موقف التشريع اللبناني من الزواج المدني وآثاره

موقف التشريع اللبناني من الزواج المدني وآثاره

مشاركة غير مقروءةبواسطة BAHRAIN LAW » الأحد أكتوبر 05, 2008 7:12 pm

موقف التشريع اللبناني من الزواج المدني وآثاره


مقدمة :

جرت العادة في هذه الأيام أن يلجأ اللبنانيون إلى عقد زواجهم مدنياً حيث يسافر المتعاقدان إلى بلد يخضع فيها الزواج للقانون المدني .

يترتب على عقد الزواج المدني آثار إيجابية من شخصية ومالية وآثار سلبية كالهجر أو الإنفصال الجسماني ، وفي كلا الحالتين فإن القانون المدني المعمول به في هذا البلد الأجنبي هو القانون الواجب التطبيق على العقد ويعود اختصاص النظر به للمحاكم المدنية في بلد إبرامه .

أما في لبنان ، ونظراً لعدم وجود قانوني مدني للأحوال الشخصية كما في بعض الدول ، فقد يواجه اللبنانيون المعقود زواجهم مدنياً في الخارج ، بعض الصعوبات في معرض تنفيذ عقود زواجهم داخل لبنان .

إذا كانت ميزة النظام التشريعي اللبناني في مادة الزواج أنه لا يميز في الحلول على صعيد تنازع القوانين في المكان بين آثار إيجابية وسلبية في عقد الزواج ، فالقواعد المطروحة في الحالتين هي نفسها ، إلا أن هذه الميزة يقابلها طابع التعدد في تلك الحلول والقواعد بالنسبة للحالة الواحدة . فالنظام التشريعي في مادة الأحوال الشخصية يطبعه عامل التعدد وهو يبرز بشكل ظاهر في موضوع الزواج .

إلا أن هذا التعدد التشريعي والقضائي لا يعني وجود تلازم مطلق بين القانون الذي يحكم شروط الزواج والقانون الذي يحكم آثاره ، أو بين المحكمة الناظرة في النزاع والقانون الذي يحكم ذلك النزاع ، إن إبرام اللبنانيون عقود زواجهم مدنياً في الخارج لا يستتبع بالضرورة اختصاص القضاء المدني ، أو إخضاع تلك العلاقة إلى القضاء المدني .

في توضيح ما تقدم ، سيجري بيان موقف التشريع اللبناني من زواج اللبنانيين مدنياً في الخارج وفقاً لخطة البحث التالية :



الفقرة الأولى : مفهوم الزواج المدني وشروطه :
البند الأول : مفهوم الزواج المدني .
البند الثاني : شروط الزواج المدني .
البند الثالث : ميزة الزواج المدني .

الفقرة الثانية : مفاعيل الزواج المدني .
البند الأول : مفهوم الطلاق المدني .
البند الثاني : أساس الطلاق المدني .
البند الثالث : إجراءات الطلاق المدني .

الفقرة الثالثة : تحديد القضاء المختص للنظر بدعاوى الطلاق المدني والقانون
الواجب التطبيق .

البند الأول : حالة الزواج المدني بين المسلمين في الخارج .
البند الثاني : حالة الزواج المدني بين المسيحين في الخارج .
البند الثالث : حالة الزواج المدني بين مسلم ومسيحية في الخارج
البند الرابع : حالة الزواج المدني بين مسيحي ومسلمة في
الخارج .

الفقرة الأولى : مفهوم الزواج المدني وشروطه:

البند الأول : مفهوم الزواج المدني .
الزواج المدني ينظر إليه على انه مؤسسة اجتماعية من نتاج القانون الوضعي وهو محض مدني يحصل أمام السلطة العامة في شكل رسمي احتفالي ولا يمكن اجراؤه إلا بتدخل أحد موظفي الأحوال الشخصية ليس فقط لتنظيم وثيقة بحصوله بل لتأكيدشكله أيضاً والزواج المدني تغلب عليه الصفة التعاقدية من حيث اجتماع إرادتي الأشخاص الراغبين ببعضيهما ولما كانت الصفة التعاقدية هي الغالبة فكان لزاماً توافر شروط معينة في الأشخاص الذين انعقدت عزائمهم على إنشاء هذا العقد الاحتفالي .

البند الثاني : شروط الزواج المدني :
والشروط المقصودة هي المتعلقة بالأهلية الطبيعية من حيث الاختلاف الجنسي وبلوغ السن القانونية والرضى .



أولاً : بالنسبة للإختلاف الجنسي :

الزواج من حيث المبدأ ولانتاجه لمفاعيله يفترض فيه أن يكون العاقدان مختلفين جنسياً لإتمام عملية الإيلاد وإن كانت ثمة تشريعات حديثة تقول بشرعية الزواج المعقود ما بين المثليين .

ثانياً: بالنسبة لبلوغ السن القانونية :

لما كان النموذج المحتذى به هو النموذج الفرنسي فإنه بموجب المادة 144 من القانون المدني الفرنسي فإن السن القانونية للزواج قد حددت بخمس عشرة سنة للنساء وثماني عشرة سنة للرجال .

ثالثاً : بالنسبة للرضى :

بالقدر الذي يكون فيه الزواج اتفاقاً لإنشاء عائلة معينة فإن طبيعته عقدية . فالرضى هو من جوهر الزواج كما هو في عقد آخر وتبادل بالرضى يحصل بإجتماع الإرادتين وذلك بتوافر القبول الشخصي لكل من المتعاقدين ووفقاً لأشكال يعينها القانون.
إذاً عند توافر الرضى التام يعطي العقد مفاعيله لأن الرضى أما ان يكون مفتقداً بالمطلق وإما أن يكون معيوباً .
فالنسبة لفاقدي الرضى فلا زواج لهم تمشياً مع المادة 146 مدني فرنسي أما معيوبو الإرادة أو معيوبو الرضى فيمكنهم إجراء عقود زواج حال انتفاء العيب وتوافر الأسباب الموجبة لذلك .

البند الثالث : ميزة الزواج المدني هي :

عدم التعدد في الزواج المدني :
يتماثل الزواج المدني مع الزواج الكنسي من حيث وحدة الزوجة وعدم قابلية انعقاد زواج جديد طالما أن الزواج الأول لم ينحل بالبطلان أو الوفاة أو الطلاق لأن العاقد للزواج الثاني في ظل الزوجية الأولى يتعرض للملاحقة والعقوبة عند تعدد الزوجات والقانون الذي صدر في 17/2/1932 جعل من التعدد جنحة يعاقب عليها بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات مع الغرامة المالية .




الفقرة الثانية : مفاعيل الزواج المدني :

إن أهم الآثار التي تترتب على الزواج هي الطلاق الذي يلجأ إليه الزوجان لإنهاء علاقتهما وقد تختلف أسبابه وله إجراءات محددة لذلك سنتناول تفصيل مفهوم الطلاق المدني وأسبابه وإجراءاته .

البند الأول : مفهوم الطلاق المدني :

الزواج المدني كمؤسسة اجتماعية ينظر إليها استحباباً كونها أيسر مدى في ممارسة طلب الطلاق، الذي يلجأ إليه الزوجين لوضع حد لعلاقة زوجية ذات ضرر لأحدهما .
ونظراً للطابع التعاقدي للزواج المدني فإنه يحق لطرفيه أن يطلبوا إنهاء هذا العقد متوسلين الأساليب القانونية اللازمة عند إخلال أحد المتعاقدين لإلتزاماته ، ووقوع الضرر بالزوج طالب الطلاق .

البند الثاني : أسباب الطلاق المدني :
إن الأسباب التي من شأنها وضع حد للعلاقة الزوجية منها ما هو حاسم ومنها ما هو اختياري .

1 - الأسباب الحاسمة منها :

أ- الزنى: حيث أنه من أسباب استمرارية الحياة الزوجية بشكلها السوي أن يكون كل طرف أميناً للآخر وإذا كان ثمة خرق لهذا العهد فإن الزاني يصبح مذنبا تجاه الآخر الأمر الذي يبرر طلب الحكم بالطلاق حال ثبوت فعل الزنى الممارس من أيهما .

ب- العقوبة الجنائية : المس الذي يصيب الزوج الذي لم يكن موافقاً على النشاط الجرمي الذي أدى لإيقاع عقوبة جنائية بحق الفاعل يؤلف سبباً لطلب الطلاق من الفريق الذي اعتبر نفسه مصاباً بفضيحة العمل الذي مارسه الفريق المحدث للفعل الجرمي .

2- الأسباب الاختيارية هي :





أ- العنف وسوء المعاملة :
ويشترط في هاتين الحالتين أن تكون الأفعال إرادية وغير صادرة عن جنون مثلاً .

ب- الإهانة :
وهي الأفعال التي من شأنها الاساءة لكرامة الحياة الزوجية والتي من شأنها المخالفة الجسيمة أو المتكررة لفروض وواجبات الحياة الزوجية كخرق واجب المساكنة أو خرق واجب الاسعاف والمساعدة والادمان على تعاطي المسكرات عند توفر أحد هذه الأسباب فللزوج المساء إليه تقديم دعوى الطلاق ضد الفريق المسيء وحق الادعاء يقتصر على الزوج الذي اسيء إليه فقط .

البند الثالث : إجراءات الطلاق المدني :

إن طلب الطلاق يدخل مبدئياً في اختصاص المحاكم المدنية التي لها وحدها حق الفصل به والقاضي الجزائي الذي ينظر بملاحقة تشكل وقائعها سبباً للطلاق ليس له الحق بالحكم بالطلاق سنداً للقضاء بالعقوبة فهو يمكنه البت بالدعوى مدنياً تبعاً للدعوى العمومية ولكن مدار الدعوى المدنية هو فقط للمطالبة بالتعويضات الشخصية عن الضرر الحاصل . وحال الحكم بالطلاق المدني فإن النتائج المترتبة على ذلك هي التالية:

1- يصبح الزوجان مطلقين ونتائج ذلك تمتد للمستقبل فقط دون المساس بنتائج الماضي .

2- يصبح الزوجان احراراً بعد الطلاق وكل منهما مستقل عن الآخر فالزوج يفقد حق تسميته رباً للعائلة وتستعيد الزوجة اهليتها كاملة فيما خص ممتلكاتها دون حداً واستثناء.

3- لكل من الزوجين التزوج ثانية لكن بعد انقضاء مدة عشرة أشهر كفترة عدة بالنسبة للمرأة التي يمتنع عليها التزوج ثانية ما لم تنقض هذه المدة ما خلا الحالات الاستثنائية وبناءً للضرورة .
إن طلب الطلاق يقدم للقاضي الذي له اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها الافساح في تسوية النزاع وإعادة الحالة الصلحية بين الزوجين لذا يتوجب عليه قبل النطق بحكم الطلاق الحكم بالهجر أولاً وإن كانت الدعوى المقدمة قد قدمت على أساس الطلاق لا غلى أساس الهجر .



وعند الحكم بالهجر يعني ترتب الأمور التالية :

1- توقف الحياة الزوجية المشتركة من حيث وضع حد للعيش المشترك بسبب انقطاع العلاقات الشخصية بين الزوجين ويشمل الافتراق الجسدي على الفصل مقاماً وليس مساكنة فقط بحيث يصبح للزوجة حق اختيار المقام الذي يناسبها .

2- يتوجب على كل من الزوجين اللذين فرق بينهما جسدياً الحفاظ على الأمانة الزوجية .


3- التفريق بين المصالح المالية كالتفريق في الممتلكات واستعادة المرأة لأهليتها كاملة فيما خص ممتلكاتها التي لها بيعها دون موافقة الزوج .

4- حرمان الزوج الذي كان سبباً في التفريق من كثير من الحقوق كحق الانتفاع الذي يمنح عادة لزوج المؤلف أو الفنان الذي يبقى على قيد الحياة على مؤلفات الزوج المتوفي – فقدان المعاش التعاقدي والأجر المؤجل .


5- إسم الزوجين : التفريق الجسدي لا يحدث مبدئياً أثراً على اسم الزوجين طالما أنهما متزوجان إلا أنه يبقى للزوجة الخيار بتبديل اسمها إما بموجب الحكم الذي يعلن التفريق وإما بموجب حكم لاحق مع الإشارة إلى أن حكم التفريق يمكن أن يقضي بمنع الزوجة واستعمال اسم زوجها لا سيما إذا كانت السبب في إيقاع الفرقة الجسدية بينها وبين زوجها .

6- فترة الهجر المحكوم بها ليست واحدة فهي تتراوح ما بين حدين أدناهما سنة وأقصاهما 3 سنوات بعدها يصبح بإمكان أي من الزوجين تحويل طلب الإفتراق الجسدي إلى طلب طلاق وعند انقضاء الفترة الزمنية المحكوم بها وعند عدم عودة الزوجين للحياة الزوجية المشتركة . أما إذا كان الهجر قد وقع فعلياً ولمدة ست سنوات ودون صدور حكم بذلك عندها يصبح الزوجان حرين ولأي منهما عقد قران جديد .




أما ما يتعلق بالأولاد عند وجودهم :

فإنهم من حيث المبدأ تحت الحراسة الأبوية طالما كان يتمتع طيلة الزواج بالسلطة الأبوية وله بالتالي ممارسة حق الحراسة عليهم أثناء دعوى الطلاق .
غير أن هناك ظروفاً عديدة يمكن أن تمنع الزوج من هذا الحق كصغر سن الأولاد الذي يوجب عناية والدتهم لناحية ارضاعهم مثلاً والاعتناء بهم في هذه الفترة أو قساوة الوالدة وسوء سلوكه .
عند توافر الحالات فللمحكمة الناظرة في الدعوى اتخاذ التدابير الضرورية لذلك كتكليف الوالدة أو الأجداد أو الأشخاص الآخرين للإهتمام بالأولاد أصحاب الحقوق .
فالزوج الذي لا يكون له الحق بالحراسة أو أي من الزوجين اللذين حرما منها حال وضع الأولاد بعهدة أشخاص آخرين لحراستهم والاعتناء بهم لا يجوز أن يحرم من حق مشاهدة أولاده .

الفقرة الثالثة :

تحديد القضاء المختص والقانون الواجب التطبيق بدعاوى الطلاق المدني :

إذا كانت القاعدة أن المحكمة الشرعية أو المذهبية أو الروحية تلتزم مسبقاً بتطبيق الأحكام القانونية للطائفة والتي وجدت لإعمالها دون تجاوز ، فإن القضاء المدني يملك الإمكانية الواسعة في الاختيار بين تطبيق القانون المدني وقانون الطائفة التي ينتمي إليها الزوجان اللبنانيان أو أحدهما عند إبرامهما زواجاً مدنياً في الخارج أو بين تطبيق قانون الطائفة التي أبرم لديها عقد الزواج والقانون الشخصي للزوجين عندما تتعلق المسألة بزواج أجانب أمام المرجع المحلي في لبنان .
ينتج عن ذلك : أنه إذا كانت الإيجابية الأساسية في هذا التنوع تكمن في هذا الثراء التشريعي الشخصي في لبنان ،والتنوع هو نصيب لبنان ، إلا أن سلبية أساسية تترتب على ذلك التنوع ، وهي تكمن في عنصر المفاجأة وعدم الثبات والاستقرار في العلاقات العائلية . فقد تتعقد مسألة معرفة القضاء المختص لحكم العلاقة كما لو تناول النزاع زواجاً مدنياً أبرم في الخارج بين لبناني مسلم ومسيحية أو بين درزي ومسلمة . أما مسألة معرفة القانون الواجب التطبيق على العلاقة فهي مسألة دائمة التعقيد وهذا ما يفسر الاختلاف في الحلول القضائية والمواقف الفقهية في الموضوع القانوني الواحد . في توضيح كل ذلك سنعرض في أربع بنود حالات الزواج المدني والقانون الذي يحكم آثار كل حالة على حدى :



البند الأول : الزواج المدني بين المسلمين في الخارج :

إذا أبرم الزواج في الداخل ،أي في لبنان، يكون الاختصاص بصراحة نص المادة 61 من قانون القضاء الشرعي السني والجعفري تاريخ 16/تموز/1962 لمحكمة الزوج ، وبالتالي لقانون طائفة هذه المحكمة . أما إذا أبرم الزواج في الخارج فإنه يبقى خاضعاً لأحكام الشريعة الإسلامية ولو تم مدنياً في الخارج . فالشريعة الإسلامية تعترف بصحة ذلك الزواج كما أبرم في الخارج لأنها تعتبر الزواج بالرضى المتبادل دون أي شرط احتفالي آخر ما لم يكن مخالفاً لأساسها ، كزواج المسلمة من غير مسلم . هذا ما يستنتج من أحكام المواد 6و18و61 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري المشار إليه . بل أبعد من ذلك : إن الاختصاص يقتضي أن يكون للقضاء الشرعي لسببين :
- السبب الأول أن المادة السادسة من قانون 16 تموز سنة 1962 تنص على حصر اختصاص المحاكم الشرعية في الدعاوى والمعاملات المتعلقة بالمتداعين من مذهبها . كما تنص المادة 17 على أن يدخل في اختصاص تلك المحاكم الدعاوى والمعاملات المتعلقة بالأمور التي حددتها وهي تتعلق بالزواج وآثاره ، وهو ما تؤكده أحكام المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية المرسوم الاشتراعي رقم 90 تاريخ 16 أيلول سنة 1983 والتي تنص على اختصاص المحاكم المدنية بالنظر في النزاعات الناشئة عن عقد الزواج الذي يتم في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرر في قانون ذلك البلد . على أن تراعى أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية أو أحدهما على الأقل لبنانياً . ومن ذلك النصوص المشار إليها . فالاشتراط في هذه النصوص ، وهو مبدأ ، هو ان يكون المتداعون من مذهب المحكمة لإعلان ذلك الاختصاص وإن اختلفا طائفةً .
- السبب الثاني أن الزواج في الشريعة الإسلامية هو عقد مدني وإن كان محاطاً بإطار ديني لا يتجاوز إبقاء العلاقة بين المرشح للزواج وخالقه وإن يكن القضاء الشرعي يشترط لإعلان اختصاصه أن يصار إلى التقدم بدعوى إثبات الزوجية ، والتي هي معاملة شكلية تهدف إلى تثبت المحكمة الشرعية من خلالها من أن إجراءات الشكل المتبعة في بلد الإنعقاد لا تتعارض مع قواعد أساسية في أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية .






البند الثاني : الزواج المدني بين المسيحين في الخارج :

إذا أبرم زواج مدني بين زوجين تابعين للطائفة المسيحية خارج لبنان ، يكون الاختصاص للقضاء المدني .
نصت المادة 25من القرار 60 ل .ر . المشار إليه ، المعدل بالقرار 146 ل . ر. بالنسبة لغير المسلمين على ما يلي : " إذا عقد في بلد أجنبي بين سوري ولبناني أو بين سوري أو لبناني وأجنبي كان صحيحاً إذا احتفل به وفقاً للأشكال المتبعة في هذا البلد .
" إذا كان نظام الأحوال الشخصية التابع له الزوج لا يقبل بشكل الزواج ولا بمفاعيله كما هي ناتجة عن القانون المحتفل بالزواج وفقاً له فيكون الزواج خاضعاً في سوريا ولبنان للقانون المدني " ويكون الاختصاص بالتالي هو للقضاء المدني . ولكن أي قانون مدني ؟ فأمام عدم وجود قانون مدني لبناني يحكم مادة الأحوال الشخصية في لبنان يرى الأستاذ تيان ، في شرحه للنص ، أن القاعدة الموضوعة هي " قاعدة تسقط في الفراغ . فالقانون المدني لا يوجد بعد في لبنان " وهو ما يفرض تجاوز ذلك الفراغ . وفي محاولة سد ذلك الفراغ يبدو القضاء متردداً ، والفقه يضع آراء مختلفة ، تتوزع بين اتجاهين : الالتزام المطلق للقضاء المدني بتطبيق القانون المدني لمكان الاحتفال بالزواج ( اتجاه اول ) . وعدم الالتزام المطلق للقضاء المدني بتطبيق القانون المدني ودون التزام مسبق بقانون مكان الاحتفال بالزواج ( اتجاه ثانٍ ) .


-في الاتجاه الأول :

إن عدم وجود قانون مدني يحكم زواج اللبنانيين غير المسلمين مدنياً في الخارج،
يستتبع إخضاع ذلك الزواج إلى قانون مكان الاحتفال بالزواج ، وبذلك تتوحد القاعدتان : قاعدة الشكل وقاعدة الأساس . محكمة التمييز ، الهيئة العامة ، في قرارها تاريخ 19/12/1964 أكدت هذا الاتجاه يؤيدها جانب من الفقه .اعتبرت " أن هذه المادة ( 25 من القرار 60ل.ر.المعدل) تخضع الزواج المعقود في فرنسا مدنياً من حيث الشكل التابع له ومن حيث الأساس أيضاً إلى القانون الفرنسي إذا كان نظام الأحوال الشخصية التابع له الزوج لا يقبل بشكل الزواج ولا بمفاعيله الناتجة عن القانون المحتفل بالزواج وفقاً له " . وفي تبريرها لذلك تعتمد المحكمة فكرة الخضوع التلقائي " فجميع ما يترتب على الزواج من آثار يجب أن يظل خاضعاً لأحكام القانون الفرنسي المدني الذي بمقتضاه عقد الزواج لأن الفريقين بعقدهما هذا الزواج وفقاً لأحكام هذا القانون ارتبطا بملء رضاهما بالقواعد والأحكام التي تنشأ عنه " .
الأستاذ تيان يعتمد تحليلاً مختلفاً . بنظره : للخروج من المأزق – المتمثل بعدم وجود قانون مدني لبناني – وتلافياً لعدم احقاق الحق لا يبقى إلا الوسيلة التي تعطي الصلاحية إلى قانون مكان الاحتفال بالزواج إن بالنسبة إلى الشروط الموضوعية للزواج وإن بالنسبة إلى مفاعيله وهو ما قضى به الحكم الصادر عن محكمة بيروت المدنية تاريخ 14 حزيران سنة 1945 . الحل المعتمد من الممكن تبريره بحجة مستمدة من النص القانوني نفسه المادة 25من القرار 60 ل.ر . المعدل : فطالما لم يوجد قانون مدني لبناني يرعى الزواج يبقى أن نستنتج الحل من الفقرة الثانية من تلك المادة وذلك على أساس التحليل التالي :
القاعدة هي إخضاع الزواج إلى قانون مكان الاحتفال . الفقرة الأولى من المادة 25 تعلن صحيحاً الزواج المعقود في الخارج وفقاً للشكل المعتمد في ذلك القانون وليس هناك من تحديد أو من تضييق لهذه القاعدة إن في الشكل أو في آثار الزواج – وهو ما يحتوي ضمناً الشروط الموضوعية – إلا في الحالة التي نصت الفقرة الثانية من تلك المادة ، و هي الحالة التي يتبع فيها الزوج طائفة لا تقبل بمفاعيل وشكل الزواج كما هي في قانون بلد الإبرام ، ولكن ذلك التقييد في القاعدة إنما هو تقييد مشروط بوجود القانون المدني اللبناني الذي تخضع له تلك الحالة المستثناة عن القاعدة وهو لم يوضع بعد .

-في الاتجاه الثاني :
إن عدم وجود قانون مدني يحكم زواج اللبنانيين غير المسلمين في الخارج لا يعني
بالضرورة إخضاع ذلك العقد إلى قانون مكان الاحتفال ، وإنما يقتضي اللجوء إلى عنصر تعيين مختلف ، وهو الإرادة .
*وقد تشير تلك الإرادة إلى تطبيق قانون مكان الاحتفال بالزواج ، فيطبق ذلك القانون على أساس انصراف إرادة الزوجين إلى تطبيقه . يشير الأستاذ نعيم في هذا الصدد إلى أنه " يقتضي التمييز بين زواج المسيحيين وزواج المسلمين – الذي يعقد مدنياً في الخارج – فالزواج لا يمكن ان يخضع للقوانين المسيحية لأن هذه القوانين لا تعتبر زواجاً إلا القران التام بوجه الكنيسة . إلا أنه من حق طالبي الزواج في هذه الحال أن يختارا صراحة قانون الطائفة التي ينتميان أو ينتمي احدهما إليها أو قانون طائفة أخرى . فاختيارهما صحيح يعمل به ولا يمس الانتظام العام اللبناني.
*وإذا لم يختر الزوجان قانوناً معيناً يمكن عندئذ افتراض إنهما اختارا ضمناً قانون مكان الاحتفال أو قانون محل اقامتهما إذا كانا مقيمين خارج لبنان . أما زواج المسلمين المعقود مدنياً خارج لبنان فيخضع للشريعة الإسلامية التي تعترف بصحته . " فكما للبنانيين حرية اعتناق المذهب الذي يريدون ويعقدون زواجهم في لبنان وفقاً لنطاقه كذلك للبنانيين في الخارج حرية اختيار القانون الذي يريدون تطبيقه على علاقاتهم الزوجية . ومن المؤشرات على الإرادة : مكان إبرام العقد ، الإقامة في لبنان وإجراء الزواج لدى السلطة الروحية التابع لها الزوج وتسجيل العقد في القنصلية اللبنانية في الخارج .



البند الثالث : الزواج المدني بين مسلم ومسيحية في الخارج :

يستفاد من أحكام قانون 16 تموز سنة 1962 وبالتحديد من نص المادتين 6 و 61 أن لا صلاحية للمحاكم الشرعية في لبنان بإبرام عقد زواج يكون أحد طرفيه غير مسلم ، وإن كان ذلك الزواج قد اجازته أحكام الشريعة الإسلامية فقانون 16 تموز سنة 1962 هو قانون خاص ، ينظم بشكل حصري ومحدد صلاحية المحاكم الشرعية السنية والجعفرية وهي تنحصر بالمسلمين من مذهب المحكمة ( المادة 6 ) .
إلا أن التعامل يتجاوز النصوص وهي استثنائية ، ليجيز للمراجع الشرعية إعمالاً لأحكام الشريعة الإسلامية في الموضوع ، إبرام عقود زواج المسلم من مسيحية ،والنظر في النزاعات التي قد تنشأ عن ذلك ، ولكن في المقابل ، يبقى للمسلمين أن يبرموا عقود زواجهم في الخارج من غير المسلمين . سواء أبرم عقد الزواج أمام المرجع الديني أو أمام المرجع المدني فإن الاتجاه هو أن اختصاص النظر في النزاعات التي تنشأ عنه هو للمحاكم الشرعية بعد إثبات الزوجية أمــام هذه المحاكم . إلا أن ذلك يقبل المناقشة لسببين : - السبب الأول يتعلق باختصاص المحاكم الشرعية وهوة استثنائي يتناول الأشخاص من مذهب المحكمة ، وإن كان عقد الزواج كما أبرم لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية . فمسألة اختصاص تلك المحاكم – وهي محاكم استثنائية – إنما تركزت بصراحة النصوص التي أشير إليها على أساس الأشخاص والموضوع وليس على أساس الموضوع دون مذهب أطراف العلاقة ، وهو ما تؤكده أحكام المادة 79 مكن قانون أصول المحاكمات المدنية.
- والسبب الثاني يتعلق بالقرار 53 ل.ر . تاريخ 30/آذار سنة 1939 الذي استثنى المسلمون من نطاق القرار60ل.ر . المعدل . نصت المادة الأولى من القرار 53 ل . ر. والقرار 146 ل . ر . لا يطبقان على المسلمين ويظلان غير مطبقين عليهم ولكن هل في هذا الفرض – زواج مسلم من غير مسلمة مدنياً أو دينياً في الخارج – مسلمين لكي يدخل هذا الزواج المختلط بين مسلم وغير مسلم في مجال الاستثناء الذي نص عليه القرار 53 ل. ر. المشار إليه ؟ فما يقتضي تمييزه هو زواج المسلمين ، والزواج الإسلامي . القرار 60 ل. ر . المعدل لا يطبق على المسلمين . علق مفعوله بالنسبة للطوائف الإسلامية ، ولكن لماذا لا يطبق على الزواج الاسلامي وقد لا يكون بين مسلمين ؟ زواج المسلمين لا يمكن أن يكون مختلطاً . فالزوجان مسلمان على أساس الإنتماء ( المعيار شخصي ) . الزواج الإسلامي قد يكون مختلطاً – وقد يبقى زواجاً تقره أحكام الشريعة الإسلامية حسب الطائفة – فالزوجة قد لا تكون مسلمة ( المعيار موضوعي ) ما استثناه القرار 53 ل .ر . هو الحالة الأولى فهو يتناول المسلمين دون أن يتجاوز في مجال حالات أخرى لا يكون فيها فقط مسلمون كما هو الطرح في الحالة المعروضة .


البند الرابع: الزواج المدني بين مسيحي ومسلمة في الخارج :

إن هذا الزواج يتنافى حكماً مع أحكام الشريعة الإسلامية ، أما إذا أبرم بالشكل المدني فإن اختصاص النظر في ذلك النزاع هو للقضاء المدني ، ويكون القانون الواجب التطبيق هو احكام المادة 25 من القرار 60 ل.ر . المعدل بالقرار 146 المشار إليه . كذلك هو الإتجاه عند زواج المسلم من درزي أمام عدم اختصاص المحاكم السنية والجعفرية على أساس معيار الإختصاص الشخصي .
BAHRAIN LAW
مدير الموقع
مدير الموقع
 
مشاركات: 758
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 17, 2008 5:36 pm
الجنس: ذكر

العودة إلى القانون المدني

 


  • { RELATED_TOPICS }
    ردود
    مشاهدات
    آخر مشاركة

الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 29 زائر/زوار