●المطلب الثاني●
- المعاوضة -
عقد المعاوضة هو عقد بموجبه يعطي احد العاقدين شيئا مقابل الحصول على شيء اخر,( ) وعقد البيع من اهم عقود المعاوضة, والمريض كقاعدة عامة غير ممنوع من التصرف معاوضة ما دام بثمن المثل لعدم وجود الضرر لكن المريض قد يبيع او يشتري بغبن فاحش عندئذ يختلف الحكم ففي الفقه الاسلامي اذ ما باع رجل في مرض موته مال بأقل من ثمن المثل ثم مات مدينا وتركته مستغرقة كان لاصحاب الديون ان يكلفوا المشتري ابلاغ ثمن ما اشتراه الى ثمن المثل واكماله وادائه للتركة فان لم يفعل فسخوا البيع ولو كان الغبن يسيرا سواء اجاز الورثة هذا البيع او لم يجيزوه وهكذا الحكم فيما لو اشترى المريض مالا باكثر من ثمن المثل أي ان للغرماء ان يستردوه منه ما زاد على ثمن المثل وان رفض فلهم فسخ البيع واسترداد الثمن.( )
وعلى ذلك سنعالج هذا الموضوع في الفقه الاسلامي ومن ثم نستعرض موقف القوانين المقارنة منه كلا في فقرة مستقلة.
اولا :- البيع في مرض الموت في ظل الفقه الاسلامي :-
اذا باع المريض شيئا من اعيان ماله فمثل هذا البيع قد يكون لاجنبي وقد يكون لوارث الامر الذي يتطلب معالجة كلا من هذين الفرضين في بند مستقل :-
أ- بيع المريض ماله لأجنبي:-
هنا يفرق في احكام بيع المريض ماله لاجنبي بين ما اذا كان المريض غير مدين وبين ما اذا كان مديناً.
1- بيع المريض غير المدين ماله لأجنبي :- فرق فقهاء المسلمين في هذا البيع حالة ما اذا كان بيع المريض غير المدين للاجنبي بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله وبين حالة ما اذا كان مع المحاباة وسنستعرض اراءهم مفصلة فيما يأتي :-
حالة بيع المريض غير المدين لأجنبي بثمن المثل :- اتفق الفقهاء من الحنفية,( ) والشافعية, ( ) والمالكية,( ) والحنابلة,( ) والزيدية,( ) والامامية,( ) والظاهرية,( ) على ان المريض اذا باع شيئا من اعيان ماله لاجنبي بثمن المثل يتغابن الناس بمثله , فبيعه صحيح نافذ على البدل المسمى , لان المريض غير محجور عن المعاوضة المعتادة التي لا تمس حقوق دائنيه وورثته . حيث جاء في المادة ( 359 ) من مرشد الحيران:(( يجوز بيع المريض في مرض موته لغير وارثه بثمن المثل او بغبن يسير , و لا يعد الغبن اليسير محاباة عند عدم استغراق الدين )).( )
حالة بيع المريض غير المدين لاجنبي مع المحاباة :- اختلف فقهاء المسلمين في حكم محاباة المريض غير المدين لاجنبي في البيع, حيث قال الحنفية:(( اذا باع المريض شيئا من ماله لاجنبي محاباة في البيع, فيفرق بين ما اذا كان ثلث ماله يحمل هذه المحاباة وبين ما اذا كانت المحاباة اكثر منه – فان كانت المحاباة بحيث يحملها الثلث فان البيع صحيح ونافذ على البدل المسمى , لان المريض له ان يتبرع لغير وارثه بثلث ماله , ويكون هذا التبرع نافذا وان لم تجزه الورثة – ( ) اما اذا كانت المحاباة اكثر من ثلث ماله , فينظر : ان اجازها الورثة نفذت لان المنع كان لحقهم , وقد اسقطوه. وان لم يجيزوها , فيفرق بين ما اذا لم يكن البدلان في البيع من جنس واحد من الاموال الربوية , وبين ما اذا كان البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية غير النقدين :-
الحالة الاولى:- فان لم يكن البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية وزادت المحاباة على الثلث , ولم يجزها الورثة, فيخير المشتري بين ان يدفع للورثة قيمة الزائد على الثلث ليكمل لهم الثلثين وبين ان يفسخ البيع ويرد المبيع الى الورثة ويأخذ ما دفعه من الثمن ان كان الفسخ ممكنا , اما اذا تعذر الفسخ كما اذا هلك المبيع تحت يده او اخرجه عن ملكه ,الزم باتمام الثمن الى ان يبلغ القيمة. ( )
الحالة الثانية :- اما اذا كان البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية غير النقدين, وكانت المحاباة بأكثر من ثلث ماله ولم يجزها الورثة, فليس للورثة ان يلزموا المشتري بان يدفع لهم الزائد او يفسخ البيع لان هذا يؤدي الى ربا الفضل . لهذا ينسب الثلث الى المحاباة ويصح البيع بقدر النسبة ويبطل فيما عداها والمشتري بالخيار بين فسخ العقد لتفرق الصفقة عليه, وبين الرضا بالبيع في القدر الباقي .( ) وجاء في المادة (360 ) من مرشد الحيران انه:(( اذا باع المريض في مرض موته لغير الوارث بغبن فاحش,( ) نقصاً في الثمن , فهو محاباة تعتبر من ثلث ماله فان خرجت من ثلث ماله بعد الدين بان كان الثلث يفي بها لزم البيع وان كان الثلث لا يفي بها بان زادت عليه, يخير المشتري بين ان يدفع للورثة الزائد على الثلث لاكمال ما نقص من الثلثلين او يفسخ البيع )). ( )
في حين قالت الشافعية : (( اذا باع المريض شيئأ من اعيان ماله للاجنبي , محاباة في البدل , فحكم هذه المحاباة حكم الوصية للاجنبي , تنفذ من ثلث ماله وما زاد على الثلث يتوقف على اجازة الورثة فان اجازوها نفذت والا خُير المشتري بين رد المبيع ان كان قائما , ويأخذ ثمنه الذي دفعه وبين ان يعطي الورثة الفضل عن ما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث, وان كان المبيع هالكا رد الزيادة على ما يتغابن الناس بمثله مما لم يحمله الثلث وكذا اذا كان المبيع قائما لكنه قد دخله عيب )). ( )
اما المالكية فتقول
( اذا باع المريض ماله لاجنبي بأقل من ثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله , فأما ان يقصد ببيعه بأقل من ثمن المثل نفع المشتري واما ان لا يقصد ذلك . ففي الحالة الاولى فأن قصد ببيعه ماله باقل من قيمته بكثير نفع المشتري , فما نقص عن القيمة يعتبر محاباة حكمها حكم الوصية للاجنبي , تنفذ من ثلث ماله ان حطها الثلث , وتبطل في القدر الزائد على الثلث ان لم يجزها الورثة وان اجازوها جازت وتكون ابتداءً عطية منهم تفتقر الى الحوز.( ) والوقت المعتبر في تقدير قيمة المبيع هو وقت البيع لا وقت موت البائع.( ) اما في الحالة الثانية اذا لم يقصد ببيعه ماله بأقل من قيمته بكثير نفع المشتري , كان وقع منه ذلك جهلاً بقيمته , فهو غبن يصبح معه البيع على البدل المسمى وينفذ ولا يعتبر النقصان عن ثمن المثل من الثلث مهما بلغ )).
اما الحنابلة فيقولون
( اذا حابى المريض الاجنبي في البيع فالبيع صحيح وتنفذ المحاباة من ثلث ماله ان حطها . اما اذا كانت اكثر من الثلث فينظر : ان اجازها الورثة نفذت , وان لم يجيزوها فيفرق بين ما اذا لم يكن البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية.( ) وبين ما اذا كانا من جنس واحد من الاموال الربوية غير الثمنين . ففي الحالة الاولى , فان لم يكن البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية , وزادت المحاباة على الثلث ولم يجزها الورثة بطل البيع في قدر الزيادة على الثلث , وسلم للمشتري الباقي , وكان بالخيار بين فسخ البيع وبين ان يأخذ ما سلم له من البيع.( ) وفي الحالة الثانية , اذا كان البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية غير الثمنين , وزادت المحاباة على الثلث ولم يجزها الورثة فينسب الثلث الى المحاباة ويصح البيع, بقدر النسبة , ويبطل فيما عداها , والمشتري بالخيار بين فسخ البيع لتفرق الصفقة عليه , وبين الرضا بالبيع في القدر الباقي وانما فعل ذلك لئلا يفضي الى الربا )).( )
اما الأمامية فذهب فريق منهم الى : (( ان البيع صحيح ونافذ على البدل المسمى سواء اكانت المحاباة قليلة أم كثيرة , حملها ثلث ماله ام كانت اكثر منه )).( ) وقال فريق آخر من الامامية : (( ان البيع صحيح ونافذ على البدل المسمى ان كانت المحاباة قدر ثلث ماله او أقل , اما اذا كانت المحاباة اكثر من ثلث ماله فينظر : ان اجازها الورثة نفذ البيع على العوض المسمى,( ) اما اذا لم يجيزوها , فيفرق بين ما اذا لم يكن البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية, وبين ما اذا كان البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية غير الثمنين . ففي الحالة الاولى , فان لم يكن البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية وزادت المحاباة على الثلث ولم يجزها الورثة , بطل البيع في قدر الزيادة على الثلث , والمشتري بالخيار بين فسخ العقد لتفرق الصفقة عليه وبين ان يأخذ من المبيع بقدر ما دفع من الثمن وما حمله ثلث مال المريض وان اراد ان يدفع للورثة قيمة الزائد على الثلث من المحاباة ليسلم له كل المبيع , فالورثة بالخيار بين القبول والرد. وفي الحالة الثانية , اذا كان البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية غير الثمنين وزادت المحاباة على الثلث ولم يجزها الورثة فينسب الثلث الى المحاباة ويصح البيع بقدر النسبة ويبطل فيما عداها )).( )
يتضح لنا مما تقدم ان المريض غير المدين اذا باع شيئاً من اعيان ماله لأجنبي , وكان في بيعه محاباة يحملها ثلث ماله , فان بيعه صحيح نافذ على البدل المسمى عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والامامية والظاهرية . اما اذا كانت المحاباة اكثر من ثلث مال المريض فقد اتفقت هذه المذاهب ايضا على ان هذا البيع صحيح نافذ على العوض المسمى ان اجاز الورثة القدر الزائد من المحاباة على الثلث لان المنع لحقهم وقد اسقطوه , اما اذا لم يجزه الورثة فقد راينا اختلاف الفقهاء في ذلك ولكن يمكن ان نخرج مما تقدم بما مايأتي :-
ا – اذا لم يكن البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية , وهو قول الحنابلة وفريق من الامامية , فحكمه هو بطلان البيع في قدر الزيادة على الثلث , ونفاذه فيما عداها ان كانت محاباة المريض باكثر من ثلث ماله ولم يجزها الورثة , ومنع المشتري الخيار بين فسخ العقد وبين اخذ ما سلم له مقابل ما دفعه من الثمن , وما جاز له من المحاباة التي حملها الثلث وذلك لان فيه مراعاة لحق الورثة المتعلق بثلثي مال المريض ولخلوه عن اجبار الورثة على المعاوضة على غير الوجه الذي عارض به مورثهم ولمراعاته لحق المشتري بتخييره بين فسخ العقد لتفرق الصفقة عليه او القبول به في القدر الذي سلم له من المبيع ولعلاقته من الايراد عليه .
ب – اذا كان البدلان من جنس واحد من الاموال الربوية غير الثمنين , وهو قول الحنفية والحنابلة وفريق من الامامية , فحكمه هو ان ينسب ثلث ماله الى المحاباة ويصح البيع بقدر النسبة , ويكون المشتري بالخيار بين فسخ البيع لتفرق الصفقة عليه , وبين القبول به في القدر الباقي لان القول برد المشتري قيمة الزيادة من المحاباة على الثلث الى الورثة ليسلم له كل المبيع كما ما ذهب اليه من الشافعية ومن وافقهم المؤدي الى ربا الفضل فكان تصحيح البيع بقدر هذه النسبة فيها منجى او الخلاص من الوقوع في الربا ونحن نؤيد ذلك - والله اعلم-
2 - بيع المريض المدين ماله لاجنبي :- اذا باع المريض المدين ماله لاجنبي , فقد فرق الحنفية في حكم بيعه بين ما اذا كان دينه مستغرقا لماله او غير مستغرق , لذا سنوضح هذين الحالتين كما يأتي :-
حالة بيع المريض المدين بدين مستغرق لاجنبي :- اذا باع المريض شيئاً من ماله لاجنبي بثمن المثل وكان مديناً بدين مستغرق فأن البيع صحيح ونافذ على العوض المسمى ولا حق للدائنين في الاعتراض عليه , لان حقهم متعلق بمالية التركة لا بأعيانها, ( ) والمدين وان كان قد اخرج شيئا ً من ملكه بهذا البيع الا انه قد ادخل فيه ما يقابله من الثمن المساوي لقيمته . اما اذا كان في البيع محاباة للمشتري فلا تنفذ المحاباة سواء اكانت قليلة ام كثيرة الا باجازة الدائنين لتعلق حقهم بماله فان لم يجيزوا خُير المشتري بين ان يبلغ المبيع تمام قيمته ولا اعتراض للدائنين عليه اذا لا ضرر يلحقهم وبين فسخ العقد واخذ ما دفعه من الثمن ان كان الفسخ ممكناً . اما اذا تعذر الفسخ كما اذا هلك المبيع تحت يده او اخرجه من ملكه الزم باتمام الثمن الى ان يبلغ القيمة.( ) كما وجاء في المادة (361) من مرشد الحيران : (( اذا باع المريض لاجنبي شيئاً من ماله بمحاباة فاحشة او يسيرة وكان مديوناً بدين مستغرق لماله فلا تصح المحاباة سواء اجازته الورثة او لم يجيزوه ويخير المشتري من قبل اصحاب الديون , فان شاء أبلغ المبيع تمام القيمة , والا فسخ البيع . فان كان قد تصرف في المبيع قبل فسخ تلزمه قيمتهُ بالغة ما بلغت )).( )
حالة بيع المريض المدين بدين غير مستغرق لأجنبي :- اذا باع المريض شيئا من ماله لاجنبي بثمن المثل وكان مدينا بدين غير مستغرق لماله , صح البيع ونفذ على البدل المسمى اما اذا كان فيه محاباة , فيخرج مقدار الدين من التركة ويأخذ هذا البيع حكم البيع فيما لو كان المريض غير مديون اصلاً بالنسبة للمبلغ الباقي بعد الاخراج.( )
ب- بيع المريض ماله لوارث –
اذا باع المريض شيئاً من ماله لوارثه , فينبغي ان نفرق بين ان يكون المريض البائع غير مدين وبين ان يكون مديناً.
1- بيع المريض غير المدين ماله لوارث :- اختلف الفقهاء في حكم بيع المريض غير المدين ماله لوارثه, فنرى ان للحنفية في هذا الحكم قولين : احدهما قول ابي يوسف ومحمد بن الحسن وابن ابي ليلى , وهو يُفرق في هذه الحالة بين ان يكون البيع بمثل القيمة وبين ان يكون مع محاباة :-
أ – فان باع المريض وارثه عيناً من ماله بمثل القيمة وبما يتغابن الناس بمثله , فان بيعه يكون صحيحاً ونافذاً لانه ليس فيه ابطال لحق الورثة عن شيء مما يتعلق حقهم به وهو المالية , فكان الوارث والاجنبي في ذلك سواء. ( )
ب – اما اذا باع المريض وارثه عينا من ماله محاباة في ثمنه , فأن البيع يتوقف على اجازة الورثة سواء حمل ثلث ماله هذه المحاباة ام لم يحملها , فان اجازوه نفذ والاخير الوارث بين ان يبلغ المبيع تمام القيمة وعندها يسقط حق الورثة في الاعتراض عليه وبين ان يفسخ البيع ويرد المبيع الى التركة ويستلم الثمن الذي دفعه للمورث.( ) ولكن بيع المريض مرض الموت لوارثه بثمن المثل لا يجوز,( ) ويُرجح بعض الكتاب راي ابو حنيفة بقولهم : (( ارى ترجيح ما ذهب اليه الامام ابو حنيفة ( رضي الله عنه ) دفعاً لما قد يحدث من ايثار بعض الورثة بعين معينة من التركة , فان الاعيان وان حلت قيمتها محلها الا انها تختلف اختلافاً كبيراً باختلاف اغراض استخدامها )).( )
وثانياً قول الامام ابي حنيفة وهو ان البيع يكون موقوفاً على اجازة باقي الورثة فان اجازوه نفذ وان ردوه بطل سواء اكان البدل مساوياً لمثل القيمة او كان فيه محاباة.( )
اما الشافعية فذهبوا الى انه يجوز للمريض ان يبيع ما شاء من اعيان ماله الى أي شخص من ورثته , وينفذ بيعه على العوض المسمى اذا كان البيع بمثل القيمة او بما يتغابن الناس بمثله , وبه قال الظاهرية. ( ) حيث جاء في الام:(( قال الشافعي : واذا باع الرجل المريض بيعاً من بعض ورثته بمثل قيمته او بما يتغابن الناس به ثم مات فالبيع جائز , لا هبة ولا وصية فيرد )). ( )
اما المالكية فذهبوا الى انه اذا باع المريض وارثه شيئا من ماله دون محاباة فالبيع جائز ونافذ على البدل المسمى , حيث جاء في المدونة:(( قلت : ارايت ان بعت عبداً لي من ابني في مرضي ولم احابه , ايجوز ام لا ؟ قال : نعم اذا لم يكن فيه محاباة )).( )
اما الحنابلة فيقولون : يجوز للمريض ان يبيع ما شاء من ماله لوارثه , وينفذ بيعه اذا كان بثمن المثل.( ) وجاء في المغنى انه:(( لو عاوض المريض بعض ورثته اواجنبياً بجميع ماله , صح اذا كان بثمن المثل )).( )
اما الامامية فيقولون : اذا باع المريض شيئاً من ماله لوارثه بثمن المثل وما يتغابن الناس بمثله صح البيع ونفذ على البدل المسمى . وعلى هذا اجمع الامامية كما ذكر الحلي في تذكرة الفقهاء. ( )
يتضح لنا من كل ما تقدم ان الرأي الراجح هو قول الامام ابي حنيفة وابي الخطاب من الحنابلة وهو ان بيع المريض غير المدين لوارثه أي عين من أعيان ماله يتوقف على اجازة باقي الورثة سواء اكان بيعه هذا بثمن المثل او أقل منه أو اكثر , وذلك لان حق الورثة يتعلق بمال المريض صورة ومعنى اذا كان تصرفه مع وارث دفعاً للغضاضة عن باقي الورثة لان بيع المريض لوارثه شيئاً من اعيان ماله فيه ايثار له عن باقي الورثة ولو كان بمثل القيمة او باكثر منها.( ) لان للناس في الأعيان إغراضا ومقاصد , ومن حق الورثة ان يضمنوا عدم ايثار المريض لبعضهم على بعض باعيان يختارها لهم ولو كانت بقيمتها او بأكثر لان هذا يؤدي الى الحقد والحسد ويثير في نفوسهم الضغينة والبغضاء , وقد نهى الله – سبحانه وتعالى – عن ذلك.( )
2- بيع المريض المدين لوارث :- اذا باع المريض المدين ماله لوارث , فاما ان يكون دينهُ مستغرقاً لتركته واما ان يكون غير مستغرق . وسنعالج هاتين المسألتين كالاتي :-
حالة بيع المريض المدين بدين مستغرق لوارث :- اتفق الامام ابو حنيفة واصحابه على ان المريض المدين بدين مستغرق اذا باع ماله لوارث بثمن المثل فان البيع صحيح نافذ على البدل المسمى , و لا حق للدائنين في الاعتراض عليه لان حقهم متعلق بمالية التركة لا باعيانها , والمريض وان كان قد اخرج شيئا من ملكه بهذا البيع الا انه قد ادخل فيه مايقابله من الثمن المساوي لقيمته , اما اذا كان في بيع المريض المدين محاباة للوارث في البدل فلا تنفذ المحاباة سواء اكانت قليلة أم كثيرة الا بأجازة الدائنين . فان اجازوها نفذت وان ردوها خيّر المشتري بين ان يبلغ المبيع تمام قيمته , ولا اعتراض للدائنين, وبين فسخ البيع وأخذ ما دفعه من الثمن ان كان الفسخ ممكناً , اما اذا تعذر لهلاك المبيع تحت يده وما اشبهه , فيلزم المشتري بأتمام الثمن الى ان يبلغ القيمة.( ) اما بالنسبة للوارث فان حقه متعلق باعيان التركة وماليتها من قبل ان يكون العقار قد استملك في عهد المورث ودفعت بيت المال او الدولة بدل استملاك للورثة فهذا حق للورثة في مالية التركة . وعليه فان حقهم لا ينحصر في الاعيان دون المالية ولا المالية دون الأعيان .
حالة بيع المريض المدين بدين غير مستغرق لوارث :- اذا باع المريض المدين بدين غير مستغرق ماله لوارث , فيخرج مقدار الدين من التركة , ويحكم على البيع في القدر الزائد على الديون بحكم البيع فيما لو كان المريض غير مدين أصلا .( )
وعليه , مثل البيع في كل الاحوال المتقدمة الشراء , فأذا اشترى المريض مرض الموت من وارثه الصحيح او من اجنبي وكان غير مديون او كان مديونا اتبعت الاحكام المتقدمة في البيع. ( )
جاء في الفتاوى الهندية : (( صورة المحاباة ان يبيع المريض ما يساوي مئة بخمسين او يشتري ما يساوي خمسين بمائة , فالزائد عن قيمة المثل في الشراء , والناقص في البيع محاباة )).( )
وعليه : (( لما كان مرض الموت سبباً عادياً في الموت الذي به يتحقق العجز التام , وخراب الذمة بحيث لا تصلح لتعلق الدين بها , وبه يثبت خلافة الورثة في تركته وصار حق الورثة والغرماء متعلقاً بالتركة من وقت حدوث ذلك المرض لان الحكم يستند الى ادلة السبب .....)).( )
ثانيا :- البيع في مرض الموت في ظل القوانين المقارنة/
يّعدُ البيع اهم العقود الواردة على الملكية على الاطلاق من الناحيتين التشريعية والعملية , فعقد البيع ينشأ ككل العقود بألتقاء ايجاب وقبول متوافقين أي بالتقاء ارادة كل من البائع والمشتري ويشترط في هاتين الارادتين توافر ما يتطلب من شروط لصحة التصرفات القانونية بصفة عامة ويجب ان يحدد الثمن بالصورة التي لا تتناقض مع احكام القانون او طبيعة البيع باعتباره عقد معاوضة لان البيع عقد ناقل للحق نظير عوض على ان يتم النقل حال حياة البائع , فاذا كان النقل بلا عوض فالعقد هبة وان كان مضافاً الى بعد وفاة الناقل فهو وصية , ويشترط في العوض ان يكون مبلغاً من النقود والا كان العقد مقايضة لا بيعاً.( ) وقد وردت في التقنينات المدنية العربية الاخرى نصوصاً فيما يتعلق بالبيع في مرض الموت فنجد ان المشرع الاردني قد نص على البيع في مرض الموت في المواد(544- 545 – 546 -547) من التقنين المدني الاردني.( ) بحيث نجد ان المشرع الاردني من خلال هذه المواد قد فرق في هذا المجال بين التصرفات التي تكون لوارث او غير وارث :-
أ- البيع لوارث :-
بمقتضى حكم المادة ( 544/1) من التقنين المدني الاردني يكون حكم بيع المريض مرض الموت مالاً لورثته غير جائز الا اذا اجازهُ بقية الورثة فلقد نصت هذه المادةعلى انه : (( بيع المريض شيئاً من ماله لأحد ورثته لا ينفذ مالم يجزه باقي الورثة بعد موت المورث )).( ) ومن ثم يثور هنا تساؤل وهو هل عندما لا يكون البيع ببدل المثل ؟ والجواب عن ذلك ان النص هنا مطلق والمطلق يجري على اطلاقه , اذ لا يفرق التقنين المدني الاردني بين حالة ما اذا كان بيع المورث لوارثه ببدل المثل وحالة بيع المورث لوارثه باقل من بدل المثل في الحالتين اذ يكون البيع في هاتين الحالتين غير نافذ في حق الورثة لانه موقوف على اجازة بقية الورثة , والاثر القانوني لهذا البيع الموقوف استخلصهُ التقنين المدني الاردني من فقه أبي حنيفة ( رحمه الله ) من حيث ان المورث قد يتحيز للوارث بسبب حالته النفسية المضطربة بحيث انه قد يتفق مع الوارث على بدل قريب من بدل المثل بقصد الاضرار ببقية الورثة . والملاحظ هنا انه لم يعلق على بدل المبيع.
ب – البيع لغير وارث ( لأجنبي ) :-
من استقراء حكم المادة ( 544/2) من التقنين المدني الاردني والمادة ( 545) من التقنين المدني الاردني يتبين بصورة واضحة, ( ) ان بيع المريض لاجنبي بثمن المثل او بغبن يسير لا يتوقف على اجازة الورثة.( ) والسبب في ذلك ان البيع في هذه الحالة بعيد عن الشبهة والشك والريبة والتحيز وان كان فيه غبن فهو مما يتسامح فيه عادة او يكون بصورة طبيعية واعتيادية في التعامل اليومي للافراد حتى الاصحاء منهم.( ) هذا وقد قررت محكمة تمييز الحقوق الاردنية انه : (( ان بيع المريض مرض الموت ماله لاحد ورثته او اكثر اثناء مرض موته يعتبر وفقاً للمادة( 393) من المجلة والتي اخذ القانون المدني في المادة (544/1) بها بيعاً صحيحاً موقوفاً على اجازة بقية الورثة فأن اجازوه لزم وان لم يجيزوه فسخ )).( ) ولكن الشبهة وعدم الحياد يظهر عندما يكون البيع بغير بدل المثل , فقد نصت المادة (545) من التقنين المدني الاردني على : (( 1- بيع المريض من اجنبي بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت نافذ في حق الورثة اذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تتجاوز ثلث التركة داخلا فيها المبيع ذاته.( ) 2- أما اذا تجاوزت هذه الزيادة ثلث التركة فلا ينفذ البيع مالم يقره الورثة او يكمل المشتري ثلثي قيمة المبيع والا كان للورثة فسخ البيع.( ) )).( ) وهناك حالة ان يبيع المريض مرض الموت ماله بأقل من قيمة المثل وهو مدين وتركته مستغرقة بالديون,( ) فما الحكم في هذه الحالة؟
تناولت حكم هذه الحالة المادة ( 546) من التقنين المدني الاردني واجابت عنه فنصت على انه : (( لا ينفذ بيع المريض لاجنبي بأقل من قيمة مثله ولو بغبن يسير في حق الدائنين كانت التركة مستغرقة بالديون وللمشتري دفع ثمن المثل والاجاز للدائنين فسخ البيع )).( )
ان الحكمة من هذا النص هو دفع الضرر عن الدائن المتعلقة حقوقهم بالتركة وذلك بالحفاظ عليها وعدم الانتقاص منها,( ) حتى يتحقق قول الرسول عليه افضل الصلاة والسلام انه ( لا ضرر ولا ضرار ).( ) ومن الجدير بالذكر اذا باع المورث امواله وهو في مرض موته وكان بيعه بمحاباة فلا خلاف بين علماء الفقه الاسلامي على ان هذا البيع من المورث المريض مرض الموت يأخذ حكم وصيته في حال صحته فان كانت المحاباة لغير وارث فانها تكون نافذة على الورثة متى كانت في حدود ثلث التركة فان زادت عن هذا القدر فأنها توقف على اجازتهم في الزائد.
تقديراً لاهمية النية في التصرفات واعتداداً بها فاننا نجد ذلك واضحاً من خلال النص عليه في المادة (547/1) من التقنين المدني الاردني,( ) ولكن في الوقت نفسه ولتحقيق معادلة عادلة بين الحقوق والالتزامات وحماية لحق الدائن فانه يجوز ان يكون لهؤلاء الحفاظ على حقهم وهذا ما نجده واضحاً من نص الفقرة الثانية من نفس المادة.( )
في الواقع نرى ان موجودات التركة هي التي تضمن حقوق الدائنين ولهذا فان كل فعل يصدر من المريض مرض الموت يُنقص من موجودات هذه التركة فللورثة الحق في فسخهُ او الرجوع على المشتري بالفرق والدليل على ذلك ما نجده من نص المادة (547) من التقنين المدني الاردني الآنف الذكر . ونستنتج من كل ذلك ان بيع المريض في مرض الموت يعتبر صحيحاً الا انه يّعدُ موقوفاً على اجازة الورثة فان اجازوه نفذ وان لم يجيزوه فسخ وهناك تطبيقات قضائية كثيرة في هذا الموضوع فنجد ان محكمة تمييز الحقوق الاردنية قد قررت :-
(( ان بيع المريض مرض الموت ماله لاحد ورثته او اكثر اثناء مرض موته يعتبر , وفقاً للمادة ( 393) من المجلة والتي أخذ القانون المدني في المادة (544/1) من التقنين المدني الاردني بها , بيعاً صحيحاً موقوفاً على اجازة بقية الورثة فان اجازوه لزم وان لم يجيزوه فسخ , ....)).( ) وقررت ايضاً : (( ان فراغ الارض الاميرية معتبر ولو في مرض الموت ولا تنتقل الارض بعد وفاة المتفرغ الى ورثته وذلك باحكام المادة (120) من قانون الاراضي وعليه فان بيع الارض الاميرية الذي وقع في مرض موت البائع صحيح ونافذ بحق العاقدين وخلفهم )).( ) وقضت ايضاً : (( ان اجازة بعض الورثة لبيع مورثهم الذي باع العقارات للمييز ضدها وهو في مرض الموت ينفذ في حصص من اجاز البيع من الورثة ولا ينفذ في حصص من لم يجز البيع لان سهم كل وارث في التركة مستقل عن سهام الباقين )).( )
واخيرا قضت بانه : (( ان مرض الموت وكما يستفاد من منطوق المادة (543/1) من القانون المدني الذي يعجز فيه الانسان عن متابعة اعماله المعتادة ويغلب فيه الهلاك ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة وان استند مرضه وهو على حالة واحدة دون ازدياد تكون تصرفاته كتصرفات الصحيح وحيث ان محكمة الاستئناف انتهت بحكم صلاحيتها في تقدير ووزن البينة الى ان المدعين لم يثبتوا ابتداء ان المتوفى حين قيامه ببيع العقار موضوع الدعوى كان مريضاً مرض الموت فأن ما انتهى اليه القرار المميز ان حكم مورث الفريقين حكم الصحيح وان تصرفه صحيح ومعتبر يتفق وحكم القانون )).( ) كما وان بيع الاراضي الاميرية يعد صحيحاً ولو كان واقعاً في مرض الموت ونجد ذلك واضحاً عندما نصت المادة (120) من قانون الاراضي العثماني على انه : (( تعتبر بيع الاراضي الاميرية نافذاً ولو وقع في مرض الموت ولا ينتقل المبيع الا بعد وفاة البائع الى الورثة)).( )
هذا وهناك تطبيقات قضائية اردنية عديدة منها ما قضت به محكمة تمييز الحقوق الاردنية اذ قضت : (( ان المادة (120) من قانون الاراضي تعتبر بيع الاراضي الاميرية نافذاً ولو وقع في مرض الموت ولا ينتقل المبيع بعد وفاة البائع الى الورثة . ان القول بان المجلة قد اوردت نصاً خاصاً على مرض الموت وان صدورها متاخر عن تاريخ صدور قانون الاراضي , هو قول لا يغير من الحكم القانوني من بيع الاراضي الاميرية نافذ على الورثة ولو وقع في مرض الموت وذلك لان قانون المجلة قانون عام بالنسبة لقانون الاراضي الذي يعتبر خاصاً والقاعدة ان القانون العام اذا صدر بعد القانون الخاص يعتبر القانون الخاص استثناء من القانون العام . ان نص المادة (120) من قانون الاراضي قد ورد مطلقاً والمطلق يجري على اطلاقه , وتأسيساً على ذلك فان حكم هذه المادة يشمل الفراغ الجاري لاي شخص سواء اكان من الورثة ام لم يكن)). ( ) ونصت ايضاً : (( لا يترتب على مرض الموت بطلان معاملة فراغ القطع من نوع الاراضي الاميرية لان المادة (120) من قانون الاراضي اجازت فراغها ولو كان المتصرف بها في مرض الموت . اذا لم يكن المورث حين البيع في مرض الموت بالمعنى المنصوص عليه في المادة (1595) من المجلة لان البينة اثبتت بان مرضه امتد اكثر من سنة وانه كان خلال مرضه يمارس بعض اعماله خارج بيته. لا يجوز للمدعيات التمسك بالحيلة والغش كسبب لابطال معاملة الفراغ مادام أنهن قد طلبن ابطالها في لائحة دعواهن بالاستناد الى سبب واحد وهو مرض الموت ولم يقدمن لائحة بالسبب الجديد بمقتضى المادة (60) من الاصول الحقوقية )). ( ) اذ يقول الدكتور دعيبس المر بانه : (( اذا توفي المريض المفرغ دون وارث فليس للحكومة ان تتعرض للمفرغ له . وقد علل ارباب الحقوق هذا الاختلاف بين احكام المجلة وقانون الاراضي بانه في اراضي الملك يخشى من قصد المريض في ايقاع الضرر بالورثة ( بالايصاء لبعضهم دون الاخرين ) او في دائنيه بتهريب املاكه. اما في الاراضي الاميرية فلا يحق لدائنيه ان يستوفوا ديونهم من هذه الاراضي كما انه لايجوز انتقالها بالوصية فاصبح لا مانع من الفراغ في مرض الموت , ولكن في الاراضي الموقوفة قد اشترط ان يكون للمفرغ في مرض موته وارث او صاحب حق انتقال والا لا يجوز فراغه خوفاً من ان يكون المريض قصد منع الارض من ان تعود للوقف . وعلى كل حال يشترط في صحة فراغ المريض ان يكون صحيح الشعور مالك حواسه فلا يجوز فراغه اذا كان مرضه قد فتك بحواسه العقلية فافقده فهمه اذ يعتبر حينئذ كالمجنون ويبطل تصرفه بتاتاً )).( ) في باديء تأسيس الدولة العثمانية كان فراغ الاراضي الاميرية والموقوفة جبراً وفاءً للدين ممنوعا وبقي الامر كذلك حتى بعد صدور قانون الاراضي بالنظر لكون المتصرف يعتبر مستأجراً للارض وليست مالكاً لها وعلى ذلك بنيت القاعدة العامة ان الاراضي الأميرية لا تؤمن دين المتصرف وهذا ما نصت عليه المادة (115) من قانون الاراضي الا ان هذة المادة تعدلت تباعا اولا بالقوانين الصادرة في ربيع الاول سنه 1279هـ و27 شعبان سنه 1386هـ و23 رمضان سنه 1286هـ و 15 شوال سنه 1288هـ بحق بيع الاموال الغير منقولة والتي رخصت بيع اراضي المديون شرط ان يجري ذلك مدة حياته فقط اما بعد وفاته فبقي ذلك ممنوعا حتى صدور قانون التصرف بالاموال الغير منقولة الذي قد اجازه في المادة (16) منه. ( ) ا وان المجلة كانت تقيد تصرفات المريض مرض الموت لا سيما اذا كان لمصلحة الوارث ولكن المادة (120) من قانون الاراضي كانت تجيز افراغ الاراضي الأميرية في مرض الموت بصورة مطلقة.( )
اما القانون المدني العراقي فلم ُيجـِز افراغ الاراضي الأميرية في مرض الموت اذا كان دون بدل او ببدل محاباة تمشيا مع القاعدة العامة في الاملاك وليس هناك فرق بين ان يكون المفرغ من اصحاب حق الانتقال او من جانب الاجانب (من غير اصحاب حق الانتقال).( ) يعتبر فراغ المريض ارضه } أي ارضه الأميرية /الباحث{ في مرض موته سواء كان لوارث او لاجنبي بعوض او بغير عوض , وسبب الفرق بين هذا الحكم في الاملاك الصرفة وبينه في الاراضي الأميرية هو ان ورثة المريض ودائنيه يتعلق حقهم في تركته ويحتمل في بيعه ان يكون تهريباً لما له من سائر الورثة او الدائنين لكن المتصرف في الاراضي الأميرية لا يملك رقبتها فلا يتعلق حق الورثة والدائنين بالرقبة فلا يحمل بيعه على هذا المحمل . ومع ذلك يشترط ان يكون المريض تام الشعور فان كان فاقد الشعور من المرض فحكمه حكم المعتوه . واما صحة فراغ المريض العقارات الوقفية ذات الاجارتين في مرض موته فيعتبر اذا مات وله ورثة لهم حق الانتقال واما اذا لم يكن من له حق الانتقال فينحل العقار ويعود الواقف ويحق للمفروغ له ان يأخذ البدل من تركة الميت اذا كان ثمة بدل.( ) ويثور سؤال هنا وهو لماذا اشترط المشرع العراقي في المادة (1213) مدني عراقي على انه : (( لا يجوز إفراغ الأراضي الأميرية في مرض الموت , اذا كان دون بدل او ببدل فيه محاباة ))؟
الجواب عن ذلك ان المشرع العراقي اراد ان يطور قانون التصرف العثماني بالاضافة الى ذلك انه اراد ان يميز الاراضي الأميرية من الاراضي المملوكة ملكية تامة ( او ملكية صرفة كما نسميها عرفاً في العراق ).
من ذلك يتضح لنا ان القضاء الاردني قد اجاز بيع الاراضي الأميرية في مرض الموت في حين ان التقنين المدني العراقي لا يجيز ذلك وكان من باب اولى ان ينص على الاجازة لما ذلك من مصلحة للورثة و للدائنين اما التقنين المدني الاردني فانه يخلو من نص يذكر فيه بيع المريض ( مرض الموت ) الأراضي الأميرية انما ترك ذلك للقضاء الاردني على عكس التقنين المدني العراقي الذي قيد ذلك بعدم الاجازة في افراغ الاراضي الأميرية اذا كان دون بدل اوببدل فيه محاباة. ( )
وفي العراق فأن القانون المدني العراقي لم يرد فيه نص يعالج تصرفات المريض مرض الموت بيعاً وترك ذلك للقاعدة العامة في تصرفات المريض مرض الموت الواردة في المادة (1109/1) من التقنين المدني العراقي,( ) ان البيع تختلف عن الوصية في انه تمليك في الحال مقابل عوض بينما الوصية هي تمليك بلا عوض مضاف الى ما بعد الموت فاذا اراد شخص التحايل على نصوص الوصية فانه يعمد الى تصوير الوجه بصورة عقد البيع مثال ذلك ان شخصاً يرغب في الايصاء الى احد اولاده باكثر من ثلث التركة ولاجل ان لا يترك الى باقي الورثة الحق في الاجازة او عدمها يعمد الى تصوير الوجه بصورة عقد بيع فينص صراحه على ان ذلك الشخص قد باع ولده فلان المال الفلاني بمبلغ عين في العقد على ان ملكية المبيع لا تنتقل الى المشتري الا بعد وفاة البائع , لا شك ان هذا البيع ما هو الا وسيلة لاخفاء وصية مستترة فيترجح على القاضي مالم يتضح له غير هذا الآمر ان يطبق احكام الوصية لا احكام عقد البيع اذا لم يجد أي مرجع لاعتبار العقد بيعاً طبقاً لنص المادة ( 1109/1) من التقنين المدني العراقي, ولان من حق المحاكم المدنية النظر في تكييف الوقائع وأعطائها الوصف القانوني المناسب . لذلك فقد اعتبر المشرع العراقي بيع المريض مرض الموت صحيحاً ونافذاً إذا كان بثمن المثل, سواء أكان لأجنبي أم لوارث أما إذا انطوى بيعه على تبرع فيأخذ هذا التبرع حكم الوصية سواء اكان لأجنبي أم لوارث, ( ) اذا كان هذا التبرع مقصوداً على حد حكم المشرع العراقي. ( ) هذا وقد وردت تطبيقات قضائية في هذا الموضوع منها ما قضت به محكمة التمييز العراقية في قرار جاء فيه:(( ان تصرف المريض في مرض الموت يعتبر تصرفاً مضافاً الى ما بعد الموت وتسري عليه احكام الوصية واذ ان المريض كان مصاباً بمرض السرطان في الكبد وانه قد توفي بعد نقل ملكية العقار بعشرين يوماً فان هذا التصرف قد جرى اثناء مرض الموت مقصوداً به التبرع والمحاباة فقد أعتبر البيع نافذاً في حدود الثلث واعادة تسجيل الثلثين الاخرين باسم المورث)).( ) ومن الجدير بالذكر ان هذا القرار عد البيع في مرض الموت نافذاً في حدود الثلث, ( ) على اساس ان هذا التصرف صدر من مريض في مرض الموت ومن ثم تطبق عليه احكام الوصية على هذا التصرف بالثلث فقط . كما ونجد في قرار آخر لها حيث قضت:(( وجد ان مورث الطرفين يعاني من مرض السرطان وهو من الامراض التي يغلب معها الهلاك وحيث ان المتوفى كما هو ثابت من وقائع الدعوى قد أشتد مرضهُ وتغير حاله وبما ان العبرة بمرض الموت هو غلبة الهلاك وهذا ما تحقق في وضع المتوفي وعليه يكون في مرض الموت يضاف الى ذلك ان البيع فيه محاباة للاولاد الذكور وحرمان الاناث وان المدة من التصرف بالبيع الى الوفاة قصيرة جداً فان تصرفه يخرج مخرج الوصية و لا ينفذ الا في حدود ثلث التركة وتقدر التركة يوم الوفاة فان خرجت الدار من الثلث فلا يبطل تسجيلها وان زادت عن الثلث ابطل الجزء الزائد فقط )).( ) وقضت ايضاً: (( اذا كان الثابت قي الوقائع ان بيع المورث عقاره لوارث قد جرى في (مرض الموت) فيتعين على المحكمة ان تقضي بأبطال بيع العقار بما يصيب المدعي من سهام فيه )). ( ) وقضت اخيراً : (( التصرف الواقع في مرض الموت تسري عليه احكام الوصية فلا ينفذ في حق الورثة فيما جاوز ثلث التركة الا باجازتهم )).( ) ولكن لا يستطيع المريض مرض الموت بالتصرف ما يضر الورثة . كالحصة التموينية مثلا فلا يجوز له التصرف فيها كأن يتنازل عنها اويبيعها لان الحصة التمونية هي منحة من الدولة لافراد الشعب ولانها تعتبر من النظام العام بوجه خاص , والتسعير الجبري تعتبر من النظام العام حسب نص المادة (130/2) من التقنين المدني العراقي,( ) فالحصة التموينية حق شخصي قررته الدولة لكل مواطن فلا يجوز غصبهُ ويلزم الغاصب زوج المدعية برد ما اغتصبه اليها ولا يعفيه من هذا الالتزام قيامه بدفع النفقة لها لانها تشمل اوجهاً اخرى سوى الطعام وللمدعى عليه حق المطالبة بانقاص نفقة الزوجة بدعوى مستقلة ان كانت النفقة غير مناسبة.( ) ونجد ذلك واضحاً من خلال قرار لمحكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية اذ قضت : (( حجز البطاقة التموينية من قبل المنفذ العدل يعتبر خطأ فاحشاً , لان البطاقة التموينية لا تخص المدين وحده بل تخصهُ وافراد عائلته وهي عبارة عن منحة من الدولة لافراد الشعب ولا يجوز بيع البطاقة أو الحجز عليها وان الدائن يعتبر متعسفاً في طلب حجزها. كان المفروض بالمنفذ العدل عدم الاستجابة لطلبات الدائن المخالفة للقانون ولا مجاراته في كل ما يطلب وحيث ان الفقرة ثالثاً من المادة (62) من قانون التنفيذ العراقي منعت حجز مايكفي لمعيشة المدين او من يعيلهم فمن باب اولى عدم جواز حجز البطاقة التموينية )). ( )
وفي مصر , فان التقنين المدني المصري وان اقتبس احكام تصرفات المريض مرض الموت من الشريعة الاسلامية الا انه قصر ما استمده منها على البيع في مرض الموت بنصوص خاصة وجعل احكام الوصية على وفق المبدأ العام الذي يحكم تصرفات المريض مرض الموت على وفق احكام المادة (916) من التقنين المدني المصري.( ) ولم يتكلم المشرع المصري عن المسائل الاخرى تفصيلاً كالهبة والاقرار وغيرها اكتفاء بتطبيق الاحكام العامة المقررة في المادة(916) من التقنين المدني المصري عليها , وقد اختار التقنين المدني المصري تقرير قواعد البيع , (( ان الفقه الاسلامي باستثناء الشيعة الامامية لا يميز محاباة الوارث في قليل او كثير الا بموافقة الورثة على خلاف القانون المدني فانه لا يفرق بين الوارث وغير الوارث فكلاهما من خلاله تجوز محاباته في حدود ثلث التركة دون موافقة الورثة عملا بقانون الوصية رقم (71) لسنة 1946 الذي جنح الى مذهب الامامية المخالف لمذهب جمهور الفقه الاسلامي )).( ) ومطابقة ايضاً لاحكام الشرع من جهة اخرى لانها مسائل متعلقة بالمواريث وهذه يسري فيها حكم الشريعة الاسلامية على الخاضعين لها. ( )
وعليه فان المشرع المصري قد عّد بيع المريض لوارثه او لأجنبي منه جائزاً اذا كان بثمن المثل او مع محاباة لا تتجاوز ثلث التركة , اما اذا كانت المحاباة باكثر من الثلث فلا يسري البيع في قدر هذه الزيادة على الثلث في المبيع في حق الورثة اي اذا أقروه أو رد المشتري الى التركة ما يفي بتكملة الثلثين , ولا عبرة بأجازة الورثة او رفضهم قبل موت المورث.( ) وتقدر قيمة المبيع لمعرفة مقدار الثمن اليها وقت الموت لا وقت البيع.( ) كما تقدر التركة بقيمة اموال المورث وقت الموت لا وقت البيع , وتدخل فيها قيمة المبيع ذاته.( ) ونجد ذلك واضحاً من خلال النص عليه في المادتين (477) و (478) من التقنين المدني المصري.( ) وبتطبيق احكام المادة (916) من التقنين المدني المصري المذكور يتبين انه يجب افتراض ان هذا البيع وصية وان الورثة هم الذين يقع عليهم اثبات ان البيع قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت, ولهم اثبات ذلك بطرق الاثبات جميعاً,( ) ولا يحتج على الورثة بتاريخ البيع اذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً. ( )
اما بالنسبة للقضاء المصري فانه قد أورد احكاماً كثيرة في هذا الموضوع منها ما قضت محكمة النقص المصرية في 26/4/1934 بانه : (( البيع في مرض الموت لأجنبي يختلف حكمه فان ثبت انه هبة مستورة أي تبرع محض فحكمهُ انه وصية لا تنفذ الا في ثلث تركة البائع )).( ) كما وقضت ايضاً : (( يكون بيع المريض مرض الموت صحيحاً في حق من اجازهُ من الورثة ولو قضى ببطلانه بالنسبة لمن لم يجزه منهم )).( )
نستنتج من ذلك ان القانون الوضعي ( المصري تحديداً ) يتشابه مع الفقه الاسلامي من حيث :-
1- ان كلا الفقهين يجيز بيع المريض مرض الموت لوارث او لغير وارث متى كان هذا البيع واقعاً بثمن المثل خلافاً للامام ابي حنيفة ( رحمه الله).
2- ان كلا الفقهين يجيز محاباة المريض مرض الموت لغير وارثه متى كانت هذه المحاباة في حدود ثلث التركة.
* موقف التقنين المدني الفرنسي /
وفي فرنسا , فان المشرع الفرنسي قد أورد نصاً فيما يتعلق بالبيع ونجد ذلك واضحاً من المادة (903) من التقنين المدني الفرنسي الذي نص على انه : (( لا يجوز التبرع ولا الايصاء بأزيد من نصف المال اذا ترك المورث وارثاً واحداً ولا بأزيد من ثلثه اذا ترك أثنين ولا بأزيد من ربعه اذا ترك ثلاثة فاكثر )).( )
يتضح من هذا النص على حرص المشرع الفرنسي على فرض قيود على الحق في الايصاء او البيع فقيدوا الموصي او البائع فيما يجوز الايصاء به وحددوا له قدراً من ماله يكون له فيه حق الايصاء وقدراً لا يجوز فيه الايصاء مراعاة لحق الورثة بحيث لا تنفذ الوصية او البيع إذا جاوزت المقدار المحدد إلا إذا أجازها من له حق الإجازة.( ) وبذلك فان هذه المادة تختلف كثيراً عن ما جاءت به التقنينات المدنية العربية من حيث أسلوب المحافظة على التركة. ومع ذلك فقد أورد الفقه الفرنسي إشارة إلى البيع فيما يسمى بالفزع الأخير,( ) حيث جرى القضاء في فرنسا على بطلان البيوع الصادرة في وقت الفزع الأخير في ثلاث حالات:-
الحالة الأولى:- توفى فيها البائع بعد البيع بيوم واحد.
الحالة الثانية:- توفى فيها البائع بعد البيع بعشرة أيام.
الحالة الثالثة :- فقد وقع فيها البيع والمريض مشرف على الوفاة نتيجة مرض خطير مات منه في نفس الامسية وكان لا يسمع من المريض سوى همهمات بشفاه.
ويرى الفقه الفرنسي ان تلك الحالات الثلاث التي انتهى القضاء الفرنسي الى بطلانها لو كانت هبات او عطايا ما حكم ببطلانها خاصة فيما يتعلق بالحالتين الاولى والثانية.( ) مما نستنتج من ذلك الى خلو التقنين المدني الفرنسي من التعرض الى احكام المريض مرض الموت كما فعلت التقنينات المدنية العربية.( )
ويتضح لنا من كل ما تقدم ان البيع ( للوارث وغير الوارث ) في مرض الموت في التقنينات المدنية العربية تكون نافذة في حدود الثلث فقط وتكون موقوفة على اجازة الورثة فيما لو جاوزت الثلث أي تطبق احكام الوصية أياً كانت التسمية سواء اكانت بيعاً او رهناً او ايجاراً او كفالة او غيرها , ومن ثم هناك فكرتان هما :-
اولاً :- فكرة مريض مرض الموت الذي يعد بمثابة المحجور عليه ( ) :- اذ يقول الدكتور صبحي محمصاني انه : (( بما ان مرض الموت هو حالة العجز التي يغلب فيها خوف الهلاك , فانه يخشى من المريض ان يجري تصرفات مضرة بورثته او دائنيه . لذلك اعتبر المريض او من اُلحق به محجوراً عليه جزئيا او ممنوعاً من اجراء الاقرارات وعقد التبرع وما أُلحق بها , متى كانت مضرة بالورثة او الدائنين .........)).( ) كما ويقول ايضاً : (( والخلاصة من هذا كله ان مرض الموت هو حالة العجز التي يكون فيها الهلاك غالباً وكثير الاحتمال , ففيها يصبح المريض قريباً من الموت , ويخشى منه ان يتصرف تصرفاً مضراً بورثته ودائنيه , فمن المعقول اذا ان ينظر الشرع بتحرز الى مصلحة هؤلاء وان يحمي حقوقهم التي تتعلق في تركته بعد وفاته. ولهذا اعتبر جمهور الفقهاء المسلمين ان المريض او من أُلحق به لا يملك الاهلية, بل يعتبر محجوزاً جزيئاً عن بعض التصرفات المضرة لا سيما الاقرار وعقود التبرع وما شاكل )).( )
وسنثبت بان المريض مرض الموت سواء تصرف لوارث او غير وارث ليس محجوراً عليه بدليل ان المريض مرض الموت لا يعد عديم الاهلية او ناقص الاهلية بل هو في كامل الاهلية والادراك وان المرض لا يؤثر في اهليته لاستمرار ثبوت عقله وذمته ومن ثم نرجح الرأي الاخر الذي يقول بان المريض مرض الموت كامل الاهلية .( )
وعليه نستنتج من ذلك مايلي :-
1- بالرغم من ان مرض الموت لا يعد من عوارض الاهلية لعدم تا ثيره في مناط اهلية الاداء فان الشرع الاسلا مي قيد تصرفات المريض مرض الموت, وجعل له حرية التصرف في ثلث ماله فقط ولا يرجع ذلك الى نقص اهليته, وانما يرجع الى حق الدائنين والورثة ان كان له دائنون وورثة.) (
2- يثبت حق الدائنين والورثة في اموال المتوفى المريض بمرض الموت من وقت حدوث المرض, اذ يثبت حقهم في امواله حال حياته ولكن لا يظهر مثل هذا الثبوت الا بوفاة المدين فيتعلق حق الغرماء والورثة بالتركة.
ثانياً :- فكرة ان دائني مريض مرض الموت وورثته غيرّ عن تصرفاته :- عند ملاحظة نص المادة (547) من التقنين المدني الأردني,( ) نجد ان المشرع الأردني قد قصد بهذا النص حماية من يتعاملون مع المشتري من مريض مرض الموت من الخطر الذي يهددهم نتيجة عدم نفاذ البيع في حق الورثة, فالغالب ان تمض فترة طويلة بين صدور البيع في مرض الموت وبين الوفاة المتصرف (أي المريض) وظهور عدم نفاذ البيع في حق الورثة فيما يجاوز ثلث التركة وفي هذه الاحوال يحدث كثيرا ان يتصرف المشتري الى آخر او يرتب له حقا عينياً على المبيع, ويفاجيء الغير باستعمال الورثة بعد الوفاة حقهم في استرداد القدر المحابى به الذي يجاوز ثلث التركة من المشتري ولهم هذا الحق على وفق القواعد العامة ولو من الغير الذي تلقى ملكيته من المشتري لهم , حينئذ يلحق الغير الضرر بتطبيق احكام البيع الصادر في مرض الموت عليه. وعلى هذا, فاذا ثبت ان المريض قد حابى المشتري في البيع وزادت المحاباة على الثلث ولم يجزها الورثة ولم يرد المشتري الى التركة ما يفي بتكملة ثلثيها كان للورثة ان يستوفوا من العين التي تصرف فيها المريض ما يفي بتكملة ثلثي التركة ان لم يكن قد ترتب للغير عليها حقوق عينية.( )
أما اذا ترتب عليها حقوق عينية للغير, كما لو باعها المشتري من المريض لثالث او رهنها لديه, فقد وقف التشريع المصري والسوري والاردني حامياً لحق الغير شرطين ( ) :- احدهما : ان يكون الغير قد اكتسب هذا الحق العيني بحسن نية, أي لم يكن يعلم عند اكتسابه هذا الحق ان للورثة حقاً في العين المبيعة او المرهونة عندهُ, بل كان يعتقد انها ملك خالص للبائع أما اذا كان عالماً بهذه المحاباة عند شرائه او ارتهانه فيكون للورثة الحق في ابطال البيع في قدر هذه المحاباة.( )
والثاني : ان يكون الغير قد أكتسب بعوض هذا الحق العيني على العين, أما أذا تبرع له المشتري من المريض بالعين, جاز للورثة ان يتتبعوا العين في يد المتبرع له وان يستوفوا منها حقهم على النحو الذي قدمناه.( )
ولكن ما هو مصير حق الورثة اذا لم يجيزوا محاباة مريضهم الزائدة على الثلث ولم يرد المشتري من المريض الى التركة ما يفي بتكملة الثلثين, وكان اكتساب الغير للحق العيني على العين المبيعة بعوض وحسن نية؟
قد رأى الاستاذان السنهوري والزرقاء ان للورثة في هذه الحالة الحق في الزام المشتري من المريض بتكملة الثمن الى الحد الذي لا تتجاوز فيه المحاباة ثلث التركة.( )
ونعتقد ان ما ذهب اليه الاستاذان السنهوري والزرقاء كان عين الصواب.
● المطلب الثالث ●
- الزواج –
الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايتهُ إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل. ( ) وهو عقد مشروع بقوله تعالى : (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم إلا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت إيمانكم)).( ) وكذلك قوله – جل جلاله - : (( وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم )).( ) كما أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني )).( ) ولعل اهم ما في حمكة الزواج هو الإبقاء على الوجود الإنساني من خلال عملية التناسل, ومهما يكن من امر الزواج فسنكتفي منه في هذا المبحث بما درجنا عليه وهو معالجته في مرض الموت في ظل الفقه الإسلامي ثم في ظل القوانين القوانين الوضعية المقارنة مخصصين لكل من هذين الحقلين فقرة مستقلة.
اولا :- الزواج في مرض الموت في ظل الفقه الإسلامي :-
اتفق فقهاء المسلمين على جواز زواج المريض مرض الموت إلا أنهم اشترطوا لذلك حصول الدخول وبعكسه فالعقد باطل ولا يترتب عليه أي اثر ,( ) أي انه إذا قدم رجل مريض مرض الموت وعقد على امرأة ولم يدخل بها حتى لو ماتت هي فانه لا يرثها إذا كانت قد ماتت وهو مريض مرض الموت,( ) واذا كان جمهور الفقه الاسلامي يذهبون إلى ان الزواج في المرض المخوف والصحة سواء من حيث صحة العقد وتوريث كل واحد من الزوجين صاحبهُ, فأنهم اختلفوا بعد ذلك فيما يثبت لها من مهر الزوجة في الزواج في مرض الموت, وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل فيما يأتي :-
الواقع ان جمهور الفقهاء قد استدل على صحة عقد الزواج في مرض الموت وعلى ثبوت التوارث بين الزوجين بما جاء في الكتاب, والاثر, والمعقول, وسنسلط الضوء على ذلك فيما يأتي :-
1- الكتاب :-
فقد أستدل الزيدية,( ) والظاهرية,( ) والاباضية,( ) بعموم قوله تعالى
فأنكحوا ما طاب لكم من النساء),( ) وجاء في المحلى : (( اباح الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وسلم) النكاح, ولم يخص في القرآن ولا في السنة صحيحاً وصحيحة من مريض ومريضة, وما كان ربكُ نسياً, وما نعلم للمخالف حجة اصلاً لا في قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا من رأي يعقل )).( )
2- ما جاء في الآثار من أقوال الصحابة الذين لم يعرف لهم من الصحابة مخالف في هذا الحكم :-
ونسوق فيما يلي بعضا من ذلك :-
أ- أخرج ابو عوانة بسنده عن ابن مسعود انه قال : (( لو لم يبق من اجلي الا عشرة أيام اعلم ان اموت في آخرها يوماً , لي فيهن طول النكاح لتزوجت مخافة الفتنة )). وبه استدل الظاهرية, ( ) والزيدية.( )
ب- أخرج ابن ابي شيبة بسنده عن معاذ بن جبل انه قال في مرضه الذي مات فيه:(( زوجوني, اني اكره ان القى الله – عز وجل – عزباً )).( ) وبه استدل الظاهرية,( ) والزيدية,( ) والشافعي.( )
3- المعقول :-
وهو ان النكاح من الحوائج الاصلية للانسان, والمريض غير محجور ولا ممنوع عن حوائجه الاصلية ولا عن صرف ماله اليها كالمأكل والملبس وثمن الادوية وأجرة الطبيب والمسكن,( ) وهو ما استدل به ايضاً الحنابلة. ( ) ومن هنا, فاذا ثبتت صحة الزواج في المرض المخوف, ثبت التوارث بين الزوجين لعموم آية الميراث بين الازواج.( ) واذا كان هذا الذي ذكرناه هو ما ذهب اليه جمهور الفقهاء فان فريقاً آخر من الفقهاء قد ذهب الى خلاف ذلك فالمالكية لها قولان في حكم زواج المريض مرضاً مخوفاً :- احدهما : انه يجوز له التزوج اذا كان محتاجاً الى الزواج, ولا يجوز مع عدم الحاجة.( ) والثاني : انه لا يجوز له ان يتزوج سواء اكان محتاجاً الى الزواج او غير محتاج, ولو أذن له الوارث الرشيد في الحالتين, لاحتمال موت الآذن او صيرورته غير وارث وكون الوارث غيرهُ,( ) وهو القول الراجح في المذهب على ما ذكره الدسوقي.( )
ويعد الزواج في مرض الموت لدى المالكية فاسداً على الارجح وذلك لان في هذا الزواج ادخالا لوارث جديد على الورثة,( ) الامر الذي يحتم معاملة المتزوج وهو المريض مرض الموت بنقيض قصده ويحكم بفساد فعله, وان اعترض عليهم في استدلالهم هذا بعدم منعهم المريض من الوطء مع انه سبب في ادخال وارث فانهم قد ردوا على ذلك بأن في الزواج ادخال وارث محقق وليس في كل وطء حمل,( ) وهذا كله اذا تزوج بمن ترثه. اما اذا تزوج المريض بمن لا ترثه كأمة وكتابية, فلهم في حكم زواجه قولان:-
أحدهما : انه غير جائز, وهو القول الاصح المعتمد في المذهب, لأن في نكاح المريض لأي منهما إدخال وارث, لجواز إسلام النصرانية وعتق الأمة قبل موته حيث يصيران من اهل الميراث. ( ) والثاني : ان هذا الزواج جائز لان كلا من العتق والإسلام طاريء ومجرد احتمال, فلا يلتفت اليه, والاصل عدم مراعاة الطواريء. ( )
أما الامامية فانهم يفرقون في حكم الزواج في مرض الموت بين زواج المريض وزواج المريضة. ففي زواج المريض لدى الامامية:(( يجوز للرجل ان يتزوج في مرضه, فأن تزوج ودخل فجائز, وان مات قبل الدخول فباطل )).( ) أما في زواج المريضة : (( يجوز للمريضة ان تتزوج, وحكم زواجها حكم زواج الصحيحة بلا فرق. لان الاصل كون المريض كالصحيح لعموم الادلة, وقد خرج زواج الرجل المريض عن حكم الاصل لدليل خارج وبقيت الزوجة على الاصل مندرجة تحت العموم )).( )
ولئن كان هذا هو رأي كل من جمهور الفقهاء والمالكية والامامية حول الزواج في مرض الموت من حيث صحة العقد وتوريث كل واحد من الزوجين صاحبه, فان اولئك الفقهاء قد اختلفوا كما اسلفنا فيما يثبت للزوجة من مهر في الزواج في مرض الموت, وفيما يلي تفصيل هذا الاختلاف:-
مذهب الحنفية :- فرق الحنفية بين ما اذا كان الشخص الذي يتزوج في مرض الموت مديناً او غير مدين :-
1- اذا كان المريض مديناً :- فان تزوج بمهر المثل جاز ذلك وحاصصت الزوجة غرماء الصحة بمهرها بعد موته ان لم يكن قد نقدها ذلك المهر في حياته او بمعنى اخر انه يصار الى تقسيم المال عليها وعليهم على قدر حصصهم,( ) وذلك لان مهرها دين لها على زوجها, فيكون مساوياً لديون الصحة لوجوبه باسباب معلومة لا مرد لها,( ) اذ ان جواز الزواج في مرض الموت, وهو لا يجوز الا بوجوب المهر,يجعل هذا المهر كدين الصحة وان ظهور وجوب المهر ومعلوميته بناء على ظهور سبب وجوبه وهو الزواج الذي هو غير محتمل الوجوب, انما يحتم تعلق المهر بحال هذا المتزوج ضرورة,( ) ولكن حيث ان هذا المهر قد يزيد على مهر المثل, فقد قال في الزيادات – من كتب ظاهر الرواية – (( يقدم دين الصحة على الزيادة على مهر مثلها)).( )
2- اذا لم يكن المريض مديناً :- فقد اعتبروا التزويج في هذه الحالة جائزاً من رأس المال اذا كان بمهر المثل وذلك لان التزويج بمهر المثل هو انفاق لمال المتزوج في حوائجه الاصلية, فيقدم بذلك على وارثه, وانما قُيد التزويج بمهر المثل لان الزيادة عليه محاباة وهي باطلة الا أن تجيزها الورثة, لأن حكمها حكم الوصية للزوجة الوارثة والوصية لا تجوز لوارث الا ان يجيزها الورثة وان كان النكاح صحيحاً.( )
مذهب المالكية :- فرق المالكية في هذه المسألة بين ما اذا تزوج المريض صحيحة وبين ما اذا تزوج الصحيح مريضة وبين ما اذا تزوج المريض مريضة مثله. لذا نبين ذلك في ثلاث حالات :-
الحالة الاولى:- اذا تزوج المريض صحيحة, فقد فرق المالكية بين موته قبل الفسخ وبين موته بعده :-
أ– فان مات قبل فسخه, فلها الاقل من الصداق المسمى وصداق المثل من ثلث ماله, سواء دخل بها أو لم يدخل. ( )
ب– أما اذا مات بعد فسخه, فينظر : ان كان الفسخ قبل موته وقبل الدخول, فلا شيء لها من المهر وان كان الفسخ قبل موته وبعد الدخول, كان لها المسمى تأخذه من ثلثه ان مات, ومن رأس ماله ان صح. ( )
الحالة الثانية :- اذا تزوجت المريضة صحيحاً, فلها مهرها المسمى من رأس المال, زاد على صداق المثل ام لا ان كان مدخولا بها, ومثل الدخول موته او موتها قبل الفسخ والدخول. ( )
الحالة الثالثة :- اذا تزوج المريض مريضه مثله, في هذه الحالة يغلّب جانب الزوج ويكون حكم المهر فيها حكم مالو أفرد الزوج بالمرض.( )حيث جاء في مواهب الجليل:(( والظاهر انه ان كان الزوج مريضاً والزوجة مريضة يكون الحكم فيها كالحكم فيما اذا كان الزوج فقط هو المريض )). ( )
ويلاحظ ان المالكية قد حكموا بثبوت الصداق في الصور المذكورة مع فساد النكاح ووجوب فسخهُ, لان النكاح في المرض غير متفق على فساده بين الفقهاء, وانما هو مختلف فيه, وقد أجازوا في النكاح الفاسد المختلف في فساده ثبوت المهر. ولان الفساد هنا انما كان لعقده في المرض ولم يؤثر خللاً في الصداق, ( ) وانما فُرق فيما يثبت لها من الصداق بين مرضه ومرضها لان الزوج عندما يكون صحيحاً والزوجة هي المريضة, يكون تبرعه معتبراً بخلاف العكس. ( )
مذهب الشافعية :- فرق هذا المذهب فيما يثبت للزوجة من مهر في حالتين : موت الزوجة, وموت الزوج على النحو الاتي :-
1- اذا ماتت الزوجة كان لها جميع ما أصدقها, اذ ان لها صداق مثلها من رأس المال والزيادة عليه من ثلث التركة, كما اذا وهب لاجنبية (ذمية أو أمة المدخول بها بوطء شبهة الزواج ) فقبضتهُ فانما يكون هذا من الثلث. ( )
2- أما اذا مات الزوج فينبغي التفريق بين ما اذا كانت الزوجة من اهل الميراث, ( ) عند موته وبين ما اذا لم تكن.
الوجه الاول :- فان كانت من أهل الميراث عند موته فينظر ان كان أصدقها بصداق المثل, وجاز لها من جميع المال, وان زاد على صداق المثل, فالزيادة محاباة, ( ) فان صح قبل أن يموت جاز لها مع الزيادة من جميع المال لأنه لما صح قبل موته كان ابتداءً نكاحاً وهو صحيح, ( ) وان مات قبل أن يصح بطلت الزيادة على صداق مثلها وثبت النكاح وكان لها الميراث. ( )
الوجه الثاني :- أما اذا كانت ممن لا يرث كذمية وامة, ثم مات وهي عنده, جاز لها جميع الصداق, صداق مثلها من جميع المال والزيادة عليه من الثلث, لأنها غير وارث, ولو أسلمت قبل موته او اعتقت فصارت وارثاً, بطل عنها ما زاد على صداق المثل.( ) وهذا الحكم يعلل الوجه السمح للشريعة الغراء اذ أعطت للذمية ما دامت لم تسلم وللأمة ما دامت لم تعتق مالم تُعطه للزوجة المسلمة او الزوجة الحرة.
مذهب الحنابلة :- قال الحنابلة : يجوز للمريض ان يتزوج في مرض موته, وينفذ المهر من رأس ماله ان كان مهر المثل , لانه صرف لماله في حاجة نفسه فيقدم بذلك على وارثه.( ) أما اذا تزوج بمهر يزيد على مهر مثلها فلها مهر المثل, والمحاباة صحيحة ان ماتت قبله,( ) أما اذا مات المريض قبلها فيفرق بين حالتين :-
الحالة الاولى :- ان تكون ممن يرثه ( أي لا يتوافر فيها مانع من الارث كالعبودية واعتناق غير الاسلام ديناً ). وفي هذه الحالة روايتان عن الامام أحمد في حكم المحاباة :-
1- انها موقوفة على اجازة الورثة, لأنها عطيه لوارث, فان اجازها الورثة نفذت وان لم يجيزوها بطلت.( ) وهذا هو القول الصحيح في المذهب.( )
2- أنها تنفذ من الثلث.( )
الحالة الثانية :- ان تكون ممن لا يرثه كذمية وأمة, فلها مهر المثل, وتنفذ المــحاباة من الثلث.( )
مذهب الامامية :- فأنهم يرون بان المريض مرض الموت اذا تزوج ودخل, وكان زواجه بمهر المثل او اقل أعُتبر من صلب المال كما لو اشترى شيئا بثمن مثله. وان كان بأكثر من مهر المثل كان الزائد محاباة, فيحتسب من الثلث.( ) أما اذا مات قبل الدخول فلا مهر لها.( ) اما بالنسبة لزواج المريضة مرض الموت فقط قال الامامية بانه يجوز للمريضة ان تتزوج, وحكم زواجها كحكم الصحيحة بلا فرق,( ) لان الاصل كون المريض كالصحيح لعموم الادلة, وقد خرج زواج الرجل المريض عن حكم الاصل لدليل خارج, وبقيت الزوجة على الاصل مندرجة
تحت العموم.( ) لهذا لم يشترط لصحة زواجها في مرضها الدخول, بل يصح ويثبت بدونه, ويترتب عليه ميراث زوجها منها واستحقاقها مهرها المسمى ان لم ينقص عن مهر المثل.( ) وجاء في الروضة البهية:(( ولو كانت المريضه هي الزوجة, توراثا وان لم يدخل بها على الاقرب كالصحيحة عملا بالاصل وتخلفه في الزواج لدليل خارج لا يوجب الحاقها به لانه قياس )).( )
مذهب الزيدية :- قال الزيدية : يصح زواج المريض بأكثر من مهر المثل ان لم يتمكن من الزواج بدون هذه الزيادة على مهر المثل, وينفذ من رأس المال, ولا تعتبر الزيادة على مهر المثل اذا لم يتمكن من الزواج بدونها ( أي الزيادة على مهر المثل) محاباة,( ) أما اذا تمكن من الزواج منها بمهر مثلها, لم يُجز له الزيادة عليه الا من الثلث لان له وارثاً, اذ تعتبر الزيادة تبرعاً.( )
مذهب الظاهرية :- قال ابن حزم:(( وتزويج المريض الموقن بالموقن او غير الموقن مرضية كذلك او صحيحة جائز ويرثها وترثه , مات من ذلك المرض او صح ثم مات وكذلك للمريضة الموقنة وغير الموقنة ان تتزوج صحيحا او مريضا ولها في كل ذلك الصداق المسمى كالصحيحين ولا فرق )).( )
ويتبين مما عرضنا له فيما تقدم ان الامر يمثل احد ابرز المسائل الخلافية في الفقه الاسلامي, ونرى من جانبنا صواب القول بصحة الزواج في مرض الموت وثبوت التوارث بين الزوجين دون تفريق بين ان يكون الزوج هو المريض او تكون الزوجة هي المريضة ودون تفريق بين ما اذ كان قد دخل بها او لم يدخل وكذلك دون ايلاء نظر إلى كونها وارثة او غير وارثة لمانع من موانع الارث من مثل ان تكون ذمية او أمة اذ ان هذه الامور باجمعها تحتم المساواة ولا تقدم تبريرا كافيا للاختلاف واذا كان جمهور فقهاء المسلمين قد قال بمثل ذلك كلا او جزءا وذلك لانه اعتمد على الكتاب وما ورد في الاثر وما رجح بالقياس اوالعقل.
ثانيا :- الزواج في مرض الموت في ظل القوانين المقارنة :-
تبين مما سبق ان الزواج عقد بين رجل وامراة تحل له شرعاً لتكوين اسرة وايجاد نسل بينهما.( ) وان فقهاء الشرع قد اتفقوا على جواز زواج المريض مرض الموت ولكنهم اشترطوا بذلك حصول الدخول وبعكسه فالعقد باطل لا يترتب عليه أي اثر اذا حصلت الوفاة بالنسبة لاي من الزوجين اثناء ذلك المرض. ( ) ويجدر بالاشارة ان بعض التشريعات العربية قد تناولت هذا الموضوع من منطلق الاستناد إلى الشريعة الاسلامية اما التشريعات الغربية فقد تناول الموضوع بنهج مختلف, ولذا سنسلط الضوء على موقف كل من التشريعات العربية والتشريعات الغربية كلا في بند مستقل :-
1- موقف التشريعات العربية :-
لقد عد المشرع الاردني الزواج صحيحا في مرض الموتً اذا كان المهر هو مهرالمثل اذ نصت على ذلك صراحة في المادة (60) من قانون الاحوال الشخصية الاردني:(( اذا تزوج احد في مرض موته ينظر فان كان المهر المسمى مساوياً لمهر مثل الزوجة تأخذه الزوجة من تركة الزوج وان كان زائداً عليه يجري في الزيادة حكم الوصية)).( )
ويتبين من هذا النص ان المشرع الاردني قد اخذ بالراي الراجح في المذهب الحنفي وقرر صحة زواج المريض فله ان يتزوج ولكن بشرط ان لا يزيد المهر على مهر المثل والا كانت الزيادة تبرعاً منه للزوجة فتأخذ حكم التبرع فاذا مات عن هذه الزوجة كان حكم الزيادة حكم الوصية على وفق الحكم العام لتصرفات المريض مرض الموت الوارد في المادة (1128/1) من التقنين المدني لاردني,( ) فليس للزوج المريض ان يحابي الا بقدر الثلث ومازاد على الثلث فلا ينفذ الا باقرار الورثة وكذلك المريضة فشانها كذلك حسب القواعد المقرر قانونا,( ) ولكن يثور سؤال هنا وهو هل تعد غرفة النوم من التركة ؟. فلو توفى الزوج المريض مرض الموت وكان قد اوصى نجارا بصناعة غرفة نوم لزواجه ومات قبل الدخول فهل تعد الغرفة جزء من التركة ؛ وتصبح من حق الورثة ام تعد جزءاً من المهر؟ ام تعد هبة وهبها الزوج لزوجته غير الداخل بها ومن ثم يستحيل عليه الرجوع في هذه الهبة ؟.. في الواقع ان هذا السؤال يحتوي على شقين او حالتين ؛ الحالة لاولى هل تعد غرفة النوم من التركة ؟ والجواب عن ذلك انها تعد من التركة على اعتبار ان غرفة النوم من الاعيان ومن ثم فانها تنتقل الى الورثة بمجرد وفاة المريض ( المورث او الزوج ) ومن ثم تخضع لاحكام الوصية فيما يتعلق بثلث التركة. مع ملاحظة ان الزوجة غير مدخول بها تعتبر من الورثة على وفق احكام المادة (60) من قانون الاحوال الشخصية الاردنية والذي اشير اليه قبل قليل والذي جاء مطلقاً (فيما يتعلق بالدخول وعدمه). اما بالنسبة الى الحالة الثانية وهي هل تعد غرفة النوم هبة وهبها الزوج لزوجته غير المدخول بها ؟.. والجواب عن ذلك انه اذا كانت غرفة النوم هي هبة وهبها الزوج لزوجته في حال صحته فانه لا يجوز الرجوع فيها على وفق احكام المادة (579/1) من التقنين المدني الاردني التي تنص:(( يعتبر مانعاً من الرجوع في الهبة مايلي : 1- اذا كانت الهبة من احد الزوجين للآخر او لذي رحم محرم مالم يترتب عليها مفاضلة بين هؤلاء بلا مبرر )).( ) اما اذا كان الزوج مريضاَ مرض الموت فان الهبة تخضع لاحكام الوصية استناداً على نص المادة (1128/1) من التقنين المدني الاردني التي تنص : (( كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصوداً به التبرع يعتبر تصرفاً مضافاً الى ما بعد الموت وتسري عليه احكام الوصية ايا ما كانت التسمية التي تعطى له )).( )
ويخلص الينا من هذا :-
1- ان نص المادة (579/1) من التقنين المدني الاردني تمنح للزوجة حق بالاحتفاظ بغرفة النوم كاملة في حالة صحة كل من الزوج والزوجة.
2- اما نص المادة (1128/1) من التقنين المدني الاردني نجد فيها انها تمنح للزوجة حق الاحتفاظ بثلث التركة فقط ( غرفة النوم ) لان تصرفات الزوج المريض مرض الموت حسب هذه المادة تخضع لأحكام الوصية. وهذا ما جاء في المادة (85) من مجلة الاحكام الشرعية.( ) والحقيقة اننا لم نتمكن من العثور على قرارت قضائية في هذا الخصوص.
اما في العراق, فان المشرع العراقي قد عّد الزواج الحاصل في مرض الموت صحيحاً لا يخل بصحة عقد الزواج المستوفي لشرائطه الشرعية استناداً الى القواعد العامة الواردة في قانون الاحوال الشخصية العراقي.( )
وتطبيقاً لذلك نجد ان محكمة التمييز العراقية قد قررت:(( أن الزواج الحاصل في مرض الموت لا يخل بصحة عقد الزواج المستوفي لشرائطه الشرعية)).( ) كما قررت ان:(( طلب الزوج اثناء حياته زيادة مهر زوجته المؤجل بحجة وجود خطأ في عقد الزواج ويعتبر اقرار تمليك ويخرج مخرج الثلث من تركته اذا وقع اثناء مرض موته ........)).( ) ولعل قرار محكمة التمييز العراقية هذا هو عين الصواب لما فيه من دقة ووضوح.
وفي مصر , اخذ المشرع بالرأي الراجح في المذهب الحنفي كما اخذ به المشرع الاردني,( ) وقرر صحة زواج المريض فله ان يتزوج ولكن على ان لا يزيد المهر عن مهر المثل والا كانت الزيادة تبرعاً منه للزوجة فتأخذ حكم التبرع حتى اذا مات عن هذه الزوجة كان حكم الزيادة حكم الوصية على وفق الحكم العام لتصرفات المريض مرض الموت الوارد في المادة (916) من التقنين المدني المصري.( )
2- موقف التشريعات الغربية :-
لدى دراسة مرض الموت في القوانين الفرنسية , ( ) يتبين انها من المسائل الخلافية في الفقه التقليدي,( ) وفي الفقه والقضاء ومهما يكن من امر فان الزواج الذي يربط بين المرأة و الرجل وهو في مرضه الاخير هو زواج صحيح.( ) وقدأهمل المشرع الفرنسي في المادة (909) مدني فرنسي,( ) ما اذا كان الموهوب له من الاطباء والصيادلة ورجال الدين زوجاً للمريض ام لا بحيث يبطل التصرف الصادر له من زوجته على وفق المادة (909) مدني فرنسي او لا يبطل ويرى الفقه الفرنسي ان هذا لا يمكن الا ان يكون نسياناً من المشرع الفرنسي,( ) وقد قرر القضاء الفرنسي صحة العطايا بين الزوجين اذا كان احدهما معالجاً للآخر في مرضه الاخير الا اذا ثبت ان العناية الطبية كان سببها المنفعة او المصلحة وليست بسبب العاطفة الزوجية, فمبنى الاستثناء من البطلان هو العاطفة والمودة بين الزوجين, وللقاضي سلطة في تحديد ذلك وفقاً للظروف والملابسات التي منها ( ) :- 1- الزواج في المرض الاخير ( derniere-maladi) بحسن نية. 2- الزواج في هذا المرض بقصد التحايل على المادة (909) من التقنين المدني الفرنسي وعدم تطبيقها وبطلان التصرف في حقه الا اذا كان زوجاً سيء النية. 3- استغلال نفوذ الطبيب (الزوج على زوجته) ومن ثم لا تكون العطية له ( أي الهبة ) اساسها المحبة العاطفية بين الزوجين.
اما في الولايات المتحدة الامريكية, نجد ان العديد من هذه الولايات تنص على حقوق الزوج الذي ما زال على قيد الحياة (باب قواعد الشريعة العامة[ common law] ) والتي تنظم للموصي حق توزيع حقوقه من خلال وصية انما يكون فيها [ الموصي ] متبرعاً بغير دقة. ( )
كما الغى العديد من الولايات حقوق الواهب وتحديدهُ في قانون الشريعة العامة وأحلت محلها الحق المطلق للزوج الذي ما زال على قيد الحياة كوارث يأخذ نصيباً محددا من التركة (estate) سواء اكانت حقيقة ام شخصية.( )
ففي ولاية نيويورك على سبيل المثال لا يمكن للزوج الذي ما زال على قيد الحياة asurviving spouse) ) ان يحرم من الميراث ولا يمكن اجباره على ان يأخذ حصة تترك له [ بالوصية ] تقل عن مقدار الحصة المحددة له بالتشريع (statute). فالوصايا التي تخرج مخرج الصدقة لا يستطيع الشخص ان يترك اكثر من صافي تركته (net estate) كصدقة اذا ترك زوجاً اوابنا او فرعاً او احد الوالدين على قيد الحياة.( )
ومن هنا فانه بمجرد زواج المريض مرض الموت فان الورثة والدائنين يتضررون من ذلك وذلك لان المريض مرض الموت قد ادخل وارثاً جديداً وهي الزوجة. الا ان الزوج المريض مرض الموت لا يضمن ذلك الضرر على اعتبار ان الزواج من حقه وبالتالي فانه لا يضمن هذا الضرر على وفق التقنين المدني العراقي الذي جاء فيه ان: (( الجواز الشرعي ينافي الضمان, فمن أستعمل حقه استعمالاً جائزاً لم يضمن ما ينشأ عن ذلك الضرر )).( ) ولو رجعنا بعد هذا كله إلى القانون الروماني لوجدناه يحرم الهبة بين الزوجين طبقاً لقانون الالواح الاثني عشر والقوانين الرومانية القديمة واللاحقة او السابقة له, ومن هنا يثور سؤال وهو هل من الممكن تصور وجود تبذير في تركة احد الزوجين لمصلحة الزوج الاخر في القانون الروماني ؟ وقد أجيب عن ذلك بانه:(( يلاحظ ان الهبة بين الزوجين كانت محرمة في القانون القديم [ أي قانون الالواح الاثني عشر والقوانين الرومانية القديمة اللاحقة او السابقة له ] خوفاً من ان يستسلم الزوج لعواطفه نحو زوجه فيتجرد من امواله, وخوفاً من ان يجعل كلاً من الزوجين حقهً في الطلاق طريقاً لتهديد الاخر بالفرقة ولابتزاز امواله مقابل البقاء معه, ثم اصبحت مباحة في القانون الروماني الحديث )).( )
ويخلص الينا من هذا انه :-
1- ان القانون الروماني لم يميز في إبطاله للهبة بين الزوجين بان تكون هذه الهبة صادرة من الزوج او الزوجة.
2- ان المشرع الروماني ( القديم ) قد افترض ان اموال الزوج الواهب قد تتلاشى بالهبة نتيجة استحواذ الموهوب له على جزء منها او كلها. ولعل مما يجدر قوله هنا ان الشارع الاسلامي كان يخشى على ان لا تضيع اموال المورث او جزء منها بلا مقابل خلال مدة مرض الموت سواء كان هذا المورث زوجاً او اباً ذكرا كان ام انثى الا ان إسباغ الحماية مختلف ففي القانون الروماني تبطل الهبة بين الزوجين وفي الفقه الاسلامي تعامل المحاباة او القدر الذي يحتوي على المحاباة معاملة الوصية.
3- ان المشرع الروماني القديم لم يُجـِز بين هبة الزوج او هبة الزوجة في الحكم اذ قضى بابطال هبة أي منهما تجاه الاخر.
4- يمكن القول بأن القانون الروماني والفقه الاسلامي قد اضفيا مزيدا من الاهتمام على بعض الاموال