توجيه اليمين للشخص المعنوي - الباحث نبيل مهدي زوين

توجيه اليمين للشخص المعنوي - الباحث نبيل مهدي زوين

مشاركة غير مقروءةبواسطة BAHRAIN LAW » الاثنين أكتوبر 06, 2008 1:27 pm

توجيه اليمين للشخص المعنوي - الباحث نبيل مهدي زوين

مقدمة

لا يختلف اثنان على أن اليمين تعد من أهم أدلة الإثبات التي نص عليها القانون بل هي صمام الأمان الأخير الذي يلجأ إليه الخصوم حين يعجزون عن إثبات دعواهم لما تحمله اليمين من معنى ديني تعبدي.

ولعلنا لا نكون مغالين إذا قلنا أن اليمين كانت في زمن ما الركيزة الأساسية للإثبات القضائي فقد كانت الشهادة هي الدليل الأول في الإثبات وهي تستلزم تحليف الشاهد اليمين وبالتالي كان اليمين أساس الشهادة التي يعتمد عليها المدعي في إثبات دعواه وهو في الوقت نفسه ما يعتمد عليه المدعى عليه في نفي الواقعة المدعى بها.

على أية حال فإن اليمين دليل ذو طبيعة دينية يعتمد على ضمير الشخص وديانته ويكون حلا أخيرا يركن إليه الخصم عندما لا يكون لديه ما يثبت صحة ما ادعى به.

ومن طبيعة اليمين الدينية انبثقت مشكلة هذا البحث الذي يتركز على دراسة توجيه اليمين إلى الشخص المعنوي فإذا كانت اليمين عملا دينيا وكان الشخص المعنوي افتراضا قانونيا لا وجود مادي له وبالتالي لا دين ولا ضمير فكيف نحل مشكلة توجيه اليمين له.

لدى استعراضنا للاتجاهات الفقهية والقرارات القضائية التي عالجت الموضوع برزت لنا ثلاثة آراء لحل هذه المشكلة سنخصص مطلبا مستقلا لكل رأي منها.

ففي المطلب الأول سنعالج الرأي الذي يقول بعدم إمكانية تحليف الشخص المعنوي اليمين القانونية من خلال عرض مضمون هذا الرأي ومبرراته ثم الانتقادات الموجهة إليه

أما المطلب الثاني فسوف يكون حول وجهة القول بإمكانية تحليف الشخص المعنوي اليمين القانونية من خلال ممثله وقد انقسمت هذه الوجهة إلى رأيين أولهما يقول بتحليف ممثل الشخص المعنوي يمين البتات فيما يذهب الرأي الثاني إلى تحليفه يمين عدم العلم.
بعد ذلك سنقوم بعرض هذين الرأيين انتقلنا إلى بحث وجهة نظرنا في مشكلة البحث التي تفيد بتحليف الشخص الطبيعي الذي اتصلت بشخصه الواقعة من خلال عرض مبررات الأخذ بهذا الرأي.

فإذا انتهينا من مناقشة الآراء الثلاثة عرضنا ما خلاصة للبحث مع ما توصلنا إليه من نتائج تمخضت عن بحث هذه المشكلة في كلمة ختامية.

ونود أن نبين أننا حاولنا التركيز على القرارات القضائية التي تتصل بالموضوع يدفعنا إلى ذلك أن مشكلة البحث ذات طبيعة عملية يكون القضاء معرضا لمواجهتها في الدعاوى التي ينظرها.

المطلب الأول: عدم تحليف الشخص المعنوي

يقوم هذا الاتجاه على التعارض الموجود بين اليمين الذي هو عبارة عن عمل ديني يتضمن احتكاما إلى ذمة الحالف (1) وبين طبيعة الشخص المعنوي. فلا يمكن أن يوجه اليمين إلى تصور افتراضي قام القانون بمنحه الشخصية القانونية لتحقيق هدف معين في حين أن اليمين مرتبطة بضمير الشخص وديانته ومعتقداته.

ومن ناحية أخرى فإن من الشروط الأساسية لتوجيه اليمين هي أن تكون الواقعة التي يوجه بشأنها اليمين متصلة بشخص من يراد تحليفه (2) وهو ما يبرر عدم تحليف الوكيل لليمين عن فعل موكله لأن الوكالة تجيز للوكيل توجيه اليمين ولا تجيز له الحلف نيابة عن موكله (3) فالذي يحلف هو الأصيل حصرا وهو في حالة الشخص المعنوي تصور افتراضي محض.

و يمكن القول أن هذا الاتجاه هو اتجاه القضاء العراقي في الستينات والسبعينات (4) من القرن الماضي فقد درج على عدم توجيه اليمين للشخص المعنوي (5).

وقد بني هذا الرأي على أن قيام الموظف بواجباته يستند إلى ولاية قانونية ممنوحة له وليس في هذه الولاية ما يجوز له حلف اليمين لأن النكول عن اليمين بذل أو إقرار بصحة المدعي به والموظف لا يملك هذين الأمرين (6)

وكذلك فإن الموظف ينوب في المخاصمة عن الدولة ومن المعروف إن النائب لا يجوز أن يحلف عن الأصيل الذي فالنيابة تجري في الاستحلاف (توجيه اليمين ) ولا تجري في الحلف (7) ناهيك عن أن الموظف لا يخاصم عن حق شخصي بل هو نائب عن الدائرة التي ينتمي إليها (8)

بالإضافة إلى ذلك فإن الشخص لا يحلف إلا على فعل فعله بنفسه أو عقد عقده بنفسه ولا ريب أن الموظف أو مدير الشخص المعنوي ليس بالضرورة أن يكون قد اتصل بالواقعة التي يوجه بشأنها اليمين (9)

ويقوم هذا الرأي على أساس تنافي طبيعة الشخص المعنوي طبيعة الشخص المعنوي مع اليمين فلا يمكن أن يوجه اليمين إلى تصور افتراضي قام القانون بمنح الشخصية لتحقيق هدف معين في حين أن اليمين مرتبطة بضمير الشخص وديانته ومعتقداته.

لكن هذا الرأي مع قوة الحجة التي يستند عليها يوصلنا إلى طريق مسدود فإذا لم توجه المحكمة اليمين إلى الشخص المعنوي فما هو الحل في حال عجز خصم الشخص المعنوي عن إثبات دعواه ؟. الحقيقة أننا أمام ثلاثة حلول لا رابع لها أولها يقضي برد الدعوى وثانيها يقضي بعد الشخص المعنوي ناكلا عن اليمين وثالثها رد اليمين على خصم الشخص المعنوي.

ولا ريب أن نظرة فاحصة إلى الحلول الثلاثة ستوصلنا إلى أن الحل الأول فيه انتقاص لحقوق المدعي وعدم مساواة أمام القانون في حين أن الحل الثاني سيشجع ضعاف النفوس على مخاصمة الأشخاص المعنوية دون دليل. أما الحل الثالث ففضلا عن أن فيه عيب الحل الثاني فإنه غير قابل للتطبيق في حال كون الخصمين أشخاصا معنوية.

بالإضافة إلى ما تقدم فإن القول بعدم توجيه اليمين للشخص المعنوي يحتاج إلى نص تشريعي لأنه استبعاد تطبيق نص عام مطلق دون أن يكون هناك نص آخر يقيده أو يخصصه.

مما تقدم يتضح أن هذا الرأي وإن كان منطقيا فإن له عيوبه التي لا يمكن معها الأخذ به ولعل هذه العيوب هي التي جعلت القضاء العراقي يتراجع عن تبنيه ويعدل إلى غيره.


المطلب الثاني: تحليف ممثل الشخص المعنوي

يقوم هذا الرأي على تحليف ممثل الشخص المعنوي اليمين القانونية في حال توجيه اليمين للشخص المعنوي لكنه ينقسم إلى اتجاهين يميل أولهما إلى تحليف ممثل الشخص المعنوي يمين البتات فيما يرى الثاني أن ممثل الشخص المعنوي ينبغي أن يحلف يمين عدم العلم. وسنعالج هذين الاتجاهين كلا في فرع مستقل.

الفرع الأول:تحليف ممثل الشخص المعنوي يمين البتات

يقوم هذا الاتجاه على توجيه اليمين إلى الشخص الطبيعي الذي يمثل الشخص المعنوي (10) لأنه الممثل الوحيد للشخص المعنوي أمام الغير وقد دعمت هذا الاتجاه محكمة الاستئناف المختلطة في مصر بقرارها الصادر سنة 1895 (11).وهو نفسه اتجاه القضاء الفرنسي (12)

وقد تمت الإشارة فيما سبق أن هناك قرارا وحيدا لمحكمة التمييز العراقية ينحى هذا المنحى في وقت كان فيه القضاء العراقي لا يوجه اليمين للشخص المعنوي (13)

ولهذا الرأي وجاهته إلى حد ما فهو الحل الذي يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى ذلك أن ممثل الشخص المعنوي هو المعبر الوحيد عن إرادته التي هي بالأساس إرادة افتراضية لا يمكن أن نتصور وجودها حقيقة وبالتالي فالإجراءات القضائية في الدعوى التي يكون الشخص المعنوي طرفا فيها يقوم بها ممثل الشخص المعنوي أو من يوكله أو يخوله وأداء اليمين تنطبق عليه هذه القاعدة.

غير أن هذا الرأي عليه مآخذ عدة أهمها أن وجود الشخص المعنوي (14) وذمته (15) وحياته (16) وجنسيته (17) منفصلة عن وجود وذمة وحياة وجنسية من يمثله فهذا الأخير إنما يمارس التصرفات والعقود بوصفه نائبا لا بوصفه أصيلا (18) ونحن نعرف أن النائب لا يمكن أن يحلف بدل الأصيل (19) لأن الحلف احتكام إلى ذمة الشخص (20)

ومن ناحية أخرى فان من شروط توجيه اليمين أن تكون الواقعة التي يوجه اليمين لإثباتها أو نفيها ذات علاقة بشخص من يؤدي اليمين (21) ولا ريب أن الوقائع التي تتعلق بنشاط الشخص المعنوي ليست بالضرورة متعلقة بشخص من يمثله أمام الغير فإذا دهس سائق شركة شخصا وأقام المدعي بالحق الشخصي دعوى على الشركة وعجز عن إثبات واقعة الدهس فلا يمكن أن يقال أن اليمين هنا تتوجه للمدير المفوض للشركة ذلك أن الواقعة لا تتعلق بشخص الحالف(المدير المفوض).

وأخيرا فإننا نتسائل عن الحل في حال تبدل ممثل الشخص المعنوي بين زمان الواقعة وزمان الدعوى فمن سيكون ممثل الشخص المعنوي الذي سيقوم بأداء اليمين؟

إذا قلنا بان من يؤدي اليمين هو ممثل الشخص المعنوي زمن الواقعة اصطدمنا بان هذا الشخص الطبيعي لم يعد ممثل الشخص المعنوي ولم تعد له مصلحة في أداء اليمين بالإضافة إلى انه ليس طرفا في الدعوى ولا ريب أن اليمين إنما يحلفها أطراف الدعوى لا غيرهم

وإذا قلنا بان من يؤدي اليمين هو ممثل الشخص المعنوي زمن الدعوى اصطدمنا بان هذا الشخص لم يكن ممثل الشخص المعنوي زمن الواقعة وبالتالي لا علاقة له بها (22).

من كل ما تقدم يتيبن لنا أن تحليف ممثل الشخص المعنوي أمر يصطدم بالعديد من العقبات التي لا يستطيع معها هذا الرأي أن ينهض ويصمد أمام الانتقادات.

الفرع الثاني: تحليف ممثل الشخص المعنوي يمين عدم العلم

قبل عرض هذا الرأي ينبغي التعريف بيمين عدم العلم لكي يتضح هذا الرأي. يمكن القول أن يمين عدم العلم هي يمين يحلفها الشخص على فعل صدر من الغير دون معرفته ولكنه يخصه من حيث النتيجة حيث يحلف على عدم العلم بالواقعة لا على عدم وقوعها (23).

ومن الجدير بالذكر أن بعض الكتاب (24) يرادف بين يمين عدم العلم ويمين الاستيثاق ويعدهما مفهوما واحدا. ومع جليل احترامنا لهذا الرأي فإن يمين الاستيثاق وإن كانت في بعض الأحيان يمين عدم علم فهي تختلف عنها في أحيان أخرى وبالتالي فإن العلاقة بينهما هي علاقة عموم وخصوص مطلق (25)

وعلى أية حال فإن يمين عدم العلم أضعف من يمين البتات ذلك أن الأخيرة تغني عن الأولى فإذا حلفت يمين البتات في موضع يجب فيه حلف يمين عدم العلم فاليمين معتد بها لكن العكس ليس صحيحا ذلك أن يمين عدم العلم لا تغني عن يمين البتات (26).

ولقد عالج القانون العراقي هذه اليمين في المادة 117 منه التي نصت على أن الشخص إذا حلف على فعله فإن يحلف على البتات وإذا حلف على فعل غيره فإنه يحلف على عدم العلم.

ولقد ذهبت محكمة التمييز العراقية إلى تحليف ممثل الشخص المعنوي يمين عدم العلم في قرارها المرقم 374 في 21/4/1980 الذي نقض قرارا لمحكمة الموضوع التي (قررت رد دعوى المدعي المميز بعد أن عجز عن إثبات دعواه،دون أن تمنحه حق تحليف خصمه المميز عليه اليمين القانونية،استنادا إلى أحكام المادة 118 من قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979.ولا يرد هنا بأن المميز عليه هنا إضافة لوظيفته يمثل شخصية معنوية ولا توجه اليمين إلا عن فعل بنفسه أو عن عقد،حيث يجوز لمحكمة الموضوع في هذه الحالة الاسترشاد بأحكام المادة 117 من قانون الإثبات التي تنص على أنه إذا حلف شخص على فعله يحلف على البتات وإذا حلف على فعل غيره يحلف على عدم العلم. والعلة في ذلك أن الشخص المعنوي يملك ذمة مالية مستقلة وله حق التقاضي بموجب الفقرتين 3و5 من المادة 48 من القانون المدني وحيث أن الذمة المالية المستقلة لشخص ما تحمله أعباء اليمين وإن أهمية (27) التقاضي تستتبع حتما أهلية من يكون خصما في الدعوى لحلف اليمين،لذا قرر نقض الحكم) (28)

إن هذا الرأي يبدو أوفق الآراء التي عرضناها فهو لا يعفي الشخص المعنوي من حلف اليمين ولا يكلف ممثل الشخص المعنوي أن يحلف يمينا عن واقعة لم يكن طرفا فيها فهو،كما يبدو، حل وسط لهذه المشكلة.

لكن لنا ملاحظة ترد على هذا الرأي ذلك أنه يستند إلى المادة 117 التي سبق ذكرها وهي مادة تنص على أن الفعل هو فعل الغير وهنا نتساءل عمن ينسب إليه الفعل الذي توجه بشأنه اليمين ذلك أن الخصم هو الشخص المعنوي فكيف يمكن أن يحلف شخص له ذمة مالية مستقلة عن الخصم في الدعوى.

ومن ناحية أخرى فإن يمين عدم العلم وإن كانت توجه بخصوص واقعة لم يكن الخصم طرفا فيها إلا أنها تهمه من حيث النتيجة (29) ولا ريب أن كثيرا من الحالات لا يكون للواقعة أهمية بالنسبة لممثل الشخص المعنوي.

المطلب الثالث: تحليف الشخص الذي اتصلت به الواقعة

في الحقيقة أن هذا الرأي لم يقل به،حسب اطلاعنا القاصر، أحد من الكتاب لكننا نطرحه للنقاش لأننا نراه حلا مناسبا يجمع بين مراعاة كون اليمين عملا دينيا توجه لمن اتصلت بشخصه الواقعة وبين طبيعة الشخص المعنوي العصية على اليمين.

يؤسس هذا الرأي على تحليف الشخص الذي تنسب إليه الواقعة شخصيا أي الشخص الطبيعي الذي صدر منه الفعل فإذا كان الواقعة المدعى بها عقدا فيحلف من يزعم الخصم أنه مثل الشخص المعنوي في توقيع العقد (30).وإذا كان عملا ماديا فيحلف من صدر منه الفعل.

ولكن هذا الرأي عليه إشكالان الأول يتعلق بصفة الحالف في الدعوى فنحن نعرف أن الشخص المعنوي يمثله شخص طبيعي قد لا تكون له علاقة بالواقعة محل الإثبات فإذا أردنا تحليف الشخص الطبيعي الذي تتصل به الواقعة فماذا ستكون صفته في الدعوى ؟

للإجابة عن هذا السؤال نقول أن هذا الشخص يمكن إدخاله شخصا ثالثا في الدعوى إلى جانب الشخص المعنوي ( سواء كان مدعيا أو مدعى عليه ) وقد أجازت المادة 69 من قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 لأطراف الدعوى أن يطلبوا إدخال شخص ثالث إلى جانب أحد الطرفين إذا كان في ذلك الإدخال صيانة لحقوق الطرفين أو أحدهما (31) كما أن للمحكمة أن تدخل من تشاء شخصا ثالثا في الدعوى (32)

ورغم أن القضاء المصري يقرر أنه لا يجوز أن يدخل الشخص في الدعوى خصيصا لأداء اليمين (33) فإننا لسنا مع هذا الرأي إذ ليس له ما يبرره فالمشرع إنما شرع طرق الإثبات ليمكن القاضي من الوصول إلى الحقيقة بالطرق التي يقررها القانون ولا ريب أن اليمين من أهمها.

بالإضافة إلى ذلك فإنه فإن هدف إدخال الشخص الثالث إلى جانب أحد طرفي الدعوى قد لا يكون الحكم له أو عليه بل قد يكون هدفه إلزام الشخص الثالث بتقدم سندات أو أشياء تحت حوزته (34)وفي هذه الحالة لا يمكن أن يعد الشخص الثالث طرفا في الخصومة (35)

وقد عالج قانون الإثبات العراقي هذه الحالة في المادة 57 منه التي جاء فيها أن للمحكمة أن تأمر أو تأذن في إدخال الغير لإلزامه بتقديم دفتر أو سند تحت يده (36)

فإذا كان القانون يسمح بإدخال شخص ثالث لتقديم دفتر أو سند تحت يده فم المانع من إدخاله لحلف اليمين في واقعة اتصلت به شخصيا وكان طرفا فيها خاصة مع تعذر حلف المدعى عليه اليمين

ومن الجدير بالذكر أن في القانون المصري تطبيقا واضحا حول إدخال الشخص الثالث لحلف اليمين وذلك في الفقرة الثانية من المادة 235 من التقنين المدني المصري التي جاء فيها أنه في الدعوى غير المباشرة وعندما يدعي مدين المدين(المدعى عليه ) واقعة منسوبة إلى المدين فإن الدائن هنا لا يستطيع حلف اليمين بل تقوم المحكمة بإدخال المدين شخصا ثالثا في الدعوى (37) فلو ادعى مدين المدين بأنه قد أوفى الدين ولم يثبت ذلك ومنحته المحكمة حق تحليف اليمين فإن الدائن (المدعي ) لا يحلف بل تقوم المحكمة بإدخال المدين شخصا ثالثا إلى جانب المدعي وتحلفه اليمين.

أما الإشكال الثاني الذي يثار حول هذا الرأي فهو يتعلق بانقطاع علاقة الشخص الطبيعي الذي اتصلت به الواقعة بالشخص المعنوي فإذا أوفى شخص دينا في ذمته لشركة من خلال محاسبها ثم ترك المحاسب العمل في الشركة فهل يحلف المحاسب في الدعوى التي تقام على الشركة رغم تركه للعمل.

إننا نرى أن اليمين ما دامت احتكاما إلى ضمير الشخص وديانته فلا مناص من تحليف الشخص الطبيعي الذي اتصلت به الواقعة سواء أكان الشخص اتصل بالواقعة بصفته الشخصية أو بصفته الوظيفية (38)

ورغم أن القضاء المصري لا يحلف الشريك في الدعوى المقامة على الشركة إذا كان قد ترك الشركة (39) فإننا لا نرى هذا الرأي سديدا لأن اليمين يجب أن توجه إلى من اتصلت به الواقعة شخصيا وإن توجيه اليمين إلى غيره أمر يتناقض مع طبيعة اليمين والحكمة من النص عليها دليلا للإثبات.

مما تقدم نخلص إلى أنه في حال توجيه اليمين للشخص المعنوي حول واقعة معينة يمكننا أن ندخل الشخص الطبيعي الذي اتصلت به الواقعة فإذا كان ممثل الشخص المعنوي جرى تحليفه وإن كان شخصا آخر أدخل لغرض تحليفه اليمين.

خاتمة

يمكن القول أن اليمين قول يتخذ فيه الخصم الله شاهدا على صحة ما يقوله في الدعوى. واليمين بهذا المعنى ليس دليلا من أدلة الإثبات وحسب بل هو في الوقت عينه عمل ديني يستمد قوته من إيمان الحالف وضميره.

ولحل التعارض بين الطبيعة الدينية لليمين وطبيعة الشخصية المعنوية التي هي عبارة عن تصور افتراضي لا وجود مادي له وهو بذلك لا يمتلك دينا أو ضميرا ظهرت لنا ثلاثة آراء.

يذهب الرأي الأول إلى عدم توجيه اليمين للشخص المعنوي لأن اليمين عبارة عن احتكام إلى ضمير الحالف والشخص المعنوي مجرد تصور وضعه المشرع فلا يمكن تصديق أن الشخص المعنوي له وجود يمكن معه تحليف الشخص المعنوي.

أما الرأي الثاني فيتجه إلى تحليف ممثل الشخص المعنوي اليمين القانونية عند توجيه اليمين للشخص المعنوي فهذا الممثل هو المعبر عن إرادة الشخص المعنوي وهو من يباشر جميع التصرفات والأعمال باسم الشخص المعنوي وهذه القاعدة تنطبق على اليمين.

ولكن هذا الاتجاه ينقسم على نفسه فيذهب بعض من قال به إلى تحليف ممثل الشخص المعنوي يمين البتات أي أنه يحلف عن الشخص المعنوي كما لو أنه يحلف على فعل فعله بنفسه.

أما البعض الآخر فيذهب إلى تحليف ممثل الشخص المعنوي يمين عدم العلم وهي يمين توجه إلى الشخص ليحلف على فعل منسوب إلى الغير ولكنه يهم الحالف من حيث النتيجة.
وتطرقنا إلى الحل الثالث الذي يقوم على تحليف الشخص الطبيعي الذي اتصلت به الواقعة التي يراد توجيه اليمين عنها سواء كان هو ممثل الشخص المعنوي أو غيره وذلك عن طريق إدخاله شخصا ثالثا في الدعوى التي يكون الشخص المعنوي طرفا فيها.

ومن خلال استعراض الآراء الفقهية والقرارات القضائية التي عالجت مشكلة البحث يمكن إيجاز ما توصلنا إليه بالآتي:

1. لا يمكن الأخذ بالرأي القائل بعدم تحليف الشخص المعنوي اليمين القانونية عند توجيهها لأن هذا الرأي يتعارض مع مبدأ المساواة أمام القانون بالإضافة إلى أنه يوصلنا إلى طريق مسدود.

2. إن الرأي القائل بتحليف ممثل الشخص المعنوي يمين البتات عند توجيه اليمين للشخص المعنوي لا يصمد أمام الانتقادات التي تم عرضها وبالتالي لا يمكن الأخذ به حلا لمشكلة البحث

3. إن اتجاه محكمة التمييز العراقية إلى تحليف ممثل الشخص المعنوي يمين عدم العلم يصطدم بأن الحالف في يمين عدم العلم يشترط فيه أن تهمه الواقعة من حيث النتيجة وإن كان لم يتصل بها وهذا ما ليس متوفرا في حالة الشخص المعنوي.

4. من خلال دراستنا للمشكلة يبدو أن الحل المتضمن إدخال الشخص الذي اتصلت به الواقعة شخصا ثالثا لتحليفه اليمين عن الواقعة التي اتصلت به هو أسلم الحلو وأفضلها وهو ما نتبناه حلا لمشكلة البحث.
BAHRAIN LAW
مدير الموقع
مدير الموقع
 
مشاركات: 758
اشترك في: الأربعاء سبتمبر 17, 2008 5:36 pm
الجنس: ذكر

العودة إلى قانون الاثبات

الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 37 زائر/زوار