل الجزافي في التصرفات الصادرة عن المؤلف والواردة على حقوقه المالية، إذ ينبغي أن يكون مقابل التنازل عن أي من هذه الحقوق، محدداً بصورة نسبية، أي على اساس النسبة المئوية من المقابل المالي الذي يعرض به المصنف على الجمهور. فإذا نص العقد صراحة على المقابل الجزافي اعتبر الشرط لاغياً ويصار الى تحديد المقابل على اساس نسبي. إلا أنه ثمة حالات يجوز فيها تحديد المقابل المالي بشكل جزافي، ومن بينها:

أ- عندما لاتكون قاعدة احتساب مشاركة المؤلف بنسبة مئوية من الايرادات قابلة للتحديد عملياً.
ب- عندما تنعدم وسائل مراقبة المشاركة النسبية.
جـ- عندما تكون كلفة احتساب الايرادات والمراقبة غير متناسبة مع النتائج المرجوة.
د- حينما تكون طبيعة او شروط الاستغلال تجعل من المستحيل تطبيق قاعدة التعويض النسبي اما لأن مساهمة المؤلف لاتعتبر من العناصر الاساسية في ابتكار العمل (كما في حالة المصنفات الجماعية والمشتركة)، وأما لكون مجال استعمال المصنف ثانويا( ).

في حين اقتصر قانون حماية حق المؤلف العراقي على النص بأن: ((تصرف المؤلف في حقوقه على المصنف سواء كان كاملاً أو جزئياً يجوز أن يكون على اساس مشاركة نسبية في الايراد الناتج من الانتفاع))( ). وحبذا لو أخذ المشرع العراقي في هذا القانون بما نصت عليه التشريعات اعلاه، لما في ذلك من مصلحة في حماية حقوق المؤلف، وعلى الاقل حماية له من الغبن، ولاسيما وان ليس باستطاعة المؤلف الطعن بالغبن الفاحش الا اذا انطوى هذا الغبن على تغرير أو استغلال وفقا للقواعد العامة.
وتجدر الاشارة الى انه قد يكون المقابل الذي يدفعه المستفيد عينياً بالاضافة الى المقابل المالي. كأن يتفق الطرفان على أن يكون هذا المقابل العيني نسبة معينة من المصنفات او الانتاج. ويجد المقابل العيني حضوراً كبيراً في عقود التأليف. فعلى سبيل المثال نجد أن عقد التأليف النموذجي الصادر عن بيت الحكمة قد تضمن في الفقرة (6) منه على أن يستحق المؤلف مبلغاً قدره (60.000) ستون الف دينار للملزمة الواحدة. كما تضمنت الفقرة (9) من هذا العقد على أن يستحق المؤلف عند نشر الكتاب (25) نسخة من الكتاب من دون ثمن. وللمؤلف حق شراء (100) نسخة بتخفيض قدره (50%) وبتخفيض قدره (30%) لأي عدد يزيد على ذلك.

المبحث الثاني
خصائص عقد البحث العلمي

يعد عقد البحث العلمي صورة جديدة من صور العقود الواردة على المعلومات، ومن هنا تميز هذا العقد بخصائص عامة يلتقي بها مع العقود المدنية الاخرى، وسمات اخرى خاصة به من دون غيره من العقود بحيث تصلح هذه السمات المميزة معياراً للتمييز بينه وبين سائر العقود المدنية الاخرى.وهذا مانبينه في المطلبين الاتيين:-

المطلب الاول
الخصائص العامة لعقد البحث العلمي

يلتقي عقد البحث العلمي مع سائر العقود المدنية في خصائص عامة تتمثل في كونه عقداً رضائياً، وملزماً للجانبين، ومن العقود المحددة بحسب الاصل، ومن العقود فورية التنفيذ، ومن عقود المعاوضة، هذا بالاضافة الى كونه عقداً مدنياً. ويمكننا تحديد هذه الخصائص كالآتي:-

اولا- عقد البحث العلمي عقد رضائي:-

فهو ينعقد بمجرد أتفاق الطرفين من دون استلزام أجراءات او شكليات معينة لأنعقاده، لأن القانون لا يشترط ذلك من جهة، ومن جهة اخرى لأن الاصل في العقود الرضائية( ). فلا فرق، من حيث الانعقاد، بين ابرام عقد البحث العلمي بصورة شفهية وبين افراغ هذا العقد في صورة عقد مكتوب.
إلا ان متطلبات الشكلية في عقد البحث العلمي قد تكون للاثبات، والا تعرض الباحث لأهدار حقوقه. خاصة وأن وسائل الاثبات العادية في القواعد العامة غير كافية لحماية حقوق الباحث، اذ انها لا تشترط الكتابة إلا اذا كانت قيمة الحق تزيد على مبلغ معين فقط أما الوقائع المادية الاخرى فيمكن اثباتها بكل وسائل الاثبات( ).
لذلك فإذا سمحنا لمن يدعي بحق على الباحث اثباته بكل وسائل الاثبات فقد يؤدي ذلك الى اهدار حقوقه المادية الناشئة عن انتاجه الفكري.
ونتيجة لذلك اشترطت التشريعات الخاصة بحماية حق المؤلف الكتابة في التصرفات الواردة على حقوق المؤلف المادية، على الرغم من الصياغات المختلفة للتشريعات، ومن يطالب المؤلف بحق فعليه اثباته خطياً، وبهذا تكون وظيفة الكتابة في مجال قانون حماية حق المؤلف اشمل من وظيفتها في القواعد العامة. فقد نصت المادة (38) من قانون حماية حق المؤلف العراقي رقم (3) لسنة 1971 على انه:- ((للمؤلف ان ينقل الى الغير حقوق الانتفاع المنصوص عليها في هذا القانون الا ان نقل احد الحقوق لا يترتب عليه اعطاء الحق في مباشرة حق آخر ويشترط لصحة التصرف ان يكون مكتوبا وان يحدد فيه صراحة وبالتفصيل كل حق يكون محلاً للتصرف مع بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه وعلى المؤلف ان يمتنع عن أي عمل من شأنه تعطيل استعمال الحق المتصرف به)).
وكذلك اعتبرت المادة (13) من قانون حماية حق المؤلف الاردني رقم (22) لسنة 1992، الكتابة شرطاً لصحة التصرف اذ نصت على انه:- ((للمؤلف ان يتصرف بحقوق الاستغلال المالي لمصنفه ويشترط في هذا التصرف ان يكون مكتوباً...)). وجاء في المادة (37) من قانون حماية حق المؤلف المصري رقم (354) لسنة 1954 أنه:- ((يشترط لتمام التصرف ان يكون مكتوباً...)). كما اكدت المادة (6/3) من قانون حماية المصنفات الفكرية وحقوق المؤلف الاماراتي رقم (40) لسنة 1992 على انه:- ((لا يجوز استغلال أي مصنف فكري عن طريق نقله للجمهور بدولة الامارات العربية إلا بإذن كتابي موثق من المؤلف)). وجاء في المادة (16) من نظام حماية حقوق المؤلف السعودي الصادر في سنة 1989 على انه:-(( حقوق المؤلف المنصوص عليها في هذا النظام قابلة للانتقال كلها او بعضها سواء بطريق الإرث او التصرف القانوني. ويجب ان يكون التصرف القانوني ثابتاً بالكتابة ومحدداً لنطاق الحق المنقول)). أضف الى ذلك فأن المشرع الفرنسي نص في المادة ( 131-2 ) من قانون الملكية الفكرية الفرنسي، بالصورة التالية:- ((doivent constates par ecrit...))( ).
في حين اكدت بعض النصوص على ان الكتابة ركن في التصرفات الواردة على حق من حقوق المؤلف وأن غيابها يؤدي الى البطلان، فالمادة (163) من قانون حماية حق المؤلف اللبناني تنص على انه:- ((كل تنازل يجب ان يكون كتابة وألا يكون باطلاً...)). وجاء في المادة (44) من قانون حماية حقوق المؤلف الجزائري على انه:- ((... ولا بد ان يكون هذا العقد مكتوبا والا وقع تحت طائلة البطلان))( ).
واذا كان الرأي الراجح فقهاً وقضاء مجمعان على شرط الكتابة هو وسيلة اثبات( )، كما ان التشريعات التي ذكرناها آنفاً اشترطت الكتابة من دون ان يرتب على غيابها بطلان التصرف الوارد على حق من حقوق المؤلف. فأن السؤال الذي يثور بهذا الصدد هو ماذا ينبغي ان تتضمن هذه الكتابة ؟
تجنباً لتنازل المؤلف عن حقوقه لصالح الغير بشروط سهلة او شروط تعسفية، حددت بعض التشريعات الخاصة بحماية حقوق المؤلف العناصر التي ينبغي ان تتضمنها الكتابة( )، فقد جاء في نص المادة (38) من قانون حماية حق المؤلف العراقي انه:- ((… ويشترط لصحة التصرف ان يكون مكتوبا وان يحدد فيه بصراحة وبالتفصيل كل حق يكون محلا للتصرف مع بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه…))( ). وهذا يعني ان العناصر الجوهرية التي ينبغي ان ترد في التصرف المكتوب هي اربعة: تحديد طريقة استغلال المصنف، والغاية من استغلاله، ومدة استغلاله، واخيرا المقابل. ولكن ما هي الاثار التي تترتب على غياب هذه العناصر كلها او بعضها ؟
قد يفهم من نص القانون العراقي اعلاه او غيره من النصوص العربية المشابهة له ان ذلك يؤدي الى بطلان التصرف، خاصة وان هذه العناصر من العناصر الجوهرية للعقد، وعدم ذكرها يؤدي الى بطلان العقد لعدم تطابق الايجاب والقبول، وذلك طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني التي تشترط بانه يجب ان يشتمل العقد على المسائل الجوهرية( )، فقد جاء في الفقرة الاولى من المادة (86) من القانون المدني العراقي انه:- ((يطابق القبول الايجاب اذا اتفق الطرفان على كل المسائل الجوهرية التي تفاوضا فيها أما الاتفاق على بعض المسائل فلا يكفي لالتزام الطرفين حتى لو أثبت هذا الاتفاق بالكتابة)).
وهناك فرق بين عدم الاتفاق عليها وعدم ذكرها كتابة؛ ففي الحالة الاولى يؤدي ذلك حتماً الى بطلان العقد طبقا للقواعد العامة في نظرية العقد، ولكن هل يؤدي عدم ذكرها الى البطلان ايضاً ؟
يذهب الرأي الراجح الى ان غيابها يعطي القاضي سلطة تقديرية واسعة، اذ يمكن للقاضي الاستعانة بالخبراء في تحديد طريقة استغلال المصنف او مدة استغلاله او مقدار المقابل الذي يستحقه المؤلف( ). وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية ان عدم ذكر مدة استغلال المصنف يعني انه لا يجوز استغلاله الا مرة واحدة فقط( ).
وقد تحتم طبيعة المصنف عدم ذكر بعض العناصر الجوهرية، فإذا كان المصنف ذا طبيعة صناعية فلا حاجة الى ذكر مدة استغلاله لأنه يعد ثانويا بالقياس الى الموضوع الصناعي الاصلي الذي عد المصنف من أجله، فهو ملحق به فلا يجوز فرض شروط تتعارض واستغلاله( )، ويعترف بالكتابة ايضا على الرغم من عدم تحديد طريقة استغلال المصنف اذا كانت الطريقة غير معروفة عند التعاقد، ويعد هذا استثناء ايضا على تحديد العناصر الجوهرية للتصرف الوارد على حقوق استغلال المصنف، وجاء ذلك مراعاة لبعض المصنفات الحديثة التي تنوعت وسائل استغلالها( ).
عليه فأن اعطاء سلطة واسعة للقاضي في تفسيره مضمون الكتابة بما يضمن حماية لحقوق المؤلف هو حل افضل من الحكم على العقد بالبطلان، طالما ان الكتابة كما اسلفنا تعتبر وسيلة للاثبات. واما ما ينص عليه المشرع في تحديد مضمون الكتابة فليس الا تأكيداً على رغبته في ضمان حماية افضل للمؤلف. وتخويلاً ضمنياً للقاضي بالتدخل في تعديل مضمون الكتابة بما يضمن هذه الحماية( ).

ثانياً- عقد البحث العلمي عقد ملزم للجانبين:

مقتضى ذلك انه لا يحق لأي طرف من اطراف عقد البحث العلمي ان يتحلل من العقد بإرادته المنفردة من دون ان يتحمل نتائج هذا التحلل( ).
وينبغي ملاحظة ان عقد البحث العلمي، بأعتباره صورة من صور عقد المقاولة( )، يتمتع المستفيد فيه بسلطة فسخ العقد وايقاف التنفيذ في أي وقت قبل أتمام البحث استناداً الى ما تقرره الفقرة الاولى من المادة (885) من القانون المدني العراقي النافذ بخصوص عقد المقاولة( ). ولكن الا يعد ذلك تناقضاً مع تقرير مبدأ، ان هذا العقد ملزم للجانبين ؟
ان التأمل الدقيق في احكام عقد المقاولة يزيل هذا التناقض المزعوم حيث ان الجزاء المترتب على تحلل رب العمل من العقد، الذي يتمثل بتعويض المقاول عن جميع ما أنفق من مصروفات وما أنجزه من الاعمال وما كان يستطيع كسبه لو انه اتم العمل، يؤكد ان رب العمل ملزم بأحترام العقد وان تحلله منه لا يعني عدم ترتب التبعات القانونية عليه( ).

ثالثاً- عقد البحث العلمي من العقود المحددة بالاصل:

يعتبر العقد محدداً اذا كان بإمكان كل من طرفيه تحديد التزاماته وقت ابرام العقد( ). وعقد البحث العلمي هو كذلك حسب الاصل ومن غير الممكن ان يكون عقداً احتمالياً، كما لو ان الباحث اتفق مع المستفيد على ان يقدم له بحثاً علمياً متى ما احتاج اليه ولمدة سنة واحدة مقابل أجر شهري ثابت. فالتزام الباحث بتقديم بحث علمي غير ثابت في هذه الصورة. حيث ان هذا ينتفي مع خصوصية هذا العقد والذي يتميز بكونه من العقود المهنية المعتمدة على الاداء الذهني المتميز للباحث من جانب( ). ومن جانب اخر، عدم امكانية اجبار الباحث على اعداد بحث علمي ما من دون رغبته، أي لا يمكن ان نترك الباحث لرغبة المستفيد في ان يطلب منه بحثاً علمياً متى ما اراد وفي أي موضوع يرغب.
اذ لا بد من ان يحدد نوع البحث والمعلومات المطلوبة من الباحث عند ابرام عقد البحث العلمي. وهذا ما يمكن استنتاجه ايضا من نص المادة (38) من قانون حماية حق المؤلف العراقي-سالفة الذكر-( )، عندما حددت ان تتضمن الكتابة العناصر الجوهرية عند تنازل المؤلف عن حقوقه لصالح الغير.

رابعاً- عقد البحث العلمي عقد فوري التنفيذ في الاصل:

حيث ان المتعاقدين ينفذان التزاماتهما، في الغالب، في الوقت المحدد لذلك ودفعة واحدة. ولكن يجوز ان يكون هذا العقد مستمر التنفيذ كالاتفاق على تنفيذ الالتزامات العقدية على شكل دفعات متعاقبة، اذا كان موضوع البحث العلمي من الصعوبة بمكان او كان البحث العلمي من السعة في معلوماته بحيث لا يصح تنفيذه الا على مراحل متعددة.

خامساً- عقد البحث العلمي من عقود المعاوضة:

يمتاز عقد البحث العلمي بأن كل طرف فيه يأخذ مقابلا لما يعطي. اذ يلتزم المستفيد باداء المقابل الى الباحث وذلك نظير حصوله على البحث العلمي موضوع العقد. وهذا المقابل هو الذي يمثل الصفة الاقتصادية لعقد البحث العلمي.
ويتفق عادة على كيفية دفعه في الوثيقة التعاقدية. كما قد يتم الاتفاق على ذلك بالملاحق التعاقدية المعتمدة لدى الطرفين المتعاقدين. واذا لم يكن العقد بمقابل فينبغي النص عليه بصراحة وبوضوح تام.

سادساً- عقد البحث العلمي عقد مدني:

يعد عقد البحث العلمي من العقود المدينة الواردة على العمل، وهو صورة من صور عقد المقاولة، ومن ثم يصبح القانون المدني واحكامه هي الواجبة التطبيق ما دام هدف العقد تقديم خدمة متميزة( ).
ويثار التساؤل هذا الصدد عن امكانية ان يكون عقد البحث العلمي عقداً تجارياً نتيجة لاكتسابه الصفة التجارية بالتبعية اذا ورد البحث العلمي بمناسبة عمل من الاعمال التجارية. وخصوصاً في البحوث المقدمة من مراكز علمية او شركات متخصصة في تقديم البحث العلمي ؟
نتفق في هذا الشأن مع ما يراه الاستاذ سافاتيه (Savatier) في ان عقد البحث العلمي لا يمكن ان يكون عقداً تجارياً وان القانون المدني هو الواجب التطبيق( ). سواء اكان البحث العلمي وارداً بمناسبة عمل مدني ام تجاري، وذلك لأن الاعمال التجارية وردت في القانون على سبيل الحصر( )، ولم يرد ذكر البحوث العلمية كنوع من هذه الاعمال، هذا من جانب. ومن جانب ثانٍ، فأن الفقه القانوني استقر على استبعاد الانتاج الذهني-او ما يسمى الانتاج الاول- من نطاق الاعمال التجارية لأن هذا النتاج المتمثل بالبحث العلمي لم تسبقه عملية شراء ولا يتضمن تداولاً للسلع سواء أقصد الباحث الحصول على الربح ام لم يقصد( ).

المطلب الثاني
سمات عقد البحث العلمي

تبرز خصوصية عقد البحث العلمي في كل مرحلة من مراحله، ابتداءاً من تكوينه وانتهاءً بانقضائه. فعند تكوينه نرى خصوصيته في ركون المستفيد الى الاعتبار الشخصي للباحث عند اختياره ابرام عقد البحث العلمي معه. وعند انقضائه نجد خصوصية هذا العقد-والتي تدفعنا الى عدم الاخذ بالحلول التقليدية فيما يتعلق بفسخ العقود- تتجلى في بقاء بعض الالتزامات حتى بعد انقضاء العقد ومثالها الالتزام بالسرية الذي يوصف بأنه التزام مؤبد( ). وسنتناول ذلك بالبحث تباعاً على النحو الاتي:-

اولاً- عقد البحث العلمي من عقود الاعتبار الشخصي:-

يعد عقد البحث العلمي من العقود القائمة على الاعتبار الشخصي كالسمعة والكفاءة العلمية والامانة وماقام به الباحث سابقاً من اعمال تكسبه تجربة علمية كافيه( ). وإن المستفيد اختار ابرام هذا العقد مع الباحث بناءً على اعتقاده بتخصصية هذا الباحث، واضعاً ثقته المطلقة فيه استناداً الى هذا الاعتقاد. لأن هذا العقد يقوم على ركيزة اساسية مفادها أن شخصية الباحث محل اعتبار وأن عدم تخصصه ينفي عنه صفة الباحث( ).
ولذلك يحرص المستفيد عندما يروم التعاقد مع الباحث على التحقق من توفر هذه المؤهلات الشخصية، فلا يتعاقد المستفيد مع كل من يتقدم اليه وانما من يجد انه مؤهل لاعداد البحث. ولهذا كان عقد البحث العلمي من العقود ذات الاعتبار الشخصي.
إن عد عقد البحث عقداً قائماً على الاعتبار الشخصي يؤدي الى القول بأن وفاة الباحث او فقده لأهليته تؤدي الى انقضاء عقد البحث العلمي( ). حتى لو كان ورثته يمارسون نفس المهنة، ذلك لأن الصفة الاعتبارية للباحث تأبى انتقال آثار العقد الى الورثة( ). كما لايجوز للباحث أن يعهد للغير باعداد البحث موضوع العقد.

ثانياً- عقد البحث العلمي منشئ لالتزامات ذات طبيعة خاصة:

يتميز عقد البحث العلمي بأنه ينشئ التزامات مترابطة على الرغم من أن بعضها يعد تقليدياً (كالالتزام بدفع المقابل وتسليم البحث)، والبعض الاخر يوصف بأنه ذا طبيعة خاصة (كالالتزام بالسرية والالتزام بالتعاون). وان الطبيعة الخاصة في هذه الالتزامات يتمثل في نواحٍ عدة، فابتداءاً تمتد هذه الالتزامات على طول مراحل العقد بدءاً بالمفاوضات ومروراً بالتكوين ووصولاً الى التنفيذ، حتى أن بعضها يبقى حتى بعد انتهاء مدة العقد ما لم يتم الاتفاق على عكس ذلك (كالالتزام بالمحافظة على سرية البحث)
ويلاحظ من جهة أخرى أن الفقه القانوني لم يقر هذه الالتزامات كأثر مباشر عن العقد الا مؤخراً اذ كانت هذه الالتزامات توصف بأنها واجبات لاترقى الى مرتبة الالتزام( ). واخيراً فإن ميزة الحداثة هذه جاءت نتيجة لارتباط هذه الالتزامات بعقد حديث نسبياً يعتمد على الاداء الذهني والجهد الفكري لأحد اطرافه وثقة كبيرة يوليها الطرف الآخر بهذا الاداء.
بقي لنا القول ان امتزاج الالتزامات التقليدية أو الحديثة في عقد البحث العلمي اضفى ميزة جديدة عليه من حيث ان هذا العقد سيكون المصدر المباشر لهذه الالتزامات من دون ان يكون ثمة داعٍ لمحاولة ايجاد مصدر هذه الالتزامات خارج اطار هذا العقد.
وسوف نرجئ بحث هذه الالتزامات الى حين بيانها كآثار لعقد البحث العلمي في مبحثٍ مستقل تجنباً للتكرار.

ثالثاً- عقد البحث العلمي يقتصر على المعرفة العلمية:

تعد المعرفة العلمية نتاج البحث العلمي. واذا كان العلم يعرف بأنه مجموعة معلومات او النشاط الذي ينقاد اليه العلماء والباحثون العلميون( ). فإن المعرفة أوسع وأشمل من العلم، فالمعرفة تتضمن معارف علمية واخرى غير علمية، ويمكن التمييز بينهما على اساس قواعد المنهج واساليب التفكير التي تتبع في تحصيل المعارف، فالباحث الذي يتبع المنهج العلمي يصل الى المعرفة العلمية( ). والمعرفة انواع هي:-
1. المعرفة الحسية: وهي المعرفة المتحصلة عن ملاحظة الظواهر، ملاحظة بسيطة غير مقصودة( ).
2. المعرفة الفلسفية التأملية: وهي المعرفة المتحصلة عن التفكير والتأمل في الاسباب البعيدة، عن الموت والحياة مثلاً( ).
3. المعرفة التكنولوجية: تمثل مجموعة معارف غير مجردة، بمعنى انه يكون لها دائماً محتوى تطبيقي بالنظر الى استهداف مبتكرها استخدامها في مجال النشاط المادي لانتاج السلع والخدمات. وتستند هذه المعارف على الحقائق العلمية وتتميز عنها بمحتواها التطبيقي( )، ويذهب البعض الى ان المعارف التكنولوجية التي تدخل في هذا المفهوم يمكن ادراجها تحت العناوين الآتية( ):- المعرفة الفنية know-how،( ) والمهارة التقنية Habilite technique،( ) والخبرة التقنية Experience technique، والمعارف التقنية Connaissances techniques، وأخيراً الطرق والاساليب
الصناعية Les procedes.
4. المعرفة العلمية التجريبية: وهي القائمة على اساس الملاحظة المنظمة المقصودة للظواهر واساس وضع الفروض الملائمة والتحقق منها بالتجربة وتجميع البيانات وتحليلها( ).
وتعتمد المعرفة العلمية أساساً على الاستقراء( )، ويعتمد الاستقراء على جمع الادلة والبراهين المادية والعلمية التي تساعد على اصدار تعميمات محتملة الصدق والثبات التي يدرس ويلاحظ الباحث اجزاءها ومن ثم يصل الى النتائج النهائية المتعلقة بموضوعه الدراسي( ).
الى جانب ذلك ثار التساؤل عن خصائص المعرفة العلمية ؟ وللاجابة على هذا السؤال فإننا ذكرنا آنفاً بأن المعرفة العلمية هي وحدة البحث العلمي. وبالتالي نعني بخصائص المعرفة العلمية تلك الخصائص التي تتوافر في العلم بغض النظر عن عناصره المتعددة. وتستمد المعرفة العلمية ثلاث من خصائصها من كونها معرفة: فهي شيء غير مادي، وغير قابل للنفاد، وقابل للتداول. وهذا ماسنبحثه على النحو الآتي:-
1- المعرفة العلمية شيء غير مادي. وهذا مانبينه في الفقرتين الاتيتين:-
أ) المعرفة العلمية من قبيل الاشياء:-
للمال في القانون العراقي مفهوم قانوني يميزه عن الشيء. فطبقاً للمادة (61) فقرة اولى من القانون المدني: ((كل شيء لايخرج عن التعامل بطبيعته او بحكم القانون يصح أن يكون محلاً للحقوق المالية))( ). وتقرر المواد (65 و66) من القانون المدني بأن: ((المال هو كل حق له قيمة مادية أياً كان هذا الحق سواء أكان عينياً أم شخصياً)). أما الشيء سواء أكان مادياً أم غير مادي فهو محل ذلك الحق( )، فاذا كان الشيء غير المال لكون هذا الاخير الحق المالي الذي يرد على الشيء والشيء هو محل هذا الحق( ). يدور التساؤل حول مدى جواز الاستئثار بالمعرفة العلمية وحول اعتبار هذه المعرفة شيئاً. وبعبارة أخرى، اذا كانت هناك رابطة بين الشخص والمعرفة العلمية فلا يكون ذلك الا بوصفها من الاشياء.
ولقد اصبح من الثابت ان المعرفة العلمية تكون محلاً للمبادلات. وتتسم هذه المبادلات بطابع المبادلات السلعية( ). والاصل أن التصرفات القانونية المتعلقة بالاشياء ترد أما على انشاء أو نقل أو انهاء حق من الحقوق العينية الواردة على الشيء أو حق شخص متعلق بالشيء أو حق ذهني على الشيء. وبعبارة أخرى تدور فكرة التصرف القانوني حول فكرة الحق بمفهومه القانوني. لذلك فإن تبادل المعرفة العلمية تعد من القيم، أي في عرف القانون من الاشياء الداخلة في دائرة التعامل( ).

ب) الطابع المعنوي للمعرفة العلمية:
تنقسم الاشياء الى اشياء مادية واشياء غير مادية. والاشياء المادية هي تلك التي يكون لها كيان مادي محسوس على خلاف الاشياء غير المادية التي تكون غير محسوسة( ). أو بعبارة أدق لايمكن إدراكها إلا بالتصور( ).
وتطبيقاً لذلك تعد المعرفة العلمية شيئاً غير مادي، فالمعرفة بوجه عام شيء غير محسوس يدرك بالتصور أي بالفكر، من دون أن يؤثر في ذلك ضرورة توافر قالب تعبيري تتجسد في حال نقلها الى الغير. وهذا مادلت عليه المادة (70) في فقرتها الاولى من القانون المدني العراقي إذ نصت على أن: ((الاموال المعنوية هي التي ترد على شيء غير مادي كحقوق المؤلف والمخترع والفنان)).
ولابد من الاشارة الى امكانية تجسيد المعرفة العلمية (ذات الطابع المعنوي) في شكل ملموس، وإن كانت تظل متميزة عما يستدل عليها من قوالب. ومع ذلك يجدر بنا العرض لأهم هذه القوالب من الوجهة العملية. ذلك أن الحماية القانونية، جنائية أكانت أم مدنية، لتلك القوالب قد تمثل حماية قانونية غير مباشرة للمعرفة العلمية المتجسدة فيها.
إذ تتميز المعرفة العلمية عما يستدل عليها من وثائق تمثل سنداً لها مثل البحوث والملفات والمخططات والنماذج وغيرها من القوالب التي تصاغ فيها المعرفة العلمية. ومن الصور الهامة حديثاً لتوثيق المعرفة العلمية تخزين المعلومات المتعلقة بها في ذاكرة الحاسبات الآلية.
وعلى ذلك يكون البحث عن مناط حماية المعرفة العلمية بوصفها من الاشياء غير المادية، وذلك بغض النظر عن أي استئثار بالقوالب التي تصاغ فيها تلك المعرفة. وباعتبار المعرفة العلمية ذاتها من الاشياء فإنها تصير قابلة للاستئثار بها اذ استقرت النظم القانونية على قبول ظاهرة الاستئثار بالاشياء غير المادية( ).
ويترتب على ذلك وجوب التمييز بين حماية المعرفة العلمية ذاتها من الوجهة القانونية وحماية القوالب التي تصاغ فيها. ومع ذلك وكما ذكرنا آنفاً قد تمثل حماية تلك الاخيرة وسيلة غير مباشرة لحماية المعرفة العلمية( ).
ومن أبرز صور الارتباط بين حماية المعارف أو المعلومات وحماية القوالب التي تصاغ فيها: الحماية القانونية بموجب قانون حماية حق المؤلف وهو مايستدعي توفر شروط المصنف المبتكر (الاصالة والاسلوب التعبيري) وخروج المصنف من ذهن المؤلف الى عالم الواقع الملموس( ). والحماية الواجب توفيرها لبرامج الحاسبات الآلية من اخطار الفيروسات والسرقة والتزوير والاخلال بالثقة، إذ تنسحب هذه الحماية للبرامج الى حماية المعلومات المعالجة بواسطة الحاسب الآلي( ).

وخلاصة القول: ان المعرفة العلمية، أياً كانت مكوناتها، هي من قبيل المعارف، أي المعلومات، فهي إذن من الاشياء غير المادية، وذلك اياً كان القالب او السند المالي لهذه المعارف، فلقد قلنا من قبل أن العلم باعتباره مجموعة من المعارف لابد له من قالب او سند مادي يتجسد فيه. ومن المهم جداً ألا نخلط مابين المعرفة العلمية وبين العناصر المادية التي تتجسد فيها، خاصة عندما نعرض لموضوع الحماية القانونية للمعرفة العلمية، والذي يتعلق بحماية المعرفة العلمية بغض النظر عن سندها المادي. فالمعرفة العلمية النظرية التي تشكل احد مكونات المعرفة العلمية تتجسد في وثائق متنوعة (بحوث، تصميمات، رسومات، كراسات، مخططات، ملفات، نماذج… الخ).
ولاشك ان هذه الوثائق- باعتبارها من الاشياء المادية- تتمتع بالحماية القانونية التي يكفلها حق الملكية، ومن ثم فحمايتها القانونية لاتثير أي اشكال معين. أما حماية المعارف التي تتجسد في هذه الوثائق فأمر مختلف تماماً، ويثير قضايا قانونية على درجة كبيرة من التعقيد. ولذلك قيل:- أن حماية القالب او السند المادي قد يؤدي بطريقة مباشرة الى حماية المعرفة المتضمنة فيه، ولكن هذا ينبغي الا يؤدي بنا بأي حال الى الخلط بين المعرفة وبين سندها المادي( ).

2- عدم قابلية المعرفة العلمية للنفاد:

المعرفة بوجه عام غير قابلة بطبيعتها للزوال. فمتى توصل الانسان الى المعرفة او اكتسبها التصقت به ولايمكن نزعها منه. ومهما استعمل الانسان هذه المعرفة وكانت محلاً لاستغلاله فإنها لاتنفد أبداً. ومايصدق على المعرفة بوجه عام يصدق على المعرفة العلمية على وجه الخصوص( ). ويترتب على عدم قابلية المعرفة العلمية للنفاد انها لاتفقد كل قيمة لها عند ظهور معارف جديدة اكثر تطوراً.
كما ان الباحث الذي يتوصل الى المعرفة العلمية لاينعم وحده بعوائد استغلالها إلاّ اذا توافرت له دعائم الاستئثار بتلك المعرفة( ). فالمعرفة العلمية شيء غير مادي غير قابل للاختصاص الفردي بحسب الاصل مالم يمنع مبتكرها كشف الغير لها ولم يتوصل غيره الى ابتكارها.
ومع ذلك يلاحظ انه متى تقرر لمبتكر المعرفة العلمية احتكار لها يمكنه الافادة بما تتميز به من عدم القابلية للاختصاص الفردي. فهو يستطيع استغلالها عن طريق تمكين اكثر من شخص من استعمالها في آن واحد من دون أي تعارض او تزاحم، كما انه يستطيع تمكين الغير من استعمال المعرفة العلمية من دون أن ينقطع استعماله هو لها في داخل مشروعه( ).

3- قابلية المعرفة العلمية للتداول:

يمكن القول انه بتوافر خصائص عدم القابلية للنفاد وعدم القابلية للاختصاص الفردي في المعرفة العلمية قد توافرت فيها عناصر قابليتها للتداول. فعدم القابلية للنفاد يطلق تداول المعرفة العلمية من حيث الزمان، أما عدم القابلية للاختصاص الفردي فيطلق تداولها من حيث الاشخاص. وحال المعرفة العلمية في ذلك حال المعرفة بوجه عام والتي لاتقدر قيمتها وأهميتها الا بقدر انتشارها ومساهمتها في تحقيق غاية او منفعة للبشرية عموماً. فالفكر بوجه عام حياته في انتشاره، لا في الاستئثار به( ).
وفيما يتعلق بالمعرفة العلمية يلاحظ انه من العسير أن يتوصل انسان الى معلومات مثلاً ويبقى في نفسه الفكرة التي على اساسها بنى نتاجه العلمي ويمتنع عن استغلاله بأي صورة من صور الاستغلال. فلكي يكون للمعلومات ثمة فائدة لايمكن إبقائها حبيسة فكر الباحث. ومن هنا تكتسب المعرفة العلمية قابليتها للتداول والانتشار( ).
خلاصة القول: إنه على الرغم من قابلية المعرفة العلمية للتداول فهي محل لكل محاولات الاستئثار بها والاختصاص بها اختصاصاً فردياً من قبل مبتكرها نظراً لأهميتها الاقتصادية. إذ تتمتع المعلومات بقيمة اقتصادية جديرة بأن ترفعها الى مرتبة الاموال إذ يتحدد سعرها بوصفها سلعة وفقاً لسوق العرض والطلب متى ماكان من غير المحظور قانوناً التعامل فيها( ). وذلك باعتبارها سلعة ذات طبيعة غير مادية تدفع المبالغ النقدية نظير الحصول عليها. ولكن الامر لايتعلق فقط بالقيمة المالية التي قد تمثلها المعلومات، وانما لابد من توافر صفة الاستئثار "اختصاص صاحب الحق بمحل هذا الحق". وينشأ هذا الاستئثار او الاختصاص- في اطار الاشياء غير المادية ومن ضمنها المعلومات- من خلال مايبذله الباحث من جهد ذهني بتجميع الافكار وصياغتها بصورة مبتكرة او اصيلة تؤدي نسبة هذا النتاج الذهني (المعلومات) اليه، وبالتالي تمتعه بالحماية المقررة بموجب قانون حماية حق المؤلف. وبذلك تنسب هذه المعلومات بما تحتويها من عناصر للشخص الذي قام باعدادها، بصورة تعطي لهذا الاخير ميزة التسلط وحرية التصرف بمواجهة الكافة، طالما ان قانوناً لايمنع هذا الاستئثار بشرط تمتع هذه المعلومات بالحماية القانونية( ).
وهذا يعني عدم قابلية المعرفة العلمية للتداول وذلك بتوافر عناصر خارجية عنها كشيء يستحق الاستئثار: وهذه العناصر الخارجية أما ان تتمثل في عناصر الاحتكار القانوني للمعرفة( ) وأما في عناصر احتكارها احتكاراً واقعياً، بواسطة السرية مثلاً( ).
بناءً على ما تقدم فإن الركيزة الاساسية لعقد البحث العلمي هي المعرفة العلمية التي تنتقل الى الطرف الاخر –المستفيد- في العقد سواء اكان هدفه من ذلك تملكها والاستئثار بها، او الاقتصار على استغلالها من دون ان يتطرق الامر الى معرفة اسرارها، ولاشك ان من شأن المعارف المتولدة عن البحث العلمي اثراء التراث العلمي في حالة تداولها، كما انه يتصور نقلها الى بحوث أخرى. وهذا مادعا الى القول بأن البحث العلمي اصبح احد المعايير الاساسية التي يقاس بها مدى تقدم المجتمعات في الوقت الحاضر( ).

المبحث الثالث

تمييز عقد البحث العلمي عما يشتبه به من اوضاع قانونية

بعد أن بينا تعريف عقد البحث العلمي وبحثنا عناصره، ولأستكمال مفهوم هذا العقد في ضوء سماته المحددة آنفاً. فلابد أن نعرض بعد ذلك للتمييز بينه وبين غيره من المراكز القانونية والتصرفات الواردة على المعلومات التي قد تشتبه بالعقد المذكور. ومن هذه الاوضاع القانونية: عقود نقل التكنولوجيا وعقد المشورة وهذا ماسنبحثه في مطلبين وعلى النحو الآتي:


المطلب الأول
تمييز عقد البحث العلمي عن عقود نقل التكنولوجيا

تعرف التكنولوجيا ((La Technologie)) ، بأنها مجموعة المعارف المستخدمة في انتاج السلع والخدمات( ). وفي مفهوم آخر تعرف على انها المنهج العلمي الذي يُستخدم لنقل المعرفة المجردة الى واقع التطبيق من خلال استخدام التقنيات المتاحة( ). بينما يذهب البعض الى تعريفها بأنها: الجهد المنظم الرامي لاستخدام نتائج البحث العلمي في تطوير أساليب أداء العمليات الانتاجية …. وذلك بهدف التوصل الى اساليب جديدة يفترض فيها أنها أجدى للمجتمع( ). في حين عرفها المشروع المصري لنقل التكنولوجيا بأنها، نقل المعرفة المنهجية اللازمة لتصنيع او تطوير منتج ما أو لتطبيق وسيلة أو طريقة او لتقديم خدمة ما( ).
ويفهم من ذلك انه اذا كانت التقنية في حقيقتها تعني مجموعة من العمليات المستخدمة مثلاً في انتاج سلعة معينة فإن التكنولوجيا هي القدرة على خلق التقنيات المختلفة من ناحية، وعلى اعدادها واستعمالها من ناحية أخرى( ).
والتكنولوجيا من جانب آخر تعتبر مالاً ذا طبيعة خاصة لأنها مجموعة المعلومات المعده. واهم مايميز ذلك المال انه غير قابل للنفاد، كما انه مال يمكن استعماله بواسطة أطراف عديدة في نفس الوقت، وهذا مايجعلها حقاً استئثارياً يرتب لمالكها احتكار استعمالها واستخدامها( ).
هذه هي العناصر الجوهرية لمصطلح التكنولوجيا، بيد أن وسائل نقلها من المالك الى المستفيد يختلف بحسب طبيعة تلك الوسائل، ولعل من أبرز هذه الوسائل مايطلق عليه بعقد نقل التكنولوجيا، ومايوصف بعقد نقل التكنولوجيا ماهو في الواقع الا مجموعة من عقود متباينة لكل منها طبيعته القانونية الخاصة به ونظامه القانوني المميز له( ). ومع ذلك فإن مايجمع هذه العقود على الرغم من تنوعها وتباينها انها ترد على نقل المعارف التكنولوجية التي يحوزها احد طرفي العقد الى الطرف الآخر( ).
ويرى بعض الكتاب( )، إن عقد البحث العلمي ماهو الا صيغة من صيغ عقود نقل التكنولوجيا. ويستند هذا التصور على الحجج الآتية:-
1.ان موضوع عقد نقل التكنولوجيا هو خلق التزام في ذمة احد المتعاقدين بنقل ما لديه من معرفة الى المتعاقد الآخر، نظير مقابل مادي( )، وقد يكون هذا هو جوهر عقد البحث العلمي، إذ يقوم ذلك العقد على نقل المعلومات المتمثلة في البحث العلمي والتي يمتلكها الباحث الى المستفيد.
2. يعتبر الاجر عنصراً جوهرياً في عقد نقل التكنولوجيا( ). وقد رأينا فيما سبق، ان عقد البحث العلمي لايتم الا بمقابل، سواء كان هذا المقابل مالياً أم عينياً.
3. يرتب عقد نقل التكنولوجيا على أطرافه التزاماً مهماً بسرية المعلومات. فحائز المعلومات يلتزم بسريتها وعدم افشائها الى الغير. وهذا الالتزام يبدأ لحظة إبرام العقد( ). ولايخفى مافي عقد البحث العلمي من التزام بالسرية.
4.وأخيراً فإن بعض الفقه قال، بأن عقود نقل التكنولوجيا تعد صوراً لعقد المقاولة( ). وبهذه الطبيعة القانونية يلتقي عقد البحث العلمي بعقود نقل التكنولوجيا( ).
ومن خلال ماتقدم، فإن هذه الحجج لاتحاول تقريب هذين العقدين فحسب، بل انها تقول انهما صورتان لوجه واحد ويمكن ايضاح تباين هذين العقدين من عدة وجوه، منها:
1) استقر الفقه القانوني على عد عقود نقل التكنولوجيا من العقود التجارية( ). أما عقد البحث العلمي- وفقاً للرأي الراجح- عقد مدني يخضع في احكامه للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني( ).
2) يتضمن عقد نقل التكنولوجيا قيام (المجهز) بنقل اسرار تكنولوجية ذات ابعاد صناعية والتنازل عنها للطرف الآخر (المتلقي)( ). كما في عقد الترخيص( )، إذ يتفق المشروع المرخص له ((الطرف المتلقي للتكنولوجيا)) على عملية نقل واكتساب المعارف التكنولوجية من المشروع المرخص ((الشركة المصدرة للتكنولوجيا))، كالتنازل عن استغلال براءة اختراع معينة( ). بينما يقتصر دور الباحث في عقد البحث العلمي على مجرد قيام الباحث باعداد البحث العلمي وتسليمه الى المستفيد وفق الاتفاق، ومع ذلك فإن هذا لايعني تنازل الباحث عن اسرار المعرفة العلمية او اسرارها كما في عقود نقل التكنولوجيا، وانما يمكن للباحث ان يستثمر ماتوصل اليه من نتائج او معلومات في مجال او بحث آخر، إلا إذا حظر عليه الاتفاق ذلك( ).
3) ويتضح من تعريف التكنولوجيا أنها تمثل مجموعة معارف غير مجردة، بمعنى انه يكون لها دائماً محتوى تطبيقي بالنظر الى استهداف مبتكرها استخدامها في مجال النشاط المادي لانتاج السلع والخدمات. وتستند هذه المعارف على الحقائق العلمية وتتميز عنها بمحتواها التطبيقي( ). وفي ضوء ذلك عرف البعض التكنولوجيا بأنها التطبيق العملي لثمرات العلم وابتكار افضل الطرق لاستعمالها( )، بينما يكون البحث العلمي مجرد من النشاط الانتاجي ويعتمد على المعرفة العلمية كنتاج له( ).
واخيراً فإن الحجج التي اوردها الفقه للتقريب بين العقدين تستند الى صورة عامة لاترقى الى المستوى الذي يجعلها تربك التمييز بين العقدين.
ولعل مادعا الى الخلط بين عقد البحث العلمي وعقد نقل التكنولوجيا هو الخلط بين مصطلح البحث العلمي ومصطلح البحث التكنولوجي. وهذا مادعانا الى بحث التمييز بين المصطلحين وذلك على النحو الآتي:-
إذ يتوسط البحث التكنولوجي – او مايعرف بأنشطة البحث والتطوير Recherche- Developpement- بين البحث العلمي المجرد من جهة وبين النشاط الصناعي من جهة أخرى( ). فهو يتمثل في استخدام النظريات نتاج البحث العلمي في التوصل الى حلول لمشكلات النشاط المادي للإنتاج منتجاً بذلك الاختراعات( ). ويقال في هذا الصدد أن التكنولوجيا هي الجانب التطبيقي للعلم، فالعلم يأتي بالافكار والقوانين ويحيل البحث التكنولوجي ذلك الى تطبيقات في كافة المجالات( ).
وعلى ضوء ذلك يمكن التمييز بين المعرفة التكنولوجية كنتاج للبحث التكنولوجي وبين المعرفة العلمية كنتاج البحث العلمي. فالأخير يعني في المقام الرئيسي بكشف القوانين الكونية أي القوانين المنظمة للظواهر الكونية المختلفة( ). وتمثل الاكتشافات بالمفهوم المتقدم هدفاً للبحث العلمي. إلا أن الاكتشاف لايكون في ذاته خلاقاً لأنه لايعني بالتطبيق العملي للقوانين التي يتم الكشف عنها، ومع ذلك تمثل هذه القوانين عماد الاختراعات التي من شأنها وضع المعرفة العلمية موضع التطبيق، فهي اساس الاختراع واساس قدرة الانسان على الابتكار( ).
كما ان البحث العلمي كاد أن يصير خادماً لخلق المعرفة التكنولوجية في وقتنا الحاضر. فقد اصبح العلم بدوره صناعة كبيرة يعمل فيها اعداد كبيرة من المشتغلين بصناعة العلم في صورة مجموعات أبحاث تجمع مستويات مختلفة من المهارة والخبرة والتعليم( ). ولم يعد البحث العلمي يعني كعهده السابق بالكشف عن القوانين الكونية بدافع مجرد هو تطوير المعرفة البشرية وإنما صار له هدف محدد على ضوء الاطار التنظيمي الذي يتحقق من خلاله هو خلق المعرفة التكنولوجية( ).
المطلب الثاني
التمييز بين عقد البحث العلمي وعقد المشورة

يعرف عقد المشورة بأنه (اتفاق بين شخصين، احدهما مهني- يقال له الاستشاري- متخصص في فرع من فروع المعرفة، يلتزم بمقتضاه في مواجهة الطرف الاخر- يقال له العميل- ومقابل أجر، أن يقدم على وجه الاستقلال، استشارة او دراسة، هي أداء من طبيعة ذهنية، من شأنها أن تؤثر بطريقة فعالة في توجيه قرارات العميل)( ). ويعرفه آخرون بأنه: ذلك العقد الذي يعتمد على اداء معين للمستشار المتخصص الذي يضع المستفيد ثقته فيه بقصد الحصول على معلومات تعكس خبرة المستشار وتخصصه بما يكفل تحقيق نتائج تتفق والغاية التي يبحث عنها المستفيد من وراء ابرامه لهذا العقد( ). ومن هذا المنطلق فإن عقد المشورة يؤدي الى (توجيه العميل في اتخاذ قراره النهائي بصدد المسألة موضوع الاستشارة)( ).
ويلتقي عقد البحث العلمي بعقد المشورة بجوانب عدة. فمن جانب اول يقوم عقد المشورة على ركيزة اساسية مفادها الاعتبار الشخصي في شخص المستشار، لأن المستفيد يبرم عقد المشورة استناداً الى توفر المعلومات الفنية لدى المستشار والتي لاتكون متاحة للجمهور( ). ومن جانب ثانٍ فإن عقد المشورة من العقود بمقابل، إذ يهدف المستشار من وراء هذا العقد الى الحصول على مقابل نقدي( ).
وأخيراً فإن عقد المشورة يتضمن التزامات ذات طبيعة خاصة كالالتزام بالسرية، إذ يلتزم المستشار باحترام المعلومات التي تتصل بالمستفيد عن طريق منع افشائها للغير( ). والالتزام بالتعاون، إذ يلتزم المستفيد بالتعاون مع المستشار لتحقيق اهداف ابرام عقد المشورة( ).
بيد أننا لانرى صعوبة في دحض هذا التمييز بين العقدين فمن ناحية اولى: نجد أن عقد المشورة لايتضمن نقلاً لملكية الحق في الاستشارة محل العقد. إذ لايمنع هذا العقد المستشار من ان يعطي نفس الاستشارة لآخر بعد انتهاء عقده مع المستفيد الاول. وهذا مالانجده في عقد البحث العلمي، إذ تنص الصيغ النموذجية لهذا العقد على تنازل الباحث عن حقه في نشر البحث او المؤلف لمدة محددة من الزمن( )، بمعنى ان تؤول مكنة الحق في نشر البحث والاستغلال المالي الى المستفيد( ).
ومن ناحية ثانية: نجد أن عقد البحث العلمي يشترط أن تتوافر في محله (البحث) الاصالة والابداع ومطابقة علاقات السبب والاثر( ). بيد ان المستشار بمقتضى عقد المشورة لايلتزم سوى ببذل عنايته وجهوده في سبيل توصل المستفيد الى الهدف الذي يرمي اليه من الاستشارة( ).
واخيراً، فإن الاوجه التي قيلت بتشابهها بين العقدين هي أوجه وجوانب عامة لاترقى الى المستوى الذي يجعلها تربك التمييز بين العقدين. فوصف العقد بأنه رضائي، قائم على الاعتبار الشخصي، وانه بمقابل تمثل أوصافاً عامة تلتقي فيها الكثير من العقود من دون أن تكون هذه الاوصاف مدعاة للتقريب بين هذه العقود لدرجة يتعذر معها التمييز فيما بينها. وهذا دعا البعض الى القول: بصدد تمييز عقد البحث العلمي عن عقد المشورة، في كون عقد البحث العلمي يستعمل معرفة موجودة من اجل الوصول الى نتائج او معرفة غير موجودة او مطلوب الكشف عنها. في حين ان عقد المشورة، يعني تقديم رأي من شانه أن يؤثر بطريقةٍ ما في توجيه قرارات العميل( )، او تقديم دراسات ماقبل الاستثمار تمهيداً لاتخاذ قرارات بشأن المضي بمشاريع معينة، إذ يتطلب تحديد الوضع الاستثماري والقطاعي للمشروع والبدائل المقترحة وتحديد السمات الرئيسة لجدوى المشروع والخطوات الفعالة الواجبة الاتباع لتنفيذ وتشغيل المشروع( ).

الفصل الثاني
التنظيم القانوني لعقد البحث العلمي

من اجل الاحاطة بالتنظيم القانوني لعقد البحث العلمي، لابد من تحديد الطبيعة القانونية لعقد البحث العلمي من خلال محاولة ايجاد تكييف ملائم لهذا العقد في ضوء اختلاف احكام العقود الواردة على الاشياء المادية عن تلك التي ترد على الاشياء غير المادية وخاصة ونحن نواجه عقداً يرد على المعلومات المتمثلة في البحث العلمي –موضوع العقد-، ومن ثم التعرف على الحقوق المقررة للباحث على البحث العلمي في ضوء استعراض احكام قانون حماية حق المؤلف. وهذا ماسنبينه في المبحثين الآتيين:-

المبحث الاول : التكييف القانوني لعقد البحث العلمي.
المبحث الثاني: الحقوق المقررة للباحث على البحث العلمي:

المبحث الأول
التكييف القانوني لعقد البحث العلمي

تمهيد:
مما لاشك فيه أن الجوانب الاقتصادية لهذا العقد( )، والنتائج المنتظرة منه، وتنوع الالتزامات، لطرفيه، والتزامات هذا العقد، واعتماده على المعلومات. هذه الحقيقة، التي تختلط بعقود اخرى تساهم فيها المعرفة، مما يمكن القول معه اننا ازاء طائفة من العقود ((عقود المعرفة)) لها ذاتيتها التي تنعكس على مجموعة التزامات اطرافها. هذه العقود التي اعترف الفقه بشأنها بأنها من قبيل العقود ((المعقدة التركيب))، إلا ان ذلك لايحول دون الخوض فيها ومحاولة الوقوف على ماهيتها( ). حتى ولو اقتضى الامر عدم الاقتصار بشأن ذلك على نسبة العقد الذي نحن بصدده الى احد العقود التقليدية المعروفة. على أن ذلك لايعني طرح كل صلة بين هذا العقد والعقود التقليدية، حيث انه على الرغم من اننا ازاء عقد حديث النشأة في شكله الخارجي والالتزامات ذات الطبيعة الخاصة المطلوب الوفاء بها( )، الا انه يمكن تحقيق هذه الالتزامات ونسبتها الى تلك الالتزامات التي يتعهد بها اطراف تلك العقود التقليدية.
ولأجل الوقوف على طبيعة عقد البحث العلمي يلزم البحث عن مدى قدرة نسبة هذا العقد الى تلك العقود التي يمكن تسميتها، بالعقود التقليدية، وهي البيع والوكالة والعمل والمقاولة. متناولين الاشارة الى الدعائم الاساسية لكل عقد من هذه العقود ومدى تشابه عقد البحث العلمي وهذا العقد حتى يمكن القول بأنه يندرج تحت احكامه من عدمه.
وفي ضوء هذا التمهيد، يمكننا أن نحصر البحث بتكييف عقد البحث العلمي من خلال الابعاد الاقتصادية له، وطبيعة الالتزامات لطرفيه وتنوعها. وفي هذا الصدد يمكن القول إن تكييف عقد البحث العلمي يمكن أن يدور في فلك أحد العقود الآتية:- عقد البيع، عقد الوكالة، عقد العمل، عقد المقاولة.
وعليه سنبحث في تكييف عقد البحث العلمي من خلال تلك العقود التقليدية في محاولة لتلمس اوجه التطابق بين هذه العقود وبين عقد البحث العلمي ابتغاء تطبيق قواعد أي من هذه العقود عليه. ونبحث كل عقد من هذه العقود من خلال ماله، وما عليه، وذلك من خلال مطلبٍ مستقلٍ لكل عقد من هذه العقود.
ولابد من التنويه ابتداءً إننا لم نجد مصادر مباشرة تعالج هذا الموضوع وبصورة عامة، وذلك لجدته، وبذلك حاولنا ان نستفيد من الموضوعات التي تتداخل معه، كالقواعد العامة للعقود، وماكتب بصدد ملكية المعلومات وعقد المشورة وعقود نقل التكنولوجيا. وحاولنا الاستنتاج في ظل تصور مايحدث عملياً في بيان تكييف عقد البحث العلمي. وذلك على النحو الآتي:-


المطلب الأول
عقد البحث العلمي عقد بيع معلومات

يعد عقد البيع من العقود الناقلة للملكية( )، ويثير جملة مشاكل بسبب اشتراك كثير من عناصره مع عقد البحث العلمي، فالصلة بين العقدين متصلة كثيراً بحسبان ان المعلومات تصلح لأن تكون محلاً لعقد البيع، الى جانب كونه عقداً من عقود المعاوضة ويرتب التزامات متقابلة تقع على عاتق طرفيه( )، ومحل هذا العقد قد يكون شيئاً مادياً أو معنوياً او أي حق مالي آخر( ). وللاجابة على ذلك نتناول طرح فكرة بيع المعلومات ثم تقويمها، وذلك على النحو الآتي:-

الفرع الأول
عرض فكرة بيع المعلومات

يذهب البعض الى أن المعلومات تصلح محلاً لعقد البيع: وذلك لأن المقصود بنقل المعلومات هو أن يتخلى البائع عنها بصورة نهائية أو أن تصبح ملك المشتري الذي تؤول اليه بما يخوله التصرف بها بجميع التصرفات( ). كما ان مفهوم عقد البيع لم يعد ضيقاً بأن لايرد الا على الاشياء المادية وانما تصلح الاشياء غير المادية أن تكون محلاً له، ولذلك لايوجد مايمنع أن تكون المعلومات هذا المحل( ).
ويضيف الاستاذ سافاتيه (Savatier) الى ماتقدم، أن عقد بيع المعلومات يختلف عن عقود البيع التقليدية، إذ يتم فيه تبادل اشياء غير مادية، مقابل مبلغ من النقود( ).
ويؤكد رأي آخر، ان البيع هنا، لايعني نقل ملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الاشياء المادية، وانما هو بيع لمعلومات أي لأشياء معنوية( ).
وتجدر الاشارة الى انه، وعلى الرغم من ان محل العقد (معلومات)، وهي اموال معنوية تعد نتاجاً لمجهود مضن، الا انها قيمة تقوم بالمال، وهذا مايمكن تقبله بصدد البحث العلمي شأنه في ذلك شأن الاشياء المعنوية الاخرى، التي استقر الفقه بشأنها على انها من قبيل الاموال. يتضح من كل ماتقدم، إن مقايسة عقد البحث العلمي بعقد البيع تستند على مايلي:-
1) ان المعلومات (او المعرفة العلمية) التي يتوصل لها الباحث، لها قيمة اقتصادية قابلة للاستحواذ وهي تعد منتجاً من هذه الناحية، إذ هناك علاقة قانونية بينها وبين من توصل اليها، علاقة يمكن وصفها بعلاقة المالك بالشيء الذي يملكه، هذا ولما كانت الاموال المعنوية لها قيمة مالية، فإنها يمكن أن تصبح محلاً للحق، إذ لايمكن القول بوجود ملكية مالم تكن هناك قيمة للمال محل هذه الملكية، مما يترتب عليه جواز التنازل عن هذه القيمة مقابل ثمن ويعد عقد البيع اكثر انواع العقود ملائمة لهذا التنازل( ). فالبيع هنا لايعني نقل الملكية بالمعنى التقليدي لنقل ملكية الاشياء المادية وانما نكون إزاء نقل ملكية معلومات، أي اشياء معنوية( ).
2) ان هذا التكييف يتفق وقصد المتعاقدين، طالما ان هذا العقد لايتضمن أية مخالفة لاحكام عقد البيع التقليدي، ذلك إن المراد ببيع المعرفة العلمية –مادامت هي احدى صور المعلومات- هو تنازل الباحث عنها بشكل نهائي لتصبح من حق المستفيد، أي المشتري الذي يجوز له التصرف بها بالتصرفات القانونية كافة، فله أن يستغلها او يستعملها أو يتصرف بها( ). وله أن يحتج على الغير بملكيته لهذه المعلومات( ). وهذا التنازل يكون بمقابل هو الثمن، فاستغلال النشاط الذهني للانسان بهدف الحصول على مقابل مالي اصبح الآن سمة من سمات العصر الحديث، لذا فإن عد عقد البحث العلمي عقد بيع تحصيل حاصل واقرب الى المنطق القانوني السليم( ).
3) ان حق الباحث على المعلومات هو حق المؤلف على مصنفه، إذ يعطيه صلاحية نقلها للغير، وبهذه الصورة فإن حق الباحث هو حق ملكية قابل للانتقال للغير.

الفرع الثاني
تقويم فكرة بيع المعلومات

في الواقع انه لايمكن تطبيق احكام عقد البيع على عقد البحث العلمي في ظل اختلاف البناء القانوني لكل عقد إذ يرتكز عقد البحث العلمي على عناصر لامثيل لها في عقد البيع. كما أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للاسباب الآتية:-
1) إن تصوير المعلومات على انها تصلح محلاً لعقد البيع يعني ان البائع مالك لشيء موجود قبل البيع، في حين إن القاعدة هي أن المعلومات ملك للجميع، أما إذا تم تخصيصها لتقتصر فائدتها على شخص معين فإن ذلك لايستلزم بالضرورة أن يكون لهذا الشخص حق ملكية، إذ أن هذا الحق يستلزم على الاقل ترخيصاً بموجب القانون كأن تكون له براءة اختراع( ).
2) لايمكن الربط بين القيمة الاقتصادية وفكرة الاموال، إذ ان الصلة لاتكون حتمية بينهما، فهناك من القيم الاقتصادية مالاتعتبر من الاموال( ). وقد لاتعبر القيمة الاقتصادية تعبيراً حقيقياً عن محتوى الافكار المطروحة في البحث العلمي. ولايستلزم في البحث العلمي أن يكون ذا قيمة او بعد اقتصادي. فالصلة ليست حتمية، ولعل مايؤكد هذا أن البحث العلمي القانوني او السياسي مثلاً لايكون ذا بعد اقتصادي.
3) ان عقد البيع يفترض انتقال شيء من شخص لآخر، وهذا لايمكن تحققه بالنسبة للمعلومات. ذلك لانها تنطوي على افكار، فإذا انتقلت الفكرة من شخص لآخر صارت الفكرة لدى كليهما( ).
4) تترتب على عقد البحث العلمي التزامات تتعدى مرحلة تنفيذ العقد وتستمر الى مابعد انتهاء الرابطة القانونية بين الباحث والمستفيد، وخصوصاً فيما يتعلق بالالتزام بالسرية، وهذا الامر لايستقيم مع ماتقرره احكام القانون بخصوص عقد البيع( ).
5) لايستطيع المستفيد أن يلجأ الى قواعد التنفيذ الجبري عند امتناع الباحث عن اعداد البحث، وذلك للارتباط الوثيق بين البحث العلمي (كمحل للعقد) وبين الباحث صاحب المعرفة والتخصص، ويقتصر حق المستفيد في المطالبة بإنهاء الرابطة التعاقدية والتعويض ان كان له مقتضى( ). وهذا الامر يختلف عن ماتقرره القواعد الخاصة بعقد البيع عند اخلال البائع بالتزاماته في عقد البيع( ).
6) لايمكن الركون الى نية الطرفين في تحديد الطبيعة القانونية لعقدهما وخصوصاً في عقد البحث العلمي الذي يتميز بأنه ينطوي على علاقة غير متوازنة بين طرفين احدهما قوي أو كفوء علمياً بما يملكه من تخصص وخبرة ومعرفة علمية وهو الباحث والاخر ضعيف لايملك التخصص والمعرفة العلمية في المجال الذي تعاقد فيه وهو المستفيد.
هذه الصعوبات في جملتها كانت وراء محاولة بحثنا عن فكرة أخرى، تحاول تكييف عقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد على انه عقد وكالة. وكما هو موضح في المطلب القادم.

المطلب الثاني
عقد البحث العلمي عقد وكالة

يعرف القانون المدني العراقي الوكالة بأنها: ((عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم))( ). فالملتزم فيه وهو الوكيل ينوب عن الدائن وهو الموكل بالقيام بعمل قانوني باسمه ولحسابه( ). والوكالة كما هو معروف من العقود الواردة على العمل( ).
بيد انه يتميز عن سائر العقود الواردة على عمل كعقد المقاولة وعقد العمل بسمتين أساسيتين لهما نتائجهما على عقد الوكالة في الاحتفاظ بذاتيته الخاصة به:-
1) الوكيل يمثل الموكل أمام الغير، إذ يقوم بإبرام التصرف باسمه ولحسابه.
2) محل عقد الوكالة هو القيام بتصرفات قانونية لحساب الموكل.
ولما كان بحثنا ينصرف الى التعرف على مضمون عقد البحث العلمي فإنه وفي ضوء تلك الخصائص المميزة لعقد الوكالة، هل يمكن القول أن عقد البحث العلمي هو أحد تطبيقات عقد الوكالة ؟ وللاجابة عن ذلك فإننا نقسم هذا المطلب على فرعين، الاول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها، وذلك كالآتي:-

الفرع الأول
عرض فكرة عقد الوكالة

لما كان الباحث يقوم بإعداد البحث العلمي على النحو السابق ايضاحه، بالاضافة الى إنه في بعض الاحيان يقدم المساعدة الفنية اللازمة عند تنفيذ البحث العلمي. إلاّ إنه في هذه الاعمال لايقوم بعمل قانوني، حتى يمكن القول بأن محل عقده هو عين محل عقد الوكالة. ولايقدح في ذلك كونه يقوم بأداء هذا العمل لمصلحة رب العمل، حيث كما سبق الذكر، الوكالة تقتضي القيام بالتصرفات القانونية، بأسم ولحساب الموكل.
وعلى الرغم من هذه الحقيقة، إلا أن هناك بعض السمات التي تثير الشك في ان علاقة الباحث بالمستفيد هي علاقة وكيل بموكله، ومن ثم يمكن القول ان الرابطة القانونية بينهما ترتدي ثوب عقد الوكالة، ومايترتب على ذلك من نتائج، أسوة بما هو متبع بصدد بعض عقود المهن الحرة، كالعقد الطبي، وعقد المحامي مع عميله، وهذا هو ماكان معمولاً به أبان القانون الروماني في التمييز بين الاعمال المادية، والاعمال الذهنية، حيث كان يخضع هذه الاخيرة لاحكام عقد الوكالة( ).
ويمكن مما تقدم أن نستند الى الحجج الآتية في تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد انها عقد الوكالة:-
1) ان عمل الباحث تغلب عليه الصفة العقلية او الذهنية، فلايمكن ان يكون محلاً لعقد مربح، لذا فإنه يخضع لعقد الوكالة حتى لايوضع العمل العقلي في مستوى العمل اليدوي، ولاينحط العلم ليكون وسيلة للتجارة( ).
2) يعد الالتزام بالتبصير أو الاعلام من أهم الالتزامات الناشئة في عقد البحث العلمي( )، وهو ذات الالتزام الذي يقع على عاتق الوكيل، الذي يلتزم بتبصير موكله واعطائه المعلومات اللازمة والحالة التي وصل اليها في تنفيذ الوكالة( ). وتنشأ مسؤولية الوكيل في حالة تأخره في تبصير موكله في الوقت المناسب( ).
3) لايقتصر التزام الباحث على اعداد البحث العلمي، بل يلزم كذلك باتباع كافة الوسائل التي تمهد القيام بهذا الالتزام مما يقرب عمله من عمل الوكيل( ).
4) إن الاجر المتفق عليه في عقد البحث العلمي يكون خاضعاً لتقدير المحكمة( )، أسوة بما هو مقرر في عقد الوكالة( ).
5) يقوم عقد البحث العلمي على عنصر رئيسي هو وجود ثقة بشخص الباحث وخبرته وكفاءته( )، وهذه السمة موجودة أيضاً في عقد الوكالة الذي يتميز بتغلب الاعتبار الشخصي( ).
6) عقد البحث العلمي، كعقد الوكالة( )، يتميز بأنه عقد غير لازم، إذ يجوز كقاعدة عامة أن يعزل الباحث، وللباحث أن يتنحى عن البحث العلمي.


الفرع الثاني
تقويم فكرة عقد الوكالة

لم يسلم هذا التكييف لعقد البحث العلمي من اعادة تقويمه مرة أخرى. وذلك، أنه ينبغي أن يطابق التكييف للعقد الطبيعة الخاصة لأداء الباحث. وفي ضوء ذلك يمكن ان نشير للاعتبارات الآتية:-
1) يتميز عقد الوكالة بأن محله الاصلي يكون دائماً تصرفاً قانونياً، ولايمكن بأي حال من الاحوال عد البحث العلمي – محل العقد - تصرفاً قانونياً.
2) أن الوكيل لايسأل الا عن بذل العناية اللازمة في انجاز العمل الموكل اليه( ). بينما يلتزم الباحث بتحقيق نتيجة تتمثل في انجاز البحث وتسليمه للمستفيد( ).
3) أن القول بأن العمل العقلي لايصلح أن يكون محلاً لعقد مربح قول يناقض الواقع فالمعروف أن اصحاب المهن الحرة، التي تعتمد اغلبها على الطابع الذهني، يبرمون مع عملائهم عقوداً يبغون من ورائها الربح، ولاتعاب سمعتهم أن قاموا بإجارة عملهم( ).
4) إن لجوء المحكمة الى أحكام عقد الوكالة للوصول الى تعديل الاجر المتفق عليه بين الباحث والمستفيد ليس بحجة قاطعة لثبوت هذا التكييف لعقد البحث العلمي، لأن تدخل القاضي في هذه الحالة هو تدخل استثنائي الهدف منه التخفيف من المغالاة في الاجور واعادة التوازن بين طرفي العقد( ).
5) يتصرف الوكيل باسم الموكل ولحسابه( )، وأما الباحث فإن عمله يصدر باسمه ولحسابه الخاص حتى في الحالة التي يكون فيها الباحث وكيلاً عن المستفيد( ). لذلك فانه اذا اختلطت الوكالة بعقد آخر "كعقد البحث العلمي" ، ينبغي في الاصل تطبيق كل قواعد الوكالة وقواعد العقد الآخر مادام لايوجد تعارض بين العقدين.

وفي ضوء هذا التقويم نحن مدعوون الى محاولة البحث عن تكييف آخر لعقد البحث العلمي بين الباحث والمستفيد، وهذا مادعانا الى تصوره بأنه عقد عمل. وكما هو موضح في المطلب القادم.

المطلب الثالث
عقد البحث العلمي عقد عمل

مما لاشك فيه أن للاعمال الذهنية في المجتمع من أهمية، لايقل دورها أهمية عن دور الاعمال اليدوية بصورة عامة، تلك الاعمال التي يتعاقد الشخص فيها بنفس الطريقة التي يتعاقد بها الشخص الذي يقوم بعمل يدوي بالاستناد الى خبرته وتخصصه في عمله.
ولكن هل يدفعنا هذا القول الى تشبيه العقود الواردة على الاعمال الذهنية ومنها عقد البحث العلمي بعقد العمل ؟ وخضوع عقد البحث العلمي لعين الاحكام التي يخضع لها عقد العمل؟ وفي محاولة لمعرفة وجهة النظر هذه فإننا نقسم هذا المطلب على فرعين، الاول لعرض الفكرة والثاني لتقويمها. وذلك كالآتي:-

الفرع الأول
عرض فكرة عقد العمل

يعرف القانون المدني العراقي عقد العمل بانه: عقد يتعهد به احد طرفيه بأن يخصص عمله لخدمة الطرف الآخر ويكون في أدائه تحت توجيهه وإدارته مقابل أجر يتعهد به الطرف الآخر ويكون العامل أجيراً خاصاً( ). بينما يعرفه قانون العمل العراقي بأنه: اتفاق بين العامل وصاحب العمل، يلتزم فيه العامل بأداء عمل معين لصاحب العمل تبعاً لتوجيهه وادارته ويلتزم فيه صاحب العمل بأداء الاجر المتفق عليه للعامل( ).
ومن هذا التعريف تتضح العناصر الاساسية المميزة لعقد العمل التي تتمثل في تنفيذ العمل المتفق عليه والاجرة التي يلزم بها رب العمل تجاه العامل وعلاقة التبعية التي تربط العامل تجاه رب العمل.
ونبادر الى القول ابتداءً الى أن تنفيذ العمل ينبغي إسقاطه من عناصر التمييز ذلك لأن تنفيذ العمل المتفق عليه من طبيعة القوة الملزمة للعقد إذ ينبغي ((تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع مايوجبه حسن النية))( ).
ويتفق عقد البحث العلمي مع عقد العمل في انه عقد يقوم على الاعتبار الشخصي من جانب العامل، أي أن رب العمل يعتمد في الغالب على صفة العامل ومهارته في أداء العمل( )، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، فالعاقدان يتفقان في أن كلاً منهما يقوم على التنفيذ المتعاقب، إذ لاينفذ عقد العمل دفعة واحدة بل يمتد تنفيذه الى فترة زمنية قد تطول او قد تقصر( ). والأمر ذاته قد يحصل في عقد البحث العلمي. ومن ناحية ثالثة، فإن محل عقد البحث العلمي المتمثل بالبحث العلمي يشترط فيه مايشترط في محل عقد العمل من وجوب كونه واضحاً وممكناً للاستفادة منه من جانب المستفيد "رب العمل" في ادارة عمله او دفعه للقيام بعمل او الامتناع عنه. ومن ناحية رابعة تؤكد، المادة (903) من القانون المدني العراقي، شمول اداء الخدمة بأحكام عقد العمل وإن البحث العلمي كعقد يبرم مع شخص متخصص في مهنته لأداء خدمة معينة، فهي من عمل داخل في مهنة من يؤديه. واخيراً، يترتب على العامل أن يحتفظ بأسرار رب العمل( )، وهذا عينة التزام الباحث بالسرية في عقد البحث العلمي.
بيد أن مايثير الخلط بين العقدين هو عنصر التبعية. ففي عقد العمل يتمتع رب العمل بسلطة الرقابة والاشراف والتوجيه على العامل وينبغي على هذا الاخير أن لايحيد عن تعليمات رب العمل واوامره( )، ويقترب مركز الباحث في مواجهة المستفيد من مركز العامل. إذ يخضع الباحث الى اشراف المستفيد وادارته، وهذا الخضوع أو التبعية لايقصد بها التبعية العلمية أو الفنية التي تخول المستفيد توجيه الباحث فيما يتعلق بالاصول العلمية او الفنية للعمل( ). وانما يقصد بها تبعية تنظيمية أو ادارية يقتصر فيها اشراف المستفيد على تحديد الظروف الخارجية التي يتم فيها تنفيذ العمل. والتبعية التنظيمية لايشترط فيها أن يقوم المستفيد بالاشراف بصفة مباشرة ومستمرة على الباحث بل يكفي لثبوتها تحقق مكنة المستفيد في الرقابة والتوجيه وان لم يمارسها( ). وهذه التبعية تختلف قوةً وضعفاً باختلاف كفاءة الباحث (العامل) ونوع العمل وحجم المشروع، وفي بعض الصور قد تخفف هذه التبعية حتى ليصعب القول بتوفرها، ويتم استخلاص هذه التبعية من خلال بعض القرائن: كطريقة تحديد الاجر وطبيعة الالتزامات المتقابلة وتبعية الباحث الاقتصادية للمستفيد( ).كما يعتمد الباحث على المستفيد في مواجهة المشاكل التي تعترض عمله فيبدو الباحث وكأنه في حالة تبعية للمستفيد. وهنا يقع الخلط بين عقد العمل وعقد البحث العلمي.
وعلى وفق ذلك فإن فوائد هذا التكييف لاتقتصر على المستفيد فحسب( ). بل له فوائد عملية جمة لمصلحة الباحث، تتمثل بالآتي:-
1) اعتبار عقد البحث العلمي عقد عمل معناه أن الباحث سيستحق الاجرة إذا كان حاضراً ومستعداً للعمل في الوقت المعين( ).
2) إن المستفيد سيتحمل تبعة الاخطاء التي يمكن أن يرتكبها الباحث أثناء أدائه لعمله من حيث عدم تضمن البحث المقدم له حلولاً معقولة للغاية التي يبغيها المستفيد.
3) إن الباحث سوف لن يلزم إلاّ ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة وبالتالي فإنه سيستحق الاجرة بمجرد بذل العناية اللازمة من دون حاجة الى تحقق النتيجة المتوخاة من البحث العلمي( ).
4) إن الباحث سوف لن يكون مسؤولاً عن العيوب الخفية التي تكتنف البحث العلمي محل العقد( ).
5) واخيراً فان الباحث سيستفيد من الحماية القانونية التي اسبغها المشرع للعامل( ).

الفرع الثاني
تقويم فكرة عقد العمل

لاغرو أن تكييف عقد البحث العلمي بأنه عقد عمل يمثل ضمانات كافية للباحث، سواء بعدم تحمل الاخير تبعة اخطائه اثناء البحث العلمي أم بعدم مسؤوليته عن العيوب الخفية التي تكتنف البحث العلمي (محل العقد) أم بما يترتب على الباحث من التزام ببذل عناية، هذا بالاضافة الى استحقاقه الاجرة من دون تحقق النتيجة المتوخاة من البحث. بيد أن وضع هذا التكييف موضع التطبيق غير ممكن للأسباب الآتية:-
1) ان المشكلة الحقيقية تظهر في عنصر التبعية المميزة لعقد العمل والتي تخول رب العمل الرقابة والاشراف والتوجيه على العامل وعنصر الرقابة والاشراف في عقد البحث العلمي. وفي هذا الصدد يرتفع الخلط بين العقدين: فعنصر الرقابة والاشراف في عقد البحث العلمي يمثل تبعية اقتصادية لمعلومات الباحث( ). إذ أن المستفيد يعتمد في عمله على المعرفة العلمية للباحث فضلاً عن خبرة الباحث ومكانته وكفاءته العلمية، كما انه يبقى محتفظاً باستقلاله القانوني عن المستفيد. اذ ان مركز الابحاث أو المؤسسة التي يتعاقد معها الباحث تدار بطريقة خاصة وفقاً للقانون أو النظام الداخلي لهذه المؤسسة( ). في حين يخضع العامل لرقابة رب العمل واشرافه ولايتمتع باستقلال قانوني فهو يعمل لحساب رب العمل لا لحسابه هو.
2) ولاينفي هذا الفرق مسؤولية كل من المستفيد ورب العمل عن اخطاء الباحث او العامل ذلك أن اساس المسؤولية في كل منهما يختلف عن الآخر. فالمسؤولية في عقد العمل تقوم على اساس علاقة التابع بالمتبوع في حين نجد مسؤولية الباحث اساسها الاتفاق بين الباحث والمستفيد.
3) كما لايمكن الخلط بين العقدين بحسبان أن رب العمل ينفرد بالحقوق الناشئة عن براءة الاختراع والاكتشافات التي يقوم بها العامل اثناء العمل( ). في حين لايلتزم الباحث بذلك، إذا ماانتج الباحث، واثناء خدمته في اعداد البحث العلمي المتفق عليه مع المستفيد، مصنفاً( )، لم يتم التعاقد عليه بالذات مع المستفيد، فإن هذا النتاج لايدخل ضمن واجباته والتزاماته، ومن ثم تثبت للباحث صفة المؤلف وحقوق المؤلف الادبية والمالية على هذا المصنف( ).
4) ان تعاقد الباحث مع المستفيد يرد على الحقوق المالية للمؤلف في استغلال مصنفه. وهذا يعني انه لايجوز أن يتنازل الباحث في عقد العمل عن صفته كمؤلف الى رب العمل ولا أن يتنازل عن حقه الادبي على بحثه( ). في حين ان نتاج العامل في عقد العمل يؤول بكامل حقوقه الى رب العمل.
5) ان العامل لايسأل الا عن بذل العناية في انجاز العمل الموكل اليه( ). بينما يلتزم الباحث بتحقيق نتيجة تتمثل في انجاز البحث وتسليمه( ).
6) إن تطبيق احكام قانون العمل على اعمال الباحث بصورة عامة يؤدي الى نتائج لاتنسجم مع طبيعة عقد البحث العلمي الذي يعتمد اساساً على جهد الانسان الفكري وابداعه الذهني سواء من ناحية الحقوق التي يتمتع بها الباحث( )، أو من ناحية انهاء العقد الذي يربطه بالمستفيد( ).
7) يعتبر الاجر عنصراً مهماً في عقد العمل وله نظام قانوني متميز روعي فيه مصلحة العامل( )، لذا فإن عقد العمل هو عقد معاوضة( ). أما عقد البحث العلمي فالاصل فيه أن يكون بمقابل، فهو اساساً من عقود المعاوضة مالم ينص صراحةً أو ضمناً على خلاف ذلك( ). وفي حالة وجود الاجر فيه فإنه لاينطبق عليه النظام القانوني الخاص بالاجرة في عقد العمل( ).
8) ان فسخ عقد العمل يترتب عليه استحقاق العامل لجزء من الاجر يتناسب وماأداه من عمل في الوقت قبل تقرير فسخ العقد( ). في حين أن الباحث لايستحق أجراً اذا لم ينجز ماتعهد به( ).
وهذا عينه مايفرض على المقاول بحسب الاصل- في عقد المقاولة، إذ لايستحق المقاول أجراً اذا لم ينجز ما تعهد به. فهل يمكن تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد في عقد البحث العلمي بأنها مقاولة ؟ هذا ماسوف نبحثه في المطلب القادم.

المطلب الرابع
عقد البحث العلمي عقد مقاولة

نرمي في هذا المطلب الاشارة الى المقصود بعقد المقاولة، والخصائص المميزة له، لعلنا نجد، في هذه النقاط، ضالتنا في تكييف عقد البحث العلمي، ومن ثم يمكن تقبل النتائج المترتبة على القول بأننا بصدد عقد مقاولة عند الحديث عن عقد البحث العلمي. ولهذا سنشير –وبإيجاز- الى الملامح الاساسية لعقد المقاولة بما يخدم غرضنا من البحث. وهذا يقتضي عرض هذه الفكرة ثم تقويمها وذلك كالآتي:

الفرع الأول
عرض فكرة عقد المقاولة

يعرف عقد المقاولة بأنه عقد يقصد به أن يقوم شخص بعمل معين لحساب شخص آخر في مقابل اجر من دون أن يخضع لاشرافه وادارته( ).
بيد أن التطورات الحاصلة في مفهوم الاداءات التي يقوم بها المقاول قد تعدت الاطار التقليدي له، باعتباره يقوم بأداءات مادية فقط، إذ إنه ليس ثمة مايمنع من أن المقاولات تعني ذلك النوع من الاداءات، وايضاً الاداءات ذات الطابع الذهني. فالمهن الحرة التي تندرج تحت مفهوم عقد المقاولة اصبحت –الآن- تتميز بوجود الاداءات الذهنية( ). وعليه فيتسع هذا المفهوم لاستيعاب عقد البحث العلمي الذي نحن بصدده نظراً لاندماج هذه الاعمال الذهنية في موضوع البحث المنجز. هذا بالاضافة الى أن المميزات التي يتميز بها عقد المقاولة تنطبق على عقد البحث العلمي وتمثل دعائمه الاساسية، وأياً كان الامر فإن مما يدعم وجهة النظر السابقة الحجج الآتية:-
1) إن عقد البحث العلمي يرد، كعقد المقاولة، على الاعمال المادية( ). فعمل الباحث ينسب اليه من حيث ادائه لأنه يقوم به باسمه الشخصي وإن كان لمصلحة المستفيد، وبالتالي لايكون عمله هذا تصرفاً قانونياً بل عملاً مادياً.
يضاف الى ذلك أن طبيعة عقد المقاولة –كما ذكرنا آنفاً- تسمح بتعدد الاداءات ذات الطابع الذهني وتنوعها بالاضافة الى الاداءات المادية التقليدية( ).
وخير دليل على ذلك هو أن أحكام عقد المقاولة الواردة في قانوننا المدني لم تحصر نطاق الاعمال التي تمثلها المقاولة وانما اكتفت بإيراد احكام لبعض صور المقاولة مما يسمح بالقول أن عقود المعلومات الواردة على الاعمال الذهنية لاتعدو إلاّ أن تكون إحدى صور عقد المقاولة( ).
ويرى الاستاذ السنهوري انه من الممكن تنوع الاعمال التي تكون محلاً للمقاولة بيد انه يفرق بين الاعمال المادية والاعمال العقلية، إذ إن لكل مصطلح منهما مدلوله الخاص عنده وإن كان كلاهما يصلحان لأن يكونا محلاً في عقد المقاولة( ).
2) الاستقلال التام للباحث في إعداد بحثه فهو يقوم بالعمل باسمه الخاص مستقلاً عن ادارة المستفيد واشرافه، ويختار الوسائل والطرق التي يراها مناسبة لإنجاز العمل الموكل اليه. ولايجوز للمستفيد أن يتدخل في طريقة تنفيذ الباحث لعمله مادام عمل الباحث مطابقاً لما هو متفق عليه في العقد ولما تفرضه عليه الاصول العلمية لكتابة واعداد البحث العلمي( ). ويعد هذا الاستقلال من أهم مميزات عقد المقاولة بل انه يعد من أهم معايير تمييز هذا العقد عن بقية العقود الواردة على العمل( ).
3) ان عقد البحث العلمي عقد معاوضة، إذ يتقاضى الباحث اجراً مقابل اعداد البحث العلمي، ويلجأ المتعاقدان في تحديد هذا الاجر الى نفس الوسائل التي يلجأ اليها أطراف عقد المقاولة وخصوصاً عن طريق الاعتماد على طبيعة الالتزامات التي تنشأ على عاتق الطرفين وعلى مقدار الوقت الذي يستغرقه تنفيذ هذه الالتزامات( ). وعند عدم اتفاق الطرفين على مقدار الاجر يقوم القاضي بتحديد الاجر وفقاً لما يقرره المشرع في النصوص الخاصة بعقد المقاولة( ).
4) يلزم الباحث بتسليم البحث العلمي وهو التزام بتحقيق نتيجة( ). وهذا عينه التزام المقاول بتحقيق النتيجة التي يريدها رب العمل( ). وهو مامستقر في عقد المقاولة لأن رب العمل يطلب عملاً يتحتم انجازه.
5) إن عقد البحث العلمي يقوم بالدرجة الاساس على الاعتبار الشخصي، إذ أن شخصية الباحث تكون محل اعتبار عند ابرام العقد( ). كذلك الحال مع عقد المقاولة، إذ لايجوز للمقاول أن يوكل تنفيذ العمل في جملته أو في جزء منه الى مقاول آخر اذا كانت طبيعة العمل مما يفترض معه قصد الركون الى كفايته الشخصية أو وجود شرط يقضي بذلك( ). والكفاية الشخصية للباحث تعتمد على الخبرة والتخصص والكفاءة العلمية والمهارة في الاعداد للبحث العلمي.
وكذلك مانصت عليه المادة (888/1) من القانون المدني العراقي، من أن تنتهي المقاولة بموت المقاول اذا كانت مؤهلاته الشخصية محل اعتبار في التعاقد. وهذا عينه مايترتب في عقد البحث العلمي إذ ينتهي بموت الباحث( ).

الفرع الثاني
تقويم فكرة عقد المقاولة

قد يبدو اسناد عقد البحث العلمي الى عقد المقاولة امراً مقبولاً، فالطبيب يستند في عمله الى المعلومات الفكرية كذلك المحامي فهو يمارس عمله بموجب معلومات قانونية ومع هذا الجانب الفكري ليس ثمة مايمنع من وصف عقديهما بانه مقاولة. مع ذلك فإنه ثمة مايحول من دون وصف عقد البحث العلمي أنه عقد مقاولة، ويرد ذلك الى الآتي:-
1) إن عقد المقاولة ينطوي على فكرة انجاز عمل، تستلزم أن يقوم المقاول بعمل مادي حتى وان كان العمل يرتكز على الاسلوب الفكري. أما عقد البحث العلمي فقائم على فكرة انتقال معلومات من شخص الى آخر، لاتستلزم جانباً مادياً وبذلك يختلف الانجاز عن الانتقال( ).
2) إن تشبيه العيوب الواردة في عقد البحث العلمي بالعيوب الواردة في البناء هو أمر مبالغ فيه. فالبناء عمل مادي يظهر العيب فيه ذاتياً، أما البحث العلمي فإن المعلومات التي يحتويها –محل العقد- فهي افكار قابلة للاتصال لايظهر العيب فيها ذاتياً لمجرد التداول وانما يظهر العيب بعد توظيف المعلومات مادياً.
3) إن وصف الاداءات التي يقوم بها الباحث بانها أعمال مادية أمر محل نظر إذ يتعذر من الناحية القانونية التقريب بين هذه الاداءات وطبيعة الاعمال المادية، تلك الطبيعة التي تتميز بمفهومها الخاص الذي ينصرف الى الاعمال ذات الطابع المادي الملموس والتي تنأى عن فكرة المعرفة العلمية التخصصية.
4) يستطيع كل طرف في عقد البحث العلمي أن ينهي العقد بإرادته المنفردة من دون أن يلزم بتعويض الطرف الآخر. أما عقد المقاولة فهو عقد ملزم لجانبين ولايستطيع أحد طرفيه انهاءه بإرادته المنفردة من دون التحمل بالتزام يتمثل غالباً بالتعويض( ).
5) إن المقاول يقوم بعمل تجاري، إذ يغلب على نشاطه الطابع التجاري، ومايترتب على ذلك من تطبيق احكام قانون التجارة( ). بينما يعد عمل الباحث عملاً مدنياً ومن الاعمال الذهنية التي تعتبر اعمالاً مدنية ولو قام بها الشخص على وجه الاحتراف( ). والصفة التجارية تتعارض مع طبيعة عمل الباحث الذي يتطلب فيمن يباشره مؤهلات خاصة ويعتمد على العقل والفكر. وان العلاقة بين الباحث والمستفيد تقوم على اساس الثقة ولايكون تحقيق الربح الغاية الاولى فيها( ).
من خلال ما تقدم يتضح لنا إن عقد البحث العلمي لايخرج عن كونه، في واقع الحال، الا عقد مقاولة بالمفهوم المتداول المعروف به.
- فعلى الرغم من عدم التسليم بالتطابق التام بين عقد البحث العلمي وعقد المقاولة، الا ان مايؤكد تكييف العلاقة بين الباحث والمستفيد على انها مقاولة هو وجود عناصر محددة وثابتة في عقد البحث العلمي، هي بعينها تعبر عن الدعائم الاساسية التي لاتوجد مجتمعة الا في عقد المقاولة.
- والحديث عن توافر جوهرية عقد المقاولة وخصائصه في عقد البحث العلمي يجد صداه في كل مراحله سواء في انعقاده او في تنفيذه، او في انهائه.
- كما إن الانتقادات التي أثرناها بصدد تقويم فكرة عقد المقاولة لاتستند الى حجج متينة كفيلة بزعزعة هذا التكييف. إذ أن عقد البحث العلمي ينطوي على فكرة انجاز عمل، تستلزم أن يقوم الباحث بتسليم البحث العلمي للمستفيد، على الرغم من أن عمل الباحث هذا ينطوي على فكرة انتقال المعلومات من شخص الى آخر، هذا من جانب. ومن جانب ثانٍ، يمكن للمستفيد في عقد البحث العلمي أن يستخدم الرخصة الممنوحة لرب العمل في انهاء عقد المقاولة( ). ومن جانب ثالث، إن اطلاق صفة العمل التجاري على عمل المقاول ليس صفة دائمة، إذ يمكن أن يكون عمل المقاول عملاً مدنياً وبالذات عندما يتخلف شرط من شروط العمل التجاري( ).
- كما إن تعريف الاستاذ جوانا شمدت (Joanna Chimidt) للمقاولة( )، بأنها ((عقد بموجبه يتعهد شخص بأن يجهز اداءً معيناً لمصلحة شخص آخر مقابل ثمن)). وصف يتطابق مع وصف تداول المعرفة العلمية في عقد البحث العلمي، إذ يلتزم شخص بموجب هذا العقد بأن يزود شخصاً آخر ببحث علمي مقابل ثمن مجزي، وهنا يوجد ايضاً أداء لمصلحة شخص مقابل ثمن( ).
- ويرى الاستاذ ماينان (Magnin)، إنه لابد من القول ان كل عقد فيه يلزم الشخص بأن ينفذ عملاً مادياً أو معنوياً في مواجهة شخص آخر هو عقد مقاولة مادام يتم تنفيذ العقد من دون أن يكون المدين تابعاً فيه للدائن( ).
وهذا مايتلاءم مع عقد البحث العلمي خاصة المعرفة العلمية إذ أن العقد الذي تم تداولها به يوصف بأنه مقاولة( ).
اذاً من ينقل المعلومات أو المعرفة العلمية لآخر يقوم بعمل فكري، وعلى وفق هذا التصور فإن العقد الذي يبرم لهذا الغرض هو عقد مقاولة.

المبحث الثاني

الحقوق المقررة للباحث على البحث العلمي

تمهيد:

تبقى الحماية العقدية قاصرة ولاتوفر حماية كافية للبحث العلمي –محل العقد-، بالنظر لأنها تقتصر على اطراف العقد ولايمكن بموجبها أن يفرض التزام على الغير بعدم إفشاء اسرار البحث العلمي إذ يحول دون ذلك مبدأ نسبية أثر العقد. فضلاً عن إن معلومات البحث العلمي قد تتسرب بطرق مختلفة وحينئذ يصعب إثبات اخلال المتعاقد بالتزامه في عدم إفشاء الاسرار. ولذلك تقل أهمية هذه الحماية عملياً مادام أثرها يقتصر على المتعاقدين، إذ لايوفر هذا الاطار الا حماية محددة، ومن ثم فأي شخص ليس طرفاً في العقد يعد أجنبياً عنه.
وبالتالي فإنه من الانسب اللجوء الى حماية البحث العلمي بموجب قانون حماية حق المؤلف عندما يتوفر في البحث العلمي مايؤهله لاستحقاق الحماية المقررة في هذا القانون باعتباره مصنفاً مبتكراً( ). وعليه فإن الباحث سيتمتع بحقوق استئثارية بمواجهة الكافة على هذا البحث، والتي من الممكن بيانها من خلال احكام قانون حماية حق المؤلف، والذي أقر بوجود نوعين من الحقوق للباحث على مصنفه (بحثه): حقوق أدبية لصيقة بشخص الباحث، غير قابلة للتصرف فيها (أي لاتدخل في نطاق التعامل). وحقوق مالية قابلة للتصرف.
وسنتناول كلاً من الحقوق الادبية و المالية المقررة للباحث، باعتبار ان عقد البحث العلمي انما ينصب على بضع أو جميع الحقوق المالية، في حين يبقى الباحث يتمتع بالحقوق الادبية، والتي ترتبط بشكل أو بآخر بالحقوق المالية، مما قد يؤثر على أحكام عقد البحث العلمي. لذا سنتعرض للحق الادبي ومن ثم بيان الحق المالي، وذلك بمطلبين وعلى النحو الآتي:

المطلب الأول
الحق الادبي

يرتكز تمتع المؤلف (الباحث) بالحق الادبي على مصنفه (البحث العلمي) على اساس احترام شخصية الباحث والتي تتجلى بنتاجه الذهني المبتكر، باعتباره مبدعاً. ولما لذلك النتاج من قيمة ثقافية تنعكس على المجتمع بأسره( ). ومن هنا اعتبره بعض الكتاب( ): بمثابة الدرع الواقي الذي بمساعدته يثبت المؤلف شخصيته في مواجهة معاصريه وفي مواجهة الاجيال الماضية والمستقبلية، وهو حق المؤلف في أن يحترم فكره الذي عبر عنه في مصنفه. وسنبين الحق الادبي من خلال استعراض خصائص ومضمون هذا الحق، وذلك في فرعين على النحو الآتي:-

الفرع الأول
خصائص الحق الأدبي

تتسم الحقوق الأدبية المقررة على المصنفات المبتكرة بجملة من الخصائص، والتي تتجلى بأنها حقوق لصيقة بشخص المؤلف وحقوق مطلقة وعدم قابليتها للتصرف فيها او الحجز عليها او التقادم او الانتقال الى الورثة. وهو ماسنعرض له تباعاً:-

اولاً- الحق الادبي، حق لصيق بشخص المؤلف:-

في الوقت الذي تتكفل احكام قانون العقوبات( )، والقانون المدني( )، حماية كيان الانسان (المادي والادبي). فإن القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية مثل قانون حماية حق المؤلف وقانون براءة الاختراع؛ تختص بحماية كيان الانسان الفكري والذي يندرج الحق الادبي للمؤلف ضمنه( ).
وبعيداً عن الاتجاه الذي حاول تحديد طبيعة واحدة لحق المؤلف بجانبيه الادبي والمالي( ). فإن مااستقر عليه الرأي( ): هو اعتبار الحق الادبي للمؤلف من ضمن الحقوق اللصيقة بالشخصية يختص به المؤلف على وجه الانفراد، باعتبار أن الابتكار والابداع الفكري يعد جزءاً من شخصية مبتكره أو مبدعة لكونه نابعاً عنه، وهو بحكم هذه الطبيعة غير قابل للانفصال عنه او التصرف به او سقوطه بالتقادم، ولايجوز للغير أن يستعمله سواء أكانت بموافقة المؤلف أم بدونها، أثناء حياته أو بعد وفاته، فالمؤلف يتمتع بحصانة يستطيع بمقتضاها أن يدفع أي اعتداء يقع على حقه في حياته ويتحمل الورثة التزاماً بمنع أي اعتداء على حقوق مورثهم الادبية، كما ان حقوق المؤلف الأدبية لاتجوز ممارستها نيابة عنه.


ثانياً- الحق الأدبي، حق مطلق:-

يترتب على اعتبار الحق الادبي من الحقوق اللصيقة بالشخصية، عدم تقييد حرية المؤلف في مباشرة المكنات التي يوفرها هذا الحق، وبذلك يوصف بأنه حق مطلق: إذ يستقل المؤلف وحده في تقرير نشر بحثه، أو بالافصاح عن اسمه الحقيقي، من غير أن يخضع في ذلك لنظرية التعسف في استعمال الحق أو لرقابة القضاء( ). ومع ذلك فإن أثر الاطلاق ينبغي أن يضيق لضرورات الحياة العلمية والادبية والفنية، وطبيعة المصنف (البحث)، ويظهر أثر الاطلاق في علاقة الباحث بالغير وكذلك في علاقته بالمساهمين معه في البحث، فمن حق الباحث أن يقرر أن بحثه انتهى أم لا، وله ايضاً الحق في اجراء التعديلات عليه( ).

ثالثاً- الحق الادبي غير قابل للتصرف أو الحجز:-

لما كان الحق الادبي من قبيل الحقوق المتصلة بشخصية المؤلف،فإن من غير الجائز قانوناً التصرف فيه. إذ لايقوم الحق الادبي بالمال ولايقاس بالمعيار الذي تقاس به الاموال وهو النقود، وبذلك لايدخل ضمن عناصر الذمة المالية للشخص، وليس معنى ذلك ان الاعتداء على الحق الادبي لايستوجب أو يقبل التعويض النقدي، ولكن ينظر الى هذا التعويض باعتباره من قبيل التخفيف من الاذى الذي لحق بالمتضرر، وليس بديلاً عنه كما هو الحال في الاعتداء على الاموال( ).
وبذلك يخرج الحق الادبي من دائرة التعامل لكونه من الحقوق غير المالية اللصيقة بالشخصية، وبالتالي فان من غير الجائز قانوناً أن يكون الحق الادبي للمؤلف أو احدى المكنات التي يوفرها، محلاً لتصرف قانوني. وهذا مايفهم من نصوص التشريعات العربية المتعلقة بحماية حق المؤلف أن تصرف المؤلف ينصب على الحقوق المالية دون الحقوق الادبية( )، وإن الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف صريحة في منع التصرف في الحقوق الادبية( )، كما يفهم من تعديل المادة السادسة من اتفاقية (برن) إن الاتفاقية اعترفت ضمناً بأن الحق الادبي للمؤلف لايقبل التصرف فيه وذلك على عكس الحق المالي للمؤلف الذي يستطيع المؤلف التصرف فيه( ).
ومن جانب آخر، فإن من غير الجائز قانوناً الحجز على الحق الادبي، وذلك لأنه يشترط لايقاع الحجز أن يكون المال مما يجوز التنفيذ عليه وبيعه( )، وهو مالا يتوفر في الحق الادبي، وتأكيداً على ذلك تنص المادة (11) من قانون حماية حق المؤلف العراقي على انه: ((لايجوز الحجز على حق المؤلف، ويجوز حجز نسخ المصنف الذي تم نشره ولايجوز الحجز على المصنفات التي يموت صاحبها قبل نشرها مالم يثبت بصفة قاطعة انه استهدف نشرها قبل وفاته)). وتجدر الاشارة الى انه بموجب هذه المادة يجوز الحجز على نسخ البحث المنشور أو التي قرر الباحث نشرها قبل وفاته، وذلك باعتبارها من قبيل الاشياء المالية القابلة لإيقاع الحجز والتنفيذ عليها وبيعها في المزاد العلني، والتي تستقل عن الحق الادبي.

رابعاً- الحق الأدبي، حق دائم لايتقادم:-

يمتاز الحق الادبي المقرر للمؤلف بالديمومة والتأبيد، إذ لاينتهي هذا الحق بموت المؤلف ولايسقط بعدم الاستعمال. إذ لايرد عليه التقادم بنوعيه المسقط والمكسب، كما انه غير محدد بمدة معينة كما هو الحال بالنسبة للحق المالي( )، وهذه الخاصية أو الميزة للحق الادبي للمؤلف ناجم عن طبيعته الخاصة( ).
وإذ كانت التشريعات العربية جاءت خالية من النص على عدم قابلية الحق الادبي للتقادم، إلا انه يمكن القول بأن الاحكام العامة لهذه التشريعات تأخذ بذلك، كما أن الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف نصت صراحة على أن الحقوق المعنوية لاتقبل التقادم (م6/د). وإن المادة (15) من القانون الفرنسي نصت على أن الحق الادبي حق أبدي لاينتهي( ).
وتتجلى الحكمة، مثلاً، من تقرير حق الباحث في نسبة بحثه اليه باعتبار ان هذا البحث (المصنف المبتكر) جزءاً من شخصية مؤلفه الابداعية وامتداداً لها، والتي تبقى تنسب اليه تقديراً لما قدمه من نتاج ذهني يستحق الاحترام. ومن غير المتصور ان تنتفي هذه الحكمة، وتزول بوفاة الباحث، كما ان مسألة صلاحية البحث للنشر او تقدير عدم نشره، مسألة يستقل بتقديرها الباحث ذاته، ولاتتأثر بمرور الزمان، وفي حالة وفاته ينبغي احترام ارادته اذا انصرفت الى عدم الرغبة في نشره.


خامساً- عدم قابلية الحق الادبي للانتقال للورثة:-


يذهب الرأي الراجح( )، الى أن الحق الادبي يكتسب خاصية نسبية ليكون اداة من أجل حماية فكرة المؤلف وشخصيته العلمية او الادبية او الفنية التي أبرزها المصنف، أما الورثة فهم حراس طبيعيون على ذكره يتصرفون بإسم المتوفى كمودع لديهم من اجل الدفاع عن شخصيته عبر المصنف( ). وإذ كان الاصل في الحق الادبي عدم انتقاله بالميراث الى الورثة، باعتباره لايدخل ضمن عناصر الذمة المالية للشخص( )، إلاّ أن هذه القاعدة لايؤخذ بها على الاطلاق في نطاق قانون حماية حق المؤلف، حيث من الممكن التمييز فيما بين فئتين من الحقوق الأدبية المقررة للمؤلف من حيث قابليتها للانتقال الى الورثة( ): الاولى منهما لاتقبل الانتقال الى الورثة، إذ يستأثر بها المؤلف وحده كالحق في نسبة بحثه اليه والحق في سحب البحث من التداول واجراء تعديل عليه( )، أما الفئة الثانية فقد أجاز قانون حماية حق المؤلف انتقالها للورثة بعد وفاة مورثهم المؤلف، وتتضمن حق الورثة في تقرير نشر البحث الذي لم يوصِ المؤلف بعدم نشره والحق بدفع أي اعتداء عليه( ). وغني عن البيان أن التصرفات التي أبرمها الباحث قبل وفاته مع الغير على البحث تكون نافذة بمواجهة الورثة.

الفرع الثاني
مضمون الحق الأدبي

يتمتع الباحث بعددٍ من الحقوق الادبية المقررة له بموجب قانون حماية حق المؤلف، والتي يمكن اجمالها بحق الباحث في تقرير نشر بحثه، وحقه في نسبة بحثه اليه، وحقه بدفع أي اعتداء على حقوقه على البحث، فضلاً عن حقه، وفي حالات محددة، بسحب بحثه من التداول لتعديله. وهذا ماسنبينه على النحو الآتي:-

اولاً- الحق في تقرير نشر البحث:-

تنص المادة (7) من قانون حماية حق المؤلف العراقي على انه: ((للمؤلف وحده الحق في تقرير نشر مصنفه وفي تعيين طريقة هذا النشر…))( ). ويتضح من هذا النص بأنه جاء بمبدأ عام هو حق الباحث في تقرير لحظة نشر بحثه وظهوره الى الجمهور لأول مرة، أو عدم نشره، ويتمتع الباحث وحده –دون سواه- بهذا الحق حال حياته، وورثته من بعده، بشرط ان لايكون الباحث قد أوصى بعدم نشره قبل وفاته، حيث في هذه الحالة يمتنع على الورثة القيام بنشره( )، ذلك أن تقرير صلاحية البحث للنشر يرتبط برأي الباحث في بحثه وارتباطه بسمعته ومكانته ومركزه العلمي، فمن حقه ان لا يقرر نشر بحثه الا اذا تيقن من انه سيظهر بالمظهر اللائق الذي يتناسب مع ذلك المركز وتلك المكانة( ).
كذلك إذا حدد الباحث موعداً للنشر قبل وفاته فإن من غير الجائز للورثة نشر هذا البحث قبل انقضاء ذلك الموعد، ويتمتع بهذا الحق الباحث –أو ورثته- باعتباره حقاً أدبياً، لمرة واحدة فقط، إذ يزول بمجرد تقرير الباحث نشر بحثه، فإذا ماقام بإعادة عملية نشر ذات البحث، فإن هذه العملية الاخيرة لاتعتبر استعمالاً لحق تقرير النشر، وانما استعمالاً لحق اعادة نشر البحث الذي سبق نشره والذي يعتبر من المكنات التي يوفرها الحق المالي للباحث، إذ يجوز للغير استعماله بموافقة الباحث عن طريق عقد النشر( ).
كما يتمتع الباحث فضلاً عن تقرير نشر بحثه، باختيار وسيلة أو طريقة هذا النشر، من خلال المجلات أو الدوريات العلمية أو بثه عبر شبكة الانترنت. وكل وسيلة يمكن ان تظهر من شأنها طرح البحث على الجمهور.
ويثير حق الباحث في تقرير نشر بحثه، او عدم نشره –باعتباره حقاً أدبياً خالصاً- تساؤلاً يتصل بأحكام عقد البحث العلمي، ويدور حول مدى تمتع الباحث الذي تعاقد مع المستفيد من أجل اعداد بحث علمي معين، بالامتناع عن انجاز هذا البحث أو الامتناع عن تسليمه في حال انجازه. فهل يجبر الباحث على تسليم هذا البحث للمستفيد استناداً للعقد المبرم بينهما ؟ أم يستطيع هذا الباحث الامتناع عن تسليمه والاحتفاظ به استناداً الى حقه الادبي الذي يخوله الحق في تقرير لحظة نشر بحثه أو عدم نشره ؟
للاجابة عن هذا السؤال لابد من الاشارة الى أن من غير الممكن اجبار الباحث على تنفيذ التزامه المتعلق بالقيام بأعمال ذهنية، كالتأليف واعداد البحث العلمي وذلك لأن تنفيذ مثل هذا الالتزام يعتمد على الهام الباحث وظروفه النفسية والفكرية والتي لايستطيع الباحث ذاته السيطرة عليها، لذا فإن من غير المجدي فرض الغرامات التهديدية على الباحث من اجل حثه على انجاز العمل الذي تعهد بالقيام به، لما في ذلك من مساس بحرية المدين في نتاجه الذهني( ).
ويؤكد الفقه القانوني أن للمؤلف (الباحث) وحده سلطة تقديرية في تقرير مدى كفاءة بحثه او رضاه عن نتاجه الفكري او الذهني وقابليته للنشر، من عدمه، وبذلك يحق للباحث الامتناع عن تسليم مصنفه (بحثه) وعدم اجباره على نشره او تسليمه للمستفيد حتى وإن أتم الباحث العمل المطلوب منه (اعداد البحث العلمي). ويكون مسؤولاً عن تعويض المستفيد عما لحقه من ضرر جراء عدم تنفيذ العقد المبرم بينهما( ) .
بيد انه ايكون للباحث سلطة مطلقة بالامتناع عن تسليم بحثه حتى وان وصف هذا الامتناع بأنه تعسف باستعمال الحق ؟
يرى بعض الكتاب أن للمؤلف (الباحث) الحق بالامتناع عن تسليم بحثه وإن لم يكن هناك سبب او مبرر لهذا الامتناع يعادل او يفوق جسامة الضرر الذي يمكن أن يصيب المستفيد جراء هذا الامتناع، ولايلتزم الباحث سوى بدفع التعويض اذا كان له مقتضى( ). وبالمقابل يرى جانب آخر من الفقه: انه في حالة تعسف المؤلف في استعمال حقه بالامتناع عن تسليم او نشر البحث الذي تعهد باعداده، فإن من حق المتعاقد الآخر أن يطلب التنفيذ العيني واجبار هذا الباحث على تسليم البحث اذا كان قد تم انجازه، أي بعد أن تكتمل معالمه بصورة تسمح بنشره من دون وجود مايعيبه او يسيء الى سمعة المؤلف الفكرية( ). كما في حالة امتناع الباحث عن تسليم البحث العلمي –موضوع العقد- للمستفيد بعد اعداده وعرضه على الغير سعياً في الحصول على مقابل مالي اكبر.

ثانياً- الحق في نسبة البحث لمؤلفه:-

يحق للباحث ان يصرح بأن البحث الذي نشر من نتاجه الفكري او الذهني وانه مبدعه، ويكون ذلك أما بوضع الباحث اسمه على البحث او يصرح بذلك او يصحح الاسم اذا نشر البحث مع اغفال اسم الباحث، أو باسم مستعار مع عدم فقدان الباحث في هذه الحالة لحقه في نسبة بحثه اذا ماقرر في وقت لاحق الكشف عن اسمه الحقيقي( ). ويعبر عن هذا الحق بأنه (حق الابوة) أي أبوة الباحث لبحثه( ).
واعترفت التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف على حق هذا الاخير وحده في أن ينسب بحثه اليه، وله كذلك او لمن يقوم مقامه أن يدفع أي اعتداء على هذا الحق( ). واذا توفي الباحث الذي كان قد قرر نشر بحثه (مصنفه) تحت اسم مستعار أو من دون اسم، فإن من غير الجائز للورثة الكشف عن شخصيته الحقيقية مالم يكن قد أذن لهم بذلك قبل وفاته( ).
واخيراً، فإن اثبات حق الابوة ( او التأليف) مكنة دائمة لاتتقادم، فهو حق متصل بشخصيته ولايسقط بالنزول عنه أو عدم استعماله مهما طالت المدة على ذلك( ). فللباحث أن يثبت نسبة البحث اليه بوسائل الاثبات كافة، لأن الامر يتعلق بواقعة مادية، ويتصل باثبات تحايل على قاعدة من النظام العام( ). وقد أكد القضاء المصري على حق المؤلف الدائم في ذكر اسمه على كل نسخة من مصنفه الذي تم نشره سواء من قبل ذات المؤلف او بواسطة غيره، وكذلك في جميع الاعلانات عن هذا المصنف وذلك من دون الحاجة الى ابرام اتفاق مع الغير على ذلك( ).


ثالثاً- الحق في احترام كيان البحث:


يتمتع الباحث بموجب احكام قانون حماية حق المؤلف( )، بحق دفع أو منع أي اعتداء او عمل من شأنه المساس بسلامة كيان بحثه باعتبار أن هذا الاخير يمثل شخصية الباحث الفكرية ويدخل ضمن الحقوق الادبية المقررة للباحث، لذا فإن أي اعتداء ينال من سلامته سواء بتحريفه أو تشويهه او تغيير فيه بأي صورة، يؤدي الى المساس بشخصية الباحث وبالحقوق المقررة له( ).
ومن التطبيقات التقليدية لهذا الحق الزام المستفيد او الناشر بضرورة طبع ونشر البحث بالصورة التي حددها الباحث، وعدم ادخال أي تعديلات على هذه الصورة من غير موافقة الباحث، كذلك ينبغي أن لاتتم عملية تحويل البحث من أي لون من ألوان العلوم الى لون آخر الا بموافقة الباحث مع مراعاة أمانة روح البحث الاصلي وعدم اجراء التحوير فيه (بالاضافة أو الحذف) من غير الاشارة الى ذلك، ومن دون أن يترتب على ذلك أية اساءة الى سمعة ومكانة الباحث ونتاجه الابداعي( ). وعليه فإن لمعد البحث العلمي (الباحث)، وورثته من بعده، الحق في دفع أو منع أي عمل من شأنه المساس بسلامة كيان البحث العلمي، فمن غير الجائز مثلاً، للمستفيد اجراء تحوير أو تعديل على البحث العلمي من غير أخذ موافقة او اذن الباحث او صاحب الحق في ذلك، وإن كان من شأن هذا التحوير أو التعديل زيادة المنفعة من البحث العلمي –موضوع العقد-.


رابعاً- الحق في سحب البحث من التداول:

يعطي قانون حماية حق المؤلف لهذا الاخير( )، الحق في تقرير سحب مصنفه من التداول- أي بعد نشره ووضعه في متناول الجمهور، حيث قد يرى الباحث بناءً على اسباب يقدرها بأن البحث الذي قرر نشره لم يعد يتفق وآراءه او ينسجم ومكانته العلمية والفكرية مما قد يشكل اساءة الى سمعة هذا الباحث. فسحب البحث من التداول يقصد به وقف حق المستفيد في الانتفاع بالبحث في المستقبل( ).
وحق السحب، حق شخصي لايمكن قيام الغير بالحلول محل المؤلف في اتخاذ قرار السحب، فالمصنف ماهو الا ترجمة لمشاعر مبدعه واحاسيسه وعندما يصبح المنصف بعيداً تماماً عن افكاره فهو وحده الذي يقرر سحبه من التداول بهدف تعديله او ألغائه( ). الا أن ممارسة المؤلف لهذا الحق مقيد بشرطين هما( ): أولهما أن تكون الاسباب التي دفعت بالمؤلف الى سحب مصنفه من التداول أدبية وعلى قدر من الجدية والاهمية تبرر مثل هذا السحب، ويعود تقدير مدى أهمية هذه الاسباب لمحكمة الموضوع (محكمة البداءة). وثانيهما: أن يلتزم المؤلف بدفع تعويض عادل لمن آلت اليه حقوق الانتفاع المالي عما لحقه من ضرر جراء هذا السحب، كما للمحكمة الزام المؤلف اداء هذا التعويض مقدما من خلال اجل تحدده المحكمة او الزام المؤلف بتقديم كفيل. ويرى غالبية الفقه القانوني عدم امكانية تمتع الورثة بحق سحب المصنف من التداول( ).


المطلب الثاني
الحق المالي

يتمتع الباحث بحق الانتفاع من بحثه او مايطلق عليه حق الاستغلال المالي، وذلك في ظل الحماية التي يوفرها له قانون حماية حق المؤلف. وسنحاول في هذا المطلب التعرف على أهم خصائص هذا الحق، ومن ثم بيان مضمونه. وذلك في فرعين على النحو الآتي:-

الفرع الاول
خصائص الحق المالي

يتسم الحق المالي المقرر للمؤلف على المصنفات المبتكرة بجملة من الخصائص، والتي تتجلى بقابلية الحق المالي للتصرف فيه، قابليته، للحجز، وانتقاله بالميراث، فضلاً عن توقيته بمدة معينة يزول بانقضائها هذا الحق. وهو ماسنعرض له تباعاً:-

اولاً- قابلية التصرف بالحق المالي:-

لما كان حق المؤلف بجانبه المالي، دون الادبي، وبما ينطوي عليه هذا الحق من مكنات (سلطات)، من ضمن الحقوق المالية التي تدخل في العناصر المكونة للذمة المالية للشخص، لذا فمن الجائز قانوناً التصرف فيها. وهو مانصت عليه اغلب التشريعات المتعلقة بحق المؤلف، والتي تقرر للمؤلف الحق باستغلال مصنفة مالياً بأية طريقة مشروعة يختارها، فضلاً عن امكانية التصرف بهذا الحق الى الغير( ). ويأخذ هذا التصرف اشكالاً عدة، فقد يتنازل المؤلف بصورة نهائية عن كامل حقه المالي، أو عن جزء من هذا الحق، كما قد لايتنازل المؤلف عن هذا الحق بصورة نهائية، وانما يقرر للغير حقاً شخصياً يفيد بمباشرة عمل من الاعمال المقررة للمؤلف كالترخيص باستخدام البحث أو تطويره. وتكون مثل هذه التصرفات، وطبقاً للقواعد العامة، مطلقة أو شاملة أو قد تكون محددة أو جزئية. والتحديد قد يتمثل من حيث الزمان، أو من حيث المكان.
وتشترط اغلب التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف في التصرفات الصادرة عن المؤلف والواردة على الحق المالي ان تكون مكتوبة( )، وان يتم تحديد الحق محل التصرف، بصورة صريحة وبالتفصيل، مع بيان مدى هذا الحق، والغرض منه، ومدة الاستغلال ومكانه( ). واخيراً فإن تصرف المؤلف في مجموع انتاجه الفكري المستقبل باطل( )، وذلك لما في هذا التصرف من حجر على شخصية المؤلف ولمخالفته للنظام العام( ).

ثانياً- عدم قابلية الحق المالي للحجز:

نظراً لما يتميز به الحق المالي للمؤلف على مصنفه( )، وارتباط هذا الحق- الجانب المالي لحق المؤلف- بالحق الادبي- أو الجانب الادبي لحق المؤلف-، فإنه يأبى الحجز. إذ تنص المادة (11) من قانون حماية حق المؤلف على انه: ((لايجوز الحجز على حق المؤلف، ويجوز حجز نسخ المصنف الذي تم نشره ولايجوز الحجز على المصنفات التي يموت صاحبها قبل نشرها مالم يثبت بصفة قاطعة انه استهدف نشرها قبل وفاته))( ).
إذ يتضح من النص اعلاه أن عبارة –حق المؤلف- الواردة في بدايته تفسر على أن الحق غير القابل للحجز هو الحق المالي للمؤلف وحده او حق المؤلف باستغلاله مصنفه، وذلك لأن الحق الادبي لايصح التصرف به وبيعه، ومن ثم الحجز عليه بداهةً، باعتباره من الحقوق اللصيقة بالشخصية، وبالتالي فإن النص يتعلق بالحق المالي للمؤلف ذاته. وضرورة توافر شروط الحجز من حيث قابلية المال للتنفيذ عليه بالبيع، لذا أجاز القانون الحجز على المصنفات المنشورة او نسخ المصنف المنشور، وذلك لإمكانية التنفيذ عليها( ).
وبناءً عليه لايمكن ايقاع الحجز على المصنفات التي لم يقرر مؤلفها نشرها، والحكمة من ذلك تتجلى باحترام حق المؤلف بتقرير نشر المصنف أو عدم نشره، وهذا الحق هو من المكنات او السلطات التي يخولها الجانب الادبي للمؤلف، وهي مكنات لايجوز الحجز عليها( ). وبالمقابل أن من الجائز الحجز على نسخ المصنف طالما أن المؤلف قد قام بنشرها أو قرر ذلك بصفة قاطعة قبل وفاته، وهذه النسخ تتفق وشروط ايقاع الحجز من حيث قابليتها للتنفيذ بالبيع( ). أما فيما يتعلق بحق الاستغلال المالي للمصنف فإن من الممكن ايقاع الحجز عليه، باعتبار أن القانون يجيز التصرف فيه، وهنا يقوم الدائنون بالنشر والبيع واستيفاء حقوقهم( ).

ثالثاً- قابلية انتقال الحق المالي للورثة:-

يدخل حق المؤلف في الاستغلال المالي لمصنفه ضمن العناصر المكونة للذمة المالية، وينتقل بوفاة المؤلف الى ورثته الشرعيين كل بمقدار حصته من الميراث، ويخلف كل وارث في حصته ورثته من بعده، مادامت مدة حماية المصنف لم تنقض، وهؤلاء جميعاً (الورثة وورثة الورثة) يباشرون حقوق المؤلف المالية على الشيوع( ). ولاشك أن الامر يقتضي تطبيق احكام الشيوع في ادارة الحقوق المالية للمؤلف، فيكون رأي الاغلبية هو النافذ( ).
وأما اذا كان المصنف مشتركاً وتوفي احد المؤلفين له ولم يكن للمتوفى وارث فإن نصيبه يؤول الى بقية شركاء المؤلف في المصنف المشترك وخلفهم مالم يوجد اتفاق على خلاف ذلك( ). وهو مانصت عليه الفقرة (ب) من المادة العشرين من الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف من انه: ((اذا توفي احد المؤلفين لمصنف مشترك ولم يكن له وارث يؤول نصيبه الى باقي المؤلفين بالتساوي مالم يوجد اتفاق مكتوب على خلاف ذلك))( ).
وإن كان المصنف عملاً فردياً من المؤلف ولم يكن له وارث، فإن الحق في الاستغلال المالي يؤول الى الدولة التي ينتمي اليها هذا المؤلف( ). وهذا مانصت عليه المادة (144) من قانون حماية حق المؤلف اللبناني( ).

رابعاً- توقيت الحق المالي للمؤلف:-

تعترف التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف، بأن حقوق المؤلف المالية تتمتع بالحماية طوال مدة حياة المؤلف ولمدة معينة بعد وفاته. وبانتهاء هذه المدة تنقضي الحماية القانونية لحق المؤلف باستغلال مصنفه، ويصبح من الملك العام ومشاعاً لكل من يرغب في استغلاله واستعماله من دون الحاجة الى الحصول على اذنٍ من احد. وذلك لكي يستطيع المجتمع الاستفادة من مبتكرات العلوم والفنون والاداب التي هي في حقيقتها، وان كانت خالصة لمبدعها ومبتكريها، الا أن المجتمع قد أسهم، بشكل أو آخر، في الهام المؤلف في الابداع والابتكار. كما إن المؤلف استفاد من تراكم المعارف والمعلومات في المجتمع وفي حياته ضمن المجتمع، عند اخراج مصنفه الى عالم الوجود، لذلك تعود هذه الحقوق الى المجتمع وتعد جزء من الملك العام( ). أما الحقوق الادبية فلا تنقضي ولاتسقط مهما مرت من الاعوام، وان المؤلف الذي يعلم بأن مبتكراته سوف يكتب لها الخلود ويطمئن الى انها لن تمتد اليها يد التبديل والتغيير، يجعله ذلك الضمان مثابراً على الانتاج الفكري والذهني والابتكار( ).
وتختلف التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف، فيما بينها في تحديد مدة سريان الحماية القانونية للحق المالي، فهناك من القوانين تحدد هذه المدة بمضي خمس وعشرين سنة على وفاة المؤلف على أن لاتقل مدة الحماية في مجموعها عن خمسين سنة من تاريخ نشر المصنف( ). وهناك قوانين تحدد هذه المدة بمضي خمسين سنة على وفاة المؤلف( ). وقد اتجه المشرع العراقي في المادة (43) من مشروع قانون حماية حق المؤلف لسنة 1999، الى زيادة هذه المدة الى خمس وسبعين سنة من تاريخ نشر المصنف( ).

الفرع الثاني
مضمون الحق المالي

ينفرد الباحث بمباشرة الحق المالي- استغلال البحث بما يعود عليه من منفعة أو مردود مالي- حال حياته ولورثته او من يخلفه من بعده خلال مدة سريان الحماية، بحيث لايجوز للغير أثناء سريان هذه المدة الانتفاع بالبحث (باستخدامه او استغلاله مالياً) من دون موافقة او اذن مسبق من الباحث او ممن يؤول اليه هذا الحق( ).
ونصت المادة الثامنة من قانون حماية حق المؤلف العراقي( )، على اغلب صور الاستغلال المالي للمصنف شيوعاً. والتي تتجلى بنشر البحث العلمي من خلال مباشرة عمليات الاستنساخ (اولاً)، والتصريح للغير باستخدامه (ثانياً)، فضلاً عن عرضه علناً على الجمهور (ثالثاً)، واجازة اجراء التعديل والترجمة (رابعاً)، وهو ماسنعرض له تباعاً وعلى النحو الآتي:-

اولاً- نشر (أو استنساخ) البحث العلمي:-

يقصد بنشر المصنف وضعه في متناول الجمهور لأول مرة واعداده في عدد كافٍ من النسخ الملموسة( )، ويعد النشر إحدى أهم الوسائل المهمة لاستنساخ المصنف( )، أما الاستنساخ فيعني اعادة انتاج العمل (المصنف) واستخراج نماذج مطابقة (نسخ) منه بأي شكل وبأية وسيلة سواء كان ذلك بالطباعة او الاقراص (الليزرية اوالممغنطة) في جهاز الحاسوب أو غير ذلك من الوسائل الاخرى( ).
وينفرد الباحث، أو من آلت اليه حقوق الاستغلال، بمباشرة النشر والاستنساخ –بمواجهة الكافة- باعتبارها مكنات (أو سلطات) يوفرها الحق المالي المقرر له. ويختلف حق الباحث بنشر بحثه عن حقه بتقرير هذا النشر، إذ يعد الحق الاخير من قبيل الحقوق الادبية- كما بيناه سابقاً-، في حين يعد حق النشر من قبيل الحقوق المالية (المكنات التي يوفرها الحق المالي) والتي يستأثر بمباشرتها الباحث وحده –حال حياته، أو ورثته ومن تؤول اليه هذه الحقوق بعد وفاته- وغير الجائز قانوناً مباشرة الغير لعملية نشر البحث العلمي من دون اذن مسبق او موافقة تحريرية من المؤلف( )، مما يفيد امكانية تنازل الباحث عن هذا الحق للغير، او التصريح بمباشرته، سواء أكان ذلك بمقابل أم من دون مقابل، وهو مايوفر للباحث امكانية الانتفاع من بحثه.
وعلى هذا النحو يشمل نشر البحث العلمي القيام بعمليتين، أولهما عمل نسخ منه (الاستنساخ)، وثانيهما طرح هذه النسخ أو وضعها في متناول الجمهور.
فإذا ماقام الباحث بنفسه بمباشرة هذه العملية فإن العقود المحتمل ابرامها ستدور حول تمكين الغير (جمهور المستخدمين مثلاً) من الحصول على نسخة من البحث من اجل استخدامه( ).
وفي حالة قيام الغير بعملية نشر البحث، فإنه لابد من وجود عقد يتنازل أو يرخص بموجبه الباحث لهذا الغير، عن حق نشر البحث، مع تحديد وسيلة هذا النشر، فضلاً عن امكانية تحديد نطاق جغرافي معين أو فترة زمنية معينة لهذا النشر( ).

ثانياً- الحق باستخدام البحث العلمي:-

يختلف الحق في استخدام البحث العلمي عن الحق في استنساخه ونشره. إذ يتجلى الاول من خلال الاستفادة من الوظائف التي يؤديها البحث العلمي، في حين ينصرف مفهوم الاستنساخ الى التثبيت المادي للبحث والحصول على نسخة مطابقة منه. اما نشر البحث فيكون من خلال طرح مثل هذه النسخ على الكافة ووضعها في متناول الجمهور.
إذ يمارس الباحث سلطة استخدام بحثه- على وجه الاستئثار- كيفما يشاء وامكانية التنازل عن هذه السلطة او الترخيص بمباشرتها للغير، على نحو يعد استخدام الغير للبحث اذا ماكان من دون اذن او موافقة مسبقة من صاحب الحق على البحث العلمي، انتهاكاً لحقوق هذا الاخير، خلال سريان مدة الحماية المقررة.
واذا كان لصاحب الحق على البحث العلمي أن يمنع الغير من استخدامه، إلا أن هذا الحق لايؤخذ على اطلاقه، إذ تنص اغلب التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف، على عدد من الاستثناءات على حق المؤلف الاستئثاري، تجيز بموجبها بعض صور الاستخدام للمصنف وإن تم ذلك من دون موافقة او اذن المؤلف. ومن هذه الاستثناءات مايتعلق بالاستخدام الشخصي او الخاص( )، وكذلك السماح باستنساخ المصنف واستخدامه في الاغراض العلمية والتربوية والثقافية، اذا كانت بغير قصد تحقيق الربح المادي( ).


ثالثاً- الحق بالعرض العلني للبحث العلمي او النقل المباشر الى الجمهور:-

يستأثر الباحث بحق عرض البحث على الجمهور بصورة مباشرة وعلنية اياً كانت وسيلة هذا العرض( ). كما يستطيع الباحث النزول عن هذا الحق او الترخيص بمباشرته للغير، مما يوفر له امكانية الانتفاع المالي من البحث.
وحتى نكون امام عملية نقل مباشر، ينبغي توفر العلانية، أي أن يتم العرض في مكان عام يستطيع الجميع ارتياده، ولا عبرة بطبيعة هذا المكان، إذ يخرج عن هذا المفهوم العرض الذي يحصل في اطار الاجتماع العائلي او الجمعيات والمنتديات الخاصة، باعتبار ان مثل هذه الاماكن لايستطيع أي من الجمهور دخولها( ).
بيد انه اذا كانت رغبة متلقي البحث العلمي تتمثل في استخدام البحث بما يخدم تحقيق حاجاته وليس بالضرورة أن تتم عملية الاستخدام من خلال الحصول على نسخة من البحث وانما يمكن القيام به من دون الحصول على نسخة من البحث. فإن الذي يمكن تصوره عن مدى امكانية نقل هذا البحث الى الجمهور بصورة مباشرة من خلال العرض العلني (أو حق التمثيل)، هو من خلال طرح البحث العلمي عبر شبكة المعلومات (الانترنت). كما في الاحوال التي يتم فيها تخزين هذا البحث على موقع (عنوان) ضمن هذه الشبكة، بصورة تسمح للغير، بشروط معينة، باستخدامه. وبذلك تتوافر عملية النقل المباشر للبحث العلمي، إذ لايشترط في هذا النقل أن يتم من خلال الانسان، وانما يمكن تحقيقه عبر الآلة مثل جهاز الحاسوب( ).
ومما يؤيد ذلك اعتبار بعض التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف عملية ظهور المصنف على شاشة جهاز الحاسوب حقاً تمثيلياً للمؤلف( ). كذلك اعتبار الحق بالعرض او التقديم العلني والمباشر للجمهور يشمل وضع العمل في متناول هذا الجمهور عن طريق الارسال، السلكي اواللاسلكي، للصوت وللصورة او لاحدهما فقط بشكل يسمح للجمهور بسماعه أو برؤيته من اماكن تبعد عن مركز الارسال( ).

رابعاً- الحق بتحوير البحث العلمي:-

تشمل عمليات تحوير البحث العلمي، اعمال الترجمة والتعديل- سواء بالحذف او الاضافة- والتصحيح الوارد على معلومات البحث العلمي، وهو مايستأثر الباحث- وورثته من بعده خلال سريان مدة الحماية القانونية – بمباشرته، والترخيص للغير او منعهم من ذلك( ).
ويشترط في مباشرة مثل هذه الاعمال المصرح بها قانوناً، أن تتم بالقدر الذي يتلاءم والغرض من الاستخدام المصرح به، أو تشجيعاً للتطور العلمي، وبصورة لاتهدد حقوق الباحث (أو صاحب الحق على البحث).
وكذلك الحال اذا طرأت أسباب أدبية خطيرة فللباحث أن يطلب من المحكمة الحكم بإدخال تعديلات جوهرية على البحث، على الرغم من تصرفه في حقوق الاستغلال المالي، وبهذا يظهر البحث في نسيج جديد( ).

الفصل الثالث
وضع عقد البحث العلمي موضع التطبيق

إن وضع عقد البحث العلمي موضع التطبيق يقتضي بيان آثار هذا العقد في ضوء بحث الالتزامات التي يلتزم بها كل طرف لمصلحة الطرف الاخر. ومن ثم بيان مسؤولية الباحث عن الاضرار الناجمة عن تطبيق عقد البحث العلمي. وهذا مانتناوله في مبحثين وعلى الوجه الآتي:-

المبحث الاول: آثار عقد البحث العلمي.
المبحث الثاني: مسؤولية الباحث عن الاضرار الناجمة عن تطبيق عقد البحث العلمي.

المبحث الاول
آثار عقد البحث العلمي

تمهيد:

يعد عقد البحث العلمي من العقود الملزمة لجانبين، الى جانب كونه عقداً من عقود المعاوضة. فهو المصدر الاساسي لالتزامات اطرافه وإن هذه الالتزامات تجد قوتها الملزمة في العقد ويتعين الوفاء بها طبقاً لمبدأ حسن النية وفي كافة مراحل تنفيذ العقد( ). وتلك الالتزامات متنوعة يخرج بعضها عن مألوف التزامات الاطراف في العقود القانونية الآخرى.
وتأسيساً على ذلك فإن دراسة آثار عقد البحث العلمي يقتضي منا بيان التزامات كل طرف فيه، هذه الالتزامات التي تتقابل فيما بينها بحيث يمكن القول إن أداء كل طرف لالتزاماته مرتبطة أشد الارتباط بأداء الطرف الآخر لالتزامه. واذا كنا سنقف على هذه الالتزامات الخاصة، فانه يمكننا القول أن ثمة التزاماً رئيسياً يقع على عاتق الباحث هو مايعبر عنه بالالتزام بالبحث العلمي ((((L’obligation de recherche scientifique. هذا الالتزام الذي لن يستطيع الباحث القيام به الا اذا كان يقابله قيام المستفيد بالوفاء بالالتزام بالتعاون، ذلك أن المستفيد إذا كان ينتظر من الباحث أن يقدم له بحثاً علمياً، ((عن عمليات التحليل او التشخيص الطبي او دور مؤسسات المجتمع المدني في بناء مستقبل الدولة واثرها على نشر الوعي الديمقراطي في البلد- مثلاً-))، فإن الباحث ينتظر من المستفيد التعاون حتى يمكنه من تقديم بحث علمي متكامل يؤدي الى تجاوز المشكلة التي تعترضه.
هذا الالتزام الذي يقع على عاتق المستفيد في اغلب الاحوال ينص عليه صراحة في هذا النوع من العقود، إذ نلزمه بتقديم كل الوسائل اللازمة للباحث خلال فترة اعداده للبحث العلمي، على النحو الذي سنعرض منه مضمون الالتزام بالتعاون ((L’obligation de collaboration)).
والحديث عن التزامات طرفي العقد يفرض علينا التعرض لأوليات هذه الالتزامات، الا وهي التزام المستفيد بدفع المقابل لأداء الباحث. فعقد البحث العلمي شأنه في هذا الصدد شأن سائر العقود الملزمة لجانبين. والالتزام الرئيسي الذي يقع على المستفيد هو دفع المقابل النقدي لخدمة الباحث العلمي، فالمستفيد يطلب المعرفة العلمية من المتخصص. وهو يرمي في أن يستفيد من الخبرة والمعرفة والمعلومات التي ينفرد بها الباحث. وفي سبيل ذلك يقوم بدفع ثمن تطبيق هذا الفن الذي يجهله. وليس معنى ذلك أن هذا الالتزام هو الالتزام الوحيد الذي يقع على عاتق المستفيد، فكما سبق القول فالباحث يمنح عميله معرفة علمية تعبر عن خلاصة فكره وتخصصه الفريدين. فهو ابتكار يعبر عن خلاصة عمل ذهني مضنٍ. ومن ثم فهذه الطبيعة الخاصة لالتزام الباحث والذي هو جوهر عقد البحث العلمي، فإنه يلقى عليه من ناحية مجموعة من الالتزامات يقابلها على الصعيد الآخر التزامات تقع على عاتق المستفيد. ومن هنا كان التزام المستفيد بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف. من قبيل التزامات الباحث التي تفرضها طبيعة هذا العقد مايعرف بالالتزام بالسرية
L’obligations de confidentialite”، حيث اننا إذا كنا نلزم المستفيد بوجوب اعلام الباحث بكافة المعطيات التي تساعده في اعداد البحث العلمي، وهذا مايعرف –ايضاً- بالالتزام بالاعلام L’obligation de d'information” والذي يعد تطبيقاً لالتزامه بالتعاون، فإن وفاءه بهذا الالتزام يتضمن بالضرورة أن يطرح أمام الباحث كافة المعطيات الخاصة بالبحث العلمي المطلوب اعداده من الباحث مدعمة بالمستندات معتمداً في ذلك على الثقة التي تولدت في شخص الباحث والتي كانت من احد سمات هذا العقد( )، والتي تتحقق من خلال عدم قيام هذا الباحث او مستخدميه بإفشاء محتويات هذه المستندات في مكان عام او لمنافسي المستفيد. هذا الالتزام الذي يقع على عاتق الباحث هو ما يعرف بالتزامه بضمان سرية التعامل.
لذا فإن بحث التزامات اطراف العقد يستلزم تقسيم هذا المبحث على مطلبين نتناول في الاول التزامات الباحث فيما نبحث في الثاني التزامات المستفيد، أما الحقوق فلا داعي لافرادها بصورة مستقلة على اعتبار ان التزامات كل طرف في العقد تمثل حقوق الطرف الثاني.

المطلب الأول
التزامات الباحث

يلتزم الباحث بمقتضى عقد البحث العلمي بتقديم البحث العلمي الى المستفيد والالتزام بضمان سرية المعلومات المستحصلة بمناسبة العلاقة مع المستفيد.
ونبحث كل التزام من هذه الالتزامات في فرعٍ مستقل وذلك كالآتي:-

الفرع الأول
الالتزام بتقديم البحث العلمي

الالتزام الرئيس الذي يترتب في ذمة الباحث هو الالتزام بإنجاز العمل المتفق عليه عن طريق قيامه بإعداد البحث العلمي وتقديمه للمستفيد. ولاشك في أن هذا الالتزام يعد جوهر عقد البحث العلمي وغايته، وأن الوفاء به يعتمد بالدرجة الاساس على كفاءة الباحث وخبرته وتفوقه العلمي في مجال اختصاصه. وستقتصر دراستنا لهذا الالتزام على جوانبه القانونية والمتمثلة في المضمون والطبيعة ومكان وزمان التسليم وذلك على النحو الآتي:-

اولاً- مضمون الالتزام بتقديم البحث العلمي:

يعد الالتزام بتقديم البحث العلمي التزاماً اصلياً ناشئاً عن العقد المبرم بين الباحث والمستفيد. وليس مجرد التزام تابع او واجب ملقى على عاتق الباحث فحسب. ويلزم الباحث بأن يقدم للمستفيد بحثاً علمياً يحتوي على مجموعة منسجمة من المعلومات، وهذه المعلومات ينبغي ان تكون معبرة عن أداء متميز يتفق واصول المهنة والقدرة التي ينفرد بها الباحث في تخصصه. كذلك ينبغي أن يكون البحث العلمي ملائم لحاجة المستفيد ويعطيه الخيار الافضل إزاء مايروم عمله من فعلٍ أو امتناع.
والوفاء بهذا الالتزام يعد بحق نقلاً للمعرفة العلمية والاخلال به يؤدي الى عدم تحقيق نتائج هذه المعرفة. وهكذا فإن المعرفة العلمية، وكما أوضحنا عناصرها وعرفناها في الفصل الاول من هذه الاطروحة، إذا تم نقلها بحسن نية مع مراعاة الشروط التعاقدية فإنها بلا شك تأتي بالنتائج المتوقعة.
كما إن خصوصية هذا الالتزام تتمثل في إن عقد البحث العلمي يعطي الحق للمستفيد في استغلال المعرفة العلمية الخاصة بالباحث. بيد أن الطبيعة المعنوية لهذا الحق تجعل من المتعذر على الباحث استرداده عند انتهاء العقد بعد أن يكون المستفيد قد علم بهذه المعرفة.
ويثير مدى تنفيذ الباحث لهذا الالتزام اساس الخلافات التي تثور مع المستفيد، كما هو الشأن في كل العقود، وبسبب الطابع المعنوي للمعرفة العلمية فإنه يصعب تحديد عناصرها بدقة متناهية تحول دون أي خلاف يثور بشأنها. لذا يكون تطبيق مبدأ حسن النية ذا اهمية كبيرة بل ضرورة لامناص منها لحسم النزاع على اساسها.
وقد ينصب عقد البحث العلمي على نقل ملكية البحث العلمي الى المستفيد. كما ينصب على اعطاء المستفيد حق استغلاله، إذ يخول العقد المستفيد حق استغلال البحث العلمي. لذا يقع على الباحث التزام اساسي هو تمكين المستفيد من استغلال البحث العلمي في ممارسة النشاط المتفق عليه في العقد وخلال المدة المتفق عليها. كأن يتفق على أن تؤول حقوق الملكية للمستفيد ويحظر على الباحث نشر المصنف او البحث العلمي الا بعد مرور مدة زمنية محددة( ).
وينبغي أن يلاحظ هنا أن استعمال المستفيد للمعلومات من البحث العلمي ليس من شأنه سلب الباحث الحق في استغلالها فلا يغل عقد البحث العلمي يد الباحث من التصرف بالمعلومات بما يشاء من التصرفات بأن ينقل ملكيتها للغير أو استغلالها في اعداد بحث علمي آخر، شريطة احترام حقوق المستفيد في عدم التجاوز على النطاق الذي يعملون فيه، بغية المحافظة على سرية المعلومات( ).
كما إن الالتزام بإعداد البحث العلمي وتقديمه يمر بالمراحل الثلاث الآتية:-
1) مرحلة البحث عن المعرفة واعداد تصور عام للخيارات الانسب للمستفيد. وتحديد النقاط الرئيسة والفرعية التي تشتمل عليها المشكلة( ). ويجد الباحث نفسه في هذه المرحلة ازاء عدة خيارات وحلول يمكن طرحها. تكمن الصعوبة في ايجاد الخيار الانسب للمستفيد واستبعاد الخيارات التي لاتتوافق مع مصلحة المستفيد. ولايقتصر واجب الباحث على وضع تصور مستند الى ماهو موجود في علمه فحسب، وانما ينبغي عليه بذل الجهد المعقول في البحث والتقصي للوصول الى الطرح الامثل للمستفيد.
2) مرحلة تجميع البيانات والمعلومات اللازمة وتدوينها( ).
3) مرحلة تقديم البحث العلمي والتي ينبغي ان تكون مناسبة ودقيقة بحيث تمكن المستفيد من الاعتماد عليها. ويلزم الباحث بأن يقدم البحث العلمي طبقاً لما تقرره بنود عقد البحث العلمي والطريقة المتفق عليها فيه.
ويقتضي التسليم في عقد المقاولة( )، تنفيذ انجاز العمل المعهود به- اعداد البحث العلمي- ومن ثم وضع هذا البحث تحت تصرف المستفيد- رب العمل- على وجه يتمكن معه من حيازته والانتفاع به من دون أي حائل.
وأن يكون المعقود عليه- البحث العلمي- مطابقاً للمواصفات، وهذا يعني بالضرورة خضوع البحث العلمي الى تقويم لقيمته العلمية والعملية من قبل الخبراء و المقومين لكتابة تقرير في صلاحية هذا البحث العلمي من عدمه مع الملاحظات. في ضوء مراعاة الباحث للنواحي الموضوعية والشكلية في كتابة البحث العلمي( ).

ثانياً- طبيعة التزام الباحث بتقديم البحث العلمي:-

تجدر الاشارة ابتداءاً الى أن طبيعة الالتزام بتقديم البحث العلمي، تختلف عن طبيعة الالتزام في عقد البحث العلمي بصورة عامة والذي يقصد به تحديد مسؤولية الباحث عن تحقيق النتيجة المتوخاة من عقد البحث العلمي من عدمها.
إذ يعتبر التزام الباحث بتقديم او تسليم البحث العلمي- محل العقد-، التزاماً بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية فلا يكفي لإعفائه من المسؤولية عن عدم تقديم البحث العلمي أو التأخر فيه أن يثبت انه بذل العناية اللازمة في انجاز البحث في الميعاد المحدد له ولكنه لم يتمكن من ذلك. بل ينبغي عليه حتى تنتفي مسؤوليته أن يثبت السبب الاجنبي أو أن البحث كان يتوقف على تقديم معلومات من المستفيد. فإن استطاع ذلك انتفت علاقة السببية ولم تتحقق المسؤولية( ). وحجتنا في هذا الحكم ان الباحث ملزم بتقديم البحث –محل العقد- من منظور الشخص الممتهن الخبير وانه مسؤول عن تنفيذ عقد أبرمه ولم يدرك عدم قدرته على تنفيذه.
أما عن الطبيعة القانونية لالتزام الباحث في عقد البحث العلمي( )، والتي من خلالها يمكن تحديد مسؤولية الباحث، فيمكن القول انه وعلى الرغم من أن طبيعة البحث العلمي وطريقة اعداده لاتسمح دائماً بتحقيق رغبات واحتياجات المستفيد بصورة كاملة او مطابقة، الا ان من الصعوبة بمكان اعطاء تكييف واحد يحكم طبيعة التزام الباحث بمطابقة البحث- موضوع العقد- للمواصفات، وانما يمكن الاعتماد على معيار الاحتمالية ومدى دور اطراف العقد في تحقيق النتيجة المطلوبة.
فإذا كانت هذه النتيجة محتملة الوقوع او أن تحقيقها يتوقف على دور المستفيد في تقديم المعلومات، فإن الالتزام يكون التزاماً ببذل عناية، كما إذا تعلق الامر بإعداد بحث علمي وفقاً للمعلومات التي قدمها المستفيد وتلبية لاحتياجاته وتطلعاته. إذ أن الوصول الى هذه النتيجة يعتمد على دقة هذا المستفيد في توضيح احتياجاته من جهة، ومن جهة أخرى على الجهد الذهني والابداع الفكري للباحث في اعداد البحث المطلوب وليس على الجهد البدني، مما لايسمح بالسيطرة على جميع نتائج البحث بصورة كاملة ودقيقة، مما يجعل تحقيق النتيجة المبتغاة أمراً محتملاً، وبالتالي يكون التزام الباحث بتسليم وانجاز بحث مطابق لتطلعات المستفيد التزاماً ببذل عناية( ). ويعتبر انه قد أوفى بالتزامه اذا بذل في تنفيذه من العناية مايبذله الشخص المعتاد حتى وان لم يتحقق الغرض المقصود( )، وفي غير حالة الغش أو الخطأ الجسيم( ).
أما اذا كانت النتيجة المطلوبة أو الغرض المقصود مؤكد الوقوع، كما اذا تعلق الامر بتسليم بحث معد سلفاً وكان الباحث قد اعلن صراحة عن مواصفات وكفاءة هذا البحث، فإن التزام الباحث في هذه الحالة بتسليم بحث مطابق للمواصفات المعلن عنها، يعتبر التزاماً بتحقيق نتيجة، وذلك لعدم توقف توفر هذه المواصفات على دور المستفيد، او على ماسيتم بذله من جهد ذهني في تحقيقها- اذ أن العقد ورد على بحث جاهز معد سلفاً- وبالتالي يسأل الباحث عن عدم مطابقة المواصفات حتى وان بذل من العناية مايبذله الشخص المعتاد، وكذلك الامر اذا نص العقد على ضرورة تحقيق نتيجة ما، إلا إذا وجد سبب اجنبي حال دون ذلك.

ثالثاً- مكان وزمان تسليم البحث العلمي:-

ينبغي أن يتم التسليم في المكان المتفق عليه او بما ينص عليه القانون، وباعتبار أن معلومات البحث العلمي ذات طبيعة غير مادية، فإن تسليمها وتداولها يتطلب تثبيتها على وسيط مادي كالاوراق والاقراص الليزرية او الضوئية والممغنطة (C.D or Disk)، كما من الممكن تسليم البحث العلمي من دون الحاجة الى الوسيط المادي وذلك من خلال نقله عبر شبكة المعلومات (الانترنت)، أو رسائل البريد الالكتروني أو أية وسيلة الكترونية اخرى. مع ضرورة اعطاء المستفيد مفتاح الرسالة الالكترونية حتى يستطيع الوصول الى البحث (موضوع العقد). لذا ينبغي أن يتضمن اتفاق المتعاقدين تحديد وسيلة تسليم البحث صراحةً أو ضمناً، وبخلاف ذلك تنعقد مسؤولية الباحث العقدية.
أما فيما يتعلق بزمان تقديم البحث العلمي فالاصل أن الباحث يُلزم بتقديمه في الزمان المتفق عليه. فإن لم يكن هناك اتفاق على مدة معينة فيلزم الباحث بالانجاز في المدة المعقولة التي يقررها العرف تبعاً لمقدرة الباحث ووسائله وبمراعاة طبيعة العمل ومقدار مايقتضيه من دقة وحسب عرف المهنة.
وفي حالة تأخر الباحث في البدء بالعمل أو تأخره في انجاز البحث العلمي تأخراً لايتوقع معه مطلقاً أن يتمكن من القيام به كما ينبغي في المدة المتفق عليها، فيجوز للمستفيد عندئذٍ ان يطلب فسخ العقد من دون انتظار حلول اجل التسليم.
بيد أن انهاء عقد البحث العلمي سواء بتقديم البحث للمستفيد او بفسخه بسبب عدم التنفيذ، لايعفي الباحث من ضرورة مراعاة الالتزام بالمحافظة على سرية التعامل مع المستفيد. وهذا ماسنحاول بيانه في الفرع الآتي:-


الفرع الثاني
الالتزام بالسرية

يتطلب عقد البحث العلمي الكشف عن بعض المعلومات والعناصر للباحث: أما اثناء المفاوضات لاقناعه بجدوى هذه المعلومات لبحثه وليتمكن من تقدير قيمتها ومدى احتياجه لها اثناء اعداد البحث، أو بعد ابرام العقد في اطار تنفيذ التزامه بإعداد البحث العلمي. وهنا يتعرض المستفيد لخطر إمكانية قيام الباحث بإفشاء هذه الاسرار للآخرين على نحو يضر بمصالحه. وقد يقوم باستخدامها بنفسه- أي الباحث- لأغراض أخرى أو بعد انتهاء مدة العقد على نحو يشكل منافسة جدية للمستفيد.
ومن هنا برزت أهمية الالتزام بالسرية والذي يقصد به ذلك الالتزام الذي يفرض على الباحث عدم البوح بخصوص كل مايصل الى علمه أو يكتشفه خلال اعداد البحث العلمي( ). ولم يستقر الفقه القانوني في تحديد مصدر هذا الالتزام وذلك لتحول هذا الالتزام الذي بدأ كواجب اخلاقي إلى التزام قانوني، فمنهم من يرى أن مصدر هذا الالتزام هو الاتفاق بين طرفي العقد سواء كان هذا الاتفاق صريحاً أو ضمنياً( ). ومنهم من يذهب الى أن هذا الالتزام يجد مصدره خارج العقد وعلى اساس فكرة النظام العام التي تحتم على المتعاقد أن يراعي في كل الظروف خلال ممارسته لمهنته الالتزام بالسرية، لذا فإن هذا الالتزام سابق في وجوده على العقد وملازم له في كافة مراحله، فهو التزام قانوني مباشر( ).
ونرى رجاحة التحليل الذي يسند هذا الالتزام الى العقد المبرم بين الباحث والمستفيد، سواء عن طريق وجود اتفاق صريح أو ضمني في هذا العقد يلزم الباحث بعدم افشاء المعلومات الى الغير. وذلك لأننا نبحث هذا الالتزام في إطار آثار عقد البحث العلمي، وهذا العقد الذي نشأ صحيحاً ونافذاً وبالتالي فإننا لانحتاج الى الرجوع الى أي مصدر مادام هذا العقد موجوداً وساري المفعول باعتباره المصدر المباشر لهذا الالتزام.
الى جانب ذلك إن مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود هو الذي يفرض هذا الالتزام، وحسن النية في هذا الصدد يتمثل من خلال القول إن الاسرار التي تصل الى علم الباحث وذلك من خلال عمله او بمناسبته، عليه (أي الباحث) التكتم عليها وعدم الافصاح عنها حفاظاً على مصالح المستفيد( ).
وأخيراً؛ ان الالتزام بسرية المعلومات ينشأ حتى في الحالات التي لايرد بشأنها نص. فالعقد يرتب هذا الالتزام بذمة الباحث، ويجد هذا الحل اساسه في نص المادة (150) من القانون المدني العراقي التي تقضي بأنه: ((2- ولايقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول ايضاً ماهو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام)). فلما كانت المعلومات تتسم بطابع السرية فإن افشاءها يؤدي الى الاضرار بالمستفيد، لذا يمكن القول إن مثل هذا الالتزام يعتبر من مستلزمات العقد. فطبيعة هذا العقد تقضي بوجود هذا الالتزام كونه من العقود التي تقوم على الثقة والاعتبار الشخصي( ). فهو اذن من الالتزامات اللصيقة بعقد البحث العلمي يتعين الوفاء به من قبل الباحث حتى ولو لم يرد بشأنه نص في العقد.
بيد انه لما كان كشف سرية المعلومات قد يسبق مرحلة ابرام العقد، مما يثير مسألة البحث عن مصدر هذا الالتزام في مرحلة التفاوض. فإنه يمكن القول بوجود التزام عقدي في عدم افشاء مااطلع عليه الباحث من معلومات لأن اطلاع المتفاوض على السر قد قام على اساس التراضي بين الطرفين( ). الا ان الفقه اختلف في تحديد طبيعة هذا العقد، فذهب جانب منه الى اعتباره عقد وديعة( )، بينما يرى آخرون انه عقد غير مسمى( ).
أما عن المقصود بأسرار البحث- موضوع العقد- فيلاحظ انه ليس كل مايصل الى الباحث من معلومات اثناء اعداده للبحث يعدّ واحداً من اسرار العقد، وانما ينبغي فوق ذلك ان تكون هذه المعلومات غير معروفة لدى الكافة، أي غير معروفة على وجه الخصوص لدى منافسي المستفيد، لأنهم الوحيدون الذين يمكن ان يحققوا المنافع اذا توصلوا اليها، فهذه المعلومات التي تصل الى علم الباحث اثناء عمله هي التي ينبغي الا تكون معلومة لدى الغير لكي تعد سراً من اسرار العقد( ). وعليه يمكن القول أن المقصود بأسرار البحث العلمي –موضوع العقد- تلك المعلومات غير المعروفة لدى منافسي المستفيد، لأنهم المستفيدون من كشف هذه المعلومات لذا ينبغي ان تكون المعلومات غير معروفة لدى الغير لكي تعدّ اسراراً ينبغي المحافظة عليها.
ومن جهة أخرى فإن تساؤلاً يمكن أن يطرح في هذا السياق عن النطاق الزماني للالتزام المتمثل بالحفاظ على سرية المعلومات، أي عن الفترة التي ينبغي فيها المحافظة على هذه السرية أو ما قد يصل الى الباحث من معلومات، وهل تشمل هذه الفترة فترة تنفيذ العقد او انها تشمل كذلك مابعد فترة التنفيذ وانقضاء العقد ؟
وللاجابة عن هذا السؤال لابد أن نبين إن الالتزامات الناشئة عن العقود بصورة عامة يقتصر نطاقها من حيث الزمان على المدة المحددة لتنفيذ العقد، فمتى ماتم تنفيذ العقد انقضت الالتزامات الناشئة عنه.
ولكن لايؤخذ ذلك على اطلاقه إذ تتصف بعض الالتزامات بخصوصية تجعلها تأبى الانقضاء بمجرد انتهاء تنفيذ العقد. ولقد استقر الفقه الحديث على أن الالتزام بالسرية في العقود المهنية بصورة عامة يتصف بالتأبيد ولايقتصر على مدة العقد المبرم بين الطرفين، وذلك لأن من موجبات الالتزام بالسرية هو حماية مصالح المستفيد المادية والادبية، وهذا الأمر لن يتحقق إلا إذا ظلت السرية ملازمة للمعلومات التي بحوزة المهني المتخصص الى الابد( ).
وعليه فإن الفترة التي يسري فيها هذا الالتزام لاتمتد فقط الى فترة تنفيذ العقد، وانما تشمل كذلك الفترة التي تلحق تنفيذ العقد، إذ يسأل الباحث عن أي ضرر قد يصيب المستفيد في حالة ما إذا خالف الباحث هذا الالتزام وقام بإفشاء المعلومات بأية طريقة كانت، إذ أن امتداد هذا الالتزام الى مابعد انقضاء العقد فيه حماية لمصلحة المستفيد، ذلك ان عدم افشاء اسرار العقد، له أهمية كبيرة بالنسبة لهذا الاخير سواء أكانت العلاقة العقدية قائمة أم لا( )، مادام هذا الافشاء يمكن أن يلحق به ضرراً جسيماً( )، وفي هذا الصدد يمكن قياس عقد البحث العلمي بعقد المحامي، إذ يلزم المحامي بالحفاظ على سرية المعلومات التي يحصل عليها من عمله مع موكله حتى بعد انتهاء علاقته بموكله( ).
وعلى ضوء المعطيات سالفة الذكر، نستطيع القول إن التزام الباحث بعدم افشاء اسرار البحث –موضوع العقد-، (ومن ضمنها المعلومات التي تصل الى علمه استناداً الى هذا العقد)، يمكن أن يوصف بأنه التزام بالامتناع عن عمل ويعد التزاماً بتحقيق نتيجة مقتضاها عدم افشاء اسرار البحث، لأن افشاء سرية هذه المعلومات تكفي لإثارة خطأ الباحث وبالتالي تحقق المسؤولية العقدية في جانبه. ذلك أن المستفيد عندما دخل بعلاقة عقدية مع الباحث فإن ذلك كان مؤسساً على الثقة التي وضعها في هذا الباحث فأطلعه على اسرار البحث( )، لذلك فإن التزام الباحث بالمحافظة على اسرار البحث اثناء العقد وبعد انقضائه مايحقق الحماية المادية والمعنوية للمستفيد لأن عمله مرتكز على بقاء المعرفة العلمية محتفظة بطبيعتها السرية، فالضرر الذي سوف يصيب المستفيد من جراء الافشاء بالاسرار هو في الاغلب غير ممكن اصلاحه، عليه ينبغي احترام هذا السر من قبل الباحث طيلة فترة العقد وبعد انتهاء الرابطة العقدية.
كما ان تضمين عقد البحث العلمي اثناء ابرام العقد او حتى بعد ابرامه شرطاً يقضي من الباحث الالتزام بالمحافظة على الاسرار التي تصل اليه نتيجة بحثه لدى المستفيد يعد امراً مقبولاً، هذا بالاضافة الى ان تمكين المستفيد للباحث من الحصول على المعلومات التي قد يكون بعضها سرياً يعبر عن الثقة التي يوليها المستفيد للباحث التي تعد أحد دعائم عقد البحث العلمي الذي يتميز بكونه عقداً قائماً على الاعتبار الشخصي، ويتعين على الباحث أن يكون أهلاً لهذه الثقة بالتزامه بعدم افشاء هذه المعلومات للغير.
كما أنه قد تؤدي عملية افشاء الاسرار من قبل الباحث الى نشوء المسؤولية الجنائية بحقه اذا ماتوفرت اركانها. ويعرف الفقه الجنائي جريمة افشاء الاسرار بأنها كشف عن واقعة لها صفة السر صادر ممن علم بها بمقتضى مهنته ومقترن بالقصد الجنائي( ).
وتعتبر هذه الجريمة من الجرائم الواقعة على الاشخاص، وتناولها قانون العقوبات العراقي ذو الرقم 111 لسنة 1969 المعدل في الفصل الرابع من الكتاب الثالث والمخصص للجرائم الواقعة على الاشخاص. إذ تنص المادة 437 منه على هذه الجريمة بقولها ((يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وبغرامة لاتزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من علم بحكم وظيفته او مهنته أو صناعته أو فنه أو طبيعة عمله بسر فأفشاه في غير الاحوال المصرح بها قانوناً أو استعمله لمنفعته أو منفعة شخص آخر. ومع ذلك فلا عقاب إذا أذن بإفشاء السر صاحب الشأن فيه أو كان افشاء السر مقصوداً به الاخبار عن جناية أو جنحة أو منع ارتكابها))( ).
وتقوم هذه المسؤولية على اركان ثلاثة. أولها ركن مادي يقوم على وجود سر معين تم إفشاؤه. وثانيها صفة خاصة في الجاني هي أن يكون ذا مهنة معينة. فهذه الجريمة لايرتكبها أي شخص بل شخص ذو صفة مستمدة من نوع المهنة التي يمارسها. أما الركن الثالث وهو الركن المعنوي لجريمة افشاء الاسرار فيتمثل بالقصد الجنائي على اعتبار ان هذه الجريمة هي من الجرائم العمدية. والقصد المطلوب في هذه الجريمة هو القصد العام. ويتعين أن يعلم المتهم بأن للواقعة صفة السر وأن تتجه إرادة المتهم الى فعل الافشاء والى النتيجة التي تترتب عليه( ).



المطلب الثاني
التزامات المستفيد

اذا كنا قد تناولنا في المطلب السابق التزامات الباحث، فإن التزامات المستفيد يمكن حصرها في التزام رئيسي هو دفع المقابل النقدي لقاء الحصول على البحث العلمي. كما إن اعتماد عقد البحث العلمي على تخصص الباحث وكفاءته العلمية هو الذي كان وراء سعي المستفيد له، الا أن ذلك لن يتحقق الا بتعاون المستفيد معه. وهذه الخصوصية فرضت التزاماً آخر على المستفيد وهو مايوصف بواجب التعاون. فضلاً عن الالتزام بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف. وهذا ماسنبحثه في ثلاثة فروع وذلك كالآتي:-

الفرع الاول
الالتزام بدفع المقابل

يعد التزام المستفيد بدفع الاجر التزاماً رئيساً، وهذا الالتزام الرئيسي مفترض الوجود سواء اشترطه المتعاقدان أم لم يشترطاه. فتحديد الاجر ليس شرطاً لصحة عقد البحث العلمي وقت ابرامه، اذ ينعقد هذا العقد متى ماتوفرت اركانه العامة مضافاً اليها عدم وجود اتفاق صريح على استبعاد الاجر مقدماً، أما إذا أغفل المتعاقدان تحديد الاجر فينبغي اعتبار أن هناك اتفاقاً ضمنياً على وجود الاجر وذلك برأينا يتم من خلال امكانية اعمال نص الفقرة الثانية من المادة (880) من القانون المدني العراقي بصدد الاجر في عقد المقاولة على اعتبار أن عقد البحث العلمي ماهو في حقيقته الا عقد مقاولة( ).
على أن افتراض وجود الاجر في عقد البحث العلمي لايمنع في الواقع من أن يقوم الباحث بإبراء ذمة المستفيد من الالتزام بدفع الأجر، وهذا الابراء لايؤثر اطلاقاً على وصف العقد بأنه عقد بحث علمي.
كما إن الالتزام بدفع الاجر يعد من أهم مميزات عقد البحث العلمي بحيث إن الاتفاق على عدم اقتضاء الاجر صراحةً أو ضمناً يؤدي الى انتفاء وصف عقد البحث العلمي على الاتفاق المبرم بين الطرفين. وان هذا الاتفاق الخالي من الاجر ماهو الا جزء من مرحلة تفاوض سابقة على وجود العقد. وهذا الامر مرده الى أن عقد البحث العلمي يدرج ضمن العقود المحددة الاداءات إذ ينبغي أن يعرف كل طرف فيه مقدار مايلتزم به ومايحصل عليه( ). وإن انعدام الاجر ينفي عن عقد البحث العلمي صفة المقاولة ويجعله يندرج في سياق مايسمى في الفقه الحديث بعقود الخدمة المجانية.
وبخصوص تحديد زمان دفع الاجر ومكانه فإننا نرى امكانية الرجوع الى الاحكام العامة في القانون المدني عموماً واحكام عقد المقاولة خصوصاً لتقارب عقد البحث العلمي مع عقد المقاولة كما بينا سابقاً. فالمستفيد يلتزم بدفع الاجر الى الباحث في الوقت الذي اتفقا عليه في العقد. أما إذا لم يتم الاتفاق على تحديد هذا الوقت فيحدد عندئذ استناداً الى مايقرره العرف في المهنة التي يمارسها الباحث. وعموماً فإنه في حالة غياب الاتفاق وانعدام العرف فإن الباحث يستحق الاجر عند تسليم البحث- موضوع العقد- الى المستفيد( ).
ويلتزم المستفيد بدفع الاجر في المكان الذي اتفق عليه مع الباحث، وفي حالة غياب هذا الاتفاق فيكون مكان الوفاء في موطن المستفيد او في المكان الذي يوجد فيه محل اعماله اذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الاعمال( ).
وانطلاقاً من وصف عقد البحث العلمي بأنه عقد رضائي، لذا فإن تحديد الاجر يتم باتفاق الطرفين. وذلك من خلال تحديد الاجر بمبلغ اجمالي قبل تنفيذ العقد يلزم المستفيد بدفعه حال قيام الباحث بتنفيذ التزامه بتقديم البحث العلمي. وعليه فالباحث يستحق هذا الاجر الاجمالي من دون أن يرتبط هذا الاجر بمقدار الجهد الذي يبذله الباحث في اعداد البحث العلمي أو حتى الوقت الذي يستغرقه في ذلك( ).
أما المستفيد فإنه يلتزم بدفع الاجر المتفق عليه من دون أن يكون للباحث الحق في طلب زيادة هذا الاجر بحجة تضاعف الجهد المبذول أو زيادة الوقت المهدور في اعداد البحث العلمي. ويلاحظ أن هذه القاعدة ليست عامة إذ يستطيع الباحث، استناداً الى احكام عقد المقاولة، أن يطالب بزيادة الاجر، اذا كان المستفيد قد ارتكب خطأ ادى الى زيادة الجهد المبذول او الوقت المهدور( ). أو انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من الباحث والمستفيد انهياراً تاماً بسبب حوادث لم تكن في الحسبان وقت التعاقد( ).
وتجدر الاشارة الى أن تحديد الاجر اجمالاً لايمنع في الواقع من أن يتفق الطرفان على أن يقوم المستفيد بدفع جزء من هذا الاجر مقدماً والجزء المتبقي عند انتهاء تنفيذ العقد، أو أن يتفقا على تحديد الاجر على شكل اقساط دورية طيلة فترة تنفيذ العقد.
بيد أنه اذا كان الاصل في عقد البحث العلمي ان يتم تحديد الاجر فيه باتفاق طرفيه فإن المحكمة في بعض الحالات قد تتدخل في تحديد هذا الاجر. ومن هذه الحالات الفرضية التي يغفل فيها المتعاقدان تحديد أجر الباحث او في حالة اختلافهما حول مقداره. ويمكن أن يعتمد القاضي على الاسس المعتمدة في عقد المقاولة في تحديد الاجر. وعليه فإن تحديد أجر الباحث سيتم بالاعتماد على عنصرين رئيسيين هما قيمة العمل الذي قام به الباحث وماتكبده من نفقات في انجازه، وتسترشد المحكمة بوجه خاص بالعرف الجاري في المهنة التي يمتهنها الباحث في تحديد قيمة العمل( ).

الفرع الثاني
الالتزام بالتعاون

مما لاشك فيه أن ابرام عقد البحث العلمي كان لغاية في نفس المستفيد يبتغي قضاءها، وأن البحث هو في الحقيقة وضع الحل لمشكلة تعترض سبيل المستفيد، لذا فإن من الضروري أن يكون الباحث على علم تام بأبعاد اهداف المستفيد ومشاكله في الموضوع المطروح امامه للبحث لكي يتسنى له اداء مهمته على أتم وجه. من هنا برزت اهمية الالتزام بالتعاون في اطار عقد البحث العلمي. والذي يعد من الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة التي تفرضها خصوصية هذا العقد، تلك الخصوصية النابعة من جوهرية العقد المعتمدة على الجهد الذهني والابداع الفكري والكفاءة العلمية للباحث المتخصص.
والآن لنا أن نتساءل ماهو مضمون هذا الالتزام ؟ وهل يعد التزام بتحقيق نتيجة أم التزام ببذل عناية ؟
ونتساءل ايضاً عن طبيعة ذلك الالتزام وهل هو التزام ارادي أم التزام قانوني ؟ وأخيراً ماهو الجزاء المترتب على الاخلال به ؟ نجيب على هذه التساؤلات في ثلاث فقرات على النحو الآتي:-

أولاً- مضمون الالتزام بالتعاون:-

يلتزم المستفيد بالقيام بما هو ضروري لكي ينفذ الباحث العمل المكلف به، بما يتفق وظروف كل عقد على حدة( ). فالباحث ينتظر التعاون من المستفيد حتى يمكنه الوقوف على العقد المراد ابرامه سواء من ناحية شروطه او أوصاف الشيء محله أو مدى سعة التعهدات المتبادلة الناشئة عنه. وهذا يعني إننا بصدد التزام ايجابي منذ لحظة بدء المفاوضات العقدية التمهيدية، من خلال احاطته علماً بكافة تفصيلات العقد المراد ابرامه( ). فواجب التعاون هو دعوة للمشاركة بين المتعاقدين في تنفيذ العقد من خلال التزام المستفيد باعطاء معلومات معينة، لاسيما بالنسبة للعقود المستمرة( ). ويتحقق ذلك من خلال تقديم كافة البيانات التي تجعل الباحث يقف على حقيقة المشكلة. وينبغي أن تكون هذه البيانات تتسم بالصدق من واقع المستندات التي بين يديه. ويقع على المستفيد عبء اثبات وفائه بهذا الالتزام.
بل إن هذا الالتزام لايقتصر الوفاء به على مجرد أن يقدم مايطلب منه، ولكن عليه- هو- أن يقوم بالاستعلام ويتحرى من الباحث عن النقاط التي يمكنه أن يدلي بها ويتعاون بصددها معه بما لديه من مستندات يمكن تقديمها تساهم في عمل الباحث( ).
وفي ضوء هذا التأكيد لواجب المستفيد بالتعاون، فإنه لايسعنا الا ان نضم صوتنا الى ذلك الاتجاه الفقهي الذي ذهب الى أن هذا الالتزام يعد التزاماً بنتيجة( ). ومن ثم فالباحث لايكون مسؤولاً عن فشل البحث اذا كان المستفيد لم يسهم بإيجابية نحو تحقق الحل المرضي والذي يتحقق من خلال الهدف المنشود من البحث. وبالتالي فإنه يفترض خطأ المستفيد بمجرد عدم تحقق النتيجة المتمثلة بتقديم المعونة اللازمة للباحث وعليه يقع عبء اثبات وجود السبب الاجنبي ليمنع المسؤولية عنه( ).

ثانياً- طبيعة الالتزام بالتعاون:-

لايقتصر العقد على الزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول ايضاً ماهو من مستلزماته، وفقاً للقانون والعرف والعدالة( ). فللقاضي وفقاً لهذه القاعدة العامة أن يضيف الى مضمون العقد مايقضي به القانون او العرف او العدالة في اطار المبدأ العام الذي يقضي بضرورة تنفيذ العقود بطريقة تتفق مع حسن النية مراعياً في ذلك المرغوب فيه اجتماعياً لأن القانون نظام اجتماعي يهدف الى حماية الفرد وتحقيق التوازن بين المصالح المختلفة( )، ويتعين من ثم على القاضي أن يقدر ما اذا كان إضافة التزام الى مضمون العقد يحقق تنظيما افضل للعلاقات بين طرفيه. ويعد الالتزام بالتعاون من تلك الالتزامات التي وان لم ينص عليها صراحة في العقد فإن للقاضي أن يضيفها اليه أما تنفيذاً لنص في القانون( ) أو اقراراً للعرف( ) أو لاعتبارات العدالة( ) وذلك في اطار مايقتضيه حسن النية في تنفيذ العقود وماينبغي أن يتوافر من ثقة بين المتعاقدين.
وسواء أكان نص القانون أوالعرف أو اعتبارات العدالة وراء اضافة الالتزام بالتعاون الى العقد فإنه يعد من مستلزماته ويلتزم المتعاقدان به كما يلتزمان بما ورد فيه صراحة. أي ان الالتزام بالتعاون التزام عقدي ارادي( ).

ثالثاً- جزاء الاخلال بالالتزام بالتعاون*:-

بينا فيما سبق ان الالتزام بالتعاون التزام عقدي يتعين على المدين به في العقد أن ينفذه على الوجه المتفق عليه أو حسبما يقضي القانون، أو العرف، أو العدالة، والا كان للدائن (الباحث) أن يسأل المدين (المستفيد) عن عدم تنفيذه، وتقوم مسؤولية هذا الاخير عنه مالم يثبت رجوعه الى سبب أجنبي لايد له فيه فيحكم عليه بتعويض الضرر الذي لحق الباحث نتيجة له.
فالمسؤولية العقدية هي جزاء الاخلال بتنفيذه كالتزام ناشئ عن العقد، ويلزم لقيام المسؤولية العقدية- بصفة عامة- توافر اركانها الثلاثة الخطأ العقدي والضرر وعلاقة السببية( ). ويستحق الباحث تعويضاً عن الضرر الذي لحقه من عدم تنفيذ المستفيد لالتزامه كلياً أو جزئياً أو من تأخره في تنفيذه.
ولكن المسؤولية العقدية ليست الجزاء الوحيد للاخلال بهذا الالتزام وخاصة نحن أمام عقد ملزم للجانبين بل يضاف اليها جزاءات أخرى، كحق المتعاقد في حالة اخلال المتعاقد الآخر بالتزامه أن يطلب فسخ العقد لتنحل الرابطة القانونية، التي ولدها ويتخلص بانحلالها من التزاماته الناشئة عنه في جانبه( ).كما انه قد يتضمن عقد البحث العلمي شرط جزائي يقضي لمصلحة الباحث جزاء اخلال المستفيد بالتزامه بالتعاون.

الفرع الثالث
التزام المستفيد بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف

يرجع مصدر هذا الالتزام الى قانون حماية حق المؤلف والذي يقرر للمؤلف في حالة توفر شروط الحماية حقوقاً أدبية وأخرى مالية على المصنف (البحث)( ). مما يفرض واجباً تجاه الكافة باحترام هذه الحقوق وعدم الاعتداء عليها، ولما كان من الجائز قانوناً للمؤلف التصرف بالحقوق المالية دون الادبية( ). فإن على المتصرف له (المستفيد) الالتزام ضمن نطاق هذا التصرف وهو ماتقرره القواعد العامة في القانون المدني، وترتب المسؤولية على الاخلال به( ). وفضلاً عن ذلك تضمنت التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف جزاءات خاصة في حالة الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف، مما يستدعي بيان مضمون التزام المستفيد بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف في فقرة اولى، واستعراض الجزاءات التي تترتب على الاخلال بذلك في فقرة ثانية.

أولاً- مضمون الالتزام بعدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف:-

يختلف مضمون هذا الالتزام باختلاف الحقوق محل الاعتداء، باعتبار ان من غير الجائز التصرف بالحقوق الادبية لكونها حقوقاً لصيقة بالشخصية وغير قابلة للسقوط او التقادم، مما يعني عدم جواز المساس بأي من هذه الحقوق، ولايتمتع سوى المؤلف وحده –وورثته من بعده- بدفع أي اعتداء عليها. أما الحقوق المالية فلكون من الجائز قانوناً التصرف فيها للغير، فإن واجب عدم الاعتداء على حقوق المؤلف ينحصر على الحقوق غير المتنازل عنها أو المرخص بها للغير.
كما يتأطر الحق بعدم الاعتداء على الحقوق المالية ضمن مدة سريان الحماية القانونية، إذ بانقضاء هذه المدة تدخل الحقوق المالية- حقوق استغلال البحث مالياً- في الملك العام ويصبح معها استغلال البحث مالياً مباحاً للكافة من دون الحاجة الى الحصول على موافقة المؤلف او ترخيصه، ومن دون ان يشكل ذلك اعتداء على حقوق المؤلف( )، كما ليس بالضرورة ان يقتصر الحق بدفع الاعتداء على الحقوق المالية على المؤلف وحده، وإنما ينتقل هذا الحق، في حالة التنازل عن حقوق الاستغلال المالي، الى المتنازل له.
ومن المفيد أن نشير الى صور الاعتداء على الحقوق الادبية والمالية تباعاً:-
آ) صور الاعتداء على الحقوق الأدبية:-
تتمثل أغلب صور الاعتداء على الحقوق الادبية المقررة للمؤلف، بقيام الغير بنشر البحث قبل أن يقرر المؤلف (الباحث) نشره، او ان تتم عملية النشر بصورة تختلف عن تلك التي عينها المؤلف. ووفقاً لهذا الغرض يكون هناك اعتداء على حق الاستغلال المالي للمؤلف (الباحث) فضلا عن الاعتداء على حق تقرير طريقة نشر البحث( ). كذلك إذا حدد المؤلف موعداً للنشر قبل وفاته فإن من غير الجائز لورثته أو المتنازل له عن حقوق الاستغلال المالي، نشر البحث قبل انقضاء ذلك الموعد( ).
وفيما يتعلق بحق المؤلف (الباحث) في نسبة بحثه اليه، فإنه يمتنع على الغير بما فيهم الورثة –الخلف العام- والخلف الخاص الادعاء بنسبة هذا البحث اليهم. ومن الامثلة على ذلك ايضاً قيام الغير باستنساخ اجزاء من البحث والاعتماد عليها لاعداد بحث جديد ونسبته اليه، إذ نكون في هذه الحالة أمام اعتداء على الحق بنسبة البحث لباحثه الاصلي، واعتداء على الحق باستنساخ و/او تحوير البحث( ).
وبموجب حق الباحث (المؤلف) في احترام كيان بحثه، فإنه يمتنع على الغير المساس بهذا البحث بأية صور من شأنها الاساءة الى سمعة الباحث الفكرية او الابداعية. واذا ماتنازل الباحث عن حقوق استغلال البحث فإنه يمتنع على المتنازل له (المستفيد) اجراء أي تعديل- بالحذف او بالاضافة- في البحث الا اذا كان مصرحاً له بذلك من قبل الباحث( ).
ولما كان من حق الباحث (المؤلف) سحب بحثه من التداول اذا طرأت أسباب أدبية خطيرة أو بادخال تعديلات جوهرية عليه، فان من غير الجائز لمن آلت اليه حقوق استغلال هذا البحث ان يمتنع عن السماح بذلك، ولاسيما اذا عرض الباحث عليه التعويض الذي تقدره المحكمة( ).


ب) صور الاعتداء على الحقوق المالية:-

القاعدة التي تحكم الحقوق المالية، أن الباحث يبقى يتمتع بكل مالم يتنازل عنه او يرخص به من حقوق للغير. إذ تفسر التصرفات الصادرة عن الباحث تفسيراً ضيقاً، وبالتالي يعتبر أي تجاوز على الحقوق محل التصرف اعتداء على حقوق الباحث او صاحب الحق عليها، ولايتصور مثل هذا الاعتداء، في حالة التصرف بكافة الحقوق المالية المقررة، اذ يتنازل بموجب هذا الفرض الباحث عن جميع صور الاستغلال المالي بحيث لايعود له أياً منها، وهنا يلتزم الباحث فضلاً عن الغير، بعدم الاعتداء او التعرض للمستفيد( ).
أما في اطار عقود ترخيص استغلال البحث العلمي، فإنه ينظر الى مضمون هذا الترخيص، فاذا كان محدداً بمكان معين أو وقت محدد، فينبغي على المرخص له عدم مباشرة حقوق الاستغلال المرخص بها خارج هذا النطاق، فضلاً عن ضرورة الالتزام بطريقة الاستغلال المسموح بها( ).
وفيما يتعلق باستخدام البحث العلمي، فإن من غير الجائز للغير استخدام البحث العلمي من دون ترخيص من الباحث أو صاحب الحق على البحث، على الرغم من سماح قانون حماية حق المؤلف باستعمال المصنف للأغراض الشخصية او الخاصة او الاغراض التعليمية( )، والذي يشكل تهديداً خطيراً في مجال البحث العلمي. إذ قد يؤدي ذلك الى الاعتداء على حقوق الباحث أو من آلت اليه حقوق الاستغلال المالي.
وبخصوص الحق بتحوير البحث العلمي او تطويره او اعادة صياغته بلغة غير تلك التي كتب فيها، فإن مثل هذه الاعمال لابد من ان تتم بموافقة او ترخيص الباحث، أو صاحب الحق بذلك، وبخلافه تشكل انتهاكاً لحقوق الباحث( ).


ثانياً- الجزاءات التي تترتب على الاعتداء على حقوق المؤلف:-

توفر أغلب التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف حماية فعالة لمؤلفي المصنفات المبتكرة( )، وتتجلى هذه الحماية بالنص على بعض الاجراءات التحفظية والوقائية، وتقرير عقوبات جزائية، فضلاً عن المطالبة بالتعويض، وهو ماسنتولى بيانه تباعاً:-
أ) الاجراءات التحفظية:-
تتعدد صور الاجراءات التحفظية التي يستطيع المؤلف(الباحث) او المستفيد المتنازل له عن حقوق الاستغلال المالي، اللجوء اليها باعتبارها وسائل وقائية لمنع وقوع الاعتداء على هذه الحقوق او لكونها وسائل تمهيدية للتنفيذ. ومن أهم هذه الوسائل والتي تختلف بحسب مضمون الاعتداء( ): طلب وقف نشر البحث وتداوله، وطلب اجراء التعديل فضلاً عن طلب الحجز، وطلب اتلاف النسخ. وهو ماسنتطرق اليه وعلى النحو الآتي:-
1) طلب وقف نشر البحث وتداوله:-
في الاحوال التي يتمثل فيها الاعتداء على حقوق الباحث او صاحب الحق على البحث، بنشر البحث بصورة غير مشروعة، كعدم الحصول على موافقة او اذن صاحب الحق على البحث، أو تجاوز مضمون الترخيص بالنشر، فان من حق الباحث أو من آلت اليه حقوق الاستغلال المالي تقديم طلب للمحكمة المختصة (محكمة البداءة) عن طريق القضاء المستعجل، بوقف نشر البحث وتداوله كإجراء تحفظي الى حين الفصل في الدعوى. ويتطلب لصحة تقديم هذا الطلب أن يُقدم من صاحب الحق على البحث (الباحث أو من آلت اليه حقوق الاستغلال المالي)، وذلك بتقديم مايثبت صحة الخصومة من المدعي. مع بيان وصف تفصيلي للبحث الذي نشر أو أعيد نشره بوجه غير مشروع( ). فضلاً عن تقديم كفالة لضمان نتيجة الدعوى تتضمن مايلحق المدعى عليه من ضرر اذا تبين أن المدعي غير محق في دعواه. فإذا وجدت المحكمة مبرراً لذلك حكمت بوقف نشر البحث وتداوله، وتنظر المحكمة في هذا الطلب بوصفه من الامور المستعجلة من دون الدخول في اساس الحق او أصل النزاع( ).

2) طلب ادخال التعديل على البحث:-

ينحصر نطاق هذا الطلب في الاحوال التي يتمثل فيها الاعتداء بتحريف او تعديل او تشويه البحث المطروح للتداول (للنشر) من دون وجه حق، أي بأن يتضمن هذا التحريف اساءة الى سمعة المؤلف (الباحث) وانتهاكاً لسلامة كيان البحث بالصورة التي أرادها الباحث( ). فمن المتصور ان يقوم المستفيد او المتنازل له عن حقوق الاستغلال المالي باجراء تعديلات على البحث او ربطه مع بحوث اخرى ومن دون ان تدخل مثل هذه العمليات ضمن الحقوق المتنازل عنها، مما يسمح للباحث بالرجوع على المستفيد أو الناشر بالتعويض. وله في سبيل ذلك وكاجراء تحفظي او وقائي، أن يتقدم بطلب اجراء التعديلات على البحث والتي من شأنها ارجاع هذا البحث الى الحالة التي أجاز فيها الباحث نشره، وهو ماينصب على نسخ البحث التي لم يتم تصريفها، أما تلك التي تم تصريفها فانها تخرج عن نطاق هذا الطلب، وإن كان للباحث الرجوع على حائزيها وذلك بما له من حق أدبي في احترام سلامة كيان بحثه، وان كان من النادر اللجوء الى ذلك لصعوبة الوصول الى هؤلاء الحائزين.
وتجدر الاشارة الى أن طلب اجراء التعديل على البحث على النحو المبين اعلاه يعتبر كذلك من صور التعويض العيني وذلك بإعادة الحال الى ماكان عليه( )، الا ان هذا الاجراء هنا يمثل اجراءاً تحفظياً سابقاً على الفصل في الدعوى، وليس حكماً تنفيذياً.

3) طلب ايقاع الحجز الاحتياطي:-
يعتبر طلب ايقاع الحجز الاحتياطي من اهم الوسائل التي توفر الحماية للباحث او من آلت اليه حقوق الاستغلال المالي، لمنع الاعتداء. مما يتطلب ابتداءاً وجود اعتداء على حقوق الباحث أو صاحب الحق على البحث، كما يشترط ان يتم تقديم طلب الحجز من صاحب الحق وهو الباحث ابتداءاً (وورثته من بعده)، ومن آلت اليه حقوق استغلال البحث، وذلك بعد اجراء وصف تفصيلي للبحث الذي نشر بوجه غير مشروع( ). ويقدم طلب الحجز مشفوعاً بكفالة تتضمن مايلحق المدعى عليه من ضرر اذا تبين ان المدعي غير محق في دعواه( )، ويجوز تقديم طلب الحجز قبل اقامة الدعوى او عند اقامتها او أثناء السير في الدعوى أو بعد صدور الحكم فيها( ). ويكون القرار الصادر قابلاً للتظلم امام نفس المحكمة التي اصدرت امر الحجز( ).
وينصب طلب الحجز على نسخ البحث المنشورة بصورة غير مشروعة وكذلك المواد التي تستعمل في اعادة نشر واستنساخ البحث موضوع الدعوى، أو استخراج نسخ منه بشرط ان تكون المواد المذكورة غير صالحة الا لأعادة نشر البحث( ). ومن الجائز للمحكمة المختصة ان تأمر بحصر الايراد الناتج من عمليات نشر واستنساخ البحث وايقاع الحجز عليه. وفي هذه الحالة يتم ايداع الايرادات المتحصلة في خزينة المحكمة حتى يتم الفصل في اصل النزاع من قبل محكمة الموضوع( ).

4) طلب اتلاف نسخ البحث المستنسخ بوجه غير مشروع:-

في الاحوال التي يتم فيها استخراج نسخ من البحث بوجه غير مشروع أي من دون موافقة او ترخيص الباحث او صاحب الحق على البحث، فإن لهذا الاخير ان يطلب من المحكمة المختصة اتلاف نسخ البحث الذي نشر بوجه غير مشروع والمواد التي استعملت لنشره بشرط الا تكون صالحة لعمل آخر، على انه اذا كان حق الباحث (حق الاستغلال المالي) سينقضي في فترة تقل عن سنتين ابتداءاً من تاريخ صدور الحكم، فإن أمر الاتلاف يستبدل بوضع حجز حتى تنتهي الفترة الباقية. كما يجوز للمتضرر (الباحث أو صاحب الحق بالاستغلال المالي) ان يطلب بدلاً من الاتلاف وفي حدود ماله من تعويض مصادرة نسخ البحث والمواد التي لاتصلح الا لإعادة نشره، وبيعها لحسابه ويجوز له كذلك أن يطلب وضع الحجز على الايراد الناشئ من الايقاع او الالقاء غير المشروع( ).
على أن اللجوء الى هذه الوسيلة لايمنع من المطالبة بالتعويض، ويقرر قانون حماية حق المؤلف العراقي على ثمن بيع الاشياء ومبالغ النقود المحجوزة عليها ديناً ممتازاً، لايتقدم عليه سوى امتياز الرسوم القضائية والمصاريف التي تنفق على تلك الاشياء ولتحصيل ذلك المبلغ( ).

ب) الجزاءات الجنائية:-

اهتمت التشريعات العربية بالحماية الجنائية بحقوق المؤلف وخصصت المواد لتأمين هذه الحماية فقد نصت المادة (476) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 على انه: ((مع عدم الاخلال بأية عقوبة اشد ينص عليها القانون، يعاقب بالغرامة كل من تعدى على حق من حقوق الملكية المعنوية للغير يحميها القانون او اتفاقية دولية انضم اليها العراق ويحكم بمصادرة الاشياء التي انتجت تعدياً على الحق المذكور))( ). وتنص المادة (25) من الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف على ان:- ((الاعتداء على حقوق المؤلف جريمة ينص التشريع الوطني على عقوبتها))( ).
ومن ابرز صور الاعتداء على حقوق المؤلف في التشريعات العربية، تقليد المصنف، وهو طريق من طرق التزوير المادي: الذي هو تغيير الحقيقة بقصد الغش، تغييراً من شأنه احداث الضرر بالمصلحة العامة أو بشخص من الاشخاص( ). وسنقتصر على الاشارة الى الافعال المكونة لهذه الجريمة والعقوبات المقررة على ارتكابها تباعاً كالآتي:-

1) الافعال المكونة لجريمة التقليد:-

حددت التشريعات المتعلقة بحماية حق المؤلف الافعال المكونة لجريمة التقليد وذلك بالنص على انه:- ((يعتبر مكوناً لجريمة التقليد….. كل من ارتكب احد الافعال الآتية:-
1- من اعتدى على حقوق المؤلف المنصوص عليها في المواد الخامسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة من هذا القانون.
2- من باع او عرض للبيع مصنفاً مقلداً أو ادخل الى العراق دون اذن المؤلف او من يقوم مقامه مصنفات منشورة في الخارج وتشملها الحماية التي يفرضها هذا القانون.
3- من قلد في القطر العراقي مصنفات منشورة بالخارج او باع هذه المصنفات او صدرها او تولى شحنها الى الخارج….))( ).
ويتحقق الركن المادي في جريمة التقليد بقيام المعتدي بارتكاب فعل من الافعال المذكورة في النص اعلاه والتي حرمها القانون لتعلقها بحقوق المؤلف الادبية والمالية. أما الركن المعنوي فيراد به توافر القصد الجنائي لدى المعتدي.
ولاشك ان حسن النية لايفترض في جريمة التقليد، بل يقع عبء اثباته على المتهم اذ يفترض فيه سوء النية أو الاهمال الشديد في المقلد لمجرد ارتكابه الفعل المادي للتقليد( ).

2) العقوبات المقررة على جريمة التقليد:-

تفرض التشريعات التي تنص على جزاءات في حالة ارتكاب جرائم انتهاك حقوق المؤلف والتي عبر عنها المشرع العراقي بجريمة التقليد. وتقسم هذه العقوبات الى عقوبات اصلية وأخرى تبعية:-
* العقوبات الاصلية:-
يفرض القانون غرامات مالية على المعتدي لارتكابه جريمة التقليد، وتكون العقوبة الحبس في حالة العود، وقد تحكم المحكمة بالغرامة والحبس معاً او بإحدى هاتين العقوبتين وفقاً لتقدير القاضي، وفي حالة العود تكون العقوبة اشد( ).

** العقوبات التبعية:-

فضلاً عن عقوبة الحبس والغرامة، فإن من الجائز للمحكمة أن تقضي بمصادرة جميع الادوات المخصصة للنشر غير المشروع واتلاف المصنفات المقلدة واغلاق المؤسسة التي ارتكبت فيها الجريمة او وقف ترخيصها( ).

جـ- التعويض:-
يرتب الاعتداء على البحث –محل العقد- اضراراً ادبية ومالية بحقوق الباحث، ومن هنا الزم القانون المخطيء بالتعويض. إذ تنص المادة (44) من قانون حماية حق المؤلف العراقي على انه:- ((لكل مؤلف وقع الاعتداء على حق من حقوقه المبينة بهذا القانون الحق في التعويض المناسب)).
إذ يعد التعويض أثراً لترتب المسؤولية المدنية على المخطيء ، وتختلف طبيعة هذه المسؤولية بحسب نوع العلاقة مع الباحث. إذ تقوم المسؤولية التعاقدية اذا كان الاعتداء صادراً من شخص تربطه بالباحث او بمن آلت اليه حقوق الاستغلال المالي رابطة تعاقدية، ويسأل بموجبها المتعاقد عن الضرر المباشر المتوقع في غير حالتي الغش والخطأ الجسيم. في حين تقوم المسؤولية التقصيرية اذا كان الاعتداء قد وقع من الغير، ويسأل بموجبها الشخص المسؤول عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع.
ويشترط لقيام المسؤولية المدنية وقوع ضرر( )، والذي يتمثل بالضرر الادبي، كالأساءة لسمعة الباحث الادبية ومكانته الفكرية، كما قد يكون الضرر الواقع مالياً، بأن يشكل انتقاصاً من عناصر الذمة المالية للشخص، كتفويت الفرصة على الباحث أو من آلت اليه حقوق استغلال البحث، للانتفاع بالبحث العلمي. وفضلاً عن الضرر يشترط لقيام المسؤولية التعاقدية والمسؤولية التقصيرية وجود خطأ، يتمثل في الحالة الاولى بالاخلال بالالتزامات التعاقدية، وفي الحالة الثانية بالاخلال بالواجبات القانونية وفقاً لمعيار الشخص المعتاد. الا انه في نطاق قانون حماية حق المؤلف، فإن الخطأ يفترض وجوده بمجرد الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف، الادبية والمالية، سواء أكان المعتدي تربطه علاقة عقدية مع الباحث ام لاتوجد مثل هذه الرابطة، اذا ماتعلق الامر بالباحث. في حين يخضع حكم الخطأ للقواعد العامة اذا وقع الضرر على من آلت اليه حقوق الاستغلال المالي( ). ولابد من أن تكون ثمة رابطة سببية تجمع الخطأ بالضرر الواقع.
ويلاحظ أن المحكمة قد تلجأ عند قيام المسؤولية التعاقدية، الى التنفيذ بواسطة الغرامات التهديدية لدفع المدين المعاند الى تنفيذ عين ماالتزم به( )، متى ما كان التنفيذ العيني لايزال ممكناً كالزام المستفيد باضافة فقرات معينة حذفها من البحث، خلال اجل معين والالتزام بدفع مبلغ محدد عن كل فترة معينة تمر من دون تنفيذ. وقد يطلب الباحث فسخ العقد مع التعويض اذا تمثل الاعتداء بالامتناع عن القيام بما أوجبه العقد.
ويحكم بالتعويض وفقاً لما تم الاتفاق عليه فإن لم يكن التعويض مقدراً في العقد او بنص القانون فالمحكمة هي التي تتولى تقديره ولها ان تستعين في سبيل ذلك بالخبراء( ). ويشمل التعويض ما لحق الدائن (الباحث) من خسارة وما فاته من كسب بسبب ضياع الحق عليه او بسبب التأخر في استيفائه، بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية لعدم وفاء المدين (المستفيد) بالالتزام او لتأخره عن الوفاء به. وفي حالة غش المستفيد أو ارتكابه خطأً جسيماً فإن التعويض يشمل أيضاً مالم يكن متوقعاً عادة وقت التعاقد من خسارة أو كسب فائت( ).
ولايختلف كثيراً تقدير التعويض في نطاق المسؤولية التعاقدية عنه في المسؤولية التقصيرية. إذ يقدر بما لحق المتضرر من ضرر وما فاته من كسب بشرط ان يكون هذا نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع، ولكن في حالة المسؤولية التقصيرية يحكم بالتعويض عن الضرر غير المتوقع طالما كان نتيجة للعمل غير المشروع، ويدخل في تقدير التعويض الحرمان من منافع الاعيان( ).
وعادة مايقدر التعويض بالنقد، الا انه من الجائز للمحكمة وبناءً على طلب المتضرر ان تأمر باعادة الحالة الى ماكانت عليه، أو أن تحكم بأداء أمرٍ معين، كنشر الحكم في جريدة او مجلة او اكثر على نفقة المسؤول( ).
ويرمي التعويض عن الضرر المالي الى ازالة الضرر الحاصل بما يقابل الخسارة او الكسب الفائت، أما التعويض عن الضرر الادبي فيهدف الى التخفيف عن المتضرر بما لحقه من إساءة لسمعته او حريته او شرفه او مكانته الاجتماعية، وليس بديلاً عما أصابه من ضرر. كما إن هذا النوع من الضرر يصعب احياناً تقدير مداه واثره على المتضرر مما يجعل من الصعوبة ايضاً تحديد التعويض المناسب بصورة دقيقة( ).
وثمة اعتبارات عديدة تؤخذ بنظر الاعتبار عند تقدير التعويض للباحث المتضرر جراء الاعتداء على حقوقه( )، وتتجلى بمكانة الباحث العلمية وقيمة البحث العلمية، ومدى تأثير الاعتداء على ذلك. كما يراعى عند تقدير التعويض مدى استفادة المعتدي من استغلال البحث او استخدامه او تحويره او تطويره. فضلاً عما لحق الباحث (أو من آلت اليه حقوق الاستغلال المالي) من خسارة أو فاته من كسب. ويعتبر التعويض المحكوم به للباحث (دون غيره ممن تؤول اليهم حقوق الاستغلال المالي) ديناً ممتازاً على صافي ثمن بيع الاشياء التي استخدمت في الاعتداء على حقه وعلى المبالغ المحجوزة في الدعوى، الى جانب المقابل المالي المتحصل من تصريف نسخ البحث المحجوزة( ).

المبحث الثاني

مسؤولية الباحث عن الاضرار الناجمة
عن تطبيق عقد البحث العلمي

تثار المسؤولية عند الاخلال بواجب او التزام يفرضه القانون أو العقد( ). ومادمنا ازاء عقد بين الباحث والمستفيد لذا فإن المسؤولية التي سنبحثها هنا تتمثل في صورة الاخلال الصادر من الباحث بمناسبة تنفيذه لعقد البحث العلمي الذي أبرمه مع المستفيد اخذين بنظر الاعتبار الاقتصار على بيان مسؤولية الباحث فحسب من دون بحث مسألة مسؤولية المستفيد التي لاتخرج عما تقرره القواعد العامة وبالتالي فلا داعي برأينا لسرد تلك القواعد ونكتفي بهذا الصدد بالاحالة الى ماتقرره تلك القواعد( ).
وفي ضوء غياب أي تنظيم خاص لهذا العقد، فلم يكن امامنا الا اللجوء الى الحل التقليدي الذي يتبع بصدد أي عقد آخر. اذ تطبق المبادئ العامة للمسؤولية التعاقدية، مادمنا ازاء عقد بين طرفين( ). حيث أن الباحث يساءل عن اخلاله الارادي عن عدم تنفيذ الالتزامات الناشئة عن عقد البحث العلمي او تنفيذها تنفيذاً معيباً او تأخر في هذا التنفيذ.
هذا بالاضافة الى امكانية الرجوع على الباحث بناءً على قواعد المسؤولية التقصيرية في بعض الفرضيات الخاصة. وأخيراً هل يمكن القول بتطبيق الاوصاف المتعلقة بالمسؤولية من حيث الاتفاق على تعديلها سواء بالتشديد على مسؤولية الباحث او التخفيف منها، وماهي حدود ارادة طرفي العقد من تغيير احكام المسؤولية التعاقدية ؟ وهذا مانتناوله في ثلاثة مطالب وعلى الوجه الآتي:-

المطلب الاول : مسؤولية الباحث التعاقدية.
المطلب الثاني : مسؤولية الباحث التقصيرية.
المطلب الثالث: تعديل المسؤولية.


المطلب الاول
مسؤولية الباحث التعاقدية

تعرف المسؤولية بانها عبارة عن جزاء الاخلال بتنفيذ التزام تعاقدي. وعليه حتى تنهض هذه المسؤولية بين الطرفين لابد من توافر شرطين: اولهما، وجود عقد صحيح بينهما. وثانيهما، أن ينصب الاخلال على التزام ناشئ عن هذا العقد نفسه( ).
ولايصعب علينا القول ونحن نبحث مسؤولية الباحث التعاقدية، إننا أمام عقد صحيح إلاّ وهو عقد البحث العلمي الذي بينا عناصره وخصائصه وطبيعته القانونية في الفصلين الاول والثاني من هذه الاطروحة. بيد ان صور اخلال الباحث بالتزاماته الناشئة عن هذا العقد قد تتنوع:- فتارةً، قد يمتنع الباحث عن تنفيذ التزاماته اتجاه المستفيد ولايتمكن هذا الاخير من اجباره على تنفيذها. وتارةً أخرى، قد يصبح تنفيذ هذه الالتزامات مستحيلاً بخطأ الباحث وعندئذ تتحقق المسؤولية التعاقدية ويحق للمستفيد أن يطالبه بالتعويض، وكذلك الحكم اذا تأخر الباحث في تنفيذ التزامه( ). ويشترط أن يكون الاخلال المؤدي الى عدم التنفيذ ناشئاً عن اتجاه ارادة الباحث نحو عدم التنفيذ او صدور خطأ منه ادى الى استحالة التنفيذ. أما اذا استحال على الباحث تنفيذ التزامه بدون خطأ منه فإنه لايلزم بالتعويض، اذ ان الاسباب غير الارادية التي تؤدي الى عدم تنفيذ العقد أو الاخلال به كالقوة القاهرة ووفاة الباحث لاتنشئ أية مسؤولية في ذمة الباحث وانما تؤدي الى انتهاء العقد( ).
ولابد لبيان مسؤولية الباحث التعاقدية من التطرق الى اركان هذه المسؤولية لمعرفة مدى تميز عقد البحث العلمي من خلال وضع هذه الاركان موضع التطبيق في نطاق هذا العقد. كذلك فإن أثر ثبوت هذه المسؤولية له أهمية بالغة وخصوصاً فيما يتعلق بالخيارات الممنوحة للمستفيد بعد ثبوت المسؤولية في ذمة الباحث وحجم التعويض الذي يستحقه المستفيد عن الاخلال الذي تسبب به الباحث. وعليه فسوف نتناول في هذا المطلب اركان المسؤولية التعاقدية للباحث وأثر المسؤولية التعاقدية للباحث، وذلك في فرعين وعلى النحو الآتي:-

الفرع الاول
اركان مسؤولية الباحث التعاقدية

اركان المسؤولية العقدية – في عقد البحث العلمي وفقاً للقواعد العامة- ثلاثة، ضرر يصيب المستفيد من جراء الاخلال في تنفيذ العقد، وخطأ صادر من الباحث، وعلاقة السببية بين ذلك الضرر وهذا الخطأ. وسنتناول ذلك بالشكل الآتي:-

اولاً- ضرر يلحق بالمستفيد:-

كل اخلال بتنفيذ التزام تعاقدي يصيب الطرف الآخر حتماً بالضرر لأن الانسان لايدخل في أي رابطة تعاقدية عبثاً وبدون فائدة فتفويت الغاية او الغرض من التعاقد بحد ذاته ضرر لاسبيل الى الشك فيه. ويعد الضرر احد اهم اركان المسؤولية المدنية عموماً، ومعه تدور تلك المسؤولية وجوداً وعدماً وشدةً وضعفاً، فمتى ماانعدم الضرر انعدمت المسؤولية( ).
ولنشوء مسؤولية الباحث التعاقدية لابد من وجود ضرر يصيب المستفيد إذ لايكفي اثبات صدور خطأ من المدين (الباحث) لثبوت مسؤوليته وانما ينبغي أن يتحقق من جراء هذا الخطأ ضرر يلحق بالدائن (المستفيد)( ). وركن الضرر في عقد البحث العلمي ماهو الا تطبيق لما هو مقرر في القواعد العامة في المسؤولية العقدية، لذا فإننا سنكتفي بالاشارة بإيجاز شديد الى تلك القواعد دون الخوض في تفاصيلها لخروجها عن موضوع البحث.
فيشترط ابتداءاً أن يكون الضرر مادياً، وهو الضرر الذي يصيب الدائن (المستفيد) في ماله او جسمه او في عنصر من عناصر ذمته المالية( ). أما الضرر الادبي فلا يعوض عنه في اطار المسؤولية العقدية في القانون العراقي( ). ويشترط أن يكون الضرر المادي مباشراً، وهو الضرر الذي يكون سببه المباشر يتمثل في الخطأ الصادر من المدين (الباحث)، أما الضرر غير المباشر فلا يسأل المدين (الباحث) عنه لا في المسؤولية العقدية ولا في المسؤولية التقصيرية( ).
ويشترط كذلك أن يكون الضرر المادي المباشر متوقعاً، والضرر المتوقع هو ماكان نتيجة طبيعية لعدم قيام المدين (الباحث) بتنفيذ التزامه( ). أما الضرر غير المتوقع فلا يسأل عنه إلا إذا كان هناك خطأ جسيم او غش من جانب المدين (الباحث)( ).
وأخيراً ينبغي أن يكون هذا الضرر محققاً بأن يكون حالاً بمجرد عدم قيام المدين (الباحث) بتنفيذ التزامه، او أن يكون مؤكد الوقوع في المستقبل( ).


ثانياً- خطأ صادر من الباحث:-

الخطأ هو سلوك المتعاقد على نحو يتنافى مع ماالتزم به( )، والذي من شأنه الحاق ضرر بالاخرين عند حصوله( ).
ويعتبر الباحث مخطئاً اذا لم يقم بتنفيذ التزامه، سواء كان عدم تنفيذه لالتزامه ناشئاً عن عمد او اهمال او تقصير.
أما عن تحديد الوقت الذي يعتبر به الباحث غير قائم بتنفيذ التزامه فهذا الامر يتحدد تبعاً لطبيعة التزام الباحث، فإن كان التزامه ببذل عناية فيعتبر الباحث قد اخل بتنفيذ التزامه اذا لم يبذل في تنفيذه العناية اللازمة. وأما اذا كان التزامه بتحقيق نتيجة فيعد الباحث مخلاً بتنفيذ التزامه اذا لم يحقق النتيجة التي تعهد بتحقيقها( ).
كما ان خطأ الباحث لايقتصر على عدم قيامه بتنفيذ التزامه في عقد البحث العلمي فحسب، وانما يمتد ليشمل خطأه في اعداد البحث العلمي، وكذلك يتمثل الخطأ باستخدام سيء لمعلومات صحيحة( ). فإن الذي يقع عليه عبء تحمل المسؤولية، حينما ينشأ ضرر بسبب ذلك الاعداد او الاستعمال، هو الباحث لتقصيره في المحافظة على حسن ضمان اعداد البحث العلمي او الاستعمال المأمون للمعلومات داخل اطار البحث العلمي.
من جانب آخر، فإن خطأ الباحث يقوم على معيار الحيطة الواجبة ويتميز هذا المعيار بالمرونة الكبيرة، اذ إن الحيطة والحذر يختلفان باختلاف دقة تخصص الباحث ومقدار كفاءته العلمية وحجم الاجور التي استوفاها لقاء البحث العلمي، كما ان لظروف عقد البحث العلمي عموماً الاثر في تحديد حجم الحيطة والحذر المطلوبين( ).
ويقرر الفقه الحديث بان معيار الحيطة والحذر الواجب اتباعه من قبل الباحث لايقاس بمعيار الرجل المعتاد، وانما ينبغي النظر الى هذه الحيطة من خلال معيار المهني المعتاد. وهذا الامر مرده الى الخصوصية التي تتمتع بها المهن الحرة عموماً وعقد البحث العلمي خصوصاً، نظراً لاعتماد هذا الاخير على التخصص المتميز لأحد اطرافه وللثقة الكبيرة التي يبنى عليها هذا العقد من قبل المستفيد اتجاه الباحث( ).
كذلك فإن معيار المهني المعتاد ليس بثابت في كل الاحوال وانما تؤثر فيه ظروف الباحث نفسه، فهذا المعيار يشتد في الصورة التي يكون فيها الباحث صاحب تخصص فريد او ذا درجة علمية رفيعة، بينما تخف حدة هذا المعيار في الحالة التي يكون فيها الباحث مالكاً لتخصص بسيط أو حاملاً لمؤهل علمي واطئ( ).
عليه فإن الباحث يسأل بمقتضى قواعد المسؤولية التعاقدية إذا ثبت صدور خطأ عقدي منه لحق من جراءه ضرر بالمستفيد. والخطأ العقدي له تقسيمات عدة كالخطأ الجسيم والخطأ اليسير، والخطأ العادي والخطأ المهني( ). فهل لهذه التقسيمات دور في نطاق الخطأ العقدي في اطار عقد البحث العلمي ؟
ونجيب عن هذا التساؤل بالنفي، حيث لم يلق الرأي الذي يذهب الى اشتراط درجة معينة من الجسامة في الخطأ قبولاً لا من الفقه ولا من القضاء( ).
ويترتب على هذا الرأي الراجح انه اذا ثبت ان الباحث سلك في عمله الفني سلوكاً لايسلكه الباحث اليقظ المتبصر فقد حقت عليه المسؤولية وألزم بالتعويض( ).
كما ان تقسيم الخطأ الى عادي وآخر مهني امر رفضه الفقه الحديث بشدة مؤسساً بذلك المسؤولية العقدية على اساس وجود خطأ يسبب ضرراً للغير، طبقاً لمعيار الحيطة والحذر سواء كان الخطأ مهنياً او عادياً( ).
واذا كانت القاعدة العامة في المسؤولية التعاقدية تقضي بتحمل الباحث المسؤولية الكاملة عن خطئه العقدي متى ماكان هذا الخطأ هو السبب الوحيد لحدوث الضرر، فإن ثمة حالات يشترك فيها غير الباحث في إحداث هذا الضرر، وهذا الغير أما أن يكون المستفيد باعتباره الطرف الثاني في العقد أو أن يكون هذا الغير شخصاً ثالثاً تدخل بمناسبة تنفيذ العقد. وعلى العموم فإن القواعد القانونية تقضي بوجوب تخفيف مسؤولية الباحث في حالة ما إذا كان خطؤه ليس الخطأ الوحيد في نشوء الضرر الذي لحق بالمستفيد وانما كان هناك خطأ صادر من جانب المستفيد من خلال اخلاله بالالتزامات الناشئة بذمته مما أدى الى عدم تمكن الباحث من اعداد بحث علمي مناسب( ). بل أن خطأ المستفيد قد يصل الى درجة يصبح فيها السبب المباشر للضرر فيعد عندئذ سبباً اجنبياً موجباً لاعفاء الباحث من المسؤولية( ). ومن ناحية أخرى فإن خطأ الغير قد يشترك مع خطأ الباحث، وهذا يعد ايضاً سبباً لتخفيف المسؤولية عن كاهل الباحث بحيث يتحمل كل من الباحث والغير المسؤولية عن الاضرار كل بقدر نسبة خطئه في حدوث الضرر.
وتنتفي مسؤولية الباحث إذا تبين أن خطأ الغير هو السبب المباشر للضرر الذي لحق بالمستفيد( ). واخيراً فقد يسأل الباحث مسؤولية تعاقدية لا عن خطئه هو وانما عن خطأ ارتكبه احد اتباعه كما لو استخدم من يساعده في اعداد البحث –موضوع العقد-، وهذا الامر يعد تطبيقاً للقواعد العامة للعقود المقررة في القانون( ).

ثالثاً- علاقة السببية:-
تقرر القواعد العامة أن وجود خطأ من جانب المدين وضرر يصيب الدائن لايكفي لنشوء المسؤولية التعاقدية، بل ينبغي ان يكون الضرر ناشئاً عن خطأ المدين( ).
فينبغي أن يكون خطأ الباحث هو السبب المنتج في احداث الضرر الذي اصاب المستفيد. فلا تقرر مسؤولية الباحث الا بتوفر علاقة السببية بين الخطأ والضرر. فإذا انقطعت هذه العلاقة انتفت معها مسؤولية الباحث. وعلاقة السببية تنقطع اذا تدخل سبب اجنبي بين الاخلال بالتنفيذ والضرر الذي اصاب المستفيد. والسبب الاجنبي اما ان يكون قوة قاهرة او حادثاً فجائياً او فعل شخص ثالث او فعل المتضرر( ).
ويلاحظ أن السبب الاجنبي لاينفي علاقة السببية بين عدم التنفيذ والضرر وانما يعمل على نفي صفة الخطأ عن عدم التنفيذ من قبل الباحث( ).
واخيراً يقع عبء اثبات انتفاء علاقة السببية من خلال وجود السبب الاجنبي على عاتق الباحث، وذلك لأن علاقة السببية بين الضرر والخطأ مفروضة فرضاً قانونياً بسيطاً قابلاً لاثبات العكس( )، كما إن الباحث يدعي خلاف الاصل( ).
تلك هي اركان مسؤولية الباحث التعاقدية والتي لاتخرج في كثير من احكامها، عما تقرره القواعد العامة في العقود. فاذا وجدت هذه الاركان ثبتت معها عدة آثار. وهذا ماسنتناوله في الفرع الثاني من هذا المطلب.


الفرع الثاني
آثار المسؤولية التعاقدية للباحث

إذا ثبتت مسؤولية الباحث نتيجة لعدم تنفيذه لالتزاماته، ترتب عليها منح الحق للمستفيد في طلب فسخ عقد البحث العلمي، وله بعد ذلك أن يطالب بالتعويض عن الاخلال بتنفيذ هذا العقد. وسنتناول هذين الاثرين تباعاً:

أولاً- فسخ عقد البحث العلمي:-

إن عقد البحث العلمي، كما بينا سابقاً، ينشئ التزامات متقابلة على عاتق كل من الباحث والمستفيد، وهو ينشئ في الوقت ذاته ارتباطاً في تنفيذ هذه الالتزامات المتقابلة، وإن ثبوت مسؤولية الباحث عن عدم تنفيذ التزاماته يؤدي الى تحريك هذا الارتباط من خلال منح المستفيد الحق في عدم تنفيذ التزاماته، ولايقتصر الأمر عند هذا الحد بل يمتد ليشمل إمكانية قيام المستفيد –في حالة عدم رغبته طلب التنفيذ العيني أو تعذر هذا التنفيذ- بأن يطالب بفسخ عقد البحث العلمي. وهذه الاحكام ماهي الا تطبيق لما هو مقرر في القواعد العامة في العقود( ).
ولأمكان طلب الفسخ في عقد البحث العلمي فانه يشترط توفر عين الشروط التي ينبغي توفرها في القواعد العامة للعقود وتتمثل في وجوب وجود عقد ملزم للجانبين وان يكون هناك عدم تنفيذ للعقد من قبل الباحث، وأخيراً استعداد المستفيد لتنفيذ التزاماته الناشئة عن عقد البحث العلمي وقدرته على اعادة الحال الى ماكانت عليه قبل العقد( ).

ثانياً- التعويض:-

المسؤولية العقدية هي الجزاء الذي يرتبه القانون على اخلال المتعاقد بتنفيذ التزامه العقدي، وتنشئ المسؤولية العقدية الالتزام بالتعويض بذمة المدين( ). ويعد التعويض احد اهم الاثار المترتبة على ثبوت مسؤولية الباحث التعاقدية. والاصل أن يتم تقدير هذا التعويض من قبل المحكمة بحسب ماتراه مناسباً. ويجوز للمتعاقدين ابتداءاً تحديد مقدار التعويض من خلال شرط اتفاقي يدرجه المتعاقدان عند ابرام عقد البحث العلمي او في اتفاق لاحق. ويخضع التعويض الاتفاقي عموماً الى الاحكام المقررة بشأنه في القواعد العامة( ).
أما اذا خلا العقد من الاتفاق على مقدار التعويض فيصار عندئذ الى تقديره من قبل المحكمة المختصة( ).
ولايستحق التعويض عموماً الا بعد اعذار الباحث( )، ويكون اعذار الباحث بإنذاره ويجوز أن يتم الاعذار بأي طلب كتابي آخر كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق ضمني مؤداه اعتبار الباحث معذراً بمجرد حلول اجل تنفيذ العقد من دون حاجة الى انذار( )، واذا كان استحقاق المستفيد للتعويض مسلماً به فما مدى هذا التعويض؟
بالرجوع الى القواعد العامة نجد أن القانون المدني العراقي حدد العناصر التي ينبغي على المحكمة ان تأخذها بعين الاعتبار عند تقدير التعويض بنصه في الفقرة الثانية من المادة (169) على انه: (ويكون التعويض عن كل التزام ينشأ عن العقد سواء كان التزاماً بنقل ملكية او منفعة او أي حق عيني آخر او التزاماً بعمل أو بامتناع عن عمل ويشمل ما لحق الدائن من خسارة ومافاته من كسب بسبب ضياع الحق عليه او بسبب التأخر في استيفائه بشرط ان يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم وفاء المدين بالالتزام او لتأخره عن الوفاء به). ويتبين من هذا النص أن المحكمة في تقديرها للتعويض ينبغي أن تتقيد بأمرين مهمين هما مقدار الضرر الذي أصاب المتضرر ومقدار الكسب الذي فاته بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم وفاء المدين بالالتزام او لتأخره في تنفيذه.
وبناءً على ذلك فإن الباحث يعد مسؤولاً عن تعويض المستفيد عن كل ضرر مادي مباشر متوقع محقق لحق به من جراء خطأ الباحث في تنفيذه لالتزاماته في عقد البحث العلمي.

المطلب الثاني
مسؤولية الباحث التقصيرية

يخضع الباحث للقواعد العامة في المسؤولية المدنية، إذ تنهض مسؤوليته العقدية نحو المستفيد عن الاخلال بالتزام ناشئ عن عقد البحث العلمي- وهذا ماسبق بيانه-، ومسؤوليته التقصيرية قبل المستفيد والاخرين عن فعل صادر منه.
إذ توجب المسؤولية التقصيرية الزام من احدث ضرراً غير مشروع بالغير بتعويض هذا الضرر( ). وهذا مانصت عليه المادة (204) من القانون المدني العراقي بقولها (كلُ تعدٍ يصيب الغير بأي ضرر اخر غير ماذكر في المواد السابقة يستوجب التعويض)( ).
ولتحقق مسؤولية الباحث التقصيرية ينبغي توفر أركان المسؤولية الثلاثة. فلابد أن يكون هناك خطأ صادر من جانب الباحث، وضرر يلحق بالمستفيد تارة وبالغير تارة أخرى، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر. وتلك الاركان تخضع في احكامها الى القواعد العامة المقررة في المسؤولية التقصيرية( ).
وينبغي ملاحظة أن هذه المسؤولية تنشأ في كل حالة يلحق فيها الباحث ضرراً، بمناسبة البحث العلمي المقدم من قبله، وهذا الضرر أما أن يوجه الى المستفيد الذي تعاقد معه، أو الى الغير. وبناءً على ماتقدم فإن مسؤولية الباحث التقصيرية تنشأ في فرضيتين:-
الفرضية الاولى: يسأل الباحث بمقتضى قواعد المسؤولية التقصيرية قبل المستفيد اذا ارتكب الباحث غشاً أو خطأ جسيماً في تنفيذه لالتزامه التعاقدي، اذ ان للمستفيد أن يرجع عليه، بعد ثبوت صدور الغش او الخطأ الجسيم منه، بالتعويض عن الاضرار المباشرة المتوقعة وغير المتوقعة وقت التعاقد. وهذا مايمكن استنتاجه من نص الفقرة الثالثة من المادة (169) من قانوننا المدني والتي نصها (فاذا كان المدين لم يرتكب غشاً أو خطأ جسيماً فلا يجاوز في التعويض مايكون متوقعاً عادة وقت التعاقد من خسارة تحل او كسب يفوت). ويقرر الفقه بشأن هذه المادة أن صدور الغش أو الخطأ الجسيم من جانب المتعاقد يؤدي الى الحاق مسؤوليته بالمسؤولية التقصيرية. اذ إن التعويض عن الضرر المباشر غير المتوقع لايكون الا وفقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية( ).
ويثار التساؤل بهذا الصدد حول امكانية اعطاء الحق للمستفيد بأن تكون له الخيرة بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية؟
للاجابة على هذا السؤال فإننا سوف لن نتناول مناقشة الاراء التي قيلت بشأن جواز الخيرة بين المسؤوليتين من عدمه، اذ حظى هذا الموضوع باهتمام الفقه في اطار القواعد العامة من جهة( )، ومن جهة اخرى لخروج هذه المناقشة عن اساس موضوعنا المتمثل ببحث مسؤولية الباحث التقصيرية.
ونرى ان لامانع يمنع من اعطاء المستفيد الحق في الخيرة بين المسؤوليتين وذلك لأن المستفيد اذا كان يرغب في توسيع حجم التعويض الذي يستحقه من الباحث فله أن يرجع عليه بمقتضى قواعد المسؤولية التقصيرية، أما اذا شاء الاقتصار على التعويض عن الاضرار المباشرة المتوقعة فقط فله ان يسأل الباحث بمقتضى قواعد المسؤولية العقدية لانه لايمكن الرجوع الى قواعد المسؤولية العقدية لاستيفاء التعويض عن الضرر غير المتوقع، هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية فإن الفقه القانوني استقر على أن عدم التنفيذ اذا كان ناشئاً عن جريمة جنائية فيحق للمتضرر أن يرجع على المتعاقد معه بما يشاء من المسؤوليتين العقدية والتقصيرية( ). وبدورنا نتفق مع الراي الاخير، لذا فلا مانع برأينا من نقل الحكم المقرر بشأن مرتكب الجريمة الى مرتكب الغش او الخطأ الجسيم. وبالتالي يكون المتضرر مخيراً بين الرجوع على مرتكب الغش أو الخطأ الجسيم أما بمقتضى قواعد المسؤولية العقدية او بمقتضى قواعد المسؤولية التقصيرية.

الفرضية الثانية: وتتمثل هذه الفرضية في الصورة التي يسأل فيها الباحث عن الضرر الذي لحق بالغير من جراء البحث العلمي الذي قدمه للمستفيد( ). فالامر هنا يتمثل في اصابة غير المستفيد بضرر نتيجة للبحث العلمي الذي قدمه الباحث الى هذا المستفيد. فمثلاً الضرر الذي يصيب مريضاً ما لتناوله دواء معين او اتبع طريقة علاج ما، بعد اعتماده على معلومات خاطئة غير مطابقة للواقع قدمها الباحث ضمن بحث علمي مقدم للمستفيد (مصح او مشفى معين)، فخطأ الباحث هنا لم يصب المستفيد فحسب بل اصاب المريض ايضاً.
وقد استقر الفقه القانوني الحديث على أن الخطأ الذي يرتكبه الباحث في نطاق العقد الذي أبرمه مع المستفيد، وان كان يعد خطأً عقدياً موجباً للمسؤولية التعاقدية، الا أنه من الممكن ان يعتبر خطأً تقصيرياً متى ما الحق ضرراً بالغير، وسيكون الخطأ العقدي عندئذ إخلالاً بواجب الحرص والعناية المفروض على الكافة( ). والغير وفقاً لهذه الفرضية يقصد به كل شخص غير متعاقد مع الباحث لحقه ضرر من جراء المعلومات الخاطئة التي قدمها الباحث ضمن البحث العلمي. أي انه شخص اجنبي تماماً عن عقد البحث العلمي.

المطلب الثالث
تعديل المسؤولية

لاتعتبر القواعد العامة في المسؤولية المدنية عموماً من النظام العام، لذا جاز لطرفي هذه المسؤولية أن يتفقا على تعديل احكامها، وتسمى هذه الاتفاقات بـ(اتفاقات المسؤولية)( ). وهي اتفاقات يقصد بها تعديل احكام المسؤولية الناشئة عن الاخلال بالعقد، أو المتولدة عن اتيان فعل غير مشروع( ). أما برفع المسؤولية عن المدين فيمتنع ترتب آثارها في ذمته، على الرغم من توافر جميع عناصرها، ولايلتزم، من ثم، هذا الاخير بدفع تعويض الى الدائن. وأما بتخفيف المسؤولية مع بقائها على عاتق المدين، فيتضاءل أثرها قبله ولايلتزم، بالتالي، الا بدفع تعويض جزئي، او تنقص المدة التي يجوز فيها للدائن رفع دعوى المسؤولية عليه، واما بتقدير المسؤولية، بحيث يقدر أثرها، جزافاً، بمبلغ معين فيترتب على تقديره تشديد المسؤولية اذا أصاب الدائن ضرر أقل منه او تخفيفها اذا أصابه ضرر اكبر منه( )، ويطلق الفقه على هذا النوع الاخير، اصطلاح "الشرط الجزائي"( ).
وترد هذه الاتفاقات في نطاق المسؤولية التعاقدية او في نطاق المسؤولية التقصيرية( ). إذ يجيز القانون المدني العراقي مثل هذه الاتفاقات في اطار المسؤولية العقدية( )، فيدرج في العقد شروط تتعلق بآثار اخلال احد العاقدين فيه بالتزاماته الناشئة عنه، بحيث تعفيه من التعويض عن الضرر الذي نشأ عن هذا الاخلال، او تخففه( )، او تقدره( )، أو تشدد من المسؤولية( ).
على أن ورودها على المسؤولية التقصيرية قليل الحصول من الناحية العملية. لذلك نجد أن المشرع العراقي أجاز وجود مثل هذه الاتفاقات في اطار المسؤولية التقصيرية متى ماكانت مشددة للمسؤولية( )، اما تخفيف هذه المسؤولية او الاعفاء منها فقد قضى صراحة ببطلان مثل هذه الاتفاقات( ).
فاتفاقات المسؤولية على هذا النحو: هي تلك التي يقصد بها تنظيم آثار المسؤولية على غير الوجه الذي نظمت عليه في القانون وتفترض من ثم توفر جميع عناصرها( ).
واتفافات المسؤولية في اطار عقد البحث العلمي أما أن تكون بشرط من الباحث لإعفائه من المسؤولية التعاقدية او لتخفيفها، أو أن تكون بشرط من المستفيد لتشديدها على الباحث. وهذا ماسنتولى بيانه على النحو الآتي:-

الفرع الاول
اعفاء الباحث من المسؤولية

إن الطبيعة المتميزة لعقد البحث العلمي، والتي تنتج من اعتماده على اداءات ذهنية متميزة بالاستناد الى كفاءة الباحث العلمية، تتعارض مع جواز اشتراط اعفاء الباحث من المسؤولية في اطار هذا العقد، إذ لايصح منطقاً اعطاء الحق للباحث بالتملص من تنفيذ عقد تعهد بقدرته على تنفيذه، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن هذا الاعفاء يعد مخالفاً لطبيعة الاشياء، لأن فكرة الالتزام المدني تقوم على امكان تنفيذه "جبراً على المدين"( ). بحيث اذا استحال عليه الوفاء عيناً بما التزم به لغير سبب اجنبي –لايد له فيه- حكم عليه لعدم الوفاء بتعويض( )، يعد في فقه القانون الخاص، تنفيذ بمقابل( ). في حين ان هذا الاتفاق على اعفاء الباحث من المسؤولية يسقط حق المستفيد في التعويض عن الاخلال بالالتزام. ومن جانب اجتماعي، فإن اعفاء الباحث من المسؤولية يرتب نتائج ضارة ليس بالدائن وحده –المستفيد-، بل بمصالح المجموع، لأنه يشجع على التراخي في تنفيذ الالتزامات وعدم الاكتراث بحقوق الغير، على نحو يؤدي الى الحاق الخسارة بالاموال بل والمساس بسلامة الاشخاص، ويزعزع الثقة في الروابط القانونية، إذ يكون المدين اقل حرصاً على الوفاء بالتزاماته اتجاه الدائن والفرد أقل رعاية لحقوق الغير متى استشعر عدم المسؤولية عن الاخلال بتلك الالتزامات او الاعتداء على هذه الحقوق( ).
بيد انه لايمكن ان نتجاوز ماتقرره القواعد العامة في العقود من جواز الاخذ بشرط الاعفاء من المسؤولية( ). كما إن هذا الشرط لايعني اعطاء الحق للباحث بالامتناع عن تنفيذ العقد والمتمثل بتقديم البحث العلمي –موضوع العقد- الى المستفيد، لأن هذا معناه هدر قيمة العقد من اساسها ومن ثم فمثل هذا الشرط لايعتد به. أما إذا كان شرط الاعفاء ينصب على عدم ضمان فاعلية البحث العلمي بعد تقديمه الى المستفيد فإن هذا الشرط يعتد به، لأنه لايؤدي الى هدر قيمة العقد وانما يعبر عن عدم رغبة الباحث في تأكيد قدرة البحث العلمي –موضوع العقد- الذي قدمه الى المستفيد على حل المشاكل التي تعترض المستفيد.
كما يلاحظ أن اتفاق اعفاء الباحث من المسؤولية لايخلو من فائدة، في الوقت الحاضر الذي اتسع فيه نطاق المسؤولية على وجه يهدد نشاط الافراد ويعرقل روح الاقدام عندهم، فيمكنهم بهذا الاتفاق تمهيد الطريق أمام المشروعات والبحوث الجريئة التي تعود بالنفع على الجماعة. ولاشك أن الافراد أدرى بحقيقة مصالحهم وأقدر على تنظيم علاقاتهم وفي ذلك اعمال لمبدأ سلطان الارادة في جانب الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية، حيث قد يرى الدائن –المستفيد- أن مصلحته في قبول شرط اعفاء المدين –الباحث- من المسؤولية، إذا كان ماحصل عليه في مقابل الرضا به يفوق في نظره الضرر الذي يحتمل أن ينجم عنه( ).
واذا كان المقرر فقهاً( )، وقانوناً( )، هو جواز شرط الاعفاء من المسؤولية في اطار عقد البحث العلمي الا ان لهذا المبدأ حالات لايجوز اعماله فيها. فمن ناحية أولى، فإنه لايجوز استناداً الى القواعد العامة( )، أن يشترط الباحث اعفاءه من المسؤولية الناشئة عن غشه أو خطئه الجسيم. وهذا القول ماهو الا تأكيد على أن شرط الاعفاء لايرد على المسؤولية التقصيرية لأن صدور خطأ جسيم او غش من الباحث يؤدي الى إلحاق مسؤوليته بالمسؤولية التقصيرية( ). ومع ذلك يجوز للباحث أن يشترط إعفاءه من الغش او الخطأ الجسيم الذي يصدر من اشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه( ).
ومن ناحية ثانية، فإن هذا الشرط لاينتفع به الا من كان العقد سارياً بحقهم كالباحث او احد اتباعه. وبالتالي لايستطيع الباحث أو أحد اتباعه التمسك بهذا الشرط في مواجهة الغير الذي لحقه ضرر من المعلومات التي قدمها للمستفيد في اطار البحث العلمي –موضوع العقد-، إذ يكون للغير الذي يلحقه ضرر من خطأ الباحث او احد اتباعه في تنفيذه للعقد دعوى مسؤولية تقصيرية من دون ان يكون للمخطئ الاحتجاج بهذا الشرط( ).
واذا كانت الحالات سالفة الذكر لاينتج شرط الاعفاء أثره بالنسبة للباحث، الا أن هذا الشرط قد يتخذ مساراً آخر يهدف الباحث من ادراجه في عقده لا لاعفائه كلية من المسؤولية وانما للتخفيف منها. وهذا ماسنحاول بيانه في الفرع الآتي:-

الفرع الثاني
تخفيف مسؤولية الباحث

يمكن ان يعمد الباحث الى ادراج شرط او اكثر يرمي منه الى التخفيف من مسؤوليته من دون أن يصل الامر الى اعفائه منها. واذا كان الاتجاه الراجح يؤيد مشروعية شرط الاعفاء من المسؤولية( )، لذا فمن باب أولى الاقرار بجواز شرط التخفيف من المسؤولية إذ أن هذه الشروط ماهي الا تطبيق لمبدأ الحرية التعاقدية وان العقد شريعة المتعاقدين مالم يخالف جوهرية العقد ومقتضياته، أو إذا كان الباحث يتستر وراءه ليضفي المشروعية على غشه او خطئه الجسيم( ).
ولعل من أهم تطبيقات هذا النوع من الشروط الذي يؤدي الى تخفيف مسؤولية الباحث، وذلك في اطار عقد البحث العلمي، والتي يمكن القول بشأنها انها تندرج تحت الضمانات التقليدية في العقود –بصفة عامة- ذلك الشرط الخاص بطبيعة التزام الباحث بأن يكون التزاماً ببذل عناية. كذلك يمكن أن يتفق الطرفان سلفاً على تحديد مبلغ التعويض من خلال شرط جزائي يستحق عند اخلال الباحث بتنفيذ التزاماته العقدية وكذلك حساب التعويض الواجب عند التأخر في التنفيذ( ). كما يجوز الاتفاق على اجراءات اقامة الدعوى كأن يحدد الطرفان مكان اقامة الدعوى، وكذلك جواز الاتفاق على طرق مختلفة تتعلق بالتنبيه( ).
وينبغي ملاحظة أن جواز تخفيف المسؤولية لايعني اعطاء الحق للباحث بالتحلل من بعض التزاماته الرئيسة الناشئة عن عقد البحث العلمي، لأن هذا القول معناه هدم البناء العقدي من اساسه وفقدان لقيمة العقد ذاته( ).


الفرع الثالث
تشديد مسؤولية الباحث

ان تمتع الباحث بالتخصص والكفاءة العلمية والرغبة في حماية الطرف الضعيف (المستفيد) تؤكد ضرورة الاقرار بمشروعية الاتفاق على تشديد مسؤولية الباحث، وفي ذلك أيضاً اعمال لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين.
ومن قبيل صور تشديد مسؤولية الباحث، اشتراط المستفيد بأن الباحث يلتزم بتحقيق نتيجة – بعد ان كان التزامه ببذل عناية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن شرط التشديد يمكن أن يرد في صورة الزام الباحث بالتعويض، لا عن الاضرار المباشرة المتوقعة فحسب، بل عنها وعن الاضرار المباشرة غير المتوقعة. والتي كان الباحث لايلتزم بالتعويض عنها الا اذا ارتكب غشاً أو خطأً جسيماً( ).
وفي اغلب الاحوال لايقبل الباحث مثل هذا العبء في مسؤوليته إلاّ اذا كان يقابله زيادة في الاجر المتفق عليه مع المستفيد، وننتهي الى القول بأن الاتفاق على تعديل المسؤولية عموماً ماهو الا تطبيق لمبدأ الحرية التعاقدية، وانها لاتقتصر على مسؤولية الباحث وانما ترد ايضاً على مسؤولية المستفيد.


الخاتمة

استهدفت هذه الدراسة القانونية في الواقع، الوصول الى فكرة واضحة ودقيقة، قدر الامكان، حول عقد حديث نسبيا الا وهو عقد البحث العلمي. وتبيين لنا على طوال البحث مدى اهمية هذا العقد. ومدى الحاجة الى تاطيره بنظام قانوني محدد. اذ يمكننا ان نركز في هذه الخاتمة على اهم ما توصلنا اليه من نتائج وتصورات وحلول، والتي يمكن اجمالها بالاتي:

1- يستند عقد البحث العلمي بالدرجة الاساس على تخصص احد اطرافه وهو (الباحث)، حيث يكون لهذا الاخير دورٌ ابداعيُ ، مبتكراُ لبحث علمي يوافق اهداف المتعاقد الاخر والذي يسمى بالمستفيد، وان كان هذا الاخير يملك نفس تخصص الباحث، اذ ان التخصص لا يمنع من ان يجهل الانسان الحل المناسب لمسألة ما فيلجأ الى متخصص اخر يستطيع الوصول الى هذا الحل.
2- يعد البحث العلمي موضوع عقد البحث العلمي وهدفه، ويمكن تعريفه بأنه؛ جهد علمي عقلي هدفه تحقيق نتيجة فنية بها يمكن اشباع حاجات انسانسية مفتقدة، بمعنى تقديم شيء جديد للمجتمع او ايجاد شيء لم يكن موجوداُ من قبل قوامه او مميزه ان يكون ثمرة فكرة ابتكارية او نشاطا ابتكاريا تتجاوز الفن الموجود. وبذلك يشمل البحث العلمي كل دراسة او عمل تجريبي موجه الى زيادة معرفة الانسان، وتكون نتائجه ملكا للبشرية.
3- يعد عقد البحث العلمي اداة مهمة من ادوات حماية المعرفة العلمية وذلك عند تداول هذه المعرفة. وبينا فيما سبق ان الركيزة الاساسية لعقد البحث العلمي هي المعرفة العلمية التي تنتقل الى الطرف الاخر – المستفيد – في العقد سواء اكان هدفه من ذلك تملكها والاستئثار بها، او الاقتصار على استغلالها.
4- ويهدف عقد البحث العلمي الى تحقيق اغراض متعددة منها:

أ) تزويد المستفيد بمجموعة المعلومات التي يتوصل اليها بشان مشكلة ما تعترض عمل المستفيد.
ب) القيام بدراسات معينة بناءً على طلب المستفيد والتي تهدف الى تعميق المعلومات حول ظاهرة طبيعية او دراسة و تجميع معلومات تقنية شديدة التعقيد.

5- وبصدد تمييز عقد البحث العلمي عن غيره من المراكز القانونية والتصرفات الواردة على المعلومات، فان عقد البحث العلمي باعتماده على المعرفة العلمية يختلف في ذاته ومداه عن عقود نقل التكنولوجيا التي تعتمد على المعرفة التكنولوجية. وكذلك يختلف عقد البحث العلمي عن التزام المستشار بتقديم الاستشارة في عقد المشورة من حيث الاساس والوقت والمدى. ولنا في ذلك مبررات بيناها فيما سبق.
6- ولكي يتمتع الباحث بالحماية القانونية المقررة في قانون حماية حق المؤلف، يشترط ان يكون بحثه مبتكراً. فالابتكار هو الذي ينشئ للباحث حقا يستحق الحماية، والابتكار معناه ان يخلع الباحث على بحثه شيئا من شخصيته وطابعه الخاص وان تبرز شخصيته في مقومات الفكرة التي قدمها وفي الاسلوب الذي عرضه.
7- ويتمتع الباحث بموجب قانون حماية حق المؤلف بحق ذا طبيعة مزدوجة على نتاجه الذهني (بحثه المبتكر)، يتضمن الى جانب الحقوق الادبية، حقوق مالية.
اما الادبية منها فتتجلى بحق الباحث بنسبة بحثه اليه، وحقه في تقرير نشر بحثه او عدم نشره، وحقه في دفع أي اعتداء على بحثه.
فضلا عن حقه في سحب بحثه من التداول في حالات خاصة. وهذه الحقوق تتصل بشخصية الباحث ومن غير الجائز قانونا التصرف فيها، وهي لا تسقط بالتقادم، ومع ذلك فقد نص قانون حماية حق المؤلف على قابلية انتقال بعض من هذه الحقوق للورثة كالحق بتقرير نشر البحث ما لم يكن الباحث قد اوصى صراحة بعدم نشره، والحق بدفع أي اعتداء على البحث.
كما يتمتع الباحث بسلطة مباشرة على البحث، وذلك بما له من حق استئثاري بالتصرف بالحقوق المالية (حق الاستغلال المالي)، واستغلال البحث واستخدامه. ويمارس الباحث هذه السلطات الثلاث مجتمعة ومن دون وساطة من الغير. وان حق الاستغلال المالي المقرر للباحث مؤقت بمدة زمنية محددة بموجب قانون حماية حق المؤلف.
لذا فان القول بانتقال ملكية البحث ينصرف الى نقل حق الاستغلال المالي من دون الحق الادبي.
8- اتفقت التشريعات الخاصة بحماية حق المؤلف، على النص على بطلان تصرف المؤلف في مجموع انتاجه الفكري المستقبلي، أي مجموع هذا الانتاج الى حين وفاته، والبطلان هنا، يرجع الى عدم تعيين المحل، وانه يكون بمثابة اتفاق على تركة مستقبلية.
ولكي ينعقد عقد البحث العلمي فلا بد ان تحدد العناصر الجوهرية فيه، وهي عنوان البحث العلمي، وموضوعه، وتحديد المدة التي ينبغي على الباحث ان يتم انجازه للبحث خلالها. وعدم تحديد ذلك يجعل من العقد باطلاً للجهالة الفاحشة.
9- ونظرا لاعتبار البحث العلمي من قبيل المصنفات المحمية بموجب قانون حماية حق المؤلف، فان ثمة التزامات تقع على كافة مستخدمي هذا البحث تندرج تحت ضرورة عدم الاعتداء على الحقوق المقررة للمؤلف. ولا يشترط في ذلك ان تكون ثمة رابطة عقدية تجمع المستخدم بالباحث. كضرورة الاشارة الى اسم الباحث عند الاستخدام، والذي يُعد من متطلبات الامانة العلمية.
10- يوصف عقد البحث العلمي من حيث الاصل بالرضائية، بيد انه تتجلى الشكلية بما يتطلبه قانون حماية حق المؤلف العراقي ((وكذلك القانون المصري والاردني والاماراتي والسعودي والفرنسي)) من ضرورة الكتابة لصحة التصرف الصادر عن المؤلف. ووجدنا بان النصوص الواردة في قانون حماية حق المؤلف اللبناني وكذلك الجزائري تشير صراحة الى اعتبار الكتابة ركنا للانعقاد في التصرف الصادر عن المؤلف.
وبينا انه امام هذا التباين في نصوص تلك القوانين، تعتبر الكتابة شرطا او وسيلة للاثبات. وينبغي ان تتضمن الكتابة اربعة عناصر جوهرية هي،: تحديد طريقة استغلال البحث والغاية من استغلاله ومدة استغلاله، واخيرا تحديد المقابل. كما تفسر التصرفات الصادرة عن الباحث تفسيرا ضيقا، اذ يبقى الباحث يتمتع بكل ما لم يتنازل عنه صراحة و بصورة كتابية.
11- يُعد عقد البحث العلمي من العقود المدنية الواردة على العمل، كما ان الطبيعة القانونية لهذا العقد والذي يتعهد بموجبه الباحث المتخصص باعداد بحث علمي للمستفيد بناءً على طلب ومواصفات ورغبات هذا الاخر وتلبيةً لاحتياجاته، وفي مقابل اجر معين، ياخذ وصف عقد المقاولة. فكل خصائص عقد المقاولة متوافرة في عقد البحث العلمي، فالباحث هو المقاول، الذي يؤدي عملاً الى المستفيد ((وهو رب العمل))، نظير اجر يتعهد به الاخير للاول، من دون ان يخضع لاشرافه او ادارته. هذا بالاضافة الى وجود عناصر محددة وثابتة في عقد البحث العلمي، هي بعينها تعبر عن الدعائم الاساسية التي لا توجد مجتمعة الا في عقد المقاولة وفي كل مراحل العقد سواء في انعقاده او في تنفيذه او في انهائه. ولنا في هذا القول حججٌ اوردناها سلفا.
12- يُعد التزام الباحث بتقديم البحث العلمي الاداء الرئيس في عقد البحث العلمي. وهذا الالتزام يعد التزاما بتحقيق نتيجة وليس ببذل عناية، وذلك لان الباحث ملزم بتقديم البحث – محل العقد – من منظور الشخص الممتهن الخبير وان المنطق السليم يقضي بمساءلته عن تنفيذ عقد ابرمه ولم يدرك عدم قدرته على تنفيذه.
13- اما عن الطبيعة القانونية لالتزام الباحث في عقد البحث العلمي، والتي من خلالها يمكن تحديد مسؤولية الباحث في ضرورة مطابقة البحث لرغبات المستفيد او للمواصفات المتفق عليها والتي يتطلع المستفيد لتحققها. فانه يمكن الاعتماد على معيار الاحتمالية ومدى دور اطراف العقد في تحقيق النتيجة المطلوبة، وذلك على النحو الاتي:-

أ) اذا كانت هذه النتيجة محتملة الوقوع او ان تحقيقها يتوقف على دور المستفيد في تقديم المعلومات، فان الالتزام يكون التزاماً ببذل عناية.
ب) اما اذا كانت النتيجة المطلوبة او الغرض المقصود مؤكد الوقوع، كما اذا تعلق الامر بتسليم بحث معد سلفا وكان الباحث قد اعلن صراحة عن مواصفات وكفاءة هذا البحث، فان التزام الباحث في هذه الحالة يعتبر التزاما بتحقيق نتيجة.
14- ينبغي على الباحث الاستعلام من المتعاقد الاخر (المستفيد) عن طبيعة حاجته وغرضه من استخدام البحث، وان يقوم بتوجيه اختياره نحو ما يتناسب وهذه الاحتياجات، كما يتوجب بالمقابل على المستفيد الافضاء عن حاجته بصورة واضحة ويسمى هذا بالالتزام بالتعاون. وياخذ القضاء بعين الاعتبار مدى الاهتمام والوفاء بهذه الواجبات من كلا المتعاقدين في تقرير المسؤولية الناجمة عن عدم ملاءمة البحث لاحتياجات المستفيد. وتوصلنا الى ان التزام الاطراف يعتبر التزاما بتحقيق نتيجة في الاحوال التي لا يرتبط فيها الوفاء بهذا الالتزام تدخل المتعاقد الاخر او شخص من الغير. وسواء اكان نص القانون او العرف او اعتبارات العدالة وراء اضافة الالتزام بالتعاون الى العقد فانه يعد من مستلزماته ويلزم المتعاقدين بما ورد فيه صراحة أي انه التزام عقدي أرادي. وبذلك يلتزم المستفيد ان يقدم للباحث ما يعاونه على حسن تنفيذ التزامه. وفي المقابل له الالتزام بالسرية من الباحث.
15- وينبغي على الباحث المحافظة على اسرار البحث العلمي وعدم استعمالها او افشائها حتى في حالة غياب شرط او اتفاق عدم الاستعمال الشخصي للمعلومات التي وصلت الى علمه بسبب ابرام عقد البحث العلمي. ويعد الالتزام بالسرية احد اهم الالتزامات ذات الطبيعة الخاصة التي ينشئها عقد البحث العلمي، اذ يجد هذا الالتزام مصدره في العقد ذاته، وبالتالي فان تفسير هذا الالتزام ينبغي ان يتم من خلال النصوص التي تحكم هذا العقد من دون استلزام الرجوع في هذا التفسير الى النصوص الجزائية. ويستمر الالتزام بالمحافظة على سرية المعلومات والبحث حتى بعد انتهاء مدة العقد ما لم يتم الاتفاق عل عكس ذلك.
16- وفي ضوء تحليلنا سالف الذكر، فلا يسعنا الا القول بانه ينبغي ان نعترف اننا بصدد عقد حديث نسبيا فرضه التطور العلمي، وان آثار هذا العقد تستلزم في الواقع ان تكون محلا لتنظيم تشريعي (قانوني) سواء على المستوى الاقليمي الداخلي او على المستوى الدولي من خلال الاتفاقات الدولية او المنظمات الدولية والتي تعنى بهذا الجانب القانوني. وبهذا الصدد فاننا نرى ان يؤخذ بنظر الاعتبار ما يأتي:

أ) ضرورة اقامة العلاقات والروابط مع مراكز الابحاث ذات الطابع الدولي والاقليمي.
ب) ضرورة المشاركة في المؤتمرات الدولية والاقليمية التي تخص نقل المعرفة والمشاركة في اعمال المنظمات الدولية والتي لها علاقة بهذا الامر، والاستعانة بما تعده من قواعد وارشادات في هذا الجانب.
ج) ان تقوم الدولة باعداد القدرات البشرية العلمية المؤهلة من خلال دعم وانشاء مراكز البحث والتطوير الوطنية، وتوفير الموارد المالية والعلمية اللازمة لاجراء التجارب والبحوث العلمية.
د) تأبى خصوصية عقد البحث العلمي الاحكام الخاصة بالتنفيذ العيني الجبري والنتائج المترتبة على فسخ هذا العقد. ومن ثم على المشرع ان يرسي نظاما قانونيا يقول بعدم قابلية القول بالتنفيذ العيني الجبري، وايضا بحماية الباحث عن تعذر تطبيق الاثار المترتبة على فسخ العقد من حيث الاثر الرجعي له ووجوب حماية الباحث عند تعذر استرجاعه لبحثه بعد تسليمه للمستفيد لا سيما اذا قام هذا المستفيد باعادة طبعه واستغلال هذا البحث على الرغم من فسخ عقد البحث العلمي.
وامام ما فرزت هذه الخصوصية لعقد البحث العلمي من نتائج غير تقليدية علينا ان نعترف بها من دون الخوض في القواعد التقليدية والتي تأبى القول بها وليس بوسعنا الا ان ندعو المشرع لان يستجيب لهذه المعطيات الخاصة بهذا العقد من حيث ماهيته واحكامه وتنفيذه، وليس في ذلك ما يعد هدما لقواعدنا القانونية المستقرة، ذلك ان القانون هو وليد البيئة. وقد افرزت البيئة تلك العلاقات الحديثة التي تعبر عن المعطيات العلمية الحديثة واستغلالها في الروابط القانونية الخاصة.
هـ) لابد من التنويه اخيرا الى ضرورة النظر الى عقد البحث العلمي نظرة عملية مرنة اذ لا يمكن للمستفيد ان يضع ما يشاء من قيود وجزاءات في بنود العقد. ولعل دعوتنا للمرونة و النظرة العملية في مثل هذه العقود لها ما يبررها، وذلك ان الواقع يظهر ان البحث العلمي يكون في حاجة الى حرية كبيرة واستبعاد الخضوع الحتمي لشروط المستفيد، يعني ترك اكبر قدر من الحرية للباحث في الابداع والابتكار.


وفي خاتمة حديثنا ندعو الله عزَّ وجلَّ ان نكون قد أصبنا هدفنا من هذه الدراسة، وهو إلقاء الضوء على عقد مازال الحديث عن ماهيته مستمراً.












المراجع

اولاً- الكتب العربية:
1- د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل- المسؤولية المدنية بين التقييد والاطلاق، بدون مكان طبع، 1980م.
2- ابن منظور- لسان العرب، المجلد الثاني، دار صادر- دار بيروت، بيروت، 1955م.
3- د. احسان الحسن ود. عبد المنعم الحسني- طرق البحث الاجتماعي، الموصل، 1982م.
4- احمد بدر- اصول البحث العلمي ومناهجه، وكالة المطبوعات، 1977م.
5- د. احمد عبد الكريم ابو شنب- شرح قانون العمل الجديد، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1999م.
6- د. احمد عبد الكريم سلامة- نظرية العقد الدولي الطليق، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989م.
7- د. احمد محمود سعد- نحو ارساء نظام قانوني لعقد المشورة المعلوماتية، القاهرة، 1995م.
8- احمد يوسف الشحات- الشركات دولية النشاط، ونقل التكنولوجيا الى البلدان المختلفة، دار الشافعي للطباعة، المنصورة، 1991م.
9- اسامة احمد شوقي المليجي- الحماية الاجرائية في مجال حق المؤلف، من دون مكان طبع، 1996م.
10- د. اسماعيل غانم- محاضرات في النظرية العام للحق، القاهرة، 1968م.
11- السيد محمد السيد عمران- حماية المستهلك اثناء تكوين العقد، منشأة المعارف، الاسكندرية، من دون سنة طبع.
12- ــــــــــــ- الطبيعة القانونية لعقود المعلومات (الحاسب الآلي، البرامج، الخدمات)، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، 1992م.
13- د. اكرم ياملكي- الوجيز في شرح القانون التجاري العراقي، بغداد، 1968م.
14- د. انور سلطان ود. جلال العدوي- العقود المسماة، عقد البيع، مصر، 1966م.
15- د. باسم محمد صالح- القانون التجاري، القسم الاول، بغداد، 1987م.
16- توفيق حسن فرج- المدخل للعلوم القانونية، مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية، طبعة عام 1976 وطبعة عام 1983.
17- د. جابر ابراهيم- القانون الدولي للبحار، بغداد، 1989م.
18- د. جلال احمد خليل- النظام القانوني لحماية الاختراعات ونقل التكنولوجيا الى الدول النامية، ط1، جامعة الكويت، 1983م.
19- د. حسام الدين الاهواني- الحق في احترام الحياة الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1978م.
20- د. حسام محمد عيسى- نقل التكنولوجيا، (دراسة في الآليات القانونية للتبعية الدولية)، ط1، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1987م.
21- د. حسن البراوي- عقد تقديم المشورة، (دراسة قانونية لعقد تقديم الاستشارات الفنية)، القاهرة، 1998م.
22- د. حسن الخطيب- مبادئ القانون التجاري العراقي، البصرة، 1967م.
23- د. حسن علي الذنون- النظرية العامة للالتزام، بغداد، 1976م.
24- ــــــــــ- المبسوط في المسؤولية المدنية، ج1، الضرر، مطبعة التايمس، بغداد، 1991م.
25- ــــــــــ- المبسوط في المسؤولية المدنية، ج2، الخطأ، بغداد، 2001م.
26- د. حسن كيره- المدخل لدراسة القانون، ط5، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1974م.
27- ـــــــ- المدخل لدراسة القانون، القاهرة، 1974م.
28- ـــــــ- اصول قانون العمل، عقد العمل، ط3، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1979م.
29- حسن محمد علوب- استعانة المتهم بمحام في القانون المقارن، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1970م.
30- د. حمدي عبد الرحمن- فكرة الحق، دار الفكر العربي، القاهرة، 1979م.
31- د. رمضان ابو السعود- الوسيط في شرح مقدمة القانون المدني، النظرية العامة للحق، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1985م.
32- زهير البشير- الملكية الادبية والفنية (حق المؤلف)، الموصل، 1989م.
33- ساطع علي العجاج- الاطار القانوني لحركة البحث العلمي في العراق، بغداد، 1986م.
34- سعد محمد سعد- النظرية العامة للحق وفقاً للقانون المدني اليمني، عدن، 1997م.
35- د. سعدون العامري- الوجيز في العقود المسماة، ج1، البيع والايجار، ط3، بغداد، 1974م.
36- د. سعيد سعد عبد السلام- الالتزام بالافصاح في العقود، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999م.
37- د. سعيد مبارك ود. طه الملاحويش ود. صاحب عبيد الفتلاوي- الموجز في العقود المسماة، بغداد، 1992م.
38- د. سليمان مرقس- احكام الالتزام، القاهرة، 1957م.
39- ـــــــــ- محاضرات في المسؤولية المدنية في تقنينات البلاد العربية، القسم الاول، الاحكام العامة، جامعة الدول العربية، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1958م.
40- ـــــــــ- الوافي في شرح القانون المدني، في الالتزام، المجلد الثاني، في الفعل الضار والمسؤولية المدنية، القاهرة، 1988م.
41- د. سهير منتصر- الالتزام بالتبصير، القاهرة، بدون سنة طبع.
42- د. سهيل حسين الفتلاوي- حقوق المؤلف المعنوية في القانون العراقي، دراسة مقارنة (طبعة دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977) و(طبعة وزارة الثقافة والفنون، سلسلة دراسات –132-، 1978).
43- د. شاب توما منصور- شرح قانون العمل، ط3، بغداد، 1968م.
44- د. شمس الدين الوكيل- الموجز في المدخل لدراسة القانون، الاسكندرية، 1965م.
45- د. صالح بن بكر الطيار- العقود الدولية لنقل التكنولوجيا، ط2، مركز الدراسات العربي-الاوربي، 1999م.
46- د. صالح ناصر العتيبي- فكرة الجوهرية في العلاقات العقدية، دراسة مقارنة، ط1، القاهرة، 2001م.
47- د. طلبة وهبة خطاب- المسؤولية المدنية للمحامي، القاهرة، 1986م.
48- طوني ميشال عيسى- التنظيم القانوني لشبكة الانترنت، دار صادر، بيروت، 2001م.
49- د. عادل عزت السنجقلي- عقود الاستشارات الهندسية، منشورات مركز البحوث القانونية، وزارة العدل، بغداد، 1983م.
50- د. عبد الباسط عبد المعطي- البحث الاجتماعي، دار النشر والثقافة، الاسكندرية، 1984م.
51- د. عبد الباسط محمد حسن- اصول البحث الاجتماعي، القاهرة، 1975م.
52- عبد الحميد المنشاوي- حق المؤلف واحكام الرقابة على المصنفات طبقاً للتعديلات الواردة بالقانون رقم (38) لسنة 1992، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، من دون سنة طبع.
53- د. عبد الرحمن صالح عبد الله وحلمي محمد فوده- المرشد في كتابة البحوث التربوية، دار المنارة، 1988م.
54- د. عبد الرزاق احمد السنهوري- الوسيط، ج1، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الاول، ط3، القاهرة، 1981م.
55- ـــــــــــــــ- الوسيط، ج7، المجلد الاول، بيروت، 1973م.
56- ـــــــــــــــ- الوسيط، ج8، حق الملكية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967م.
57- عبد الرشيد مأمون شديد- ابحاث في حق المؤلف، الكتاب الاول (المصنفات المشتركة)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986م.
58- ـــــــــــ- عقد العلاج بين النظرية والتطبيق، القاهرة، بدون سنة طبع.
59- عبد الله مبروك النجار- تعريف الحق ومعيار تصنيف الحقوق، ط2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001م.
60- د. عبد المجيد الحكيم- الموجز في شرح القانون المدني، ج1، مصادر الالتزام، ط5، بغداد، 1977م.
61- د. عبد المنعم البدراوي- المدخل للعلوم القانونية، القاهرة، 1962م.
62- د. عبد المنعم فرج الصده- حق الملكية، القاهرة، 1967م.
63- ـــــــــــــ- مصادر الالتزام، القاهرة، 1992م.
64- د. عدنان العابد ود. يوسف الياس- قانون العمل، (ط1-1980) و(ط2-1989)، بغداد.
65- د. عصمت عبد المجيد بكر- الوجيز في شرح قانون الاثبات، مطبعة الزمان، بغداد ، 1997م.
66- ـــــــــــــ- المدخل الى البحث العلمي، الموسوعة الصغيرة، دار الشؤون الثقافية، وزارة الثقافة، بغداد، 2001م.
67- ـــــــــــــ- ود. صبري حمد خاطر، الحماية القانونية للملكية الفكرية، ط1، بيت الحكمة، بغداد، 2001م.
68- د. علي جواد الطاهر- منهج البحث الادبي، بغداد، 1986م.
69- فلاديمير كورغانوف وجان كورغانوف- البحث العلمي، ترجمة يوسف ميشال ابي فاضل، بيروت، 1983م.
70- د. فوزي غرايبة وآخرون- اساليب البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والانسانية، ط2، عمان، الاردن، 1981م.
71- د. كمال قاسم ثروت- الوجيز في شرح احكام عقد المقاولة، ج1، بغداد، 1976م.
72- د. محسن شفيق- نقل التكنولوجيا من الناحية القانونية، القاهرة، 1984م.
73- د. محمد حسام محمود لطفي- عقود خدمات المعلومات، دراسة مقارنة، القاهرة، 1994م.
74- د. محمد شكري سرور- مسؤولية مهندسي ومقاولي البناء والمنشآت الثابتة، دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، 1985م.
75- د. محمد عبد الظاهر حسين- المسؤولية المدنية للمحامي تجاه العميل، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993م.
76- محمد علي عرفه- اهم العقود المدنية، الكتاب الاول، في العقود الصغيرة، مصر، 1954م.
77- د. محمد علي محمد- علم الاجتماع والمنهج العلمي، الاسكندرية، 1988م.
78- محمد فتحي الشنيطي- اسس المنطق والمنهج العلمي، بيروت، 1970م.
79- د. محمد لبيب شنب- شرح احكام عقد المقاولة، القاهرة، 1962م.
80- د. محمود جمال الدين زكي- دروس في مقدمة الدراسات القانونية، دار مطابع الشعب، القاهرة، 1964م.
81- ـــــــــــــ- الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني المصري، القاهرة، 1976.
82- ـــــــــــــ- مشكلات المسؤولية المدنية، ج1، القاهرة، 1978م.
83- د. محمود الرشيد قريش- ديناميكية نقل التكنولوجيا في الدول العربية، ط1، دار الثقافة، قطر، 1986م.
84- د. محمود الكيلاني- عقود التجارة الدولية في مجال نقل التكنولوجيا، دراسة تطبيقية، مطبعة عبير، حلوان، 1988م.
85- د. محمود نجيب حسني- شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، ط2، القاهرة، 1994م.
86- مختار القاضي- حق المؤلف، الكتاب الاول، النظرية العامة، ط1، القاهرة، 1987م.
87- د. مصطفى الجمال- النظرية العامة للالتزام، بيروت، 1987م.
88- د. نزيه محمد الصادق المهدي- الالتزام قبل التعاقدي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1982م.
89- نواف كنعان- حق المؤلف (النماذج المعاصرة لحق المؤلف ووسائل حمايته)، مكتبة دار الثقافة للنشر، عمان، (ط2-1992) و(ط3-2000).
90- د. هاني محمد دويدار- نطاق احتكار المعرفة التكنولوجية بواسطة السرية، دار الجامعة، الاسكندرية، 1996م.
91- د. وفاء حلمي ابو جميل- الالتزام بالتعاون، دراسة تحليلة وتأصيلية، القاهرة، 1988م.
92- د. يوسف عبد الهادي الاكيابي- النظام القانوني لعقود نقل التكنولوجيا في القانون الدولي الخاص، بدون مكان طبع، 1989م.
93- د. يوسف محمد عطاري- النظام القانوني للابحاث العلمية في البحار والمحيطات، ط1، الكويت، 1980م.

ثانياً- البحوث:-
1-د. باسم محمد صالح-العقود التجارية (الاسس النظرية والعملية للابرام والتنفيذ)، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، المجلد الثامن، العددان (1و2)، بغداد، 1989م.
2-د. جميل الشرقاوي- طبيعة المحل والسبب في التصرف القانوني، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، العدد (2) السنة (34)، 1964م.
3-جين كلايس- عقود الاستهلاك، ترجمة حمد الله محمد حمد الله، بحث منشور في مجلة دراسات قانونية، كلية الحقوق، جامعة اسيوط، العدد (19)، 1996م.
4-د. حسام الدين كامل الاهواني- حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال الانترنت، ورقة عمل مقدمة في المؤتمر العلمي العالمي الاول حول الملكية الفكرية في الفترة من 10-11/تموز/2000م. كلية القانون، جامعة اليرموك، الاردن، منشورة ضمن وقائع المؤتمر.
5-د. صبري حمد خاطر- الضمانات العقدية لنقل المعلومات، بحث منشور في مجلة الحقوق، جامعة النهرين، المجلد الثالث، العدد (3)، 1999م.
6-د. عبد الرشيد مأمون- علاقة السببية في المسؤولية المدنية، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، السنة (49)، العددان (3و4)، 1979م.
7-د. علي عبيد الجيلاوي- التهديد المالي اوالغرامة المالية، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، كلية القانون، جامعة بغداد، المجلد الخامس، العددان (1و2)، 1986م.
8- د. فائق محمود الشماع ود. صبري حمد خاطر- دور الحيازة الشخصية في حماية المعرفة التقنية، بحث القي في المؤتمر العلمي العالمي الاول للملكية الفكرية المنعقد في جامعة اليرموك- كلية القانون اربد- الاردن للفترة من (10-11)/7/200م، منشور ضمن وقائع المؤتمر ومنشور ايضاً في مجلة كلية الحقوق، جامعة النهرين، المجلد (5)، العدد (7)، آذار، 2001م.
9- د. ماجد عمار- النظام القانوني لعقد البحث المشترك، بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية والقانونية، تصدر عن كلية الشريعة والقانون، جامعة الازهر، فرع دمنهور، عدد (15 فبراير 1998).
10- محمد حلمي مراد- دور التكنولوجيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، محاضرات منشورة في مجلة مصر المعاصرة، العدد (349)، يوليو، 1972م.
11-د. محمود جمال الدين زكي- اتفاقات المسؤولية، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، العدد الثالث، القاهرة، 1961م.
12-محمود مصطفى- مدى المسؤولية الجنائية للطبيب اذا افشى سراً من أسرار مهنته، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد، السنة (11)، العدد الاول، 1945م.
13-د. نوري حمد خاطر- تقييد حرية التعاقد في نطاق التصرفات الواردة على حقوق المؤلف المالية، بحث منشور في مجلة دراسات، علوم الشريعة والقانون، جامعة آل البيت، الاردن، المجلد (26)، العدد (2)، تشرين الثاني، 1999م.

ثالثاً- الرسائل والاطاريح الجامعية:-
1) رحاب خالد يوسف- البحث العلمي البحري، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 2004م.
2) سلام منعم مشعل- الحماية القانونية للمعرفة التقنية، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة النهرين، 2003م.
3) سليم عبد الله احمد الناصر- الحماية القانونية لمعلومات شبكة المعلومات (الانترنت)، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة النهرين، 2001م.
4) علاء عزيز الجبوري- عقد الترخيص، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة النهرين، 1999م.
5) منتظر محمد مهدي- عقد المشورة المهنية، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة النهرين، 2004م.
6) ندى كاظم محمد جواد المولى- الاثار القانونية لعقود التجارة الدولية لنقل التكنولوجيا، اطروحة دكتوراه، كلية القانون، جامعة بغداد، 1996م.
7) نصير صبار لفته- التعويض العيني، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة النهرين، 2001م.

رابعاً- القوانين:-
آ) العراقية:-
1- القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951.
2- قانون المحاماة العراقي رقم (173) لسنة 1965.
3- قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969.
4- قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969.
5- قانون حماية حق المؤلف العراقي رقم (3) لسنة 1971.
6- قانون الاثبات العراقي رقم (107) لسنة 1979.
7- قانون التنفيذ العراقي رقم (45) لسنة 1980.
8- قانون التجارة العراقي رقم (30) لسنة 1984.
9- قانون العمل العراقي رقم (71) لسنة 1987.
10- قانون بيت الحكمة (العراقي) رقم (11) لسنة 1995.
11- مشروع قانون حماية حق المؤلف العراقي لسنة 1999.

ب) العربية والاجنبية:-
1- الاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف لسنة 1981 والموقع عليها أثناء انعقاد المؤتمر الثالث لوزراء الاعلام العرب المنعقد في بغداد للفترة (2-5/11/1981). أنظر جريدة الوقائع العراقية العدد المرقم (3050) في 17/6/1985.
2- قانون العقوبات المصري رقم (58) لسنة 1937.
3- القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948.
4- قانون حماية حق المؤلف المصري رقم (354) لسنة 1954، والمعدل بالقانون رقم (38) لسنة 1992، موسوعة المراجع القانونية، المركز العلمي للاصدارات القانونية، القاهرة، بلا سنة طبع.
5- مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري، ج1، اصدار وزارة العدل المصرية، مطبوعات دار الكتاب العربي بمصر، بلا سنة طبع.
6- قانون الموجبات والعقود اللبناني لسنة 1934.
7- القانون المدني الكويتي لسنة 1981.
8- قانون حماية حق المؤلف الاردني رقم (22) لسنة 1992، موسوعة التشريعات والاجتهادات القضائية، دار الثقافة والنشر، عمان، 1999م.
9- القانون المدني الفرنسي لسنة 1804م.
10- قانون الملكية الفكرية الفرنسي لسنة 1994م.
“Code de la Propriete Intellectuelle”
المنشور عبر شبكة المعلومات الانترنت على الموقع:-
www.ccip.fr/irpi/code-propriete/index.Html

خامساً- المصادر الاجنبية:-

1- Aubry et Rau- Droit Civil Francais, Tome-V, 6eme Edition, 1947, Par Esmien.
2- A . H .Lucas ;Traite de propri ete littraire et artistique , litec ,1994 .
3- Bernard Grelon- Les Entreprise de Services, These, Paris, 1976.
4- Catala-Les Transformatique de droit par l’informatique, Paris, 1983.
5- _____- Edauche d’un theorie Juridique de l’information, ed, 1984.
6- Englert- L’inventien faite par l’employe dans l’entreprise privee, Bales, 1960.
7- Jehl- Le commerce intemational de la tachnologie, Paris, 1985.
8- J.J. Burst- Droit de la propriete industrielle, Dalloz, 1980.
9- Jourdain (P)- Devoir de Renseigner “Contribution a l’etude de l’obligation du Renseignement”, Paris, 1983.
10- Lamy- Informatique “Le contrat conseil en informatique”, Paris, ed, 1992.
11- N. Reboul- Les contrats des conseil, Paris, 1997.
12- Savatier- Les vents de services, Dalloz, 1971.
13- ______- Les contrats de conseil, Professiounel en droit Paris, Dalloz, 1972.
14- Starck- Les obligations, ed Paris, 1972.
15- Strcholm ;le droit moral de l'auteur en droit alleman , Tomo 2 , 1967 .
16- Viney- Traite de droit civil, Introduction a la responsabilite, L.G.D.J. 2ed, 1995.
17- Vivant- Apropes des biens informationneles, Paris, 1984.
18- _____- L’ informatique dans la theorie generale du contrat, Dalloz, 1994.
19- Vivant et Lucas (A)- Chronique droit de l’informatique, J.C.P., 1992.
20- Yves Reboul- Les Contrats de Recherche, These, La Faculte de Droit de Strasbourg, 1978.
BAHRAIN LAW
مدير الموقع
مدير الموقع
 
مشاركات: 758
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 17, 2008 5:36 pm
الجنس: ذكر

العودة إلى القانون المدني

 


  • { RELATED_TOPICS }
    ردود
    مشاهدات
    آخر مشاركة

الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: Tbot و 34 زائر/زوار