دراسة حول اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية.....

دراسة حول اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية.....

مشاركة غير مقروءةبواسطة BAHRAIN LAW » الاثنين سبتمبر 22, 2008 10:25 am

بسم الله الرحمن الرحيم

دراسة حول اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية

في الأغراض غير الملاحية*

د. أحمد المفتي

تتكون هذه الدراسة من ثلاثة أقسام : القسم الأول (تمهيد) والقسم الثاني (خلفية تاريخية) والقسم الثالث (استعراض تفصيلي لمواد الاتفاقية) .

القسم الأول : تمهيد

هناك أكثر من 245 نهراً مشتركاً في العالم يستفيد من مياهها أو يعتمد عليها حوالي 40% من سكان العالم و50% من الأراضي الصالحة للزراعة وعلى الرغم من ذلك لا يوجد اتفاق دولي حول القانون الذي يحكم الاستخدامات غير الملاحية تلك الموارد المائية . وبالإضافة إلي ذلك فإن النزاعات بين الدول المشاطئة وعدم التعاون قد أعاق الاستخدام الأمثل لتلك الموارد . ولذلك فإن المسرح الدولي قد كان مهيئاً قبل إجازة الاتفاقية موضوع الدراسة لاستبدال الأسلوب القديم الذي يتمثل في تنازع المصالح بين دول المنبع ودول المصب بأسلوب يركز على التعاون والإدارة الشاملة التي تحقق مصالح كل الدول المشاطئة وفي ذات الوقت تحقق الكفاية وحماية البيئة ([1]) .

ومن ناحية أخرى تكمن أهمية وجود مبادئ قانونية دولية تحكم استخدام الموارد المائية الدولية المشتركة في أن المتوافر منها قد أصبح في كثير من الحالات أقل من الاحتياجات , وذلك بسبب الازدياد المطرد في السكان . وعلى المستوى المحلي نلاحظ كذلك ازدياد التنافس على الموارد المائية بين الاستخدامات في المجلات المختلفة كالاستخدام المنزلي والري والصناعة والتصريف الصحي واحتياجات النظم الإيكولوجية , كما يوجد تنافس محلي بين المستخدمين في كل قطاع من تلك القطاعات .

وكما هو معلوم فإن المياه تعتبر مورداً حرجاً لدرجة لا تتحمل نزاعاً مسلحاً حولها لأن كل طرف يعلم أن حرمان العدو من الماء الذي يحتاج إليه لحياته هو واحد من الأشياء النادرة التي تجعل الدول الضعيفة فاقدة الأمل بدرجة تجعلها تستهدف إنشاءات المياه للطرف الآخر وهي إنشاءات تصعب حمايتها في مواجهة عدو يملك ذاك الدافع القوي لمواجهتها . ويلاحظ الفقهاء أن ضرب عاصفة الصحراء لمحطات الكهرباء في العراق والتي شملت قدراته على إمداد المدنيين بالماء والهجمات على الخزانات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية وقطع الصرب لإمدادات المياه عن البوسنيين المسلمين هي الأمثلة الأساسية للهجمات على الإنشاءات المائية في القرن العشرين وقد حدث لأن الطرف المهاجم كان يعلم أنه ليس بمقدور الطرف الآخر الرد عليه بالمثل . أما ضرب الصرب لخزان بيريوكا في عام 1993 فإنه يعتبر حالة خاصة توضح عدم معقولية ذلك النزاع أكثر منه عدم وجود إمكانية رد بالمثل .

ونتيجة لتلك الأوضاع نلاحظ أنه قد تم مؤخراً إبرام عدد من الاتفاقيات الدولية من بينها معاهدة هلنسكي حول حماية واستخدام المجاري المائية العابرة والبحيرات الدولية لسنة 1992 . ونشير بصفة خاصة إلي اتفاقيات قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية التي أجازتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997م وهي موضوع هذه الدراسة . وعلى الرغم من تلك الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ حتى تاريخه إلا أن أهميتهما قد أكدتها محكمة العدل الدولية عام 1997م بعد أشهر فقط من تاريخ إجازتها وعلماً بأن تلك القضية كانت هي القضية الأولى في التاريخ التي يطلب فيها من محكمة العدل الدولية بحل نزاع بين دولتين حول مجرى مائي دولي وهو نهر الدانوب .

القسم الثاني : خلفية تاريخية

لقد بدأت جهود الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشجيع العمل على الإنماء التدريجي لقانون المجاري المائية وتدوينه وتركيز ذلك العمل في إطار الأمم المتحدة في العام 1959 الذي أصدرت فيه قراراً أوصحت فيه أن من

المرغوب الشروع في إجراء دراسات تمهيدية عن المشاكل القانونية المتعلقة باستخدام الأنهر الدولية والانتفاع بها .

ولقد ترتب على القرار جمع معلومات قانونية مفيدة في التقرير الذي قدمه الأمين العم للأمم المتحدة في 15 نيسان (أبريل) 1963م

وكذلك أصدر معهد القانون الدولي قراراً حول الموضوع في بداية الستينات من هذا القرن أمن فيه على استخدامات موارد المجاري المائية الدولية ينبغي بين الدول المشاطئة وفقاً لمبادئ الإنصاف .

ونلاحظ أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر عام 1959 والذي أشرنا إليه أعلاه قد نص على أهمية تركيز عمل الإنماء التدريجي لقانون المجاري المائية الدولية وتدوينه في إطار الأمم المتحدة مشيراً إلي هيئات دولية عديدة قد اتخذت التدابير وبذلت الجهود القيمة للسير قدماً بعملية إنماء قانون المجاري المائية الدولية وتدوينه . ولعل ذلك القرار يشير بصفة خاصة إلي مبادرة البروفيسور س ايقلتون من جامعة نيويورك التي قدمها في مؤتمر أندبرة والتي اعتمدت عليها رابطة القانون الدولي (ILA) في تأسيس " لجنة استخدامات مياه الأنهار " في عام 1954 . ونشير إلي تلك اللجنة هي التي اعتمد مؤتمر هلسنكي تقريرها النهائي عام 1966 متضمناً قواعد هلسنكي الشهيرة . وعند انتهاء أعمالها أوصت تلك اللجنة القديمة بتكوين لجنة جديدة لقانون الموارد المائية الدولية لتواصل عمل اللجنة القديمة . ولقد أوصى مؤتمر هلسنكي بأن تختص اللجنة الجديدة بتدوين ودراسة جوانب مختارة من قانون الموارد المائية مثال ذلك المياه الجوفية وعلاقة الماء بالموارد المائية الأخرى والاستخدامات المنزلية والهيرولوركية للمياه بما في ذلك توليد الطاقة والري وضبط الفيضان والترسب وتنظيم الانسياب وقواعد الملاحة على الأنهار وتلوث الشاطئ . وفقاً لتوصية مؤتمر هلسنكي تكونت اللجنة الجديدة في نوفمبر عام 1966م .

وفي عام 1970 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ثانياً متابعة للقرار السابق الذي أصدرته عام 1959 موضحة أن الماء , بحكم نمو السكان وزيادة حاجات البشر وتكاثرها , أصبح محل اهتمام متزايد لدى السكان ، وأن الموارد المتاحة من الماء العذب في العالم محدودة ، وأن صون تلك الموارد وحمايتها هما ذو أهمية لدى جميع الأمم . وأوضح القرار كذلك أنه يصدر إدراكاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة لأهمية المشاكل القانونية المتعلقة باستخدام المجاري المائية الدولية , ولا سيما فيما يتصل بإنماء الموارد المائية الدولية .

ولقد أوضح ذلك القرار أنه رغم العدد الكبير من المعاهدات الثنائية وغيرها من الأنظمة الإقليمية , وكذلك رغم الاتفاقيات المتعلقة بنظام الطرق المائية الصالحة للملاحة وذات الأهمية الدولية في برشلونة في 20 نيسان (أبريل) 1921 , والاتفاقيات المتعلقة بإنماء الطاقة الهيدروليكية على نحو يهم أكثر من دولة واحدة , الموقعة في جنيف 9 كانون الأول (ديسمبر) 1923 ، فإن الانتفاع بالأنهر والبحيرات الدولية ما زال يستند جزئياً على مبادئ القانون العرفي وقواعده العامة .

ومن المهم جداً أن نذكر بأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يلزم الجمعية العامة بإنشاء الدراسات والإشارة بتوصيات بقصد تشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه .

وفي ذلك القرار أوصت الجمعية العامة بأن تقوم لجنة القانون الدولي (ILC) كخطوة أولى , وبدراسة القانون المتعلق بوجوه استخدام المجاري المائية الدولية لغير أغراض الملاحة في أقرب وقت تراه مناسباً إلا أنه , وكما نعلم , لم تقدم اللجنة مشاريع المواد في مرحلة القراءة الثانية والأخيرة إلا في عام 1994م . ولقد طلبت الجمعية العامة , في ذات القرار , الأمين العام للأمم المتحدة بمواصلة الدراسة التي بدأت بموجب قرار الجمعية العامة الصادر عام 1959م والذي سبقت الإشارة إليه بغية أعداد إعداد تقرير تكميلي عن المشاكل القانونية المتعقلة بالانتفاع بالمجاري المائية الدولية واستخدامها , آخذاً بعين الاعتبار التطبيقات الأخيرة لقانون المجاري المائية الدولية في ممارسات الدول وفي أحكام القضاء الدولي , وكذلك الدراسات المشتركة بين الحكومات والدراسات غير الحكومية وفي ذلك الموضوع وأن يوافي لجنة القانون الدولي بتقريره الذي أصدره بموجب قرار الجمعية العامة الصادر عام 1959 .

لقد كان لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2669 الصادر اعم 1970 والذي كان نتيجة لمبادرة من حكومة فنلندا أهمية قصوى بالنسبة لعمل لجنة الأنهار القديمة والتابعة لرابطة القانون الدولي (ILC) . ونشير هنا بصفة خاصة إلي أن الجمعية العامة للأمم المتحدة , عند إصدار ذلك القرار , ضمنت فيه توصية لجنتها السادسة بأن تأخذ لجنة القانون الدولي في الاعتبار الدراسات الحكومية وغير الحكومية حول الموضوع خاصة تلك التي تمت مؤخراً . ونتيجة لذلك فإن رابطة القانون الدولي قد أحالت كل النصوص ذات الصلة بالاستخدامات غير الملاحية للأمين العام للأمم المتحدة لإحالتها لجنة القانون الدولي . وكذلك فإن عمل لجنة القانون الدولي حول هذا الموضوع أصبح يؤخذ في الاعتبار بواسطة لجنة الأنهار الجديدة .

كما ذكرنا أعلاه فإن عمل اللجنة الجديدة المختصة بقانون الموارد المائية الدولية التابعة لرابطة القانون الدولي قد بدأ من حيث انتهى عمل لجنة الأنهار القديمة خاصة قواعد هلسنكي التي أنجزتها اللجنة القديمة . ولقد أنجزت لجنة الأنهار الجديدة حتى 1996 اثني عشر مجموعة من القواعد وهي لا تتعارض من حيث المبدأ مع قواعد هلسنكي ويمكن اعتبارها تفاصيل أو توضيحات أو تكميلات لقواعد هلسنكي . وفي معظم الحالات تم استخدام الاصطلاحات نفسها المستخدمة في قواعد هلسنكي . وتتمثل تلك القواعد في الآتي :-

(1) ضبط الفيضانات (1972).

(2) التلوث البحري من اليابسة (1972) .

(3) صيانة وتحسين الطرق المائية الصالحة للملاحة بطبيعتها والتي تفصل بين عدد من الدول أو تمر عبرها , ونوضح بأن هنالك إشارة بأنه يجب اعتبار هذه القواعد جزء من قواعد هلسنكي بعد القاعدة الثامنة عشر مباشرة .

(4) حماية الموارد والمنشآت المائية في أوقات النزاعات المسلحة .

(5) إدارة الموارد المائية الدولية (1976) .

(6) تنظيم انسياب مياه المجاري المائية الدولية (1980) .



(7) العلاقة بين الموارد المائية الدولية والموارد الطبيعية الأخرى والعناصر البيئية (1980).

(8) تلوث المياه في حوض صرفي دولي (1982) .

(9) قانون موارد المياه الجوفية الدولية (1986).

(10) القواعد مكتملة تنطبق على المجاري المائية الدولية (1986).

(11) تعرض القانون الخاص للضرر العابر في المجاري المائية الدولية .

(12) لتلوث عبر وسيط (Cross- media) الناتج عند استخدام مياه حوض صرفي دولي (CMP) : لم يتم التوصل لقواعد حول هذا الموضوع ولذلك الأسلم تسمية هذه القواعد (قواعد مكتملة عن التلوث) لأنها تكمل التي أشرنا إليها في (8) أعلاه .

يتضح مما ذكر أعلاه أن قواعد هلسنكي قد تمت تكملتها من قبل رابطة القانون الدولي بالقواعد الاثنتي عشرة المشار إليها أعلاه , ولكن كما هو معلوم فإن قواعد هلسنكي لا تتمتع بأي صفة رسمية ولذلك قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1970 , كما سبق أن ذكرنا , أن تطلب من لجنة القانون الدولي إعداد مسودة مجموعة من المواد تنظم الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية . وبعد ثلاثة عشر تقريراً وجهود خمسة

مقررين خاصين , رفعت اللجنة في عام 1991 أول مسودة تضم 32 مادة إلي الجمعية العامة لمناقشتها في لجنتها السادسة وللحصول على تعليقات الحكومة عليها . ولقد قامت لجنة القانون الدولي بعد ذلك بإجراء تعديل طفيف على المسودة الأولى خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين للانتفاع المنصف وقاعدة عدم الأضرار والتسوية السلمية للمنازعات .

ولقد قررت الجمعية العامة بتاريخ 23 أيلول (ديسمبر) 1994 أن تدرج في جدول أعمالها البند المعنون " تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها السادسة والأربعين " وأن تحيله إلي اللجنة السادسة .

وبتاريخ 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 عرض على اللجنة السادسة مشروع قرار مقدم من رئيسها عنوانه " مشاريع المواد المتعلقة بقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية " وينص , ضمن موضوعات أخرى , على الآتي :-

(1) أن يؤخذ في الاعتبار وجود اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف تنظم استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية , وهي اتفاقيات ينبغي ألا تتأثر باعتماد صك دولي جديد إلا إذا قررت الأطراف في تلك الاتفاقات غير ذلك (الفقرة الخامسة والأخيرة من الديباجة) .

(2) دعوة الدول بأن تقدم في موعد لا يتجاوز 1 آب (أغسطس) 1995 تعليقاتها وملاحظاتها الخطية على مشاريع المواد التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي (الفقرة العامة الثانية) .

(3) تنعقد اللجنة السادسة في بداية دورتها الخمسين بوصفها فريقاً عاملاً لفترة ثلاثة أسابيع من 2إلي 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1995 لإعداد اتفاقية إطارية بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية على أساس مشاريع المواد التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي في ضوء التعليقات الخطية الواردة من الدول فضلاً عن الآراء المعرب عنها في المناقشة التي تجري في الدورة التاسعة والأربعين للجمعية العامة (الفقرة العاملة الثالثة) .



(4) يدرج في جدول الأعمال المؤقت للدورة الخمسين للجنة السادسة بنداً بعنوان اتفاقية بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية (الفقرة العاملة السادسة) .

وبتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 عرض مشروع القرار منقحاً بحيث أضيفت لديباجته فقرة أخيرة جديدة تنص على الأخذ في الاعتبار أنه على الرغم من وجود عدد من المعاهدات الثنائية والاتفاقيات الإقليمية فإن استخدام المجاري المائية الدولية ما زال يعتمد جزئياً على المبادئ العامة وقواعد القانون الدولي اعرفي .

وفي جلسة 29 تشرين الثاني (نوفمبر) طلب ممثل السودان إجراء تصويت مستقل على الفقرة قبل الأخيرة من ديباجة مشروع القرار المنقح . ولقد قررت اللجنة السادسة ، بتصويت مسجل بأغلبية

93 صوتاً مقابل صوتين (أثيوبيا والسودان) وامتناع 20 عضواً عن التصويت الإبقاء على تلك الفقرة[2].

ولقد هدف السودان من ذلك الموقف إلي إلقاء الضوء على موضوع علاقة الاتفاقية بالاتفاقات السابقة باعتبار إن ذلك موضوعاً هاماً ينبغي أن تعالجه مواد الاتفاقية وألا يترك لقرار الإحالة.

وعلى الرغم من أن موقف السودان لم يجد المساندة الكافية ابتداءً إلا أن المداولات اللاحقة أثبتت سلامة ذلك الموقف. ونتيجة لذلك أضيفت فقرتان للمادة 3 كما سوف نوضح لاحقاً عند استعراضنا لتلك المادة[3].



القسم الثالث : استعراض تفصيلي لمواد الاتفاقية :

أولاً : المادة 1- نطاق سريان هذه الاتفاقية :

(1) لا يوجد اختلاف بين النص الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي لهذه المادة عام 1994م والنص الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1997م سوى إضافة كلمة "الحماية" بحيث أصبحت الاتفاقية تسري كذلك على تدابير الحماية ولا تقتصر على تدابير الصيانة والإدارة فقط. ولا شك أن الإضافة سليمة لأنها تجعل معالجة الاتفاقية تشمل كل الجوانب[4].

(2) تؤكد عبارة "في الأغراض غير الملاحية" الواردة في الفقرة 1 من المادة 1 بأن الاتفاقية تسرى على جميع استخدامات المجري المائي ما عدا الملاحة.

وتؤكد كلمة "ومياهها " الواردة في ذات المادة أن مصطلح "المجري المائي الدولي" يشمل المجري نفسه والمياه الموجود فيه ، في حالة وجود أي اختلاف بين الاثنين. كما أن الاتفاقية تنطبق على استخدامات المياه المحولة من المجري المائي[5].

(3) أرادت بعض الحكومات في تعليقاتها أن تعيد فتح باب النقاش حول مسألة مصطلح "المجاري المائية" ، ولكن منذ عام 1993م أوضح المقرر الخاص السيد/ رو برت روزنتسوك أن إعادة النظر في مزايا ومثالب استخدام مصطلح "حوض الصرف" لا تخدم أي غرض معين في تلك المرحلة المتأخرة خاصة في ظل الحل التوفيقي الذي تم التوصل إليه. وأوضح المقرر كذلك بأن استخدام مصطلح "المياه العابرة للحدود" في ضوء استخدام اتفاقية اللجنة الاقتصادية لأوربا لذلك المصطلح (اتفاقية حماية واستخدام المياه العابرة للحدود والبحيرات الدولية) لا يغير من الأمر شيئاً ولا يختلف في مضمونه عن مصطلح "المجاري المائية الدولية"[6].

(4) أن جعل سريان الاتفاقية يشمل تدابير الحماية والصيانة والإدارة قد وسع من نطاق الاتفاقية لتسرى على كافة المسائل الأخرى المتصلة بالمجاري المائية مثل الموارد الحية وضبط الفيضانات والترسيب وشرب الماء الصالح ، علماً بأن ذلك الاتجاه قد أيدته ردود العديد من الدول. و بالإضافة إلى ذلك فإن تلك التدابير تدخل كافة أشكال التعاون بين الدول تحت نطاق الاتفاقية[7].

ولقد حاولت كندا إدخال استثناءات على تلك الفقرة لتضييق نطاقها وذلك بإضافة الجملة التالية: "باستثناء ما قد ينص عليه خلافاً لذلك بموجب ي اتفاقية أو اتفاق أو عرف ملزم بين دول المجري المائي" إلا أن تلك المحاولة لم تجد القبول[8].

(5) تؤكد الفقرة 2 من المادة 1 بأن استبعاد الاستخدامات الملاحية من نطاق الاتفاقية لا يمكن أن يكون تاماً حيث أن الملاحة تؤدي إلى تلوث المجاري المائية كما تستلزم الحفاظ على مستويات معينة من للمياه والمرور عبر الحواجز وحولها. ولقد وردت الصياغة بالنفي لكي تؤكد بأن الاستخدامات الملاحية لا تدخل في نطاق الاتفاقية إلا بقدر ما تؤثر الاستخدامات الأخرى للمياه في الملاحة أو تتأثر بها[9].

ولقد اقترحت تركيا حذف تلك الفقرة أو إضافة جملة إلى تلك الفقرة تقرأ: "وفي هذه الحالة تسرى الاتفاقات القائمة وقواعد القانون الدولي المتصلة بالاستخدام في الأغراض الملاحية" ، إلا أن ذلك الاقتراح لم يجد التأييد[10].

(6) عند إجارة المادة 1 من لجنة الصياغة كانت تتضمن فقرة ثالثة بين قوسين تنص على الآتي: "لا تسرى هذه الاتفاقية على استخدام الموارد الحية الموجودة في المجاري المائية الدولية إلا في الحدود المنصوص عليها في الباب الرابع ، وبالقدر الذي تؤثر به الاستخدامات الأخرى للمجرى المائي على هذه الموارد" ، إلا أن تلك الفقرة قد حذفت في مرحلة لاحقة[11].

ثانياً : المادة 2- المصطلحات المستخدمة :-

(1) يختلف نص المادة 2 الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي في دورتها السادسة والأربعين عام 1994م عن النص الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1997م والذي جعل تعريف "المجري المائي" مقدماً على تعريف "المجري المائي الدولي" الذي كان يأتي أولاً في نص اللجنة. ولا شك أن ذلك التغيير سليم ، حيث أن تعريف "المجري المائي الدولي" ينصب على تعريف كلمة "الدولي" ، ولا يستقيم منطقاً الشروع في تعريف كلمة "دولي" قبل تعريف عبارة "المجري المائي" الذي أتت كلمة "دولي" صفة لها. وكذلك هنالك اختلاف ثان وهو أن الفقرة "ج" قد أدخل عليها تعديلان موضوعيان: الأول هو أن تكون دولة المجري المائي طرفاً في الاتفاقية ، والثاني هو أن يشمل تعريف "دولة المجري المائي" أي طرف يكون في منظمة إقليمية للتكامل الاقتصادي يقع في إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي. والاختلاف الثالث والأخير هو إضافة فقرة جديدة وهي الفقرة (د) التي تعرف "المنظمة الإقليمية للتكامل الاقتصادي"[12].

ولقد أثار التعديل الثاني لقطاً كثيراً بعد إجازة الاتفاقية باعتباره قد توسع في تعريف "دولة المجري المائي" . وما زال ذلك الموضوع محل نظر ويمكن التحفظ عليه عند التصديق أو الانضمام للاتفاقية وسوف نورد معلومات أكثر عند تعليقنا على الفقرة (ج) من المادة 2.

(2) أوصي المقرر الخاص السيد / رو برت روزنتسوك في تقريره الأول عام 1993م بحذف عبارة "تتدفق صوب نقطة وصول مشتركة" الواردة حالياً في الفقرة (أ) من المادة 2 لأنه يعتقد إن تلك العبارة لا تضيف شيئاً وأنها تنشئ حواجز مصطنعة ، كما أوصى المقرر الخاص بنقل تعريف مصطلح "التلوث" الوارد حالياً في المادة 21 إلى المادة 2 إلا أن تلك التوصيات لم يؤخذ بها[13].

(3) إن تعريف "المجري المائي" بأنه شبكة يعنى أن يتألف من عدد من العناصر المختلفة التي تتدفق المياه من خلالها وهي تشمل الأنهار والبحيرات الطبقات الصخرية المحتوية على الماء والأنهار الجليدية والخزانات والقنوات التي تشكل بحكم علاقاتها الطبيعية بعضها ببعض كلاً واحداً. ويترتب على فكرة الكل الواحد الواردة في المادة أن مصطلح "المجرى المائي" لا يشمل المياه الجوفية "المحصورة". ولقد أبدى بعض أعضاء لجنة القانون الدولي تشككهم بشأن إدراج القنوات (Canals) ضمن عناصر المجري المائي ، نظراً لأن المشروع قد صيغ ، في رأيهم ، بناء على افتراض أن "المجري المائي" ظاهرة طبيعية[14].

(4) تشترط المادة 2 أن تتدفق شبكة المياه "عادة صوب نقطة وصول مشتركة "ولقد أضيفت كلمة "عادة" للتوفيق بين من طالبوا بحذف عبارة "نقطة وصول مشتركة" لأسباب منها أنها غير صحيحة من الناحية الهيدرولوجية وأنها مضللة وتستبعد بعض المسطحات المائية المهمة، وبين من طالبوا بالإبقاء على مفهوم نقطة الوصول المشتركة ليكون فيه نوع من التحديد الجغرافي لنطاق الاتفاقية. ولذلك فإن حوضي صرف

مختلفين يتصلان بواسطة قناة لا يجعل منها جزءاً من "مجرى مائي" واحد. كما أن لا يعنى مثلاً أن ألد أنوب والراين يؤلفان شبكة واحدة لمجرد إن المياه تتدفق في بعض أوقات السنة من ألد أنوب لمياه جوفية إلى الراين عبر بحرية كونستانس. ومفهوم الشبكة ليس مفهوماً جديداً إذ طالما استعمل ذلك التعبير في العديد من الاتفاقيات الدولية للإشارة إلى النهر وما يتصل به من قنوات[15].

(5) أضافت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1996م إلى الفقرة (ج) من المادة 2 عبارة "دولة طرف في هذه الاتفاقية" ، وفي تقديرنا أن تلك الإضافة توضح ما هو واضح وهو إن الاتفاقية لا تلزم إلا أطرافها[16]. وفي عام 1997م أضافت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تلك الفقرة عبارة : " أو طرف يكون في منظمة إقليمية للتكامل الاقتصادي يقع إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجري مائي دولي". ولقد دار جدال كبير حول أهداف ذلك التعديل كما سبق أن أوضحنا ولذلك صدر حوله بيان تفاهم بأن ليس في الفقرة (ج) من المادة 2 ما يمكن أن يؤخذ على أنه يشير إلى أن منظمات التكامل الاقتصادي الإقليمية لها مركز الدولة في القانون الدولي. كما أن التفسير الذي قدم لتلك الإضافة المتعلقة بمنظمات التكامل هو أن دول الاتحاد الأوربي قد حولت العديد من اختصاصاتها في مجال البيئة على الأنهار إلى الاتحاد الأوربي والذي هو منظمة للتكامل الاقتصادي. ولكن كما سبق أن أوضحنا فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقدمت بالتعديل وليس الاتحاد الأوربي[17].

(6) في الوقت الذي اقترحت فيه كل من أثيوبيا وتركيا حذف عبارة "المياه الجوفية" كانت مصر ترى أن يتضمن التعريف المياه الجوفية التي لا تتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة. وذلك الاختلاف الكبير في وجهات النظر يوضح أن ما استقر عليه الرأي هو حل وسط بين المتوقفين المذكورين[18] .

(7) نلاحظ أن قواعد هلسنكي ، فيما يتعلق بنطاق الاستخدام واستخدام المصطلحات ، تختلف عما ورد أعلاه في الآتي[19] :-

أ- أوضحت المادة 1 من قواعد هلسنكي أن تلك القواعد تتضمن المبادئ العامة للقانون الدولي ، وذلك أمر لم ترد الإشارة إليه في الاتفاقية حيث أن الفقرة الثانية من الديباجة تشير إلى الفقرة 1 (أ) من المادة 13 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على قيام الجمعية العامة بإجراء دراسات ووضع توصيات بقصد تشجيع التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه كما سبق أن ذكرنا.

ب- القواعد تنطبق وفقاً للمادة واحد منها على "استخدام مياه حوض الصرف الدولي" في حين أن الاتفاقية تنطبق على استخدامات المجري المائي في الأغراض غير الملاحية ولكنها تتوسع بعد ذلك لتجعل الاتفاقية تسرى كذلك على تدابير الحماية والصيانة والإدارة ولذلك نقول بأن نطاق سريان

الاتفاقية أوسع بكثير من نطاق سريان القواعد فيما عدا جانباً واحداً وهو أن الاتفاقية لا تسرى على الاستخدامات الملاحية إلا في الحدود التي تؤثر فيها الاستخدامات الأخرى على الملاحة أو تتأثر بها.

ج – تشير قواعد هلسنكي إلى "حوض الصرف الدولي" وليس إلى "المجري المائي" وتعرف ذلك الحوض بأنه المنطقة الجغرافية التي تمتد فوق دولتين أو أكثر وتحد بحدود خط تقسيم المياه لشبكة المياه وتشمل المياه السطحية والجوفية التي تتدفق صوب نقطة وصول مشتركة. ويتضح من ذلك أن الخلاف الأساسي في هذا الجانب الأساسي في هذا الجانب بين القواعد والاتفاقية هو الآتي :

- الاتفاقية لا تتناول المجري كحيز جغرافي وإنما تركز عليه باعتباره شبكة من المياه ، في حين أن القواعد تهتم بالحوض كحيز جغرافي. ولا شك أن معالجة القواعد هي معالجة واضحة خاصة فيما يتعلق بالخلاف حول استخدام المياه داخل الحوض فقط أو كذلك خارج الحوض ولكن داخل دولة الحوض.

- أن القواعد لا تتضمن مفهوم تشكيل المياه بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض كلاً واحداً والذي ورد في الاتفاقية.

- أن القواعد لا تتضمن مفهوم أن يكون التدفق صوب نقطة الوصول المشتركة هو "عادة"، كما ورد في الاتفاقية.

د – تتضمن القواعد تعريفاً لدولة الحوض في حين تعرف الاتفاقية دولة المجري المائي وتضيف الاتفاقية أن تكون الدول طرفاً في الاتفاقية. كما يتضمن تعريف الاتفاقية الدولية التي تكون في منظمة إقليمية للتكامل الاقتصادي يقع في إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي.

هـ- أن مصطلح "المجري المائي الدولي" الوارد في الاتفاقية غير مرادف لمصطلح "نهر دولي" الوارد في القواعد ، إذ أن المصطلح الأول أوسع نطاقاً لأنه يأخذ في الاعتبار أن معظم المياه العذبة هي في الحقيقة مياه جوفية ، وأن معظم المياه الجوفية لها صلة أو تفاعل مع المياه السطحية. وعلى سبيل المثال إذا وجد مكمن للمياه الجوفية على الحدود لدولة ما فإن استخراج المياه الجوفية أو تدفقان المياه السطحية في الدولة الأخرى. ونلاحظ أن اشتمال الاتفاقية على المياه الجوفية كان سبب امتناع دولتين عن التصويت وهما باكستان ورواندا[20].

ويرى بعض الفقهاء أن تعريف المجرى المائي في الاتفاقية لا يشمل أل (Polar ice caps and glaciers) على الرغم من أنها تذوب بمعدلات مخيفة ، كما لا يشمل المياه الجوفية المحصورة التي لا تتفاعل مع المياه السطحية. وعلى الرغم من ندرة تلك المياه الجوفية المحصورة إلا أنهم يرون أنها تعد مصدراً مهماً من مصادر المياه في بعض المناطق الجافة ، وإنها في بعض الحالات تكون مشتركة بين دولتين فأكثر ولكن على الرغم من ذلك لا يشملها تعريف الاتفاقية للمجري المائي[21].

ولم تر لجنة القانون الدولي أنه من المناسب تضمين تلك المياه في المواد ولذلك فإنها اعتمدت في نهاية أعمالها قراراً بشأن المياه الجوفية العابرة للحدود اعترفت فيه بالحاجة إلى مواصلة الجهود من أجل إعداد قواعد تتعلق بالمياه الجوفية المحصورة العابرة للحدود وحثت فيه الدول على الاسترشاد بالمبادئ الواردة في مشاريع المواد في تنظيم المياه الجوفية المحصورة العابرة للحدود حيثما كان ذلك ملائماً. كما أوصت بأنه في حالة نشوب نزاع بشأن المياه الجوفية المحصورة العابرة للحدود فإنه ينبغي حل النزاع طبقاً للأحكام الواردة في المادة 33 من مشاريع المواد أو طبقاً لأي طريقة يمكن الاتفاق عليها[22].

وعلى الرغم من تأكيد بعض الفقهاء على انطباق المبادئ العامة في الاتفاقية على المياه الجوفية المحصورة العابرة للحدود كما ورد في قرار لجنة القانون الدولي المشار إليه أعلاه ، إلا أن بعضهم يرى أن درجة الحرص (diligence) المطلوبة في حماية المياه المحصورة يمكن أن تكون كبيرة لأن التلويث الذي يحدث لمكامن تكل المياه لا يحدث إلا عبر سحب الإنسان لتلك المياه. كما أنه يرى أن لجنة المياه المحصورة العابرة للحدود في نطاق مشاريع المواد على الرغم من أنها قد قربت من فعل ذلك في قرارها الذي أصدرته حول الموضوع والذي أشرنا إليه أعلاه[23].



ثالثاً : المادة 3- اتفاقات المجري المائي :

(1) يتكون نص المادة 3 الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي عام 1994م من ثلاث فقرات وهي تعادل الفقرات (3) و (4) و (5) من نص المادة 3 الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1997م مع اختلاف واحد وهو إضافة الجملة "دون موافقة صريحة منها" إلى الفقرة (4) من نص المادة 3 الذي اعتمدته الجمعية العامة.

(2) الفقرتان (1) و (2) من المادة 3 من الاتفاقية لا يوجد لها مقابل في نص المادة 3 الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي لأن اللجنة اعتقدت إن الاتفاقيات القائمة لا تدخل في نطاق الاتفاقية وأنه لا حاجة للنص على ذلك كما سنوضح لاحقاً.

(3) إن الحل الذي وضعته لجنة القانون الدولي لتنوع المجاري المائية الدولية وتنوع الاحتياجات البشرية التي تلبيها هو حل الاتفاق الاطاري الذي يوفر للدول الأطراف المبادئ والقواعد العامة التي تحكم الاستخدامات في حالة عدم وجود اتفاق ، ويوفر كذلك المبادئ الموجهة للتفاوض بشأن الاتفاقات المقبلة ولقد ورد مضمون أن الاتفاق اتفاقاً إطارياً في المادة 3 (3) دون النص على ذلك صراحة، علماً بأن النص الصريح على ذلك قد ورد في الفقرة الرابعة من ديباجة الاتفاقية وفي الفقرة العامة الثالثة

من القرار الذي أصدرته اللجنة السادسة بتاريخ 29 نوفمبر 1994م كما سبق أن أوضحنا[24].

(4) إن ذلك الحل الإطاري ليس ابتكاراً وإنما له سوابق مبكرة مثل اتفاقية تنمية القوي المائية التي تهم أكثر من دولة واحدة لسنة 1923م ومعاهدة حوض نهر بلاتا لسنة 1969م[25].

(5) أوضحت لجنة القانون الدولي في تعليقاتها على المادة 3 أنه ، بينما تأمل اللجنة أن تأخذ الاتفاقات المتصلة بمجار مائية دولية معينة أحكام الاتفاقية في الاعتبار اللازم ، تكون الاتفاقية تكميلية أساساً لطبيعتها[26].

(6) توضح العبارة الاستهلالية للفقرة 4 من المادة 3 والتي تنص على : "عندما يعقد اتفاق مجري مائي بين دولتين أو أكثر من دول المجري المائي "عدم وجود التزام بإبرام مثل هذه الاتفاقات المحددة[27].

(7) إن أكفأ طريقة لمعالجة شؤون المجري المائي وأكثرها فائدة هي أخذه ككل بما في ذلك اهتمامات جميع دول المجري المائي. ومن أمثلة المعاهدات التي اتبعت ذلك النهج المعاهدات المتعلقة بأحواض الأمازون والبلاتا والنيجر وتشاد واتفاقية حماية نهر الراين من التلوث الكيميائي لسنة 1976م. ولكن عدداً كبيراً جداً من معاهدا المجاري المائية النافذة يقتصر على جزء من شبكة المجري المائي[28].

(8) نلاحظ أنه قد نص في الفقرة 4 من المادة 2 وفي كل النصوص الأخرى المعنية أن الأثر ينبغي أن يكون "جسيماً" ، ولكن ليس المقصود من ذلك تشديد المعيار الواجب التطبيق وذلك لأن كلمة "ملموس" تعنى في وقت واحد أنه "يمكن قياسه" وأنه " جسيم". ولقد أوضحت لجنة القانون الدولي أن الجسيم هو ما يمكن إثباته بدليل مادي (شريطة الحصول على ذلك الدليل) وأنه يجب أيضاً أن يحدث انتقاص حقيقي من الاستخدام لاستبعاد الحالات التي تكون من النوع الذي تنطوي عليه قضية بحيرة لانو التي أصرت أسبانيا فيها على توزيع مياه بحيرة لانو عن طريق الشبكة الأصلية ولكن وجدت هيئة التحكيم أنه بفضل إعادة المياه إلى الشبكة الأصلية فإن لن يتأثر أي من المنتفعين وأنه في أدني منسوب للمياه لن يحدث نقص في أي وقت[29].

ولقد أوضحت لجنة القانون الدولي أنه بينما يجب أن يكون الأثر مما يمكن إثباته بدليل مادي وألا يكون تافهاً فليس من الضروري أن يرقي إلى درجة الأثر الكبير. ولقد أيدت بيانات التفاهم التي تمت صياغتها عند إجازة الاتفاقية في اللجنة السادسة ذلك المفهوم[30].

(9) إن الالتزام بالتفاوض بإبرام اتفاق على نحو ما ورد في الفقرة 5 من المادة 3 يمكن إنفاذه ، على سبيل المثال ، في حالة القيام بلا مبرر بقطع المحادثات أو الارجاءات غير العادية ، أو عدم مراعاة الإجراءات المقررة ، أو التمادي في رفض إيلاء الاعتبار لاقتراحات أو مصالح الخصم، وبصفة أعم في حالة انتهاك قواعد حسن النية. ولقد نظرت محكمة العدل الدولية أيضاً في الالتزام بالتفاوض في قضايا تتعلق بمصائد الأسماك وبتعيين

الحدود البحرية[31].

(10) الفقرتان اللتان أضيفتا إلى مشاريع مواد لجنة القانون الدولي هما الفقرتان (1) و (2) من المادة 3 من الاتفاقية واللتان تنصان على أنه لا يؤثر أي مما نصت عليه الاتفاقية في حقوق والتزامات دولة المجري المائي الناشئة عن اتفاقات يكون معمولاً بها بالنسبة لهذه الدولة في اليوم الذي تصبح فيه طرفاً في هذه الاتفاقية ، ما لم يكن هنالك اتفاق على نقيض ذلك ، وأنه على الرغم من ذلك يجوز للأطراف في الاتفاقات المشار إليها أن تنظر عند اللزوم في اتساق تلك الاتفاقات مع المبادئ الأساسية للاتفاقية. أن لجنة القانون الدولي لم تتعرض إطلاقاً للاتفاقات القائمة بين الدول للأسباب التي سبق أن أوضحناها وأنه إذا أرادت بعض الدول وضع معالجة معينة فإن ذلك أمر لا يبت فيه الخبراء وإنما يترك لخيارات الدول السياسية ولأحكام القانون الدولي. وترى بعض الوفود كالوفد الأثيوبي عند تفسير تصويته على الاتفاقية أن تحقيق الاتساق ، الوارد في الفقرة 2 من المادة 3 ، يجب أن يكون إلزامياً. ويرى بعض الفقهاء أنه "نظراً لكثرة وتنوع الاتفاقات القائمة ، فإن مثل هذا الاشتراط ليس عملياً. إلا أن هذا لا يعنى أن المبادئ التي تجسدها الاتفاقية ليست ذات أهمية في تفسير الاتفاقات القائمة" . وفي تقديري أن الزعم بأن الاتساق ليس عملياً لا يشكل حجة قانونية كما أنه لا يستقيم مع أهمية الاتفاقية وما تضمنته من قواعد عرفية[32].

ونوضح بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من بين الدول التي تعترض على إيراد الفقرة 2 من المادة 3 وهو موقف يمثل النقيض من الموقف الأثيوبي[33].

(11) نلاحظ أن الموقف الأثيوبي أعلاه يختلف عن الاقتراحات التي تقدمت بها قبل التصويت وهي[34]:

أ- لا تنطبق هذه الاتفاقية على اتفاقات المجاري المائية القائمة إلا في الحالات التي تكون فيها هذه الاتفاقات مخالفة للمبادئ والقواعد الجوهرية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.

ب- تحاول دول المجري المائي في الحالات التي تكون فيها اتفاقات المجاري المائية القائمة مخالفة لمبادئ هذه الاتفاقية وقواعدها الجوهرية ، عقد اتفاق جديد للمجري المائي يعكس بالقدر الكافي أحكام هذه الاتفاقية – لا تحيد اتفاقات المجري المائي المستقبلية حيداً كبيراً عن الأحكام الجوهرية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.

ج- في حالة عدم وجود اتفاقات محددة ثنائية أو متعددة الأطراف بين دول المجري المائي تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على الأغراض التي يستخدم فيها ذلك المجري المائي.

(12) أن رئيس اللجنة السادسة هو الذي تقدم بالنص الموجود حالياً في الفقرتين 1 و 2 من المادة 3 كتوفيق بين مختلف وجهات النظر ، ولقد كان اقتراحه في مرحلته الأولي قبل قبوله يضع الاتساق على سبيل



الإلزام والجواز كخيارين

(13) [35].

(14) أما جمهورية مصر العربية فإنها قد اقترحت في 10 أكتوبر 1996م إضافة فقرتين في نهاية المادة 3 من مشاريع مواد لجنة القانون على النحو التالي [36]:

- " لا تؤثر هذه الاتفاقية على الالتزامات والحقوق المكتسبة الناشئة عن الاتفاقات القائمة والأعراف السارية بين دول المجري المائي.

- "ومع ذلك يجوز للدول الأطراف في اتفاق قائم ، إذا ما سمحت الظروف بذلك ، أن تنظر في مواءمة هذا الاتفاق مع المبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية ، بموافقة جميع الدول الأطراف في هذا الاتفاق على ذلك".

(15) ونستطيع القول بأن رئيس اللجنة السادسة قد قدم اقتراحه استناداً إلى مواقف العديد من الدول التي قدمت اقتراحات تضمنت ذلك المعني ، بما في ذلك مصر كما ذكرنا أعلاه وإيطاليا والهند وتركيا وإسرائيل[37].

(16) بالنسبة للاتفاقات الجديدة ، اقترحت هولندا أمام اللجنة السادسة تأييداً للموقفين الإيطالي والبرتغالي الآتي : "ينبغي أن تكون المبادئ الأساسية للاتفاقية إلزامية ، ويمكن أن تكون الأحكام أكثر تفضيلاً مكملة لها ويمكن بعد مناقشة هذه المبادئ إجراء تقييم نهائي بشأن الأحكام التي يتعين اعتبارها إلزامية". كما أن هولندا قد اقترحت أن تضاف الفقرة 5 من المادة 3 عبارة في نهايتها تقرأ : "دون الإخلال بالمبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية"[38].

(17) لقد كان مصير الاتفاقات القائمة بشأن المجاري المائية الدولية إحدى المسائل الرئيسية التي توجب على اللجنة السادسة تسويتها. علماً بأن تلك القضية لم تكن مشمولة على الإطلاق في مشاريع المواد لأن لجنة القانون الدولي افترضت أن من الطبيعي أن يستمر العمل بالاتفاقات القائمة دون تغيير ، ما لم تقرر الأطراف المعنية في تلك الاتفاقات إلغاءها أو تعديلها في ضوء الاتفاقية الجديدة ، كما سبق أن أوضحنا[39].

(18) وترى بعض الدول خاصة البرتغال وأثيوبيا أن بعض أحكام الاتفاقية تقنيناً لقواعد عرفية قائمة. ولذلك فإنه بمقتضى المادة 64 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 ينبغي بطلان كافة الاتفاقات القائمة بشأن المجاري المائية الدولية التي تخالف تلك القواعد. وعلى الطرف المقابل أعلنت دولة أخرى مثل مصر وفرنسا وسويسرا رفضها لذلك التفسير. وفي نهاية المطاف تم التوصل إلى المعادلة الواردة في الفقرتين 1 و 2 من المادة 3. وذلك يعنى إن الدول الراغبة في الحفاظ على الاتفاقات القائمة قد أحرزت انتصاراً في مقابل تنازل بسيط وهو جواز الاتساق الذي أشرنا إليه أعلاه والذي يري بعض الفقهاء أنه ليس له أي أثر قانوني لأنه لن يكون هناك تعديل للاتفاقات القائمة بدون موافقة كافة الدول الأطراف في تلك الاتفاقات حسبما تنص القواعد الأساسية لقانون المعاهدات ، خاصة وأن "المبادئ الأساسية " التي يمكن تحقيق الاتساق معها ليست محددة في أي نص من نصوص الاتفاقية. ولقد كانت المادة 3 من بين المواد التي طرحت للتصويت منفردة في اللجنة السادسة. ولقد اعتمدت بعد أن صوتت لصالحها 36

دولة وعارضتها 3 دول (مصر ، فرنسا ، تركيا). ولقد كان ذلك فوزاًَ متواضعاً نظراً لأنه كان هنالك 21 دولة امتنعت عن التصويت. والتساؤل الذي يثور هنا هو لماذا صوتت مصر وفرنسا ضد المادة 3 . والإجابة أنه ربما ظنتا إنها لم تنص بوضوح وقوة كافيين على بقاء تلك الاتفاقات ، أو أنهما آثرتا اتخاذ الموقف الأكثر سلامة ، أو أنهما كانت منشغلتين بالفقرة 3 من المادة 3 ، كما زعم بعض الفقهاء ، لأن التطبيق الوارد في تلك الفقرة إذا نظر إليه بمعزل عن المواءمة التي وردت لاحقاً في النص قد يعنى أن مضمون الاتفاقات التي تعقد في المستقبل يجب أن ينسجم مع أحكام الاتفاقية[40].

رابعاً : المادة 4- الأطراف في اتفاقات المجري المائي :

(1) لا يوجد لهذه المادة مقابل في قواعد هلسنكي.

(2) لا يوجد اختلاف يذكر بين نص لجنة القانون الدولي والنص الذي اعتمدته الجمعية العامة سوى أن النص الأخير يضيف في الفقرة 2 فكرة أن تكون المشاركة في المشاورات "عند الاقتضاء" وأن يكون التفاوض "بحسن نية" علماً بأن مبدأ حسن النية قد ورد في المادة 3 من نص اللجنة. أما إضافة فكرة "عند الاقتضاء" في اللجنة السادسة للفقرة 2 من المادة 4 فإنها فكرة صائبة لأن الهدف ليس هو المشاركة في المشاورات في كل الحالات وإنما الهدف هو المشاركة إذا ما وجد مقتضى لذلك.

(3) لاحظت لجنة القانون الدولي أن حق الدول في المشاركة في المشاورات والمفاوضات حول اتفاق يسرى على جزء من المجري المائي يخضع لقيد أن يكون الاستخدام له اثر سلبي جسيم على الدولة التي تطالب بالحق وأن التمتع بذلك الحق يكون بقدر تأثر استخدام الدولة. ولا اعتقد أنه يوجد خلاف حول تلك الملاحظة ، إلا أن ملاحظتها الثانية والتي تفيد بأن حق دولة المجري المائي التي تتأثر تأثراً جسيماً بالاتفاق الجزئي في أن تصبح طرفاً في الاتفاق لا يخضع لقيد أن يكون دخولها طرفاً بقدر تأثر استخدامها لا تنطبق على الفقرة 2 من المادة 4 من الاتفاقية حيث أن جُزئها الأخير قد اختلفت صياغته حين أنه نص حالياً على الآتي : "أن تشارك فى المشاورات التي تجرى بشأن هذا الاتفاق ، وعند الاقتضاء ، في التفاوض على مثل هذا الاتفاق بحسن نية بغرض الانضمام طرفاً إليه ، بقدر تأثر استخدامها بهذا القانون" . علماً بأن ذلك الجزء كان في مشاريع مواد لجنة القانون الدولي ينص على الآتي : "أن تشارك في المشاورات التي تجرى بشأن هذا الاتفاق وفي التفاوض عليه ، بقدر تأثر استخدامها بهذا الاتفاق ، وأن تصبح طرفاً فيه"[41].

(4) كما سبق أن ذكرنا فإنه فيما يتعلق بالاتفاقات الجزئية الواردة في الفقرة 2 من المادة 4 فإنه قد تم تخفيف لجنة القانون الدولي حيث جعل التفاوض عند الاقتضاء فقط وأن يكون بحسن نية وأن يكون دخولها طرفاً في الاتفاق بقدر تأثر استخدامها بالاتفاق. ويرى كافليش أن حل لجنة القانون الدولي مشكوك فيه من وجهة النظر القانونية الصرفة إلا أنه اعتبره مقبولاً بسبب تعديله في اللجنة السادسة بإدخال عبارة " عند

الاقتضاء" وأن الدخول طرفاً في الاتفاق أصبح بقدر تأثر استخدام الدولة بالاتفاق[42].

(5) ونلاحظ كذلك بأن جنون أفريقيا هي التي اقترحت بأنه إذا لم يكن من المقبول حذف الفقرة 2 من المادة خ4 فإنه ينبغي أن توضع عبارة "وأن تصبح طرفاً في هذا الاتفاق" قبل عبارة "بقدر تأثر استخدامها بهذا الاتفاق" ولقد وجد ذلك الاقتراح القبول كما سبق أو أوضحنا[43].

خامساً : المادة 5- الانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان :

(1) الفرق بين النص الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي للمادة 5 وبين النص الذي اعتمدته الجمعية العامة هو إدخال الجمعية العامة لفكرة الاستدامة وإضافة عبارة "مع مراعاة مصالح دول المجري المائي المعنية" إلى الفقرة 1 وحذف كلمة "الانتفاع" من الفقرة 2 واستبدالها بكلمة استخدام[44].

(2) النص المقابل الوارد في قواعد هلسنكي هو المادة الرابعة مختصر وينص على استحقاق كل الدول لنصيب منصف ومعقول في الاستخدامات النافعة وهو يختلف عن النص الذي أجازته الجمعية العامة للمادة 5 في الآتي[45] :-


أ- نص الجمعية العامة عن "نصيب – Share " و "مستحق – Entitle" وإنما يتحدث عن الانتفاع – Utilization " و "الاستخدام – Use" و "المشاركة – Participation" .

ب- أن الانتفاع في نص الاتفاقية يبغي أن يكون بصفة خاصة بحيث تستخدم الدول المجري المائي وتنميته بغية الانتفاع به بصورة مثلي ومستدامة والحصول على فوائد منه ، مع مراعاة مصالح دول المجري المائي المعنية ، على نحو يتفق مع توفير الحماية الكافية للمجري المائي.

ج- تنص الاتفاقية على أن تشارك دول المجري المائي في استخدام المجري وتنميته وحمايته بطريقة منصفة ومعقولة وأن تلك المشلوكة تشمل حق استخدام المجري المائي وواجب التعاون في حمايته وتنميته على السواء على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية.

(3) أن الانتفاع والمشاركة المنصفين والمعقولين الواردين في المادة 5 من الاتفاقية هما حجر الزاوية في قانون المجاري المائية الدولية. ونشير هنا بصفة خاصة إلى اعتماد محكمة العدل الدولية في قضية غابتشيكوفو – ناغيماروس على الفقرة 2 من المادة 5 من الاتفاقية[46].

(4) من المتعذر تقريباً بالنسبة لدولة ما ضمان كون استخدامها للمجري المائي المعني منصفاً بدون بيانات ومعلومات من البلدان الأخرى حسبما تنص المادة 9 من الاتفاقية ، ودون اعتبار للعوامل والظروف الواردة في المادة 6. غير أن الانتفاع المنصف والمعقول يمكن تطبيقه بصورة أفضل من خلال التعاون الوثيق بين الدول حسبما ورد في المادة 8 من الاتفاقية وأفضل ما يكون ذلك من خلال لجنة مشتركة ، ولذلك نجد أن تلك المادة تتضمن فقرة تطلب من الدول النظر في إنشاء آليات أو لجان مشتركة[47].

(5) تضمنت المادة مفهوماً جديداً أدخلته لجنة القانون الدولي وهو المشاركة المنصفة والمعقولة وتكمن أهمية ذلك المفهوم في أنه لا يمكن تحقيق انتفاع منصف ومعقول لأي مجري مائي دولي وحمايته وصون نظمه الأيكولوجية في الوقت نفسه من خلال عمل منفرد تقوم به كل دولة من الدول المشاطئة بمعزف عن الدول الأخرى. وتتضح قوة مفهوم المشاركة من استشهاد محكمة العدل الدولية بالفقرة 2 من المادة 5 على النحو الذي أوضحناه أعلاه[48].

(6) على نقيض قاعدة عدم الإضرار ، فإن مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول يقتصر على الأنشطة التي تتم في المجاري المائية الدولية غير أنشطة الملاحة. ولقد كان سبب ظهور ذلك المبدأ هو محدودية قاعدة عدم الأضرار التي لم تسهل تسوية المنازعات بشأن قضايا التخصيص والتوزيع في المجاري المائية الدولية المستخدمة استخداماً تاماً أو مفرطاً ومن شأن الاعتماد على تلك القاعدة لوحدها أن يعطى ميزات كبيرة للبلدان التي لها استخدامات سابقة كبيرة لأنها تحمى الأوضاع القائمة حماية تامة. وبعبارة أخرى فإنها تعيق النمو الاقتصادي والاجتماعي لأية دولة حديثة العهد بالتنمية[49].

(7) لقد اعتبرت رابطة القانون الدولي ILA مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول هو القاعدة الأساسية وجعلت قاعدة عدم الإضرار في المادة 5 (2) (ك) من قواعد هلسنكي واحدة من مجموعة من العناصر التي تؤخذ في الاعتبار عند تحديد ما إذا كان الاستخدام منصفاً ومعقولاً. وكذلك في لجنة القانون الدولي اقترح المقرر الخاص ستيفن. م. شو يبل جعل قاعدة عدم الإضرار خاضعة وثانوية لمبدأ الانتفاع المنصف والمعقول وتقرر أن لا يعتد بقاعدة عدم الإضرار إلا إذا كان من المرجح أن يتجاوز الاستخدام الجديد أو التوسعة في الاستخدام القائم ما هو منصف ومعقول. وبذلك يصبح الضرر الذي يحدثه الاستخدام من ضمن العناصر التي تستخدم في التحقيق من أن الاستخدام منصفاً ومعقولاً على نحو ما ورد في قواعد هلسنكي. أما المقرران الخاصان التاليان ايفنسن وماكافرى ، فقد عكسا الأولوية إذ لم يتم فصل قاعدة عدم الإضرار عن مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول فحسب ، بل أصبحت توصف من جانب البعض بأنها تشكل القاعدة الأساسية في الاتفاقية. كما حذف الضرر من قائمة العوامل المستخدمة في تحديد ما هو منصف ومعقول. ولقد انتقدت بعض الدول ذلك الاتجاه ولذلك سعى آخر مقرر خاص وهو السيد روبرت روزنستوك للتوفيق فيما بين وجهات النظر المتعارضة باقتراح المادة 7 الحالية[50].

(8) ونشير إلى أن المقرر الخاص استيفن وماكافرى كان قد صرح في عام 1989م بأن لجنة القانون الدولي ترغب في سيادة قاعدة عدم الإضرار على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول. ولكن لا شك أن ذلك الموقف يختلف عن نص مشاريع المواد خاصة المادة العاشرة التي تحدد العلاقة بين أنواع الاستخدامات المختلفة. كما أنه ومن ناحية منطقية فإن قاعدة عدم الإضرار تمنع أي استخدام ذي معني للمجري المائي من قبل دول المنبع ، ولكن يمكن التوفيق بين المبدأ والقاعدة بالنص على أن قاعدة عدم الإضرار تمنع فقد الضرر الجسيم أو ما شابه ذلك. وكما ذكرت المحكمة الفدرالية الألمانية فإنه ينبغي عدم حصر النظر في الضرر ولكن ينبغي النظر في العلاقة بين المصلحة التي تحققت والضرر الذي حدث[51].

(9) أن التوازن بين المبدأ والقاعدة يجعل قاعدة عدم الإضرار تعبيراً آخر عن مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول بموجب نظرية السيادة المحدودة. وبالإضافة إلى ذلك فإن البحث عن الإدارة السليمة المنظمة للموارد المائية المشتركة قد شجع الأمم للمضي أبعد من نظرية السيادة المحدودة إلى اتجاهات أكثر تقييداً على السيادة ويمكن أن نطلق على تلك الاتجاهات "الملكية المشتركة" – "Community of property" للمجري المائي الدولي. وبموجب ذلك الاتجاه فإنه تتم تنمية وإدارة الحوض بصورة مشتركة كوحدة واحدة دون اعتبار للحدود الدولية على أساس اقتسام المنافع والمشاركة المنصفة في التنمية والإدارة. وعلى الرغم من ندرة ذلك إلا أنه توجد أسباب كثيرة تجعل الدول تسير في ذلك الاتجاه[52].

(10) ونوافق السيد جو زيف دلابنا في أن مشاريع المواد تتبنى نظرية "الملكية المشتركة" وهي أوضح ما تكون في المادتين 8 و 26 من مشاريع المواد ، على الرغم من أنها لا توضح الكيفية التي يتم بها ذلك التعاون ، وهو يرى أنه لا يمكن تحقيق الالتزام بالتعاون الإداري من خلال القانون الدولي العرفي ، وأن التعاون الإداري النشيط والمستمر يتطلب إطاراً قانونياً رسمياً يتم إنشاؤه بمعاهد توضح واجبات ومسئوليات كل الأطراف ولا شك أن إطار التعاون الذي تناقشه دول حوض النيل حالياً يصب في ذلك الاتجاه[53].

(11) ونوضح بأنه بحلول العام 1950 دخلت دول العالم في حوالي 100 معاهدة على أساس نظرية السيادة المحدودة على مواردها المائية ولقد تحول ممارسة الدول من نظرية السيادة المحدودة "الاقتسـام المنصف" إلى نظرية "المشاركة المنصفة" وهي الواردة حالياً في الفقرة 2 من المادة 5 [54].

(12) ونؤكد بأن أكثر المشاكل التي واجهت مشاريع المواد هي العلاقة بين قاعدة عدم الإضرار ومبدأ الانتفاع المنصف والمعقول. ولقد لاحظ الفقهاء أنه منذ عام 1991م الذي وزعت فيه لجنة القانون الدولي أول مسودة لمشاريع المواد وحتى عام 1997م عندما أجازت الجمعية العامة للأمم المتحدة تلك المواد فإن المبادئ العامة قد تغيرت كثيراً لتعكس توافق آراء المجتمع الدولي القانوني. ففي مسودة 1991م أخضع مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول لقاعدة عدم الإضرار. ولقد أوضحت تعليقات لجنة القانون الدولي آنذاك أن حق الدولة في الانتفاع بالمجري المائي الدولي بصورة منصفة ومعقولة يحده واجب تلك الدولة في عدم تسبيب ضرر ملموس للدول الأخرى. ولا شك أن تلك العلاقة لا تعكس تقنيناً للقانون الدولي أو تطويراً له. وبذلك حسمت مسودة 1991م الأمر لصالح دول المصب. ولقد دافع المقرر الخاص ستيفن وماكافرى عن سيادة قاعدة عدم الإضرار بالقول بأهمية حماية "الدول الضعيفة" التي تعرضت للضرر من "الدولة القوية" التي سوف تبرر الاستخدام الضار بمبدأ الانتفاع المنصف. وفي تقدير بعض الفقهاء فإن افتراض وماكافرى ولجنة القانون الدولي بأن دول المصب ضعيفة ودول المنبع قوية وأن دول المصب هي التي تملك وأن دول المنبع لا تملك والذي صبغ مشاريع المواد آنذاك هو افتراض غير سليم[55].

(13) ويعتقد السيد جارلس بوزنى أن مبدأ الانتفاع المنصف له سند قوى في القانون الدولي للمياه بينما أن مبدأ عدم تسبيب ضرر ملموس ليس مبدأ قانونياً مقبولاً. وبسبب تعليقات المجتمع الدولي أعادت لجنة القانون في صياغتها النهائية النظر في التوازن بين المبدأين وأصبح الالتزام بعدم تسبب ضرر جسيم مقتصراً على بذل العناية اللازمة "due diligence". وفي تعليق لجنة القانون الدولي على المادة 7 أوضحت أنه في بعض الحالات فإن الانتفاع المنصف والمعقول قد يسبب ضرراً جسيماً لدولة أخري وأنه بصفة عامة ، في تلك الحالات ، فإن مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول يبقي هو المعيار الموجه للموازنة بين المصالح المعنية[56].

(14) أوضحت لجنة القانون الدولي في تعليقاتها عام 1994م أن القاعدة الراسخة وهي قاعدة الانتفاع المنصف التي أرست وفصلت في الفقرة 1 من المادة 5 يحكمها مبدأ المشاركة المنصفة في الفقرة 2 [57].

(15) إن هدف الدول في الحصول على أمثل انتفاع وفوائد لا يعنى تحقيق الاستخدام "الأقصى" أو الاستخدام الأكثر فعالية من الوجهة التكنولوجية ، أو الاستخدام الأكثر قيمة من الوجهة النقدية، ولا من باب أولي الاستخدام في الأجل القريب على حساب الأجل البعيد. كما لا يدل ضمناً على أن الدولة القادرة على استخدام المجري المائي على الوجه الأكثر فعالية – سواء كان ذلك من الناحية الاقتصادية أو فيما يتعلق بتجنب الهدر ، أو بأي معنى آخر – ينبغي أن يكون لها إدعاء أقوى في استخدام المجري المائي. بل يدل على الحصول على أقصى المنافع الممكنة لجميع دول المجري المائي ، وتحقيق أكبر قدر ممكن الإيفاء بجميع احتياجاتها. وفي الوقت ذاته ، تقليل الضرر أو الاحتياجات غير الملباة لكل منها إلى أدنى حد[58].

(16) وفقاً للاتفاقية فإنه لدول المجري المائي الحق في الحصول على تعاون دول المجري المائي الأخرى فيما يتعلق بمسائل كتدابير ضبط الفيضانات وبرامج إزالة التلوث والتخطيط للتخفيف من شدة الجفاف ومكافحة التحات ومكافحة ناقلات الأمراض وتنظيم الأنهار والمحافظة على الأشغال الهيدروليكية وحماية البيئة ، علماً بأن الواجب والحق المرتبط بكل ذلك والوارد في الفقرة 2 من المادة 5 لا يتوقفان على إبرام اتفاق محدد لتنفيذها.

(17) من ناحية أخرى فإنه قد اتضح من دراسة استقصائية لكل الأدلة المتاحة أن هناك تأييداً ساحقاً لمبدأ الانتفاع المنصف كقاعدة قانونية عامة لتقدير حقوق الدول وواجباتها في هذا الميدان. وهناك عدد من الاتفاقات العصرية التي ، عوضاً أن تنص على مبدأ موجه عام أو تحدد الحقوق العائدة لكل من الأطراف ، تذهب إلى أبعد من مبدأ الانتفاع المنصف كما سبق أن ذكرنا ، إذ تنص على الإدارة المتكاملة لحوض النهر مثال ذلك اتفاق إنشاء منظمة إدارة وتنمية حوض نهر كاجيرا لسنة 1977م ، والاتفاقية المتعلقة بالنظام الأساسي لنهر السنغال لسنة 1972م ، والاتفاقية المتعلقة بإنشاء منظمة تنمية نهر السنغال لسنة 1972م ، والاتفاق المتعلق بلجنة نهر النيجر والملاحقة والنقل على نهر النيجر لسنة 1964م ، والاتفاق بين غامبيا والسنغال بشأن التنمية المتكاملة لحوض نهر قامبيا لسنة 1965م ، والاتفاقية والنظام الأساسي لتنمية حوض نهر تشاد لسنة[59] 1964م.

سادساً : المادة 6- العوامل ذات الصلة بالانتفاع المنصف والمعقول :

(1) تنحصر الاختلافات بين نص لجنة القانون الدولي ونص الاتفاقية في هذا الجانب في حذف كلمة "مماثلة" من الفقرة (ز) من المادة 6 من نص اللجنة وأن يستبدل بها كلمة "مقارنة". وكذلك إضافة فقرة جديدة لنص المادة في الاتفاقية وهي الفقرة 3 التي تتناول موضوع أوزان العوامل بنصها نفسه الموجود في الفقرة 3 من المادة 5 من قواعد هلسنكى. وفي تقديري أن كلمة "مقارنة" أكثر دقة لأن المماثلة قد تكون مستحيلة ، أما موضوع أوزان العوامل في الفقرة الجديدة التي أضيفت فإنه موضوع على قدر كبير من الأهمية والسودان هو الدولة التي اقترحت تلك الإضافة.

(2) أما المادة المقابلة في قواعد هلسنكى وهي المادة 5 فإن اختلافها الموضوعي عن نص الاتفاقية ينحصر في الآتي [60]:-

أ- أنها تشير فقط إلى "العوامل " ولا تشير إلى "الظروف".

ب- أشارت الفقرات أ و ب و ج من الفقرة 2 من المادة 5 من قواعد هلسنكى إلى بعض العوامل الطبيعية ، كما أنها أشارت بصفة خاصة إلى طول المجري والمساهمة المائية. أما الفقرة أ من الفقرة 2 من المادة 6 من الاتفاقية فإنها قد جاءت عامة وتفادت أي إشارة خاصة.

ج- لا تشير إلى الاستخدامات المحتملة للمجري المائي.

د- نصت ضمن العوامل على قيمة البدائل المطلوبة لتلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة من دول المجري المائي.

هـ- نصت على وجود موارد أخرى في حين نصت الاتفاقية على توافر بدائل ذات قيمة مقارنة لاستخدام معين مزمع أو قائم.

و- نصت على تفادى الفاقد غير الضروري في استخدام المياه في حين نصت الاتفاقية بصورة شاملة على صيانة الموارد المائية للمجري المائي وحمايتها وتنميتها والاقتصاد في استخدامها وتكاليف التدابير المتخذة في هذا الصدد.

ز- نصت على إمكانية التعويض كوسيلة لمنع النزاعات بين الاستخدامات المختلفة ولا يوجد نص مقابل لهذا في الاتفاقية.

ح- لعل أهم الاختلافات هو النص على قاعدة عدم تسبيب الضرر الجسيم كواحد من العوامل ، ولقد سبق لنا التعليق أعلاه بإسهاب على ذلك الجانب الهام.

(3) يرى بعض الفقهاء أن اتفاقات تبادل المعلومات أصبحت تترك المجال لاتفاقات تهدف إلى منع النزاعات المباشرة بين الاستخدامات المائية المتنافسة. والخطوة الأولي في ذلك الاتجاه هي عدم تنفيذ أي مشروع مائي في أي دولة دون موافقة الدولة التي سوف تتأثر سلباً بذلك. وعندما تكون المياه نادرة مقارنة بالطلب عليها فإن الحاجة للحصول على الموافقة سوف يؤدى إلى شلل في التنمية وسريعاً ما تصبح تلك الاتفاقية غير مقبولة وتدور المحاولات لتفادى أحكامها وذلك يخلق الشكوك ويجعل العلاقات تتردى. إلا أنني أعتقد أن الاتجاهات الحديثة المتمثلة في الملكية المشتركة والتعاون المكثف بهدف الاستخدام الأمثل والتنمية المستدامة هو الحل الأمثل[61].

(4) يستفاد من المادة 6 أنه يجب على دول المجري المائي ، بغية ضمان أن سلوكها يتفق مع الالتزام بالانتفاع المنصف ، أن تأخذ في الاعتبار وعلى نحو مستمر جميع العوام ذات الصلة لضمان احترام حقوق الدول الأخرى. غير أن تلك المادة لا تنفي احتمال قيام لجان تقنية أو أجهزة مشتركة أو أطراف ثالثة بالاشتراك في مثل تلك التقييمات وفقاً لأية ترتيبات أو اتفاقات تقبل بها الدول المعنية[62].

(5) يبدو أن الذي شجع اللجنة السادسة على استبدال كلمة "مقارنة" بكلمة "مماثلة" في الفقرة (ز) من المادة 6 ، على نحو ما ذكرنا أعلاه ، هو تعليق لجنة القانون الدولي في الفقرة (4) من تعليقاتها عام 1994م على أن كلمة "مماثلة" تستخدم بمعناها الواسع للإشارة إلى معادلة عامة في القيمة[63].

سابعاً : المادة 7 – الالتزام بعدم التسبب بضرر جسيم :

(1) تختلف هذه المادة في النص الذي اعتمدته الجمعية العامة اختلافاً جوهرياً عن قواعد هلسنكى وعن نص لجنة القانون الدولي على الرغم من أن نص لجنة القانون الدولي في حد ذاته قد كان توفيقاً حسبما سبق أن ذكرنا بين الآتي [64]:

أ‌- قواعد هلسنكى التي تجعل عدم الإضرار أحد عناصر الانتفاع المنصف والمعقول باعتبار أن مبدأ الانتفاع هو القاعدة المرشدة ، وكذلك رأي السيد ستيفن م. شو يبل المقرر الخاص للجنة القانون الدولي المماثل لقواعد هلسنكى.

ب‌- رأي المقرران الخاصان التاليان للجنة القانون الدولي وهما السيد ستيفن والسيد وماكافرى اللذان عكسا ذلك الموقف.

ونشير هنا إلى آخر مقرر خاص للجنة القانون الدولي وهو السيد روبرت روزنستوك هو الذي اقترح النص الذي قدمته لجنة القانون الدولي للمادة 7 في مرحلة القراءة الثانية لمشاريع المواد. فبموجب الفقرة 1 من تلك المادة تتحمل الدولة المشاطئة مسئولية وتبعات دولية عن تجاوزاتها لقاعدة عد الإضرار إذا لم تتوخ العناية اللازمة. وتتناول الفقرة 2 من المادة 7 عواقب الضرر ذي الشأن الذي يقع على الرغم من العناية اللازمة وهو إلزام الدولة التي نجم الضرر عن نشاطها بالتشاور بشأن إنصاف ومعقولية نشاطها المسبب للضرر بشأن إجراء تعديل لانتفاعها يرمي إلى إزالة أو تخفيف أي ضرر ومسألة التعويض.

ويرى كافليش أن أول اعتراض على تلك المادة هو عدم وضوحها ، والاعتراض الثاني هو أن المسؤولية بمقتضى قاعدة عدم الإضرار ظلت كما هي ما عدا أنه حيثما لا يكون الأمر راجعاً لعدم العناية اللازمة خفضت العواقب إلى واجب التشاور بشأن عدالة الانتفاع المعني وإجراءات التخفيف من الضرر أو التعويض. كما يرى أن تعليق لجنة القانون الدولي بأنه "على العموم يظل مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول هو المعيار الحاسم في إقامة التوازن بين المصالح القائمة يوحي بأولوية ذلك المبدأ على قاعدة عدم الإضرار ، إلا أن استخدام عبارة "على العموم" تعنى أنه في بعض الأوضاع لا يكون مبدأ الانتفاع المنصف هو المعيار الحاسم. كما أن ذلك النص لم يوضح أنه ليست هناك مسئولية أو تبعات إذا كان النشاط الجديد أو الموسع ، على الرغم من أنه مضر ، ضمن نطاق الحق في الانتفاع المنصف والمعقول بالنسبة للدول التي مارسته[65].

ونجد رداً جزئياً على ملاحظة كافليش الواردة في الفقرة السابقة في تفسير رئيس لجنة صياغة القانون الدولي في تعليقات اللجنة على المادة 7 والتي تفيد بموافقة الصياغة بصفة عامة على أنه في بعض الظروف قد يؤدى الانتفاع المنصف والمعقول إلى بعض الضرر الجسيم مثال ذلك بناء سد يستفيد منه عشرات الألوف من الناس بإقامة محطة كهرباء مائية ولكنه يسبب ضرراً جسيماً لبضع مئات من الناس بتدميره لمصايد الأسماك الترويحية التي ينتفعون بها حيث أنه من المحتمل تماماً بمراعاة عوام المادة 6 أن تكون النتيجة هي إن إنشاء السد يعتبر منصفاً ومعقولاً حتى وإن سبب ضرراً جسيماً لدولة مشاطئة[66].

وتباين المواقف بين دول المنبع والمصب يوضحه الموقفان التركي والمصري. حيث اقترحت تركيا حذف المادة 7 أو أن تضاف إلى الفقرة 1 منها عبارة "وذلك دون الإخلال بمبدأ الانتفاع المنصف والمعقول"[67].

أما جمهورية مصر العربية فإنها قد اقترحت إعادة صياغة المادة 7 لتقرأ كالآتي [68]:

- "تتخذ دول المجري المائي كافة التدابير الضرورية للانتفاع بالمجري المائي الدولي على نحو لا يسبب ضرراً "أي ضرر" لدول المجري المائي الأخرى.

- متى لحق الضرر بدولة أخرى من دول المجري المائي ، تعين على الدولة التي يسبب استخدامها ذلك الضرر في حالة عدم وجود اتفاق على هذا الاستخدام ، أن تتشاور فوراً مع الدولة المصابة بهذا الضرر في طرق ووسائل إزالة الضرر بما في ذلك مسألة إجراء تكييفات خاص لانتفاعها بالمجري وفي مسألة التعويض".

وبسبب ذلك التباين في وجهات النظر برز حل وسط قدمته دول تضم النمسا وكندا والبرتغال وسويسرا وفنزويلا وكان جوهر الحل هو أنه إذا نجم ضرر ذو شأن تسببت دولة مشاطئة في وقوعه فإن على الدولة التي تسبب ذلك الضرر ، في حالة عدم وجود اتفاق ، أن تتخذ كل التدابير المناسبة وفقاً لأحكام المادتين 5 و 6 بالتشاور مع الدولة المتضررة ، من أجل إزالة أو تخفيف هذا الضرر ، والقيام ، حسب الملائم بمناقشة مسألة التعويض. ومن الملاحظ أن العنصر الرئيسي في الاقتراح هو عبارة "وفقاً لأحكام المادتين 5و 6" التي قصد مناه توضيح أنه مع أن قاعدة عدم الإضرار المتضمنة في المادة 7 أصبح لها وجودها الخاص بها ، فإنها لا تصبح سارية المفعول إلا عندما لا ينطبق مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول المتضمن في المادتين 5و 6 . ولم يكن خضوع قاعدة عدم الإضرار لمبدأ الانتفاع المنصف والمعقول خضوعاً كاملاً لأن المادة 6 نصت في الفقرة 1 (2) على أنه من بين العوامل التي تؤخذ في الاعتبار "أثار استخدام أو استخدامات المجري المائي في إحدى دول المجري المائي على غيرها من دول المجري المائي". ولقد اقترح رئيس الفريق العامل من جانبه اقتراحاً مماثلاً لذلك الاقتراح ما عدا نقطة واحدة حيث حذف عبارة "وفقاً لأحكام المادتين 5 و6 " وأن يستبدل بها عبارة "مع الأخذ في الاعتبار أحكام المادتين 5 و6 ". ولم تجد المحاولة قبولاً عريضاً ولذلك اقترح الرئيس استعمال عبارة "في إطار المراعاة الواجبة". ولقد اعتبرت عدة دول مشاطئة لأسفل مجاري المياه هذه الصيغة محايدة إلى درجة كافية لعدم الإيحاء بخضوع قاعدة عدم الإضرار لمبدأ الانتفاع المنصف والمعقول. ولكن عدة دول مشاطئة لأعالي مجاري المياه اعتقدت عكس ذلك تماماً ، أي أن الصيغة قوية بما يكفي لمساندة فكرة لخضوع. غير أن تلك المواقف لم تكن مشتركة بين كافة أعضاء المعسكرين[69].

ولقد تم التصويت على جملة المواد 5و 6و 7 في اللجنة السادسة وتمت إجازتها بأغلبية 38 صوتاً مقابل 4 أصوات (الصين ، فرنسا ، تركيا ، تنزانيا) وامتناع 22 دولة عن التصويت من بينها مصر وأثيوبيا[70].

ومن ناحية أخرى يرى السيد وماكافرى أن التغيرات التي حدثت على نص لجنة القانون الدولي غير مهمة لأن حذف عبارة "العناية اللازمة" من الفقرة وأن يستبدل بها "تتخذ كل التدابير المناسبة ليس سوى قول الشيء نفسه ولكن بكلمات أخرى. ويرى وماكافرى وبعض الوفود في مفاوضات الأمم المتحدة أن النص النهائي الذي وضعته لجنة القانون الدولي (لتحقيق التوازن بين المبدأين) قد حبذ الانتفاع المنصف بشدة أكثر من اللازم وطالبوا بنص يعطى الأسبقية بوضوح أشد لمبدأ عدم التسبب في ضرر. وترى وفود أخرى أن الصيغة التي تم اعتمادها تمثل حلاً وسطاً. وسواء كانت الدولة من المؤمنين بمذهب الانتفاع أو مبدأ عدم التسبب في ضرر فإنه يمكنها ادعاء النصر الجزئي على الأقل. ويرى وماكافرى بوضوح تام أن الفقرة 2 من المادة 7 تعطى لمبدأ الانتفاع المنصف الأسبقية على مبدأ عدم التسبب في ضرر. ويستدل على ذلك بأنه مجرد وجود الفقرة 2 التي تقر ضمنياً بأنه يمكن أن يحدث الضرر دون تحميل المسؤولية للدولة المسببة للضرر يؤيد هذا الاستنتاج. كما أنه يؤكد أن ما يشير إلى الإقرار بأنه قد ينبغي أن تتحمل دولة مشاطئة لمجري مائي الضرر ذا الشأن ، البنود التخفيفية العديدة في الفقرة 2 ، ولا سيما عبارة "مع المراعاة الواجبة لأحكام المادتين 5 و6". وأخيراً فإن القول بأن قاعدة "عدم التسبب في ضرر" لا تتمتع بالغلبة المتأصلة تسانده المادة 10 من الاتفاقية ، والتي تنص على أن أي تعارض في استخدامات مجرى مائي دولي ما ينبغي أن يسوى "بالرجوع إلى المواد من 5 إلى 7.." . ويفترض بأن هذا يعنى أنه ينبغي تسوية الخلاف ليس فقط بتطبيق قاعدة عدم التسبب في ضرر التي تنص عليها المادة 7 ، بل بالرجوع إلى "مجموعة" المواد التي تنص على مبادئ الانتفاع المنصف و "عدم التسبب في ضرر" معاً.

ولقد ورد في بيانات التفاهم الآتي : "لكي يتحدد أن كان أحد الاستخدامات المعنية منصفاً ومعقولاً ، ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار المنافع وكذلك الآثار السيئة لذلك الاستخدام المعين"[71].

ثامناً: المواد 8 و 9 و 10 :

تتناول المادة 8 الالتزام العام بالتعاون ، في حين أن المادة 9 هي إحدى تطبيقات ذلك التعاون العملية إذ أنها تنص على التبادل المنتظم للبيانات والمعلومات عملاً بأحكام المادة 8 . ولا أعتقد أننا في حاجة للإسهاب في الحديث عن التعاون الذي يشكل المحور الأساسي للاتفاقية حيث أن واجد التعاون قد ورد في الفقرة 2 من المادة 5. كما وردت "روح التعاون" في الفقرة 2 من المادة 6 ، كما أن المادة 7 تشير إلى المراعاة الواجبة لأحكام المادتين 5 و 6 اللتين تشملان "واجب التعاون" و "روح التعاون". ولا شك أن المواد 5 و6 و 7 هي أساس الاتفاقية ووجود الإشارة إلى التعاون فيها يؤكد أهميته.

أما المادة 10 فإن ماكافري يعتقد بأنها قد وضعت في الأصل كواحد من النصوص التي من شأنها النص بوضوح على أن الاستخدامات الملاحية لم تعد تتمتع بالأولوية المتأصلة على الاستخدامات غير الملاحية إذ أن لهذه المادة حالياً بنية أكثر ثراء بكثير من ذي قبل. وبالتحديد ، تنص الفقرة 1 منها على أن التعارض بين مختلف أنواع استخدامات مجري مائي دولي ينبغي أن "يحسم بالرجوع إلى المواد من 5 إلى 7 ، مع إيلاء اهتمام خاص لمقتضيات الحاجات الحيوية للإنسان". وجرت في مفاوضات الأمم المتحدة مناقشة مطولة نوعاً ما لعبارة "الحاجات الحيوية للإنسان". وظل النص النهائي كما صاغته لجنة القانون الدولي ، إلى أن بيانات التفاهم تشير إلى أنه : "عند تحديد الحاجات الحيوية للإنسان ، ينبغي إيلاء اهتمام خاص إلى توفير كميات كافية من الماء للمحافظة على الحياة البشرية ، بما في ذلك كل من ماء الشرب والماء اللازم لإنتاج الأغذية من أجل تجنب المجاعات".

ويعتقد وماكافرى أن ما يمكن أن تخشاه بعض الدول هو أن مفهوم "الحاجات الحيوية للإنسان" يمكن أن يصبح مهرباً يمكن دولة ما من أن تقول أن استخدامها للمجرى المائي المعنى ينبغي أن تكون له الغلبة على هذا الأساس[72].

تاسعاً: المواد 11-19 التدابير المزمع اتخاذها :

تضم هذه المواد مجموعة من الإجراءات التي ينبغي اتباعها فيما يتعلق بنشاط جديد في دولة ما قد يكون له أثر سلبي على دول أخرى تشترك في المجرى المائي الدولي المعنى. وتدل تلك المواد على أن المجتمع الدولي برمته يرفض قطعياً فكرة أن لدولة ما وحدها الحرية غير المقيدة في أن تفعل ما ترغب بالجزء الواقع في نطاق ولايتها من مجري مائي دولي ما. علماً بأن بعض الدول لم تقبل بتلك الفكرة وهي أثيوبيا ورواندا وتركيا. ولقد اقترحت أثيوبيا حذف مدة الأشهر الستة من الفقرة (أ) من المادة 13 وأن يستبدل بها عبارة "مدة معقولة" ، كما أنها اقترحت حذف الفترة (ب) من المادة 13. وكذلك اقترحت أثيوبيا حذف الفقرة (ب) من المادة 14 وبذلك افتقدت المواد مضمونها[73].

ونوضح بأن رغم إدخال بعض التعديلات فإن نص الجمعية العامة لتكل المواد لا يختلف جوهرياً عن نص لجنة القانون الدولي ، ولذلك يمكن القول بأن تلك المواد تتضمن نصوصاً متوازنة. وتفيد تلك المواد بأن الدولة التي تزمع تنفيذ استخدام جديد أو تغيير في استخدام قائم لمجري مائي دولي ما ، يمكن أن يكون له أثر ضار ذو شأن على دولة مشاطئة أخرى يجب أن توجه إخطاراً مسبقاً للدول التي يمكن أن تتأثر بذلك. وتعطى تلك الدول مهلة ستة أشهر ينبغي أن ترد فيها على الإخطار. فإن عارضت الاستخدام المزمع وجب عليها أن تدخل في مناقشات مع الدولة التي وجهت الأخطار بقصد التوصل إلى تسوية منصفة للوضع وقد تستغرق هذه العملية بكاملها مدة سنة واحدة أو أكثر. فإن لم تتم تسوية المسألة بما يرضي أياً من الدول المعنية ، تطبق إجراءات تسوية المنازعات التي تنص عليها المادة 33. أما فيما يتعلق بجانب البيئة فإن المادة12 قد أفردت له اهتماماً خاصاً حيث نصت على أن يكون الإخطار بالتدابير المزمع اتخاذها مصحوباً بنتائج أي عملية لتقييم الأثر البيئي.

عاشراً : المواد 20-26 : الحماية والحفظ والإدارة :

فيما يتعلق بتدابير الحماية والحفظ والإدارة فإن لم تجر سوى تغييرات طفيفة على النص الذي وضعته لجنة القانون الدولي ، ويعتبر وماكافرى أن المادة 20 "حماية النظم الأيكولوجية وصونها" نصاً بسيطاً ولكنه يمكن أن يكون قوياً جداًَ. في تنص على أن على الدول المشاطئة الالتزام "بحماية النظم الايكولوجية للمجاري المائية الدولية وصونها". ويرى أنها مثل المادة193 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ، التي صيغت قياسياً بها والتي تنص على التزام غير مشروط. وبما أن "النظم الأيكولوجية" للمجاري المائية الدولية تشمل المناطق البرية المتاخمة لها ، فإن المادة 20 تنص على وجوب المحافظة على هذه المناطق البرية بطريقة لا تلحق الضرر بالمجاري المائية الدولية التي تتاخمها. غير أنه مما لا شك فيه أن ذلك ليس التزاماً مطلقاً على الرغم من عدم وجود شروط. أي أنه التزام بتوخي العناية اللازمة لحماية وصون النظم الايكولوجية للمجاري المائية. ويأخذ هذا المعيار في الاعتبار حساسية النظام الايكولوجي فضلاً عن قدرات الدولة المعنية[74].

ولقد أوضحت بيانات التفاهم حول المواد 21 و 22 و 23 تأييداً لذلك الرأي حيث أنها قد نصت على أنه مثلما يرد في تعليق لجنة القانون الدولي ، تفرض هذه المواد حرصاً واجباً على دول المجري المائي[75].

حادي عشر : المادتان 27 و 28 : الأحوال الضارة وحالات الطوارئ :

(1) ألزمت المادة 27 دول المجري المائي باتخاذ جميع التدابير المناسبة للوقاية من الأحوال المتصلة بالمجري المائي الدولي التي قد تضر بدول أخرى من دول المجري المائي ، أو للتخفيف منها ، ويقع ذلك الالتزام على الدول منفردة أو مجتمعة إذا اقتضى الواقع ذلك.

(2) ومن ناحية أخرى فإن الالتزام يترتب على الدول سواء كانت تلك الأحوال ناتجة عن أسباب طبيعية أو عن سلوك بشري ، مثل الفيضانات ، أو الجليد ، أو الأمراض المنقولة بالماء ، أو ترسب الطمي ، أو التحات ، أو تسرب المياه المالحة ، أو الجفاف ، أو التصحر.

(3) عرف المادة 28 حالة "الطوارئ " بأنها الحالة التي تسبب ضرراً جسيماً لدول المجري المائي أو لدول أخرى ، أو تنطوي على تهديد وشيك بتسبيب هذا الضرر وتنتج فجأة من أسباب طبيعية ، مثل الفيضانات أو انهيار الجليد أو انهيار التربة أو الزلازل ، أو من سلوك بشرى ، مثل الحوادث الصناعية.

(4) ألزمت المادة 28 كل دولة من دول المجري المائي بأن تقوم دون إبطاء وبأسرع الوسائل المتاحة، بإخطار الدول الأخرى التي يحتمل أن تتأثر والمنظمات الدولية المختصة بكل حالة طوارئ تنشأ داخل إقليمها.

(5) بالإضافة على ذلك ألزمت المادة 28 دول المجري المائي التي تنشأ حالة طوارئ داخل إقليمها أن تتخذ فوراً جميع التدابير العملية التي تقتضيها الظروف ، بالتعاون مع الدول التي يحتمل أن تتأثر ، ومع المنظمات الدولية المختصة عند الاقتضاء ، لمنع الآثار الضارة لحالة الطوارئ وتخفيفها والقضاء عليها.

(6) وبالنسبة لدول المجري المائي مجتمعة فإن المادة 28 قد ألزمتها بوضع خطط طوارئ لمواجهة حالات الطوارئ بالتعاون ، حيثما يقتضي الأمر ، مع الدول الأخرى التي يحتمل أن تتأثر ومع المنظمات الدولية المختصة.

(7) أوضحت بيانات التفاهم بأن الإشارة إلى المنظمات الدولية في المادة 28 لا يقصد بها تعويق أهمية التعاون ، عند الاقتضاء ، مع المنظمات الدولية المختصة بشأن المسائل التي تتناولها المواد الأخرى في الاتفاقية[76].

ثاني عشر : المواد 29- 33 أحكام متنوعة :

(1) أوضحت بيانات التفاهم بأن المادة 29 ترمى إلى التذكير بأن مبادئ وقواعد القانون الدولي المنطبقة في حالات النزاع المسلح الدولي وغير الدولي تتضمن أحكاماً هامة بشأن المجاري المائية الدولية والمنشآت ذات الصلة. ومبادئ وقواعد القانون الدولي المنطبقة في حالة خاصة هي التي تلزم الدول المعنية. وكما أن المادة 29 لا تغير أو تعدل من القانون الموجود ، فإنها لا ترمى إلى جعل تطبيق أي صك يشمل دولاً ليست أطرافاً في ذلك الصك[77].

(2) تعطى المادة 30 دفعة عملية قوية لواجب التعاون الوارد في الاتفاقية حتى في الحالات التي لا يوجد فيها تواصل مباشر بين الدول ، حيث نصت على أنه في الحالات التي توجد فيها عقبات جدية تعترض الاتصالات المباشرة بين دول المجري المائي ، تنفذ الدول المعنية التزاماتها بالتعاون ، المنصوص عليها في هذه الاتفاقية ، بما في ذلك تبادل البيانات والمعلومات ، والأخطار ، والإبلاغ ، والمشاورات ، والمفاوضات ، عن طريق أي إجراء غير مباشر يحظى بقبولها.

(3) تعتبر المادة 31 استثناء من الالتزام العام في المادة 9 بالتبادل المنتظم للبيانات والمعلومات حيث أنها تؤكد أنه ليس في الاتفاقية ما يلزم دولة من المجري المائي بتقديم بيانات أو معلومات حيوية لدفاعها أو أمنها القوميين. ومع ذلك تتعاون تلك الدولة بحسن نية مع دول المجري المائي الأخرى بقصد تقديم أكبر قدر ممكن من المعلومات التي تسمح الظروف بتقديمها.

(4) توضح المادة 32 بأنه لا يجوز لدولة المجرى المائي أن تجري أي تمييز ، على أساس الجنسية أو الإقامة أو المكان الذي وقع فيه الضرر عند منح ، وفقاً لنظامها القانوني ، حق اللجوء إلى الإجراءات القضائية أو غيرها من الإجراءات ، أو حق المطالبة بالتعويض أو غيره من أشكال الإنصاف فيما يتعلق بالضرر الجسيم الناجم عن تلك الأنشطة المنفذة في نطاق ولايتها.

(5) أن أهمية تسوية النزاعات فيما يتعلق بالمجاري المائية الدولية هو الذي جعل لجنة القانون الدولي تتخلى عــن نهجها المعتاد وتدخل ضمن مشاريع المواد مادة تتعلق بتسوية المنازعات وهي المادة 33 [78].

ولقد أثارت تلك المادة جدلاً كبيراً في اللجنة السادسة للجمعية العامة بين دول المنبع التي تفضل عدم إلزامية التحكيم بسبب موقفها التفاوضي القوي في معظم الحالات وبين معظم دول المصب التي نادت بإلزامية التحكيم. ولقد استقر الأمر بعد نقاش مستفيض على حل وسط يتمثل في المادة 33 من الاتفاقية والتي تنص على أنه إذا لم تتمكن الأطراف المعنية ، بعد ستة أشهر من وقت طلب المفاوضات ، من تسوية نزاعها عن طريق التفاوض أو أي وسيلة أخرى حددتها المادة ، يعرض النزاع على لجنة محايدة لتقصى الحقائق ما لم تتفق الأطراف على خلاف ذلك.

ولقد كانت نتيجة التصويت داخل اللجنة السادسة على المادة 33 هو أن صوتت 33 دولة لصالح المادة و 5 دول ضدها (الصين ، كولمبيا ، الهند ، فرنسا ، تركيا) وامتنعت 25 دولة عن التصويت[79].

ثالث عشر : المواد 34 – 37 : أحكام نهائية :

هذه المواد هي مواد نمطية لا تحتاج إلى تعليق وهي تتناول موضوعات التوقيع على الاتفاقية والتصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام والنفاذ والنصوص الرسمية. ولقد أرفق مع الاتفاقية مرفقاً عن التحكيم يتكون من 14 مادة ليجرى التحكيم وفقاً له ما لم يتفق أطراف النزاع على خلاف ذلك.

خاتمة :

(1) نخلص إلى أن الاتفاقية هي عبارة عن موازنة معقولة بين مختلف المصالح ونعتقد بأنها سوف تكتسب قبولاً دولياً بمرور الزمن بسبب اعتمادها نهجاً جديداً يعتمد على التعاون تحقيقاً للملكية المشتركة والاستخدام الأمثل والتنمية المستدامة وحماية الموارد المائية المشتركة. ونشير بصفة خاصة إلى إشارة محكمة العدل الدولية إلى أحكامها في عام 1997م كما سبق أن ذكرنا. كما أن لجنة خبراء دول حوض النيل أصبحت تعتمد على بعض أحكامها في تجاوز نقاط الخلاف.

(2) أما فيما يتعلق بمدى تجسيد الاتفاقية للقانون الدولي العرفي فإن السيد وماكافرى قد زعم ببعض الثقة أن معظم الالتزامات الأساسية التي تنص عليها الاتفاقية تجسد فعلاً المعايير العرفية. ولقد استنتج أن ثلاثة على الأقل من المبادئ العامة المضمنة في الاتفاقية تطابق المعايير العرفية وهي الالتزام باستخدام المجري المائي المعني بطريقة منصفة ومعقولة والالتزام بعدم إلحاق ضرر ذي شأن والالتزام بإخطار الدول المشاطئة التي يمكن أن تتأثر بالتدابير المزمع تنفيذها على مجرى مائي دولي. ويمكن أن نضيف إلى تلك المبادئ مبادئ المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية التي اتخذت أساساً للالتزام بالتعاون الوارد في المادة 8 من الاتفاقية[80].






























































· - هذه الدراسة اعدة لمعهد البحوث والدراسات العربية (جامعة الخرطوم)

· دكتور وماجستير وشهادات فوق الجامعية في القاهرة (جامعة الخرطوم ، بريطانيا ،

· الولايات التحدة الأمريكية ،المعهد الدولي للقانون التنمية بإيطاليا ،سويسرا )،مستشار عام بوزارة العدل بالسودان وعضو وفد السودان للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة الاتفاقية موضوع هذه الدراسة ومقرر اللجنة العليا للمجارى المائية

· الدولية بالسودان وعضو لجنة خبراء دول حوض النيل وعضو اللجنة الفنية المشتركة بين أثيوبيا والسودان ومصر وعضو المجلس القومي للموارد المائية بالسودان وعضو اللجنة الفنية لمشروعات الرى المشتركة في مبادرة دول حوض النيل

· بالسودان.

[1] Word Bank technical paper No. 414 “ International Watercourses

[2] أنظر الوثيقة المذكورة أعلاه في الحاشية (26) أعلاه.

[3] معد هذه الدراسة هو الذي مثل السودان في ذلك الاجتماع.

[4] UN Document (A/CN. 4/L. 493) dated 12 July 1994 and UN. Document (A/51/869) dated April 1997

[5] (A/CN.4/L. 493) dated 12 July 1994 UN Document

[6] (A/CN.4/L. 451) dated 20 April 1993 UN Document

[7] وثيقة الأمم المتحدة في الحاشية (32) أعلاه.

[8] (A/C. 6/51/NUW/WG/CRP.4) dated 7 October 1996 UN Document

[9] المرجع في الحاشية (34) أعلاه.

[10] (CRP.2) نفس المرجع في الحاشية (35) أعلاه.

[11] (CRP.1) نفس المرجع في الحاشية (35) أعلاه.

[12] وثائق الأمم المتحدة (A?CN.4/L. 493) , (A/51/869)

[13] وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/CN.4/451)

[14] وثيقة الأمم المتحدة (A/NC. 4/L. 493)

[15] كما سبق.

[16] N Document (A/C. 6/51/NUW/WG/CRP. 1) dated 7 October 1996

[17] U N Document (A/C 6/51/NUW/WG/CR page 92) dated 3 April 1997. And (A/51/869)

[18] U N Document (A/ C 6/51/NUW/WG/CRP. 9.27.60)

[19] The Work of the International Law Association the law of International Water Resources 1996, page 10

[20] "اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية : آفاق نجاحها والمخاطر الكامنة فيها" مقال للأستاذ ستيفن ماكافري منشور في دراسة فنية رقم 414 صادرة عن البنك الدولي ، الصفحات 24 و 25

[21] "An Overview of the Convention on the Law of the Non Navigational Uses of International Water Courses," Stephen Mc Caffrey, (not published).

[22] UN Document (A/CN. 4/L/ 493/Add2).

[23] المرجع في الحاشية (48) أعلاه.

[24] UN Document (A/ 51/869), (A/AN.4/L 493).

[25] المرجع الثاني في الحاشية (51) أعلاه – عصبة الأمم ، مجموعة المعاهدات ، المجلد السادس والثلاثون الصفحة 75 من النص العربي – الأمم المتحدة ، مجموعة المعاهدات – المجلد 875 الصفحة 2 من النص الإنجليزي..

[26] UN Document (A/CN. 4/L493) page 16.

[27] نفس المرجع السابق.

[28] نفس المرجع السابق.

[29] International Law Reports 1957/VOL. 24 (1961) page 123.

[30] وثيقة الأمم المتحدة (A/51/869) , (A/CN. 4/L 493).

[31] وثيقة الأمم المتحدة (A/CN.4 /L 493) صفحة 22.

[32] صفحة 25 من المرجع في الحاشية (47) أعلاه.

[33] وثيقة الأمم المتحدة (A/ C. 6/51/NUW/WG/CRP.1) المؤرخة في 7 أكتوبر 1996م.

[34] المرجع السابق في ورقة المؤتمر (CRP.9).

[35] وثيقة الأمم المتحدة (A/ C. 6/51/NUW/DC/INF.1) المؤرخة في10 أكتوبر 1996م.

[36] وثيقة الأمم المتحدة (A/ C. 6/51/NUW/WG/CRP.29) المؤرخة في 10 أكتوبر 1996م.

[37] وثيقة الأمم المتحدة (A/ C. 6/51/NUW/WG/CRP.7. 8. 10, 12).

[38] وثيقة الأمم المتحدة (A/ C. 6/51/NUW/WG/CRP.16) المؤرخة في 8 أكتوبر 1996م.

[39] المرجع في الحاشية (6) أعلاه صفحة 12.

[40] نفس المرجع أعلاه صفحة 14.

[41] الفقرة 8 من تعليقات لجنة القانون الدولي على المادة 4 الواردة في وثيقة الأمم المتحدة (A/ CN.4/L. 493) صفحة 25

[42] المرجع في الحاشية (6) أعلاه الصفحتين 15 و 16

[43] وثيقة الأمم المتحدة (A/C.6/51/NUW/WG/CRP.14) المؤرخة 8 أكتوبر 1996م

[44] وثائق الأمم المتحدة A/CN.4/L.493-A51/869 .

[45] The Work of the International Law Association on the law of international Water Resources, 1996, page 2, A/CN.4/L.493,A/51/869

[46] Gabcikovo- Nagymaros project, Judgement of ICJ 25, Sept. 1997 أنظر صفحة 26 من مقال استيقن ماكافري في الحاشية (47) أعلاه.

[47] أنظر صفحة 26 من المرجع في الحاشية (47) أعلاه.

[48] أنظر صفحة 27 من المرجع السابق.

[49] أنظر صفحة 17 من المرجع في الحاشية (6) أعلاه.

[50] صفحة 17 من المرجع في الحاشية (6) أعلاه.

[51] صفحة 39 من المرجع في الحاشية (2) أعلاه.

[52] الصفحتان 40 و 41 من المرجع في الحاشية (2) أعلاه.

[53] صفحة 42 من المرجع في الحاشية (2) أعلاه.

[54] كما سبق.

[55] "Recent Development of the International Law Commission Regarding International Water Courses and their Implications for the Nile Rive, Courtney G. Flit, Water International, IWRA 1996, page 197

[56] الصفحتان 198 و 199 من المرجع في الحاشية (79) أعلاه.

[57] الفقرة (1) من الوثيقة A/CN.4/L.493

[58] الفقرة (3) من الوثيقة A/CN.4/L.493

[59] الفقرة (10) والفقرة (12) من الوثيقة A/CN.4/L. 493

[60] The Work of the ILA, 1996 published by the International Transboundary Resources Center, page 2

[61] صفحة 44 من المرجع في الحاشية (2) أعلاه.

[62] الفقرة رقم (3) من وثيقة الأمم المتحدة A/CN.4/L. 493

[63] A/CN.4/L. 493 page 43

[64] صفحة 18 من المرجع في الحاشية (6) أعلاه.

[65] المرجع السابق صفحة 18 و 19

[66] وثيقة الأمم المتحدة A/CN.4/L. 493 صفحة 47 من الفقرة (2)

[67] وثيقة الأمم المتحدة ( A/C.6/NUW/WG/CRP.24) .

[68] وثيقة الأمم المتحدة ( A/C.6/NUW/WG/CRP.20) .

[69] صفحة 20و 21 من المرجع في الحاشية (6) أعلاه.

[70] اجتماع اللجنة السادسة رقم 62 بتاريخ 4 أبريل 1997م ، التصويت رقم (1) .

[71] صفحة 29 و 30 من المرجع في الحاشية (47) أعلاه.

[72] A/51/869 page 6.

[73] وثيقة الأمم المتحدة A/C. 6/51/NUW/WG/CRP. 67.

[74] صفحة 32 من المرجع في الحاشية (47) أعلاه.

[75] الوثيقة AL51L869 صفحة 6 .

[76] وثيقة الأمم المتحدة A/51/869.

[77] كما سبق.

[78] صفحة 36 من المرجع في الحاشية (47) أعلاه.

[79] اجتماع اللجنة السادسة رقم 62 بتاريخ 4 أبريل 1997م التصويت رقم (3).

[80] صفحة 36 من المرجع في الحاشية (47) أعلاه.
BAHRAIN LAW
مدير الموقع
مدير الموقع
 
مشاركات: 758
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 17, 2008 5:36 pm
الجنس: ذكر

العودة إلى مجلة الاحكام القضائية السودانية

 


  • { RELATED_TOPICS }
    ردود
    مشاهدات
    آخر مشاركة

الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 29 زائر/زوار