بين يدى هذا الكتاب
بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين ، فإننا نشرف أن نقدم هذا العمل لقرائنا وقارئاتنا من المصريين والمصريات رغبة منا فى تبصرتهم بجملة من الحقوق والواجبات نحسبها الفئة الأهم من المعرفة بعد ضروريات الدين التى لا يليق أن يجهلها مسلم ، فإذ كان الزواج نصف الدين كما يشير حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فإن الوفاء بمسئوليات هذا النصف لا تتأتى إلا بالعلم بها ، وإذ كان طريقا إلى السكن والرغد وخير المتاع فالإلمام بالحقوق التى يثبتها طريق هام إلى قطف اليانع من الثمرات ، والظفر بالمحبوس منها .
ونحن إذ نأمل أن نقيم المسئوليات ، ونحفز على أداء الواجبات ، وندل على موطن الحقوق ، فإننا لابد وأن نقر لبرنامج دعم حقوق المرأة والطفل من خلال تكنولوجيا المعلومات بجزء كبير من الفضل ، فهو فى الحقيقة الذى بصرنا إلى هذه المهمة ، وقد كان لنا مع زملاء آخرين شرف إعداد المادة الضرورية لمشروع حقوق المرأة القانونية باستخدام تكنولوجيا المعلومات كطلب الهيئة القائمة على البرنامج .
ويتميز مصنفنا هنا بأنه – كما نحسب – أوسع وأشمل ، وقد تحاشينا فيه أوجه القصور التى ظهرت فى المشروع ، وأضفنا إليه ما نحسبه مدخلا هاما إلى الترغيب فى الزواج لمسئولياته ، وتحاشى الطلاق لبغضه ، والتمتع بإعطاء كل ذى حق حقه ، والتنزه عن مطل الواجد وتواكل القادر ، وسؤال غير ذى الحاجة .
لقد حرصنا على الحكم القانونى مزينا بورود الشرع ، ونأمل أن تكون الثمرة كما سعينا وعلى الله قصد السبيل ، عليه توكلنا وإليه ننيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
المؤلفون
تمـــــــــــــــهيد
فى
القانون الواجب التطبيق فى مسائل الأحوال الشخصية
أولا : مسائل الأحوال الشخصية :
كلمة أحوال جمع كلمة حال ، وعلى ما يذكر شراح القانون فإن استخدام هذا الاصطلاح فى مجال الروابط القانونية يرجع إلى الفقه الإيطالى فى القرن الثالث عشر حيث أطلق على قانون محل الشخص حال ، فى مقابل التشريع القانونى الذى أطلق عليه مصطلح تشريع ، ثم قسم الفقه الإيطالى الأحوال إلى أحوال شخصية ، وأخرى عينية ، وأراد بالأحوال الشخصية القواعد القانونية التى تتعلق بالشخص ذاته وتتبعه أينما يكون ، بينما يراد بالأحوال العينية القواعد القانونية المتعلقة بالروابط المالية.
وبذلك يتبين أن مصطلح الأحوال الشخصية مصطلح دخيل على فقه الشريعة الإسلامية ، غير أن هذا الفقه الحنيف إذ لا يشاح – ينازع – فى المصطلحات فإنه لا يمانع فى استخدام الاصطلاحات العرفية متى تبين لمستخدميها المراد منها ، وبالتالى فقد استخدم علماء الفقه الإسلامى المعاصرون هذا المصطلح فى الدلالة المعروفة عنه ، فكتب الأستاذ محمد قدرى باشا كتابه " الأحكام الشرعية فى الأحوال الشخصية " ومضى على منهجه كثيرون .
وفى ضوء تطورات كثيرة لحقت بصياغة وتحديد مصطلح " الأحوال الشخصية " فى اللوائح والقوانين المتتالية ، وفى أحكام النقض النقض المصرية فإن مصطلح الأحوال الشخصية يراد به فى العمل :
1- المنازعات والمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم
2- المسائل المتعلقة بنظام الأسرة كالخطبة والزواج وواجباتهم المتبادلة ، والمهر ونظام الأموال بين الزوجين .
3- المسائل المتعلقة بالطلاق والتطليق والتفريق .
4- المسائل المتعلقة بالبنوة ، والأبوة ، والعلاقة بين الأصول والفروع ، والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار .
5- المسائل المتعلقة بتصحيح النسب والتبنى .
6- المسائل المتعلقة بالولاية والوصاية والقيامة والحجر والإذن بالإدارة ، والغيبة ، واعتبار المفقود ميتا .
7- المنازعات والمسائل المتعلقة بالمواريث والوصايا وغير ذلك من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت .
8- وتعتبر الهبة من الأحوال الشخصية بالنسبة إلى غير المصريين إذا كان قانونهم يعتبرها كذلك .( ) .
ثانيا : القانون الواجب التطبيق على مسائل الأحوال الشخصية .
تخضع مسائل الأحوال الشخصية لنوعين من القانون هما :
1- قانون إجرائي : وهو الذي يبين حدود الإجراء كبيان الوقائع ، وكيفية التحقيق ، وسماع الشهود ، وإجراءات رفع الدعوى وتنفيذ الحكم الصادر فيها وغير ذلك من الإجراءات الشكلية ، ويسرى الآن في شأن كثير من إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والوقف قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 . وكذا قانون إنشاء محاكم الأسرة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2004 ، والقانون رقم 11 لسنة 2004 بإنشاء صندوق نظام تأمين الأسرة . فضلا عن بعض اللوائح التي تنظم بعض الأوضاع والإجراءات المتعلقة بنشأة الأسرة ومنازعاتها كلائحة المأذونين ، والقواعد المنظمة لزواج أحد طرفيه غير مسلم أو غير وطني ، وتنظمها لائحة الموثقين المنتدبين ، وغير ذلك من اللوائح والقرارات التنفيذية ، ويطبق فيما لم يرد بشأنه نص خاص أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية و أحكام القانون المدني في شأن إدارة وتصفية التركات . .( ).
2- قانون موضوعى : وهو الذي يتنأول موضوع الحق الذي يثار أمام القضاء ، كبيان الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الحق ، وبيان قوته وأثره القانوني ، وكمثال توضيحى لذلك : ما توجبه لائحة المأذونين كواجب من واجبات المأذونين الخاصة بالطلاق من أن{ يقيد الطلاق بنفس الألفاظ التي صدرت من المطلق بدون تغيير فيها } فهذا إلزام بإجراء ، ينظمه القانون الإجرائى " وهو هنا لائحة المأذونين " أما الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الطلاق ، وبيان قوته وأثره الموضوعي فتنظمها نصوص أخرى تندرج تحت مفهوم القانون الموضوعي .( ) .
وتحكم مسائل الأسرة لدى المصريين المسلمين اليوم جملة من النصوص ينتظمها أساسا القانونان 25 لسنة 1920 ، والمرسوم بقانون 25 لسنة 1929 والمعدلان بالقانون 100 لسنة 1985 . والمادة 20 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون 1 لسنة 2000 ، والمتعلقة بالخلع .
ووفقا للمادة الثالثة من القانون 1لسنة 2000 فإنه " يعمل فيما لم يرد في شأنه نص في تلك القوانين – أى قوانين الأحوال الشخصية و التى تشمل فضلا عما ذكرنا قانون المواريث وقانون الوصية وقانون الولاية على المال – بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة ، ومع ذلك تصدر الأحكام في المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدى الطائفة والملة الذين كانت لهم جهات قضائية ملية منظمة حتى 31 ديسمبر 1955 طبقا لشريعتهم ، فيما لا يخالف النظام العام .
وفى ضوء المادة الثالثة – المشار إليها – ينبغي التنبه إلى أمر في غاية الأهمية هو أن المشرع المصرى أخضع الإجراءات لقانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي – المنوه عنه- ويطبق فيما لم يرد بشأنه نص خاص أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية ، وأحكام القانون المدني في شأن إدارة وتصفية التركات {م1}وهذا كما بينا خاص بالمسائل الإجرائية فقط ، أما المسائل الموضوعية فتسرى عليها المادة الثالثة ، و من أبرز هذه المسائل القواعد المتصلة بذات الدليل ، كشروط صحة الشهادة في المنازعات الأسرية المختلفة , فهذه لا تخضع لقوانين الإثبات وإنما تخضع – متى لم يرد بشأنها نص في قوانين الأحوال الشخصية – لأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة . فنصاب الشهادة مثلا مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يرجع فيه إلى أرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة ، وكذلك شروط الشاهد ، وأحيانا مضمونها ، وهذا ما تواترت به أحكام النقض في مصر.( )
ومعنى ذلك أن للراجح من مذهب الإمام أبى حنيفة وضعية القانون الصادر من السلطة التشريعية فيما لم يرد بشأنه نص في غير المسائل الإجرائية ، فلا يتصورن أحد أن إسناد حكم ما إلى الراجح من المذهب الحنفى هو محض اجتهاد ، لأن هذا الراجح عند عدم النص كالنص تماما بتمام ، فهو القانون الواجب التطبيق عندئذ .
*************
ثالثا :أبرز مصادر الدراسة ومحأورها
وفيما يتعلق بهذه الدراسة فإنها ترتكز على مجموعة من المحأور الرئيسية يكمل كل منها الآخر سواء كانت نصاً قانونياً ، أو حكماً قضائياً ، أو تفسيراً ارتضته المحكمة الدستورية العليا ،أو اطردت عليه أحكام المحاكم، أو كان رأيا فقهيا له وجاهته في الأوساط القانونية ، وبداهة فإننا لابد وأن نورد الأدلة الشرعية والقواعد الأصولية والفقهية التى بنيت عليها الأحكام المذكورة ، ليس فقط بغرض التأكيد على صوابها وإنما أيضا بغرض توعية القراء والقارئات بحقائق دينهم وكفايته فى علاج المشكلات الأسرية ، وعدم الانسياق خلف تلك الدعوات التغريبية التى أقل ما يمكن أن توصف به أنها تجهل حقيقة فقه الإسلام ودقة حلوله ، وتحسن الظن بأساليب تربوية وقانونية غربية يشكو من مرارتها عقلاء القـــــوم الذين تحكم تلك النظم حياتهم . ( ) .
ولكن ولأننا نتغيا علاج الواقع بالأدوات المعتمدة والمرعية قضاء ، وكان مما يلزم القضاء أن يصدر أحكامه وفق النصوص القانونية القائمة، لذا فقد تم التركيز بالأساس على المرسوم بقانون 25/ 1920 ، والمرسوم بقانون 25/ 1929 ، والتعديلات التي أدخلت عليهما ، أو أضيفت إليهما بالقانون 100/ 1985 ، والقانون رقم 1/2000، والقانون الصادر في شأن تنظيم أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، والصادر بالقانون رقم 1 /2000 المذكور، ، والقانون رقم 11/2004 بإنشاء نظام تأمين الأسرة ، دونما إهمال أو إغفال للقوانين الأخرى التي تنظم بعض مسائل الأحوال الشخصية ، وبالطبع فإن المعتمد في المذهب الحنفى جزء لا يتجزأ من أهم ما تم التركيز عليه ، وكذلك المجموعات القانونية الصادرة عن المجالس الملية ، متى احتجنا إلى شىء منها .
وحيثما اضطرنا العمل للرجوع إلى مصادر أخرى رجعنا إليها ، لا سيما تلك التي تعين على تفسير النص القانوني ، أو تحديد إطاره ، أو تطبيقه و تفعيله في الواقع ، ومن ذلك بداهة أحكام المحاكم المختلفة الصادرة في مواد تتعلق بموضوعات الدراسة ، واللوائح التنفيذية للقوانين ، والأعمال التحضيرية ، والمناقشات البرلمانية والفتأوى الفقهية والقضائية متى احتاج البحث الرجوع إليها .
وفى سبيل تصور القدر الأكبر من مشكلات الأسرة رجعنا إلى ما أتيح لنا من البحوث الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، فضلا عن بعض البحوث الأكاديمية التي شغلت بالقضية ، كما حرصنا على الالتقاء ببعض المأذونين فى محافظات القاهرة ، والشرقية ، وكفر الشيخ ، والفيوم ، وأسيوط .
كما تحأورنا مع بعض السادة المستشارين الذين تولوا مسئولية العمل في الدوائر الشرعية ومحاكم الولاية على النفس والنيابات ، ولم نغفل ما ذاع خبره من مقالات صحفية ، وبرامج إعلامية سلطت الضوء على مشكلات الأسرة ، والآمال المتعلقة بأعمال محكمة الأسرة .ونشكر في هذا الصدد القائمين على الأرشيف الصحفي بمجلس الشعب المصرى لما يسروه لنا من فرص الاطلاع على الصحف .
وأخيرا أجرينا لقاءات محدودة مع بعض المتقاضين والمتقاضيات أمام المحاكم في قضايا الأحوال الشخصية لتصور أبرز ما يشكون منه موضوعيا وإجرائيا .
رابعا : الغرض الرئيس للدراسة :
فى ضوء كل ما تقدم نضع هذه الدراسة المبسطة التى تستهدف فى المقام الأول تثقيف الفئة الأكثر احتياجاً إلى التمتع بالحقوق التى تقررها قوانين الأحوال الشخصية ، والاستفادة بالميزات التى تقررت تباعاً بتيسير إجراءات حماية هذه الحقوق وتأكيدها.
أننا نتوجه بعملنا هذا قصدا إلى مدعى الحق من النساء والأطفال راغبين فى أن نبصرهم بما لهم من حقوق ، وبالوسائل المتاحة للحصول عليها ، ومن هنا فإننا سنحأول ما أمكن أن تكون عبارتنا مما لا يشق على هؤلاء فهمها ، وأن تكون طروحاتنا مما يثقفهم ويبصرهم فى آن وأحد ، غير غافلين عن استخدام المصطلحات القانونية الفنية مع تبسيطها ما أمكن ، ومع هذا فإنه ليسعدنا أن تحظى هذه الدراسة بنظر المختصين بالشأن الأسرى ، والمعنيين بالهم العام من أساتذتنا وزملائنا الشرعيين والقانونيين والاجتماعيين على السواء .
وحرصا على بلوغ هذا الهدف ما أمكن اتبعنا أسلوبين فى الطرح :
الأول : طرح مجمل الحل القانونى فى صورة مبادئ مختصرة مشروحة شرحاً وافيا فى غير إطناب .
الثانى : ربط هذه المبادئ بمجموعة مفترضة من الأسئلة الشائعة المتعلقة بها.
************
وحيث لم يتح لنا الوقت لإصدار العمل متكاملا فإننا عجلنا هنا بإصدار الكتاب الأول من هذا العمل ليعالج – فى أشمل صورة ممكنة – قضايا الزواج ، والنفقة ، والطلاق ، على أن يصدر الكتاب الثانى بعد قريب إن شاء الله معالجا مشكلات النسب والحضانة و العدل بين الأولاد فى عطايا الحياة والاستحقاق فى المتروك بعد الممات .
الباب الأول
فى
أبرز قضايا الزواج والخطبة
الزواج سنة من سنن الله الكونية ، شرع حفاظاً على النسل وإشباعاً للغريزة الجنسية في إطار من الاحترام والمشروعية .
والزواج كعقد شرعى أحيط بضمانات ومسبوق بفترة تمهيدية تسمى الخطبة وله أركان وشروط لا يتم إلا بها .
وقد بدأ الزواج منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم عرفياً ، وبدءا من العام 1931 صدر النص على وجوب توثيق عقود الزواج في أوراق رسمية على يد المأذون في القرية أو المدينة والقاضى في المحكمة والقنصل في الخارجية ، وإن كانت دراسة تاريخ الوثائق فى تاريخ الدولة الإسلامية تسمح بالقول إن توثيقا للزواج وجد منذ عرف المسلمون ديوان العطاء ، فقد كان يفرض _ أى يحدد – عطاء أى معاش أو راتب الرجل بحسب حالته من الزواج والعزوبة والإعالة وما إلى ذلك .
ونظراً لخطورة عقد الزواج وتميزه عن بقية العقود الأخرى مثل البيع أو الإيجار ، وجب على الجميع معرفة أحكام هذا العقد ومعرفة أركانه التي يترتب على تخلفها بطلان العقد مثل الصيغة والعاقدان والمحل ، وشروط صحة مثل الشهادة وشروط لزوم مثل الكفاءة وغير ذلك مما يترتب على تخلفه قابلية العقد للبطلان .
كما أنه قد يرد في متن العقد أحد الشروط التي يشترطها أحد الزوجين في مواجهة الأخر .
ويحتاج الأمر هنا إلى بيان حكم الفقه الإسلامي فيها ومدى تأثيرها على العقد من حيث الصحة والفساد.
وقد يكتفى الزوجين بإجراء الصيغة دون تدوينها في وثيقة رسمية وهو ما يسمى بالزواج العرفى .
كل هذه الأمور تحتاج إلى بيان وتوضيح ، وسنحأول من خلال مجموعة من الأسئلة المفترضة أن نبرز الأحكام الأكثر أهمية فى الزواج .
*************************
أولا : معنى الزواج :
قد يستغرب البعض حرصنا فى دراسة غرضها التبصير بالمشكلات العملية الميل إلى الاهتمام بالتعريفات ، وهو إجراء أكاديمى أكثر منه تثقيفى ، ولكن هذه الدهشة سرعان ما تزول عندما نأخذ فى الاعتبار حرص بعض دعاة التحرير والمسأواة على المناداة بتغيير شكل الأسرة وتعدد أنماطها ، والقبول بأنماط جديدة فى الزواج ، كالزواج المثلى مثلا ، ولا يخفى أن هذا الشذوذ الفكرى والأخلاقى قد وجد طريقه إلى كثير من الأنظمة القانونية فى الغرب ، ولم يعد يصدم الرأى العام أن نجد من ينكر على مجتمعاتنا العربية والإسلامية محاربتها للشذوذ والمثلية ، لهذا كان تحديد معنى الزواج ذا أهمية خاصة فى بحث مشكلات الزواج .
معنى الزواج في اللغة العربية والاصطلاح الشرعى :
1- يقصد بالزواج من حيث اللغة – معان عديدة – منها:
النكاح:
قال تعالى: فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها ( من الآية 37 الأحزاب) أي أنكحناك إياها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من استطاع منكم الباءة فليتزوج".
والعرب تقول: "تزوج في بني فلان" أي نكح فيهم، وتقول: أتزوج امرأة ، وزوجه إياها، وزوجه بها أنكحه إياها.
وأصل النكاح في كلام العرب: الوطء وقيل للتزوج نكاح لأنه سبب الوطء، يقال: نكح النفاس عينه: أصابها.
وقال الزجاج – من أبرز علماء اللغة - النكاح في كلام العرب: الوطء والعقد جميعًا وقد أفاد أبو الحسن بن فارس :أن النكاح لـم يرد في القـرآن إلا للتزوج سـوى قوله تعالـى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن المراد به الحلم. ( )
2- الزواج عند الفقهاء:
الزواج في عرف المحدثين والفقهاء يراد به النكاح: بمعنى العلاقات الناشئة بين رجل وامرأة بعقد شرعي يستوفي شرائطه وأركانه، ويتم بإيجاب وقبول.
وأكثر ما يستعمل لفظ الزواج أو التزويج في تلك العلاقة وما ينشأ عنها من آثار نفسية واجتماعية.( )
ومصداق ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم "من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج".
وقد أحسنت بعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة إذ نصت على تعريف الزواج دفعا لكل التباس ، ورد محاولة تسويغ المنكر بأى طريق ، ومن ذلك قانون الأحوال الشخصية السودانى الصادر بالقانون رقم 43 لسنة 1991 ، فقد عرف الزواج فى مادته الحادية عشرة بقوله : الزواج هو عقد بين رجل وامرأة على نية التأبيد ، يحل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه المشروع "
ويمتاز – فى رأينا – هذا التعريف على التعريفات الأخرى الواردة فى القوانين المماثلة بحرصه على إبراز المعانى الآتية :
1- أن الزواج رابطة بين مختلفى الجنس يقينا ، فهو بين رجل محقق الذكورة ، وأنثى محققة الأنوثة ، وأى علاقة على غير هذه الحيثية لا يليق أن تسمى زواجا .( )
2- أن الزواج رابطة عقدية ، وإن كان عقد الزواج فوق كل العقود .
3- أن عقد النكاح عقد عمرى لا ينعقد إلا على أساس التأبيد والدوام .
4- أن حــل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع هو الأثر الأهم من آثـــــار الزواج ، وهو الأثر الأبرز فى معالجة السلف لآثار الزواج ، وللأسف لم يعجب بعض أدعياء الثقافة فشنعوا على السلف بدعوى أن الزواج فى عرف الفقه القديم ينتهى إلى " استئجار الزوجة للأغراض الجنسية " و " يخول الزوج سلطة على جسد زوجته " وهى سخافات أكد الواقع تفاهتها . ولابد أن نشيد هنا بفكرة الفيلم السينمائى المعنون " النوم فى العسل " فأقضية المحاكم والبحوث الاجتماعية تشير إلى ما صدحت به حقا الصحافية فاطمة فؤاد فى كتابها " الطلاق يبدأ من الفراش " .
ثانيا
مشروعية الزواج
الحكمة من تشريع الزواج:
دعا الإسلام إلى الزواج ورغب فيه اتفاقًا مع الفطرة والسنن الكونية التي أوجدها الله عز وجل في هذا الكون فلا يخلو شيء في الوجود من نظام الزوجية. قال تعالى: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49].
وقال تعالى: سبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ [يس:36].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَأحدةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
فالزوجية في عالم الإنسان ضرورة فطرية أعمق مما يتصور الناظر إلى الوالدية، وشهوة الجنس إنما هي نظام أزلي يلتئم به شمل الكون كله. ويصلح عليه وجوده، ويخرج به ثمره.( )
فالزواج عقد يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه الذي قضى به الشرع الحنيف.
والزواج بهذا المعنى يحقق حل الاستمتاع من خلال مسايرة الفطرة والتقيد بالشريعة، ويؤدي إلى كسر الشهوة وفق قواعد مقبولة عقلاً، فيها سمو بالروح وصفاء بالسريرة وتحقيق للفضيلة والسير بعلاقات الناس نحو الكمال.
فالزواج له فوائد عظيمة وكثيرة نفسية ودينية يمكن إجمال بعضها فيما يلي:
1- الزواج مسايرة للفطرة وسمو بالروح.
2- الزواج يقيد العلاقة الاجتماعية بقيد الشرعية والمشروعية.
3- الزواج يؤدي إلى كسر الشهوة في ظل قواعد مقبولة عقلاً.
4- الزواج يؤدي إلى صفاء السريرة والسير بعلاقات الناس نحو الفضيلة والكمال..
حكم الزواج الشرعي:
للزواج حكم شرعي، يختلف باختلاف الأحوال ، و يتصف طبقًا لهذه الأحوال بالأحكام التكليفية الخمسة ، { أى طبيعة ودرجة الأمر الشرعى بالزواج ، ودرجات هذا الإلزام خمس درجات هى : الوجوب – الندب – الإباحة – الكراهية – الحرمة .} ( )
فقد يكون الزواج واجبا، إذا كان من يريد الزواج مالكا نفقات الزواج وما بعده وفي الوقت نفسه على يقين تام أنه إذا لم يتزوج سيقع في الحرام ويرتكب الفاحشة. أي أن الشهوة الجنسية عنده قوية ولا يستطيع الصبر عليها بدون زواج، فمثله يجب عليه الزواج لأن ما يؤدي إلى الواجب واجب. وترك الزنا واجب.
ويكون الزواج حرامًا بالنسبة لمن يريد الزواج وهو على يقين أنه سيرتكب الحرام بسبب الزواج مثل عدم قدرته على الإنفاق على زوجته وأولاده. أو سيؤدي زواجه بأخرى إلى إلحاق الظلم بها نتيجة عدم العدل بينهما وبين زوجته الأولى ، أو تزوجها بغرض إذلال أهلها في شخصها. فيكون الزواج حرام لأن ما يؤدي إلى الحرام حرام.
والظلم الذي سيقع فيه الزوج إذا تزوج حرام، والطريق إليه يكون حرام.
أما إذا لم يكن على يقين من أنه سيقع في الظلم وإنما فقط يظن أنه سيقع في ظلم إذا تزوج فيكون الزواج بالنسبة له مكروه فقط.
والحكم الغالب الأعم للزواج أنه سنة مؤكدة ومستحب ومندوب إليه، على ما سيظهر من الأدلة على مشروعية الزواج .
الأدلة على مشروعية الزواج
هناك أدلة كثيرة تدل على أن الشريعة تأخذ بنظام الزواج حيث يرتبط رجل بامرأة في إطار شرعي ومن هذه الأدلة:
1- القرآن الكريم:
قولـه تعالى: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ( النحل آية 72 )، وقال تعالى : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ( الروم : آية 21 ) .
2- ومن السنة النبوية أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم :
" من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". ( رواه الشيخان ، وصححه الألبانى ) .
العزوبة في الإسلام مكروهة
نعم لقد نفر الإسلام من العزوبة التي تصدر عن مبدأ كراهية الإسلام لكل ما لا يوائم الغريزة والعقل ولا يوازن بين الواقع وضرورات الحياة الإنسانية وقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم إقرار من عزم على الانقطاع إلى العبادة وترك التزوج، وأعلن أن حياة الأسرة من سنته ،قال صلى الله عليه وسلم " النكاح سنتى فمن رغب عن ستني فليس مني". ( ) بل النكاح من سنة الأنبياء جميعا ، قال الله تعالى ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية .... الرعد : 38 ) .
ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة لأمته في ذلك، وكذلك النبيون من قبل ، ولو كان الترفع عن حياة الأسرة رقيًا وفضلاً لكان هو أولى به لكنه تزوج وأنجب، وحمل أعباء الزوجية والولد.
ومن هنا فلا مكان لمتنطع بزعم أن في حياة الأسرة مشغلة عن العبادة أو عائقًا عن تقوى الله. روى المرزوي عن أحمد بن حنبل قال: ليست العزوبية من أمر الإسلام في شيء فالنبى صلى الله عليه وسلم تزوج.
زواج الأم بعد وفاة العائل ، وزواج الأب بعد وفاة الأم :
لا نخفى أن غرضنا من التنبيه على مشروعية الزواج حث الجميع عليه شيبا وشبابا ، ومع ذلك فغرضنا الأهم الوصول إلى الإنكار على عرف فاسد يشيع بين كثير من الناس خصوصا فى القرى ، ولا سيما عندما يتوفى الأب وتكون الأم قد تقدمت فى العمر نسبيا ، فنجد كثيرا من الأبناء يتحرجون ويرفضون بشدة مجرد التفكير فى زواج أمهم الأرملة التي لديها أطفال أيتام ويستقبحونه ويهاجمونه، بل ويحأولون منعه بشتى الطرق اعتمادًا على ركائز باطلة ترجع بذورها إلى عصبيات جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد يكون في زواج أم الأيتام الخير لها – وهو الغالب – إذا تزوجت بمؤمن تقي، ذلك لأنه يعلم أوامر المولى عز وجل بالإحسان إلى الأيتام وعظم الأجر على ذلك وعظم الإثم على من يسيء إليهم.
كذلك قد يتحرج الأولاد ويرفضون بشدة مجرد التفكير في زواج الوالد الذي تجنح حياته إلى مغيب، ويريد أن يتزوج بعد وفاة الصاحبة ويثور الأبناء حفاظًا على الثروة وضنًا بنصيب الزوجة المرتقبة فيبقى خالصًا لهم، يحافظون على الثروة ولا يحافظون على كرامة الوالد.
ومن يدري فلعل الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل. حماية للميراث يموتون هم ويرثهم آباؤهم ،ويرثون أيضًا ذرية ضعافًا يصيرون أمانة في يد جـــد يرعاهم مع زوجة لديها متسع من الوقت وفائض من الجهد تبذله راضية ، إننا ننصح الجميع بالحرص على الزواج ، ونخص بالنصح الأبناء أن يحرصوا على أن يتزوج آباؤهم بعد وفاة الشريك ، فما دور المسنين بالجزاء اللائق بالوالدين ،و نذكر بالأمر المتكرر فى القرآن الكريم { ... وبالوالدين إحسانا }
************************
ثالثــــــــــــــــــــــا
الخطبــــــــــــــــــــــــــــــة
فى الكلام عن الخطبة نعرف بها ونتنأول أبرز أحكامها خصوصا فى شروطها ، وفى دائرتى العلاقة بين الخاطبين ، والالتزامات المالية التى تترتب على الخطبة ، ومدى جواز فض الخطبة شرعا ، وصحة المطالبة بالتعويض عن فض الخطبة ، وعن الإساءات التى يمكن أن تصاحب هذا العدول .
1- تحديد معنى الخطبة :
لا شك أننا نسعد كلما وجدنا الناس يتحرون الحلال والحرام فى تصرفاتهم ، وفى علاقاتهم الاجتماعية ، ومن ذلك حرصهم على تطبيق نهى النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث " لايخطب أحدكم على خطبة أخيه ، ولا يبيع على بيعه إلا بإذنه " ( ) ونظرا للنهى الوارد فى الحديث ، وحرصا على أن نغلق كل باب للعداء بين الناس نحدد معنى الخطبة التى ورد النهى الشرعى عن الخطبة عليها .
الخطبة فى اللغة :
الخطبة في اللغة مشتقة من كلمة (خطب) مخاطبة وخطابًا وهو الكلام بين متكلم وسامع ومنه اشتقاق الخطبة بضم الخاء في الموعظة. والخطبة بكسر الخاء طلب التزوج بالمرأة. يقال خطب المرأة إلى القوم إذا طلب أن يتزوج منهم ، والاسم الخطبة بالكسر، فهو خاطب.
و اختطبه القوم دعوه إلى تزويج صاحبتهم ( ).
الخطبة عند الفقهاء:
الخطبة في حقيقتها الشرعية – هي تواعد متبادل على الزواج في المستقبل.
وظاهر من هذا أن الخطبة مرحلة متوسطة بين الاختيار وإبرام العقد حتى لا يكون الزواج معرضًا للانهيار فيما لو تم هكذا فجأة دون تمهل وبلا روية أو تعرف على أخلاق الطرف الآخر.
المهم أننا لا نكون بصدد خطبة شرعا إلا إذا حصل طلب ورضا بالطلب ، فإن كان مجرد طلب دون إعلان الرغبة من الطرف الآخر بالقبول فلسنا بصدد خطبة ، فإن وجد الطلب والقبول به فحرام على الآخرين عرض الخطبة حتى يترك الخاطب الأول ، لما روى فى حديث فاطمة بنت قيس، وقد قال لها النبى صلى الله عليه وسلم " فإذا حللت- أى انتهت عدتك- فآذنينى" قالت: فلما حللت ذكرت له أن معأوية ابن أبى سفيان وأبا جهم خطبانى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معأوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد" قالت فكرهته، ثم قال " أنكحى أسامة" فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به"( )
فقد أخبرت السيدة فاطمة بنت قيس النبى صلى الله عليه وسلم أن رجلين طلباها، كل لنفسه، وأنها لم تركن لوأحد منهما، ومن ثم فقد طلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ثالث هو أسامة بن زيد، فقبلته، ولو كان ما وقع من الرجلين خطبة، لما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبتها لثالث، وبعبارة الإمام المأوردى " أن الإمساك عن الإجابة لا يقتضى الخطبة"( )
2- لا مانع أن تكون المرأة هى الخاطبة .
الأصل أن الخطبة تكون من الرجل، فهو الذي يتقدم بطلب يد المرأة من وليها ،فطبيعة المرأة، وما جبلت عليه من حياء – بحكم فطرتها – يحول بينها وبين إبداء رغبتها في الزواج. وقد تزداد حرجًا فيما لو كانت هذه الرغبة في رجل بعينه، ، ولكن لا بأس شرعا أن تكون الخطبة من المرأة أو من وليها – وهذا أفضل – ولنسائنا فى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد مثلا فقد خطبت رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولم يكن قد بعث بعد – وهى يومئذ أوسط نساء قومها نسبا ، وأعظمهم شرفا ، وأكثرهم مالا ، وأحسنهم جمالا، وكانت تدعى فى الجاهلية بالطاهرة ، وكم خطبت فتمنعت ( ) .
وفى الإسلام عرضت صحابية جليلة نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت فى وضوح شديد " يا رسول الله جئت أهب لك نفسى ، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت أنه لم يقض فيها شيئا جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ، فقال فهل عندك من شئ ؟ الحديث ( ) .
والأفضل للمرأة أن يشبب - كما نقول يحكى ويتحاكى - بها أولياؤها عند الصالحين ، أو يعرضونها عليهم إذا وثقوا من كرائم أخلاقهم فى القبول والرفض ، والتشبيب عادة قديمة عند العرب ، درج عليها الشعراء فى أشعارهم فيغدقون على المحبوبة من الأوصاف والمحاسن ما يرغب فيها القاصى والدانى ، حتى صرن مثلا فى المرأة المستحسنة كليلى العامرية وبثينة جميل ونحوهما .
ومن طريف ما يحكى فى ذلك أن امرأة جاءت إلى الأعشى الشاعر فقالت : إن لى بنات قد كسدن – فاتهن قطار الزواج – فشبب بوأحدة منهن ، فشبب بها ، فما شعر إلا بناقة قد بعثت بها إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : تزوجت فلانة ، فشبب بالأخرى فأتاه مثل ذلك ، فسأل عنها : فقيل له تزوجت ، فما زال يشبب بوأحدة فوأحدة منهن حتى زوجن جميعا " ( ) .
ولست أظن أن التشبيب الذى لا يتعدى إلى وصف مفاتن المرأة محظورا ، فقد شبب زهير بن أبى سلمى بمحبوبته سعاد فى قصيدته التى امتدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه . وصورته التى لا يمكن أن ينالها قدح أن يذكر الولى محاسن المرأة ، كحسن خلقها ، وطيب صنيعها ، وحنانها ، وتفوقها ونحو ذلك ، مما يرغب الصالحين فيها .
أما العرض الصريح فصورته المثلى ما وقع من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة – أى صارت بلا زوج بعد أن مات زوجها عمر بن خنيس السهمى ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى بالمدينة – قال عمر : أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة . فقال سأنظر فى أمرى . فلبثت ليالى ثم لقينى فقال قد بدا لى أن لا أتزوج يومى هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر الصديق فقلت : إن شئت زوجتك حفصة ، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلى شيئا . فكنت أوجد – أى أغضب – عليه منى على عثمان ، فلبثت ليالى ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقينى أبو بكر فقال : لقد وجدت – غضبت – على حين عرضت على حفصة فلم أرجع إليك شيئا ، قلت نعم ، قال أبو بكر : فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أننى كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفش سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها"( )، قال ابن حجر " وفيه عرض الإنسان ابنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه ، وأنه لا استحياء فى ذلك " ( ) .
ويرى بعض أساتذتنا أن خطبة المرأة الرجل وإن كان مستساغا شرعا إلا أنه لا يناسب زماننا بعد أن تبذلت كثير من النساء وتغير خلق أكثر الرجال . ( )
وفى رأينا أنه ومع مراعاة ظاهر الحال فإن التشبيب والعرض يبدو لنا أفضل كثيرا من الترخص فى الترغيب فى الخطبة بالسفور وارتياد الفتاة تجمعات الرجال واختلاطها بهم على نحو مكشوف وسافر ، وقد أخذ العرض طريقه إلى الصحف اليوم ، فأصبح من الأعمدة الثابتة إعلانات " طلب الزواج " أى أن إعلان " أريد زوجا " مباح شرعا .
3- صيغة الخطبة:
نظرًا لأن الخطبة مجرد وعد، أو تواعد بالزواج فإنها لا تحتاج إلى صيغة خاصة ولا إلى إجراء معين. بل تصح بكل ما يدل على المقصود منها ويظهر الرغبة في التزوج. على أن يكون ذلك متبادلاً بين الطرفين، دالاً على إرادتيهما، وصدق رغبتيهما في إتمام العقد مستقبلاً.
وطبقًا للمعتاد الغالب، فإن الخاطب يتقدم لولي خطيبته بإبداء الرغبة في الزوج منها.
وهذه الرغبة المعلنة تحتاج إلى قبول واستجابة لها من ولي المخطوبة بعد التأكد من موافقتها تمامًا، أو منها هي شخصيًا إذا كانت أهلاً لذلك.
فالمطلوب توافره هو وجود الرغبة الصادقة المتبادلة في إتمام عقد الزواج.، وقد جرت عادة الناس على التعبير عن الوفاق بقراءة الفاتحة وتقديم بعض الهدايا، وما قراءة الفاتحة إلا نوعا من التبرك بقراءتها، وتأكيد التواعد، والمأثور عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان إذا دعى ليزوج قال: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد إن فلانا يخطب فلانة ، فإن أنكحتموه فالحمد لله ، وإن رددتموه فسبحان الله".( )
ونظرا لبعض الموانع الأدبية ألزم الشارع بأسلوب خاص فى خطبة المعتدة من وفاة إن رغب فيها راغب وأحب أن يسرى عنها فى مصيبتها، فأباح الخطبة ولكن تعريضا، وارتضاه بعض الفقهاء فى المعتدة من طلاق بائن أيضا.
والتعريض هو بمثابة الاستثناء على الأصل فى إبداء الرغبة فى الزواج، أما الأصل فهو التصريح.
والتصريح : أن يذكر الخاطب أو وليه أو وكيله كلاما لا يحتمل سوى معنى الخطبة كقوله أريد فلانة للزواج، أو جئت أطلب فلانة ونحو ذلك
وهذا ليؤكد أن الخطبة في جملتها مرحلة تمهيد للتأكيد من جدية مشروع الزواج، وصلاحيته بالنسبة للطرفين.
4- هل توجد شروط معينة للخطبة؟
خلاصة ما يشترط في الخطبة أن لا تمس حقًا من حقوق الغير؛ فلا تباح خطبة امرأة إلا إذا كانت صالحة لأن تكون زوجة في الحال، حتى يمكن أن يتم العقد بناء على مقدمات صحيحة.
فيشترط لإباحة الخطبة أن لا تكون المرأة محرمة على الرجل حرمة مؤبدة ولا حرمة مؤقتة. ويشترط كذلك ألا تكون متزوجة وهذه أمور واضحة لا تحتاج إلى مزيد بيان.
وإنما الذي يحتاج إلى بيان هو:
أولا : حكم خطبة المعتدة:
يقصد بالمعتدة المرأة التي هي في فترة العدة وهذا يختلف باختلاف ما إذا كانت المرأة في عدة طلاق أو عدة وفاة – والطلاق قد يكون رجعيًا وقد يكون بائنًا وكل ذلك يحتاج إلى تفصيل كما يلي:
أ - المعتدة من طلاق رجعي:
لا يجوز خطبتها بأي حال من الأحوال لأنها زوجة، إذ الطلاق الرجعي لا ينهي العصمة الزوجية ولا يفصم عراها وإنما يكون من حق الزوج أن يراجع زوجته في فترة العدة دون ما حاجة إلى أي قبول منها .
وعلى هذا الأساس فلا تصح مطلقًا خطبة المعتدة من طلاق رجعي لا تصريحًا ولا تلميحًا. بل إن الخطبة هنا تعتبر اعتداء صريحًا على حق الزوج في مراجعة زوجته.
ب- المعتدة من وفاة:
القاعدة أنه لا تجوز خطبة المعتدة من وفاة مراعاة لحق الزوج واحترامًا لشعور ذويه وأقاربه ولكن نظرا لأن هذه الاعتبارات ليست في حقيقتها إلا اعتبارات أدبية، لا تمس حق الغير، إلا من هذا الجانب المعنوي. كما أن العدة ستنتهي حتمًا بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام، أو بالوضع ، إن كانت المرأة حاملا ، الأمر الذى يعنى أن مخافة أن تكذب المرأة فى الإخبار بانتهاء عدتها يكاد يكون عدما .
نظرًا لذلك كله فإن الله سبحانه أباح في هذه الفترة التعريض بالخطبة دون التصريح بها.
يقول الله عز وجل: وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أو أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِراًّ إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235].
ج- حكم خطبة المعتدة من طلاق بائن:
المعتدة من طلاق بائن تحرم خطبتها إجماعًا لأنه دون شك قد تعلق بها بعض الحقوق بالنسبة للآخرين وهذا لا مجال فيه لخلاف.
ولكن الخلاف هنا حول جواز التعريض بخطبة المعتدة من طلاق بائن؛ لأن الطلاق البائن وإن كان ينهي العصمة إلا أنه إذا كانت الطلقة البائنة دون الثلاث، فإنه يجوز لزوجها أن يعيدها لعصمته بعقد ومهر جديدين متى تم الاتفاق بينهما على هذا.
ولعل الرأي الراجح: أنه يتعين النظر إلى طبيعة الطلاق البائن هل هو بائن بينونة كبرى أم بينونة صغرى.
فيجوز التعريض بالخطبة للمطلقة طلاقًا بائنًا بينونة كبرى لأن عرى الزوجية قد انفصمت تمامًا، ولم يبق لها من أثر إلا العدة مراعاة لبراءة الرحم وامتثالاً لأمر الله تعالى فلا تحل المطلقة طلاقًا بائنًا بينونة كبرى لزوجها الذي طلقها إلا بعد أن تتزوج زوجًا غيره.
أما المطلقة طلاقًا بائنًا بينونة صغرى فإن هناك أملاً في إعادة المياه إلى مجاريها وأن أمامها فرصة تسمح بهذه العودة بعد عقد جديد ومهر جديد. لذلك لايجوز التعريض بخطبة مثل هذه المرأة.
ثانيا : حكم الخطبة على الخطبة.
الإسلام دين السلام والمحبة يحض أتباعه على المحبة والتودد بكل طريق، وينهاهم عن أسباب العدأوة والبغضاء بكل السبل، لأن المحبة طريق الاتحاد ، وفى الاتحاد قوة والبغض سبب إلى التشرذم والتفرق، وفى التفرق ضعف .
وكحث على التودد نفى النبى صلى الله عليه وسلم أن يكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه( )، وتنفيرا من أسباب البغضاء نهى النبى صلى الله عليه وسلم " أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له"( )
والظاهر من عبارة أكثر العلماء أنهم حملوا " الخطبة " على مجرد طلب الرجل المرأة،بدليل أنهم قسموا أثر هذا الطلب إلى حالات ثلاث أو أربع( )، حالة القبول .. حالة الرفض ، حالة التردد بين القبول والرفض.
وقد ظهر من أقوالهم أنهم متفقون على التحريم فى الحالة الأولى، وعلى الجواز فى الحالة الثانية، وبينهم اختلاف فى حكم الحالة الثالثة.( )
وفى رأيى:
أن الخطبة بالمعنى الذى تحدد سلفا وهو كونها" تواعداَ متبادلا على إتمام الزواج فى المستقبل" لا يصدق إلا على الحالة الأولى – حالة القبول – وليست هناك خطبة أصلا فى الحالة الثانية، أما الحالة الثالثة فكل ما فيها مجرد طلب.
ولا شك أن النهى " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" صادق تماما على حالة القبول، فتحرم الخطبة عندئذ للحديث، ولما فيها من اعتداء على حق ثابت، وإفساد لمخطوبة على خاطبها.
أما حالة التردد فثبوته فيها محل نظر لما روى فى حديث فاطمة بنت قيس،الذى ذكرناه فى تحديد معنى الخطبة ، وإن كان الراجح أنه لا ينبغي التسرع في إباحة الخطبة الثانية لأن الحكمة التشريعية من التحريم قائمة يشهد بذلك الواقع الذي لا مجال إنكاره فما من شخص يتقدم لخطبة فتاة إلا ويغضب عندما يتقدم غيره عليه قبل البت في مصير خطبته.
ثالثا : وما الحكم لو تعدى الخاطب الثاني على الخاطب الأول وعقد على مخطوبة الأول وتزوجها؟
ج: اختلف الفقهاء في ذلك و الرأي الراجح هو رأي جمهور الفقهاء القائل بصحة العقد ويأثم المتعدي على حق أخيه. ذلك أن النهي موجه أساسًا إلى الخطبة وهي في ذاتها غير ملزمة حيث شرعت للتأكد من صلاحية عقد الزواج وجديته ومدى ملاءمة كل من الطرفين للآخر.
وإذا كان الأمر كذلك فمن حق ولي المخطوبة – كما هو حق ثابت للطرفين جميعًا – أن يعدل عن الخطبة إذا رأى أن مصلحة ابنته تقتضي ذلك.
وهذا بذاته يكفيك للرد على الرأي المعارض لأنه طالما أن الخطبة غير ملزمة فإن العدول عنها سائغ. ولا يعدو أن يكون فسخًا لها وهو جائز شرعًا.
وعلى ذلك فلم يبق إلا إثم الخاطب الثاني لأنه خالف النص الشرعي، فيأثم من هذه الوجهة وأما العقد فهو صحيح بكل آثاره.( )
5 - آثار الخطبة.
أ- هل من التزامات مالية ؟ :
ليس للخطبة أثر ملزم من الناحية المالية؛ أي أنها لا تلزم الخاطب بدفع مال أيًا كان. لا علي سبيل المهر ولا على سبيل النفقة إذ المهر والنفقة من آثار العقد أما الخطبة فليست إلا مجرد وعد بإبرام عقد الزواج مستقبلاً.
ب- هل من إلزام بإتمام الزواج بعد الخطبة ؟
الخطبة وعد ، وفى رأى جمهور العلماء ليس للوعد بعقد قوة إلزام ، وقد روى عن الإمام مالك وجوب الوفاء بالوعد على خلاف رأى الجمهور ، ولكن هذا فى غير الخطبة ، لأن الخطبة مقدمة لعقد " عمرى يدوم الضرر فيه " فكان لكلا طرفيه حق الاحتياط والنظر ، ثم إن الإلزام بالخطبة إكراه على الزواج ومبنى الزواج على الرضا الصحيح الكامل الذى لم تشبه شائبة . ( ) نعم يكره فى رأي العلماء " العدول عن الخطبة لغير غرض لما فيه من إخلاف الوعد والرجوع عن القبول ، ولكنه لا يحرم لأن الحق لم يلزمهما بعد ، كمن سام سلعة ثم بدا له ألا يبيعها "( )
ج- وما حكم نظر الخاطب إلى المخطوبة وكذلك نظر المخطوبة إلى الخاطب؟
الخاطب أجنبى عن المخطوبة فليس له أن يختلى بها ، ولا أن يرى منها ما يرى الرجل من زوجته ، فكل ما أحله الشارع للخاطبين هو مجرد النظر الداعى إلى الاستحسان والترغيب فى النكاح ، وذاك يحصل برؤية ما يظهر من مواضع الزينة والهيئة على أكثر الآراء تسامحا ، وليس له باتفاق الفقهاء أن يمسها ، ولا أن يخرج معها بغير محرم ، ولأنه أجنبى عنها ، فهو أجنبى عن أمها وأخواتها ، وهى أجنبية عن والده ، وابنه إن كان له أبناء ، وهذا مؤداه أنه لا يحل له النظر إلى أمها وأخواتها كما لا يحل لهن أن يبدين له زينتهن ، كذلك لا يحل للمخطوبة أن تبدى زينتها لوالد الخاطب وابنه لأنهما أجانب عنها ، والتصرف على غير هذا غير مقبول شرعا ، ونتائجه خطيرة خاصة إن لم يتم الزواج . ( )
المهم أنه ينبغى تفهم الحكمة من تشريع الخطبة، حيث أبيحت لتكون تمهيدًا لعقد الزواج – وحتى تتحقق هذه الحكمة – ينبغي أن يكون من حق كل من الخطابين أن يتعرف كل منهما على الآخر في الحدود المشروعة.
والأصل في إباحة النظر إلى المخطوبة ما روى أحمد بسنده عن المغيرة بن شعبة قال : خطبت امرأة فقال لى النبى صلى الله عليه وسلم : هل نظرت إليها ؟ قلت لا ، قال" فانظر إليها فإنه أحرى أن يودم بينكما "( ) والقول بغير ذلك خطأ للحديث الصحيح الذى روينا ، بل يبدو أنه رأى لم يلتفت إليه، فقد قال ابن قدامة " لا نعلم بين أهل العلم خلافا فى إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها "( ) وقال النووى: إنه مستحب ( ) وبالغ بعض أساتذتنا، فقال النظر للخطبة واجب لقول النبى صلى الله عليه وسلم "انظر إليها" ويقول ولا أرى أمرا معقولا لأن يتزوج رجل بامرأة لم يرها ولم تره، وأرى أن ذلك من الأمور الخارجة على شرع الله بعد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق ، وما يماثله"( )
وهذه فى الحقيقة مبالغة، فقد عهد الناس الخطبة بالخاطبة والوكيل والولى، ويكتفى فى ذلك بالوصف أو الصورة، ولم ينقل عن أى فقيه أنه أنكر ذلك( )
والمتفق عليه من النظر المباح شرعًا طبقًا لهذه النصوص وغيرها هو أن ينظر إلى الوجه والكفين فقط ، وعليه اقتصر جمهور الفقهاء ، وأجاز دأود الظاهرى النظر إلى هيئتها ، ولكن لايحل له النظر المباشر دون حائل إلى غير الوجه والكفين ، جاء فى المحلى لابن حزم ما نصه" ومن أراد أن يتزوج اِمرأة فله أن ينظر منها متغفلا وغير متغفل إلى ما بطن منها وظهر ولا يجوز له أن ينظر منها إلا إلى الوجه والكفين فقط ، لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره"( ) .
والذى أفهمه من هذه العبارة أن دأود يجيز النظر إليها واقفة فيرى ما ظهر منها وهو الوجه والكفين.. وما بطن وهى هيئتها، أما رؤية بدنها حقا فما أجازه ولكن أفتى أن يأمر المريد اِمرأة فتنظرها وتخبره.
ولا أرى ذلك منابذا السنة ، فحديث جابر يحتمل إفادة هذا المعنى، وإلا فما معنى " فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها بعض ما دعانى إليها"؟ وقد روى عن الإمام أحمد قوله " لا بأس أن ينظر إليها وإلى بعض ما يدعو إلى نكاحها من يد وجسم ونحو ذلك، وقال أبو بكر الأثرم – من الحنابلة – لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة – أى مكشوفة الشعر-" ولأنه يظهر غالبا، فأبيح النظر إليه كالوجه، ولأنها اِمرأة أبيح النظر إليها بأمر الشارع فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم ، وقد روى بسند صحيح أن عمر بن الخطاب خطب ابنة على كرم الله وجهه فذكر منها صغرا فقالوا له : إنما رَدَّك، فعأوده، فقال نرسل بها إليك تنظر إليها، فرضيها عمر بن الخطاب فكشف عن ساقيها فقالت : أرسل – أى أترك ثوبى – لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك"( )
وعلى ذلك فإننى أرجح القول بجواز النظر إلى ما يرغبه فى الزواج منها، دون أن يجرح أحاسيسها ، لورود الأدلة فى السنة والأثر بجواز ذلك.
د- وما هو أثر العدول عن الخطبة؟ وهل يجوز طلب التعويض عن إساءة الفسخ؟
لم يتعرض السلف لمسألة التعويض عن العدول فى الخطبة ربما – كما يقول بعض علمائنا " لعدم وقوعها فى عصر لم تتعقد فيه الحياة ومتطلباتها ، أما الآن فلابد من إيجاد حل يتفق مع قواعد الشريعة ومبادئها ، يراعى فيه عدم الإضرار " ( )
وقد اختلفت أنظار المعاصرين فى المسألة ( ) فذهب بعضهم – وأيدته بعض المحاكم – إلى أن العدول حق لكلا الخاطبين ، ومن استعمل حقه لا يضمن.
وعلى عكسه تماما ذهب فريق آخر إلى القول بحق المضرور من العدول فى التعويض إعمالا لقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " ، والعدول وإن كان حقا فإن العدول بغير مقتضى يعتبر من قبيل إساءة استعمال الحق ، وإساءة استعمال الحق توجب التعويض .
وأكثر الفقه – وهو ما استقر عليه القضاء فى مصر – أن العدول المجرد لا يستوجب تعويضا ، لأنه حق ، والحق لا يترتب عليه تعويض قط ، إنما يثبت التعويض متى كان العادل قد ألحق بالمعدول عنه ضررا بسبب عدوله ، كأن يطلب نوعا من الجهاز فتغرم شراءه ، أو تطلب هى إعداد مسكن فينفق فى إعداده، دون أن يكون له فى ذلك من غرض إلا إتمام الزواج منها ، والمثال الأشهر للضرر الأدبى أن يبرر العادل عدوله بالإساءة إلى الطرف الآخر .
ولا شك أن الرأى الثالث هو أقوى هذه الآراء وأعدلها ، وقد استقر عليه – كما قلنا – القضاء فى مصر .
فإذا أساء أحدهما استعمال هذا الحق فسبب ضرًا للغير أثناء استعماله إياه، فهنا ينشأ مجال البحث عن التعويض لا بسبب استعمال الحق في العدول عن الخطبة وإنما بسبب إساءة هذا الاستعمال الذي ترتب عليه ضرر للغير.
فلو عدل الخاطب عن الخطبة ولكنه ذكر أسبابًا تسيء إلى المخطوبة أو كان قد طلب من المخطوبة ترك عملها مثلاً، أو أن توقف تعليمها عند مرحلة معينة واستجابت لما طلب فإنه بلا شك يعتبر مسئولاً عن الأضرار التي نالت المخطوبة بسبب عدوله.
وقد يحدث من ناحية أخرى أن الخاطب – بناء على طلب المخطوبة أو أهلها – ينقل نفسه من مقر عمله الأصلي إلى مكان آخر الأمر الذي ترتب عليه ترك مسكنه الأول، ودفع مبالغ طائلة في الحصول على مسكن قريب من محل إقامة أسرة المخطوبة ثم يكون العدول من جانبها فيكون قد أصابه ضرر لا من مجرد العدول، ولكن تسبب العدول في هذا الضرر المتمثل في الانتقال وتغيير المسكن وما ترتب على ذلك من نفقات. فالمخطوبة هنا تكون مسئولة عن تعويض الخاطب عما ناله من ضرر نتيجة عدولها عن الخطبة.
استرداد ما عجل من المهر وما قدم من شبكة عند فسخ الخطبة.
قد يستعجل الخاطب فيدفع المهر أو جزءًا منه قبل إبرام عقد الزواج ، و من المعتاد أن يقدم الخاطب إلى مخطوبته ما تعورف عليه بالشبكة ، فضلا عن ما يمكن أن يقدمه لها من هدايا ، وقد تهاديه هى ، والسؤال ما أثر فسخ الخطبة على كل ذلك ؟
أ) أثر العدول على المهر والشبكة .
الثابت بإجماع الفقهاء ( ) أن المهر لا يلزم إلا بمقتضى العقد ، وليست الخطبة عقدا كما رأينا ، ومن ثم فللخاطب أن يسترد ما عجل من مهر ، وليس لها أن تأخذ منه شيئا ، لعدم حقها فيه فإن كان عين ما قدم من مهر قائما وجب رده بعينه ، وإن كان قد هلك أو استهلك وجب رد مثله إن كان من المثليات أو قيمته يوم تقديمه إن كان من القيميات .
وتعتبر الشبكة بمقتضى العرف جزءاً من المهر ، " لأن المهر يزيد أو ينقص بحسب نوع الشبكة وقيمتها " ( ) لهذا فالحكم فيها كالحكم فى المهر تماما بتمام ، ولا ينظر فى الحكم إلى شخص العادل . يعنى لا يقال من الذى فض الخطبة .
ب) أثر العدول على الهدايا .
عادة ما يتهادى الخاطبان ، وأكثر ما تكون المهاداة من جانب الرجل ، ثم إن من الهدايا ما يبقى كالأجهزة المعمرة والمنزلية ومنها ما يستهلك كالملابس والأطعمة .
والناظر فى الاجتهاد الفقهى يرى أن الفقهاء ليسوا على قول وأحد فى تكييف الهدايا وفى استردادها
أ- فالحنفية قد اعتبروها من الهبات ، والهبات تسترد ما لم تهلك أو تستهلك ، أو تزيد زيادة متصلة بها لا تقبل الفصل ( ) ، وبهذا قضت محكمة النقض المصرية منذ زمن ليس بالبعيد ( ) .
ب- ورأى الشافعية : أن الهدايا قدمت على أساس تمام الزواج وقد حال العدول دون تمامه ، وباعتبار غرضها فإنها تأخذ حكم المهر ، أى تسترد إن كانت قائمة ، ويلزم مثلها أو قيمتها إن هلكت أو استهلكت ( ) .
حـ- وعول المالكية على الجانب النفسى للمتهادين ما لم يكن شرط أو عرف ، بمعنى أن فى العدول أحداث ألم بالمعدول عن خطبته وفى الغرامة أحداث ألم بالغارم ، فلا يجمع على المعدول عنه بين ألمين ، ألم العدول وألم الغرامة .
وعلى هذا فإنه :
1- إن كان ثمة شرط أو عرف عمل بمقتضاه
2- وإن لم يكن شرط أو عرف فإن العادل يلتزم برد ما قدم إليه من هدايا ، وليس له أن يسترد ما قدمه هو من هدايا حتى لا يجمع على الطرف الآخر ألم العدول عن الخطبة ، وألم رد الهدايا . وعلى الملتزم بالرد أن يرد عين الهدايا إن كانت قائمة ، ومثلها أو قيمتها إن هلكت أو استهلكت . ( )
وفى رأى أكثر أساتذتنا فإن رأى المالكية هو الأعدل من بين الآراء المذكورة لما فيه من إنصاف الطرف غير المتسبب فى العدول عن الخطبة ، ولما فيه من زجر لمن كان متسببا فى العدول ( )
ولعدالة هذا الرأى كان دائما محل اعتبار فى مشروعات القوانين التى أعدت فى مصر ( ) ، ولكنه لم يحظ بالاعتبار فى التشريع المصرى ، وبقى القضاء عندنا أسير الراجح فى المذهب الحنفى بمقتضى المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ،- وقد حلت محلها الآن المادة الثالثة من القانون 1 لسنة 2000والذى صدر بمقتضاه قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية - فى الوقت الذى عدلت فيه أكثر التقنينات العربية – حتى تلك التى تقتفى أثر التقنين المصرى عادة – عن مذهب الحنفية إلى المفتى به فى مذهب الإمام مالك ( ) ونأمل لو يؤخذ به فى مصر صراحة بدلا من الالتفاف حول مذهب الحنفية ، بإخراج الهدايا من دائرة الأحوال الشخصية ، وإخضاعها لأحكام القانون المدنى فى الهبات ( ) وتشدد القضاء فى قبول أعذار العادلين عن الخطبة ( ) وهذا وإن كان يصل بالمشكلة إلى مضمون فتوى المالكية إلا أنه قاصر من زأويتين .
أولاهما : إخراج الهدايا من دائرة الأحوال الشخصية ، بيد أنها شديدة الارتباط بالخطبة الداخلة فى هذه الدائرة ( ) .
والثانى : انه إذ يعتبر الهدايا من الهبات يحرم المعدول عن خطبته من استرداد ما هلك أو استهلك منها .
وحاصل ما تقدم وبالنظر إلى ما يجرى عليه العمل فى مصر فإن ما دفعه الخاطب على أساس أنه مهر أو أنه جزء من المهر فلا شك في وجوب استرداده، لأنه قد دفعه على أساس أنه أثر من آثار عقد الزواج الذي سيتم مستقبلاً، أما وأن العقد لم يتم حيث حصل العدول عن الخطبة فلا شك في وجوب رده أو استرداده لأنه خالص حق الخاطب بإجماع الفقهاء.
أما الشبكة والهدايا فإنه يقضى فيها طبقا لأرجح الأقوال فى المذهب الحنفى إعمالا للإحالة المقررة بالمادة الثالثة من القانون 1 لسنة 2000 ، وكما جاء فى أحكام النقض المبينة فى الحاشية 49 فإن فقهاء المذهب الحنفي يرون أن الهدايا المقدمة – ومنها الشبكة - في هذا الصدد تأخذ حكم الهبة. و الحكم في المذهب الحنفي هو وجوب رد الهبة ما لم تهلك أو تستهلك. وعلى ذلك فإن الهدايا التي قدمها الخاطب لمخطوبته يجب ردها إذا كانت باقية أما إذا هلكت أو استهلكت فلا حق للخاطب فيها ، وقد أخرج القضاء الهدايا ومنها الشبكة من دائرة الأحوال الشخصية وأدخلها فى دائرة الأحوال المالية وطبق عليها أحكام الرجوع فى الهبة .
وكما قلنا فإن اختيار القضاء المصرى ، وتقاعس المقنن عن الأخذ برأى المالكية معيب فى نظر الفقه ، ولكن العمل لم يزل يجرى على أساسه فليعلم .
رابعا
أركان عقد الزواج وشروطه
س: ما هي أركان عقد الزواج عند الفقهاء؟
ج: عقد الزواج كأي عقد من العقود الشرعية لا يتم ولا يظهر أثره الشرعي من الناحية العملية إلا إذا توافرت له مكونات وجوده الرئيسية صحيحة معتبرة في نظر الشارع .
وقد اختلف الفقهاء حول أركان عقد الزواج ، وإجمالا فإن أكثر المعاصرين من علمائنا يرتضون مذهب الحنفية فى عد الأركان فى الزواج، ويرونه أكثر معقولية " لأن المعقود عليه – وهو استمتاع كل من الزوجين بالآخر – ليس بالشئ المستقل عن المتعاقدين، كالسلعة فى عقد البيع مثلا، بل هو أمر بينهما، كما أن الصيغة هى عبارة عن كلام العاقدين كذلك"( ) وبعبارة أخرى أن ما عدا الصيغة متضمن فيها بداهة( ) فلا صيغة إلا بعاقدين ولا زواج إلا إذا انصرف التوافق إلى محل مشروع.
وحسب اطلاعى فإن القوانين العربية المعاصرة – حتى تلك التى تنزع إلى التمذهب بمذهب المالكية – قد أخذت بنهج الحنفية فى أركان الزواج ( )،
و لقد قضت محكمة النقض ما مفاده "" بان عقد الزواج عقد رضائى قوامة الايجاب و القبول – ملزم للولى – تتطلب القانون توثيقة لا ينفى عنة طبيعتة الأصلية و لا يمس القواعد الشرعية المقررة ، عدم التعارض بين الشروط الموضوعية لصحتة و الشروط الشكلية لتوثيقة ، بحث الشروط الموضوعية و حسم الخلاف حولها منوط بالقضاء دون جهة التوثيق ( )
شروط العقد
ذكر الفقهاء شروطا متنوعة للعقد تصنف فى البحث إلى :
- شروط انعقاد.
- شروط صحة.
- شروط نفاذ.
- شروط لزوم.
ولعله من الأنسب قبل بيان هذه الشروط أن نبين معنى الانعقاد ، والصحة واللزوم والنفاذ .
شروط انعقاد : وهى التى يلزم توافرها فى أركان العقد ، بحيث يترتب على فواتها البطلان بالاتفاق .
وشروط الصحة : وهى التى يلزم توافرها لترتب الأثر الشرعى على العقد ، ويترتب على فواتها فساد العقد عند الأحناف وبطلانه عند الجمهور .
وشروط النفاذ : وهى التى تلزم لتنفيذ العقد بعد انعقاده وصحته ، ويترتب على فواتها أن يكون العقد موقوفا .
وشروط اللزوم : وهى التى يترتب عليها استمرار العقد وبقاؤه ، ويترتب على فواتها أن يكون العقد جائزا أو غير لازم ، مما يتيح لكل من طرفيه أو لغيرهما فسخه .
أولاً: شروط الانعقاد
1- أن تكون صيغة العقد مستوفية شروطها، كاتحاد مجلس العقد وتنجيز الصيغة- يعنى ألا يكون الزواج بعبارة فيها تسويف مثل قوله زوجينى نفسك غدا ، أو العام القادم ونحو ذلك – وأن يوافق القبول الإيجاب صراحة أو ضمنا ، وأن يكون الإيجاب والقبول مؤبدين ، فلا يحل أبدا أن يتلفظ بعبارة فيها تأقيت ولو بذكر مدة طويلة ، فمن قال أتزوجك مائة عام مثلا فكلامه لاغ ولا ينعقد به عقد ، ولم يخالف فى هذا إلا الشيعة الجعفرية ، فهم فقط من يقول بحل زواج المتعة ، وكلامهم مرفوض من قبل جماهير العلماء على طول التاريخ ، ومثل المتعة عند الله نكاح المحلل ، قال ابن عمر فى من نكح نكاح تحليل " لا يزالان – الرجل والمرأة – زانيين وإن مكثا عشرين سنة " بل يقول ابن تيمية رحمه الله أن من التحليل ما هو شر من نكاح المتعة، وغيره من الأنكحة التى تنازع فيها السلف … فنكاح تنازع السلف – الصحابة – فى جوازه أقرب من نكاح أجمع السلف على تحريمه ، وإذا تنازع فيه الخلف – التابعون ومن بعدهم – فإن أولئك – أى السلف – أعظم علما ودينا"( ).
2-أن يكون كل وأحد من العاقدين أهلاً لمباشرة العقد، وقد اتفق العلماء على أن يكون العاقد بالغا عاقلا ، واختلفوا فى شرط الرشد ، وشرط الذكورة .
فمن العلماء كالشافعى يرى أن غير الرشيد – كالسفيه – وناقص الأهلية لا يزوج نفسه ، وجمهور العلماء يقولون له الحق فى ذلك ، وقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى اعتبار قول الجمهور ، فأبطلت عبارة المجنون ( ) وقضت بأن عبارة المعتوه كعبارة المميز تتوقف على إجازة الولى الأقرب فإن أجازها جازت وإلا ردت ( ) .
أما شرط الذكورة فجمهور العلماء على اعتباره لأدلة من القرآن والسنة ، غير أن أشهرها قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا نكاح إلا بولى " ( ) فأفاد انتفاء النكاح الشرعى بانتفاء الولى ، وما أفاد هذا المفاد اقتضى أن ذلك شرط لصحة النكاح ، لأن الشرط ما يلزم من عدمه عدم المشروط "( ).
وعلى رأى أبى حنيفة وبعض العلماء – وهو المعتبر عملا فى مصر – فإن مباشرة عقد الزواج لا تتوقف على وجود الولى و لا على ذكورة العاقد ، فللمرأة أن تتولى بنفسها عقد زواجها ، وعندئذ لا يملك وليها إلا طلب فسخ الزواج إن زوجت نفسها بغير كفء أو بأقل من مهر المثل ولم يرض الولى بذلك ، ولم تحمل الزوجة أو تلد .
وفى رأينا أن الأخذ بمذهب الحنفية فى هذا الموطن قد أسهم فى مشكلة الزواج العرفى بشكل موفور جدا ، ونود لو نجد من سيدات المجتمع عندنا من يشغلهن العلاج الجدى ولا يصرفهن عن قول الجمهور فى الولى المبالغة التجارية فى دعأوى المسأواة ، فخلط الأوراق فى قضية الذكورية هنا ضره الأكبر يحيق بالمرأة ، ومتى ؟ فى مقتبل عمرها . ألا ليت قومى يعلمون .
ثانيًا: شروط الصحة
شروط صحة الزواج هي التي تجعل العقد صالحًا لأن تترتب عليه أحكامه وإذا انعدم شرط منها يكون العقد فاسدًا وهذا بالضرورة لا يكون إلا بعد توافر شروط الانعقاد.
وللعلماء فى حصر شروط الصحة اتجاهات ، لعل أدقها ما يحصر شروط صحة الزواج فى :
الشرط الأول: حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الاقتران بها فيشترط ألا تكون محرمة عليه بأي سبب من أسباب التحريم المؤبد - أى على الدوام - أو المؤقت – أى المحدد بحالة أو ظرف معين يزول بزواله .
النوع الأول : المحرمات تحريما مؤبدا
وهؤلاء هن المحارم من النسب أو الصهر أو الرضاع ، ونعددهن فيما يلى:
أ – المحرمات بسبب النسب :
النسب أو القرابة تعبير عن الصلة الناشئة من قرابة الولادة ، ويعبر عن صاحبها بذى الرحم المحرم ، وقد جمع هؤلاء المحرمات قول الله تعالى "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت"( ) .
فبنيت الآية أنهن سبعة أصول وهن : -
1- الأم : وتشمل كل امرأة لها عليك ولادة مباشرة أو بواسطة فالوالدة المباشرة هى الأم ، وغير المباشرة هى الجدة وإن بعدت ، فالجدات يسمين أيضا أمهات .
2- البنت : وتشمل كل أنثى لك عليها ولادة مباشرة كالبنت الصلبية أو بواسطة كبنت الابن وبنت البنت مهما نزلن .
3- الأخت : وتشمل جميع الأخوات سواء كن شقيقات أو لأب أو لأم، فجميع الأخوات محرمات .
4- العمة : وهى أخت الأب الشقيقة أو من أبيه فقط أو من أمه فقط .
5- الخالة : وهى أخت الأم الشقيقة أو من أبيها فقط أو من أمها فقط .
6- بنت الأخ : ويراد بها كل أنثى لأخيك – شقيق أو لأب أو لأم – عليها ولادة مباشرة كبنته الصلبية ، أو غير مباشرة كبنت ابنه وبنت بنته وإن بعدن .
7- بنت الأخت : وتشمل كل امرأة لأختك عليها ولادة وإن بعدت ، كبنتها ، وبنت ابنها وبنت بنتها.. إلخ ، ويراعى أن المراد بالأخت : الشقيقة أو لأب أو لأم.
ويلاحظ أن بعض النساء يشتبهن بالمحرمات ولسن محرمات ( ) كأخت أخيك غير الشقيق من أم غير أمك ، فهذه أخت لأخيك فقط وليس بينك وبينها قرابة. مثلا : أخوان من أم وأحدة هما حسن وحسان ، وحسن هو ابن محمود وحسان هو ابن محمد ولمحمد هذا ابنة من امرأة غير أم هذين الولدين – حسن وحسان – تدعى صفاء وبنت محمد . فلحسن أن يتزوج من صفاء هذه رغم أنها أخت أخيه .
كما لا تحرم أم العمة غير الشقيقة إذا لم تكن جدة ، وكذلك أختها إذا كانت من غير الجد والجدة ، ونفس الأمر بالنسبة للخالة المهم أن المعتبر فى التحريم هو قرابة المرأة إلى الرجل ذاته لا إلى أقاربه.
ب – المحرمات بسبب الرضاع :
وظاهر النص القرآنى أنهن صنفان فقط ذكرهما الله تعالى بقوله " وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " ( ) ولسن كذلك فالقاعدة فى التحريم بالرضاع بنص الحديث الشريف " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب"( ) كما أن الله تعالى سمى المرضع أما ، كما سمى الشريكة فى الارتضاع أختا ، والأمومة والأخوة قرابتان نسبيتان ، فيكون حكم الرضاع حكم النسب ( )
وفى الرضاع المحرم تفصيلات لا يتسع المقام للإسهاب فيها فننبه عليها بإيجاز ، ومن ذلك :
1- أن مذهب الجمهور أن قليل الرضاع و كثيره سواء ، ومن رأى الشافعى أن المحرم من الرضاع ما بلغ خمس رضعات مشبعات .
2- أن الرضاع المحرم ما كان فى الحولين .
3- أن من رأى جمهور الفقهاء أن التحريم كما يعتبر فى جانب المرأة التى أرضعت يعتبر أيضا فى جانب الرجل الذى هو زوج المرضعة ، فقد سئل ابن عباس عن رجل له امرأتان ، أرضعت أحداهما غلاما ، والأخرى جارية – أى فتاة – فهل يتزوج الغلام الجارية ؟ قال : لا ، " اللقاح وأحد " ( ) أراد أن ماء الفحل الذى حملت منه كلتاهما – أى المرأتان – وأحد ، واللبن الذى أرضع به الصبى والجارية ، كان أصله ماء الفحل.
4- أنه على رأى الجمهور يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة ، فيحرم على الرجل فروع إمرأته من الرضاع إذا دخل بها ، وفروع فروعها . وتحرم عليه أصول زوجته – أمها وجدتها – من الرضاع وإن علون . وتحرم عليه زوجة أحد فروعه من الرضاع – كزوجة ابنه من الرضاع وزوجة حفيده – كما تحرم عليه زوجة أحد أصوله من الرضاع – كأبيه من الرضاع ، وهو طبعا زوج المرأة التى رضع من لبنها .
والمعتمد عند الحنفية ( ) أن الرضاع المحرم لا يثبت إلا بالشهادة التى تثبت الحقوق المالية، وهى شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، لأن الحكم بثبوت الرضاع يقتضى زوال ملك النكاح إن كان موجوداً، فالشهادة به شهادة بالفرقة اقتضاء.
فإن نقصت البينة عن هذا النصاب فإنه يستحب ديانة المفارقة ، وقيل يجب، أما فى القضاء فلا يفرق إلا ببينة تامة.
وكما يثبت الرضاع بالبينة يثبت بالإقرار، فإن أقرت المرأة أن زوجها كان قد رضع منها، أو أنه أخوها من الرضاع ، أو ابن أختها من الرضاع ، وهكذا فرق بينهما، سواء صدقها أو كذبها.
ولكن المقرر كما قالوا له أن يرجع عن إقراره – قضاء لا ديانة – فإذا أقرت برضاع زوجها مثلا ثم رجعت قبل رجوعها ولم يفسخ نكاحهما .
والذى ينبغى التنبيه عليه أن أمر الرضاع خطير جدا ، فلتحترز نساؤنا فى الإرضاع وليحفظن أسماء من أرضعن ويشعن ذلك حتى يعرف ، و على من يكتشف أن زوجه أو زوجته أخ أو أخت له فى الرضاع أن يعتزلها حتى يتيقن من توفر شروط الحل أو الحرمة ، وإن كان الرباط لم يبتدىء بعد فالأفضل تركه .
ج- المحرمات بسبب المصاهرة :
وتحرم بسبب المصاهرة :
1- زوجة أصل الشخص وإن علا ، فلا يحل للشخص أن يتزوج زوجة أبيه أوجده ، سواء فى ذلك أبوه من النسب أو من الرضاع ، وقد أجمع علماء المسلمين على حرمة الزواج بزوجة الأصل سواء نكحها فى عقد زواج، أو وطئها بشبهة ، وسواء دخل بها أم لم يدخل( ).
2- زوجة فرع الشخص وإن نزل ،وسند هذا التحريم قول الله تعالى " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم"( ) فحليلة الابن أى من حلت له ، ولا تحل المرأة للرجل إلا بزواجه منها ، وعلى رأى الجمهور ومنهم الحنفية فإن حليلة الابن من الرضاع كحليلة الابن من النسب .
3- أم الزوجة – مباشرة أو جدتها – وإن علت ، سواء دخل الرجل بالبنت أم لم يدخل .فالعقد على البنات يحرم الأمهات .
4- بنات وحفيدات الزوجة المدخول بها فى نكاح صحيح أو فاسد ، بل على رأى الحنفية أن من زنى بامرأة حرمت عليه أمها ، وهو قول بعض الصحابة وبعض التابعين ورواية عن مالك( ).
ونظرا لعدم وجود نص فى القانون المصرى فإن المرعى قضاء هو الراجح فى المذهب الحنفى ونص عبارة مرشد الحيران فى ذلك :
1- المادة 23 : يحرم على الرجل أن يتزوج بنت زوجته التى دخل بها وهو مشتهى وهى مشتهاة ، سواء كان فى نكاح صحيح أو فاسد ، فإن دخل بها وهو غير مشتهى ، أو هى غير مشتهاة ، أو ماتت قبل الدخول أو طلقها ولم يكن دخل بها فلا تحرم عليه بنتها ، وتحرم عليه أم زوجته بمجرد العقد الصحيح عليها وإن لم يدخل يها ، وزوجة فرعه وإن سفل وأصله وإن علا ولو لم يدخل بها فى النكاح الصحيح .
2 - المادة 24 : يحرم على الرجل أن يتزوج أصل مزنيته وفرعها ، وتحرم المزنى بها على أصوله وفروعه ، ولا تحرم عليهم – أى أصول الزانى وفروعه - أصولها وفروعها .
أما المحرمات تأقيتا فهن – بالنسبة للمسلم - :
1- المشركات – اللاتى لايدن بدين الإسلام أو باليهودية أو المسيحية – حتى يؤمن , أما المسلمة فلا يحل لها إلا المسلم فقط .أما الارتباط بغير المسلم – كتابيا أى يهودى أو نصرانى أو غير كتابى – فحرام باتفاق و لا ينعقد أصلا ، ومن أقضية النقض المصرى فى ذلك " أن المرأة المسلمة إذا ارتدت ثم تزوجت لا ينعقد لها الزواج ، لما كان ذلك فإن معاشرة والدة الطاعنين لوالد المطعون ضده المسيحى ، سواء قبل ردتها أوبعدها محرمة شرعا ، ولا تنتج فراشا ولا تثبت نسبا يتولد عنه أى حق فى الميراث .( )
كما قضت بأن " عقد زواج المطعون ضدها من والد الطاعن المسيحى الديانة ، وعلى أرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة يكون فاسدا ، طالما أن المطعون ضدها كانت جاهلة بالحرمة فيترتب على الدخول بها آثاره ، ومنها ثبوت النسب " ( )
2- والمطلقة ثلاثا على مطلقها حتى تنكح زوجا غيره .
3- وزوجة الغير ومعتدته – فإن عقد على امرأة فى عدتها فعقده باطل ، ويجب أن يفرق بينهما حتى تنقضى – على قول الحنفية - عدتها ، ثم له إن شاء أن يخطبها ( ) ، وإن كان قد عقد عليها غير عالم بالعدة فالعقد ينعقد فاسدا ، فلا يترتب عليه بمجرده أثر ، ويجب التفريق بينهما ، وإن دخل بها مع الجهل فلا حد ، ولها الصداق بما استحل من فروجها ، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر ( ) ويثبت نسب ما تأتى به من ولد من الآخر إن ألحقته القافة به .، وإن عقد عليها مع العلم بكونها فى العدة فهو آثم ديانة ومؤاخذ قضاء ، وعقده باطل لا يترتب عليه أثر ، وإن دخل بها فحكمه حكم الزانى فى الحد وغيره ( ) .
وعلى رأى جمهور العلماء فإن المزنى بها كالزوجة لا تنكح حتى تعتد ، أما أبو حنيفة ومحمد والشافعى فأجازوا العقد ولكن إن تبين أنها حامل فإن الدخول بها يحرم ( ) حتى تضع ، لأن العلة عندهم فى تحريم العقد على الحامل من زواج هى احترام صاحب الماء ولا حرمة لماء الزنى ، ولكن لا يحل وطؤها حتى تضع مراعاة للنهى عن سقى زرع الغير.
4- ويحرم على الشخص مؤقتا أن يجمع بين امرأتين لو فرضنا أحديهما ذكرا لحرمت عليه الأخرى ، فلا يحل الجمع بين الأختين ، ولا المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، وكذا بنت أخيها وبنت أختها ، ومثل الرضاع فى ذلك مثل النسب .
وكثيرا ما يثور فى العمل أثر الجمع بين المحارم على صحة النكاح وآثار الزواج ، وقد تعرضت محكمة النقض المصرية لواقعة من هذا القبيل فقضت بمذهب الحنفية ومما جاء فى حكمها ." أن من شروط صحة الزواج محلية المرأة ، وأن لايقوم بها سبب من أسباب التحريم ، ومنها الجمع بين الأختين ، والمحققون من الحنفية على أنه إذا تزوج أحداهما بعد الأخرى – أى كان زوجا لوأحدة ثم تزوج عليها الثانية – جاز زواج الأولى ، وفسد زواج الثانية ، وعليه أن يفارقها أو يفرق القاضى بينهما ، فإن فارقها قبل الدخول فلا مهر ولا عدة و لا تترتب بينهما حرمة المصاهرة ولا النسب و لا يتوارثان ، وإن فارقها بعد الدخول فلها المهر وعليها العدة ويثبت النسب ، ويعتزل من امرأته حتى تنقضى عدة أختها " ( ).
5- ويحرم على الرجل أن يجمع فى عصمة وأحدة بين أكثر من أربع نسوة ، فيحرم التزوج بخامسة حال قيام زوجية الأربع ، وإن وقع كان باطلا ، لأنه يخالف حكم الله عز وجل ( ) وتعتبر الزوجية قائمة وإن كن الأربع أو أحداهن فى عدة طلاق رجعى ، لأنه كما قلنا لا يخل بشئ من أحكام الزوجية ، ولكن إن كان الطلاق بائنا فهل له أن يتزوج بأخرى قبل انتهاء عدة المطلقة طلاقا بائنا ؟ خلاف ( يذكر بقضية رجل الأعمال رجب السويركى الشهيرة )
و الحنفية وأكثر الصحابة وعامة الفقهاء يقولون لا يتزوج من طلق أحدى نسائه الأربع حتى تنقضى عدتها ( ) لأن العدة تمنع مما يمنع منه النكاح ، لقيام بعض أحكام النكاح كحرمة التزوج بأخر وثبوت النسب ، ومنع المرأة من الخروج – فى أثناء العدة ، وإذا ثبت قيام النكاح من وجه ألحق بالثابت من كل وجه فى باب الحرمة احتياطا ، يقول الإمام محمد بن الحسن الشيبانى " لا يعجبنا أن يتزوج الخامسة، وإن بث طلاق أحداهن حتى تنقضى عدتها ، لا يعجبنا أن يكون ماؤه فى رحم خمس نسوة حرائر " ( ) . ومعلوم أن هذا هو المعتمد قضاء فى مصر .
6- الزوجة التى لا عنها زوجها ففرق القاضى بينهما حتى يكذب الزوج الملاعن نفسه . ونتنأوله بشىء من التفصيل .
اللعان وسيلة شرعية للرجل الذى يرمى زوجته بالزنا أو ينفى نسب ولد فراشه منها دون بينة له على ذلك أو تصديق منها .
ويعرف فقـــها بأنـــه عبارة عن " شهادات أربع مؤكدات بالأيمان مقرونة شهاداته باللعن ، وشهاداتها بالغضب ، قائمة شهاداته مقام حد القذف فى حقه ، وشهاداتها مقام حد الزنا فى حقها " ( ) فهو حالة خاصة يرمى فيها الرجل زوجته بالزنا أو ينفى ولدها عن نفسه دون شهود وهى تكذبه ، فإن ترافعا إلى القضاء والحال كذلك أمرهما أن يتلاعنا كما أمر الله فى سورة النور( ) .
فإن تلاعنا سقط عنه حد القذف ، وعنها حد الزنا ، وفرق بينهما القاضى فى الحال .
ولكن هل تحرم الملاعنة على الملاعن تحريما مؤبدا أم تحريما مؤقتا ؟
جمهور الفقهاء يرون : أنها تحرم عليه حرمة مؤبدة فلا تعود إليه لقول النبى صلى الله عليه وسلم " المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا " ( ) وعن على بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا " مضت السنة أن لا يجتمع المتلاعنان أبدا " ( ) وقال أبو حنيفة ومحمد وبعض التابعين : تحرم باللعان حرمة مؤقتة تزول بزوال سببه ، فإن أكذب الزوج نفسه زال التحريم وكان له أن يتزوجها بعقد جديد ، لأن فرقة اللعان عند أبى حنيفة تقع طلقة بائنة .
ولا شك أن حديث " لا يجتمعان أبدا " هو الذى عليه مدار الحكم ، فإن صح فالقول ما قال الجمهور ، وإن ضعف أو احتمل الصرف عن ظاهره فمذهب الحنفية أولى .
ويظهر من عبارة الشيخ أبى زهرة أنه يرتضى مذهب الحنفية لأن علة الفرقة فى رأيه غياب الثقة ، فإذا أكذب الزوج نفسه عادت الثقة ( ) .
ويسلك الدكتور سعيد الجليدى بالترجيح مسلكا أوضح فيقول ( ) " والذى يترجح أن اللعان من أسباب التحريم المؤقت ، وذلك لعدة أسباب منها :-
1- أن قول النبى صلى الله عليه وسلم " المتلاعنان لا يجتمعان أبدا " معناه : لا يجتمعان أبدا ما داما على حالهما من اللعان ، أما إذا أكذب الزوج نفسه فإنه لا يكون ملاعنا لوجوب الحد عليه ولحوق الولد به ، ونظير هذا قول الله تعالى " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا " ( ) أى ما دام منافقا .
2- أن المحرمات على سبيل التأبيد قد ذكر معظمهن فى القرآن ، وما لم يذكر منهن فيه فقد بينته السنة بيانا وافيا ، كما أنه قد وضحت فيه العلة فى التحريم ، أما تحريم الملاعنة مؤبدا فلم يذكر فى الكتاب عند ذكر اللعان ، ولا عند ذكر المحرمات على التأبيد ، وما ذكر فى تحريمها بالسنة يحتمل التحريم المؤبد ،و التحريم المؤقت بالبقاء على اللعان ، ويرجح الثانى أنه بالرجوع عن اللعان تبطل آثاره ولا شك أن منها التحريم فيجب أن يزول كذلك . كما أن تأبيد التحريم باللعان بعد الرجوع عنه لا تظهر له حكمة ، وليس هناك ما يدعو إليه ، اللهم إلا أن يقال إن الزوجين بعد لعانهما ورمى الزوج لزوجته ، وتكذيب الزوجة لزوجها لا يؤمن أن تكون بينهما حياة زوجية مثلى وإن أكذب الزوج نفسه ، إلا أن هذه حجة واهية فى نظرنا ، لأنه إذا رماها ولاعنها وامتنعت هى عن اللعان وحدت للزنا ، أو رماها ولم يلاعن وحد هو للقذف ، فإنه لم يقل أحد بانتشار التحريم بينهما مع أن تأثرهما واحتمال وقوع البغض بينهما وأحد فى كلا الحالتين .
3- إنه لا معنى للتفريق بين الأحكام المترتبة على اللعان عند الرجوع عنه ، فكما وجب بالرجوع الحد ، ولحوق النسب تنتفى الحرمة ما لم يكن هناك مانع أخر " .
وقد فاجأنى ما فهمه الأستاذ كمال صالح البنا المحامى من عبارة المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 25لسنة1929 ونصها " لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقى بينها وبين زوجها من حين العقد ، و لا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة والمتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة " حيث فهم منها أنها خصصت أو حددت وسائل إثبات ونفى النسب " والعمل بحكم هذه المادة يترتب عليه أن على المدعى إثبات ما يدعيه فى حدود المقرر بالمادة المذكورة ، فلا ينتفى النسب إلا إذا أثبت الزوج ما جاء بهذا النص ، أى قام الدليل على عدم التلاقى بينه وبين زوجته من حين العقد ، أو أنها أتت به بعد أكثر من سنة من تاريخ غيبته عنها ، فإذا عجز عن الإثبات رفضت دعواه وظل الأصل على حاله ، أى يثبت النسب بالفراش إذا توافرت الشروط الشرعية له ، وأهمها أن تكون المرأة قد حملت ثم وضعت الولد المدعى نسبه ، ومفاد هذا كله – والكلام للأستاذ البنا – أن القانون قد أوجب على مدعى النسب بوجهيه إثبات دعواه بالبينة الشرعية ، وفى حدود المقرر بالمادة 15 سالفة الذكر فلا يجوز فى رأينا اللجوء إلى إجراءات اللعان تخصيصا للقضاء ، وهو المقرر فقها ، وعليه عمل المحاكم " .
وينتهى سيادته إلى تقرير أن اللعان نظام غير معمول به حاليا فى قانون الأحوال الشخصية المصرى ( ) .
وهذا فى رأينا استنتاج خاطىء ، بل يبدو أنه فسر حكم النقض المبتور الذى عرض له سيادته تفسيرا خاطئا وحمله على غير وجهه – ومن أسف أنه لم يعرض لنا حيثيات هذا الحكم لنشاركه قراءته – والغالب على ظننا أنه اختلط عليه حق محكمة الموضوع فى تقدير توافر شروط اللعان وعدم توافرها ، وبوجه أخص عدم تناقض دعوى الزوج مع فعله ،فظنه رفضا منها لقبول اللعان جملة ، وليس الأمر كذلك إذ البين من القضاء أنه رد اللعان لانتفاء شروطه فمن شروط اللعان ألا يكون الزوج قد أقر - قبلاً - بالولد صراحة أو دلالة ، ومن قبيل الإقرار دلالة قبول الزوج التهنئة بالمولود ، والاحتفال بأسبوعه وشراء أغراض الاحتفال ، فإن لاعن مع ذلك فلعانه مردود عليه لتناقضه .
يؤيد ذلك فى رأينا أن عمل المحاكم على خلاف ما ادعى تماما ، ففى حكم حديث نسبيا قضت محكمة استئناف القاهرة بأنه : إذا ثبت نسب الولد بالزواج الصحيح لاستيفاء شروطه الثلاثة _ فأتت المرأة بالولد لمدة لا تقل عن ستة أشهر من وقت الزواج ، وكان الزوج ممن يتصور منه الإحبال ، وكان من المتصور حصـــــول تلاقى بين الزوجين فعلا ، ولولم يقع دخول فعلا _ فقد انغلقـــــــت – كما تقول المحكمة أمام الزوج وسائل نفيه إلا باتخاذ طريق الملاعنة .( )
وقد أغنانا المستشار الدكتور عبد العزيز عامر عن الكدح فى إثبات عمل المحاكم فى ظل القانون 25لسنة1929 باللعان كوسيلة لنفى النسب الثابت بالفراش إعمالا للإحالة إلى المذهب الحنفى والتى كانت مقررة بالمادة 280 من اللائحة – واستبدلت الآن بالمادة الثالثة من القانون 1 لسنة 2000- فأورد فى باب النسب - الباب الأول من موسوعته الأحوال الشخصية فى الشريعة الإسلامية فقها وقضاء – طائفة كبيرة من أحكام المحاكم جزئية ، وابتدائية ، واستئناف انصب الحكم فيها حول اللعان ، وأن رفض المحاكم اللعان كان بسبب انتفاء شرط أو أكثر من شروط اللعان ، لا سيما وأن من المبادىء الشرعية المعتبرة أن النسب يثبت مع الشك ، فالأصل الاحتياط فى ثبوت النسب ما أمكن ، ولذا فقد حكم بأنه عند التعارض يقدم الإثبات الدال على النسب ، وأنه إذا تعارض ظاهران فى ثبوت النسب قدم المثبت له لوجوب الاحتياط فيه ، وأنه تطبيقا لذلك لا يقبل من الزوج نفى نسب الولد فى دعوى نفقته بعد إعلانه بها بأشهر بحجة إقامته فى غير الجهة التى تقيم بها زوجته من قبل الولادة بسنة ، متى ثبت إمكان التلاقى فى فترات سابقة على الحمل ، وأنه لا يقبل منه طلب إثبات عدم التلاقى بينهما أوتحليل دمه ودم الولد ، حيث لا موجب له مع ما سبق ما ذكره من قيام الزوجية ، إذ الولد للفراش . ( ) وبذلك يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الأستاذ البنا قد أخطأ قراءة الحكم الذى بنى عليه دعواه .
**************
الشرط الثاني: الإشهاد على الزواج :
والحديث عن الشهادة في عقد الزواج ينحصر في:
1- حكم الإشهاد على عقد الزواج.
2- الوقت الذي تلزم فيه الشهادة.
3- الشروط التي يجب توافرها في الشهود.
1- حكم الإشهاد على عقد الزواج:
فى رأى جمهور الفقهاء- ومنهم الحنفية - أن الشهادة شرط في الزواج لا يصح بدونها ففى الحديث الصحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل ".
وهذا الحديث وإن كان فى آحاد طرقه ضعف لكن مجموعها وماله من شواهد يرتقى بها درجة الصحة ( ).
وفيما روى الترمذى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " البغايا اللاتى ينكحن أنفسهن بغير بينة " ورأويه ثقة ( ).
قال الشوكانى " وظاهر الأحاديث المقتضية للنفى أن الإشهاد شرط للنكاح لا يصح بدونه ، لأن النفى حقيقة يتوجه إلى الذات الشرعية، فيفيد ارتفاعها بارتفاعه ، وذلك معنى الشرط، وعلى فرض وجود قرينة تدل تمنع من اعتبار المعنى الحقيقى فنفى الصحة أقرب المجازين إلى الذات ، وذلك يفيد الشرطية أيضا ، قال الترمذى : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبىصلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم ، قالوا : لا نكاح إلا بشهود ، لم يختلفوا فى ذلك إلا قوم من المتأخرين من أهل العلم " ( ).،
2- الوقت الذي تلزم فيه الشهادة:
يرى الجمهور- ومنهم الحنفية - أن الوقت الذي تلزم فيه الشهادة هو وقت العقد. بينما يرى المالكية: أن الشهادة لا يشترط أن تكون وقت إنشاء العقد وساعة إجرائه.
وعلى رأى الحنفية يجرى العمل فى مصر ، وقد قضى بأن ( ....... المقرر فى الفقه الحنفى الواجب الاتباع أنه يشترط لصحة الشهادة عدم الاختلاف فيها متى كان المشهود به قولا ملحقا بالفعل ، من قبيل النكاح ، لأنه وإن كان عبارة عن إيجاب وقبول ، وهما قولان ، إلا أنه يشترط لصحته حضور شاهدين ، وهو فعل ، فألحق بالفعل ... ) 0( ) وقضى بأن الزواج الذى لا يحضره شهود زواج فاسد ( ) وقضت بأن " الزواج يصح سببا لإثبات النسب باعتباره كذلك متى حضره شهود ، واستوفى أركانه وسائر شروط صحته شرعا سواء وثق رسميا أو أثبت بمحرر عرفى ، أو كان بعقد غير مكتوب " ( )
3- الشروط التي يجب توافرها في الشهود:
حسب المذهب الحنفى فإنه لا يلزم فى الشاهد البلوغ عند تحمل الشهادة ، فيكفى – حسب عبارة النقض المصرى – لإمكان علمه بالحادثة وفهمها وقت حدوثها أن يكون عاقلا ، فيصح تحمله بها ولو كان صبيا مميزا . ( ) والمقرر على ما جرى به قضاء النقض المصرى أن شهادة الأصل لفرعه والفرع لأصله غير مقبولة شرعا ، لعدم انتفاء التهمة عنهم .( ) ،" اعتبارا بأن الولد بضعة من الوالد ، دون تفرقة بين كون الواقعة المشهود عليها من المسائل الشرعية أو الخلافات المالية لتوافر التهمة فى الحالين ( ) وذلك على خلاف المشهور عند الحنفية من أن شهادة الأصل لفرعه والفرع لأصله فى الزواج مقبولة ، قالوا لأن الشهادة فى الزواج للإعلان والإظهار وليست لمجرد الإثبات ، وقطعا متى جازت شهادة الأصول والفروع جازت شهادة الحواشى ( ) وكذلك صلة المصاهرة ليست بمانع من قبول الشهادة . ( ).
كما تصح شهادة النساء على الزواج ، لقول الله تعالى " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " ( ) فهذا حكم عام لم يخص منه إلا الحدود والقصاص فيبقى ما وراءها على الأصل ( ). وأخيرا فإن الزوجة إن كانت كتابية صحت شهادة أهل الكتاب عليها، فهم أولياء بعض ( ) وذلك عند أبى حنيفة وأبى يوسف وبعض الحنابلة لأن الشهادة فى الزواج تقع على المرأة ، لأن الاستمتاع بها مقصور على الرجل بخلافها ، فإن استمتاعها به يحتمل المشاركة بزواجه بغيرها ، لذا فإن حقه أكثر من حقها ، فلزم أن تكون الشهادة للزوج عليها ، فيراعى لذلك جانب المشهود عليه .
.
*******************************
ثالثًا: شروط نفاذ عقد الزواج:
وهي التي يتوقف علي وجودها ترتب أثر العقد عليه بالفعل ، فإن تخلفت توقف نفاذ العقد . فالعقد النافذ هو الذي يترتب عليه أثره الشرعي ويكون ذلك بتحقق الشروط المعتبرة لذلك بعد توافر شروط الانعقاد وشروط الصحة.
وشروط النفاذ هى :
1- أن يكون كل من العاقدين الذين توليا إنشاء العقد كامل الأهلية ، وكمال الأهلية بالعقل والبلوغ ، فإن زوج القاصر نفسه فزواجه موقوف على إجازة وليه ، فإن أجازه نفذ ، وإن رده بطل .وبذلك يعلم خطأ من يجمع إلى المجنون والمعتوه - وهما من عديمى الأهلية – السفيه وذى الغفلة – وهما من ناقصى الأهلية - فيقرر أن زواج كل هؤلاء لا ينعقد بحجة " عدم توافر التمييز - حسب عبارة الكاتب – اللازم لانعقاد العقد " ( ) .
وينبغى ألا يغيب عن البال أن مثل هذه الزيجة التى يباشرها ناقص الأهلية لا تتصور عملا إلا فى حالات الزواج العرفى غير الموثق ، أما فى حالات الزواج الموثق فلن تقع حيث توجب لائحة المأذونين أن يكون الزوج بالغا الثامنة عشرة من عمره ، والزوجة قد بلغت السادسة عشرة من عمرها ، فإن نقصت سن أحدهما عن الحد الأدنى المحدد وجب على الموثق الامتناع عن التوثيق .
2- أن يكون الذي تولى إنشاء عقد الزواج له الحق في إنشائه ، ومن ذلك فى مصرنا أن يزوج الأب أو غيره البنت البالغة العاقلة دون توكيل منها ، فإن فعل فعقده موقوف على قبولها وإجازتها ، فإن أجازته جاز ، وإن ردته رد . قال ابن عابدين " وإن زوجها بغير استئمار فقد أخطأ السنة وتوقف على رضاها "( ).ومستند ذلك عند الحنفية أن النبى صلى الله عليه وسلم خير الفتاة التى زوجها أبوها ابن أخ له ، فقالت " اخترت ما فعل أبى " قالوا " فلما خيرها ، والخيار لا يثبت فى اللازم ولا فى الفاسد ، دل على أنه كان موقوفا على خيارها وإجازتها "( ).
ومجمل أحكام الفقه الحنفى فى هذا الخصوص جمعها العلامة محمد قدرى باشا صاحب مرشد الحيران فى النصوص القانونية الآتية:
أ- للأب والجد وغيرهما من الأولياء ولاية إنكاح الصغير والصغيرة بشروطه جبرا ولو كانت ثيبا ، وحكم المعتوه والمعتوهة والمجنون والمجنونة شهرا كاملا كالصغير والصغيرة . م(44)
ب- للحر البالغ العاقل التزوج ولو كان سفيها بلا توسط ولى ، وللحرة المكلفة أيضا أن تزوج نفسها بلا ولى بكرا كانت أو ثيبا ، وينفذ نكاحها ويلزم إذا كان الزوج الذى تزوجت به كفؤا لها ، وكان المهر مهر مثلها . م(51)
ج- لا تجبر الحرة البالغة على النكاح بكرا كانت أو ثيبا ، بل لا بد من استئذانها واستئمارها ، فإن كانت بكرا واستأذنها الولى القريب أو وكيله أو رسوله أو فضولى عدل ، وعلمت بالزوج وبالمهر فسكتت عن رده مختارة….. فذلك أذن فى صورة استئذانها قبل العقد ، وإجازة بعده ( ).
وإن استأذنها غير القريب من الأولياء وعين لها الزوج والمهر فسكتت أو تبسمت أو ضحكت أو بكت فلا يعد ذلك منها رضا ، بل لا بد من الإفصاح بالرضا أو وقوع ما يدل عليه .(مادة 53).
د- البالغ الثيب .. لا يكون سكوتها رضا ، بل لا بد أن تعرب عن نفسها مفصحة برضاها ، أو يقع منها ما يدل عليه .(م 54).
ه- من زالت بكارتها بعارض أو تعنيس فهى بكر حقيقية ، …. ومن زالت بكارتها بزنا فهى بكر حكما ما لم يتكرر منها أو تحد ، فإن تكرر منها أو لو يتكرر وحدت – عوقبت بالحد – فهى ثيب كالموطؤة بشبهة أو بنكاح فاسد.(م55)( ).
3-ألا يكون العاقد وكيلاً خالف موكله فيما وكله فيه.، ومثال ذلك أن أن يكون الوكيل مقيدا بشخص معين ، أو مهر محدد ، فإن خالف فالحكم كما يلى :
أ- إذا كان الموكل هو الرجل وحدد للوكيل امرأة معينة ، أو بمهر بمعلوم ، أو قيده بأحدهما فإن العقد ينفذ فى حق الموكل ما لم يتجأوز الوكيل الحدود التى قيده بها الموكل فلا ينفذ العقد إلا بإجازته ما لم يزوجه بأقل من المحدد ، فإن العقد ينفذ بدون إجازة الموكل لتحقق مصلحته فى دفع الأقل من المهر .
ب- إذا الموكل هو المرأة وحددت للوكيل رجلا معينا أو مهرا معلوما أو قيدته بأحدهما فإن الزواج ينفذ فى حدود هذه الوكالة وفى حالة المخالفة لا ينفذ إلا بإجازة الموكلة ، ما لم يكن فى المخالفة مصلحة لها ، ولكن إذا كان للموكلة ولى عاصب ، وكان الزواج من غير كفء فإنه لا ينفذ ، وإن من كفء ولكن بأقل من مهر المثل فالزواج صحيح نافذ ولكن لا يلزم الولى فله الاعتراض عليه ويطلب من القضاء فسخه ، ما لم يكمل الزوج مهر المثل .( )
4- ألا يكون العاقد فضوليًا.أى لا صفة له فى مباشرة العقد ، ويعتبر الوكيل فى ما جأوز حدود الوكالة فضوليا فيتوقف عقده على إجازة صاحب الشأن فإن أجازه جاز وإلا بطل .
بقى أن نقول إن القول بكل هذه الآثار المتعلقة بشروط النفاذ مبنى على القول بتقبل فكرة العقد الموقوف فى الزواج ، وقد قال بها الأحناف والمالكية ورواية عند أحمد ، أما أصح الروايتين عن أحمد‘فتوافق قول الشافعية ( ) الذين ينكرون هذه النظرية أصلاً ، متمسكين بحديث الخنساء أن أباها زوجها وهى كارهة فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحها " ولم يقل إلا أن تجيزى ما فعل أبوك ، مع حثه على طاعة الآباء ، فدل على أنها لو أجازت لم يجز "( ).
والحق فى رأيى مع الشافعية ، لأن العقد الموقوف فيه شبه التوقيت ، والتعليق على خطر الزوال ، وقد نهى الشارع عن التوقيت وما فى معناه كالتحليل ، واتفقوا على عدم صحة تعليقه على شرط أو إضافته إلى زمن .
يقول المأوردى فى رده على الحنفية ما مفاده : أن توقيت النكاح أقرب فى النظر من وقفه ، لأن للتوقيت شبها جائزا ، يقول " إن اشتراط لزوم النكاح إلى مدة أقوى من اشتراط لزومه بعد مدة ، لأن من العقود ما ينعقد إلى مدة كالإجارة ، وليس منها ما ينعقد بعد مدة ، فلما بطل باشتراط لزومه إلى مدة ، كقوله : تزوجتك شهرا ، كان أولى أن يبطل باشتراط لزومه بعد مدة ، كقوله تزوجتها على إجازتها ، لأنه إذا بطل بما له فى الصحة نظير فأولى أن يبطل بما ليس له فى الصحة نظير "( ).
رابعًا: شروط لزوم العقد:
ويراد بها الشروط التى تسقط حق أطرافه فى طلب فسخه ، والتحلل منه .
الشرط الأول: ألا تزوج البالغة العاقلة نفسها من غير كفء أو بأقل من مهر المثل. أي لابد من الكفاءة ، ومن غير خوض فى تفاصيل كثيرة فإننا نستطيع أن نقول باطمئنان ، بناء على استقراء نحسبه دقيقا، إنه يندر أن نجد من بين الفقهاء من لم يعتبر الكفاءة فى الجملة ، فآخر كلام العلامة ابن حزم – وهو حسبما يظهر أكثر الناس رفضا لاعتبار الكفاءة - آخر قوله " والذى نختاره فنكاح الأقارب بعضهم لبعض " ( ).، ومن كلام العلامة سحنون أشهر رواة فقه الإمام مالك " لأن الناس مناكح قد عرفت بهم وعرفوا بها "( ) والشافعى يقول فى الجديد " وليس نكاح غير الكفء بمحرم فأرده بكل حال ، إنما هو نقص على الزوجة والولاة " ( )
وعن الإمام أحمد أن الكفاءة شرط لصحة النكاح ، قال المردأوى " وهى المذهب عند أكثر المتقدمين ، قال الزركشى : هذا المنصوص المشهور ، والمختار لعامة الأصحاب من الروايتين ، وصححه فى المذهب ومسبوك الذهب والخلاصة ، قال ابن منجا فى شرحه : هذا المذهب وقطع به الخرقى ، وقدمه فى الهادى والرعايتين ، والحأوى الصغير ، وهو من مفردات المذهب"( ).
الأمور التي تعتبر فيها الكفاءة:
على الراجح فى المذهب الحنفى فإن الكفاءة تعتبر فيما يلى :
1- الدين- فليس غير المسلم كفئا للمسلمة فضلا عن حرمة نكاحه ، ولكن مما يثبته الحنفية وينكره عليهم جمهور العلماء أن للتناسل من غير المسلمين – كما لو كان الرجل دخل الإسلام دون أبويه أو كانت أمه غير مسلمة وإن كان أبوه مسلما أو كان جده غير مسلم – أثر فى عدم الكفاءة ، يقول أبو حنيفة " عدم تكافؤ الآباء ينفى تكافؤ الأبناء ( ) وجمهور العلماء يخطئونه ويقولون فضل النسب يتعدى ، وفضل الدين قاصر ، وأن الصحابة رضوان الله عليهم ، أكثرهم أسلموا وكانوا أفضل الأمة ، وكان آباؤهم على غير الإسلام ، فهل يجوز أن يقال إنهم غير أكفاء للتابعين؟!!( )
أما التدين بالحرص على الطاعات واجتناب النواهى فلم " ينقل عن أبى حنيفة رحمه الله شئ من ذلك ، والصحيح عنده أنه غير معتبر "( ) واختلف النقل عن محمد ، فقيـــــل لا يمنع الفسق الكفاءة إلا إذا كان صاحبه متهتكا يُصفعُ ويسخرُ الناس منه ، ويخرج سكرانا إلى الأسواق والشوارع ، وقال أبو يوسف يمنع إن جهر بنفسه ( ).
2- النسب. والمعتبر فى ذلك هو العرف الجارى فى بلد الزوجين الذى يحدد ما إذا كانت الزوجة تعير بنسب زوجها من عدمه ، وبخاصة مع تغير البيئات والمجتمعات والأوساط المعيشية للناس من عصر لآخر .
3- الصنعة أو الحرفة ، ومعيار شرف الحرفة من عدمه متروك لتقدير القاضى حسب الجارى فى بلد الزوجين ، فعلى ماذكر السرخسى من تعليل رأى أبى يوسف فى رد حرفة ما .... قال السرخسى " وكأنه - يعنى أبا يوسف - اعتبر العادة فى ذلك " ( )
4- المال : فالأحناف يقولون " إن من لا يقدر على مهر امرأة ونفقتها لا يكون كفؤا لها ، لأن المهر عوض بضعها ، والنفقة تندفع بها حاجتها ، وهى إلى ذلك أحوج منها إلى نسب الزوج "( ).وفى رأى بعض المعاصرين أنه يمكن أن يكون للعرف دور فى تحقيق الكفاءة المالية ، فيعتبر الابن كفئا بيسار أبيه ( ) .
وأبرز أحكام الكفاءة :
أ- وقت اعتبارها : الكفاءة معتبرة حال العقد ، فإن كان الرجل كفئا للمرأة عند العقد ثم تغيرت حاله بعده فليس لها ولا لأوليائها حق الاعتراض " لأن النكاح قد تقرر فلا يفسخ بهذه الأمور العارضة ، ولا عار فى بقاء المرأة مع زوجها وإن تغيرت حاله ، بل هو الصبر والرضى بحكم القدر ، وهما أمران محمودان " ( ) .
ب-الجانب الذى تعتبر فيه الكفاءة
ينص الفقهاء على أن الكفاءة معتبرة فى الرجل دون المرأة ، فالشرط أن يكون الرجل كفئا للمرأة ، ولا يلزم أن تكون المرأة كفؤا للرجل ، وعلة ذلك أن المرأة تعير بضعة زوجها ، وتشرف بشرفه ، ولا يسهل عليها الخلاص منه فالطلاق بيده وحاجتها من المهر والنفقة إليه ، وهذا بخلافه فهو الأسبق بالاختيار عادة ، ويملك طلاقها ولا يناله منها ضرر( ) ، وفى الحديث الصحيح " من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها ، وأحسن إليها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران " ( ) .
ج - واستثناء من هذه القاعدة اعتبر الأحناف الكفاءة فى جانب المرأة فى حالتين ( )
1- إذا زوج غير الأب والجد صغيرا بمن لا تكافئه ، فإن الزواج لا يصح رعاية لحق الصغير وهو فرض مستبعد – الآن - فى الزواج الموثق لاشتراط السن كما ذكرنا .
2- إذا زوج الوكيل موكله بامرأة لا تكافئه ففى هذه الحالة لا ينفذ العقد استحسانا ، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا ، والغالب فى العرف أن يحرص الراغب على الزواج بمن تكافئه .
د - صاحب الحق فى الكفاءة
الذى عليه الجمهور أن الكفاءة حق للمرأة ولوليها العاصب ،( ) ويثبت هذا الحق لكل منهما على حدة ، بحيث لو أسقطه أحدهما لم يسقط حق الآخر فمثلا إذا زوجت المرأة نفسها – وفق مذهب أبى حنيفة – بغير كفء ، ولم تشترط الكفاءة ، أو علمت أنه دونها فى المنزلة ورضيت ، سقط حقها فى الاعتراض ، ولم يسقط حق وليها ، وكذلك إذا زوجها وليها بغير كفء سقط حق الولى فى الاعتراض وبقى حقها هى ، ما لم يشترط الولى الكفاءة ، أو أخبرهم بها وقت العقد فزوجوها على ذلك ثم ظهر أنه غير كفؤ ( ). والأمر هين إن كان للمرأة ولى وأحد ، ولكن إن تعدد الولاة وكانوا على درجة وأحدة كالأخوة مثلا أو الأعمام فهل يكفى رضاء البعض أم لابد من رضاء الجميع ؟ ( ).
جمهور العلماء يقولون برضاء الجميع ، فلو رضوا به إلا وأحدا كان للوأحد حق الاعتراض لما يلحقه من عاره .
ويرى الحنفية أن رضاء أحدهم يكفى لأن اشتراط الكفاءة حق لا يتجزأ ، وعلى رأى أبى حنيفة يجرى العمل فى القضاء المصرى .
******************
الشرط الثاني من شروط لزوم الزواج :
أن يكون الولي الذي يزوج فاقد الأهلية أو ناقصها أباه أو جده ، فإن كان المزوج غيرهما فللزوج – الرجل أو المرأة حسب الحالة – فسخه عند اكتمال أهليته .
أما شرط ألا يكون بالزوج عيب مستحكم لا تعيش معه الزوجة إلا بضرر (كالجب والعنة والخصاء) فهو معتبر على رأى جمهور العلماء ، أما على راى الحنفية فإنه يجيز للمرأة طلب الفرقة بالطلاق ، لأنها بسبب يرجع إلى الزوج ، فكان الواجب عليه أن يطلق حتى لا يظلم وقد أخذ القانون 25 لسنة1920 بمذهب الحنفية فنص فى المادة 10 على أن { الفرقة بالعيب طلاق بائن } .
**********************
خامســـا
الشروط القانونية
تمهيد:
بالإضافة إلى أركان الزواج وشروطه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وأخذها الفقهاء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.جاءت القوانين المعاصرة ومنها القانون المصري بشروط قانونية يرجى من تقريرها تحقيق المصلحة العامة. وهو أمر سائغ متى كان في إطار الأصول الشرعية لأن الله تبارك وتعالى أنزل أحكام الشريعة تحقيقًا لمصالح العباد.
وفى استعراض قضية الشروط القانونية يقول المستشار حسن منصور : ( )
المقصود بالشروط القانونية هى تلك الأمور التى تطلبها المشرع القانونى لسماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج فى حالة الإنكار أمام القضاء . وعلى ضوء ذلك فإن هذه الأمور يجب أن تكون محددة بنص تشريعى صادر من الجهة المختصة بإصداره وهى المجلس النيابى الممثل فى مجلس الشعب باعتباره نائباً عن ولى الأمر فى سن التشريعات التى تنظم مصالح الناس فى المجتمع.
فإذا كانت الدعوى كما يقول عنها فقهاء قانون المرافعات هى سلطة لصاحب الحق المعتدى عليه فى الحصول على الحماية القضائية لحقه فإنه يجب أن تتوافر فيها عدة شروط لكى تنتج آثارها فى تحقيق الحماية القضائية لحقه فإنه يجب أن تتوافر فيها عدة شروط لكى تنتج آثارها فى تحقيق الحماية القضائية، وهذه الشروط كثيرة ومتعددة ومبسوط شرحها فى كتب فقه قانون المرافعات ومن بين هذه الشروط التى تتعلق بموضوع الزواج شرط قبول الدعوى الذى يقصد به أن تكون الدعوى قد استوفت شروط الاختصاص القضائى بأنواعه المختلفة ( ولائى وقيمى ومحلى) وشروط قبولها ولكن المشرع يمنع القاضى من سماعها لسبب محدد بنص القانون
و يذكر بعض الفقهاء الشروط القانونية المتعلقة بإثبات عقد الزواج بالمقابلة بالشروط الأخرى التى يطلقون عليها الشروط الشرعية لعقد الزواج وحقيقة الأمر أنه لا تقابل بين هذه الشروط وتلك لأن جميع هذه الشروط شرعية بحكم مصدرها الوأحد وهو الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة فالمشرع الذي وضع الشروط القانونية استمدها من سلطته الشرعية كولى أمر المسلمين المكلف برعاية مصالحهم يسن التشريعات التى تحقق هذه الرعاية، وقد أوجب الله على كل مسلم طاعته لأنها طاعة الله ورسوله بمقتضى قول الحق تبارك وتعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم " ( سورة النساء: الآية59) فضلاً عن ذلك فإن أى تشريع متعلق بأى مسألة من مسائل الأحوال الشخصية مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم كانت جميع الشروط المتعلقة بعقد الزواج شروطاً شرعية ولكن عبارة الشروط القانونية فقط لبيان أنها مستحدثة نظراً لمقتضيات العصر وأن المشرع القانونى صاغها فى أسلوب تشريعى معين تسهيلاً لإجراءات التقاضى وتيسيراً على القاضى فى إثبات الحقوق المعروضة عليه والناشئة عن عقد الزواج، بل ويمكن الاستغناء عن لفظ القانونية ونكتفى بعبارة شروط إثبات عقد الزواج وخاصة أن العقود الأخرى كعقد البيع وغيره لا يقال عن شروطه أنها الشروط القانونية لعقد البيع لأنه من المعلوم أن مصدر هذه الشروط هو القانون . ولكن من باب خطأ شائع خير من صواب مهجور نختار لدراسة هذه الشروط تسميته القانونية لشروط وضعها المشرع استمداداً من الشريعة الغراء لإثبات عقد الزواج.
و حقيقة الواقع أن هذه الشروط ليست لازمة لعقد الزواج عند تكوينه أو عند نفاذه بل هى متطلبة عند الخلاف علىلزومه أو نفاذه ، و بعبارة أخرى فإن عقد الزواج ينفذ ويرتب آثاره تلقائياً بمجرد انعقاده صحيحاً وبالتالى لا حاجة إلى شيء آخر للحصول على الحقوق والواجبات الناشئة عنه ولكن إذا لم يحدث هذا النفاذ التلقائى لعقد الزواج فإن المشرع الوضعى تدخل وأوجد شروطاً يمكن تسميتها بالشروط القانونية لإثبات هذا العقد حتى يتمكن الطرف الذى لم يحصل على حقوقه تلقائياً من العقد أن يصل إليها عن طريق القضاء . أى أن مجال إعمال الشروط القانونية المتعلقة بعقد الزواج هو بعد أن يصل الأمر إلى ساحات القضاء وليس قبل ذلك، ولهذا فإن الوصف المناسب لهذه الشروط أنها متعلقة بسماع الدعوى القائمة على أساس عقد الزواج سواء كانت هى الزوجية نفسها أو أى حق أو واجب ناشئ عنها
ويمكن إجمال فوائد هذه الشروط فيما يلى:
1- المحافظة على حقوق الزوجين المترتبة على عقد الزواج باعتبار أن هذا العقد هو الرابطة بين الطرفين ولا يستطيع أحدهما إنكارها وحتى إذا أنكرها فإنه يكون مجرداً عن الدليل وحينئذ لا يأخذ القاضى بإنكاره بعد أن ثبت عقد الزواج، وهذه الحقوق كثيرة ومتنوعة وفى ضياعها خسارة كبيرة لكل طرف فى عقد الزواج .
2- القضاء على ظاهرة رفع الدعأوى الكيدية المتعلقة بالزواج والتى كانت قد انتشرت قبل تشريع هذه الشروط والتى كان يتضرر منها الكثير من أفراد المجتمع فكان هناك من هو سيء النية يلجا إلى المحكمة طالباً إثبات ما ليس له حق به بإدعاء علاقة زوجية وهمية وإقامة الدليل عليها بطرق سهلة الإثبات ولا سيما إذا استعان بشهود زور فى زمن خربت فيه الذمم.
3- التخلص من الأضرار الصحية والاجتماعية والنفسية الناجمة عن الزواج المبكر بين الجنسين بسبب صغر السن لكل من الزوجين، حيث لا تسمح مثل هذه السن الصغيرة بتكوين أسرة كثيرة الأعباء فى حياة طابعها القسوة فى شتى مناحيها "
و يذكر للمقنن المصرى أنه كان حذرا جدا من الوقوع فى فخ مخالفة الشرع الإسلامى بتقرير شروط ، أو ترتيب آثار لم يأذن بها الشرع ، واحتال فى تقرير الشروط القانونية بما يحقق الهدف المنشود ، أو يدفع أكبر قدر من المفسدة دون خروج صريح على المعتمد عند أكثر فقهاء السلف ، ومثل هذا الصنيع ترى فيه محكمة النقض المصرية فى حكم قديم لها حنكة تشريعية ترعى المصلحة ولا تعود عليها بالإبطال ، وكما تقول " ولكن مهما تكن تلك التدابير ، فلا يجوز قطعا – والكلام لمحكمة النقض المصرية – أن تصل إلى تحريم الزواج على من لم يبلغ تلك السن ، وإلا كان الشارع معاندا للطبيعة ، فلا تلبث أن تثأر لنفسها بإحباط عمله ، ومقابلته بفشو الزنا بين صغار السن ، ويصبح وقد وقع فعلا فيما يريد اتقاءه ، وزاد عليه كثرة النسل الضعيف من الأولاد غير الشرعيين ..... وعلى هذا فإن " من يعقد عقدا مستوفيا شروطه الشرعية الأساسية – مهما تكن سنه – فعقده صحيح ديانة ، وبل وصحيح قانونا فى غير ما نص على اعتباره فيه ، وهو مجرد عدم سماع الدعوى به لأنه لو لم يكن كذلك لاعتبرت مقاربة الزوج للزوجة الصغيرة هتك عرض معاقبا عليه .. وهذا لا يستطيع أن يقول به أحد " ( ).
وحيث لا نود الدخول فى تفصيلات كثيرة فإننا ننبه على أبرز الشروط القانونية التى تلزم قوانين الأحوال الشخصية المتتالية بمراعاتها فى عقد الزواج ، مبرزين الأثر الأهم على تخلفها .
**************************
الشروط التي يجب مراعاتها عند إبرام عقد الزواج
الشروط التي يجب مرعاتها عند إبرام عقد الزواج حتى يمكن الاعتراف به قانونًا هي:
1- توثيق عقد الزواج:
قبل صدور القوانين واللوائح الموجبة للتوثيق كانت عقود الزواج تبرم بصدور صيغة عقد الزواج بعنصريها مع توافر سائر الشروط الأخرى.
وقد صدر المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 ونص في الفقرة الرابعة من المادة 99 منه على أنه: (لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية أو الإقرار بها إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية في الحوادث الواقعة من أغسطس سنة 1931.... } وتأكد حرص المقنن المصرى على هذا النهج بالنص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 17 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى الصادر بالقانون 1 لسنة 2000 .، وإن كان الأخير قد تلافى ما كان يمكن أن يوجه إلى لائحة المحاكم الصادرة بالقانون 78 من احتمال تخصيص الوثيقة بالوثيقة الصادرة من الموثق المختص بتوثيق عقود الزواج دون غيره ، وفتح الباب لدخول كافة الوثائق الرسمية فى الاعتبار وذلك بحذف كلمة زواج من النص وورود العبارة بلفظ ( لاتقبل ...... إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة رسمية ... )
ومعنى ذلك أن القانون المصري و من التاريخ الأول – صدور المرسوم بقانون 78/1931 - يتحفظ على الزواج غير الموثق في ورقة رسمية لكنه التحفظ الذى لا يصل إلى حد إبطال هذا الزواج ، وإنما يكتفى بوضع العراقيل فى طريقه فيهدد بما يكتنفه عدم التوثيق من أخطار وبخاصة عند إنكارها من قبل الطرف الآخر المدعى عليه .
والسؤال الأول الذى يفترض هنا أنه إذا كانت النصوص الشرعية لم تتكلم عن التوثيق، كما أن الفقهاء لم يذكروا شيئًا عنه، فهل يعتبر القانون المصري مخالفًا للشريعة في هذا؟
لقد جاء القانون المصري بهذا الشرط بقصد تحقيق المصلحة؛ لاسيما وأن كثيرا من أحوال الناس قد تغير فاهتزت الضمائر واختلت القيم وضعف الوازع الدينى وغدا احتمال ادعاء الباطل بما لم يكن ، أو التنكر لما هو كائن بالفعل هو الاحتمال الأكبر فاستدعى الأمر التدخل بالحض الشديد على التوثيق والتهديد من الأخطار التى تكتنف الزواج عند تخلفه ، ولم يكن
القدماء بحاجة إلى مثل ذلك حيث كان التزامهم بمبادئ الإسلام الدين الحنيف ظاهرا وواضحا. فالكل كان يؤدي واجبه ويعترف بما له وما عليه.
لذا أصبحت الضرورة داعية إلى تدوين عقود الزواج وتوثيقها في ورقة رسمية ضمانًا لحقوق الزوجة والأولاد وحتى لا تكون هناك ثغرة يتلاعب من خلالها أولئك الذين لا خلاق لهم ولا دين ولا إيمان.، ولعل فى تعقيب القرآن الكريم فى توثيق الدين بالكتابة أو الشهادة أو الرهن بقول الله تعالى { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أؤتمن أمانته ... الآية } ما يسوغ اشتراط التوثيق عند ضعف الأمانة، بل هو فى الزواج أنسب إذ لا يختلف الفقه أن حقوق الأموال أخفض من حقوق الأبدان ، وقد أمر الله أو ندب على اختلاف آراء العلماء ( ) بالإشهاد فى المعاملات المالية ، قال سبحانه " وأشهدوا إذا تبايعتم " ( ) " لمصلحة حفظ الأموال والديون " ( ) ومراعاة صلاح ذات البين ، ونفى التنازع المؤدى إلى فساد ذات البين ، لئلا يسول له الشيطان جحود الحق وتجأوز ما حد له الشرع ، أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق"( ) وهذا وحده كاف فى اعتبار التوثيق فى الزواج لأنه أولى لما يتعلق به من الحل والحرمة والحد والنسب ، فإذا أمر – أو ندب – إلى الاحتياط فى الأقل فالاحتياط فيما هو أعلى أوجب أو أكثر استحبابا.
ومن هنا فإن علماءنا يوصون " بالتوثيق حتى لا يكون هناك مجال للتلاعب وتعريض الأعراض والأولاد للضياع ومقالة السوء "( ) وأكاد أحس فى عبارة العلامة الشيخ أبى زهرة رحمه الله الدعوة إلى اعتبار الكتابة شرطا فيه ، يقول تحت عنوان " عقد الزواج عقد شكلى " :
" عقد الزواج ينفى الشارع اعتباره ، ولا يرتب أحكامه ، ولا يظللها بحمايته بمجرد تراضى الطرفين عليه ، بل لا بد من الشهر والإعلان ، بالشهادة على مذهب الجمهور ، وبغيرها معها على المشهور عند مالك ، فهو إذن عقد شكلى ، وإن كان الرضا أساساً فيه عند جمهور الفقهاء . "( ).
وكما قلنا فإن القانون المصري لم يقل ببطلان الزواج غير الموثق وإنما حرم أطرافه من الحماية القانونية التي أضفاها علي عقود الزواج الرسمية ، حيث كان يكتفى فى لائحة تنظيم المحاكم الشرعية - الصادرة بالقانون 78 لسنة 1931 المذكور آنفا - بعدم سماع دعوى الزواج غير الموثق أمام القضاء – فى حال الإنكار - مما يستتبع عدم الاعتراف بأي أثر من آثار هذا الزواج.، إلا النسب ‘ – فالنسب لا يتوقف على ثبوت عقد الزواج ، وسنوضح هذه الاستثنائية لاحقا - .
وبصدور قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى الأحوال الشخصية الصادر بالقانون 1 لسنة 2000 ضيق المقنن المصرى من دائرة المنع من سماع الدعوى – أى رفضها – من جانبين هامين جدا :
1- أنه قصر المنع من سماع الدعوى للسن أو لعدم التوثيق على الدعأوى الناشئة عن عقد الزواج ، أما الدعأوى التى تتعلق بانعقاد عقد الزواج ، أو بشروط صحته أو بشروط نفاذه أو لزومه ، سواء رفعت من الزوج أو الزوجة ، فنص المادة 17 من القانون الجديد ، المذكور ، لم يتنأولها ، وليس حكمها باقيا على حكم المادة 99 /4 من اللائحة لأن قانون إصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى - القانون 1 لسنة 2000- قد ألغى بمادته الرابعة عدة قوانين أولها نص المادة الرابعة لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون 78 /1931 ، وبذاك يكون ادعاء الزوجية ذاتها مسكوتا عنه ، فيرجع فيه إلى أرجح الأقوال من مذهب الإمام أبى حنيفة بمقتضى الإحالة المقررة بالمادة الثالثة من قانون الإصدار المذكور ، وليس فى مذهب الحنفية ما يمنع من سماع ادعاء الزوجية أو طلب إبطالها أو فسخها لتخلف شرط من شروط الزواج بسبب عدم بلوغ السن ، أو غياب التوثيق .
2- واستثنى صراحة دعوى التطليق أو الفسخ فى الزواج الثابت بأية كتابة وذلك بالنص عليه فى عجز الفقرة الثانية من المادة 17.
وحسب إحصاء المستشار نصر الجندى – ونحن نؤيده – فإن هذا النص يشمل :
أ- دعوى التطليق لعدم الإنفاق .
ب- دعوى التطليق للعيب .
ج- دعوى التطليق للضرر .
د- دعوى التطليق للزواج بأخرى .
ه- دعوى التطليق لاحتدام الخلاف بين الزوجين .
و- دعوى التطليق لغيبة الزوج أو حبسه .
ر- دعوى إثبات إيقاع الطلاق .
ز- دعوى التفريق لبطلان الزواج أو فساده .
ن- دعوى التطليق للردة .
فهذه الدعأوى جميعها هى دعأوى تطليق . ( ) .
****************
س: وأين ومتى وكيف يتم توثيق عقد الزواج؟
ج: الوضع الغالب أن يتم توثيق عقد الزواج أمام الموظف المختص بذلك قانونًا.
والموظف المختص بتوثيق عقود الزواج هو المأذون بالنسبة لعقود الزواج التي يبرمها المصريون داخل البلاد متى كان الزوجان مسلمين.
أما إذا كان الزوج مسلمًا والزوجة كتابية فإن مكاتب التوثيق هي التي تقوم بإجراء العقد وتوثيقه.
وإن كان الزوجان مصريين غير مسلمين ومتحدى الطائفة والملة فالموظف المختص هو الموثق المنتدب لذلك .
وأما بالنسبة لعقود الزواج التي تبرم خارج البلاد فإن الموظف المختص بتوثيقها هو الممثل الدبلوماسي والقنصلي.
أما متى يتم توثيق العقد، فإن هذا التوثيق يتم فور الانتهاء من الصيغة الصادرة من أطراف العقد حيث تنهى المرحلة اللفظية وتبدأ المرحلة العملية لكي تأخذ هذه الصيغ طريقها إلى التنفيذ واعتراف المجتمع كله بهذا العقد.
ومع هذا فإنه يجب أن يعلم أن المراد بالوثيقة الرسمية المذكورة بالمادة 17 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى ما هو أعم من تلك الوثيقة المعروفة التى تحرر بمعرفة المأذون فيدخل "فى مفهوم هذه الوثيقة كل ورقة رسمية أسبغ عليها القانون حجة بشأن ما يثبت فيها ، فقد تكون الوثيقة الرسمية وثيقة زواج .... إنشائية ، أو تكون بطريق التصادق على الزواج – بمعنى أن الزواج حصل عرفيا ثم ذهب الطرفان والشهود إلى المأذون فأثبتا زواجهما مسندا إلى تاريــخ سابق على تاريخ إثباته – وكلا الاثنين يطلق عليه وثيقة زواج ، وعلى هذا الأساس كل إنشاء زواج ، أو تصادق عليه ، يثبته القاضى فى مضبطته ، أو محضره ، أو أثبته المأذون فى دفتره ، أو القنصل فى سجله ، كان ذلك وثيقة رسمية بالزواج أو التصادق عليه " ( ).
**************
س: وهل هناك سن معينة اشترط القانون بلوغ الزوجين هذه السن حتى يتمكن الموظف المختص من توثيق العقد؟
ج: نعم ، القانون المصري يمنع من توثيق عقد الزواج إذا كان الزوجان أو أحدهما يقل سنه عن تلك التي حددها القانون. وهي بالنسبة للفتاه ست عشرة سنة، وبالنسبة للفتى ثمان عشرة سنة.
ويعد القانون رقم 56 لسنة 1923م والذى صدر بتحديد سن الزواج بالحد الذى بينا هو الأول من نوعه فى مصر والعالم العربى ، وقد تلته نصوص فى لوائح المأذونين المتوالية فى مصر كما كان إماما يقتدى به لسلسلة النصوص التى وردت بتقييد سن الزواج فى أقطار العالم العربى من بعد ، غير أن أكثر القوانين العربية نزلت بسن الفتاة إلى خمس عشرة سنة ، والفتى إلى سبع عشرة سنة ، وتطرف القانونان اللبنانى و الليبى فجعلا السن لكليهما عشرين سنة ، وإن أجازا للمحكمة أن تأذن بالزواج قبل بلوغ – الرجل أو المرأة - هذه السن لمصلحة تقدرها المحكمة أو لضرورة تلجىء إلى ذلك بعد موافقة الولى ، كما تطرف القانون السودانى ولكن إلى أسفل فحدد الحد الأدنى لسن الزواج ببلوغ عشر سنوات لكل من المميز – الصبى – والمميزة – الفتاة ، على أن يكون العاقد هو الولى ، وتكون هناك مصلحة راجحة تدعو إلى التبكير ، بشرط كفاءة الزوج ، ومهر المثل .
ولعل تحديد السن بست عشرة سنة للفتاة وثمان عشرة سنة للفتى مناسب جدا ، بل إن بعض الدول غير المسلمة تقبل الزواج دون هذه السن ، ومن ثم فإننا نضم صوتنا إلى صوت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون العربى الموحد - ص 65 – ونقول مع واضعيها منذ ستينات القرن الماضى ليس " ثمة ما يدعو إلى رفعها بحجة عدم استقرار الزوجية قبل سن العشرين ، كما يريد بعضهم بحجة التقليد فى التقدمية ، وبقصد تحديد النسل ، تحقيقا لمقاصد الذين يسوءهم كثرة النسل فى الدول العربية ، فلا يخفى أن رفع الحد لسن الزواج أكثر من هذه الحدود الطبيعية التى أخذ بها المشروع – 16 سنة للبنت ، 18 سنة للولد – ليس تقدمية ، فقد رأينا أن معظم دول العالم التى يراد تقليدها فى التقدمية أخذت بأقل من هذه السن التى حددها المشروع ، كما أن تحديد النسل ممكن للحريصين عليه فى ظل الزوجية ، فلم يبق من ثمرة لرفع الحد الأدنى لسن الزواج عن هذا الحد الطبيعى – إلا دفع الشباب إلى سبل المفاسد دون تحميلهم أعباء تأسيس الأسرة ، ونتيجة ذلك هدم كيان الأسرة " .
وتحديد هذا السن يوافق روح الشريعة ويعد من باب تخصيص القضاء ، ويحث على عدم العجلة بالزواج قبل السن التى يرجى معها أن يحفظ الزوجان زواجهما من انفعالات المراهقة المبكرة ، ويخشى من الزواج قبلها أن تتسرب الفتاة خصوصا من التعليم وفى هذا ضرر ، فرؤى من الأنسب تحديد السن على هذا النحو ، وقد نشرت جريدة النبأ المصرية فى عدد 17 أكتوبر 1999 ص 18 أن دراسة اجتماعية تؤكد طلاق 90 تسعين ألف امرأة سنويا فى مصر ، وأن معدل الطلاق ارتفع عام 1993
إلى 7 0/0 بعد أن كان عام 1992 6 0/0 من عدد الزيجات كل عام وأرجع الخبراء ذلك إلى مشكلة الزواج المبكر ، ويتضح هذا الأمر فى الشريحة العمرية من 15 إلى 19 عاما ، وهى مرحلة المراهقة التى تعنى قلة الخبرة والنضج الاجتماعى لكلا الزوجين وبالتالى تكون النهاية دائما هى القرار المتسرع بالانفصال .
والحاصل فى ضوء ذلك كله أن واقع الحياة الآن لا يسمح مطلقًا بزواج دون هذه السن حتى من غير وجود هذا القانون.
*******************
ولكن ما هى الآثار التى يمكن أن تترتب على عدم توثيق الزواج ؟
والجواب : بصريح نص الفقرة الثانية من المادة 17 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية فإنه " لا تقبل عند الإنكار الدعأوى الناشئة عن عقد الزواج فى الوقائع اللاحقة على أول أغسطس 1931 ما لم يكن الزواج ثابتا بوثيقة رسمية ، ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرهما إذا كان الزواج ثابتا بأية كتابة . "
وواضح من النص أن أثر عدم التوثيق يظهر بوجه أخص عند الإنكار ، وكما جاء فى حكم لمحكمة النقض المصرية فإنه " لما كان ذلك وكان ثبوت زواج المطعون ضده بالطاعنة الأولى هو الأساس الذى يبنى عليه المطعون ضده طلباته ، سواء الطلب الأصلى بإبطال عقد زواج الطاعنين ، أو الطلب الاحتياطى بالتفريق بينهما ، فيعتبر الادعاء بالزوجية مطروحا ضمن حق آخر ، ومتى كانت هذه الزوجية المدعى بها غير ثابتة بوثيقة رسمية ومنكورة من جانب الطاعنة الأولى فإن الدعوى المؤسسة على ثبوتها تكون غير مسموعة " ( ) .
فإن ضم إلى ذلك أن عدم التوثيق قد يرجع لامتناع الموظف المختص عنه بسبب صغر أحد الزوجين أو كليهما عن السن المحددة قانونا ، وافترضنا أن سن أحدهما عند رفع الدعوى لم تزل دون السن المحددة قانونا فإن كافة الدعأوى الناشئة عن عقد الزواج لا تقبل ، وإن كان طرفا الدعوى يقران بالزواج لا ينكرانه ، وقد قضى بأن النهى عن سماع دعوى الزوجية فى قانون تحديد سن الزواج هو نهى مطلق غير مقيد بحالة إنكار المدعى عليه ، وأن دعوى الزوجية فى هذا القانون عام يشمل دعوى عقد الزواج ، وأى دعوى بحق مترتب على عقد الزواج كدعوى النفقة أو دعوى الميراث . كما كانت تشمل – فى ظل المادة 99/ 4 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية - كل دعوى تتعلق بانعقاد عقد الزواج ، أو شروط صحته أو نفاذه أو لزومه ، كما تشمل الدعوى أيضا النزاع حول تأبيد عقد الزواج ، بأن يُدًعى أن عقد الزواج قد اقترن بما يدل على تأقيته صراحة ، ومثل هذا العقد – المؤقت – حكم الفقهاء ببطلانه كما حكموا ببطلان نكاح المتعة ، كل ذلك لا تسمع به دعوى بصريح منشور وزارة الحقانية الصادر بتوضيح النص المحدد للسن فى شرط سماع الدعوى . ولم يكن هناك استثناء على المنع من السماع هذا إلا فى دعوى ثبوت نسب الطفل من الزوج فى الزواج غير الموثق ، ودعوى استحقاق المهر على هذا الشخص ، فالدعوى بهذين الأمرين مسموعة وإن لم يوجد المؤيد لسماع دعوى الزوجية ، لأن القاضى لا يسمع فى ضمن الدعوى بهما دعوى زوجية ، بل يسمع دعوى وطء بشبهة ، والنسب يحتاط لثبوته ،فيثبت بالوطء بشبهة ، وفى الوطء بشبهة استوفى الرجـــــل منافع البضع – أى الاستمتاع بالمرأة - فلزمه البدل من أجل ذلك .( )
وكما بينا قبلا فإن بعض الفقه ونحن معهم على أن المادة 17 من قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية إذ وردت بلفظ " لا تقبل .... الدعأوى الناشئة عن عقد الزواج .. " فإنها بذلك تكون قد سكتت عن المسائل الخاصة بعقد الزواج ذاته ، فيقضى فيها بأرجح الأقوال فى مذهب الإمام أبى حنيفة ، وليس فى المذهب كما قلنا منع من قبول الدعوى المتعلقة بانعقاد الزواج ، أو بشروط صحته أو نفاذه أو لزومه لعدم توثيقها .
وكما ذكرنا فإن دعوى التطليق أو الفسخ دون غيرهما تقبلان متى كان الزواج ثابتا بأية كتابة حسبما نص على ذلك صراحة فى عجز الفقرة الثانية من المادة 17 .
ويجدر بنا هنا أن ننبه إلى جملة من الأمور :
1- أن الإنكار المانع من سماع الدعوى مما يصح نفيه بكافة طرق الإثبات، فلمن لم تقبل دعواه بسبب عدم توثيقها، مع إنكار المدعى عليه الزواج، أن يدفع هذا الإنكار بكافة طرق الإثبات، فله أن يدفع صدوره أصلا، أو يثبت أن صدوره كان خارج مجلس القضاء، أو يثبت إقرارا سابقا ينفى هذا الإنكار، ولو كان قد صدر – الإقرار – خارج مجلس القضاء متى كان يمكن إثباته قانونا . ( ) .
2- لا عبرة بالإقرار بالزوجية غير الموثقة متى كان الزوجان أو أحدهما دون السن القانونية لسماع دعأوى الزواج وقت رفع الدعوى ، لأن " منع سماع الدعوى ليس مبنيا على بطلان الحق ، وإنما هو – وعلى ما جرى عليه قضاء النقض – نهى للقضاء عن سماعها قصد به قطع التزوير والحيل ، وهو على هذه الصورة لا أثر له على أصل الحق ، ولآ يتصل بموضوعه ، وإنما يقتصر حكمه على مجرد سماع الدعوى أو عدم سماعها " ( )
ومقتضى ذلك أن عدم القبول المقرر بالفقرة الأولى من المادة 17 موجه للقاضى يقضى به من تلقاء نفسه ، وهو غير مقيد بحالة إنكار المدعى عليه .
3- أن الإقرار المعتبر لسماع الدعأوى الناشئة عن الزواج هو الإقرار الذى يحصل فى مجلس القضاء ، أو يحصل خارجــــه ولكن فى ورقة رسمية أمام جهة رسمية مختصة بتوثيق عقود الزواج ، فإن كان الإقرار أمام غيرها فلا يؤخذ به ولا يعول عليه . ( ) .
4- أن الكتابة المقبولة فى حكم المادة 17/ 2 هى الكتابة التى تتوافر لها حجية ملزمة بين طرفيها ، وعلى القاضى مسئولية كبيرة لاستخلاص صلاحية الورقة لأن تكتسب حجية ملزمة لأن ما ثبت بها يتعلق بالحل والحرمة . ( )
واجمالا فإن مقتضى وشرائط الفقرة الثانية من المادة 17 يختصر فيما يلى :
أجازت الفقرة الثانية من المادة (17) قبول دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها من الدعأوى إذا كان الزواج غير موثق بشروط معينة هى :
1- أن يكون الزواج – غير الموثق – ثابتاً بأية كتابة : فلا تكون دعوى التطليق أو الفسخ مقبولة إذا لم تكن هناك كتابة تدل على قيام تلك العلاقة، كأن تطلب المدعية التطليق أو الفسخ وترتكن فى إثبات وجود العلاقة إلى شهادة الشهود ، والمقصود بأن يكون الزواج ثابتاً بأية كتابة، أن تكون هناك كتابة دالة عليه، وينصرف ذلك إلى وجود وثيقة الزواج العرفى أو وجود مكاتبات أخرى قاطعة بوجود الزوجية وإن لم تكن هذه المكاتبات قد أعدت لإثبات الزوجية. مثال ذلك: أن يكون هناك حساب مشترك بين الطرفين لدى أحد البنوك وقد وقع عليه الزوج بهذه الصفة، أو توقيعه على محضر شرطة قرر فيه أن علاقته بالطرف الآخر هي علاقة زوجية فمثل ذلك يعد إقرار غير قضائى بقيام الزوجية .
صورة العقد المحرر العرفى الذى يصح التمسك به فى طلب التطليق أو الفسخ :
وفقا لنص المادة 14 من قانون الإثبات المصرى فإنه " يعتبر المحرر العرفى صادرا ممن وقعه مالم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة "
ومن احتج عليه بمحرر عرفى وناقش موضوعه لا يقبل منه إنكار الخط أو الختم أو الإمضاء ، أو بصمة الإصبع ،وحسب المادة 14/3 إثبات ( فإذا أنكر المدعى عليه الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع تعين تحقيق ذلك طبقا لما هو وارد بالمادة 30 إثبات ) و بذلك قضت محكمة النقض المصرية فى الطعن ( مدنى ) رقم 810/ 54 قضائية ، بجلسة 20/12/ 1991 .
ولا يشترط أن يكون المحرر مكتوبا كله أوجزءا منه بخط المدعى عليه ، بل يكفى أن يكون موقعا بخطه أو ممهورا بإمضائه ، أو ببصمة إصبعه ، أو بخاتمه ، وإن جادل فى ذلك بغية التحلل منه فلا سبيل له إلا الطعن بالتزوير ( نقض مدنى فى الطعن رقم 542/52 بجلسة 26/ 3/1986 ) .
ومن جانب آخر فإن المادة 16/1 إثبات تنزل الرسائل الموقع عليها منزلة المحرر العرفى من حيث الإثبات ، ومقتضى ذلك أن لمن ترغب فى التطليق من زواج غير موثق ، أو تتغيا فسخه، لها أن تستند فى دعواها حصول الزواج إلى رسائل أو خطابات صادرة ممن تنسب إليه ارتباطها به بعلاقة زوجية ، شريطة أن يكون الخط خطه ، وزيله بتوقيعه ، وغنى عن البيان أن يكون مضمون الرسالة مفصحا عن وجود العلاقة الزوجية ، ولاشك أن تقدير ذلك مما يخضع لمحكمة الموضوع متى أقامت حكمها على أدلة سائغة .
وتعتبر الرسائل حجة على صدورها ممن أرسلها إلى ينكر توقيعه أو خطه أو بصمته ، فالرسالة رسالته إلى أن يثبت العكس { نقض مدنى أحوال شخصية فى الطعن رقم 33 لسنة 52 أحوال بجلسة 24/4/1984 . }
وإن خلت من التوقيع فالسبيل إلى التمسك بها هو اعتبارها من قبيل مبدأ الثبوت بالكتابة شريطة أن تكون محررة بخط المرسل ، ولطالبة التطليق أو الفسخ أن تتمسك بهذه الرسالة متى كانت قد حصلت عليها بطريقة مشروعة . { نقض مصرى فى الطعن رقم 990 لسنة 46 قضائية ، بجلسة 25/3/1980 .
ومتى نجحت المدعية فى إثبات علاقة الزوجية فقد ثبت قيام الفراش الشرعى ، وبالتالى ينسب إلى هذا الزوج ثمرة هذه العلاقة من الأولاد ، مع مراعاة أن إثبات النسب أيسر كثيرا من إثبات الزواج تطبيقا للمبدأ الشرعى القاضى بالاحتياط فى إثبات النسب على ما سيأتى فى موضعه .
حجية الحكم الثابت بالتطليق أو الفسخ فى الزواج العرفى :
لاجدال أن هذا الحكم يحوز حجية الأمر المقضى فيما قضى به من إجابة هذا الطلب أو رفضه ، ولكن لاحجة له فيما وراء ذلك من المسائل المدنية أو مسائل الأحوال الشخصية ، وعلى ذلك لا يحق لمن صدر لها حكم بالتطليق ، أو الفسخ أن ترتكن إلى هذا الحكم فى المطالبة بنفقة عدة ، أو متعة ، أو مؤخر صداق ، أو تستند إليه فى طلبها التعويض عما لحقها من ضرر جراء هذا الزواج على أساس تعنت المدعى عليه مما ألجأها إلى طلب التطليق . ومتى أقيمت دعوى بأى من هذه الطلبات تعين على المحكمة أن تقضى من تلقاء نفسها بعدم قبولها ، وذلك فيما خلا دعأوى النسب على ما هو مقرر بالمادة السابعة من القانون 1/2000 فى شأن بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية ، والمادة 15 من المرسوم بقانون 25/1929 ، هذا بالطبـــع إذا توافرت شروط قبول دعوى النسب على ما سيأتى فى حينه .
س: وهل يلزم القانون من يريد الزواج بتقديم إقرارًكتابي بحالته الاجتماعية؟
ج: نعم ، لقد استحدث القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979م شرط إلزام من يريد الزواج بتقديم إقرار كتابى بحالته الاجتماعية ، حيث أضافت المادة الأولى من هذا القانون إلى المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 بعض المواد الجديدة. ومنها المادة 6 مكررًا وهذه المادة قد نصت صراحة في فقرتها الأولى على الشرط المذكور حيث تقول: (على الزوج أن يقدم للموثق إقرارًا كتابيًا يتضمن حالته الاجتماعية. فإذا كان متزوجًا فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته وقت العقد الجديد ومحال إقامتهن. وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب موصى عليه).
وكما هو ظاهر من النص أن هذا الشرط المستحدث يحمل في طياته شرطًا آخر هو أنه إذا ظهر من الإقرار الذي قدمه الزوج أنه لا يزال متزوجًا فإن على الموثق أن يخطر الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمة صاحب الإقرار بالزواج الجديد والإخطار يكون بكتاب موصى عليه.
وكما هو معروف فإن القرار بقانون 44 لسنة 1979 قد طعن عليه بعدم الدستورية ، فاستجابت لذلك المحكمة الدستورية العليا وقضت بعدم دستوريته لعيب إجرائى شاب إصداره ، ومن ثم فإن البرلمان المصرى سرعان ما أصدر القانون رقم 100 لسنة1985 مستهدفا به إحياء القرار بقانون المحكوم بعدم دستورية ، فتضمن القانون 100/1985 أكثر ما جاء به القرار بقانون44/1979 ، وإن امتدت إلي بعضه يد التعيل الموضوعى وإلى أكثره يد التعديل الشكلى وقد لحق كلاهما المادة 6 مكررا المذكورة آنفا فصدرت برقم المادة 11 مكررا من المرسوم بقانون 25لسنة 1929 ، وإن كان نص الفقرة الأولى منها هو هو نص الفقرة الأولى من المادة 6 مكررا .
وبذلك استقر فى التشريع المصرى التزام الزوج بالإقرار بحالته الاجتماعية ، إقرارا صحيحا مطابقا للواقع ، وعدلت وثائق الزواج وأضيف إلى بنودها بند يتضمن إقرار الزوج بــــأن فى – أو ليس فى – عصمته زوجة أو زوجات أخريات ، فإن وجدت – أو وجدن - فهن :
1- ................... ومحل إقامتها .................... .
2- ............ ومحل إقامتها ...... ..........
3- ................ ومحل إقامتها ..............
وحرصا على عدم الإخلال بهذا الإقرار قرر المقنن بالمادة 23 مكررا عقوبة الزوج بالحبس مدة لاتتجأوز ستة أشهر وبغرامة مائتى جنيه ، أو بأحدى هاتين العقوبتين إذا أدلى للموثق ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية أو محال إقامة زوجته أو زوجاته أو مطلقته على خلاف ما هو مقرر فى المادة 11 مكررا .
ويشترط لقيام هذه الجريمة فى هذه الحالة أن يقع إدلاء الزوج بالبيانات غير الصحيحة فى وثيقة زواج رسمية ، وفى عقد زواج صحيح شرعى ، لأن البطلان إذا لحق عقد الزواج فلا قيمة للإدلاء بالبيانات غير الصحيحة ، ولو كانت فى وثيقة رسمية ، كما لا تقع جريمة الإدلاء ببيانات غير صحيحة إذا وقعت فى عقد زواج عرفى . ويعاقب بهذه العقوبة الموثق إذا أخل بأى من الالتزامات التى فرضها القانون ويجوز أيضا الحكم بعزله أو وقفه عن عمله لمدة لا تجأوز سنة . ( )
س : وهل من التزامات قانونية أخرى على المرأة فى الزواج لتوثيق زواجها؟
نعم ، فلائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل فى 10/1/1955 تقرر بالمادة36 منها التزاما على المطلقة بتقديم إشهاد طلاقها ، أو حكم نهائى به ، فقضت أنه " لا يجوز للمأذون أن يوثق عقد زواج مطلقة بزواج آخر إلا بعد الاطلاع على إشهاد الطلاق أو حكم نهائى به .
فإذا لم يقدم للمأذون شىء من ذلك وجب عليه رفع الأمر إلى القاضى التابع له والعمل بما يأمر به .
................ وإشهاد الطلاق الصادر من جهة أجنبية يجب أن يكون مصدقا عليه من وزارة العدل ."
كما تقرر بالمادة 37 منها التزاما على المرأة الأرملة إن أرادت زواجا آخر بتقيم مستند رسمى دال على الوفاة . ونص المادة المذكورة " لا يجوز للمأذون أن يوثق عقد من توفى عنها زوجها إلا إذا قدمت مستندا رسميا دالا على الوفاة ، فإن لم تقدم امتنع المأذون عن العقد إلا بإذن من القاضى ، ويذكر فى الحالة الأولى تاريخ الوفاة وفى الحالة الثانية تاريخ الإذن .
ولا تعتبر تراخيص الدفن مستندا فى إثبات الوفاة .
وأوراق الوفاة الصادرة من جهات أجنبية يجب التصديق عليها من وزارة العدل .
************
س : وما هى الاشتراطات القانونية فى حالة زواج المصرية المسلمة من أجنبى ؟ .
بداية ننبه على أن الأجنبى فى عرف القانون المعاصر هو من لا يتمتع بجنسية الدولة وإن كان مسلما عربيا ، بل وإن كان يحمل الجنسية المصرية سابقا ، وقد سقطت أو أسقطت عنه الآن لأى سبب من الأسباب .
وتحظر المادة 19 من لائحة المأذونين على المأذون أن يوثق عقد زواج إذا كان أحد الطرفين فيه غير مسلم أو أجنبى الجنسية ، ومن ثم فإن مكاتب التوثيق فى داخل مصر ، والقناصل فى الخارج هم المعنيون بتوثيق عقود الزواج المختلط ، وفقا للمادة 14 من القانون رقم 166 لسنة 1954 . " ولا تعتبر وثيقة رسمية أى كتابة أخرى ولو كانت محضرا رسميا كمحاضر الشرطة أو تحقيقات النيابة العامة ، أو عقد إيجار موثق أو محضر حجز قضائى أو شهادة أمام القضاء فى دعوى من الدعأوى ، ومن باب أولى أى ورقة عرفية حتى ولو كانت تتضمن اعترافا بثبوت الزوجية " ( ) .
ومن التعليمات الوزارية الصادرة للموثقين أن يحضر الطرفان شخصيا ، وألا يزيد فارق السن بين الرجل – الأجنبى – والزوجة المصرية عن خمس وعشرين سنة .
وإن تم الزواج خارج مصر فحسب المنشور عن وزارة الخارجية يلزم
عند زواج المصرية من أجنبي يجب ألا يزيد فارق السن بينهما عن 25 عاما.
يتضمن العقد اتفاق الطرفين علي صداق يبين العاجل منه والآجل ، أما إذا كان الصداق مسمي بينهما فلا تذكر قيمة الصداق أو تفاصيله .
لا يجوز توثيق عقد زواج المطلقة إلا بعد الاطلاع علي إشهاد الطلاق أو حكم نهائي بالطلاق لإمكان التحقق من وقوع الطلاق وانقضاء فترة العدة.
لا يجوز توثيق عقد زواج الأرملة إلا بعد الاطلاع علي عقد زواجها السابق وشهادة وفاة الزوج.
علي الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية ، فإذا كان متزوجا فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال إقامتهن حيث تقوم القنصلية بإخطارهن بالزواج
يمكن للزوجين الاتفاق علي شروط خاصة بينهما يتم تسجيلها بعقد الزواج مثل ( الاتفاق علي عدم الاقتران بزوجة أخري إلا بإذن كتابي من الزوجة ، أو الاتفاق علي تفويض الزوجة في تطليق نفسها ) أو أي اتفاق آخر يرتضيه الزوجين بشرط ألا يحل حراما أو يحرم حلالا.
الإجراءات والمستندات اللازمة لإتمام الزواج بالقنصلية أو التصادق عليه بالقسم القنصلى :
يتم الاتصال لترتيب موعد مقدما لعقد الزواج أو التصادق على زواج .
حضور كلا الزوجين معا.
تقديم جوازى السفرل كل منهما .
عدد 4 صور فوتوغرافية حديثة مقاس 4 في 6 للزوجين ( مثل صور جوازات السفر ) و5 صور اذا كان أحدهما أجنبى .
اصل وثيقة الزواج المحلية في حالة التصادق علي الزواج.
يتم إصدار وثيقة الزواج من عدد 4 نسخ تسلم نسخة للزوج ، وتسلم نسخة للزوجة ، وترسل نسخة لمصلحة الأحوال المدنية بالقاهرة لتسجيل واقعة الزواج بسجل المركز الرئيسى للأحوال المدنية بالعباسية للتسجيل مدنيا .
يعد حوالى 6 الى 8 أسابيع تصل الافادة برقم التسجيل حيث يتم تدوينها على وثائق الزواج المحررة .
الرسوم المطلوبة :
رسوم إشهاد الزواج مبلغ 60 دولار إذا كان مبلغ الصداق مسمي مسمى بينهما( أى متفق عليه بينهما ولا يرغبان فى الافصاح عن قيمته ) .
اذا كان الصداق مسمى ( أى محدد القيمة آجله وعاجله ) تكون الرسوم ( 50 دولار + 1.5% على المائة دولار الأولى من قيمة الصداق + 2% من قيمة باقى الصداق ) مع ملاحظة أنه اذا كانت قيمة الصداق محددة بالجنيه المصرى فيتم حساب الرسوم بالدولار بعد معادلة قيمة الصداق المحددة بالجنيه وتحويلها الى دولار ) .
تسدد الرسوم و نقدا أو بشيك مقبول الدفع Money Order باسم القنصلية .
جنسية أولاد المصرية المتزوجة من أجنبى :
وبقيت وأحدة من أسوأ إفرازات الزواج المختلط ، ألا وهى مشكلة جنسية الأولاد ، وهى مشكلة تلقى بظلالها - بوجه أخص - فى : التعليم. - الإقامة. - العمل.- - الزواج. - العلاقة بالآخرين ، وحتى فى ظل التعديلات التى أدخلت على القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية بموجب القانون رقم 154 لسنة 2004، والتى أدخلت المسأواة بين من ولد لأب مصرى أو لأم مصرية فى التمتع بالجنسية بدون قيد أو شرط ، فإن بعضا من مشكلات من يولدون لأم مصرية وأب أجنبى فى خارج مصر لم تزل مطروحة ، فهؤلاء حتى مع التعديل الجديد لا يمنحون الجنسية المصرية إلا إذا إذا اختار هذا المولود الجنسية المصرية خلال سنة من بلوغه سن الرشد بإخطار يوجه إلي وزير الداخلية بعد جعل إقامته العادية فى مصر ولم يعترض الوزير علي ذلك خلال سنة من وصول الاخطار إليه ، وانطلاقا من مسئولياتنا فإننا ننبه المقدمات على الزواج من غير المصريين ، وإن كانوا عربا مسلمين ، أن يقدرن هذه المشكلة حق قدرها ، فلا يتزوجن إلا بمن يؤمل أن يدوم معهم ارتباطهن ، وألا تضن دولهم بجنسيتها على المصرية كزوجة لهذا الزوج ، حتى إذا ما انتهى الزواج لآى سبب من الأسباب لاتجد هذه الأم المصرية ذلك الحرج الذى عاشته – حسب إحصاء سابق على تعديل قانون الجنسية - ما يقرب من 286 ألف سيدة متزوجة من أجنبي ويتعدى أبناؤهن المليون
هل من مطالبات أخرى للمقدمين والمقدمات على الزواج ؟
نعم ، فلائحة المأذونين حسب آخر تعديلاتها بقرار وزير العدل 1727 لسنة 2000 توجب فى المادة 33فقرة 4 على المأذون قبل توثيق العقد أن " يحصل على إقرار بخلوهما من الأمراض التى تجيز التفريق وخاصة : العته ، الجنون ، البرص ، الجزام ، والإيدز " .
وتوجب نفس المادة على المأذون فى فقرتها السادسة أن " يطلب من الزوجين تقديم وثيقة التأمين الخاصة بالأسرة وفقا لأحكام القرار الذى يصدر فى هذا الشأن "
وقد جاءت فكرة إصدار وثيقة ضد مخاطر الطلاق تأسيسًا على إحصائيات صدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشفت أن عدد حالات الطلاق في مصر قد بلغت نحو 63 ألف حالة سنويا في الوقت الذي تراجعت فيه معدلات الزواج إلى 351 ألف حالة فقط عام 2001 في حين كانت قد بلغت نحو 759 ألف حالة زواج عام 2000. .
ولعل الأنسب إلى معلجة قضية التأمين ضد مخاطر انتهاء الزواج أن نعالجها ضمن موضوعات النفقة ، ونبرز هنا ما يخص الوثيقة الصحية ، أعنى خلو الزوجين من الأمراض التى تجيز التفريق ، وقد عالج بعض الكاتبين فى موقع " الكبار " قضية الفحص الطبى قبل الزواج ، من أبرز نواحيها ، وتفضل بجمع الاتجاهات الفقهية ، وانتهى إلى استخلاص أبرز جوانبها ، وقد آثرنا أن ننقله بنصه ، ونستغنى به عن ما عداه .
الفحص قبل الزواج .. من أجل أبنائنا
يتفانى الوالدان في توفير حياة أفضل لأبنائهما، ويبذلان كل جهد في إتاحة كل سبل السعادة الممكنة لهم، ولاعجب أن تتعدد صور العناية وتتنوع سبل التأمين من غوائل الزمان .
فهناك من يحرص على الرعاية التعليمية التثقيفية لإخراج جيل ذي وعي أكاديمي ثقافي، وهناك من يحرص على الرعاية التربوية الإرشادية لإعداد شباب ذوي سلوك قويم، وهناك من يحرص على الرعاية الصحية والجسدية ليحظى بأبناء أصحاء معافين، والجميع يسمو إلى توفير كل سبل الرعاية بكل تعددها وتنوعها.
وهنا في هذا المقام نتطرق إلى أحد سبل الرعاية الصحية والوقائية الذي قد أهمله كثير من الناس، إما لجهلهم به أو تجاهلهم له، ألا وهو الفحص قبل الزواج، ولهذا الإجراء أهمية بالغة في تجنب كثير من الأمراض، خاصة ذات الطابع الوراثي والعائلي، والتي يكثر انتشارها في مجتمعاتنا العربية، وقد يعزى ذلك لارتفاع نسبة الزواج بين الأقارب وزيادة احتمال التقاء الجينات المسببة للمرض الوراثي.
ويشمل الفحص قبل الزواج زيارات للطبيب المختص الذي يقوم بدوره بأخذ تاريخ طبي مفصل يتعرف من خلاله على الأمراض الوراثية في العائلة، ويشمل أيضًا فحصًا سريريًا وعمل فحوصات مخبرية تحددها نتائج التاريخ الطبي والفحص الإكلينيكي.
ومن الأمراض التي أصبح بالإمكان الكشف عن حاملها، وبالتالي تفادي إصابة الأطفال بها أمراض الدم الوراثية، كالأنيميا المنجلية أو أنيميا البحر المتوسط، وقد يصبح بالإمكان في المستقبل القريب الكشف عن كثير من الأمراض الوراثية والاستقلالية وأمراض الغدد الصماء الوراثية، خاصة بعد اكتمال ومعرفة خريطة الجينوم البشري، مما قد يشجع المجتمع على الإقبال على فحص ما قبل الزواج.
ولكن يبقى هذا النوع من الفحص محدود الانتشار، وقد يعزف عن القدوم عليه بعض الناس بسبب الخشية من معرفة حقيقة حملهم لمرض وراثي معين، أو خشية تسرب هذه المعلومات أو هذه الحقائق ونشرها بين الناس، لذا فإن تعميم هذا الفحص بين عامة الناس وإقبالهم على إجرائه سيكون مقروناً بتحلي القائمين عليه بالأمانـــــــــة، والتخلق بالمحافظـــــة على سرية المعلومات وخصوصيتها.
ومن الناحية التقنية قد يكون هذا الفحص مقتصرا على عدد قليل من الأمراض الوراثية التي تعرف أسبابها الحقيقية أو الجينات المسببة لها، حيث لا يمكن إجراء فحص وأحد للكشف على جميع الأمراض الوراثية التي قد يزيد عددها على عشرة آلاف مرض، كما أن تكلفة عمل هذه التحليلات باهظة، وإمكانية إجرائها لا تتوفر في جميع المختبرات، لذا يجب على بعض الجهات الصحية الحكومية العمل على إعداد الكوادر الطبية المتخصصة مما قد يعمل على خفض تكاليف إجراء هذه التحليلات.
ولكن على الرغم من هذه الصعوبات يجب إظهار أهمية هذا الفحص، والعمل على تذليل العوائق التي قد تواجه انتشاره لنحظى بجيل ينعم بصحة أفضل ومستقبل أفضل.
نحأول هنا فى هذا الملف تقديم رؤية متكاملة لأهمية الفحص قبل الزواج لارساء دعائم اسرة صحيحة وسعيدة مع عرض لاهم الفحوصات والتحاليل المطلوبة لكل من الزوج والزوجة 00 متمنين لكل قرائنا الاعزاء الصحة والعافية .
الفحص الطبي قبل الزواج :
عادة ما نجد الأشخاص المقبلين على الزواج والحياة الجديدة يهتمون بهذا اليوم السعيد الذي يمثل بالنسبة لهم الانتقال إلى حياة جديدة مملوءة بالتفاؤل و الحياة،و ويتخللها بعد توفيق الله إنجاب ذرية طيبة تزيد حياتهم فرح و مسرة.و قد يفوت عليهم التفكير أن الحمل و إنجاب الأطفال قد يصاحبه أمور لم يطرأ على بالهم ولم يتخيلوا انه من الممكن أن يحدث لهم.و بما انه من الممكن التنبؤ بهذه الأمور طبيا و من الممكن تجنب بعضها لزم أن يقوم هؤلاء ممن يريد الزواج بالتأكد من هذه الأمور عن طريق الفحص الطبي قبل الزواج. و قد سنت بعض الدول العربية أنظمة لتطبيق الفحص قبل الزواج.و إذا كانت السعودية و البحرين و الإمارات تحث بشكل اختياري على القيام بهذه الفحوصات فان الأردن سنت نظاما يجبر من يريد الزواج بالفحص الطبي قبل عقد القران - وقد طلب بعض أعضاء البرلمان المصرى إقرار مثل النظام الأردنى ، ولكن لم يجب إلى طلبه واكتفى بإلزام الموثق بالحصول على إقرار الزوجين بخلوهما من الأمراض التى تجيز التفريق فقط - .
و تعد المجتمعات العربية بشكل عام من المجتمعات التي يشيع فيها زواج الأقارب ضمن نطاق القبيلة، أو العشيرة، أو العائلة والأسرة الوأحدة.وهى أنواع من الزيجات معرضة إلى حد كبير لظهور العديد من الأمراض الوراثية حيث يتوقع إحصائيا أن يصاب طفل وأحد من كل 25 طفل بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية خلال الخمس وعشرين سنه من عمره .و يتوقع أن يصاب طفل وأحد لكل 33 حالة ولادة لطفل حي بعيب خلقي شديد. كما يصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات و تأخر عقلي. وتسعة من هؤلاء المصابون بهذه الأمراض يتوفون مبكرا أو يحتاجون إلي البقاء في المستشفيات لمدة طويلة أو بشكل متكرر ولها تبعات مالية واجتماعية و نفسية . وهذه الأعداد لها تبعات عظيمة و معقدة على الأسرة وبقية المجتمع.
من هنا كانت أهمية إجراء الفحص الطبى قبل الزواج الذى يمكنه من معرفة العديد من الأمراض الوراثية الخطيرة وحتى على الأقل يمكنه من معالجة بعضها قبل بدء الحياة الزوجية ..
الأمراض المنتشرة في العالم العربي
يصعب معرفة و حصر الأمراض المنتشرة في الوطن العربي و ذلك ناتج عن شح المعلومات الموثقة عن هذه الأمراض، وتفأوت نسب انتشار هذه الأمراض من دولة إلى أخرى .
ولكن و بشكل عام تقسم الأمراض الأكثر شيوعا في العالم العربي إلى عدة أقسام:
القسم الأول :
أمراض الدم الوراثية مثال فقر الدم المنجلي و فقر دم البحر المتوسط و أنيميا الفول.
القسم الثاني:
أمراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي و أمراض ضمور العضلات باختلاف أنواعها و ضمور المخ و المخيخ.
القسم الثالث:
هي أمراض التمثيل الغذائي المعروفة بالأمراض الاستقلالية التي تنتج بسبب نقص أنزيمات معينة.
القسم الرابع :
أمراض الغدد الصماء خاصة أمراض الغدة الكظرية و الغدة الدرقية، و معظم هذه الأمراض تنتقل بالوراثة المتنحية و التي يلعب زواج الأقارب دور كبير في زيادة أعدادها.
نظرة وراثية:
يقسم الأطباء أسباب العيوب الخلقية و الأمراض الوراثية إلى أربع أقسام رئيسية.
القسم الأول :هي الأمراض المتعلقة بالكرموسومات (الصبغيات) وهذا النوع في العادة ليس له علاقة بالقرابة، و أسباب حدوثها في الغالب غير معروفة. ومن أشهر أمراض هذا القسم متلازمة دأون (أو كما يعرف عند العامة بالطفل المنغولي) . و متلازمة دأون ناتجة عن زيادة في عدد الكروموسومات إلى 47 بدل من العدد الطبيعي 46.
القسم الثاني من العيوب الخلقية و الأمراض الوراثية :
تلك الأمراض الناتجة عن خلل في الجينات، ويتفرع من هذا القسم أربعـــــــــة أنواع من الأمراض :الأمراض المتنحية, والأمراض السائـــدة , و الأمراض المرتبطـــــــة بالجنس المتنحية ، و الأمراض المرتبطة بالجنس السائدة .
الأمراض المتنحية :
هي أمراض تصيب الذكور و الإناث بالتسأوي ويكون كلا الأبوين حاملا للمرض مع أنهما لا يعانيان من أي مشاكل صحية لها علاقة بالمرض. وفي العــــــــادة يكون بين الزوجين صلة قرابة.ولذلك تنتشر هذه الأمراض في المناطق التي يكثر فيها زواج الأقارب كبعض المناطق في العالم العربي . ومن أشهر هذه الأمراض أمراض الدم الوراثية، خاصة مرض فقر الدم المنجلي (الأنيميا المنجلية) وفقر دم البحر المتوسط (الثلاسيميا ) و أمراض التمثيل الغذائي بأنواعها.
أما الأمراض السائدة :
فإنها في العادة ليس لها علاقة بالقرابة, وتتميز بإصابة أحد الوالدين بنفس المرض وأشهر أمراض هذا النوع متلازمة مارفان.و مع أن هذا النوع من الأمراض ليس له علاقة بالقرابة, ولكن عند زواج اثنين مصابين بنفس المرض (وقد يكون بينهما صلة نسب ) فقد تكون الإصابة في أطفالهم أشد أو أخطر وذلك لحصول الطفل على جرعتين من المرض من كلا والديه.
والنوع الثالث من أمراض الجينات :
هي الأمراض المرتبطة بالجنس المتنحية. وهذا النوع من الأمراض ينتقل من الأم الحاملة للمرض فيصيب أطفالها الذكور فقط. وأشهر هذه الأمراض مرض نقص خميرة G6PD (أو ما يسمى بأنيميا الفول) وهذا النوع في العادة ليس لها علاقة بزواج الأقارب، ولكن المرض قد يصيب البنات إذا تزوج رجل مصاب بالمرض بأحدى قريباته الحاملة للمرض.
النوع الرابع و الأخير:
هو الأمراض المرتبطة بالجنس السائدة ، وهي أنواع من الأمراض النادرة والتي في العادة تنتقل من الأم إلى أطفالها الذكور و الإناث, وقد يكون شديدا في الذكور مقارنة بالإناث.
أما القسم الثالث من العيوب الخلقية و الأمراض الوراثية :
فهي الأمراض المتعددة الأسباب ، ومعظم الأمراض تدخل تحت هذا القسم, فمثلا مرض السكر, وارتفاع ضغط الدم, والربو,و الظهر المشقوق(الصلب المشقوق), و الشفة الأرنبية وغيرها من الأمراض كلها تدخل تحت هذا الباب . إن الأسباب وراء هذه الأمراض في العادة غير معروفة ولكن جميع هذه الأمراض لا تحدث إلا في الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي وتعرضوا إلى سبب ما في البيئة المحيطة بهم. وفي العادة ليس لزواج الأقارب علاقة في حدوث هذه الأمراض ولكن إذا تزوج شخصان مصابين بأي نوع من هذه الأمراض زاد ذلك احتمال إصابة الأطفال مقارنة بحالة إصابة أحد الوالدين فقط بالمرض.
القسم الرابع و الأخير من العيوب الخلقية و الأمراض الوراثية :
وهي مجموعه من الأمراض المتفرقة والتي يصعب حصرها ومن أشهر هذه الأمراض,
1- الأمراض المرتبطة بالميتوكندريا والتي تنتقل من الأم فقط إلى بقية أطفالها.
2- الأمراض المعدية:وهذه قصة منقولة من أحدى منتديات الانترنت و لم يذكر رأويها مرجعة و لكن فيها العبرة.
كتب يقول : أود ان أذكر لكم قصة حقيقية لأحد المرضى الذين كنت أشرف على علاجهم وهذه القصة حدثت منذ عدة سنوات. هذه القصة لها معان عدة وأحدها أهمية عمل فحص الرجل أو المرأة قبل الزواج.القصة كانت لشاب عربي طموح تخرج من الثانوية العامة وحصل على بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة التخصص الذي يرغبه ،وقد قضى ذلك الشاب خمس سنوات في الدراسة هناك. بعد أن حصل على البكالوريس رجع إلى بلده وحصل على وظيفة جيدة في مجال تخصصه وكان سعيداً جداً بذلك. بعدها قرر أن يتزوج وقد حصل له ما أراد ، فقد وفق إلى فتاة وجد فيها المواصفات من الجمال والخلق التي يريدها.بعد مضي عدة سنوات ظهر في جسم زوجته أورام في الغدد الليمفأوية وعند عمل التحاليل والعينات تبين أنها مصابة بسرطان الغدد الليمفأوية (NHL) ومن ضمن التحاليل عمل لها فحص لفيروس نقص المناعة المكتسبة فيروس المسبب للإيدز (HJV) وتبين أنها مصابة بمرض الإيدز وان سرطان الغدد الليمفأوية هو مصاحب لمرض الإيدز (الأورام السرطانية الليمفأوية قد تكون أحدى مضاعفات مرض الإيدز). وقد تم إخبار الزوج بذلك وقد صعق كما صعقت زوجته وأتاه حالة من الهستيريا وذهب يبكي ويقبل زوجته ويقول لها أنه هو السبب، وفعلاً قد تم فحص الزوج وتبين أنه مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة أيضاً ، أما سببه فقد تبين أنه خلال سفره للولايات المتحدة مارس علاقات جنسية محرمة مع عدة نساء ، والمسكين لم يكن يعلم بتاتاً أنه مصاب بهذا الفيروس وإلاّ لما أقدم على الزواج من هذه الفتاة على حد قوله.وزيادة في المأساة لهذه القصة فقد انتقل فيروس نقص المناعة المكتسبة إلى طفلتهم الوحيدة وكانت بالفعل كارثة لجميع أفراد العائلة. في ذلك الوقت لم تكن هناك أدوية فعّاله وكانت حالة الزوجة متأخرة فتوفاها الله في عدة أشهر ولحق بها زوجها بعد سنتين.
وعلى كل ما تحمله هذه القصة من آلام وحزن لكن فيها دلالة واضحة على أهمية الفحص قبل الزواج..
لكن السؤال هل يكون هذا الفحص إجبارياً لجميع المتقدمين للزواج للتأكد من الأمراض الوراثية والمعدية أو اختيارياً؟
من الأفضل عمل لجنة يتواجد فيها جميع المتخصصين ويتم دراسة الموضوع من جميع جوانبه الطبية والاجتماعية والاقتصادية والفوائد والعقبات والمشاكل لو أمكن تطبيقه أو بالأحرى هل هناك ضرورة من تطبيقه أو الاكتفاء بتوعية الناس وحثهم على عمل الفحوصات أو مراجعة الأطباء المختصين إذا كان هناك شك في مرض وراثي أو معد.الموضوع يحتاج إلى دراسة وتعمق ومعرفة آراء الناس وتفاعلهم قبل أن يكون هناك قرار لصالح أو ضد الفحص الطبي قبل الزواج. والجانب الآخر هل سوف يوضع قانون يقضي بمنع من هو مصاب بمرض معد قد ينقله لشريك حياته أو أطفاله أو مصاب بمرض وراثي ينقله لأطفاله من الزواج ؟ أم يترك الموضوع لحرية الشخص وضميره؟.
س :ما هي أهمية الفحص قبل الزواج؟
تكمن فائدة الفحص قبل الزواج فى عدة نقاط :
1 - أن المقدمين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج.
2 - تقديم النصح للمقبلين على الزواج إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري واختلاف زمر الدم.
3 - أن مرض (التلاسيميا) هو المرض الذي ينتشر بشكل واسع وواضح في حوض البحر المتوسط وهو المرض الذي توجد وسائل للوقاية من حدوثه قبل الزواج.
4 – المحافظة على سلامة الزوجين من الأمراض، فقد يكون أحدهما مصاباً بمرض يعد معدياً فينقل العدوى إلى زوجه السليم.
5 – إن عقد الزواج عقد عظيم يبنى على أساس الدوام والاستمرار، فإذا تبين بعد الزواج أن أحد الزوجين مصاب بمرض فإن هذا قد يكون سبباً في إنهاء الحياة الزوجية لعدم قبول الطرف الآخر به.
6 – بالفحص الطبي يتأكد كل واحد من الزوجين الخاطبين من مقدرة الطرف الآخر على الإنجاب وعدم وجود العقم، ويتبين مدى مقدرة الزوج على المعاشرة الزوجية.
7 – بالفحص الطبي يتم الحد من انتشار الأمراض المعدية والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معاقين والذين يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم .
أما السلبيات المتوقعة من الفحص فتكمن في:
1 – إيهام الناس أن إجراء الفحص سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح؛ لأن الفحص لا يبحث في الغالب سوى عن مرضين أو ثلاثة منتشرة في مجتمع معين.
2 – إيهام الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض المنتشرة في مجتمعاتنا، وهو غير صحيح إطلاقاً.
3 – قد يحدث تسريب لنتائج الفحص ويتضرر أصحابها، لا سيما المرأة فقد يعزف عنها الخطاب إذا علموا أن زواجها لم يتم بغض النظر عن نوع المرض وينشأ عن ذلك المشاكل.
4 – يجعل هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة مكتئبة ويائسة إذا ما تم إعلام الشخص بأنه سيصاب هو أو ذريته بمرض عضال لا شفاء له من الناحية الطبية.
5 – التكلفة المادية التي يتعذر على البعض الالتزام بها وفي حال إلزام الحكومات بجعل الفحوص شرطاً للزواج ستزداد المشاكل حدة، وإخراج شهادات صحية من المستشفيات الحكومية وغيرها أمر غاية في السهولة، فيصبح مجرد روتين يعطى مقابل مبلغ من المال
سؤال وجواب عن الفحص قبل الزواج وهل هو مهم فقط لزواج الاقارب :
زواج الاقارب فى قفص الاتهام :
س : يقال إن أغلب الأمراض التي تنشأ هي نتيجة الزواج من الأقارب فقط، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحا فهل يمكن قصر الفحص على الأزواج من الأقارب؟
ج - يلعب زواج الاقارب دورا كبيرا في الإصابة بالأمراض الوراثية الناتجة عن الوراثة المتنحية كفقر الدم المنجلي و أنيميا البحر المتوسط، ولكن هذا لا يعني أن عدم الزواج من إحدى الأقارب يضمن أن تكون الذرية سليمة من أي مرض و راثي ولا حتى من الأمراض الوراثية المتنحية.و لذلك من المهم القيام بتحاليل لكشف إذا ما كان الشخص حاملا للمرض بغض النظر عن صلة القرابة بين الخطيبين.لذلك ففحوصات ما قبل الزواج هي مهمة للأقارب وغير الأقارب. وتكون أكثر أهمية للأقارب اذا كان هناك أمراض وراثية.
س : هل زواج الأقارب بعد التأكد من أن الخطيبين لا يحملان أي مرض ممكن ؟
ج- إن احتمال الإصابة بالأمراض الخلقية عند المتزوجين من أقاربهم أعلى مقارنة بالمتزوجين من غير أقاربهم. و تزداد نسبة هذا الأمراض كلما زادت درجة القرابة. فوراثياً لدى كل إنسان بغض النظر عن عمره أو حالته الصحية حوالي 6.5-10جينات معطوبة (بها طفرة). وهذه الجينات المعطوبة لا تسبب مرض لمن يحملها لان الإنسان دائما لدية نسخة أخرى سليمة من الجين. و عند زواج طرفين لديهما نفس الجين المعطوب فان أطفالهم قد يحصلون على جرعة مزدوجة من هذا الجين المعطوب(أي أن الأب يعطي جين معطوب و الأم أيضا تعطي نفس الجين المعطوب) وهنا تحدث مشكلة صحية على حسب نوع الجين المعطوب. و في العادة تختلف أنواع الجينات المعطوبة بين شخص و أخر و يندر أن يلتقي شخصان لديهما نفس الجين المعطوب.ولكن نوع الجينات المعطوبة عادة تتشابه في الأقارب.فهناك احتمال كبير أن يكون أبناء العم و العمة و الخال و الخالة لديهم نفس الجينات المعطوبة ،و لو تزوج أحدهم من الأخر فهناك خطر على ذريته.
س : هل سلامه التحاليل تعني أن الشخص خالي تماما من الأمراض الوراثية؟
ج : الأمراض الوراثية كثيرة جدا ويصعب الفحص عنها كلها.كما أن الكثير من هذه الأمراض يصعب الكشف عنها نظرا لعدم و جود تحليل لها أو أن التحليل لا يستطيع اكتشاف الشخص الحامل للمرض بشكل دقيق .كما أن الكثير من هذه الأمراض ناتج عن خلل في الجينات و الكثير من الجينات-والتي تراوح حوالي 30 ألف جين- غير معروفــة و لم يتم اكتشافها ولذلك لا يوجد لها تحاليل.لذلك على الذين يتقدمون للفحص الطبي قبل الزواج معرفة أن الطب لا يستطيع الكشف عن جميع الأمراض.و ينبغي على المتقدم التحري عن كل طفل أو بالغ في العائلة و لديه مرض يشتبه أن يكون خلقيا أو وراثيا. لأن التاريخ المرضي لكل عائلة هو الذى ينبه الطبيب عن وجود مرض ما ، و إذا عرف هذا المرض فان على الطبيب التحقق من احتمالية انتقاله لهذه الأسرة الجديدة.
س : لماذا على كل خاطب و مخطوبته القيام بفحص طبي قبل الزواج؟
كثير من الأمراض الوراثية لا يوجد لها علاج أو يصعب علاجها وذات تكلفة عالية و قد يترتب على إجراءات العلاج سواء بتناول الدواء طوال الحياة أو التغذية الخاصة أو نقل الدم بصفة منتظمة أو زرع الأعضاء زيادة في النفقات فالفحص قبل الزواج يشكل وسيلة ملائمة لمكافحة الأمراض الوراثية و وسيلة للوقاية وبأقل تكلفة مقارنة بالفوائد الكبيرة التي تتحقق إذا ما تم حماية المجتمع من الأمراض الوراثية والتي يكلف علاجها مبالغ طائلة.
س : متى يجرى الفحص
بالنسبة للفحص الوراثي كلما كان وقت الفحص مبكرا كان ذلك أفضل حتى يستطيع الطرفان أخذ قرار حاسم بشأن استمرارهما من عدمه .
س :ما هي الأمراض التي تؤثر على الزواج؟
طبعا هذا السؤال يقودنا إلى جميع الأمراض التي من الممكن أن تؤثر على الزواج و على قدرة أحد الزوجين في القيام بدورة بالشكل المطلوب. و هذه الأمراض أمراض نفسية اجتماعية و أمراض عضوية. وعلى سبيل المثال الشخص الذي لدية إصابة في العمود الفقري و هو مقعد قد لا يستطيع أن يؤدي حقوقه الزوجية بالشكل المطلوب بدون مساعدة طبية متخصصة.كذلك الأشخاص المصابون بأمراض في الأعضاء التناسلية أو أي مرض عضوي أو نفسي آخر.و لذلك فحديث الرسول صلى الله علية وسلم القائل تخيروا لنطفكم من الناحية الطبية يشمل جميع الأمور الوراثية و غير الوراثية العضوية وغير العضوية.و لكن ما يهمنا في هذا الحديث هي الأمراض الوراثية التي يمكن تجنبها بإذن الله.
س : كثير من الناس يعتقد أن ظهور شيء في الفحوصات التي تجرى قبل الزواج يعني البحث عن زوج أو زوجة أخرى، كيف توضح هذه الصورة؟
لا شك أنه قد تظهر نتائج غير مرغوبة في هذه الفحوصات.و هذا أمر عصيب ليس فقط على الطرفين و أهلهم ،بل يصل إلى الطبيب الذي عليه أن يوصل تلك المعلومات بالشكل الصحيح .وهنا نود أن نوضح أمرا في غاية الأهمية و قد يساء فهمه، وهو أن الفحوصات التي سوف تجرى للكشف عن الأمراض الوراثية(وهنا لا أتحدث عن الأمراض المعدية)هي للكشف عما إذا ما كان الشخص حاملا للمرض أم لا. والشخص الحامل للمرض ليس شخص مريضا، بل هو شخص سليم و لكنه يحمل صفات و راثية يمكن أن ينقلها لذريته إذا حدث و كانت زوجته ، أو كان زوجها ، أيضا حاملا لنفس المرض. هذا من ناحية ،و من ناحية أخرى ليس هناك بإذن الله مشكلة لو كان واحد من الطرفين حاملا المرض و الطرف الأخر ليس حاملا له . المشكلة فقط تحدث إذا كان الطرفان كلاهما حاملين للمرض.أما لو حدث و كان الطرفان حاملين لنفس المرض فانهما يبلغان بشكل سري عن نتيجة التحليل و يشرح لهما الاحتمالات التي يمكن أن تحدث لذريتهما لو تزوجا.وهنا ننبه أن الطبيب لا يتدخل في القرار النهائي فالرجل و المرأة حرين في اتخاذ القرار المناسب لهما.و ما عليهما إلا أن يستخيرا في قرار الزواج . و لو حدث و تزوجا مع علمهما أنه من المكن أن يرزقا بأطفال مصابين بمرض وراثي فإن معرفتهما بهذا الاحتمال بإذن الله سوف يقوي من ترابطهما ،هذا لو قارناه بمن لم يعلم و فجأه يجده أمام معلومات وراثية خطيرة لم يعلمها ،قد تعصف بأسرته و تشرد أطفاله المصابين بالمرض. هذا إذا قلنا إنهما سوف يتزوجان أما لو قررا أن لا يتزوجا فبإمكانهما البحث عن زوج أخر و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم.
س : هل من الممكن تدارك المشاكل التي قد تكون في الجينات و إصلاحها قبل الزواج؟
للأسف لا يمكن إصلاحها في الأشخاص الحاملين للمرض كان ذلك قبل الزواج أو بعد الزواج.ولكن قد يكون السؤال الأهم كيف تجنب حدوث المرض الوراثي لو كان كلا الزوجان حاملين للمرض؟من الصعب التعميم في هذه المسألة و لكن لو تحدثنا عن أمراض الدم الوراثية فأنه للأسف لا يمكن إصلاح الأمر و إن كان هذا لا ينطبق على جميع الأمراض الوراثية. ولكن هناك أمورا يمكن القيام بها بعد أخذ رأي الشرع فيها و هي عملية الكشف على الأجنة خلال الحمل ، و معرفة إذا ما كانت مصابة أم لا، و إذا علم أنها مصابة فهل يحل أن تسقط ؟ .ويمكن القيام بهذه التحاليل و الوصول للنتيجة في خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. أما إذا لم يقر الشرع هذا الأمر فان الحل هو إجراء فحص للبويضة الملقحة (و ذلك عن طريق زراعة الأنابيب) و معرفة إذا ما كانت البويضة الملقحة سليمة أم مصابة ، و إذا كانت سليمة فتغرس في الرحم و إذا كانت مصابة يتخلص منها. هذه الطريقة قد تكون هي الأقرب لمجتمعنا الإسلامي و لكنها تحتاج إلى مبالغ باهظة و مختبرات خاصة.
الحكم الشرعي للفحص قبل الزواج :
هل يجوز للدولة أن تلزم كل من يتقدم للزواج بإجراء الفحص الطبي وتجعله شرطاً لإتمام الزواج؟ أم هو اختياري فقط؟
اختلف العلماء والباحثون المعاصرون في هذه المسألة، ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي:
القول الأول: يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت أنه لائق طبياً.
القول الثاني: لا يجوز إجبار أي شــخص لإجراء الاخـتـبار الوراثي، ويجوز تشـــجيع الناس ونشـــر الوعي بالوســــائل المختلــفة بأهمية الاخــتـبار الوراثي.
الأدلـة:
استدل القائلون بالجواز:
1 – قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ...النساء من الآية 59) .
وجـه الدلالـة:
أن المباح إذا أمر به ولي الأمر المسلم للمصـلحة العامة يصبح واجباً ويلتزم المسلم بتطبيقه.
2 – قوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ..... البقرة من الآية 195) .
وجه الدلالة:
أن بعض الأمراض المعدية تنتقل بالزواج فإذا كان الفحص يكون سبباً في الوقاية تعين ذلك.
3 – قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء ... آل عمران من الآية38).
وجـه الدلالة:
أن المحافظة على النسل من الكليات الست التي اهتمت بها الشريعة، فلا مانع من حرص الإنسان على أن يكون نسله المستقبلي صالحاً غير معيب، ولا تكون الذرية صالحة وقرة للعين إذا كانت مشوهة وناقصة الأعضاء متخلفة العقل، وكل هذه الأمراض تهدف لتجنبها عملية الفحص الطبي.
4 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يوردنّ ممر ض على مُصحّ " [ وجه الدلالة:
أن النص فيه أمر باجتناب المصابين بالأمراض المعدية والوراثية، ومثله حديث "فر من المجذوم فرارك من الأسد" وهذا لا يعلم إلا من الفحص الطبي . ( )
5 – إن الفحص الطبي لا يعتبر افتئاتاً على الحرية الشخصية؛ لأن فيه مصلحة تعود على الفرد أولاً وعلى المجتمع والأمة ثانياً، وإن نتج عن هذا التنظيم ضرر خاص لفرد أو أفراد فإن القواعد الفقهية تقرر أن "يرتكب أهون الشرين" وأنه "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام".( )
6 – قاعدة "الدفع أولى من الرفع" ( )حيث إنه إذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه فهذا أولى وأسهل من رفعه بعد الوقوع .
7 – "الوسائل لها حكم الغايات" ( )
فإذا كانت الغاية هي سلامة الإنسان العقلية والجسدية؛ فإن الوسيلة المحققة لذلك مشروعة، وطالما أن الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح مشروعة للفرد الجديد وللأسرة والمجتمع ويدرأ مفاسد اجتماعية ومالية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وهذه من الأسباب المأمور بها شرعاً . ( )
واستدل المانعون عن إجبار الشخص للفحص الوراثي بما يلي:
1 – أن أركان النكاح وشروطه التي جاءت بها الأدلة الشرعية محددة، وإيجاب أمر على الناس وجعله شرطاً للنكاح تَزيّد على شرع الله، وهو شرط باطل، وقد صح قوله عليه الصلاة والسلام: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل...".
2 – أن النكاح لا يلزم منه الذرية، فقد يتزوج الرجل لأجل المتعة فقط فلا وجه لإلزامه بالفحص الوراثي كما هو الحال في كبار السن.
3 – أن الفحص غالباً سيكون على مرضين أو ثلاثة أو حتى عشرة، والأمراض الوراثية المعلومة اليوم أكثر من 8000 مرض، وكل عام يكتشف أمر جديد، فإذا ألزمنا الناس بالفحص عنها جميعاً فقد يتعذر الزواج ويصعب وينتشر الفساد.
4– قـوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم مـن ترضون دينه وخلقه فزوجــوه".( ).
وجـه الدلالة:
لم يقل صلى الله عليه وسلم: "وصحته". والأصل أن الإنسان سليم، وقد اكتفى بالأصول: الدين والخلق.
5 – إن تصرفات ولي الأمر في جعل الأمور المباحة واجباً إنما تجب الطاعة إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت للقاعدة الفقهية "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة" ( ).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" ( ) وإلزام الناس بالكشف قبل الزواج فيه مفاسد عظيمة تزيد على المصالح المرجوة – وقد تقدم بيانها -.
6 – ما جاء في الحديث القدسي: " أنا عند ظن عبدي بي" ( )
وجـه الدلالة:
أن المتقدم للزواج ينبغي أن يحسن الظن بالله ويتوكل على الله ويتزوج، والكشف يعطي نتائج غير صحيحة أحياناً .
والحق أن الأدلة التى يستند إليها المعارضون للإزام بتوقيع الكشف الطبى على المقبلين على الزواج صحيحة لا شك فى ذلك ، ولكنها لا تفيد المعنى الذى هدفوا إليه ، بل لا يمنع من تقرير الفحص الطبى حديث أقرب فى المعنى إلى دعوى المنع ، وهو صحيح ، بل من رواية البخارى عن أبى هريرة راوى حديث " لا يوردن ممرض على مصح " وذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم " لا عدوى ولا هامة ولا صفر " ] ] وفى رواية مسلم عن أبى هريرة أيضا زاد " ولا نوء " وفى رواية مسلم عن جابر بلفظ " لا عدوى ولا صفر و لا غول " ومن رواية الترمذى وأبى داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة ثم قال : كُلْ بسم الله ثقة بالله وتوكلاً عليه" وإن استغربه الترمذى .
أقول هذه الروايات على صحتها ، ومع كونها كالنص – أى ما سيق الدليل لإفادة حكمه قصدا– فى قضية الفحص الطبى ، إلا أنها مع ذاك لا تؤكد المنع منه ، لما فى قوله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى " من احتمالات ، ذكر السلف منها وجوها ثلاثة بغرض الجمع بين الحديثين " لا يوردن ... " و " لا عدوى " وذكر الدكتور محمود ناظم النسيمى وجها رابعا وذلك فى بحث رائع له بعنوان " العدوى ومشروعية الوقاية " ضمن عدة بحوث فى الإعجاز الطبى والوقائى على الموقع الألكترونى ( موسوعة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة على الرابط الألكترونى :www.55a.net .
والباحث طبيب ، وهو يقرر تعقيبا على أقوال السلف فى محاولات الجمع : وكان السبب الرئيسي لاختلاف فهمهم وتأويلهم عدم وضوح الناحية الطبية في ذلك في عصرهم فهم معذورون ولسعيهم مشكورون .وقد توسع في ذكر آرائهم وأوجه الجمع بين أحاديث هذا البحث الحافظ ابن حجر المتوفي سنة 852هـ فى كتابه الواسع (فتح الباري بشرح البخاري)، وبما أن بعض تلك المفاهيم والأوجه مفرقة في بطون الكتب، وأن علماء عصرنا قد ينقل أحدهم هذا القول أو ذاك خلال حديثه أو خطبته أو جوابه لسؤال يعرض عليه، فقد رأيت من واجبي أن أدرس مجموعة الأحاديث الواردة في موضوع العدوى وفي الأمراض السارية وما قاله الشراح في ذلك وأن أقابل ذلك بالحقائق الطبية الثابتة اليوم، ليكن فهمي للحديث الواحد منها منسجماً مع مجموعها ، ولأختار من أقوال العلماء وشراح الأحاديث الأبرار ما ينسجم مع حقائق الطب الحديث. ثم أقدم نتيجة بحثي إلى القراء الكرام مستعيناً بالله تعالى العليم الخبير.
وانتهى الدكتور النسيمى إلى أن الفهم الكامل للأحاديث المتعلقة بالطب يتوقف على معرفة الحقائق الطبية الثابتة، وإلى أن الطب في زمان السلف كان قاصراً، وخاصة فيما يتعلق بالأمراض الإنتانية المعدية ( ) ، حيث لم تكن عواملها الجرثومية مكتشفة بعد وبالتالي لم تكن الأمراض مفرّقة بالتشخيص بعضها عن بعض، وكثيراً ما كانت تحشر أمراض عديدة تحت اسم مظهر مرضيّ واحد، ذلك المظهر الذي يعرف في الطب الحديث باسم تناذر مرضيّ، فاقتضى ذلك مني أن أختار من أقوال علماء المسلمين المتقدمين ما يأتلف مع كل زمان وما يوافق الحقائق الطبية الثابتة في زماننا، وذلك في سبيل الجمع والتوفيق بين الأحاديث التي تثبت العدوى والأحاديث التي جاء فيها نفي العدوى. أقول أوجه الجمع والفهم لمجموعها ولا أقول بترجيح بعضها على البعض الآخر، لأنه يمكن الجمع والتوفيق كما سأبين . ومن المقرر الثابت في علم مصطلح الحديث أن (طريق الترجيح لا يصار إليه إلاّ مع تعذر الجمع )
وبعد أن أورد سيادته الأحاديث التى أوجبت شبهة التعارض ختم بقوله :
وأما أوجه الجمع والتوفيق بين الأحاديث السالفة فقد ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري عند شرحه لحديث لا عدوى في باب الجذام. واخترت منها ثلاثة مسالك لقوة الحجة فيها ولتلائمها مع ما توصل إليه العلم الحديث من معلومات طبية قطعية، ولإمكان العمل بالأوجه الثلاثة معاً. وسأضيف وجهاً أو مسلكاً رابعاً في الجمع ذهب إليه بعض العلماء وهو ينسجم مع شطر من أحاديث الباب وله فائدة عملية في التطبيق أيضاً.
1. المسلك الأول : (وهو الخامس في فتح الباري ) : إن المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه، نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده بأن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله تعالى . فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك، وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي ، ونهاهم عن الدنو منه ليبين أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها . ففي نهيه صلى الله عليه وسلم إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا يؤثر شيئاً، وإن شاء أبقاها فأثرت ، ويحتمل أيضاً أن يكون أكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم أنه كان به أمر يسير لا يعدي مثله في العادة، إذ ليس الجذمى كلهم سواء ولا تحصل العدوى من جميعهم.
وعلى الاحتمال الأول جرى أكثر الشافعية. قال البيهقي بعد أن أورد قول الشافعية ما نصه: الجذام والبرص بزعم أهل العلم بالطب والتجارب أنه يعدي الزوج كثيراً .
وقال : أما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا عدوى " فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من هذه العيوب سبباً لحدوث ذلك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"، وقال : " لا يوردنَّ ممرض على مصح "، وقال في الطاعون :" من سمع به بأرض فلا يقدم عليه "، وكل ذلك بتقدير الله تعالى . وتبعه على ذلك ابن الصلاح في الجمع بين الحديثين من بعده وطائفة ممن قبله أ هـ . ذلكم ما قدمه الحافظ ابن حجر.
وهاكم ما قاله ابن الصلاح في مقدمته في بحث (معرفة مختلف الحديث) : اعلم أن ما يذكر في هذا الباب ينقسم إلى قسمين : أحدهما أن يمكن الجمع بين الحديثين، ولا يتعذر إبداء وجه ينفي تنافيها فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك والقول بهما معاً ومثـــاله حديث " لا عدوى ولا طيرة " مع حديث :" لا يورد ممرض على مصح " وحديث " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد" . وجه الجمع بينهما أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المرض بها للصحيح سبباً لأعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب، ففي الحديث الأول نفي صلى الله عليه وسلم ما كان يعتقد ه الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال : " فمن أعدى الأول؟ "وفي الثاني أعلم بان الله سبحانه جعل ذلك سبباً لذلك وحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله سبحانه وتعالى أ هـ.
إن هذا المسلك في الجمع هو المعتمد لدى المحققين ومعظم العلماء المتقدمين، وهو الذي يصلح للجمع والتوفيق بين كافة الأحاديث الواردة في العدوى والأمراض السارية على مستوى العلوم الكونية الطبية في زمانهم وزماننا، ولذا أوردته كمسلك أول في الترتيب. كما أنه يتعين في فهم الحديث الذي أجــــاب فيه النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي بقوله :" فمن أعدى الأول ؟ " .
وإذا كان هذا المسلك الأول يتكلم عن المرض المعدي بأنه لا يسري إلى آخره إلاّ بمشيئة الله تعالى ولو اجتمعت شروط العدوى، مع التسليم بأن سنة الله في خلقه جرت أن تقع العدوى عادة لدى تكامل شروطها، فإن المسلك الثاني يبين أن الأمراض ليست كلها معدية فهناك أمراض معدية وأمراض غير معدية، كما تقرر كتب الطب والصحة.
2. المسلك الثاني : (وهو الثالث في فتح الباري ) : قال القاضي أبو بكر الباقلاني : إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى. قال : فيكون معنى قوله " لا عدوى" أي إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً.. وقد حكى ذلك ابن بطال أيضاً . فنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا عدوى " عام، وأما قوله : " وفرَّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد " وكذلك باقي الأحاديث التي تثبت وجود العدوى في أمراض معينة، كالأوبئة عامة والطاعون منها بشكل خاص والجرب، فإنها تخصص ذلك العام.
هذا والمعتمد عند الأصوليين أن " العام قطعي ولكنه يصير بالتخصيص حجة ظنية إذا كان قد خصص بقول وبذلك يكون عرضة لأن ينسخ بخبر الواحد وبالقياس . وحجتهم في ذلك أن دليل التخصيص قابل للتعليل، والتعليل من شأنه توسيع محل الحكم فصار العام بذلك محلاً لاحتمال أن يكون المراد به أقل مما يبقى بعد ما دل المخصص على عدم إرادته "
فبتعليل تخصيص الجذام من لا عدوى بأنه مرض سار فيمكننا والله أعلم تخصيص كل الأمراض السارية التي يحددها الطب من قوله صلى الله عليه وسلم " لا عدوى " العام الذي يشمل كل الأمراض، وذلك قياساً على الجذام والجرب والطاعون والأوبئة الوارد فيها ما يثبت أنها أمراض معدية سارية.
ولو أن الجراثيم والأمراض السارية معروفة قديماً، لقال القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله تعالى : فيكون معنى قوله : " لا عدوى " أي إلاّ من الأمراض السارية، ولما قال : إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً. لاحظ قوله مثلاً، فإنه في غاية الدقة العلمية حيث يشير إلى أن الأمراض المعدية لم يرد حصر لها في السنة المطهرة . ( ننبه على ما ذكره ابن رشد فى الحاشية السابقة من الرد بالسواد والقرع " لأنها يخاف سرايتها إلى الأبناء " )
إن هذا المسلك وإن اختلف مع الأول من حيث معنى النفي إلاّ أنه يمكن العمل بهما معاً، لأن المسلك الثاني يدفع التوهم عن الناس ويبين خطأ الاعتقاد بعدوى كل الأمراض، الذي يؤول إلى الوسوسة وتجنب كافة المرضى، ولذلك نفى العدوى عن غير الأمراض السارية. أما الأمراض السارية فالعدوى بها سبب من الأسباب له شروطه لينتج المسبب عادة . ولكن الشرط الأول الخفيّ عنا والذي لا ندركه إلا بعد حدوث المسبب هو إذن الله تعالى ومشيئته، لأن الخالق العظيم كما يملك فإنه يحكم.
فإذا أيقنا بكل ما سبق فهل معنى وجود العدوى في الأمراض السارية أن يتجنب الناس كلهم المرضى بمرض سار تجنباً مطلقاً يؤدي إلى إهمالهم وتناسي الواجبات الإنسانية تجاههم؟ لا فإن صحيح البنية وصحيح التفكير الخالي من الوسوسة، وكذلك أصحاب اليقين بالله تعالى، هؤلاء يأخذون بأسباب الوقاية الصحية العامة والخاصة بمرض من يحتاج إلى تطبيب وتمريض ورعاية، ويقدمون الخدمات الإنسانية كل في حدود اختصاصه. وهذا ما يشير إليه المسلك الثالث التالي.
3. المسلك الثالث (وهو الثاني في فتح الباري ) : هو حمل الخطاب، بالنفي والإثبات على حالتين مختلفتين، فحيث جاء لا عدوى كان المخاطب بذلك من قوى يقينه وصح توكله بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى كما يستطيع أن يدفع التطير الذي يقع في نفس كل أحد، لكن قوى اليقين لا يتأثر به، وهذا مثل ما تدفع قوة الطبيعة لعلة فتبطلها. وعلى هذا يحمل حديث جابر في أكل المجذوم من القصعة وسائر ما ورد من جنسه.
وحديث جابر " فرَّ من المجذوم" كان المخاطب بذلك من ضعف يقينه ولم يتمكن من تمام التوكل، فلا يكون له قوة على دفع اعتقاد العدوى، فأريد بذلك سد باب اعتقاد العدوى عنه بأن لا يباشر ما يكون سبباً لإثباتها.
وقريب من هذا كراهيته صلى الله عليه وسلم الكيّ مع إذن فيه، وقد فعله هو صلى الله عليه وسلم مع إذنه فيه، وقد فعل هو صلى الله عليه وسلم كلاً من الأمرين ليأسّى به كل من الطائفتين أ هـ .
أقول والله أعلم : إن هذا المسلك الذي ذكره الحافظ بن حجر يجب ألا يستقل تماماً عن المسلك الأول السابق، بل يؤخذ المسلك الأول كإيضاح لعقيدة المسلم في العدوى كسبب، ويؤخذ المسلك الثالث كخطة للعمل تجاه المصابين بالأمراض السارية، على أن توضح تلك الخطة بالحقائق الطبية الثابتة.
فحريّ بالطبيب والممرض أن يقوى يقينهما بالله تعالى واعتمادها عليه لتبتعد عنهما الوساوس والأوهام حينما يخالطان المرضى ويزاولان المهنة مع أخذهما بالوسائل الوقائية التي خلقها الله تعالى وجعلها بحكمته وسائل، وبذلك يتأدبان مع الحكمة الإلهية ويعتمدون على القدرة الربانية.
إن الكثير من المرضى بمرض سار أناس بان عجزهم ووضح ضعفهم، يحتاجون في معظم الحالات إلى الخدمة والرعاية فضلاً عن التطبيب والتمريض.
فقوة اليقين بالله وصحة التوكل عليه مطمئنة للنفس رافعة للروح المعنوية مشجعة علي القيام بالمعونة والواجب، ولو كان في أدائهما مصاعب ومخاطر .
أما ضعيف البنية والمقاومة أو ضعيف الاتكال على الله تعالى أو ضعيف النفس صاحب الأوهام سريع الوسواس، فليس بملزم على الاحتكاك بالمرضى، بل عليه في هذه الأحوال أن يبتعد عن أسباب العدوى حفاظاً على سلامة توحيده وعقيدته بالله تعالى، وحفاظاً على صحته الجسمية والنفسية.
وإذا كان المسلك الثالث يبحث في خطة العمل عند التسليم تجاه المريض بمرض سار، فإن المسلك الرابع يبحث في واجب هذا المريض ليحدّ من انتشار مرضه المعدي إلى الآخرين .
4. المسلك الرابع : سمعته من فضيلة أحد العلماء الأعلام وهو أن النفي في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا عـــدوى " هو نفي بمعنى النهي على غرار قولــــــه " لا ضرر ولا ضرار " ( ) فإن الضرر بين الناس أمر واقع، فليس المقصود نفي وجوده وإنما المراد النهي عن إيقاعه أ هـ .
إن إيراد النهي بصيغة النفي يدل على المبالغة في النهي، فقولك : لا ضرر أبلغ في النهي من قولك : لا تضرّ وقولك : لا مزاح والأمر جد أبلغ في النهي من قولك : لا تمزح والأمر جد. وكذلك قول المعلم للتلميذ: لا لهو في الصف أبلغ من قوله لا تله.
فمعنى لا عدوى في هذا المسلك نهي عن مباشرة الأسباب التي تؤدي إلى سراية المرض إلى الآخرين . فعلى المصاب بالجرب مثلاً ألا يلمس الآخرين وألاّ ينام في فراش غيره، كما عليه أن يكافح مرضه. ومن كانت إبله مصابة بالجرب فعليه ألاّ يضعها إلى جانب إبل سليمة. ومن كان مصاباً بآفة سليّة مفتوحة على القصبات فعلية ألاّ يخالط الناس وأن يضع أمام فمه ما يصدّ به رذاذ سعاله عنهم إلخ.
إن النهي في مثل تلك الحالات مصرح به في أحاديث أخر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يورد ممرض على مصح" . وقال في الوباء : " وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه" إن النهي عن الخروج واضح الحكمة بالنسبة لمرضى الوباء، لئلا ينشروا عدواهم إلى أماكن خالية من الوباء .أما حكمة النهي بالنسبة للأصحاء ظاهراً فلأن منهم من يكون حاملات للجرثوم، وهو غير مصاب لمناعته، أو يكون حاملاً للحشرات المحملات بجراثيم الوباء في ثيابه وحوائجه . وكثيراً ما يضطرب في الطب الحديث إلى حجر وعزل فئة أو حيّ أو بلدة أو قطر، وإلى حظر الناس من مغادرة المكان المحجور والدخول إليه، منعاً لانتشار الوباء إلى الأصحاء أو إلى أماكن سليمة. بل قد تضطر الدولة إلى إغلاق حدودها خوفاً من انتشار الوباء إليها كما فعلت بلغارية تجاه جائحة الكوليرا عام 1970، ولا يستثني من ذلك الحجر إلاّ من تسمح له الشروط الصحية التي تختلف بحسب نوع الوباء. وقد يكتفي بحجر السليم حجراً موقتاً بمدة حضانة الوباء ثم يسمح له بالانتقال إذا ثبتت سلامته مع تعقيم ثيابه وحوائجه حسبما يقتضي ذلك الوباء.
إن هذا المسلك الرابع في فهم " لا عدوى " يمكن تطبيقه في قوله صلى الله عليه وسلم " ولا طيره " المعطوف على " لا عدوى " فإن نفي الطيرة وهي التشاؤم لا يمكن أن يكون نفياً لوجودها بالجملة والكلية فإن كثيراً من الناس يتشاءموا .
وإبقاء معنى النفي في " ولا طيرة " يحتاج إلى تأويل هو : لا ارتباط بين وقوع ما تتوقعون من شر بما تتشاءمون منه. وما لا يحتاج إلي تأويل مقدم على ما يحتاج
لقد ورد لبعض العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى " القول بأنه نهي عن الاعتداء ، قال في فتح الباري في آخر إيراده حديث باب لا هامة (الثاني ): وقيل معنى قوله (لا عدوى ) النهي عن الاعتداء، ولعل بعض من أجلب عليه إبلاً جرباء أراد تضمينه فاحتج عليه في إسقاط الضمان بأنه إنما أصابها ما قدر عليها وما لم تكن تنجو منه أ هـ .
هذا ما انتهى إليه الباحث الطبيب ، وهو ذات ما انتهى إليه الشيخ محمد بن صالح العثيمين ،والشيخ سلمان العودة ، والشيخ القرضاوى فى فتاوى لهم منشورة على مواقع اسلاميات أون لاين ، والإسلام اليوم ، والإسلام على الخط ، وفى الأخير ملف كامل عن الطب النبوى من بين بحوثه رؤية نقدية للدكتور عامر الحريرى مدرس الحديث النبوى بجامعة دمشق ،بعنوان ( أحاديث الطب النبوى واختلافها ) خلص فيه إلى نحو ما عرضنا ، وللشيخ السقاف كلام مقارب تحت عنوان ما ورد فى العدوى تجده بوقعه " الدرر السنية " وللأستاذ الدكتور محمد على البار كتاب جامع فى ( العدوى بين الطب وأحاديث المصطفى ).
وأخيرا نورد كلام العلامة ابن القيم ونصه ( ذهب بعضهم إلى أن قوله " لا يورد ممرض على مصح " منسوخ بقوله " لا عدوى " ، وهذا غير صحيح ، وهو مما تقدم آنفاً أن المنهي عنه نوع غير المأذون فيه ، فإن الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " لا عدوى ولا صَفَر " هو ما كان عليــــه أهل الإشراك من اعتقادهم ثبوت ذلك على قيـــــاس شركهم وقاعدة كفرهم ، والــــذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من إيراد الممرض على المصح فيه تأويلان :
أحدهما : خشية توريط النفوس في نسبة ما عسى أن يقدره الله تعالى من ذلك إلى العدوى ، وفيه التشويش على من يورد عليه وتعريضه لاعتقاد العدوى فلا تنافي بينهما بحال .
والتأويل الثاني : أن هذا إنما يدل على أن إيراد الممرض على المصح قد يكون سبباً يخلق الله تعالى به فيه المرض ، فيكون إيراده سبباً ، وقد يصرف الله سبحانه تأثيره بأسباب تضاده أو تمنعه قوة السببية وهذا محض التوحيد بخلاف ما كان عليه أهل الشرك .
وهذا نظير نفيه سبحانه الشفاعة في يوم القيامة بقوله { لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } فإنه لا تضاد الأحاديث المتواترة المصرحة بإثباتها ، فإنه سبحانه إنما نفى الشفاعة التي كان أهل الشرك يثبتونها وهي شفاعة يتقدم فيها الشافع بين يدي المشفوع عنده وإن لــــم يأذن له ، وأما التي أثبتها الله ورسوله فهي الشفاعة التي تكون من بعد إذنه كقوله { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } وقــــوله { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } وقـــــوله { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } ( ) .
ولا يخفى أن الأمر خطير فالبحوث العلمية تؤكد على أن العوامل الجينية أو الوراثية تلعب دورا واضحا فى معظم الاضطرابات النى يعانيها الإنسان ، وبالإضافة إلى الأمراض ذات المنشأ الوراثى والتشوهات الخلقية أصبح معروفا اليوم أن معظم الاضطرابات الشائعة كالسكرى وارتفاع ضغط الدم ، ومرض القلب التاجى ، والفصام ، والعديد من أشكال السرطان إنما تتأتى فى جانب منها من جينات غير سوية ، يمكن أن تنتقل من الوالدين إلى الأطفال ، أو قد يعود إلى الظهور مرة أخرى من جراء طفرة جديدة ، وقد تظهر الملامح السريرية أو الإكلينيكية للمرض عند الولادة ، أو يتأخر ظهورها سنوات عديدة ، وفى كل حال فالأمراض الوراثية تشمل ألوفا من الاختلالات ، بعضها شائع ومعروف وبعضها الآخر نادر الحدوث ، وكما تقرر البحوث فإن 8% من الأطفال فى البلدان الصناعية يولدون وهم معرضون للتعوق المزمن ، وخمسون بالمئة من هذه الحالات يقررها عامل الوراثة ، أو يدخل فى عداد مسبباتها مقومات وراثية رئيسية ، ويموت من جراء هذا النوع من الاضطرابات ما يعادل 2.5 من كل ألف طفل ، وقد سجلت دولة الإمارات للعام 1997 فى وفيات الرضع معدلا بلغ ثمانية بالألف ، وتشير الدلائل المتوفرة فى المناطق العربية إلى ارتفاع نسبى فى معدل الأطفال المولودين وهم مصابون باضطرابات وراثية ، وتشير إحصائيات الإجهاض – فى أبو ظبى- إلى أن ما نسبته 31.5% من جملة الحالات يعزى إلى التشوهات الخلقية ، وأن الزواج القائم على قرابة الدم يؤدى على وجه الخصوص إلى ظهور اضطرابات نادرة موروثة عن طريق الصفات المتنحية ، وأخيرا فإن زواج مريضين بالثلاسيميا يعنى أن خطر إنجاب طفل مصاب بالثلاسيميا مؤكد بنسبة 1 إلى 4 ( ).وأحدث الاحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تؤكد ان عدد المعاقين فى مصر فى تزايد مستمر وانهم يمثلون حوالى 13% من اجمالى عدد السكان منهم حوالى 73% من اصحاب الاعاقة الذهنية ( )
وحيث كان الأمر كذلك فلا يظن بأهل الشرع والقانون ألا أن يحتموا إجراء الفحص الطبى قبل الزواج ، ويحمد لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة – فى عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن نهيان – مبادرتها باشتراط الفحص الطبى المسبق لطالب منحة الزواج ، وحصوله على شهادة صحية تفيد خلوه من الأمراض المعدية خاصة أمراض العصر ، على ما نص عليه قرار مجلس الوزراء رقم 204/8 لسنة 1995 الصادر بتاريخ 29/5/1995 ، وعلى غرار دولة الإمارات مضت كل من السعودية والاردن ومن المنتظر تعميم التجربة فى انحاء الوطن العربى ، وإن كانت القوانين : الليبى ( مادة 10 ) والسورى ( مادة 15 ) واللبنانى ( مادة 9) والأردنى ( مادة 8) والعراقى ( مادة 7) والكويتى ( مادة 24) والسودانى ( مادة 40 ) واليمنى ( مادة 11) ومشروع القانون القطرى ، ومسودة قانون الأسرة البحرينى ( مادة 8،9 ) ووثيقة مسقط ( م 7) ومن قبل مشروع القانون العربى الموحد ( مادة 20) كلها قيدت زواج المجنون والمعتوه على النحو الذى صير إليه فى المادة 23 من مدونة الأسرة المغربية الجديدة ، ونصها :
يأذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج بزواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية ذكراً كان أم أنثى، بعد تقديم تقرير حول حالة الإعاقة من طرف طبيب خبير أو أكثر.
يطلع القاضي الطرف الآخر على التقرير وينص على ذلك في محضر.
يجب أن يكون الطرف الآخر راشدا ويرضى صراحة في تعهد رسمي بعقد الزواج مع المصاب بالإعاقة
وفى ظل غياب تشريع ملزم بإجراء الفحص قبل الزواج – كما هو الحال فى مصر – فإن بعض المهمومين بالمشكلة يقترحون الآتى : ( )
1- لولي المرأة أن يشترط على المتقدم للخطبة إجراء الفحص إذا كانت هناك قرائن تدل على احتمال الإصابة بالمرض سواء للمخطوبة أو للذرية مستقبلا، لاسيما في هذا الزمان الذي انتشرت فيه الأمراض المختلفة مثل نقص المناعة المكتسـب (الإيدز) والزهري والسيلان وغيرها، فانتشار الإيدز بشكل مخيف حسب الإحصاءات غير المعلنة، وكما قرره أهل الاختصاص، بين أوساط الشباب في الأزمنة المتأخرة، والأمانة الملقاة على عاتق ولي المرأة، تجعل القول باشتراط الفحص إن أحب الخاطب الاقتران من الأمور المؤكدة إذا ظهرت القرائن التي تدل على احتمال الإصابة، والخاطب بالخيار إن شاء رضي بذلك وإلا اختار غيرها. وقد جاء في فتأوى اللجنة الشرعية بوزارة الأوقاف بالكويت: "يستحب، بل يجب في بعض الحالات إخبار الراغبين في الزواج بما تكشف عنه الفحوصات، سواء كان حصول التشويه بالحمل مؤكداً أو محتملاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" والله أعلم" .
2-إذا انتشر مرض معين في منطقة معينة، وكان المتزوجون من أهل المنطقة، وهم معرضون غالباً لانتقال الأمراض الوراثية للذرية؛ فلا بأس من طلب الفحص قبل الزواج، وليس ذلك على النطاق العام، فلو كان المرض ينتشر في منطقة معينة من بلد ما فقط فيقتصر الحكم على المنطقة .
3-وعلى ما انتهت إليه المناقشات الطبية الفقهية لموضوع الفحص الطبي قبل الزواج التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، والتي ضمت نخبه من الأطباء والفقهاء من ينصح بمراعاة وصايا المنظمة وأبرزها ما يلى :
"1 – تشجيع إجراء الاختبار الوراثي قبل الزواج، وذلك من خلال نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والندوات والمساجد.
2 – تنأشد السلطات الصحية بزيادة أعداد وحدات الوراثة البشرية لتوفير الطبيب المتخصص في تقديم الإرشاد الجيني وتعميم نطاق الخدمات الصحية المقدمة للحامل في مجال الوراثة التشخيصية والعلاجية بهدف تحسين الصحة الإنجابية.
***************************
لـــزواج العرفى
وحيث إننا نتكلم عن توثيق عقد الزواج فالفرصة مناسبة لنتكلم قليلا عن ذاك الخطر المحدق بشباب مصر وفتياتها والمسمى خطئا " الزواج العرفى " .
لم يعد خافيا أن الزواج العرفي من أكثر الافرازات الاجتماعية الحديثة في المجال الاجتماعي و التي طفت على سطح المجتمع نتيجة لتراكمات اجتماعية كبيرة ساهمت إلى حد كبير في تغيير و إعادة تشكيل منظومة القيم و المبادئ الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في المجتمع المصري الحديث ، وهذا الارتباط البغيض واسع الانتشار لدى الشباب – وإن كان لا يغيب تماماعن ممارسة الكبار سنا ومنزلة اجتماعية - الذين يعتقدون أنه صحيح شرعاً على خلفية أن أيام الإسلام الأولى لم تعرف التوثيق وكان يكتفى بحضور شاهدين لصحة الزواج .
وواضح تماماً حالة اللبس فى الفهم وعدم التزام القواعد الشرعية فى التعاملات والأخذ بظواهر الأمور دون فهم أو وعى ( )
وحسب تعريف مجلة البحوث الفقهية المعاصرة فإن الزواج العرفى هو اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية سواء كان مكتوبا أو كان غير مكتوب .
وينقل عن الدكتور عبد الفتاح عمرو قوله : "هو عقد مستكمل لشروطه الشرعية إلا أنه لم يوثق، أي بدون وثيقة رسمية كانت أو عرفية".
ويعرفه الدكتور محمد فؤاد شاكر فيقول: "هو زواج يتم بين رجل وامرأة قد يكون قولياً مشتملا على إظهار الإيجاب والقبول بينهما في مجلس وأحد وبشهادة الشهود وبولي وبصداق معلوم بينهما ولكن في الغالب يتم بدون إعلان، وإجراء العقد بهذه الطريقة صحيح ".
ويعرفه الدكتور محمد عقله فيقول عن العقد في هذا الزواج (يتم العقد- الإيجاب والقبول- بين الرجل والمرأة مباشرة مع حضور شاهدين ودونما حاجة إلى أن يجرى بحضور المأذون الشرعي أو من يمثل القاضي أو الجهات الدينية... والزواج المدني - أو العرفي- بهذا المعنى لا يتنافى والشريعة الإسلامية لأنه في الأصل عبارة عن إيجاب وقبول بين عاقدين بحضور شاهدين ولا تتوقف صحته شرعا على حضور طرف ديني مسؤول أو على توثيق العقد وتسجيله. " ( )
ولعل بعض الذى أعان على شيوعه وانتشاره هو تعقيب بعض المتحدثين عنه بمثل قولهم
"إن الوضع الذي كان سائدا منذ صدر الاسلام و حتى صدور لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أن الزواج كان يتم بدون توثيق ، فلم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يكن ذلك يعني إليهم أي حرج، بل اطمأنت نفوسهم إليه. فصار عرفاً عُرف بالشرع وأقرهم عليه ولم يرده في أي وقت من الأوقات
و لكن نتيجة لتطور المجتمع الاسلامى و فساد الذمم برزت الحاجة إلى توثيق العلاقة الزوجية بما يثبتها بين أطرافها و هو ما كان لة بدايات كثيرة انتهت بصدور لائحة ترتيب المحاكم الشرعية رقم 78 لسنة 1931 ، و التي ألزمت بضرورة توثيق العلاقة الزوجية .( )
والحق أن هذا التبرير يتغافل جملة من الحقائق أبرزها :
1- أن ادعاء أن المسلمين لم يهتموا يوما بتوثيق عقد الزواج ادعاء لا دليل عليه ، وعلى أدنى اعتبار فهو وقوف بالتوثيق عند صورة واحدة من صوره وهى التوثيق على يد مختص بعينه ، هو الموثق ، بيد أن للتوثيق صورا عدة منها ما ذكره الله فى القرآن من الكتابة والإشهاد ، بل والرهن ، وغيرخاف أن من التوثيق المعتبر عند السلف كتاب القاضى ، ودفتر التاجر ، ومتولى الوقف وناظره ، وسجلات العدالة - وهى تشبه قلم الكتاب فى المحاكم الآن - و الدواوين - جمع ديوان وهى الوزارات أو الهيئات العامة – المختلفة ، والديوان كلمة فارسية تعني فى الأصل الدفتر ثم أصبحت تعني المكان الذي توضع فيه السجلات و يعد الخليفة عمر بن الخطاب أول خليفة أدخل نظام الدواوين في الدولة الإسلامية
2- أن من الثابت أنه لما اتسعت الفتوحات وفاضت الأموال لم ير عمر بداً من أن يضبط موارد هذا المال ومصارفه فأمر بإنشاء ديوان لبيت المال يرصد فيه الوارد والمنصرف، ويحصر فيه الجند وأعطياتهم. ويسجل فيه ما يفرض للمهاجرين والأنصار، ثم أمر أن يكون لكل وال من ولاة الأمصار ديوان على شـــــاكلة هذا الديوان يرصد فيه ما يجبي إليه وما ينفق منه . ( )
والسؤال الذى يليق أن يطرح هنا : كيف كان الناس يعطون ما فرض لهم من رواتب ومعاشات ؟
أكانوا يعطون بمجرد دعواهم أنهم متزوجون أو عزبا ، يعولون ، أو لا نسل لهم ؟ أم كان يطلب منهم على إخبارهم دليل ، شهادة أو يمين ؟ .
أليس مثل هذا الطلب – على فرض ثبوتــــه - عند كل استحقاق يدخـــل على الناس المشقة ؟
وإن قدرنا أن العصر الأول للديوان سار على الثقة وقول الصدق فهل ظل الأمر على حاله وقد ركب الناس – كما يقول عبدالله ابن عباس – الصعبة والذلول حتى اضطروه وأمثاله من أهل الفضل أن تركوا التحديث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .( )أعنى أنه حيث لم يجد بعض الناس حرجا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما حفز العلماء لوضع ودراسة ما عرف بعلم الرجال فى الحديث ، ألا يحفز مثل هذا الولاة لوضع السجلات تثبت فيها العلائق الأسرية والروابط الاجتماعية حتى يضبط صاحب الديوان الخرج كما يضبط الدخل ؟ إن قولا بغير هذا ليتهم السلف بالتخلف عن معالجة الواقع ، بل ويتهم الشرع بالعجز عن الوفاء بحاجات الناس المتجددة ، وظننا الراجح فى السلف أن هممهم العالية تنفى ذلك ، ويقيننا فى الشرع أنه باب الصلاح الذى لم ولن يوصد .
3- إننا لا نقر بعض الباحثين على طلاقة قولهم "ولأن الزواج عقد رضائي، وليس من العقود الشكلية التي يستلزم لها التوثيق " لأنه قائم على فرض الشكلية المنشئة لا شكلية الثبوت ، ومع هذا فالقراءة المتأنية لعقد الزواج فى مجموع فقه السلف تحتمل القول بالشكلية ، فمن الفقهاء من لا يجيز النكاح إلا بلفظى " أنكحتك ، وزوجتك " بناء على ما فهموا من الحديث الصحيح " اتقوا الله فى النساء ، فإنكم أخذتموهم بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " وكلمة الله فى كتابه " زوج " و " نكح " ولا يصح بلفظ الهبة ، لأن الله – فى القرآن – خص بالهبة فى الزواج النبى صلى الله عليه وسلم ، و إجمالا يقولون " إن النكاح لا ينعقد إلا بألفاظ مخصوصة ، وردت فى لسان الشرع ، فأطلقت عليه إطلاقا حقيقيا، وما عداها ليس بصريح فى النكاح فلا ينعقد به " ( )ولأن عقد النكاح من العقود المطلوبة شرعا ، وفيه ناحية تعبدية يتعين معها التقيد بما ورد عن الشارع من الألفاظ ( ) . بل فى مذهب أبى حنيفة – الذى لا يقيد الزواج بلفظ بعينه - ما نصه فى الدر المختار" وينعقد بإيجاب وقبول……فلا ينعقد بقبول بالفعل كقبض مهر، ولا بتعاط، ولا بكتابة حاضر، بل غائب بشرط إعلام الشهود بما فى الكتاب"( ) .
وإن جاوزنا قضية اللفظ إلى الشهادة استوقفنا قول الشوكانى " وظاهر الأحاديث المقتضية للنفى – لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل - أن الإشهاد شرط للنكاح لا يصح بدونه ، لأن النفى حقيقة يتوجه إلى الذات الشرعية، فيفيد ارتفاعها بارتفاعه ، وذلك معنى الشرط، وعلى فرض وجود قرينة تدل تمنع من اعتبار المعنى الحقيقى فنفى الصحة أقرب المجازين إلى الذات ، وذلك يفيد الشرطية أيضا ، قال الترمذى : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبىصلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم ، قالوا : لا نكاح إلا بشهود ، لم يختلفوا فى ذلك إلا قوم من المتأخرين من أهل العلم " ( ).
وهذه لا شك شكلية إثبات تناسب زمانهم ، وهى التى ذاع خبرها فى العقد والإثبات ، لكنها ليست بالضرورة كل شىء ، وإن كان مما نقل عن بعض الحنفية ما يوحى بهجر الكتابة لقلة فائدتها فى الإثبات كقول صاحب الخانية " إن القاضى إنما يقضى بالحجة ، والحجة هى البينة ، والإقرار ، والنكول وأما الصك فلا يصلح حجة ، لأن الخط يشبه الخط ( حموى وتنقيح ) وفى تنقيح الحامدية : وعامة علمائنا على عدم العمل بالخط " ( ) فإن دلالته الصحيحة كما يقول ابن عابدين " المدار على انتفاء الشبهة ظاهرا .... وأن العمل فى الحقيقة إنما هو لموجب العرف ، لا لمجرد الخط ، وحاصله أن ما مر من قولهم لايعتمد على الخط مبنى على أصل المنقول فى المذهب قبل حدوث العرف ، ولما حدث العرف فى الاعتماد على الخط والعمل به فى مثل هذا الموضع أفتوا به " ( ).
وإذا كان عرف المشارقة - أهل المشرق الإسلامى - فى التوثيق بالخط قد تأخر فليس كذلك عرف المغاربة ، فقد حكوا عن ابن لبابة المالكى – وهو من مالقة الأندلسية - المتوفى سنة 314 هجرية قوله " والتعليم على الشهادة فى الوثائق من سنة – أى العادة المتبعة- الحكم ، و لا يكتفى – القاضى – بسماعه للشهادة دون التعليم لأنه يتذكر به ما شهد به عنده " ( ) وقد جاء فى مقدمة مصنف ابن سلمون الكنانى – الرائع – والمعنون " العقد المنظم للحكام فيما يجرى بين أيديهم من العقود والأحكام " . ما نصه " " لما كانت الأحكام الشرعية لها محل كبير من الدين وعمدة فى حفظ نظام أمر المسلمين ، …. لم أزل أعمل النظر فى دواوين العلماء ، وأطيل البحث عن المسائل المحفوظة فى ذلك عن المتقدمين والمتأخرين ، حتى اجتمع لى فى ذلك عدة من المسائل المفيدة وجملة وافرة من الأحكام والنوازل الفردية فأردت أن أضم نشرها ، وأنظم على الاختصار دررها فى ديوان يحتوى عليها، ويكون لى تذكرة عند التشوق إليها، وأضفت إلى ذلك من الوثائق المستعملة ما يكون لفائدتها كالتكملة ، وقد جمعت من ذلك للناظر ما يكثر به بلواه ، ولا يجده مجموعا فى سواه"( )
ويؤكد على هذه الحقيقة ، بل ويبرز أثرها فى الفكر القانونى الغربى الأستاذ جوزيف شاخت بقوله " وهناك تأثير -للتشريع الإسلامى - مهم آخر ، ولكنه ذو صبغة شكلية محضة حدث فى أسبانيا الإسلامية ، حيث نجد أن المسيحيين الذين تعربوا وعرفوا باسم المستعربين أخذوا يستعملون فى وثائقهم وعقودهم الصيغ الفنية المتبعة فى الوثائق الإسلامية، واحتفظوا بهذه الطريقة فى مدينة طليطلة لمدة حوالى القرنين بعد أن استعادها النصارى عام 478هـ – 1085م " ( ) .
وأزيد على عبارة الأستاذ شاخت أن التوثيق شمل العقود والأحكام ، وقد ذكر المعربان – الدكتور حسين مؤنس ، د. إحسان العمد - أنه " توجد فى محفوظات كنيسة طليطلة ألوف من وثائق البيوع والتركات، ومختلف المعاملات المالية ، وقد درس بعضها أول الأمر المستشرق جين روبلز وقد كان من خيرة المستشرقين الأسبان ، ولكنه توفى شابا ، وقام بالعمل بعد ذلك أنجل جنذاليس باليينا فدرس بضعة ألوف من هذه الوثائق ، ونشرها بنصوصها العربية مع ترجمتها الأسبانية فى أربعة مجلدات فى مدريد 1939م ( ) .
إذن لنتمنى على شيوخنا وإخواننا أن يكفوا عن تلك العبارة المرسلة التى أطمعت أصحاب الهوى فيما لا ينبغى الطمع فيه ، إذ الظن المقبول أنها تخالف الواقع فى تاريخ الزواج عند المسلمين ، ولننظر نظرة سريعة فى موقف الفقه الإسلامى من التوثيق بالكتابة .
جاء فى موسوعة الفقه الإسلامى الصادرة عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى مادة " إثبات " وتحت عنوان : الخط . ما نصه :
مذهب الحنفية :
اختلف فقهاء الحنفية فى اعتبار الكتابة حجة يؤخذ بها "فى إثبات الحق ويعتمد عليها فى القضاء وعدم اعتبارها كذلك، وبالرغم من اقتناع الكثيرين من عدم جواز العمل بالخط معللين ذلك بأحد أمرين:
الأول: احتمال أن الكاتب لم يقصد بما كتبه إفادة المعانى الحقيقية للكلمات والألفاظ التى كتبها وإنما قصد تجربة خطه أو مجرد اللهو والتسلية.
والثانى: احتمال التزوير فى الخط إذ الخطوط تتشابه كثيرا إلى درجة كبيرة.. وقد قسموا الكتابة إلى ثلاثة أقسام :
أولا: كتابة مرسومة، أى معنونة، ومصدرة بعنوان على ما جرى به العرف المتبع، كأن يكتب من فلان ابن فلان إلى فلان ابن فلان، أو وصلنى فلان ابن فلان، من فلان ابن فلان مبلغ كذا، أو بذمتى لفلان ابن فلان كذا، وهكذا، ومستبينة ، أى ظاهرة ومقروءة.
ثانيا: كتابة مستبينة، غير مرسومة كالكتابة على غير الوجه المعتاد عرفا أو الكتابة على الحائط وأوراق الشجر.
ثالثا: كتابة غير مستبينة، كالكتابة على الماء أو فىالهواء.
وقالوا:إن ما ينبغى فيه الاحتمال الأول، وهو قصد التجربة أو اللهو مع استثناء الاحتمال الثانى، يكون حجة ويعمل به دفعا للضرر عن الناس، ولا سيما التجار، وأخذا بالعرف، وذلك كالكتابة المستبينة المرسومة مطلقا وهى التى عناها الفقهاء حين قالوا إن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان، وألحقوها بالصريح من القول فى عدم توقف دلالتها على شبه أو إشهاد أو إملاء. وكالكتابة المستبينة غير المرسومة إذا وجدت نية أو كان معها إشهاد عليها أو إملاء على الغير ليكتبها مما ينفى احتمال التجربة أو اللهو. أما إذا لم يوجد معها شىء من ذلك فلا يعمل بها لقيام الاحتمال ، وكذلك إذا قضت العادة بأنه لا يكتب إلا على سبيل الجدية وجرى العرف باعتباره حجة كما فى دفاتر السمسار والتاجر والصرافة، وما يكتبه الأمراء والكبراء ممن يتعذر الإشهاد عليهم من سندات وصكوك، ويعترفون بها أو يعدهم الناس مكابرين حين ينكرونها أو توجد بعد موتهم فإنها تكون حجة عليهم ويعمل بها.
وكذلك من توجد فى صندوقه صرة مكتوب عليها هذه أمانة فلان الفلانى يؤخذ بها لأن العادة تقضى بأن الشخص لا يكتب ذلك علي ملكه.
وقالوا:
إن ما ينبغى فيه الاحتمالان معا يكون حجة ويعمل به كما فى سجلات القضاة المحفوظة عند الأمناء ولو كانت حديثة العهد، فإنه يؤخذ بما فيها من أقوال الخصوم وشهادة الشهود ويحكم بها ويعتمد عليها فى ثبوت وشروط ومصارف الأوقاف المنقطعة الثبوت المجهولة الشرائط والمصارف وكما فى البراءات، والقرارات السلطانية المتعلقة بالوظائف فإنها تعتبر حجة فيما تضمنته واشتملت عليه، إذ العرف جرى باعتبارها من أقوى الحجج والأدلة لبعدها عن احتمال التزوير والتجربة واللهو. أما الكتابة غير المستبينة أصلا فهى لغو ولا أثر لها .
مذهب المالكية:
قال فى الجواهر: لا يعتمد على الخط لإمكان التزوير فيه، وإذا وجد فى ديوانه حكما بخطه ولم يتذكره لا يعتمد عليه لإمكان التزوير، ولو شهد به عنده شاهدان فلم يذكر.
قال القاضى أبو محمد: ينفذ الحكم بشهادتهما، أى لا يعتمد على المدون، وما وجد فى ديوان القاضى من شهادات الناس لا يعتمد القاضى منه إلا ما دونه بخطه أو بخط كاتبه العدل المأمون إذا لم يستنكر فيه شيئا .
ونقل ابن القيم فى " الطرق الحكمية " أن ابن وهب روى عن مالك فى الرجل يقوم فيذكر حقا قد مات شهوده ويأتى بشاهدين عدلين على خط كاتب الخط، قال: تجوز شهادتهما على كاتب الكتاب إذا كان عدلا مع يمين الطالب، وهو قول ابن القاسم، وأنه يجوز عند مالك الشهادة على الوصية المختومة.
مذهب الشافعية :
المشهور من مذهب الشافعى أنه لا يعتمد على الخط لا فى القضاء ولا فى الشهادة، لاحتمال التزوير فيها، فإن كانت محفوظة وبعد التزوير فيها وتذكرها القاضى أو الشاهد يجوز الاعتماد عليها، وإن لم يتذكرها ما فالصحيح عدم جواز الاعتماد .
مذهب الحنابلة :
إذا رأى القاضى حجة فيها حكمه لإنسان وطلب منه إمضاؤه، فعن أحمد ثلاث روايات:
أحداها: أنه إذا تيقن أنه خطه نفذه، وإن لم يذكره، واختاره فى الترغيب، وقدمه الشيخ مجد الدين فى التحرير ومثله الشاهد إذا وجد شهادة بخطه.
الثانية: أنه لا ينفذه إلا إذا تذكره فان لم يتذكره لم ينفذه.
الثالثة: إذا كان فى حرزه وحفظه كقمطره نفذه ، وإلا فلا.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأحمد - رضى الله عنه - : الرجل يموت وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون قد أشهد عليها أحداً، فهل يجوز إنفاذ ما فيها؟ قال: إن كان قد عرف خطه وهو مشهور الخط، فإنه ينفذ ما فيها.
قال الزركشى:. نص عليه الإمام أحمد - رضى الله عنه- واعتمده الأصحاب.
وقد نص فى الشهادة على أنه إذا لم يذكرها ورأى خطه لا يشهد حتى يذكرها. وقال الإمام فيمن كتب وصيته وقال لهم اشهدوا على بما فيها: أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه أو تقرأ عليه فيقر بها.
فنص الإمام - رضى الله عنه- على الصحة وجواز التنفيذ بعد معرفة الخط فى الصورة الأولى.
ونص على عدم الصحة وعدم جواز الشهادة إلا بعد السماع أو الإقرار بعد القراءة فى الصورة الثانية.
وقد اختلف أصحاب أحمد فى ذلك ، فمنهم من خرج فى كل مسألة حكم الأخرى وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج، فجوز عدم الصحة فى الأولى أخذا من الثانية، وجعل فى الثانية وجها بالصحة أخذا من الأولى، ومنهم من منع التخريج وأقر النصين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وفرق بين الحالتين بأنه فى الحالة الأولى اتنفى احتمال التغيير فى الوصية بالزيادة والنقص بعد موت الموصى، فلم تمنع الشهادة عليها.
وفى الثانية هذا الاحتمال قائم لوجود الموصى فمنعت الشهادة عليها ما لم يتحد بالسماع أو الإقرار.. فالروايات عن الإمام مختلفة فى الأخذ بالخط واعتباره حجة .
مذهب الزيدية :
وفى مذهب الشيعة الزيدية لا يحكم القاضى بما وجده فى ديوانه من خطه ولو عرفه لأن الخطوط تشتبه.
جاء فى " البحر الزخار" : ولا يحكم بما وجد فى ديوانه ولو عرف خطه لقوله تعالى:
) ولا تقف ما ليس لك به علم ...الإسراء : 36.)
وقال ابن أبى ليلى وأبو يوسف : يصح بمعرفة الخط، قلنا: تشتبه الخطوط.
وفى باب الشهادة منه أنه لا تجوز الشهادة ولو عرف خطه أو خط غيره بإقرار بحق لاحتمال التزوير .
وجاء فى " شرح الأزهار" ولا يجوز للحاكم أن يحكم بما وجد فى ديوانه مكتوبا بخطه وختمه سجلا أو محضرا إن لم يذكر، هذا مذهبنا، فقيده بما إذا لم يذكر.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى " كشف اللثام" من باب القضاء: لا يجوز للحاكم أن يعتمد على خطه إذا لم يتذكره وكذا الشاهد وإن شهد معه آخر ثقة لإمكان التزوير عليه.
واكتفى الحفيد والقاضى وأبو على بخطه مع شهادة ثقة والصدوقان كذلك مع ثقة المدعى، وجاء فيه: أنه لا يكتفى بما يجده مكتوبا بخطه وإن كان محفوظا عنده. وعلم عدم التزوير، وكذا ما يجده بخط مورثه كما هو الشأن فى الشهادة، لاحتمال اللعب أو السهو أو الكذب فى الكتابة. واعتمد الشيخ جعفر الكبير على الكتابة فى إثبات الوقف إذا كانت مضبوطة مرسومة تظهر منها الصحة وإن لم تبلغ حد العلم وإلا ضاعت الأوقاف، لأن طريقها الكتابة وفى "الجواهر" من باب القضاء: التحقيق أن الكتابة من حيث هى كتابة لا دليل على حجيتها من إقرار أو غيره.
نعم، إذا قام القرينة على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها. للسيرة المستمرة فى الأعصار والأمصار علي ذلك بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك " . انتهى بنصه .
وخاتمة بحث الإمامية كما نرى نصا أن الظاهر جواز العمل بالكتابة للسيرة – أى العادة المرعية – المستمرة فى الأعصار والأمصار على ذلك ، يقول : بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك .
وهذا ما انتهى إليه العلامة ابن عابدين قال " فى خزانة الأكمل : صراف كتب على نفسه بمال معلوم ، وخطه معلوم بين التجار ، وأهل البلد ثم مات ، فجاء غريم يطلب المال من الورثة عرض خط الميت بحيث عرف الناس خطه بذلك يحكم به فى تركته إن ثبت أنه خطه ، وقد جرت العادة بين الناس بمثله حجة ، انتهى ما فى البيرى وقد قال العلامة العينى ، والبناء على العادة الظاهرة واجب ....... قلت – والكلام لابن عابدين – ويزاد أن العمل فى الحقيقة إنما هو لموجب العرف لا لمجرد الخط . والله أعلم " ( )
وغاية ما نود الوصول إليه أن قضية الإثبات تدور حول العرف ، وجودا وعدما ، وتنعكس عليها ألوانه ، وبالتالى فالبناء على عرف الماضين فى توثيق الزواج أمر ينبغى التحرز منه فهى مسألة عرفية أكثر منها شرعية ، وإذا كانت الكتابة تحتمل المشابهة والمحاكاة والتزوير والافتعال ، فالشهادة لا تخلو من الطعن أيضا للعيوب التى تعترى شهادة الشهود من محاباة ورشوة وفساد ذمة وكذب ومبالغة ، و " ما يقع من أخطاء الشهود بسبب ما يعوزهم من دقة الملاحظة ، أو قوة الذاكرة فضلا عن ندرة احتمال وجودهم ، إذا كان العهد قد تقادم على الوقائع ، والواقع – والعبارة للمذكرة الإيضاحية للقانون المدنى المصرى – أن تحريف الشهادة أو تلفيقها لا يعد أهم خطر بشأن الإثبات بالبينة ، وإنما يتمثل هذا الخطر فى انتفاء ضمانات فعلية لا حيلة للقانون فيها . فقد أسفرت أحدث الدراسات النفسية ، كما أسفرت تجارب القضاء عن تناقض أقوال من يسمعون من الشهود فى يوم وقوع الحادث مع القطع بتوافر حسن النية فيهم . فأى ضمان يكفل صحة الشهادة ودقتها إذا سمع الشهود بعد بعشر سنين أو أكثر " ( )
وحيث إن المسألة كذلك فقد وجب على كل المتحدثين فى هذا الشأن التأكيد على قول العلامة ابن حزم فى المحلى تعقيبا على آية الدين " قال أبو محمد: فهذه أوامر مغلظة مؤكدة لا تحتمل تأويلا، أمر بالكتاب في المداينة إلى أجل مسمى وبالإشهاد في ذلك في التجارة المدارة – الحاضرة - كما أمر الشهداء أن لا يأبوا أمرا مستويا ،..... وأخبر تعالى أن الكاتب لا يضار - ولا شك في أن امتناعه من الكتاب مضارة وان امتناع الشاهد من الشهادة إذ دعى - فسوق، ثم أكد تعالى أشد تأكيد ونهانا ان نسأم كتاب ما أمرنا بكتابه صغيرا كان أو كبيرا وأخبر تعالى أن ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى من أن لا نرتاب، وأسقط الجناح في ترك الكتاب خاصة دون الإشهاد في التجارة المدارة ولم يسقط الجناح في ترك الكتاب فيما كان دينا إلى أجل مسمى، وبهذا جاءت السنة " ( ) .
وحيث لا يختلف الفقه فى أن حقوق الأموال أخفض من حقوق الأبدان فما المانع أن توجب الفتوى فى الأعلى – حقوق الأبدان ومن قبيلها الزواج – ما وجب فى الأدنى ، وهو حقوق الأموال ، وحيث كانت كيفية التوثيق – شهادة أو كتابة أو غيرها – مبناها كما قال ابن عابدين وغيره على العرف ، ويؤكد ذلك ابن بن تيمية بقوله " لم يكن الصحابة يكتبون (صداقات) لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر، بل يعجلون المهر، وإن أخّروه فهو معروف، فلما صار الناس يزوجون على المؤخر، والمدة تطول وينسى صاروا يكتبون المؤخر، وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفي أنها زوجة له" ( )
وحيث يؤكد ربنا – عز وجل – فى آية الدين - أن ذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا نرتاب ، وحذر من أن تركه فسوق وخروج بنا عن السلامة إلى الخطر ، وعن الاستقرار إلى الاضطراب وفساد الحال ، فلم الحذر من التصريح من اشتراط الكتابة فى النكاح ؟ .
ولعل قائلا يصر على دعوى أن تاريخ المسلمين خلا من توثيق الزواج ، وجوابه عندى قول ابن حزم فى الرد على مثله "فان قالوا: هذا مما تعظم به البلوى فلو كان واجبا ما خفى على كثير من العلماء ؟ قلنا: هبكم موهتم بهذا في أخبار الآحاد أترون هذا يسوغ لكم في القرآن الذى لم يبق من لم يعلمه؟ ( ) يعنى لو سلمنا اطراد العرف بغير الكتابة ، وأن توثيق الزواج بالكتابة تاريخيا خاف علينا فأين نحن من نص القرآن الكريم " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا " ؟؟؟
و حسبنا هنا أيضا قول العلامة ابن حزم فى مناقشة مخالفيه" وأيضا فإنهم مهما خالفونا في وجوب الإشهاد،والكتاب فإنهم مجمعون معنا على أنهما فعل حسن مندوب إليه" ( ) فهل يليق ترك الحسن ، أو الاستغناء بما دونه عنه ؟ .
وأخيرا فإن حق ولى الأمر فى تقييد المباح لا ينكر ، فإن فرضنا أن التوثيق بالكتابة الرسمية من المباح فلم لا يملك – بتشديد اللام - ولى الأمر حق إيجابه لما فيه من المصلحة ؟ .
الحق أننى أجدنى أميل إلى مطالبة المستشار أشرف مصطفى كمال – وهو الخبير المتضلع فى قضايا الأحوال الشخصية – حيث أنه دعا في مقال له نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 1/11/1985 إلى منع إبرام عقود الزواج العرفي بين المواطنين، والنص على بطلان هذا العقد، وعدم الاعتداد بأي آثار قانونية له. ولاشك أن هذا قرار خطير يحتاج إلى فتوى جماعية ، وحتى يلتقى أهل العلم على هذا القرار فليكف المتحدثون عن دعوى عرفية الزواج تاريخيا ، فالمعروف هو الأمر المستحسن ، وكلنا يجمع أن ما يجرى فى الواقع الآن مستهجن أشد الاستجهان .
وحتى نصل إلى هذا القرار الذى يسد باب الفساد لا مفر من أن نتتبع الشائع فى حكم الزواج العرفى فى صورته الراهنة ، ونعرض له بإيجاز فيما يلى .
الرأى في الزواج العرفي
الاساس في تحديد شرعية الزواج العرفي هو مدى استيفاء هذا الزواج للاركان الشرعية للزواج بصفة عامة .
فان كانت الاركان الشرعية للزواج هى الإشهار و الإيجاب و القبول و التأبيد و استوفى الزواج العرفي هذة الأركان فإنه يصبح زواجا شرعيا صحيحا و لا يؤثر عدم التوثيق على صحة الزواج العرفي لأن التوثيق ليس ركنا من أركان الزواج على ما نقل عن الفقهاء .
و لكن استجلاء لدقة الحكم يجب التفرقة في إطار الزواج العرفي بين صورتين :
الصورة الأولى : أن يستوفى العقد كامل حظه من الإشهار ، ويخلص قصد طرفيه إلى دوام العشرة والمودة ، ولا يتخلف من الإجراءات المعتادة فى الزواج إلا إفراغ الاتفاق فى الوثيقة الرسمية المعدة لذلك ، لداع يقدره طرفا الزواج ، ويرتضيانه سببا يقعدهم عن التوثيق ، مثل أن تستمر الزوجة في الحصول على معاش زوجها السابق المتوفى عنها ، أو الا يرغب الزوج في إخبار زوجته الأولى بزواجه الثاني ، فمثل هذا العقد صحيح فى ذاته ،وإن أثمت الزوجة فى استمرارها فى قبض مالا تستحق ، واشتبه أن يكون الزوج غاشا لزوجته الأولى بكتمان زواجه الثانى عنها .
الصورة الثانية : و هى الصورة الغالبة فيه ، ويدعى أنها تغلب فى مجتمع طلبة الجامعة أو الشباب ، ومبلغ علمنا أن كثيرين ممن يتشدقون ويتشدقن بالكلام حول تعدد الزوجات إنكارا له ولا يتوقف سيل كذبهم فى ما يدعى من دعم حريات المرأة حقوقها ، لهم وهن أحرص على ممارسة الصورة الثانية من فتيان وفتيات الجامعة ، المهم أن الغرض هنا لا ينصرف إلى دوام العشرة و المودة و في الأغلب الأعم لا يغادر إرادة تمتع كل طرف بالأخر ، وغالبا ما يكون هذا الارتباط متسما بالتأقيت ، و الزواج العرفي في هذة الصورة يكون اقرب إلى زواج المتعة المحرم شرعا عند جمهور المسلمين .
ولا شك أن ارتباطا بهذه الصورة لا يعتبر زواجا شرعيا و إنما هو أقرب إلى الزنا الذي يحاول الطرفان إسباغ صفة شرعية عليه .
الآثار المترتبة على عرفية الزواج :
1 ـ ضياع حقوق الزوجة حيث إن دعواها بأى حق من حقوق الزوجية لا قيمة لها أمام القضاء لعدم وجود وثيقة الزواج الرسمية
2 ـ أن الزوجة قد تبقى معلقة لا تستطيع الزواج بأخر ـ إذا تركها من تزوجها عرفياً دون أن يطلقها وانقطعت أخباره عنها أو أصابته أى حاله عصبية أو نفسية فقد فيها قدرته العقلية .
3 ـ أن الأولاد الذين يأتون نتيجة للزواج العرفى قد يتعرضون لكثير من المتاعب التى قد تؤدى بهم إلى الضياع والتمزق داخل مجتمعهم بل وكثيرا ما ينكر نسبهم ، ومما يفزع كل غيور أن يطالع ما نشرته بعض الصحف السيارة عن دراسة مصرية تنبه إلى أن قضايا إثبات النسب أمام المحاكم المصرية تبلغ 14 ألف قضية ، وحسب نص بيان منظمات أربع - من المنظمات المعنية بقضايا المرأة والطفل - حول الأطفال معدومي النسب بمصر فإنه:
بلغ عدد قضايا إثبات النسب المرفوعة أمام المحاكم المصرية 14 ألف قضية، حسب الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن الإدارة العامة للأسرة والطفل بوزارة الشئون الاجتماعية، أي إن هناك 14ألف طفل في أقل التقديرات بلا اسم، ولا هوية، إنهم 14 ألف طفل بلا وجود قانوني، ولا قبول اجتماعيا؛ فلا يعترف بهم أحد ولا يسمع لاستغاثاتهم أحد، بعضهم نشأ نتيجة زواج عرفي أنكره الأب، وبعضهم كان نتيجة لزواج فقيرات من أجانب بأوراق عرفية. تكشف الأرقام أن المحاكم المصرية تلقت في الفترة من أواخر سبتمبر 2004 وحتى أوائل مارس 2005 عددا من القضايا كان منها 122 ضد سعوديين، و252 قضية ضد كويتيين، 184 قضية ضد إماراتيين، وعمانيين، وبحرينيين، كما كشفت الإحصائيات أن 84 سيدة ممن رفعن قضايا نسب ضد سعوديين هن من منطقة الحوامدية وطموة وهى قرى في محافظة الجيزة اشتهرت بتزويج فتياتها إلى خليجيين.
أن هؤلاء الأطفال ليس لهم وجود رسمي فلا يمكن استخراج شهادات ميلاد لهم. مما يعنى عدم قدرة أمهاتهم على إعطائهم التطعيمات ضد الأمراض، أو الحصول على الرعاية الصحية المناسبة خاصة مع ظروف الأمهات التي في الغالب لن يستطعن الإنفاق على الطفل في المستشفيات الخاصة، أو أي شكل من أشكال الرعاية التي تحتاج إلى أوراق رسمية.
الإحصاءات المعلنة تشير إلى 14 ألف حالة، ولكن كم من الحالات التي فضلت التكتم درءا للتشهير والنبذ الاجتماعي وسجلت الطفل باسم أحد أقارب الأم " انتهى البيان وبقيت العبرة لمن يعتبر .
4 ـ انقطاع أواصل المودة والتقارب بين أهل الزوجين ، بل عادة ما يتهم أهل المرأة الرجل بالاختطاف ، ويتهم أهل الرجل المرأة بالغواية ، وبدلا من تبادل التهانى يتبادل الأطراف الاتهامات الشائنة التى تنال من الأغراض والأخلاق .
5 ـ ماذا لو تقدم شاب يريد الزواج ممن تزوجت عرفياً .. ماذا سوف يكون موقفها أمام أهلها وأمام أهل من تقدم للزواج بها وماذا ستقول لهم .
إن الظاهرة خطيرة وتحتاج كما انتهى باحثوها إلى تضافر الجهود فى الحد من أسبابها وعلاج آثارها وليبن الرأى فيها على ما تثبته الإحصاءات والاستبانات لدراسة المصالح والمفاسد الناتجة عن الزواج العرفي، ومن ثم الموازنة بينها، عوضاً عن الفتوى بمنعه بمعزل عن الدوافع التى تؤدى إليه قسرا ، وعن التى تجيزه دون تنبه إلى مفاسده التى لاتحد ، وقبل هذا وذاك ألا ينسى المتكلمون أن عقول العامة فى آذانها ، والمضطرون والطامعون جميعهم يبحثون عن أى مسوغ يسترون به انحرافهم ، فلا نفتن الناس بقولنا : الزواج عرفى تاريخيا . اللهم قد بلغت .
شروط التصادق على الزواج العرفى :
يحصل التصادق على التصرف العرفى بالالتجاء إلى الموثق أو المأذون ، طوعا أو اضطرارا لتحرير المستند الرسمى بالزواج مع إسناد واقعته إلى تاريخ مضى هو تاريخ الزواج العرفى ، مع مراعاة أن الموثق أو المأذون لن يجيب الطالبين إلى طلبيهما ما لم تتوافر الشروط اللازمة للعقد ، وهى
1- السن فلا يجوز للمأذون توثيق عقد الزواج إلا إذا بلغ الزوج سن 18 سنة والزوجة 16 سنة.
2- لابد من توثيق الزواج أمام المأذون فى القرية والمدينة أو القاضى فى المحكمة أو القنصل فى الخارجية .
3 - وإذا كان الزوج غير مصرى الجنسية فحسب تعليمات وزارة العدل يمتنع توثيق زواج الأجانب من مصريات إذا كان فارق السن بين الرجل والمرأة أكثر من خمس وعشرين سنة
********************
سادسا
الاشتراط فى عقد الزواج
الأصل أن تصدر الصيغة – الإيجاب والقبول – مطلقة عن الشروط والقيود، فترتب آثارها على أساس هذا الإطلاق، ولكن قد يجد المتعاقدان أو أحدهما أن هناك مصلحة تقتضى تقييد الصيغة ، فيلجآن أو أحدهما إلى الاشتراط، كمن يتزوج امرأة فتقبل بشرط أن يكون أمر طلاقها بيدها، أو ألا يسافر بها، أو ألا يتزوج عليها.
ومن المقرر فى نظرية العقد أن من أسس التعاقد حرية التعاقد، والحرية هى أهم ركائز الحقوق الإنسانية فى الإسلام ، ولا شك أن حرية التعاقد تكفل حرية الاشتراط، غير أن هذه الحرية مقيدة بجعلية العقود، بمعنى أن آثار العقود ونتائجها تترتب بجعل الشارع ووضعه ليتوصل بها إلى مسبباتها التى أوجبها وجعلها آثاراً لها ، ومن ثم لا يجوز اشتراط ما يضاد وضعية الشارع ، فإن اشترط ما يؤدى إلى ذلك فشرط باطل .
ومن جانب آخر فإن الشروط تتبع رغبات المتعاقدين، مما يجعلها بابا براحا للرغبات، وتركها بلا قيود قد يؤدى إلى تغيير الموضوع، وتبديل نظم التعامل المشروع لهذا فقد أجاز الشارع من الشروط ما يلائم المشروعية ويحفظ مقاصد التشريع، وعلى هذا اتفق الفقهاء فى الجملة، ولكنهم اختلفوا فى نقطتين أساسيتين:-
أولهما: هل الأصل فى الاشتراط الحظر أم الإباحة ؟.
الثانية: أثر الشرط فى العقد.
أما عن النقطة الأولى : فالفقهاء فى تقديرها على فريقين إجمالا ، فبعضهم يرى أن الأصل الحظر، ومن ثم فإنه يرى الاشتراط استثناء على الأصل فلا يجيزه إلا بقدر إعمالاً لنص أو إجماع أو مراعاة لعرف، أو لكون الشرط يقتضيه العقد، أو يلائم مقتضاه.
والفريق الآخر : يرى أن الأصل فى الاشتراط الإباحة، ومن ثم فإنه لا يرفض الشرط إلا اعتبارا لنهى شرعى ، أو نظرا لطبيعة الشرط التى تنافى مقتضى العقد، أو تعلق الالتزام على أمر خارج عن طرفى العقد…
ويظن بعض الناس أن الاشتراط فى الزواج مما استحدث بقرار وزير العدل 1727 لسنة 2000 والذى استبدل جملة من نصوص لائحة المأذونين الصادرة بقرار وزير العدل المؤرخ 4 يناير 1955 ومنها المادة 33 وقد نص فيها على : فقرة (5) يبصر الزوجين أو من ينوب عنهما بما يجوز لهما الاتفاق عليه فى عقد الزواج من شروط خاصة ، ومنها على سبيل المثال :
أ- الاتفاق على من تكون له منقولات الزوجية .
ب- الاتفاق على من يكون له حق الانتفاع وحده بمسكن الزوجية فى حالتى الطلاق أو الوفاة .
ج- الاتفاق على عدم اقتران الزوج بأخرى إلا بإذن كتابى من الزوجة .
د- الاتفاق على رصد مبلغ مقطوع أو راتب دورى يدفعه الزوج لزوجته إذا طلقها بغير رضاها .
ه- الاتفاق على تفويض الزوجة فى تطليق نفسها .
وذلك كله فيما يزيد على الحقوق المقررة شرعا وقانونا و لا يمس حقوق الغير .
وعلى المأذون أن يثبت ما تم الاتفاق عليه من المسائل السابقة ، أو أى اتفاق لا يحل حراما أو يحرم حلالا فى المكان المعد لذلك بوثيقة الزواج " .
والحق أن الاشتراط قديم قدم الزواج غير أنه لم يذكر صراحة فى القانون المصرى قبل القرار بقانون 44لسنة 1979 حيث وردت عبارة الفقرة الثانية من المادة 6 مكررا والمضافة إلى القانون 25 لسنة 1929 " ويعتبر إضرارا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها ، ولو لم تكن اشترطت عليه فى عقد زواجهما عدم الزواج عليها ..... " وفيما قبل ذلك كان حكم الاشتراط فى العقد خاضعا لأرجح الأقوال فى المذهب الحنفى ، وعلى أساس ما كان قضى بأن " عقد الزواج لا يثبت فيه خيار الرؤية أو الشرط أو العيب ، وعلى ذلك إذا تم الزواج فليس لأحد من طرفيه فسخ العقد مدعيا بأن له خيار الرؤية ، وذلك لأن الشارع قد أباح لكل منهما رؤية الآخر والنظر إليه قبل العقد ، فإن لم يحصل ذلك فالتقصير منهما ، وإذا اتفق الطرفان فى العقد على أن لأحدهما أو كلاهما الخيار فى مدة معينة صح العقد ويبطل الشرط ، وكذلك الحال إذا اشترط الزوج فى العقد جمال امرأته أو بكارتها أو سلامتها من العيوب ، أو اشترطت المرأة سلامة الرجل من الأمراض والعاهات والعقد يقع صحيحا ويبطل الشرط ، وإن وجد الرجل زوجته ثيبا على خلاف الشرط أو وجدت المرأة زوجها مريضها على خلاف ما اشترطت " ( ).
وأكثر ما كان يقع من اشتراط فى ظل التنظيم السابق كان اشتراط المرأة – عند إنشاء عقد الزواج – على زوجها أن يكون أمر طلاقها بيدها تطلق نفسها متى شاءت ، وهو ما اشتهر عند العامة بمصطلح " العصمة بيد الزوجة " وهو شرط جائز على مذهب الحنفية ، جاء فى حاشية ابن عابدين " ذكر الشارح في آخر باب الامر باليد نكحها على أن أمرها بيدها صح ا ه. لكن ذكر في البحر هناك أن هذا لو ابتدأت المرأة فقالت زوجت نفسي على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد، أو على أني طالق فقال قبلت وقع الطلاق وصـــــــــــار الامر بيدها، أمـــــــا لو بدأ هو لا تطلق ولا يصير الامر بيــــدها ا ه.) )
وفى استعراض موجز نحاول أن نستعرض أبرز ما يثور حول الاشتراط فى العقد من شروط .
المقصود بالشروط المقترنة بالعقد:
أما الشروط المقترنة بعقد الزواج فهي شروط مصاحبة لهذا العقد بعد أن نشأ صحيحًا مستكملاً سائر الأوصاف المطلوبة. وبعبارة أخرى فإن الشروط المقترنة بعقد الزواج ليست مرتبطة بجوهر العقد. وإنما هي شروط أضافها الزوجان أو أحدهما تحقيقًا لمصلحة يريدها.
فمثلاً لو أن الزوج اشترط أن تلتزم الزوجة بالسفر معه إلى مكان عمله.فإن هذا الشرط مقترن بعقد الزواج لأن العقد يتم بدونه فهو قد تم صحيحًا ولكن الزوج أضاف هذا الشرط بعد أن استوفي العقد شروطه وأركانه.
فالشروط المقترنة بعقد الزواج هي شروط لا صلة لها بجوهر العقد وإنما هي شروط يضيفها الزوجان أو أحدهما تحقيقًا لمصلحة خاصة.
س: وما هي أهمية هذه الشروط؟
الشروط المقترنة بالعقد لها أهمية عملية ظاهرة؛ حيث يتساءل الناس كثيرًا عن حكم الشروط التي يشترطونها في عقود الزواج مثل عدم سفر الزوجة مع زوجها إلى مقر عمله. أو مثل شرط أن تكمل تعليمها أو تستقيل من علمها إلى غير ذلك من الشروط التي اعتاد الناس اشتراطها وهم يريدون معرفة الحكم الشرعي لها. أي هل يجب الوفاء بها أو لا يجب؟ وما أثر هذه الشروط على عقد الزواج؟
س: وما الحكم الفقهى فى اشتراط شرط ما فى عقد الزواج ؟
يقسم الفقهاء – الحنفية وغيرهم - الشروط المقترنة بالعقد إلى قسمين شروط صحيحة يجب الوفاء بها، وشروط غير صحيحة لا يجب الوفاء بها وهذا التقسيم لا يكاد يكون محلاً لخلاف. ولكنهم اختلفوا حول مدلول هذا التقسيم فالكل يقول باحترام الشرط الصحيح ولكن الاختلاف في تحديد المقصود من الشرط الصحيح، ومثل ذلك يقال في النوع الآخر من هذه الشروط.
س: إذا ما هو الشرط الصحيح عند الفقهاء؟
ج: الشرط الصحيح عند الحنفية هو ما كان موافقًا لمقتضى العقد أو جاء به الشرع أو جرى به العرف. ومثال الشرط الذى ورده بجوازه الشرع كل أمر لم يمنعه الشرع ولا ينافى مقتضى الزواج كقبولها الزواج على أن تتم تعليمها أو أن يكون أمر طلاقها بيدها تطلق نفسها متى شاءت وهكذا ، ومثال ما يجرى به العرف: الاشتراط فى المهر نوعا وكيفية آداء ، ومثال ما يؤكد مقتضى العقد: أن تشترط الزوجة على زوجها أن يكون والده ضامنا للمهر، أو يشترط هو أن تكون سالمة من العيوب التى تمنع الاستمتاع…وإنما جاز هذا النوع من الشروط لأن من مقتضى الزواج ثبوت المهر للزوجة والاستمتاع بها للزوج – ولها هى أيضا كذلك – واشتراط الضامن يؤكد حقها واشتراط السلامة يؤكد حقه.
أما ما يقتضيه العقد فشرطه وعدمه سواء فمن تشترط على زوجها أن يحسن معاملتها ، كمن لا تشترط.
والشرط الصحيح يلزم الوفاء بــــه، ولكن لا يترتب على عدم الوفاء به فسخ العقد لما سنرى . "( )
و مذهب المالكية كمذهب الحنفية فى الجملة ، إلا أنهم قالوا فى الشرط الذى لا يقتضيه العقد و لا ينافيه كأن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها أو أن لا يخرجها من بلدها أو يسكنها فى بيت أبيها ، قالوا فى ذلك : هذا شرط مكروه لما فيه من الحجر على الزوج وتقييده بما لم يقيده به الشارع ، ولا يجب الوفاء به ، وإنما يستحب فقط . ( )
مذهب الحنابلة فى الاشتراط فى الزواج :
الحنابلة هم أكثر الفقهاء توسعة فى إجازة الاشتراط ، وبخاصة فى باب النكاح ، تمسكا بقول النبى صلى الله عليه وسلم " إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج"( )
وهم وإن كانوا موسعين ابتداء إلا أن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه النجيب ابن قيم الجوزية زادا من هذه السعة.
يقول شيخ الإسلام :
" ويجوز أحمد أيضا فى النكاح عامة الشروط التى للمشترط فيها غرض صحيح ، لما فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" ومن قال بهذا الحديث قال إنه يقتضى أن الشروط فى النكاح أوكد منها فى البيع والإجارة … فيجوز أحمد أن تشترط المرأة ما يملكه الزوج بالإطلاق ، فتشترط أن لا تسافر معه ، ولا تنتقل من دارها وتزداد على ما يملكه بالإطلاق، فتشترط أن تكون مخلية به فلا يتزوج عليها، ويشترط كل واحد من الزوجين فى الآخر صفة مقصودة كاليسار والجمال ونحو ذلك، ويملك الفسخ بفواته، وهو من أشد الناس قولا بفسخ النكاح وانفساخه، فيجوز فسخه بالعيب كما لو تزوج عليها، وقد شرطت عليه ألا يتزوج عليها ، وبالتدليس كما لو ظنها حرة فبانت أمة، وبالخلف فى الصفة على الصحيح"( )
ومعنى هذا أن كل شرط لم ينه عنه الشارع سبحانه فهو جائز، والجائز من الشروط يجب الوفاء به للحديث الذى روينا، وأيضا لقول النبى صلى الله عليه وسلم "المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا"( ) ومقصود الشرط الصحيح عامة " وجوب ما لم يكن واجبا ولا حراما"( )
س: وما هو ا لشرط غير الصحيح عند الفقهاء؟
الشرط غير الصحيح عند الحنفية – والمالكية - هو ما كان غير موافق لمقتضى العقد ولا مؤكدًا لمقتضاه ولم يرد به الشرع ولم يجر به عرف وذلك مثل أن تشترط الزوجة أن لا يتزوج عليها أو ألا ينقلها إلى مكان بعيد عن موطن والديها. أو غير ذلك من الشروط المشابهة.
أما الحنابلة فالدائرة عندهم أضيق ، فالشرط غير الصحيح هو ما نهى الشارع عنه ، أو كان مما ينافى مقتضى الزواج .
س: وما حكم هذا الشرط غير الصحيح؟
فى مذهب الحنفية :الشروط غير الصحيحة تبطل ولكنها لا تؤثر على العقد ، فيبقى صحيحا لازما ، لأن القاعدة عندهم أن النكاح لا تبطله الشروط الفاسدة ، وعلة ذلك كما يقول السرخسى " أنه عقد لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ويقول لا معتبر لتمام الرضا فى باب النكاح فإنه لو تزوجها بشرط أنها بكر شابة جميلة ، فوجدها ثيبا عجوزا شوهاء لها شق مائل وعقل زائل، ولعاب سائل فإنه لا يثبت له الخيار ، وقد انعدم الرضا منه بهذه الصفة"( )
أما الحنابلة فيفرفون بين صورتى الشرط غير الصحيح :
فإن كان الشرط باطلا للنهى عنه فإنه يبطل النكاح أيضا كالمتعة واشتراط التأقيت، واشتراط الخيار ، وكذلك إن جعل صداقها تزويج امرأة أخرى وهو نكاح الشغار( ).
وإن بطل الشرط لأنه ينافى مقتضى العقد، فإن بطلانه لا يؤثر على صحة العقد ، فيسقط الشرط – أى يعتبر كأن لم يكن – ويصح العقد ومثاله كما فى المغنى " أن يشترط ألا مهر لها، أو يعزل عنها – تجنبا لحدوث حمل – أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر – فى حالة النهار دون الليل، أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا، فهذه الشروط كلها باطلة فى نفسها، لأنها تنافى مقتضى العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح، فأما العقد فى نفسه فصحيح، لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد فى العقد لا يشترط ذكره، ولا يضر الجهل به فلم يبطل"( )
وواضح من ذلك أن الشرط متى كان باطلا فلا يجب الوفاء به مطلقًا. بل يلغو – و لا يلتفت إليه ، ويظل عقد الزواج صحيحًا باستثناء حالة واحدة وهي ما إذا كان من شأن الشرط غير الصحيح أن يدخل التأقيت على عقد الزواج وذلك مثل أن يتزوجها ويشترط أن يطلقها بعد فترة معينة. فهذا شرط باطل ويسري بطلانه إلى عقد الزواج فيبطله لأنه يجعله في معنى الزواج المؤقت وهو زواج باطل فى رأى عامة الفقهاء خلافا لطائفة من الشيعة .
المعتبر من اتجاهات الفقهاء فى قضية الاشتراط فى الزواج :
لاشك أن مذهب الحنابلة هو الأوفق إلى الرغبات ، وحماية المصالح الخاصة، لا سيما وقد ظهر أن أكثر ما يبديه الخاطبان قبل الزواج من عهود ومواثيق لولاها ما تم الزواج ، كثيرا ما لا ينجز ، فينشأ الشقاق، وتسوء العشرة، ويتعرض الطرفان خاصة المرأة لمتاعب جمة.
إزاء هذا عدلت تقنيات عربية كثيرة عن الأخذ بمذهب الحنفية فى دائرة الشروط إلى مذهب الحنابلة، مع الإبقاء على قاعدة الحنفية الشهيرة " أن الشروط الفاسدة لا تبطل النكاح" وهى أعم مما عند الحنابلة( ). ومن هذه القوانين القانون المصرى ، وقد وضح ذلك تماما من الفقرة الخامسة من المادة 33 من لائحة المأذونين والمضافة بقرار وزير العدل رقم 1727 لسنة 2000 ، بل الواضح تماما من الفقرة المذكورة – أعلاه – أنها سارت بالشرط الذى يحقق مصلحة لأحد الطرفين – خصوصا الزوجة – إلى أقصى مداه ، فنصت – من بين ما نصت عليه – على الاتفاق على رصد مبلغ مقطوع أو راتب دورى يدفعه الزوج لزوجته إذا طلقها بغير رضاها . وهذا فيما يزيد على الحقوق المقررة شرعا وقانونا ، أى أن مثل هذا الشرط يثبت للزوجة حقا عند الطلاق بغير رضاها فى تعويض زائد على ما تستحقه من نفقة عدة ومتعة ومؤخر الصداق . وهو مما يحتمل الاعتراض عليه بدعوى : التزام ما لا يلزم . ( )
والمعتبر من الشروط الصحيحة " ما ذكر فى صلب العقد كأن يقول زوجتك ابنتى فلانة بشرط كذا، ويقبل الزوج على ذلك ، وكذا لو اتفقا عليه قبل العقد..قاله الشيخ وغيره..لأن الأمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود يتناول ذلك تناولا وأحداً، وقال فى فتاويه : إنه ظاهر المذهب ومنصوص أحمد ، وقال فى الإنصاف وهو الصواب الذى لاشك فيه ، ولا يلزم الشرط بعد العقد ولزومه لفوات محله"( ).
وعلى هذا فإن المشترط قبل إجراء العقد أو فى صلبه له أن يطالب بما اشترط ما دام صحيحا، فإن لم يجب ، أو أخل الطرف الثانى بالشرط فإن له الحق فى طلب الفسخ ، أما الاشتراط بعد العقد فلا عبرة به.
هذا هو مذهب الحنابلة فى توقيت الاشتراط الملزم ، ولكننا لا حظنا أن التقنينات التى أخذت به، قد اكتفت بالمجمع عليه فى المذهب فقط ، وهو الاشتراط فى صلب العقد ( )، وأغفلت الاشتراط قبل العقد، وهذا فى رأيى قصور، لأن من الناس من يرضى على نفسه شروطا ولكنه يأنف من ذكرها فى مجمع الناس عند العقد، كذلك المشترط قد تكون له رغبة فى شرط مشروع ، ولكن يمنعه من التصريح بها الحياء من المحفل، وإتاحة الفرصة للاشتراط فى حضرة شاهدين مرتضين يحقق هذا.
ومن ناحية أخرى فإن أكثر هذه التقنينات حرصت على النص على رسمية الاشتراط ، أعنى ذكر الشرط صراحة فى وثيقة العقد ، وهذا لاشك يقطع النزاع حول الشرط مستقبلا سواء بالنظر إلى وجوده أو إلى مضمونه.( )
وفى دائرة الشروط الصحيحة:
برز فى أكثر التقنينات اشتراط المرأة على زوجها فى عقد نكاحها ألا يتزوج عليها، وإذا لم يف الزوج بما التزم به يبقى للزوجة حق طلب فسخ النكاح ، وبرز فـــى التقنين الكويتى ( مادة 40/2-3 ) أن فوات الوصف المعين المشروط فى أحد الزوجين ينزل منزلة عدم الوفاء بالشرط الصحيح ، فإن فات كان للمشروط له حق طلب الفسخ .، وقد عرضنا فى أول كلامنا لكامل نص الفقرة الخامسة من المادة 33 من لائحة المأذونين المصرية ، وعباراتها تدل عليها .
ويعاب على القانون اللبنانى أخذه بقول أبى الخطاب من الحنابلة فى صحة اشتراط طلاق الضرة،" لأنه – فى رأيه – لا ينافى العقد ولها فيه فائدة" ونص على هذا الشرط خاصة فى المادة (38) بعبارة " إذا تزوج امرأة وشرطت عليه ألا يتزوج عليها أو إن تزوج فهى أو المرأة الثانية طالق ، فالعقد صحيح، والشرط معتبر" وهذا خطأ لأن اشتراط طلاق الضرة شرط باطل بالحديث الصحيح " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما فى صفحتها، ولتنكح فإن لها ما قدر لها"( ).
وأخيرا فإن مذهب الحنابلة يقرر أن " كل موضع فسخ فيه النكاح مع صحته – أى بناء على عدم الوفاء بشرط – قبل الدخول فلا مهر لها لحصول الفسخ منها أو بسبب من جهتها ، وإن فسخ بعده أو بعد الخلوة وجب المسمى فى العقد لتقرره".
ولكن المقنن الأردنى – بوجه أخص - انزلق فى هذه الجزئية وقرر حكما غريبا نصه(م19/ب ) " إذا اشترط الزوج على زوجته شرطا تتحقق له به مصلحة غير محظورة شرعا، ولا يمس حقوق الغير…..فإن لم تف الزوجة فسخ النكاح بطلب من الزوج، وأعفى من مهرها المؤجل ومن نفقة عدتها" فأعفى من المهر مع تقرره.
زواج المســــــــــــــــيار
وإلحاقا لكلامنا فى اقتران الشروط بعقد الزواج نعرض لعلاقة زواجية اشتهرت فى الآونة الأخيرة تحت مسمى " زواج المسيار " فهذا مكانه الملائم بين موضوعات عقد الزواج .وننبه إلى أن المادة الأساسية لهذا الملف مصدرها دراسة نشرها موقع للكبار وقد وجدنا أنها مكتملة ومتميزة فنقلناها عنه ، راجين لأصحابها ثوابا من الله وجزاء شكورا على هذا الجهد الطيب .
أسباب نشأة وظهور زواج المسيار
أولا: أسباب تتعلق بالنساء ومنها:
1- عنوسة المرأة أو طلاقها أو ترملها:
من أهم الأسباب التي أدت إلى وجود زواج المسيار وانتشاره، هو وجود عدد كبير من النساء في المجتمعات الإسلامية- وخاصة الخليجية- بلغن سن الزواج ولم يتزوجن بعد، أو تزوجن وفارقن الأزواج لموت أو طلاق ونحو ذلك. ولقد أصبحت العنوسة ظاهرة اجتماعية مؤرقة أفرزتها الحياة المعاصرة، وهي تكبر وتتسع وتفرض نفسها على المجتمع كأمر واقع وخطير.
وقد ظهرت إحصائيات كبيرة حول عدد العوانس في البلدان العربية عامة ودول الخليج على وجه الخصوص 0
والنفس البشرية: يساورها القلق عندما تمكث المرأة من دون زواج، مما يدفع المرأة أو وليها إلى تقديم تنازلات من أجل الحصول على زوج يعف المرأة، ويكون لها منه الولد تستأنس به بإذن الله.
وفي استطلاع للرأي أجرته مجلة الأسرة السعودية وشمل 363 فتاة من المملكة العربية السعودية رأت 46.62% من الفتيات أن سبب ظهور زواج المسيار هو عنوسة المرأة، أو طلاقها أو حاجتها إلى الأطفال.
وبدراسة بعض الحالات المتزوجة عن طريق المسيار قالت إحدى الحالات: "إن الزواج بهذه الصورة كان هو الحل الأخير لزواجها، حيث إنها مطلقة مرتين ومتواضعة الجمال.
2- رفض كثير من النساء لفكرة التعدد:
حيث إن كثيرا من النساء لا يقبلن بالتعدد، مع تسليمهن بأن هذا هو شرع الله -عز وجل- إلا أن الغيرة الطبيعية لدى المرأة تجعلها لا تقبل به كواقع عملي.
وهذا الرفض أدى إلى زيادة نسبة العنوسة، حيث إن المرأة لا تقبل بزوج له زوجة أولى، حتى إذا تقدم بها العمر ولم تحصل على زوج اضطرت لتقديم تنازلات من أجل الزواج كما في زواج المسيار.
وقد أدى هذا الرفض أيضاً إلى لجوء الرجال إلى الزواج عن طريق المسيار بدافع الحرص على عدم علم الزوجة الأولى، وكذلك الخوف على كيان أسرته من الاهتزاز، حيث عدم المبيت وعدم السكن وغلبة الكتمان، مما يجعل من الصعب على زوجته الأولى أن تعرف به. وفي الإستبيان: رأى 66.25% من العينة أن السبب في لجوء الرجال إلى الزواج بهذه الصورة هو التحرز من علم الزوجة الأولى، مع رغبتهم في التعدد.
3- حاجة بعض النساء إلى المكث في بيت أهلها لرعاية أبويها:
فربما لا يوجد عائل لهم إلا هي، أو يكون عندها بعض الإعاقة التي تمنعها من تحمل مسئولية البيت، ويرغب أولياؤها في إعفافها والحصول على الذرية ولا يكلفون الزوج شيئاً.
وفي دراسة بعض الحالات المتزوجة عن طريق المسيار قالت إحداهن عن السبب الذي دعاها للزواج عن هذا الطريق: إن عندها خمسة أطفال وهي موظفة وتريد أن ترعاهم رعاية حسنة بعد وفاة زوجها وتقدم لها الكثير لكنها رفضت لانشغالها مع أولادها، ولما تقدم لها شخص يريد أن يتزوجها مسياراً على أن يأتيها في نهاية كل أسبوع قبلت ذلك لأنها وعلى حد قولها ستجمع بين الزواج والحرية والوقت الكافي لتربية الأطفال.
ثانيا: أسباب تتعلق بالرجال:
1- رغبة بعض الرجال في المتعة:
يرغب بعض الرجال في التعدد من أجل المتعة التي ربما لا يجدها مع زوجته الأولى، بسبب كبر سنها مثلا أو انشغالها مع أولادها ونحو ذلك، وهذا حق مشروع ولكن خوفهم من علمها، وحرصاً على شعورها و على كيان الأسرة، أدى إلى ظهور هذا النوع من الزواج. حيث الحصول على المتعة وإعفاف النفس من دون المبيت أو التغيب طويلاً عن مسكنه الأول. وفي استبانة مجلة الأسرة رأت 52.9% من الفتيات اللاتي شاركن في الاستبيان أن من أسباب ظهور هذا النوع من الزواج هو رغبة الرجال في المتعة.
وفي أحد استطلاعات الرأى التى تمت على عدد من المواطنين الخليجين ظهر ان 66.25% أن من أسباب ظهور هذا النوع من الزواج هو رغبة الرجل في المتعة وتحرزاً من علم الزوجة الأولى.
2- عدم رغبة بعض الرجال في تحمل المزيد من الأعباء:
بعض الرجال ليس لديهم الاستعداد أو القدرة على تحمل المزيد من الأعباء الإضافية في حياته الأسرية، خصوصاً في العصر الحاضر والتكلفة الباهظة في الزيجات، مع رغبته في زوجة من أجل المتعة والعفاف، وقابلت رغبته هذه رغبة كثير من المطلقات والأرامل والعوانس في الزواج، فأدى ذلك إلى ظهور هذا النوع من الزواج.
وفي أحد استطلاعات الرأى رأى 58.75 % ممن شملهم الاستطلاع أن من أسباب ظهور هذا الزواج هو هروب بعض الرجال من تبعات الزواج العادي وواجباته.
3- عدم استقرار الرجل بسبب العمل:
قد يكون عمل بعض الرجال غير مستقر، فهو يتردد على بعض المدن أو البلدان في عمل رسمي، أو تجاري، ويحتاج في أثناء وجوده في هذا البلد إلى امرأة تحصنه، مع عدم استعداده لتحمل مسئولية الزواج كاملة، فيلجأ إلى زواج المسيار، لأنه لن يستقر معها ولن يأتيها إلا أثناء وجوده في هذا البلد أو تلك المدينة وليس مستعداً لنقلها إلى بلده أو مدينته.
ثالثاً: أسباب تتعلق بالمجتمع:
1) غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج:
يرغب بعض الرجال في الارتباط بزوجة تعفه ويسكن إليها، سواء كانت الأولى أو الثانية، ولكن هناك عقبة تقف في هذا الطريق ألا وهي: مغالاة الأسر في المهور، وإلزام الزوج بتكاليف باهظة قد تفوق قدرته المالية. وقابل ذلك وجود عدد كبير من المطلقات والأرامل اللاتي قد يمتلكن المال ويرغبن في الزواج من زوج كفء وصالح، وعدد كبير من العوانس اللاتي يرغب أولياؤهن في تزويجهن رغبة في الإعفاف والولد، حتى ولو أنفقوا عليهن. فأدى ذلك إلى ظهور هذا النوع من الزواج. رغبة في تخطي أعباء الزواج العادي. وفي استطلاع للرأي رأى 51.25% من العينة على أن هذا الزواج فيه تخطي لأعباء الزواج العادي.
2) نظرة المجتمع بشيء من الازدراء للرجل الذي يرغب في التعدد:
فيتهمه المجتمع بأنه شهواني ولا هم له إلا النساء، وقد يكون هذا الرجل بحاجة فعلية إلى امرأة تعفه لظروف خاصة قد تكون عند زوجته، مما يدفعه للبحث عن زواج فيه ستر وبعد عن أعين المجتمع، فكانت هذه الصورة.
وهذه النظرة للتعدد غير صحيحة وتحتاج إلى تصحيح فإن التعدد أباحه وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
زواج المسيار وزواج المتعة
يخلط بعض الناس بين زواج المسيار وما يقره بعض الشيعة من نكاح عرف باسم " نكاح المتعة "وهو ما يتفق أهل السنة والزيدية والإباضية على أنه نكاح باطل لا يمت بصلة للزواج الشرعي، ومن خلال البحث ومراجعة نقول السلف وأدلتهم يتبين أن نكاح المتعة يختلف تماماً عن زواج المسيار إلا في نقطة واحدة: وهي عدم وجوب النفقة والسكنى على الرجل.
أوجه الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة :
1) المتعة مؤقتة بزمن، بخلاف المسيار، فهو غير مؤقت ولا تنفك عقدته إلا بالطلاق.
2) لا يترتب على المتعة أي أثر من آثار الزواج الشرعي، من وجوب نفقة وسكنى وطلاق وعدة وتوارث، اللهم إلا إثبات النسب، بخلاف المسيار الذي يترتب عليه كل الآثار السابقة، اللهم إلا عدم وجوب النفقة والسكنى والمبيت.
3) لا طلاق يلحق بالمرأة المتمتع بها، بل تقع الفرقة مباشرة بانقضاء المدة المتفق عليها، بخلاف المسيار.
4) إن الولي والشهود ليسوا شروطاً في زواج المتعة، بخلاف المسيار فإنه شرط في صحته، وكذا الولي عند الجمهور.
5) إن للمتمتع في نكاح المتعة التمتع بأي عدد من النساء شاء. بخلاف المسيار فليس للرجل إلا التعدد المشروع وهو أربع نساء حتى ولو تزوجهن كلهن عن طريق المسيار.
آراء العلماء في زواج المسيار:
لم يقع ما اشتهر باسم " زواج المسيار " فى العصور السابقة ، وبالأدق لم يشتهر حصوله ، حيث نقل صاحب المغنى الحنبلى حالات مشابهة سئل عنها الإمام أحمد بن حنبل ، وكانت صاحباتها يعرفن ب " النهاريات والليليات " ولكن يبدو أنها حالات كانت من القلة بمكان ، ومن ثم ندر الحديث عنه فى عموم فقه الأقدمين ، وحصر فقهه فى كلام المعاصرين من علمائنا ، وحيث كان أكثر حالاته وقوعا فى مجتمعات الخليج العربى فأكثر المجيبين فى فتواه من علماء الخليج ، وقليل من غيرهم ، ويأتى على قائمتهم الدكتور يوسف القرضاوى ، وقد ناقش فضيلته هذه القضية على الهواء مباشرة من خلال فضائية الجزيرة / برنامج الشريعة والحياة من تقديم أحمد منصور مساء يوم 3/5/1998 ، ويمكن للراغبين والراغبات فى مراجعة حديث الشيخ الاطلاع على الحلقة التلفزيونية مفرغة من خلال موقع أمان على الرابط التالى :
http://www.amanjordan.org/aman_ وقد اختلف العلماء في حكم هذا النوع من الزواج، ويمكن القول أنهم ذهبوا في هذا إلى قولين:
الأول: القول بالإباحة أو الإباحة مع الكراهة.
الثاني: القول بعدم الإباحة.
القول الأول: القائلون بالإباحة أو الإباحة مع الكراهية وأدلتهم:
من الذين قالوا بالإباحة: فضيلة الشيخ عبد العزيز ابن باز- رحمه الله- فحين سئل عن زواج المسيار والذي فيه يتزوج الرجل بالثانية أو الرابعة، وتبقى المرأة عند والديها، ويذهب إليها زوجها في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما. أجاب رحمه الله: "لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً، وهي وجود الولي ورضا الزوجين، وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد وسلامة الزوجين من الموانع، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" (رواه البخاري). وقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم ". فإن اتفق الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها أو على أن القسم يكون لها نهارا لا ليلا أو في أيام معينة أو ليالي معينة، فلا بأس بذلك بشرط إعلان النكاح وعدم إخفائه".
وهو قول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس إدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد، حيث أجاب سماحته عندما سئل عن حكم زواج المسيار: إن هذا الزواج جائز إذا توافرت فيه الأركان والشروط والإعلان الواضح، وذلك حتى لا يقعان في تهمة وما شابه ذلك، وما اتفقا عليه فهم على شروطهم، ثم ذكر حفظه الله أن هذا الزواج قد خف السؤال عنه هذه الأيام وقد كان يسأل عنه قبل سنتين تقريباً.
ويوافقهما الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -عضو الإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية- حيث قال: " اعلم أن هذا الاسم مرتجل جديد ويراد به أن يتزوج امرأة ويتركها في منزلها ولا يلتزم لها القسم ولا بالمبيت ولا بالسكنى وإنما يسير إليها في وقت يناسبه ويقضي منها وطره ثم يخرج، وهو جائز إذا رضيت الزوجة بذلك، ولكن لابد من إعلان النكاح مع الاعتراف بها كزوجة لها حقوق الزوجات، ولأولاده منها حقوق الأبوة عليه.
ولا تخرج فتوى الشيخ يوسف محمد المطلق- عضو الإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعوديةعن ذلك ، إفتاء وتأسيسا ، ويمتدحه فضيلة الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري -القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض بالمملكة العربية السعودية- إذ يرى أنه شرعي وضروري في عصرنا هذا، خاصة مع كثرة الرجال الخوافين؟؟ ومع اشتداد حاجة النساء إلى أزواج يعفونهن، والتعدد أصل مشروع، والحكمة منه إعفاف أكبر قدر ممكن من النساء، لذا يقول فضيلته :لا أرى في زواج المسيار شيئاً يخالف الشرع ولله الحمد والمنة، بل فيه إعفاف الكثير من النساء ذوات الظروف الخاصة، وهو من أعظم الأسباب في محاربة الزنا والقضاء عليه ولله الحمد والمنة، ومشاكله كمشاكل غيره من عقود الزواج ،ويوافقه على ذلك مع ذكر دليل الجواز الدكتور سعد العنزي حيث أكد أن زواج المسيار عقد صحيح مكتمل الأركان، وأن زواج الرجل دون علم زوجته الأولى لا يشوبه شائبة، مشيراً إلى أن زواج المسيار هو اتفاق رضائي بعد إتمام العقد بين الرجل والمرأة على إسقاط النفقة، كأن تكون المرأة غنية ولا تحتاج إلى نفقة ولا مسكن وإنما رغبت في الزواج من أجل المعاشرة أو الولد، وهذا الزواج لا ينافي مقاصد الشرع. وأضاف قائلا: إن زواج المسيار يحد من الانحرافات في المجتمع، فالمرأة أرادت السكن والعفة وأرادت الزوج بمقتضى هذا العقد الذي تتوافر فيه جميع الشروط. واستدل على جواز إسقاط الزوجة لحقها في القسم بتنازل السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها وأرضاها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلتها لعائشة رضي الله عنها. وأما ما يتعلق بالنفقة فأوضح أنه لا خلاف على أن النفقة واجبة على الزوج، ولكنه قال: إذا أسقطت حقها في النفقة كما لو كانت غنية... وتم الاتفاق بين طرفي العقد فيصح، ولها أن تطالب بحقها في النفقة مستقبلا إذا تضررت بعدم الإنفاق. وأما فيما يتعلق بالإعلان فإنه أوضح أن زواج المسيار زواج معلن وليس بسر، قائلا بأن الفقهاء متفقون في كل العصور على أن الغاية من الإشهاد شهر الزواج.
وعلى هذا الرأى من علمائنا المعروفين فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي، حين سئل عن زواج المسيار وأنه زواج يتم بعقد وشهود وولي، ولكن بشرط ألا يلتزم الزوج بالوفاء بالحقوق الواجبة عليه نحو الزوجة. فقال: "ما دام الأمر كذلك، العقد صحيح شرعا، وتم الاتفاق على عدم الوفاء بحقوق الزوجة، وهي رضيت بذلك فلا بأس، لأن الزواج الشرعي الصحيح قائم على المودة والرحمة، وعلى ما يتراضيان عليه، ما دام حلالا طيبا بعيدا عن الحرام}.
وفضيلة مفتي جمهورية مصر العربية الأسبق ، أستاذنا الدكتور الشيخ نصر فريد واصل حيث قال :"زواج المسيار مأخوذ من الواقع، واقتضته الضرورة العملية، في بعض المجتمعات، مثل السعودية، التي أفتت بإباحته. وهذا الزواج يختلف عن زواج المتعة والزواج المؤقت، فهو أي: زواج المسيار، زواج تام تتوافر فيه أركان العقد الشرعي، من إيجاب وقبول، وشهود، وولي، وهو زواج موثق، وكل ما في الأمر أن يشترط الزوج أن تقر الزوجة بأنها لن تطالبه بالحقوق المتعلقة بذمة الرجل، كزوج لها، فمثلاً لو كان متزوجاً بأخرى لا يعلمها، ولا يطلقها، ولا يلتزم بالنفقة عليها، أو توفير المسكن المناسب لها، وهي في هذه الحالة تكون في بيت أبيها، وتتزوج في بيت أبيها، ويوافق على ذلك، وعندما يمر الزوج بالقرية أو المدينة التي بها هذه الزوجة يكون من حقه الإقامة معها ومعاشرتها معاشرة الأزواج، وفي الأيام التي يمكثها في هذا البلد، ومن هنا لا يحق للمرأة- الزوجة- أن تشترط عليه أن يعيش معها أكثر من ذلك أو أن تتساوى مع الزوجة الأخرى" ولكنه أضاف قائلاً: "ويمكن لهذه الزوجة أن تطالب بالنفقة عليها عند الحاجة إليها، رغم الوعد السابق بأنها لن تطالب بالنفقة".
ومن علمائنا من يفتى بالجواز مع الكراهة ، أمثال الدكتور حسين بن محمد بن عبد الله آل الشيخ الأستاذ المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود بالمملكة العربية السعودية سابقا، لكنه تحفظ عليه تحفظا شديدا ويرى حصره في حالات خاصة جدا. وفي ذلك يقول: "إن زواج المسيار بالنظر العام إلى أركانه وشروطه جائز شرعاً، ولكن لما في هذه الشروط من نتائج سيئة، فهي فاسدة وحدها دون العقد. وأرى أن هذا الزواج جائز شرعاً مع قصره على حالات فردية خاصة كالمعاقة جسدياً مثلا، أو نحو ذلك من الأمور التي يتحتم عليها البقاء مع أهلها.
أما انفتاحه بهذه الصورة فإني أنظر إليه بالخطورة القصوى التي قد تعصف بالمجتمع، وكذلك قد يتساهل الناس به مما يسبب العزوف عن الزواج العادي، ويصير الزواج وكأنه متعة فقط. ولا ننسى أن العقد في الزواج ليس كغيره من العقود، فهو يتعلق بالأبضاع ومعلوم أن:(الأصل في الأبضاع التحريم) (وإذا تقابل في المرأة حل وحرمة غلبت الحرمة)
لذا يجب الاحتياط في أمر الزواج ما لا يحتاط في غيره، ولذا تبقى الشبهة قائمة في زواج المسيار، والله أعلم.
وهو قول الدكتور وهبة الزحيلي. يقول: "هذا الزواج صحيح غير مرغوب فيه شرعا.. لأنه يفتقر إلى تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج من السكن النفسي، والإشراف على الأهل والأولاد ورعاية لأسرة بنحو أكمل، وتربية أحكم".
ومنهم الشيخ عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، والقاضي بمحكمة التمييز بمكة المكرمة. يقول: "هذا الزواج بهذا التصور لا يظهر لي القول بمنعه، وإن كنت أكرهه، وأعتبره مهينة للمرأة وكرامتها، ولكن الحق لها، وقد رضيت بذلك، وتنازلت عن حقها فيه". واستدل على جوازه بأنه عقد مستكمل الأركان والشروط ويترتب عليه كل الحقوق المترتبة على عقد الزوجية من حيث النسل، والإرث، والعدة، والطلاق، واستباحة البضع، والسكن، والنفقة، وغير ذلك من الحقوق والواجبات إلا أن الزوجين قد ارتضيا واتفقا على ألا يكون للزوجة حق المبيت، أو القسم، وإنما الأمر راجع للزوج متى رغب فى زيارة زوجته- عن طريق المسيار- في أي ساعة من ساعات اليوم والليلة فله ذلك. وقال فضيلته: إن تنازلت المرأة عن بعض حقوقها فهذا لا يضر.
ولكنه يرى مع ذلك أنه مباح وليس فيه شبهة حرام، ويرفض القول بتحريمه بل وحتى يرفض التوقف في شأنه. وفي ذلك يقول: "الأصل في العقود الشرعية، ومنها الزواج هو الإباحة، فكل عقد استوفى أركانه وشرائطه الشرعية كان صحيحاً ومباحا، ما لم يتخذ جسرا أو ذريعة إلى الحرام، كنكاح التحليل، والزواج المؤقت، وزواج المتعة، وليس في المسيار قصد حرام... وأستهجن القول بتحريمه، أو التوقف في شأنه".
واستدل على جوازه بأنه عقد مستكمل الأركان والشروط، وأن تنازل المرأة عن بعض حقوقها لا مانع منه شرعاً، وتساءل قائلا: نظرا لأن المرأة تتنازل في هذا العقد عن حقها في المبيت والنفقة فأي مانع شرعي يمنعها من ذلك؟ فهي راضية بذلك. ولكنه طالب الزوجين بعدم التصريح عن هذا التنازل في العقد بل جعله ودياً بعدئذ.
ومن هذا الفريق الشيخ سعود الشريم- إمام وخطيب المسجد الحرام ، والدكتور أحمد الحجى الكردى ، والدكتور محمود أبو الليل .
وأبرز القائلين بالتكريه شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، وفي ذلك يقول: "أنا لست من دعاة زواج المسيار ولا من المرغبين فيه، فلم أكتب مقالة في تحبيذه أو دفاعا عنه ولم أخطب خطبة تدعو إليه. كل ما في الأمر أني سئلت سؤالا عنه فلم يسعني أن أخالف ضميري، أو أتاجر بديني، أو أشتري رضا الناس بسخط ربي فأحرم ما أعتقد أنه حلال".
ويقول أيضاً: "ويقول بعض المعترضين على زواج المسيار: إن هذا الزواج لا يحقق كل الأهداف المنشودة من وراء الزواج الشرعي، فيما عدا المتعة والأنس بين الزوجين، والزواج في الإسلام له مقاصد أوسع وأعمق من هذا، من الإنجاب والسكن والمودة والرحمة. وأنا لا أنكر هذا، وأن هذا النوع من الزواج ليس هو الزواج الإسلامي المنشود، ولكنه الزواج الممكن الذي أوجبته ضرورات الحياة، وتطور المجتمعات وظروف العيش، وعدم تحقيق كل الأهداف المرجوة لا يلغي العقد، ولا يبطل الزواج إنما يخدشه وينال منه".
وقد استدل على جوازه بأنه عقد متكامل الأركان والشروط، وإن تنازلت فيه المرأة عن بعض حقوقها، فلها ذلك، لأنها مالكة الحق ولها أن تتنازل عنه وأن ذلك لا يؤثر على العقد. واستدل بتنازل سودة بنت زمعة عن ليلتها للسيدة عائشة رضي الله عنهما جميعاً.
ولكنه علق قائلا: "وأنا أفضل ألا يذكر مثل هذا التنازل في صلب العقد، وأن يكون متفاهماً عليه عرفيا. على أن ذكره في صلب العقد لا يبطله. وأرى وجوب احترام هذه الشروط".
القول الثاني: القائلون بعدم الإباحة وأدلتهم:
من الذين قالوا بعدم إباحة زواج المسيار فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى حيث قال: إن فيه مضارا كثيرة على رأسها تأثيره السلبي على تربية الأولاد وأخلاقهم.
ومن الذين قالوا بعدم إباحته أيضاً: الشيخ عبد العزيز المسند، المستشار بوزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية والداعية المعروف بالمملكة ، والدكتور عجيل جاسم النشمي، عميد كلية الشريعة بالكويت سابقاً ،والدكتور محمد الزحيلي، والدكتور محمد عبد الغفار الشريف، عميد كلية الشريعة الإسلامية والدراسات الإسلامية بالكويت‘و الدكتور إبراهيم فاضل الدبو: الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بسلطنة عمان، و الدكتورجبر الفضيلات، والدكتور علي القرة داغي والدكتور عبد الله الجبوري والدكتور عمر سليمان الأشقر ،
ومن الذين قالوا بعدم إباحته أيضاً الشيخ محمد الراوي- عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
أدلة القائلين بعدم الإباحة ومناقشتها :
من خلال سرد آراء العلماء القائلين بعدم إباحة زواج المسيار، نرى أنهم استدلوا على رأيهم هذا بعدة أدلة:
1) أن العقد في هذا الزواج مقترن ببعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد، كشرط تنازل المرأة عن حقها في القسم والنفقة ونحو ذلك، وهذه الشروط فاسدة ، وقد تفسد العقد.
2) أن زواج المسيار هذا: مبني على الإسرار والكتمان، وعدم إطلاع الناس عليه، والأصل في الزواج الإعلان.
3) أن هذا الزواج يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية من الزواج، كتحقيق السكن والمودة، ورعاية الأبناء.
4) أن هذا الزواج فيه مهانة للمرأة، وتهديد لمستقبلها بالطلاق إذا طلبت المساواة في القسم أو النفقة، وفيه استغلال لظروفها، فهي لو وجدت الزواج العادي لما قبلت بزواج المسيار.
5) أن الله شرع لنا وسيلة أخرى غير هذا الزواج وهو التعدد.
6) أن هذا الزواج يترتب عليه الإضرار بالزوجة الأولى، لأنه سيذهب إلى الزوجة الثانية دون علمها، وسيقضي وقتاً معها ويعاشرها على حساب وقت وحق الزوجة الأولى في المعاشرة.
7) أن هذا الزواج ينطوي على كثير من المحاذير، إذ قد يتخذه بعض النسوة وسيلة لارتكاب الفاحشة بدعوى أنها متزوجة عن طريق المسيار. لذا يجب منعه سداً للذرائع حتى ولو كان مستكمل الأركان والشروط قياساً على زواج المتعة والمحلل.
مناقشة بعض أدلة المانعين:
مناقشة الدليل الأول:
مبنى هذا الدليل على أن تنازل المرأة عن حقها فى القسم والنفقة وبقية حقوقها يفسد العقد
وعلى ما ذكر العلماء فى النفقة كما سيأتى تفصيلا ‘ وعلى أساس من الأدلة الشرعية التى سنعرض لها هناك فإنه ليتضح لنا أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج بالإجماع دون خلاف، ولكن ماذا لو لم ينفق الزوج على زوجته؟ هل يفسخ العقد أم ماذا؟ ( )
يرى الحنفية: أن الزوج إذا لم ينفق على زوجته صارت نفقتها دينا عليه، ولها أن ترفع أمرها للقاضي أو يتراضيا، وللمرأة الحق في أن تسقط النفقة الماضية عن زوجها وإبرائه منها كسائر الديون، ولكن لا يجوز أن تبرأه عما يستقبل من النفقة، لأنه إسقاط لواجب لم يجب بعد، فلم يصح.
ويقول المالكية: والنفقة واجبة على الزوج..، وتسقط النفقة عن الزوج المعسر سواء كانت الزوجة مد خولاً بها أم لا، وللزوجة في هذه الحالة الخيار، فإن شاءت طلبت الطلاق، وإن شاءت بقيت معه. وإذا أنفقت الزوجة على نفسها زمن الإعسار فإنها لا ترجع عليه بشيء من ذلك بعد يسره، سواء كان الزوج زمن إنفاقها حاضرا أم غائبا، لأنها متبرعة في تلك الحالة.
ويرى الشافعية: أن النفقة واجبة على الزوج ولكنه إذا أعسر ولم ينفق على الزوجة فإنها بالخيار إذا شاءت صبرت معه وأنفقت على نفسها وصارت نفقتها دينا عليه، وإلا فلها الفسخ على الأصح.
ويرى الحنابلة: أن النفقة واجبة على الزوج ولكنه إذا أعسر ولم يستطع النفقة فلزوجته الخيار إما الفسخ وإما البقاء معه، ولكنها إذا كانت عالمة بإعساره قبل العقد فلا خيار لها، لأنها عالمة بعيبه.
وعلى ما سبق من آراء الفقهاء غير الحنفية فإن الزوج إذا أعسر ولم ينفق على زوجته فلا يفسخ العقد ولا يبطل النكاح، بل للزوجة إذا رضيت أن تنفق على نفسها وتبقى مع زوجها فلها ذلك، أو إن شاءت طلبت الطلاق‘ بل فى قول ابن حزم تسقط بالإعسار نفقتها ‘ لقول الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ....البقرة 280} وقوله { لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها ... الطلاق 7} يقول ابن حــــزم " فصح يقينا أن ما ليس فى وسعه ، ولا أتاه الله ، ومالم يكلفه الله تعالى فهو غير واجب عليـــــه ، وما لم يجب عليــــه فلا يجوز أن يقضى عليه به أبدا ، أيسر أو لم يوسر " ( )
وقد يرد على هذا بأن: الإعسار هذا ظرف طارئ، وأن الزوجة أسقطت نفقتها احتراما للعلاقة الزوجية، وأن إسقاطها جاء بعد العقد وليس قبله.
ويجاب عن هذا: بأن المرأة تعلم أن النفقة هذه من حقها، فلا فرق بين أن تسقطها قبل العقد أو بعده.
ولذلك قال بعض علماء الحنابلة: إن المرأة إذا تزوجت معسرا عالمة بإعساره فليس لها الخيار بعد ذلك في الفسخ، لأنها رضيت بعيبه.
أي أن الزوجة كانت تعلم أن زوجها لن يستطيع الإنفاق عليها، ومع ذلك قبلت بهذا الزوج على عدم إنفاقه عليها، ولم يقل أحد إن ذلك يؤثر على العقد.
بل إن الأئمة الأربعة: قالوا بصحة العقد مع تنازل المرأة عن أمور أهم بكثير من أمر النفقة -قبل العقد- ومن ذلك أمر الوطء الذي هو صلب عقد الزواج، وهدف الزواج الأول! وما يتبع ذلك من ذرية إن شاء الله تعالى.
قال الحنفية: "إذا كانت الزوجة عالمة بعيب الزوج كأن يكون عنيناً ورضيت بذلك فلا خيار لها، لأنها رضيت بالعيب، كالمشتري إذا كان عالماً بالعيب عند البيع والرضا بالعيب يمنع الرد.
أي أن الزوجة علمت قبل العقد أن الزوج عنين لا يستطيع الوطء، ومع ذلك قبلت بهذا الزوج، فانعقد العقد، وصح النكاح، ولا خيار لها في الفسخ بعد ذلك.
ألا يصح بعد ذلك أن توافق الزوجة على عدم النفقة أو عدم القسم مع العلم أن هذه الأمور في مرتبة أقل بكثير من مرتبة الوطء!
وقال المالكية:"فإن علم السليم بعيب المعيب قبل العقد فلا خيار له بعد ذلك، لأن عقده مع العلم بالعيب دليل رضاه".
وعددوا عيوب الرجل التي يكون للمرأة الخيار فيها وهي: الجب، والخصاء، والاعتراض، والعنة.
فالمالكية لم يقولوا إذا علم السليم بعيب المعيب فلا يصح انعقاد العقد، بل قالوا فلا خيار له، أي أن العقد انعقد وصح النكاح، ويسقط الخيار وتستمر الحياة الزوجية.
ويقول الحنابلة: "ومن علم العيب وقت العقد فلا خيار له، لأنه دخل على بصيرة بالعيب".
يقول ابن قدامة: " ولنا أنها رضيت بالعيب ولى خلت في العقد عالمة به، فلا يثبت لها الخيار كما لو علمته مجبوباً".
وعلى ما سبق نقول إن العلماء أثبتوا للمرأة الخيار والحق في القبول بالزوج العنين والمجبوب الذي لا يستطيع الوطء، أي أن المرأة أسقطت حقها في الوطء الذي هو الهدف الأول من الزواج، وذلك قبل العقد، ومعلوم أن الوطء يترتب عليه النسل.
ألا يصح أن يقال بعد ذلك إن للمرأة الحق في إسقاط ما هو أقل من الوطء وهو النفقة أو المبيت أو السكنى من أجل أن تحصل على زوج يعفها ويكون لها منه الولد- إن شاء الله-؟
وقد يرد أيضاً: بأن الرجل هو الذي يشترط إسقاط النفقة وليست المرأة هي التي تتنازل؟
ويجاب عن هذا: بأن هذا الكلام غير وارد. فإننا لم نقرأ في كلام من كتبوا فى زواج المسيار أو من تحدثوا عنه أن الرجل يذهب إلى أهل المرأة ويقول لهم أنا أريد أن أتزوج ابنتكم ولكن لي شرط وهو أن لا أنفق عليها؟
ولكن في الغالب يتم هذا الزواج عن طريق وسيط. يعلم ظروف هذه المرأة ويعلم أنها لا تريد إلا زوجا فقط، ويعلم ظروف هذا الرجل وأنه لا يريد إلا زوجة فقط، وتكون الزوجة على علم تام بأن الزوج لن ينفق عليها ولن يقسم لها وتكون راضية بذلك، بل إن الزوجة في الغالب تكون هي الخاطبة كما يقول الشيخ سعود الشريم أو يكون وليها هو الخاطب لها، ويتضح ذلك من خلال إجابة بعضهن على استبانة الباحث عندما سئلن:
من الذي دلك على هذا الزواج؟
قالت احداهن: "الوالد" "وقالت الأخرى عن طريق أخي".
وحتى إن كان الزوج هو الذي اشترط وثبت ذلك في العقد فسبق أن ذكرنا أن أمثال هذه الشروط فاسدة، وأنها عند الأئمة الأربعة لا تبطل العقد بل تسقط هي ويبقى العقد صحيحاً.
بل إن ابن تيمية قال: ويحتمل صحة شرط عدم النفقة. على ما نقل عنه الدكتور القرضاوي.
ولم يقل بفساد العقد إلا رواية مرجوحة عن الإمام أحمد أوردها ابن قدامة في الكافي حيث قال:"وقد سئل الإمام أحمد في النهاريات والليليات فقال: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام. وهذا يحتمل إفساد العقد، فيتخرج عليه سائر الشروط الفاسدة أنها تفسده، لأنها شروط فاسدة، فأفسدت العقد.
ونقل عن الأثرم في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم أو عشرة دراهم. قال: "النكاح جائز ولها أن ترجع في الشرط".
وعلى ما سبق يترجح لنا عدم حجية إسقاط المرأة لحقها في النفقة على بطلان العقد في زواج
وبعد هذاالعرض المفصل لزواج المسيار من كافه الأوجه نرغب فى التأكيد فى النهاية على مجموعة نقاط هامة للتذكرة وهى :
1) زواج المسيار زواج مستكمل الأركان والشروط المتعارف عليها عند جمهور الفقهاء، من تراضي الزوجين وحضور الولي والشهود، ونحو ذلك، ولكنه يتضمن تنازل الزوجة عن بعض حقوقها الشرعية باختيارها ورضاها مثل النفقة والقسم، والعقد فيه صحيح، ولكن هذا الزواج مخالف لكثير من الحكم والمقاصد التي أرادها الشارع من الزواج. ولذلك يجب عدم تشجيع العامة على هذا الزواج واتخاذ الوسائل اللازمة للتضييق من دائرته ولكن لا يمكننا القول بمنعه لما فى ذلك من اعتداء على حرية الزواج والتحريم بغير دليل يمنع .
2) جاءت تسمية هذا الزواج بالمسيار من باب كلام العامة، وتمييزا له عما تعارف عليه الناس في الزواج العادي، لأن الرجل في هذا الزواج يسير إلى زوجته في أوقات متفرقة ولا يستقر عندها طويلا.
3) هذا الزواج بهذه الصورة لم يشع إلا فى السنوات الأخيرة ، ولكن الذي يبدو أن له صورا مشابهة في الماضي القريب والبعيد، فقد ذكر فى كتب السلف ( زواج النهاريات والليليات ) ويذكر أهل الخليج أن تجارهم كانوا يتزوجون زواجاً قريبا من هذا خلال أسفارهم، ولا يخفى أن أكثر انتشاره اليوم فى البلدان الخليجية .
4) هناك أسباب كثيرة أدت إلى ظهور هذا الشكل من الزواج، منها ما يعود إلى النساء وعلى رأسها كثرة عدد العوانس والمطلقات والأرامل وصواحب الظروف الخاصة، وكذلك رفض كثير من الزوجات لفكرة التعدد.
ومنها ما يعود للرجال وعلى رأسها رغبة بعض الرجال في الإعفاف والحصول على المتعة الحلال مع ما يتوافق وظروفهم الخاصة، ومنها ما يعود للمجتمع وعلى رأسها الأعراف السائدة في بعض المجتمعات من مغالاة في المهور والنظر بشيء من الازدراء لمن يرغب في التعدد ونحو ذلك.
5) تتمثل مزايا زواج المسيار في إعفاف قدر كبير من نساء ورجال المجتمع اضطرتهم ظروفهم الشخصية أو الظروف المجتمعية إلى اللجوء إلى الزواج بهذه الصورة، بدلا من سلوك مسالك غير شرعية.
أما مفاسد فأبرزها أنه قد يجعل من الزواج بهذه الصورة سوقا للمتعة ، يتنقل فيه اللاهون واللاهيات من مخدع إلى مخدع ، الأمر الذى يضر فى النهاية بمفهوم الأسرة من حيث السكن الكامل والرحمة والود بين الزوجين، وعدم إحكام تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة سوية متكاملة، ويؤثر سلباً في تكوين شخصيتهم.
7) زواج المسيار يختلف كليا وجزئيا عن زواج المتعة والمحلل، فهو زواج مستكمل الأركان والشروط وإن اختلف في الموازنة بين فوائده ومفاسده، أما زواج المتعة والمحلل فحرام باتفاق أهل السنة لأنه ليس مقصوداً لذاته.أ.ه .
زواج الفريند
ومما يلحق بزواج المسيار خصوصا وبقضية الاشتراط المنقص من حقوق الزوجة على الزوج ما اشتهر مؤخرا تحت مسمى " (Zawj friend) .وننقل أيضا عن موقع للكبار نص المنشور فيه عنه .
ماهو الزوج فريند ؟؟
فتوى أثارت جدلا واسعا في العالم الغربي والعربي والإسلامي أطلقها الشيخ "عبدالمجيد الزنداني" ـرئيس جامعة الإيمان، رئيس مجلس الشورى في حزب التجمع اليمني للإصلاح ـ عندما أصدر فتوى باسم زواج فريند، ثم أكد أنها زواج ميسر.
ومهما اختلفت التسمية إلا أن فتوى الزنداني لاقت ردود فعل متباينة ما بين التأييد والمعارضة ، فبعض الناس رآها وسيلة للقضاء على المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية بالغرب في ظل ظروف مجتمعية صعبة وتحديات جمة من أجل الحفاظ علي الهوية الإسلامية.. في ظل مجتمعات ينتشر فيها الانحلال والفساد وتفتقد القيم الإسلامية؛ لذا كان الزواج هو الحل ليخفف من تلك المعاناة بما يتناسب مع تلك المجتمعات، خاصة أن أركانه من الناحية الشرعية متوافرة..
وفريق آخر يرفض متخوفا من أن تتخذ الفتوى ستارا وبابا خلفيا للفساد والانحلال الأخلاقي، ووصل ببعضهم الأمر أن وصفها بالزنا المقنن، مؤكدين أنها باطلة لافتقادها شروط الزواج وأركانه الأساسية وتهديده لسلامة البناء العائلي من جهة ثانية.. بالإضافة إلى كونه يثير مشكلة الاحتكاك بين قيمنا الإسلامية والعربية الأصيلة والقيم السائدة في بلاد الغرب حول مسألة بالغة الدقة تتعلق بما هو حلال وما هو حرام في العقود والعهود التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة..
مواجهة تأثيرات المجتمع الغربي
في البداية عزا الشيخ الزنداني إطلاقه لهذه الفتوى إلى طلب تلقاه خلال زيارة قام بها إلى أوروبا للإسهام في حل مشكلة أبناء الجاليات هناك الذين لا تستطيع أسرهم منعهم من إقامة علاقة خارج إطار الشرع، وتوقع أن هذه الفتوى ستحافظ على أبناء المسلمين في أوروبا، وتصون أعراض العائلات، وتحفظ النسل من الضياع، كما ستمكن الجاليات العربية والإسلامية من مواجهة تأثيرات المجتمع الغربي.
ويضيف قائلا: "زوج فريند.. جاءت عندما كنت أتحاور مع أحد الإخوة القادمين من أوروبا، فجاء ذكر حال الشباب وما يتعرضون له من ضغوط ومفاسد حتى لا يكاد الأب يسيطر على ابنه أو ابنته؛ لأن المجتمع ضاغط عليهم ضغطاً شديداً، بل يأتي الولد إلى بيت أبيه ومعه صديقته، والأب والأم يعلمان أنها صديقته وأنه يعاشرها، وكذلك الفتاة تحضر الشاب إلى بيتها على أنه صديقها، والصديق والصديقة قد يكونان من الشباب المسلمين.. فقال لي ذلك الأخ إن مشكلتنا هي (boy friend - girl friend) الصديق والصديقة، فأنا قلت إن علاج المشكلة هي زوج فريند(Zawj friend) وتستند أساساً إلى الأركان الواجب توافرها في الزواج الشرعي والمحددة بوجود المأذون والشاهدين وصيغة العقد والمهر المتراضى عليه، إضافة إلى ما يستوجبه من إشهار لعقد الزواج وإعلانه، وليس في هذه الشروط وجود منزل مع الزوج.
منع الفتنة
وأشار الشيخ الزنداني إلى أن تطبيق "زوج فريند" في الغرب بين أبناء المسلمين يؤدي إلى اتقاء شرور الفتن الأخلاقية؛ وذلك بإيجاد الحلول الشرعية المناسبة من خلال تيسير الزواج؛ لأنه يمكن لأي شاب وشابة أن يتربطا بعقد زواج شرعي من دون أن يمتلكا بيتاًَ، إذ يكتفى في البداية بأن يعود كل منهما لمنزل أبويه بعد اللقاء.
ويفسر الزنداني المقصود بالزواج بأنه هو الزواج الشرعي وفق القواعد الشرعية، وهي مسألة شرعية، فالأب يرضى وكذلك الولي والزوج والزوجة، والعقد يتم بناء على رضاء الطرفين (إيجاب وقبول)،والمهر يحدد، ثم له بعد ذلك أن يخلو بها فهي زوجته وهو زوجها.والمطلوب من الزواج هو الإشهار، ويكون هذا العقد أمام مجموعة من المسلمين في المسجد أو في مكان عام؛ ليعلم الجميع إذا جاء ولد من هو أبوه، فما يحدث في أوروبا والغرب أن الفتاة تحمل.. ولكثرة من يمرون عليها من(boy friend) لا يعلمون من والد ذلك الطفل ولا يستطيعون تحمّل ولد لا يعلم إذا كان ابنه أم لا..".
زواج شرعي
ويؤكد الشيخ الزنداني أن الصيغة الشرعية الصحيحة الموجودة في الزواج يمكن تطبيقها في أوروبا باسم "زوج فريند"؛ لأنها صيغة شرعية إذ اكتملت فيها أركان الزواج الشرعي. لكن لم نشترط ما لم يشترطه الشرع من بيت وغيره، فيسكن الزوج في أي مكان، فهذه الصيغة تناسب أهل الغرب؛ لأن الفوضى الجنسية ضاربة وتجرف شبابهم وشاباتهم إلى شيء اسمه صديق وصديقة، فعندهم العلاقات الزوجية تقوم على الصداقة ولا تقوم على الزواج الشرعي، أما في بلاد المسلمين فالفتوى تتغير من مكان إلى مكان، لذا أطالب بتسهيل الزواج والزواج المبكر وخفض المهور
ويذكر الزندانى بقاعدة " التيسير " التى يستند عليها الفقه الإسلامي شرعياً وتاريخياً بخصوصية المكان والزمان ومراعاة هذا الفقه للمتغيرات الجارية على حياة الناس ومن هنا جاءت دعوته الى النهوض بما يعرف " بفقه الأقليات " والعمل الدءوب على تطويره 00 ولتقريب الصورة أكثر عمد الشيخ الزندانى الى استعمال القياس فقال : انه بدلاً من أن يدخل الشباب المسلم فى الغرب فى علاقات بوى فريند وجيرل فريند يجب أن تتاح له علاقة زوجية ميسرة دون امتلاك منزل، لأنه كما سبق التوضيح البيت ليس شرطاً شرعياً من شروط صحة الزواج 0
هذه حجة الشيخ الزندانى ومبنى فتواه بالحل .
زواج الفريند بين مؤيد ومعارض :
1-الدكتور "محمد سيد طنطا وي" ـ شيخ الأزهر علق على الفتوى قائلاً: لا شك في أن كل ما يؤدي إلى الحلال فهو حلال، وكل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وقد بيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات"يجب البعد عنها حتى لا نقع في المحظور، فهذه مبادئ عامة. ونظراً لعدم تكامل الفتوى وعدم إجابتها عن الكثير من التساؤلات حولها وظروف عقد الزواج.. وهل هو متكامل شرعاً؟ وهل نية الزوج أنه مؤقت أو مؤبد؟ وغير ذلك الكثير فإنني أستطيع القول بأن هناك شروطا يجب توافرها في عقد الزواج ليصبح صحيحاً في الشريعة الإسلامية، وهي أن يكون العقد بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر، وأن يتلاقى الإيجاب والقبول على المقصود من العقد ،وهو الزواج وفي مجلس واحد ، وبألفاظ تدل على التمليك وعلى تنجيز العقد وتأبيده، وأن تتوافر في أطراف العقد الأهلية الكاملة بشروطها وأوصافها، وأن تكون المرأة المراد العقد عليها غير محرمة على من يريد الزواج منها لأي سبب، وأن يتم العقد بحضور شاهدين تتوافر فيهما الأهلية للشهادة ويسمعان كلام العاقدين ويفهمان المقصود منه في وقت واحد، ويشترط إسلام الشاهدين إذا كان الزوجان مسلمين، وأن يكون ذلك برضا وحضور ولي أمر الزوجة؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل".
التنازل لا الإجبار
وأوضح شيخ الأزهر أنه إذا كان عقد الزواج الذي أشارت إليه الفتوى تتوافر فيه الشروط السابقة فهو حلال؛ لأنه من حق المرأة التنازل عن حقها في السكن أو النفقة برضاها، وليس للزوج إجبارها على ذلك، فإذا اشترطا ذلك وتراضيا عليه فلا مانع شرعاً؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً"، وقوله "إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج".
وبمثل ذلك يقول مفتي مصر السابق ،ورئيس جامعة الأزهر حالياً فضيلة الدكتور "أحمد الطيب" فينتصر للفتوى قائلا: "إنه لا يوجد مانع شرعي من أن يتم عقد الزواج عن إيجاب وقبول ومهر وشهود وإشهار". وأكد فضيلته أن عدم توفُّر مسكن خاص بالزوجين لا يبطل الزواج، وأجاز لقاءهم في بعض الأوقات ثم الافتراق في المعيشة بعد ذلك.. وأضاف أن هذا النوع من الزواج يعد حلا مثاليا لمشاكل العصر كالعنوسة، ويساعد الشباب في بداية حياتهم خاصة بعد تفشي البطالة، وعدم القدرة على تدبير نفقات الزواج. كما أشار إلى خطورة استعمال المصطلحات الغربية في هذا النوع من الزواج الشرعي؛ حتى لا تنعته بما لا يصدق .
2- أما الدكتور "محمد رأفت عثمان" ـ العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ـ فيضع بعض التحفظات على هذا الزواج حتى يكون حلالاً، وعن فتوى الزندانى يقول:هذه الفتوى إذا كانت تشترط في العلاقة التي ستنشأ بين الشاب والفتاة أن تكون قائمة على عقد زواجٍ مستوفٍ أركانه وشروط صحته من الناحية الشرعية؛ فهي بلا شك تحل جانباً من مشكلات الشباب المسلم في الدول الغربية، إلا أنها قد تخلق مشكلة أخرى بين هؤلاء الأزواج إذا حدث حمل، فمن سيقوم بتربية الولد الذي سينشأ بين زوجين متباعدين، أم أنهما سيرسلان ابنيهما إلى احدى مؤسسات رعاية الأطفال مجهولي النسب؟! بالإضافة إلى ضرورة أن يعرف المخالطون لأسرة الزوجين أنهما متزوجان زواجاً شرعياً وأنهما تراضيا على هذا الوضع حتى لا يساء الظن بهما.
لهذا أرى أن هذه الفتوى رغم أنها تحل مشكلة إلا إنها ستنشأ عنها مشكلات أخرى يجب البحث عن علاج لها، كأن تقوم الدول والهيئات الإسلامية الغنية بمساعدة الشباب المسلم على تأجير مسكن مناسب وبأقل الأسعار ليعيش فيه عيشة كاملة، بدلاً من زواج المبعدين الذي يمثل مشكلة لأسرتيهما، خصوصاً أسرة الفتاة التي قد تكون موجودة في أسرة ظروفها صعبة ومسكنها ضيق، وتزيد الوضع سوءاً بزواجها وإنجابها في بيت أبيها، ومع هذا فمن حسنات هذا الزواج أنه سوف يعمل على تقليل الزيجات العرفية غير الشرعية، ويقلل الفحشاء في مجتمعاتنا الإسلامية. ، ويتفق معه فى ذلك الشيخ "عبد المحسن العبيكان" من علماء السعودية، وأضاف أن المرأة من حقها أن تتنازل عن البيت والنفقة، وأكد ضرورة ألا يكون هذا الزواج مؤقتا أو بهدف الطلاق فيما بعد
ضوابط شرعية
3-يؤكد الدكتور "محمد المختار المهدي" ـ الرئيس العام للجمعية الشرعية والأستاذ بجامعة الأزهر ـ أن هذا الزواج رغم أنه صحيح شرعاً إلا أنه لا يحقق الاستقرار التام بين الزوجين، بل إنني أخشى أن يكون مثل هذا الزواج أقرب إلى زواج المتعة المحرم شرعاً إذا كانت نية الزوجين أو أحدهما أنه محدد لفترة معينة أو مؤقتة، ويمكن أن يكون هذا الزواج فيه مساوئ الزواج العرفي من قيام المرأة بتزويج نفسها من دون وجود شهود عدول أو إذن وليها أو حتى الإشهار، أما إذا كان هذا الزواج مكتمل الأركان وليس مؤقتاً وليس زواجاً عرفياً، فلا مانع منه شرعاً إذا تنازلت الزوجة بمحض إرادتها عن حقها في السكن والنفقة اللذين جاء الأمر الإلهي بهما في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ..}، وقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ..}.ومن حق المرأة التنازل عن بعض حقوقها برضاها؛ لقوله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}.
كثرة السلبيات
4- وتعترض الدكتورة سعاد صالح ـ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر ـ على هذه الفتوى رغم أنها تقرر أنه زواج شرعي قائلة:هذا الزواج سلبياته أكثر من إيجابياته، فرغم أنه شرعي إلا أنه لا يحقق كل المقاصد الشرعية المرجوة من عقد الزواج، التي يمكن إيجازها في نقاط عدة، هي:تنظيم الطاقة الجنسية لتحقيق غاية جليلة هي التناسل والتوالد والتكاثر والإنجاب، تنفيذاً لقوله تعالى: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء..}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة"، والمشاركة في أعباء الحياة؛ لأن عقد الزواج مؤبد وليس مؤقتاً، وهذا منطلق من قوله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً..}، وتربية الأجيال الجديدة وحفظ الأنساب.
وأوضحت الدكتورة سعاد صالح أن هذه الفتوى تمثل علاجاً مؤقتاً لمشكلة يجب علاجها علاجا جذرياً؛ لأنها مخالفة للإسلام، وهي المغالاة في المهور وتكاليف الزواج، والحل الإسلامي لها التيسير والتخفيف من معاناة الشباب والفتيات. وأخشى أن تكون هذه الفتوى مفتاحا للتراخي في حل المشكلات التي تحول دون زواج متكامل شكلاً وموضوعأً، لا سيما وأن الزوجين المتباعدين قد ينحرفان أثناء التباعد وعدم مراقبة أحدهما للآخر في سلوكياته؛ لأن اللقاء بينهما لا يزيد على لقاء جنسي فقط ثم يذهب كل منهما إلى حال سبيله، وقد تزيد المشكلة مع إحساس المرأة بالندية والاستقلالية عن الرجل في الغرب؛ لهذا يكون الزواج محفوفاً بالأخطار، ومحكوماً عليه بالفشل مستقبلاًِ لينتج عنه مطلقات وأطفالا يفتقدون الرعاية؛ وحاصل قولها إن هذا الزواج يحمل في داخله عوامل فشله حتى لو كان صحيحاً شرعاً، وهو صورة أخرى من زواج المسيار الذي عليه التحفظات السابقة رغم أنه صحيح شرعاً.
5- وأشد من الدكتورة سعاد إنكارا أستاذنا الدكتور نصر فريد واصل ، مفتى مصر الأسبق ، إذ يحمل عليه حتى يقول إن هذا الزواج يتساوى فيه الإنسان مع الحيوان؛ لأن الزواج شُرِعَ ليكون رباطاً وثيقاً بين الرجل والمرأة، يقوم على المودة والرحمة. ومن مقاصد الزواج الأساسية السكن والمودة بين الزوجين فإذا لم يتحقق هذا المقصد؛ فقد الزواج قيمتَه وأصبح شهوةً يتساوى فيها الإنسانُ والحيوانُ.
وفى رأيى ، وعلى أساس الدراسات التى عنيت بما يسمى الآن بفقه الأقليات فإن ضوابط الفتوى فى شأن قضايا المسلمين فى مجتمعات الكثرة المسلمة تختلف فى بعض آحادها عن فتوى القاطنين بمجتمعات الكثرة غير المسلمة ، وكما يقول الدكتور سالم بن عبد الغنى الرافعى : وإذ " هيأ لى إشرافى على المركز الإسلامى فى برلين الوقوف على مشاكل الجالية ، والنظر فى همومها ومعاناتها ، وكان من تلك الهموم غياب الفتوى التى تنبعث من تصور صحيح للواقع الذى يعيشه المسلمون هناك مع وجود فتاوى متعارضة لا تزيد الناس إلا حيرة ...... فإننى وجدت أن أكثر الأحكام التى وقع فيها الاضطراب هى أحكام الأحوال الشخصية ، وهى أكثر المسائل إلحاحا فى الغرب " ( ) ففى هذا الباب تتسع الشقة بين الإسلام والغرب ، وتباعد الشقة يستدعى اجتهادا يلائم هذا الواقع بكل مكوناته وتعقيداته واستطاعاته إلى جانب فقه النص المراد تنزيله على هذا الواقع ، " فتغير الواقع ، وتبدل الحال يقتضى بالضرورة إعادة النظر بالاجتهاد أو بالحكم الاجتهادى ، ولا ضير فى ذلك ، بل الضير ، والضرر فى الجمود على الأحكام الاجتهادية مهما تغيرت وتبدلت الظروف فبذلك تتحول الأحكام الاجتهادية من كونها حلا للمشكلات لتصبح فى تطبيقها وتنزيلها على غير محلها هى المشكل الحقيقى " ( )و حيث إن هذه من فتوى الأقلية ، تستهدف من بين ما تستهدف نجاح هذه الأقلية في التفاعل السليم مع محيطها، فإنها راعت أطر فقه الأقليات وهي على التوالي كما يرى الشيخ القرضاوى : لا فقه بغير اجتهاد معاصر قويم، مع مراعاة القواعد الفقهية الكلية، و العناية بفقه الواقع المعيشي،و التركيز على فقه الجماعة لا مجرد الأفراد، و تبني منهج التيسير،و مراعاة قاعدة تغير الفتوى بتغير موجباتها، ومراعاة سنة التدرج، والاعتراف بالضرورات والحاجـــــــــات البشرية، وأخيــــرا التحـــرر من الالتزام المذهبى ( ) .
وحيث إن فتوى العلامة الزندانى لم تنل من أركان العقد ولا من شروط صحته ، وغاية أثرها أنها انتقصت من آثاره برضا وقبول أطرافه فإنها – وفى هذا الإطار – لا تقر باطلا ، ولا أحسبها كما يقول أستاذنا الدكتور نصر فريد واصل تصل بالمتعاقدين إلى ما وصف ، بل إنها توصد بابا من الشر ، ولا تجافى واقع المجتمعات الغربية ، ومن ثم فلا سبب يدعو إلى القول بردها ، وإن كنت أوافق الدكتور الطيب فى أفضلية أن نحفظ علينا مصطلحاتنا .